الرئيسيةبحث

مبسوط السرخسي - الجزء العاشر

المبسوط السرخسي ج 10

[ 1 ] (الجزء العاشر من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيضا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب السير) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالى إعلم ان السير جمع سيرة وبه سمى هذا الكتاب لانه بين فيه سيرة المسلمين في المعاملة مع المشركين من أهل الحرب ومع أهل العهد منهم من المستأمنين وأهل الذمة ومع المرتدين الذين هم أخبث الكفار بالانكار بعد الاقرار ومع أهل البغي الذين حالهم دون حال المشركين وان كانوا جاهلين وفي التأويل مبطلين فأما بيان المعاملة مع المشركين فنقول الواجب دعاؤهم إلى الدين وقتال الممتنعين منهم من الاجابة لان صفة هذه الامة في الكتب المنزلة الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وبها كانوا خير الامم قال الله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس الآية ورأس المعروف الايمان بالله تعالى فعلى كل مؤمن ان يكون آمرا به داعيا إليه وأصل المنكر الشرك فهو أعظم ما يكون من الجهل والعناد لما فيه من انكار الحق من غير تأويل فعلى كل مؤمن ان ينهى عنه بما يقدر عليه وقد كان رسول الله ﷺ مأمورا في الابتداء بالصفح والاعراض عن المشركين قا ل الله تعالى فاصفح اصفح الجميل وقال تعالى وأعرض عن المشركين ثم أمر بالدعاء إلى الدين بالوعظ والمجادلة بالاحسن فقال تعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هي أحسن ثم أمر بالقتال إذا كانت البداية منهم فقال تعالى اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا أي اذن لهم في الدفع وقال تعالى فان قاتلوكم فاقتلوهم وقال تعالى وان جنحوا للسلم فاجنح لها ثم أمر بالبداية بالقتال فقال تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة وقال تعالى فاقتلوا ؟ المشركين حيث وجدتموهم وقال رسول الله ﷺ امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله فاستقر الامر على فرضية الجهاد مع المشركين وهو فرض قائم إلى قيام

[ 3 ] الساعة قال النبي ﷺ الجهاد ماض منذ بعثنى الله تعالى إلى ان يقاتل آخر عصابة من أمتى الدجال وقال ﷺ بعثت بالسيف بين يدى الساعة وجعل رزقي تحت ظل رمحي والذل والصغار على من خالفني ومن تشبه بقوم فهو منهم وتفسيره منقول عن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى قال بعث الله تعالى رسول الله ﷺ باربعة سيوف سيف قاتل به بنفسه عبدة الاوثان وسيف قاتل به أبو بكر رضي الله تعالى عنه أهل الردة قال الله تعالى تقاتلونهم أو يسلمون وسيف قاتل به عمر رضى الله تعالى عنه المجوس وأهل الكتاب قال الله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية وسيف قاتل به على رضى الله تعالى عنه المارقين والناكثين والقاسطين وهكذا روى عنه قال أمرت بقتال المارقين والناكثين والقاسطين قال الله تعالى فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ الي أمر الله ثم فريضة الجهاد على نوعين أحدهما عين على كل من يقوى عليه بقدر طاقته وهوما إذا كان النفير عاما قال الله تعالى انفروا خفافا وثقالا وقال تعالى مالكم إذا قيل انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض إلى قوله يعذبكم عذابا أليما ونوع هو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود وهو كسرشوكة المشركين واعزاز الدين لانه لو جعل فرضا في كل وقت على كل أحد عاد على موضوعه بالنقض والمقصود أن يامن المسلمون ويتمكنوا من القيام بمصالح دينهم ودنياهم فإذا اشتغل الكل بالجهاد لم يتفرغوا للقيام بمصالح دنياهم فلذلك قلنا إذا قام به البعض سقط عن الباقين وقد كان رسول الله ﷺ تارة يخرج وتارة يبعث غيره حتى قال وددت أن لا تخرج سرية أو جيش الا وأنا معهم ولكن لا أجد ما أحملهم ولا تطيب أنفسهم بالتخلف عنى ولوددت أن أقاتل في سبيل الله تعالى حتي أقتل ثم أحيى ثم اقتل ففي هذا دليل على أن الجهاد وصفة الشهادة في الفضيلة بأعلى النهاية حتي تمنى ذلك رسول الله ﷺ مع درجة الرسالة وفى حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله وسلم قال المجاهد في سبيل الله كالصائم القائم الراكع الساجد الشاهد وفى حديث الحسن رضى الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال غدوة أو روحة في سبيل الله تعالى خير من الدنيا وما فيها والآثار في فضيلة الجهاد كثيرة وقد سماه رسول الله ﷺ سنام الدين وعلى امام المسلمين في كل وقت أن يبذل مجهوده في الخروج بنفسه أو يبعث الجيوش

[ 4 ] والسرايا من المسلمين ثم يثق بجميل وعد الله تعالى في نصرته بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصركم فإذا بعث جيشا ينبغى أن يؤمر عليهم أميرا هكذا كان يفعله رسول الله ﷺ ولان به يجتمع كلامهم وتتألف قلوبهم وبذلك ينصرون قال الله تعالى هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم وانما يؤمر عليهم من يكون صالحا لذلك بأن يكون حسن التدبير في أمر الحرب ورعا مشفقا عليهم سخيا شجاعا ويحكي عن نصربن سيار رحمه الله تعالى قال اجتمع عظماء العجم وغيرهم على أن قائد الجيش ينبغى ان يكون فيه عشر خصال من خصال البهائم شجاعة كشجاعة الديك وتحنن كتحنن الدجاجة وقلب كقلب الاسد وروغان كروغان الثعلب أي صاحب مكر وحيلة وغارة كغارة الذئب وحذر كحذر الغراب وحرص كحرص الكركي وصبر على الجراح كالكلب وحملة كالجبهة وسمن كما يكون لدابة بخراسان لا تهزل بحال وإذا أمر عليهم بهذه الصفة فينبغي له أن يوصيه بهم كما بدأ الكتاب ببيانه ورواه عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى عن علقمة بن مرثد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضى الله عنهم قال كان رسول الله ﷺ إذا بعث جيشا أو سرية أوصى صاحبهم بتقوى الله في خاصة نفسه ففي هذا إشارة إلى الفرق بين الجيش والسرية فالسرية عدد قليل يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار والجيش هو الجمع العظيم الذى يجيش بعضهم في بعض قال ﷺ خير الاصحاب أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يغلب اثنا عشر ألفا عن قلة إذا كانت كلمتهم واحدة وفيه بيان أنه ينبغي للامام ان يخص صاحب الجيش والسرية بالوصية لانه يجعلهم تحت أمره وولايته فيوصيه بهم وفى تخصيصه بالوصية بيان ان عليهم طاعته فلا تظهر فائدة الامارة الا بذلك وقد أوصي أبو بكر رضى الله عنه يزيد بن أبى سفيان رحمه الله حين وجهه إلى الشام في حديث طويل ذكره في السير الكبير وانما يوصيه بتقوى الله تعالى لانه بالتقوي ينال النصرة والمدد من السماء قال الله تعالى بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم وبالتقوي يجتمع للمرء مصالح المعاش والمعاد قال ﷺ ملاك دينكم الورع وقال التقى ملجم وقيل في معنى قوله في خاصة نفسه أنه كان يوصيه سرا حتى لا يقف على جميع ما يوصيه به غيره والاظهر ان المراد أنه كان يوصيه في حق نفسه أولا ثم يوصيه بمن معه من المسلمين خيرا قال ﷺ ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ونفسه

[ 5 ] إليه أقرب فكأنه كان يوصيه بحفظ نفسه من المهالك وحفظ من معه من المسلمين حتي لا يرضى لهم الا بما يرضى لنفسه ولا يخص نفسه بشئ دونهم فبذلك يتحقق التألف وانقيادهم له ثم قال اغزوا باسم الله أي اخرجوا واقصدوا والغزو القصد قال الله تعالى أو كانوا غزا وبين أنه ينبغى لهم أن يقصدوا على اسم الله تعالى كما قال ﷺ كل أمر ذى بال لم يبدأ فيه باسم الله تعالى فهو أقطع قال وفى سبيل الله أي ليكن خروجكم لابتغاء مرضاة الله تعالى لا لطلب المال فالمجاهد يبذل نفسه وماله فانما يربح على عمله إذا قصد به ابتغاء مرضاة الله تعالى فاما إذا كان قصده تحصيل المال فهو كرة خاسرة ثم قال قاتلوا من كفر بالله فيه دليل فرضية القتال وانهم يقاتلون لدفع فتنة الكفر ودفع شر الكفار وهذا عام لحقه خصوص فالمراد من كفر بالله من المقاتلين ألا ترى أنه ﷺ حين رأى امرأة مقتولة يوم فتح مكة استعظم ذلك وقال هاه ما كانت هذه تقاتل والى ذلك أشار في هذا الحديث بقوله ولا تقتلوا وليدا ثم قال ولا تغلوا والغلول السرقة من الغنيمة وهو حرام قال الله تعالى ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة قيل في التفسير يجعل ذلك في قعر جهنم ويؤمر باخراجه وكل ما انتهي إلى شفير جهنم يرجع في قعرها وقال ﷺ الغلول من جمر جهنم والاسود الذى كان يرحل لرسول الله ﷺ لما أصابه سهم غرب فمات قال الصحابة رضى الله تعالى عنهم هنيأ له الشهادة فقال ﷺ كلا فان العباءة التى غلها من المغنم لتشتعل عليه نارا يوم القيامة وقال في خطبته ردوا الخيط والمخيط فالغلول عار وشنار على صاحبه يوم القيامة قال ولا تغدروا والغدر الخيانة ونقض العهد وهو حرام قال الله تعالى فانبذ إليهم على سواء ان الله لا يحب الخائنين وقال ﷺ لكل غادر لواء يركز عند باب أسته يعرف به غدرته يوم القيامة وكان ﷺ يكتب في العهود وفاء لاغدر فيه قال ولا تمثلوا والمثلة حرام كما روى عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه قال ما قام رسول الله ﷺ فينا خطيبا بعد ما مثل بالعرنيبن الاو يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة فتخصيصه بالذكر في كل وقت وخطبة دليل على تأكيد الحرمة فيه قال ولا تقتلوا وليدا والوليد المولود في اللغة وكل آدمى مولود ولكن هذا اللفظ انما يستعمل في الصغار عادة ففيه دليل على أنه لا يحل قتل الصغار منهم إذا كانوا لا يقاتلون وقد جاء في الحديث أن النبي ﷺ نهى عن قتل النساء والولدان وقال

