مجلة البيان للبرقوقي/العدد 13/اختزال الكتابة العربية
→ من وصية أرسطو للاسكندر | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 13 اختزال الكتابة العربية [[مؤلف:|]] |
مطبوعات جديدة ← |
بتاريخ: 1 - 10 - 1913 |
الإختزال فن قديم يرجع عهده إلى الرومان. فقد زاولوا الخط المختزل في عهد شيشرون خطيبهم الشهير، وأول من كتب به نيرون الروماني. وقد عثر الدكتور أرثور هنت بمصر على ورقة من البردي (البابيرس) كتبت سنة 155 بعد الميلاد بالخط المختزل وهي عبارة عن عقد بين تلميذ ومعلم. ويستفاد من ذلك أن الإختزال كان يعلم في بلاد مصر ولكنه زال بزوال الرومان كما أن الديمطوقي أي الخط العامي المصري وهو عندهم في مقام الإختزال للخط الهيروغليفي القديم قد اندثر على مر الأيام.
وكانت أول خطوة لانتشار الكتابة المختزلة ببلاد أوربا سنة 1174 بانكلترا ثم أخذ هذا الفن يذيع بتلك البلاد ويدخل في طور الإتقان إلى أن استعمل في فرنسا وعلم في مدارسها حتى وصل بين هاتين الأمتين إلى ما نراه اليوم من الكمال والإتقان. أما في ألمانيا فلم يوجد بها من وضع طريقة للإختزال ولم يظهر أثره فيها إلا في أواخر القرن السابع عشر. ولقد عمت فائدة هذا الفن وانتشر استعماله في أغلب البلاد الأوروبية فبدئ باستعماله في البرلمان الانكليزي سنة 1780 وفي مجلس الأمة بفرنسا سنة 1790 وفي مجالس النواب الألماني سنة 1890.
وقد نشرت مجلة المقتطف في أواخر القرن الماضي مقالة في فن الإختزال ولخصت طريقة قد ابتكرها حضرة العلامة سليمان بك البستاني وهو أول من وضع أساس هذه الفكرة وقدر الفوائد التي تعود منها على البلاد العربية قدرها ولكنا نقول مع الأسف أن تلك الطريقة في بدئها لم تأت بنتيجة مرضية على الرغم من أن الإشارات التي استعملت لها كانت من أبسط العلامات الهندسية ولا شك عندنا أنه لو كان العالم البستاني بذل جهده ووجد متسعاً من الوقت كافياً لنجحت طريقته وعمت هذه البلاد. وقد جاء من بعده آخرون ووضع كل منهم طريقة للإختزال العربي ولكنها لم تف بالغرض المقصود إذ ظهر في بعضها نقص وعجز استحال معهما انتشارها.
ولما شعرت الحكومة المصرية بحاجتها إلى وضع طريقة للكتابة العربية المختزلة قصد تعليمها في مدارسها التجارية وإدخالها في مصالحها أخذت تنشط الكثيرين وتمهد لهم السبيل حتى كثرت المساعي في السنين الأخيرة واتجهت الهمم إلى وضع طرق شتى. بيد أن القائمين بهذه الفكرة لم يتوخوا استنباط طريقة اختزالية خاصة باللغة العربية بل طبقو بعض الطرق الأوروبية واقتبسوا منها ما أدخلوه على الكتابة العربية فلم يوفقوا إلى إنجاح مشروعهم. فمنهم من استعمل في طريقته أشكالاً مبهمة ورموزاً غامضة، ومنهم من أدخل الشكل في الكتابة فزادها بذلك صعوبة وغموضاً ومنهم من استعمل أشكالاً مشتركة لحرفين أو ثلاثة أو أربعة حتى كانت تصعب القراءة على المختزل بعد كتابتها، وقد استنبط أحدهم طريقة أخرى ورأى كتابتها من اليسار إلى اليمين فمسخ بذلك روح الكتابة العربية المأخوذة عن الكتابة الأرامية وهي كما لا يخفى تكتب دائماً من اليمين إلى اليسار، ولم تتغير عن هذه الصورة منذ إنشائها إلى الأن.
