الرئيسيةبحث

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 12/علموا الأمة علموا الأمة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 12/علموا الأمة علموا الأمة

مجلة البيان للبرقوقي - العدد 12
علموا الأمة علموا الأمة
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 5 - 5 - 1913


سادتي

رجعت إلى المعاجم التمس منها كلمات تسمو معانيها إلى سماء فضلكم أو صيغة حمد تفي بقليل من واجب شكركم، فما راقني لفظ ولا شاقني معنى ورغبت عن التنقيب والاستفادة، إلى الإقرار والشهادة.

أنا عاجز، نعم عاجز عن إيفائكم حق الثناء لقاء صنيعكم لكني لن أعجز عن الاحتفاظ بعهدكم، والبقاء على الدوام متأثراً بجميلكم.

شرفتم هذا المكان لتكريم خادم ظننتم به خيراً وما خيره إلا منكم وأردتم أن تولوا له فضلاً والفضل أنتم مواليه، ولا أرى في اجتماعكم هذا إلا حركة نفيسة من حركات الأمة تقطع دور السكون وتعن يقظتها وشخوصها نحو الرقي بعد أن اختمرت الأفكار وتمكن اليقين بأن لا حياة إلا بالحضارة ولا حضارة إلا بالعلم، وما أنا إلا ذريعة اتخذتموها للقيام بهذه الحركة المباركة.

هذا مظهر خلق جديد كمن حتى اكتمل وسكن حتى نما وتم، خلق لا تقوم أمة بدونه، وهو عماد كل رق وهو محبة الكل خير الكل في كل فرد من الأفراد، وظهور هذا الخلق دليل على ما للأمة من الصفات الكريمة الأولية، ومن الأخلاق الفطرية الاجتماعية، مما إذا عولج صفا وأعلى مكانتها ووصل بها إلى الدرجة التي يستحقها في هذا الوجود.

من يخبر حال هذه الأمة ويقف على كنه خلقها ويعرف جيداً حقيقة خصالها، ويدرك الصحيح من آمالها، وينعم النظر في أعمالها، ويقتنع بأن التربة زكية لا يفسد زرعها إلا شيء من البذور الرديئة، وبأن الخلق كريم يغشاه ستار من عدم العلم التام بالواقع، وبأن الآمال كبيرة شريفة لكنها مشوبة بشكوك وأوهام تطوح بنا يوماً ذات اليمين ويوماً ذات الشمال، أما أعمالنا فثمرة هذا وذاك، نهتاج والسكون واجب، ونلهو وكل النجح في العمل وما كان شيء من كل هذا يكون لولا خطأ في تقدير حقيقة حالنا، وعدم التفات إلى حركة البيئة التي نحن فيها، ونسيان لشيء كثير من الماضي ولهو عن الحاضر وعدم اهتمام بما هو آت، ومحال أن تدوم هذه الحال فلا بد لنا من إعداد العدة اللازمة لذلك التحول وما هي إلا العلم.

العلم هو سلم الأمم إلى حضارتها، فهو كاشف ظلمات الجهل، ومسدد الآراء، ومنجح ك مجهود، هو الذي اخترق الأرض فأخرج مكنوناتها، وحكم في المادة فاستلب منها كنوزها، وتسلط على البحار فسادها، ورمي إلى الجو فحلق في القبة الزرقاء طالباً للناس علواً وكمالاً، وقرب الأبعاد فأضاف إلى الوقت أوقاتاً، وضم إلى حياة الناس حياة وحياة، بهذا أنار البصائر، وشد العزائم، وقوى الهمم، فأنهض الأمم وأعلى كلمة التي كان حظها منه وفيراً.

أرجو أن يكون في مظهركم هذا دليل على أننا قطعنا دور التنافر والتفرق وعرفنا الصواب بعد أن حجبته عنا الأوهام زمناً طويلاً، ودخلنا من باب العمل الصحيح النافع، واقتنعنا بأن الضعف وما الضعف إلا الجهل يطمس على القلوب ويجعل القوم يرون حسناً ما ليس بالحسن، يظنون أن التأخر آت من عارض خارجي، وأنهم إذا قعدوا عن التماس وسائل التقدم فالمقصد يجذبهم إلى الوراء، لكنهم متى علموا أن العلة ذاتية، وأن الدواء في اليد، وأن قتل الوقت في الظنة والاتهام مضيعة لما يفيد، وداع جديد من دواعي الضعف والتأخر.

أرجو أن يكون في اجتماعكم هذا دليل على السآمة من هذه الحال بل على الفزع من أخطارها الاجتماعية الكبرى، وعلى أن العلم الذي ينبث فينا أخذ ينقي الضمائر، ويجمع شمل المتفرقين، ويطهر السرائر، ويوحد كفة المتنافرين، وينير البصائر فيهدينا إلى أن التآزر شرط النجاح، وأن يد الله مع الجماعة وأن التباغض مجلبة الشر، والتنابذ يمهد سبيل الذل، وأن في التضاعن تهلكة للناس.

لعل رجائي محقق بإقبالكم على هذا المكان ملتفين حول راية واحدة مع اختلاف العناصر والمعتقدات، ومنبعثين من روح واحد ألف بين قلوبكم جميعاً تعارفتم وجئتم أخواناً فرحين بوجه باسم يحيي موجد هذا الروح وباعثك الشعور - العلم.

سادتي

ماخيم الجهل في أمة إلا أذلها، وما انبلج ضوء العلم بين قوم إلا عزوا أيها العلماء أيها العظماء أيها الشعراء والأدباء قادة الأفكار دعاة الأمة، أربأوا بها فالسبيل واضحة، علموا الأمة، علموا الأمة.