[ 6 ] اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شروخهم والمراد بالشيوخ البالغين وبالشروخ الاتباع من الصغار والنساء والاستحياء الاسترقاق قال الله تعالى واستحيوا نساءهم وفي وصية أبى بكر رضى لله عنه ليزيد بن أبى سفيان لا تقتل شيخا ضرعا ولاصبيا ضعيفا يعني شيخا فانيا وصغيرا لا يقاتل قال وإذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم إلى الاسلام وفى نسخ أبي حفص رضى الله عنه وإذا حاصرتم حصنا أو مدينة فادعوهم إلى الاسلام وفيه دليل أنه ينبغي للغزاة أن يبدؤا بالدعاء الي الاسلام وهو على وجهين فان كانوا يقاتلون قوما لم تبلغهم الدعوة فلا يحل قتالهم حتي يدعوا لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقال ابن عباس رضي الله عنهما ما قاتل رسول الله ﷺ قوما حتى دعاهم الي لاسلام وهذا لانهم لا يدرون على ماذا يقاتلون فربما يظنون أنهم لصوص قصدوا أموالهم ولو علموا أنهم يقاتلون على الدعاء إلى الدين ربما أجابوا وانقادوا للحق فلهذا يجب تقديم الدعوة وان كانوا قد بلغتهم الدعوة فالاحسن أن يدعوهم إلى الاسلام أيضا فالجد والمبالغة في الانذار بما ينفع وكان ﷺ إذا قاتل قوما من المشركين دعاهم إلى الاسلام ثم اشتغل بالصلاة وعاد بعد الفراغ إلى القتال جدد الدعوة وان تركوا ذلك وبيتوهم فلا بأس بذلك لانهم علموا على ماذا يقاتلون ولو اشتغلوا بالدعوة ربما تحصنوا فلا يتمكن المسلمون منهم فكان لهم أن يقاتلوهم بغير دعوة على ماروي أن النبي ﷺ أمر أسامة بن زيد رضى الله تعالى عنه أن يغير على أبني صباحا وفي رواية ابنان صباحا فان أسلموا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم وفيه دليل أنهم إذا أظهروا الاسلام وجب الكف عنهم وقبول ذلك عنهم واليه أشار ﷺ في قوله فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم وقال تعالى ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلم لست مؤمنا (قال) ادعوهم إلى التحول من ديارهم إلى دار المهاجرين وهذا في وقت كانت الهجرة فريضة وذلك قبل فتح مكة كان يفترض على كل مسلم في قبيلته أن يهاجر إلى المدينة ليتعلم أحكام الدين وينضم إلى المؤمنين في القيام بنصره رسول الله ﷺ قال الله تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا الآية انتسخ ذلك بعد الفتح بقوله ﷺ لاهجرة بعد الفتح وانما هو جهاد ونية وقال ﷺ المهاجر من هجر السوء وهجر ما نهى الله تعالى عنه قال فان فعلوا ذلك فاقبلوا منهم وكفوا عنهم والا فاخبروهم انهم كاعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله الذي يجرى على المسلمين وليس لهم في الفئ ولا في الغنيمة نصيب

[ 7 ] وهذا كان الحكم حين كانت الهجرة فريضة فأمرهم بأن يعلموهم بذلك وهو أن يجرى عليهم حكم الله تعالى لالتزامهم وانقيادهم لدين الحق وليس لهم في الفئ ولافى الغنيمة نصيب لامتناعهم من الجهاد والقيام بنصرة الدين أو الاشتغال بتعلم أحكام الدين ففيه دليل أن النصيب في الغنيمة والفئ لهذين الفريقين والغنيمة اسم للمال المصاب بالقتال على وجه يكون فيه اعلاء كلمة الله تعالى واعزاز دينه والفئ اسم للمصاب من أموالهم بغير قتال كالخراج والجزية قال الله تعالى وما أفاء الله على رسوله الآية فان أبوا فادعوهم إلى اعطاء الجزية وهذا عام دخله الخصوص فالمراد من يقبل منهم الجزية من أهل الكتاب أو المجوس أو عبدة الاوثان من العجم فاما المرتدون وعبدة الاوثان من العرب لاتقبل منهم الجزية ولكنهم يقاتلون إلى أن يسلموا قال الله تعالى تقاتلونهم أو يسلمون أي حتى يسلموا فان كانوا ممن تقبل منهم الجزية بحب عرض ذلك عليهم إذا امتنعوا من الايمان لانه أصل ما ينتهى به القتال قال الله تعالى حتي يعطوا الجزية عن يد وبقبول ذلك يصيرون من أهل دارنا ويلتزمون أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات فيدعون إليه والمراد بالاعطاء القبول والالتزام فان فعلوا ذلك فاقبلوا منهم وكفوا عنهم وإذا حاصرتم أهل حصن أو مدينة فأرادوكم أن تنزلوهم على حكم الله تعالى فلا تنزلوهم فانكم لا تدرون ماحكم الله تعالى فيهم وبه يستدل محمد رحمه الله تعالى على أنه لا يجوز انزال المحاصرين على حكم الله تعالى وأبو يوسف رحمه الله تعالى يجوز ذلك ويقول كان هذا في ذلك الوقت فان الوحى كان ينزل والحكم يتغير ساصة فساعة فالذين كانوا بالبعد من رسول الله ﷺ كانوا لا يدرون ما نزل بعدهم من حكم الله تعالى فأما الآن فقد استقر الحكم وعلى أن الحكم في المشركين الدعاء إلى الاسلام وتخلية سبيلهم ان أجابوا قال الله تعالى فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم فان أبوا فالدعاء إلى التزام الجزية فان أبوا فقتل المقاتلة وسبى الذرية ومحمد رحمه الله تعالى يقول لا يجوز الانزال على حكم الله تعالى كما ذكر في الحديث فان الحكم الذى ذكره أبو يوسف رحمه الله تعالى في قوم وقع الظهر عليهم فأما في قوم محصورين ممتنعين في أنفسهم نزلوا على حكم الله تعالى فلا يدري أن الحكم هذا أو غيره وفى هذا اللفظ دليل لاهل السنة والجماعة على أن المجتهد يخطئ ويصيب فانه قال فانكم لا تدرون ماحكم الله فيهم ولو كان كل مجتهد مصيبا لكان يعلم حكم الله فيهم بالاجتهاد