وقد قام سعادة المفضال أحمد باشا زكي سكرتير مجلس النظار وحث على الاهتمام بهذا الفن ورضخ من ماله (تبرع) بمبلغ خمسين جنيهاً وأعلن توزيعها على الفائزين في امتحان قام به نظارة المعارف في 18 ديسمبر سنة 1912 وقد بلغ عدد المتبارين عشرة فأستقرت النتيجة عن فشلهم جميعاً ولم ينل الجائزة المفروضة أحد إذ كان القدر المحدود تسعين كلمة في الدقيقة وهذا ما يدل على صعوبة الطرق التي كانوا يدرسونها.
وقد اهتدى المسيو راوول بينكردي المختز لسكرتارية نظارة المالية إلى وضع طريقة إختزالية باللغة العربية بعد أن قضى زمناً طويلاً في بحث وتنقيب وذلل ما صادفه من الصعوبات الجمة في هذه السبيل ثم نشر كتابه في شهر يوليو الماضي إجابة لإلحاح الكثيرين ممن يفضلون طريقته على غيرها فطبع الجزء الأول منه مصدراً بمقدمة تاريخية مسهبة في تاريخ الكتابة عموماً والكتابة المختزلة خصوصاً ثم أخذ من ذلك الحين يدرس طريقته هذه مجاناً في مدارس برلتز ويلقيها على نفر ممن يرغبون في تعلمها ويسرنا أن نقول أن المجتهدين منهم يكتبون اليوم بسرعة كادت تسبق سرعة من سبقهم من الطلبة في هذا الفن منذ الأربع السنوات الأخيرة وذلك على الرغم من حداثة عهدهم وهي بلا شك نتيجة مرضية تنبشر بنجاح باهر. وقد تمتاز هذه الطريقة أيضاً بأنها لا تقتصر على وضع رموز وخطوط وأقواس ودوائر كما هي الحال في أغلب الطرق المختزلة بل أنها مبنية على قواعد معقولة مطابقة لروح اللغة العربية، وموافقة لأسلوب الكتابة بها كجمع الحرفين أو الثلاثة معاً وجعلها صوتية إذ أن الكلمات العربية تكتب غالباً كما تنطق وهذه ميزة قد لا تجدها في أية طريقة أخرى، ولقد تصفحنا كتابه هذا فوجدناه محكم الوضع سهل المأخذ، فقد أعطي لكل حرف من الحروف الهجائية علامة هندسية خصيصة به ثم أتى بعلامات إضافية لبعض الحروف ليسهل بذلك اتصالها واستغنى بذلك عن الشكل لأنه من العبث استعماله في الكتابة المختزلة ثم اتخذ من ذلك كله قاعدة عامة ثابتة لا تتغير يسهل على الطالب إدراكها فجاءت طريقته أفضل ما ظهر (في رأينا) من نوعها حتى الآن. وقد طلبنا إلى المسيو راوول بينكردي نموذجاً من خطه المختزل فقدم لنا نبذة من المقامة العاصمية للشيخ ناصيف اليازجي نشرنا صورتها هنا (أنظر صورة المقامة) على الرغم من أن أغلب الكلمات العربية الموجودة في هذه النبذة لغوية ونادرة الاستعمال إلا أنك تجد لها علامات في غاية من البساطة لا يوجد بين الواحدة والأخرى أدنى غموض ولا إبهام وبعض هذه الكلمات كما ترى متصل بعضه ببعض وذلك مما يزيد السرعة في الكتابة فيتيسر بذلك مجاراة أذلق الخطباء لساناً. وأسرعهم بياناً. فحبذا لو نظرت الحكومة إلى طريقته بعين الإهتمام، وأخذت بناصره تشجيعاً له وتنشيطاً لغيره من الذين يعالجون الاستنباطات العلمية المفيدة شأن سائر الحكومات المتمدنة التي لا تفتأ تمديد التشجيع لمساعدة أفرادها النبغاء على أن اللغة العربية في أشد الافتقار إلى هذا الفن المفيد والحاجة ماسة إلى هذا الاختراع ولاسيما في نظارات الحكومة ودوائرها المختلفة مثل المجالس والمحاكم حيث تلقى الخطب والمرافعات والمحاورات بسرعة يتعذر على الكاتب تدوينها كما هي فيضيع معظمها سدى ويهمل في زوايا النسيان. ولما كانت الأمة المصرية قد دخلت في طور جديد من الرقي وخطت خطوة واسعة في سبيل العلم فنحن نرحب بهذا الاختراع المفيد ونطلب لى حكومتنا السنية تقريره في مدارسها التجارية حتى تعم بذلك الفائدة ونصل إلى الغاية المنشودة إن شاء الله.