[ 8 ] لا محالة (فان قيل) فقد قال أنزلوهم على حكمكم ثم احكموا فيهم بما رأيتم ولو لم يكن المجتهد مصيبا للحق لما أمر بانزالهم على حكمنا فانه لا يأمر بالانزال على الخطأ وانما يأمر بالانزال على الصواب (قلنا) نعم نحن لانقول المجتهد يكون مخطئا لا محالة ولكنه على رجاء من الاصابة وهو آت بما في وسعه فلهذا أمر بالانزال على ذلك لا لانه يكون مصيبا للحق باجتهاده لا محالة وفائدة ذلك أنه لا يتمكن فيه شبهة الخلاف إذا نزلوا على حكمنا وحكمنا فيهم بما رأينا ويتمكن ذلك إذا نزلوا على حكم الله تعالى باعتبار ان المجتهد يخطئ ويصيب فهذا فائدة هذا اللفظ (قال) وإذا حاصرتم أهل حصن أو مدينة فارادوكم ان تعطوهم ذمة الله وذمة رسوله ﷺ فلا تعطوهم ذمة الله ولا ذمة رسوله ولكن أعطوهم ذممككم وذمم آبائكم فانكم ان تخفروا ذممكم وذمم آبائكم فهو اهون والمراد بالذمة العهد ومنه سمى أهل الذمة قال الله تعالى لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة أي عهدا فهو عبارة عن اللزوم ومنه سمى محل الالتزام من الآدمى ذمة والالتزام بالعهد يكون وفيه دليل على أنه لا ينبغى للمسلمين ان يعطوا المشركين عهد الله ولاعهد رسوله لانهم ربما يحتاجون إلى النبذ إليهم ونقض عهد الله وعهد رسوله لا يحل واليه أشار بقوله ولكن اعطوهم ذممكم وذمم آبائكم يعنى عهدكم وعهد آبائكم ممن الممالحة والصحبة التى كانوا يعتقدون الحرمة به في الجاهلية فانكم ان تخفروا ذممكم فهو أهون أي تنقضوا يقال أخفر إذا نقض العهد وخفر أي عاهد ومنه الخفير وهو الذى يسير الناس في امانه سمى خفيرا للمعاهدة مع الذين في امانه أو مع الذين يتعرضون للناس في ان لا يقصدوا من كان في أمانه وهذا بيان فوائد الحديث والله أعلم وعن ابن عباس رضى الله عنه ان الخمس كان يقسم على عهد رسول الله ﷺ على خمسة أسهم فلله ولرسوله سهم ولذي القربى سهم وللمساكين سهم ولليتامى سهم ولابن السبيل سهم ثم قسم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم على ثلاثة أسهم لليتامي والمساكين وابن السبيل ومراده بيان قول الله تعالى واعلموا ان ما غنمتم من شئ فان لله خمسه وكان ابن عباس رضى الله عنهما يقول سهم الله وسهم الرسول ﷺ واحد وذكر اسم الله تعالى للتبرك ومفتاح الكلام وكان أبو العالية يقول الغنيمة علي ستة أسهم سهم لله تعالى ويصرف ذلك إلى عمارة الكعبة ان كانت الكعبة بالقرب منها والى عمارة الجامع في كل بلدة هي بالقرب من موضع القسمة لان هذه البقاع مضافة إلى الله تعالى وهذا السهم لله تعالى فيصرف إلى عمارة

[ 9 ] البقاع المضافة إليه خالصا ولسنا نأخذ بهذا فذكر الله تعالى ليس للاستحقاق لان الدنيا بما فيها لله تعالى ولكن للتبرك أو لتشريف هذا المال لان اضافة شئ من الدنيا إلى الله تعالى على الخصوص لمعني التشريف كالمساجد والناقة وهذا المعني يتحقق في الغنيمة لانها أصيبت بطريق فيه اعلاء كلمة الله تعالى واعزاز دينه واما سهم رسول الله ﷺ قد كان ثابتا في حياته وسقط بموته عندنا وقال الشافعي رحمه الله هو باق يصرف إلى كل خليفة بعده لانه كان يأخذ ذلك السهم في حياته ليستعين به في جوائز الوفود والرسل كما قال ﷺ والله ما يحل لى من غنائمكم الا الخمس والخمس مردود فيكم والخليفة بعده محتاج إلى مثل ما كان هو محتاجا إليه فيصرف هذا السهم إليه ولكنا نقول الخلفاء الراشدون بعده لم يرفعوا هذا السهم لانفسهم فعرفنا أنه كان له بدرجة الرسالة لا بالقيام بأمور الناس وذلك غير موجود في الخلفاء بعده ولما اجتمع الصحابة رضي الله عنهم ليفرضوا لابي بكر رضى الله عنه قدر كفايته لم يجعلوا ذلك من هذا السهم ولانه كان له من الغنائم ثلاث حظوظ خمس الخمس والصفي والسهم ثم الخليفة لايقام مقامه في استحقاق الصفى فكذلك في استحقاق خمس الخمس والصفي شئ نفيس كان يصطفيه لنفسه من سيف أو ؟ ؟ ؟ ؟ أو جارية كما روى أنه ﷺ اصطفي ذا الفقار من غنائم بدر وكان سيفا لمنبه بن الحجاج بخلاف ما يزعم الروافض أنه نزل من السماء لعلى رضي الله عنه واصطفي صفية من غنائم خيبر وهذا شئ كان لرأس الجيش في الجاهلية كما قال القائل لك المرباع منها والصفايا * وحكمك والنشيطة والفصول فأما سهم ذوى القربى فقد كان رسول الله ﷺ يصرفه إليهم في حياته وهم صلبية بني هاشم وبنى المطلب ولم يبق لهم ذلك بعده عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى هو مستحق لهم يجمعون من أقطار الارض فيقسم بين ذكورهم واناثهم بالسوية وكان الكرخي رحمه الله تعالى يقول انما سقط بموته هذا السهم في حق الاغنياء منهم دون الفقراء والطحاوي رحمه الله تعالى كان يقول سقط في حق الفقراء والاغنياء منهم جميعا وكان أبو بكر الرازي رحمه الله تعالى يقول لم يكن لهم هذا السهم مستحقا بالقرابة بل كان رسول الله ﷺ يصرفه إليهم مجازاة على النصرة التى كانت منهم ولم يبق ذلك المعني بعد رسول الله ﷺ والاعتماد على هذا والشافعي رحمه الله تعالى استدل

[ 10 ] بظاهر قوله تعالي ولذي القربى فقد أضاف إليهم سهما بلام التمليك فدل أنه حق مستحق لهم وأن الاغنياء والفقراء فيه سواء لانه ليس له في اسم القرابة ما ينبئ عن الفقر والحاجة بخلاف سهم اليتامى ففي اسم اليتيم ما ينبئ عن الحاجة حتى لو أوصي ليتامى بني فلان وهم لا يحصون فالوصية لفقرائهم بخلاف مالو أوصى لاقرباء فلان وقد كان رسول الله ﷺ يعطى الاغنياء منهم فانه أعطى العباس رضي الله عنه وقد كان له عشرون عبدا كل عبد يتجر في عشرين ألفا وأعطى الزبير بن العوام من غنائم خيبر خمسة أسهم سهما له وسهمين لفرسه وسهما لقرابته وسهما لامه صفية وكانت عمة رسول الله ﷺ ورضي عنها فإذا كان هذا الحكم ثابتا في حياة رسول الله ﷺ بقى بعده لانه لانسخ بعد وفاته ومن قال من مشايخنا رحمهم الله ان الا ستحقق للفقراء منهم دون الاغنياء احتج بقوله تعالى كيلا يكون دولة بين الاغنياء منكم وبين مصارف الخمس ثم بين المعنى فيه وهو ان لا يكون شئ منه دولة بين الاغنياء تتداوله أيديهم واسم ذوى القربى عام يتناول الاغنياء والفقراء فيخصه ويحمله على الفقراء بهذا الليل ومن قال لاحق للفقراء والاغنياء منهم جميعا قال المراد بالآية بيان جواز الصرف إليهم لا بيان وجوب الصرف إليهم وكان هذا مشكلا فان الصدقة لا تحل لهم فكان يشكل أنه هل يجوز صرف شئ من الخمس إليهم ولم يزل هذا الاشكال ببيان سهم رسول الله صلي الله عليه وسلم لانه ما كان يصرف ما يأخذ إلى حاجة نفسه فازال الله تعالى هذا الاشكال بقوله تعالى ولذي القربى وانما حملناه على هذا لاجماع الخلفاء الراشدين على قسمة الخمس على ثلاثة أسهم ولا يظن بهم أنه خفى عليهم هذا النص ولا انهم منعوا حق ذوى القربي فعرفنا باجماعهم أنه لم يبق الا الاستحقاق لاغنيائهم وفقرائهم والشافعي رحمه الله تعالى يقول لااجماع ويستدل بالحديث الذي ذكره عن أبى جعفر محمد بن على رضى الله عنهما قال كان رأى على رضى الله عنه في الخمس رأى أهل بيته ولكنه كره ان يخالف أبا بكر وعمر رضى الله عنهما قال والاجماع بدون أهل البيت لا ينعقد كيف وقد كان رأى علي رضى الله عنه معهم ولكنه يتحرز من أن ينسب إلى مخالفة أبى بكر وعمر رضي الله عنهما ولكنا نقول ليس في هذا الحديث بيان من كان يرى ذلك من أهل البيت وقد كان فيهم من لا يكون قوله حجة وانما كره علي رضى الله عنه هذه المخالفة لانه رأى الحجة معهما فانه خالفهما في كثير من

[ 11 ] المسائل حين ظهر الدليل عنده وهذا لانه كان مجتهدا ولا يحل للمجتهد ان يدع رأى نفسه لرأى مجتهد آخر احتشاما له والدليل عليه حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله عن علي رضى الله عنه قال اجتمعت انا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة إلى رسول الله ﷺ فقال العباس كبر سنى ورق عظمي وركبتني المؤن فان رأيت ان تأمر لى بكذا وسقا من طعام فافعل ففعل ذلك وقالت فاطمة رضى الله عنها أنت تعلم مكاني منك فان رأيت ان تأمر لى بمثل ما أمرت به لعمك فافعل ففعل لك وقال زيد بن حارثة كنت أعطيتني أرضا فكنت أزرعها وأعيش بها ثم أخذتها منى فان رأيت أن تردها على فافعل ففعل ذلك فقلت أنا ان رأيت أن توليني القسمة فيما هو حقنا كيلا ينازعني أحد بعدك فافعل ففعل ذلك وقال للعباس رضى الله تعالى عنه هلا سألت كما سأل ابن أخيك فقال إلى ذلك انتهت مسألتي فكنت أقسم في حياة رسول الله ﷺ وفى عهد أبى بكر وصدرا من خلافة عمر رضى الله تعالى عنهما حتى أناه مال عظيم فدعاني لآخذ ماكنت آخذه وأقسمه بين أهل البيت فقلت له ان بنا اليوم عنه غنى وبالمسلمين خلة فاصرفه إليهم ففعل ذلك وقال لى العباس لقد جرمنا اليوم شيئا لا يعود الينا أبدا وكان رجلا داهيا فكان كما قال فبهذا تبين أن عليا رضى الله تعالى عنه علم أن الصرف إليهم للحاجة لا للاستحقاق حين رد بقوله ان بنا اليوم عنه غنى وذكر عن ابن عباس رضى الله عنهما قال عرض علينا عمر رضى الله عنه أن يزوج من الخمس أيمنا وأن يقضى به عن مغرمنا فأبينا الا أن يسلمه الينا فأبى ذلك علينا قال الشافعي رحمه الله تعالى وفي هذا دليل على أن ابن عباس رضى الله عنه كان يري استحقاق ذلك السهم لهم وذلك ظاهر فيما ذكر بعد هذا من كتابه إلى نجدة وكتبت إلى أن تسألني عن سهم ذوى القربى وانا لنزعم أنه لنا ويأبى علينا ذلك غيرنا ولكنا نقول بعد إجماع الخلفاء الراشدين لا يؤخذ بقول ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين في هذا كما لا يؤخذ به في العول وغيره مع أن معني قوله فأبينا الا أن يسلمه الينا لنتولى صرفه إلى المحتاجين منا لا لنصرفه إلى أنفسنا وكل أحد يحب ذلك في أهل بيته ألا ترى أنه قال فأبى ذلك علينا وعمر رضى الله عنه ماكان يعرف بمنع الحق من المستحق بل بايصال الحق إلى المستحق على ما قال ﷺ أينما دار عمر فالحق معه وعن سعيد بن المسيب رضى الله عنه قال قسم رسول الله ﷺ الخمس يوم خيبر فقسم سهم ذوى القربى بين بنى هاشم وبني المطلب

[ 12 ] فكلم عثمان بن عفان وجبير بن مطعم رضى الله عنهما رسول الله ﷺ قالا نحن وبنو المطلب في النسب اليك سواء فأعطيتهم دوننا فقال رسول الله ﷺ انا لم نزل نحن وبنو المطلب في الجاهلية والاسلام معا وفي بعض الروايات قالا لا ينكر فضل بني هاشم لمكانك الذى وضعك الله تعالى فيهم ولكن نحن واخواننا من بنى المطلب اليك في النسب سواء فما بالك أعطيتهم وحرمتنا فقال انهم لم يفارقوني في الجاهلية ولا في الاسلام وفى رواية فانما بنو هاشم وبنو المطلب كشئ واحد وفي رواية لم نزل معهم هكذا وشبك بين أصابعه واعتمادنا على هذا الحديث فقد بين رسول الله ﷺ أن الاستحقاق بالنصرة دون القرابة وأن المراد بالقربى قرب النصرة حين شبك بين أصابعه ومعني الحديث أن أصل النسب وهو عبدمناف كان له أربعة بنين هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس ورسول الله ﷺ كان من أولاد هاشم فانه محمد ﷺ ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم فكانت بنو هاشم أولاد جده وجبير بن مطعم كان من بنى نوفل وعثمان رضى الله عنه كان من بني عبد شمس وولد جد الانسان أقرب إليه من ولد أخ جده فهذا معنى قولهما لاننكر فضل بنى هاشم فأما بنو نوفل وبنو عبد شمس كانوا مع بنى المطلب في القرابة إسوة وقيل بنو نوفل وبنو عبدشمس كانوا أقرب إليه من بني المطلب لان نوفلا وعبد شمس كانا اخوى هاشم لاب وأم والمطلب كان أخا هاشم لابيه لا لامه والاخ لاب وأم أقرب إلى المرء من الاخ لاب ثم أعطى رسول الله ﷺ بنى المطلب ولم يعط بني نوفل وبني عبدشمس فأشكل ذلك عليهما فلذلك سألاه ثم أزال اشكالهما ببيان علة الاستحقاق أنه النصرة دون القرابة ولم يرد يه نصرة القتال فقد كان ذلك موجودا من عثمان رضي الله عنه وجبير بن مطععم وانما أراد نصرة الاجتماع إليه للمؤانسة في حال ماهجره الناس على ماروى أن الله تعالى لما بعث رسول الله ﷺ من بنى هاشم ورأت قريش آثار الخير فيهم حسدوهم وتعاقدوا فيما بينهم أن لا يجالسوا بني هاشم ولا يكلموهم حتي يدفعوا إليهم رسول الله ﷺ ليقتلوه وتعاقد بنو هاشم فيما بينهم على القيام بنصرة رسول الله ﷺ فدخل بنو نوفل وبنو عبدشمس في عهد قريش ودخل بنو المطلب في عهد بني هاشم حتي دخلوا معهم الشعب فكانوا فيه ثلاث سنين مع رسول الله صلى الله

[ 13 ] عليه وسلم حتى أكلوا العلهز من الجهد القصة واليه أشار رسول الله صلى عليه وسلم انا لم نزل نحن وبنو المطلب في الجاهلية والاسلام معا وإذا ثبت أن الاستحقاق بتلك النصرة ولا تبقي تلك النصرة بعد وفاة رسول الله ﷺ فلا يبقي الاستحقاق لا للانتساخ بعد موته بل لانعدام الحكم لعدم علته وهذا معنى ما قلنا إن ذلك كان لرسول الله صلي الله عليه وسلم يصرفه إليهم مجازاة على تلك النصرة المخصوصة فقد كان رسول الله ﷺ يكافئ كل من نصره يوما حتى قال يوما لما عرض عليه الاسارى لو كان معظعم بن عدى حيا لو هبت هؤلاء السى ؟ منه مجازاة له على ما صنع وقد كان مات على شركه ولكنه قام بنصرته يوما وفيه قصة معروفة أو نقول ثبت بالكتاب أن الاستحقاق بالقرابة وببيان رسول الله ﷺ ان الاستحقاق بالنصرة وما كان ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحي فصار هذا الاستحقاق ثابتا بعلة ذات وصفين القرابة والنصرة وانعدم أحد الوصفين وهو النصرة بعد وفاته فلا يبقي الاستحقاق كما أنه لما انعدم أحد الوصفين في حق بني نوفل وبني عبد شمس في حياته لم يعطهم شيئا فبنو هاشم وبنو المطلب بعد وفاته بمنزلة بني نوفل وبني عبد شمس في حياته وتعليق الاستحقاق بالنصرة أولى منه بالقرابة لان القيام بنصرة رسول الله صلى عليه وسلم قربة وطاعة ومال الله تعالى يجوز أن يستحق بعمل هو قربة ولايجوز ان يستحق بنفس القرابة لان قرابة الرجل سبب لاستحقاق ماله فاما مال الله تعالى لا يستحق بالقرابة ولان درجة قرابة رسول الله ﷺ اعلى من أن تجعل علة لاستحقاق شئ من الدنيا ولا معني لما يقول الخصم ان هذا السهم لهم عوض عن حرمة الصدقة عليهم كما قال ﷺ يا معشر بنى هاشم ان الله تعالي كره لكم غسالة الناس وعوضكم منها سهما من الخمس وهذا لان حرمة الصدقة عليهم لكرامتهم فلا يدخل به عليهم نقصان يحتاج إلى جبره بالتعويض ولئن كان هذا السهم عوضا من حرمة الصدقة فينبغي ان يستحقه من يستحق الصدقة لو لا قرابة رسول الله ﷺ وهم الفقراء دون الاغنياء وينبغى ان يكون استحقاقهم على نحو استحقاق الصدقة لولا قرابة رسول الله ﷺ واستحقاقهم للصدقة لولا قرابة رسول الله صلى عليه وسلم على وجه جواز الصرف إليهم لا وجوب الصرف إليهم فكذلك هذا السهم ونحن نقول إنه يجوز صرف بعض الخمس إليهم وانما ننكر وجوب الصرف إليهم بسبب القرابة وأيد جميع

[ 14 ] ما قلنا حديث أم هانئ ان النبي ﷺ قال سهم ذوى القربى لهم في حياتي وليس لهم بعد وفاتي والحديث وان كان شاذا فقد تأكد باجماع الخلفاء الراشدين على العمل به وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال كان يحمل من الخمس في سبيل الله تعالى ويعطي منه نائبة القوم فلما كثر المال جعل في غير ذلك وانما اراد به ماكان يصرف من الخمس إلى ذوى القربى في حياة رسول الله ﷺ على ما ذكر بعد هذا عن الضحاك ان أبا بكر الصديق رضى الله عنه استشار المسلمين في سهم ذوى القربى فرأوا ان يجعل في الخيل والسلاح وفي هذا بيان انهم كانوا مجمعين على أنه لااستحقاق لهم بعد رسول الله ﷺ وان استحقاقهم في حياته كان للنصرة ألا ترى أنهم جعلوا مصرفة آلة النصرة وهي الخيل والسلاح وقوله ويعطى منه نائبة القوم قيل المراد بالقوم ذوى القربى كما قال في حديث ابن عباس رضى الله عنهما عرض علينا عمر رضى الله عنه ان يزوج منه ايمنا ويقضى منه عن مغرمنا وقيل المراد بالقوم الغزاة أي يعطى منه ما يحتاج إليه الغزاة في سبيل الله تعالى ومعلوم أن الصرف إلى المستحق المحتاج أولى من الصرف إلى محتاج غير مستحق وقوله فلما كثر المال جعل في غير ذلك تعرض لبعض من كان لا يصرفه إلى مصرفه في وقته يعنى كثرة الاجماع فيه فمع كثرة المال لا يصل إلى المصرف الذى كان يصل إليه عند قلة المال وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رجلا وجد بعيرا في المغنم قد كان المشركون أصابوه قبل ذلك فسأل عنه رسول الله ﷺ فقال ان وجدته قبل القسمة فهو لك وان وجدته بعد القسمة أخذته بالثمن ان شئت وفى رواية أخرى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن المشركين أحرزوا ناقة لرجل من المسلمين بدارهم فاشتراها رجل منهم وأخرجها فخاصم فيها مالكها فقال ﷺ ان شئت أخذتها بالثمن وفي الحديثين حجة لنا أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالاحراز لانهم لو لم يملكوا لرده رسول الله ﷺ على المالك مجانا بكل حال فان المسلمين انما يملكون على الكفار مالهم لامال المسلم وكذلك المشترى انما يملك على البائع ماله الا أنه جعل له حق الاخذ قبل القسمة بغير شئ وبعد القسمة بالقيمة لان المستولي عليه صار مظلوما وعلى من يذب عن دار الاسلام القيام بنصرته ودفع الظلم عنه وذلك باعادة ماله إليه وقبل القسمة لم يتعين الملك فيه لاحد بل هو باق على حق الغزاة فكان عليهم الرد ليندفع به الظلم عن صاحبه وبعد القسمة قد تعين الملك لمن وقع في

[ 15 ] سهمه وعليه دفع الظلم عنه ولكن ليس له أن يحول ملكه و حقه إليه الا أن حقه في المالية فلمراعاة النظر من الجانبين قلنا تعاد إليه العين بالقيمة ليصل المستولي عليه إلى عين ماله ويصل الآخر إلى حقه في المالية ودليل أن حقه في المالية أن للامام بيع الغنائم وقسمتها بين الغانمين ومراده بالثمن القيمة فالقيمة ثمن التعديل والمسمى ثمن التراضي ولهذا مكنه من الاخذ من المشترى بالثمن لان حق المشترى فيما أعطى من ماله وهو الثمن فينظر له في ذلك كما ينظر للمستولي عليه في اعادة ماله إليه وعن الشعبي رحمه الله تعالى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل أهل السواد ذمة المراد سواد العراق وفيه دليل على أن الامام إذا فتح بلدة عنوة وقهرا فله أن يجعل أهلها ذمة ويضع الجزية على جماجمهم والخراج على أراضيهم كما فعله عمر رضى الله تعالى عنه فانه افتتح السواد عنوة وقهرا وذلك مشهور في كتب المغازى وفيه أشعار وقد كان صاحب جيش العجم رستم بن فرخ هرمزان وقتل في الحرب وأنشد الاعرابي الذى قتله فقال ألم تر أنى حميت الذمار * وأبقيت مكرمة في الامم غداة الهزيمة إذ رستم * يسوق الفوارس سوق النعم رماني بسهم وقد نلته * فصك الركاب ببطن القدم واضرب بالسيف يافوخه * فكانت لعمري فتح العجم وقد كان صاحب جيش المسلمين سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه وكان قد خرج به دماميل فلم يحضر الحرب يوم الفتح وفى ذلك يقول قائلهم الم تر أن الله أنزل نصره * وسعد بباب القادسية معصم فأبنا وقد آمت نساء كثيرة * ونسوة سعد ليس فيهن أيم وانما بينا هذا لان بعض أصحاب الشافعي رحمهم الله ينكرون فتح السواد عنوة وذكر الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه لاأدرى ماذا أقول في سواد الكوفة ولكني أقول قولا بظن مقرون إلى علم وهذا جهل وتناقض من قائله فان الظن ان يترجح أحد الجانبين من غير دليل فكيف يكون علما وفتح السواد عنوة وقهرا أشهر من أن يخفى على أحد حتى يحتاج إلى هذا التكلف وربما يقول الشافعي رحمه الله أن عمر رضى الله عنه ملك الاراضي للمسلمين واسترقهم ثم تركهم ليعملوا في أراضي المسلمين وما جعل عليهم من الخراج والجزية بمنزلة

[ 16 ] الضريبة كالمولى يساوى عبده الضريبة ويستعمله وربما يقول من عليهم برقابهم وتملك الاراضي ثم أجرها منهم والخراج الذي جعل عليهم أجرة وهذا بعيد فان جزيتهم أشهر من أن تخفى وقد كانوا يتبايعون ذلك فيما بينهم ويتوارثونه من ذلك الوقت إلى يومنا هذا فعرفنا أن الصحيح ماقاله علماؤنا رحمهم الله تعالى انه من عليهم برقابهم وأرضهم وجعل عليهم الجزية في رؤسهم والخراج في أرضهم وانما فعل ذلك بعدما شاور الصحابة رضى الله عنهم على ماروى أنه استشارهم مرارا ثم جمعهم فقال اما اني تلوت آية من كتاب الله تعالى واستغنيت بها عنكم ثم تلى قوله تعالى ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى إلى قوله تعالى للفقراء المهاجرين إلى قوله تعالي والذين تبوؤا الدار هكذا في قراءة عمر رضي الله عنه إلى قوله تعالى والذين جاؤا من بعدهم ثم قال أري لمن بعدكم في هذا الفئ نصيب ولو قسمتها بينكم لمن يكن لمن بعدكم نصيب فمن بها عليهم وجعل الجزية على رؤسهم والخراج على أراضيهم ليكون ذلك لهم ولمن يأتي بعدهم من المسلمين ولم يخالفه في ذلك الا نفر يسير منهم بلال رضي الله عنه ولم يحمدوا على خلافه حتى دعا عليهم على المنبر فقال اللهم اكفني بلالا وأصحابه فما حال الحول وفيهم عين تطرف أي ماتوا جميعا وذكر عن عطاء رحمه الله تعالى قال كتب نجدة إلى ابن عباس رضى الله عنهما يسأله هل للعبد في المغنم سهم وهل كانت النساء يحضرن الحرب مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ومتى يجب للصبى سهم في المغنم وعن سهم ذوى القربى فكتب ابن عباس رضى الله عنهما إنه لاحق للعبد في المغنم ولكن يرضخ له الحديث وفي هذا بيان ان الاستفتاء بالكتاب كان معروفا فيهم فان نجدة كان حروريا وهم كانوا قوما يسألون سؤال التعمق فكان كثيرا ما يكتب نجدة إلى ابن عباس رضى الله عنهما حتى ربما كان يضجر ابن عباس رضى الله عنهما ويقول لا يزال يأتينا باحموقة من خاطره ومع هذا كان يجيبه فيما كتب إليه وفيه بيان أنه لا يسهم للعبد كما يسهم للحروبه نأخذ فان العبد تبع للحر وليس من أهل أن يجاهد بنفسه حتى كان للمولى أن يمنعه وهو ممنوع من الخروج بغير اذنه ولا يسوى بين الاصل والتبع في الاستحقاق ولكن يرضخ له إذا قاتل بحسب جرأته وغنائه وكفايته وكتب إليه ان النساء كن يخرجن مع رسول الله ﷺ يداوين الجرحى وكان يرضخ لهن وخروج النساء مع رسول الله عليه الصلاة والسلام مشهور في الآثار ومنهن من كانت تقاتل معه على ماروى ان

[ 17 ] أم سليم بنت ملحان قاتلت يوم حنين شادة على بطنها وكانت حاملا حتى قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لمقامها خير من مقام فلان وفلان يعنى الذين انهزموا وهي التى قالت لرسول الله ﷺ الا نقاتل هؤلاء الفرارين كما قاتلنا المشركين فقال صلي الله عليه وسلم عافية الله أوسع لنا وأم أيمن كانت تخرج مع رسول الله ﷺ فتداوى الجرحي وتقوم على المرضى وبعض العجائز كانت تخرج مع خالد بن الوليد رضى الله عنه للطبخ والخبز وسقي الماء وهذا دليل علي أنه لا بأس بخروج العجائز مع الجيش لهذه الاعمال ثم يرضخ لهن لانهن اتباع كالعبيد ولانهن عاجزات عن القتال بنية والعبيد يعجزون عن ذلك بمنع الموالى فاستويا في المعنى فلهذا يرضخ للفريقين وكتب أنه لاحق للصبي في المغنم حتى يحلم وانما أراد السهم الكامل أنه لا يثبت اسمه فيمن يسهم له ما لم يبلغ وبه نأخذ والاصل فيه حديث ابن عمر رضى الله عنهما قال عرضت علي رسول الله ﷺ يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني ثم عرضت عليه يوم الخندق وانا ابن خمس عشرة سنة فأجازنى ولكن يرضخ للصبى إذا قاتل فقد كان في الصبيان من يقاتل على عهد رسول الله ﷺ كما روى أنه عرض عليه صبي فرده فقيل إنه رام فأجازه وعرض عليه صبيان فرد احدهما وأجاز لآخر فقال المردود أجزته ورددننى ولو صارعته لصرعته فقال صارعه فصارعه فصرعه فأجازهما والمراد الاجازة في المقاتلين ليرضخ لهما لاليسهم فقد ثبت أنه لا يستحق السهم الا بعد البلوغ وذكر عن عمر رضى الله عنه انه قال لاحق للعبد في المغنم والمراد السهم الكامل فأما الرضخ ثابت له إذا قاتل باذن سيده أو المراد الآبق الخارج بغير اذن مولاه وهذا لاحق له بل يؤدب على فعله وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قسم غنائم بدر بعدما قدم المدينة وانما أورد هذا ليبين أن الامام لا يشتغل بالقسمة في دار الحرب لانهم كانوا محتاجين في ذلك الوقت ثم أخر القسمة حتى قدم المدينة فدل أنها لا تقسم في دار الحرب والذى يرويه الشافعي رحمه الله تعالى أنه قسمها بالسير شعب من شعاب الصفراء والصفراء من بدر لا يكاد يصح بل المشهور أنه قسم بالمدينة حتى طلب منه عثمان رضى الله تعالى عنه أن يضرب له فيها بسهم ففعل قال وأجرى يارسول الله قال وأجرك وكان خلفه بالمدينة على ابنته رقية يمرضها فماتت قبل قدوم رسول الله ﷺ على ما قاله بعضهم قدم علينا زيد بن حارثة بشيرا بفتح بدر حين سوينا على رقية يعني التراب

[ 18 ] على قبرها وسأله طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن يضرب له بسهم وكان غائبا بالشام فرافق ؟ قدومه قسمة رسول الله ﷺ فضرب له بسهم قال وأجري يارسول الله قال وأجرك وتكلموا في ضرب رسول الله ﷺ لهما بالسهم ولم يشهدا بدرا فذكر الواقدي رحمه الله تعالي أنه ضرب لثمانية نفر ممن لم يشهدوا بدرا بالسهم فقيل انما ضرب لعثمان رضى الله تعالى عنه لان تخلفه كان بأمر رسول الله ﷺ ليمرض ابنته وكانت تحته وكان في ذلك فراغ قلب رسول الله ﷺ والتحق هو بمن شهد بدرا ألا ترى أنه وعدله الاجر وطلحة كان بعثه رسول الله ﷺ ليتجسس خبر العير فكان مشغولا بعمل المسلمين فجعله كمن شهد بدرا وقيل بل كان أسهم لهما لانهما كالمدد أما طلحة فقد كان في دار الحرب عازما على اللحوق بالمسلمين وعثمان رضي الله عنه وان كان بالمدينة فالمدينة انما كان لها حكم دار الاسلام في ذلك الوقت حين كان رسول الله ﷺ مع المسلمين فيها فأما بعد خروجهم فقد كانت الغلبة فيها لليهود والمنافقين وهو دليل لنا على أن المدد إذا لحق الجيش في دار الحرب شركهم في الغنيمة وان لم يشهد الوقعة وقيل انما أسهم لهما لان الامر في غنائم بدر كان إلى رسول الله ﷺ يعطى من يشاء ويمنع من يشاء اما لانها أصيبت بمنعة السماء أو لانها كثرت المنازعة بينهم فيها على ماروى عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال ساءت أخلاقنا يوم بدر فحرمنا ثم بين ذلك فقال كنا ثلاث فرق فرقة كانوا حول رسول الله ﷺ وفرقة جمعوا الغنائم وفرقة اتبعوا المنهزمين فجعلت كل فرقة نقول الغنيمة لنا فارتفعت أصواتنا ورسول الله ﷺ ساكت فأنزل الله تعالى يسئلونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول فتبين أن الامر كان في غنائم بدر إلى رسول الله ﷺ فلهذا أعطى من أعطى ممن لم يحضر وذكر عن محمد بن اسحاق والكلبي رحمهما الله تعالى أن رسول الله ﷺ قسم غنائم حنين منصرفه من الطائف بالجعرانة وفي هذا دليل أنها لا تقسم في دار الحرب فانه أخر القسمة حتى انتهي إلى الجعرانة وكانت حدود دار الاسلام في ذلك الوقت لان فتح حنين كان بعد فتح مكة والجعرانة من نواحى مكة وقد روي ان الاعراب طالبوه بالقسمة وأحاطوا به يقولون أقسم بيننا ما أفاء الله تعالى علينا حتى الجؤه إلى سمرة وجذب بعضهم رداءه فتخرق فقال اتركوا لى ردائي فلو كانت هذه العضاه

[ 19 ] ابلا وبقرا وغنما لقسمتها بينكم ثم لا تجدونني جبانا ولا بخيلا فمع كثرة مطالبتهم أخر القسمة حتى انتهى إلى دار الاسلام فدل أنها لا تقسم في دار الحرب (قال) واما خيبر فانه افتتح الارض وجرى فيها حكمه فكانت القسمة فيها بمنزلة القسمة في المدينة وقسم الغنائم فيها قبل أن يخرج منها ففي هذا دليل أن الامام إذا افتتح بلدة وصيرها دار اسلام باجراء أحكام الاسلام فيها فانه يجوز له أن يقسم الغنائم فيها وقد طال مقام رسول الله ﷺ بخيبر بعد الفتح وأجرى أحكام الاسلام فيها فكانت من دار الاسلام القسمة فيها كالقسمة في غيرها من بقاع دار الاسلام (قال) وقسم غنائم بني المصطلق في ديارهم وكان قد افتتحها يعنى صيرها دار الاسلام ودل على ذلك حديث مكحول قال ما قسم رسول الله ﷺ الغنائم الا في دار الاسلام وفى هذا دليل على أنها لا تقسم في دار الحرب لان الافعال المتفقة في الاوقات المختلفة لا تكون الا على صفة واحدة الا لداع يدعو إليها وليس ذلك الالكراهة القسمة في دار الحرب وذكر عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبي ﷺ أعطى الفارس سهمين والراجل سهما يوم بدر وانما كان يوم بدر مع المسلمين فرسان وسبعون بعيرا ففي هذا دليل أنه يسهم للفرس دون غيره من البهائم وهذا لان الارهاب الذى يحصل بالخيل لا يحصل بغيره قال الله تعالى ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وفيه دليل أنه يسهم للفرس سهم واحد وهو حجة لابي حنيفة رحمه الله تعالى فانهما يقولان للفرس سهمان وللرجل سهم واحد وقد ورد به بعض الآثار ولكن رجح أبو حنيفة رحمه الله تعالى حديث ابن عباس رضى الله عنهما في غنائم بدر قال السهم الواحد متيقن به لاتفاق الآثار وما زاد عليه مشكوك فيه لاشتباه الآثار فلا أعطينه الا المتيقن ولا أفضل بهيمة على آدمي وسنقرره في موضعه ان شاء الله تعالى وعن ابن عباس رضى الله عنهما في جعل القاعد للشاخص ما جعل من ذلك في الكراع والسلاح فلا بأس به وما صنع ذلك في متاع البيت فلا خير فيه وفيه دليل جواز التجاعل بخلاف ما يقوله بعض الناس ان من خرج للجهاد لا يحل له أن يجتعل من غيره واعتمدوا فيه ما روى ان رجلا استؤجر بدينارين للجهاد فلما جاء يطلب الغنيمة قال له رسول الله ﷺ بكم استؤجرت قال بدينارين قال انما لك ديناران في الدنيا والآخرة ولكنا نقول بهذا فنقول الاستئجار علي الجهاد لا يجوز والتجاعل ليس

[ 20 ] باستئجار ولكنه اعانة على السير وهو مندوب إليه وجهاد بالمال والنفس جميعا قال الله تعالى وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم وقال جل وعلا ان الله اشتري من المؤمنين أنفسهم واحوال الناس متفاوتة فمنهم من يقدر على اقامة الفرض بهما ومنهم من يقدر على اقامة الجهاد بالنفس لصحة بدنه ويعجز عن الخروج لفقره والآخر يعجز عن الخروج والجهاد بالنفس لمرض أو آفة ويقدر علي الجهاد بالمال فيجهز بماله من يخرج فيجاهد بنفسه حتى يكون الخارج مجاهدا بالنفس والقاعد المعطى المال مجاهدا بالمال والمؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضا ولهذا كره ابن عباس رضى الله عنهما لقابض المال أن يجعل ذلك في متاع بيته لان المعطى أمره بالجهاد به وذلك في استعداده له والانفاق في الطريق على نفسه وهو على وجهين عندنا ان قال هذا المال لك فاغز به فله أن يصرفه إلى ما يشاء لانه ملكه المال ثم أشار عليه بان يصرفه الي الجهاد فان شاء قبل مشورته وان شاء لم يقبل وان قال اغز بهذا المال فليس له ان يصرفه إلى متاع بيته ولكن يشتري به الكراع والسلاح وينفق على نفسه في طريق الجهاد وقد بينا نظيره في الحج وعن عمر رضى الله عنه أنه كان يغزى العزب عن ذي الحليلة ويعطى الغازى فرس القاعد وانه كان حسن التدبير والنظر للمسلمين فمن حسن نظره هذا ان ذا الحليلة قبله مع أهله فلا يطيل المقام في الثغر والعزب لا يكون قبله وراء فيتمكن من اطالة المقام فلهذا كان يأمر العزب بالخروج ومنهم من يروى الاعزب وكان يعطى الغازى فرس القاعد ليكون صاحب الفرس مع زوجته يحفظها ويكون مجاهدا بفرسه والخارج يكون مجاهدا ببدنه ثم منهم من يقول انما كان يفعل ذلك بالتراضي فأما عند عدم الرضي ماكان يفعل ذلك بل كان يجهز الغازي من بيت المال ان لم يكن مال فان مال بيت المال معد لذلك والاصح أن نقول للامام أن يفعل ذلك عند الحاجة فان لم يكن في بيت المال مال ومست الحاجة إلى تجهيز الجيش ليذبوا عن المسلمين فله أن يحكم على الناس بقدر ما يحتاج إليه لذلك لانه مأمور بالنظر للمسلمين وان لم يجهز الجيش للدفع ظهر المشركون على المسلمين فيأخذون المال والذراري والنفوس فمن حسن التدبير أن يتحكم على أرباب الاموال بقدر ما يحتاج إليه لتجهيز الجيش ليأمنوا فيما سوى ذلك وهو المراد بما ذكر بعده عن جرير بن عبد الله ان معاوية رضى الله عنه ضرب بعثا على أهل الكوفة فرفع عن جرير وعن ولده وقال جرير رضى الله عنه لا نقبل ذلك ولكن نجعل أموالنا للغازي ومعنى ضرب البعث

[ 21 ] التحكم عليهم في أموالهم بقدر الحاجة لتجهيز الجيش فكأنه من على جرير وولده رضى الله عنهم بأن رفع ذلك عنهم فقد كان موقرا فيهم وكان رسول الله ﷺ بوقره حتى قال جرير رضى الله عنه ما نظر إلى الا تبسم ولو في صلاته لكن لم يقبل جرير هذه المنة منه لعلمه أن في الجهاد بالمال معنى الثواب واستحقاق المؤمن التوقير بكونه مستبقا إلى الخيرات والطاعات ولكن قال لاأعطى المال اليك بل أدفع بنفسى إلى من أختاره من الغزاة ليتبين به أنه غير مجبر على ما يعطى وبهذا يستدل من يقول من أصحابنا أن الافضل للمرء أن يشارك أهل محلته في اعطاء النائبة ولكنا نقول هذا كان في ذلك الوقت لانه اعانة على الطاعة فأما في زماننا انما يوجد أكثر النوائب بطريق الظلم ومن تمكن من دفع الظلم عن نفسه فذلك خير له وان أراد الاعطاء فليعطه من هو عاجز عن دفع الظلم عن نفسه وعن أداء المال لفقره حتي يستعين على دفع الظلم فينال المعطى الثواب بذلك وعن ابى مرزوق عن رجل من أصحاب النبي ﷺ انه افتتح قرية بالمغرب فخطب اصحابه فقال لا احدثكم الا بما سمعته من رسول الله ﷺ سمعته يقول يوم خيبر من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماؤه زرع غيره ولا يتبع المغنم حتى يقسم ولا يركب دابة من فئ المسلمين حتى إذا اعجفها ردها فيه ولا يلبس ثوبا من فئ المسلمين حتى إذا اخلقه رده فيه ففيه دليل على ان صاحب الجيش عند الفتح ينبغي له ان يخطب ويعلم الناس في خطبته ما يحتاجون إليه في ذلك الوقت فقد فعله رسول الله ﷺ يوم فتح مكة وعند فتح خيبر فمما ذكر عنده في فتح خيبر هذا الحديث وفيه دليل على انه لا يحل وطئ الحبالى من الفئ وبه نادى منادى رسول الله ﷺ في سبايا اوطاس الا لا توطأ الحبالى من الفئ حتى يضعن ولا الحيالي حتى يستبرين بحيضة وفى وطئ الحامل سقى مائه زرع غيره كما فسر رسول الله ﷺ ان قوة سمع الجنين وبصره وشعره بماء الواطئ ففيه دليل انه ليس للغازي ان يبيع نصيبه قبل القسمة لان الملك لا يثبت له الا بالقسمة وبيع مجرد الحق لا يجوز ولان نصيبه مجهول لا يدرى أين يقع وأى مقدار يكون وللامام رأى في بيع الغنائم وقسمة الثمن فانما يبيع ما هو مجهول جهالة متفاحشة وذلك باطل وفيه دليل على أنه لا يحل لبعضهم الانتفاع بدواب الغنيمة وثيابها قبل القسمة وقد سمى ذلك رسول الله ﷺ ذلك ربا الغلول في حديث آخر ونهى عنه ولكن هذا عند عدم

[ 22 ] الحاجة فأما إذا تحققت الحاجة والضرورة فلا بأس بأن يفعل ذلك في دار الحرب بغير ضمان وفى دار الاسلام يشترط ضمان النقصان لان عند الضرورة له أن يدفع الضرر عن نفسه بمال الغير بشرط الضمان مع أنه لاحق له فيه فلان يكون له ذلك فيما له فيه حق أولى وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن رجلا من المشركين وقع في الخندق فمات فأعطي المسلمون بجيفته مالا فسألوا رسول الله ﷺ عن ذلك فنهاهم وفيه دليل لابي يوسف على أبى حنيفة ومحمد رحمهم الله تعالى في أنه لا يجوز للمسلم بيع الميتة من الحربى في دار الحرب بمال فان مطلق النهى دليل فساد المنهى عنه ولكنهما يقولان انما يجوز ذلك للمسلم المستأمن في دار الحرب وموضع الخندق كان من دار الاسلام فلهذا نهى عن ذلك وهذا ليس بقوى فان في دار الاسلام انما لا يحل ذلك مع الحربى المستأمن فأما مع الحربي الذي لاأمان له يجوز في دار الاسلام ودار الحرب لان ماله مباح فللمسلم أن يأخذه بأى وجه يقدر عليه ولكن الاصح أن نقول انما نهي عن ذلك لما عرف فيه من الكبت والغيظ للمشركين لا لان ذلك حرام أولئلا يظن بالمسلمين أنهم يجاهدون لطلب المال بل لابتغاء مرضاة الله تعالى واعزاز الدين وعن الشعبي وزياد بن علاقة رحمهما الله تعالى أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه كتب إلى سعد بن أبى وقاص رضى الله تعالى عنه انى قد أمددتك بقوم من أهل الشام فمن أتاك تتفقى القتلى فاشركه في الغنيمة فيه بيان أن الامام إذا بعث جيشا ينبغي له أن يمدهم بقوم أخر ليزدادوا بهم قوة وان المدد إذا لحق الجيش بعد اصابة الغنيمة قبل الاحراز فانهم يشاركونهم في المصاب كما هو مذهب علمائنا رحمهم الله تعالى وان مراد عمر رضى الله عنه في قوله الغنيمة لمن شهد الوقعة إذا كانت الوقعة في دار الاسلام ودار الحرب بمنزلة موضع واحد فمن حصل من المدد في دار الحرب كان شاهدا للوقعة معنى وتكلموا في معني قوله قبل أن تتفقي القتلى قيل معناه قبل أن تتشقق القتلى بطول الزمان فجعل ذلك كناية عن الانصراف الي دار الاسلام وقيل معناه قبل أن يميز قتلى المسلمين من قتلى المشركين والتفقؤ عبارة عن هذا ومنه سمى الفقيه لانه يميز الصحيح من السقيم وقال الشاعر تفقأ فوقه القلع السوارى * وجن الخاز باز به جنونا ومنهم من يروى تتفقي القتلى القاف قبل الفاء ومعناه قبل ان تجعلوا القتلى على قفاكم بالانصراف

[ 23 ] إلى دار الاسلام وعن ابن ابى قسيط قال بعث أبو بكر رضى الله عنه عكرمة بن أبى جهل في خمسمائة رجل مدد الزياد بن لبيد البياضي والمهاجر بن أمية المخزومي إلى اليمن فاتوهم حتى افتتحوا النجير فاشركهم في الغنيمة وبهذا يستدل من يجعل للمد شركة وان لحقوا بالجيش في دار الاسلام لان بالفتح قد صارت تلك البقعة دار اسلام ولكنا نقول تأويله أنهم فتحوا ولم تجر احكام الاسلام فيها بعد وبمجرد الفتح قبل اجراء احكام الاسلام لا تصير دار اسلام وعليه يحمل ايضا ماروى ان أبا هريرة رضى الله عنه التحق برسول الله ﷺ بعدما فتح خيبر وكذلك جعفر مع أصحابه رضى الله عنهم قدموا من الحبشة بعد فتح خيبر حتى قال رسول الله ﷺ لاأدرى باي الامرين انا اشد فرحا بفتح خيبر أو بقدوم جعفر ولم يشركهم في الغنيمة لانهم انما ادركوا بعد تصير البقعة دار الاسلام فلهذا لم يسهم لهم مع ان غنائم خيبر كانت عدة من الله تعالى لاهل الحديبية خاصة كما قال الله تعالى وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وهما ما كانا من أهل الحديبية فلهذا لم يسهم لهما والدليل على أن للمدد شركة إذا لحقوا بالجيش في دار الحرب ماروى أن أهل الكوفة غزوا نهاوند فأمدهم أهل البصرة بألفي فارس وعليهم عمار بن ياسر رضي الله عنه فأدركوهم بعد اصابة الغنيمة فطلب عمار رضي الله عنه الشركة وكان على الجيش رجل من عطارد فقال يا أجدع أتريد أن تشركنا في غنائمنا فقال عمار رضي الله عنه خير أذنى سببت وكان قد قطعت احدى أذنيه مع رسول الله ﷺ في غزاة ثم رفع إلى عمر رضى الله عنه فجعل لهم الشركة في الغنيمة فبهذه الآثار يأخذ علماؤنا رحمهم الله تعالى وعن ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ استعان بيهود قينقاع على بنى قريظة ولم يعطهم من الغنيمة شيئا في هذا دليل أنه لا بأس للمسلمين أن يستعينوا بأهل الذمة في القتال مع المشركين وقد كره ذلك بعض الناس فقالوا فعل المشركين لا يكون جهادا فلا ينبغي أن يخلط بالجهاد ما ليس بجهاد واستدلوا على ذلك بما روى أن رجلين من المشركين خرجا مع رسول الله ﷺ يوم بدر فقال لايغز معنا الا من كل على ديننا فأسلما ولكنا نقول في الاستعانة بهم زيادة كبت وغيظ لهم والاستعانة بهم كالاستعانة بالكلاب عليهم وانما قال رسول الله ﷺ ذلك لعلمه ان الرجلين يسلمان إذ أبى ذلك عليهما ألا ترى أنه قال في الحديث فأسلما وقيل كان يخاف الغدر منهما لضعف كان بالمسلمين يوم بدر كما قال الله

[ 24 ] تعالى ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة وإذا خاف الامام ذلك فلا ينبغي أن يستعين بهم وان يمكنهم من الاختلاط بالمسلمين وهو تأويل ما ذكر من حديث الضحاك رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ خرج يوم أحد فإذا كتيبة حسناء أو قال خشناء فقال من هؤلاء قالوا يهود كذا وكذا فقال لا نستعين بالكفار أو تأويله أنهم كانوا متعززين في أنفسهم لا يقاتلون تحت راية ؟ المسلمين وعندنا انما يستعين بهم إذا كانوا يقاتلون تحت راية المسلمين فأما إذا انفردوا براية أنفسهم فلا يستعان بهم وهو تأويل ماروى عن النبي ﷺ أنه قال لاتستضيؤا بنار المشركين وقال ﷺ أنا برئ من كل مسلم مع مشرك يعنى إذا كان المسلم تحت راية المشركين وعن الحكم أن أبا بكر رضي الله عنهما كتب إليه في أسيرين من الروم أن لاتفادوهما وان أعطيتم بهما مدين من الذهب ولكن اقتلوهما أو يسلما ففيه دليل أنه لا يجوز مفاداة الاسير بالمال كما هو المذهب عندنا بخلاف ما يقوله الشافعي رحمه الله وقد صح أن النبي ﷺ فادى الاسري يوم بدر وكان الفداء أربعة آلاف الا انه انتسخ ذلك بنزول قوله تعالى ما كان لنبى أن يكون له أسرى إلى قوله لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم وقد كان أبو بكر رضى الله عند قد أشار عليه بالفداء وعمر رضى الله عنه كان يشير بالقتل فمال رسول الله ﷺ إلى رأى أبى بكر رضى الله عنه لحاجة الصحابة رضي الله عنهم إلى المال في ذلك الوقت واليه أشار رسول الله ﷺ في قوله لو نزل من السماء عذاب مانجى من ذلك الاعمر فلهذا بالغ أبو بكر رضى عنه في النهى عن المفاداة بقوله ولو أعطيتم بهما مدين من ذهب ففيه دليل على أن الاسير يقتل ان لم يسلم وممن قتله رسول الله ﷺ من أسارى بدر عقبة بن أبى معيط قال ﷺ لعلى رضى الله عنه قدمه واضرب عنقه وأوف بنذر نبيك ومن رسول الله ﷺ على أبى عزة يوم بدر بشرط أن لا يعين عليه وكان شاعرا فوقع أسيرا يوم أحد وأمر بقتله وكان طلب أن يمن عليه فقال ﷺ لاتحدث العرب أني خدعت محمدا مرتين ثم ذكر عن الحسن وعطاء رحمهما الله تعالى قال لا يقتل الاسير ولكن يفادى أو يمن عليه وكانهما اعتمدا ظاهر قوله تعالى فاما منا بعد واما فداء ولسنا نأخذ بقولهما فان حكم المن والمفاداة بالمال قد انتسخ بقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم لان سورة

[ 25 ] براءة من آخر ما نزل وذكر في بعض النوادر عن محمد رحمه الله تعالى قال كان ذلك في عبدة الاوثان من العرب لانه لا يجوز استرقاقهم فلم يكن في المن والمفاداة ابطال حق المسلمين عما ثبت حقهم فيه ولكن هذا ضعيف والصحيح مابينا أن حكم المن والمفاداة قد انتسخ ولايجوز للامام أن يفعل ذلك الا إذا عرف للمسلمين فيه منفعة عامة كما روى أن ثمامة بن اثال الحنفي سيد أهل اليمامة أسره أصحاب رسول الله ﷺ ورضي الله عنهم وربطوه بسارية المسجد فخرج رسول الله ﷺ وقال ما وراءك يا ثمامة فقال ان عاقبت عاقبت ذا ذنب وان مننت مننت على شاكر وان أردت المال فعندي من المال ما شئت فمن عليه رسول الله ﷺ بشرط أن يقطع الميرة عن أهل مكة ففعل ذلك حتى قحطو وعن عبد الله بن أبى أوفي رضى الله عنه قال لم يخمس طعام خيبر وكان قليلا فكان أحدنا إذا احتاج إلى شئ أخذ قدر حاجته وفى هذا دليل أنه يباح لكل واحد من الغانمين أن يتناول من الطعام والعلف بقدر حاجته وقد رواه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله ﷺ أنه كان يخمس الغنيمة الا الطعام والعلف فكان يأخذ من ذلك بقدر حاجته وكتب صاحب جيش عمر رضى الله عنه بالشام إليه انا فتحنا أرضا كثيرة الطعام فكرهت أن أمضى في ذلك شيئا الا بأمرك فكتب إليه دع الناس ليصيبوا من ذلك بقدر حاجتهم بشرط أن لا يبيعوا فمن باع شيئا من ذلك فقد وجب فيه خمس الله تعالى ورسوله وبهذه الآثار نأخذ لتساهل في أمر الطعام بالناس وللعلم بتجدد الحاجة إليه في كل وقت وعجزهم عن الحمل من دار الاسلام ما يحتاجون إليه للذهاب والرجوع إذا أمعنوا في دار الحرب فقد روى عن عبد الله بن المفضل قال دلى على جراب من شحم من بعض حصون خيبر فاحتضنته وقلت في نفسي لاأعطى أحدا منه شيئا فإذا رسول الله ﷺ ينظر إلى ويتبسم ولم ينكر عليه ذلك لعمله بحاجته وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال النبي ﷺ المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم والمراد باليد النصرة يعني النصرة للمسلمين على من سواهم كما قال الله تعالى وكان حقا علينا نصر المؤمنين وفى قوله يتكأفا ؟ دماؤهم دليل لنا على المساواة بين العبيد والاحرار في حكم القصاص ولا معنى لاستدلال الشافعي رحمه الله تعالى بهذا اللفظ أنه لا يقتل مسلم بكافر لان فيه اثبات التساوي في دماء المسلمين

[ 26 ] لانفي المساواة بين دمائهم ودماء غيرهم بل ذلك مفهوم والمفهوم عندنا ليس بحجة وبقوله يسعى بذمتهم ادناهم يستدل محمد رحمه الله تعالى على صحة أمان العبد فان أدنى المسلمين العبيد ولكنا نقول معناه يسعى بذمتهم أقربهم إلى دار الحرب وهو من يسكن الثغور مشتق من الدنو وهو القرب لامن الدناءة قال الله تعالى فكان قاب قوسين أو أدنى وقيل معناه أقلهم في القرب ويكون ذلك من القلة كما في قوله تعالى ولا أدنى من ذلك ولا أكثر فيكون ذلك دليلا على صحة أمان الواحد أو المراد به الفاسق لانه لا يظن برسول الله صلي الله عليه وسلم أن ينسب العبد الورع الي الدناءة وقيل المراد بالذمة عقد الذمة دون الامان وذلك صحيح من العبد عندنا وعن أبى عمير مولى آبى اللحم قال أتيت رسول الله ﷺ وهو يقسم غنائم حنين فقال لى تقلد هذا السيف فتقلدته فجررته على الارض فأعطاني ؟ من حربى المتاع ومنهم من يروى مولى أبى اللحم والاشهر هو الاول لان مولاه كان يأبي اللحم فسمى بآبى اللحم وفى الحديث إشارة إلى صغره لان جر السيف على الارض لصغره وقيل لا بل فعل ذلك على طريق الخيلاء كما يفعله المبارز بين الصفين وفائدة الحديث أن من قاتل ممن لا يستحق السهم لصغر أو رق فانه يرضخ له لانه أعطاه من حربي المتاع يعنى الشفق منه على سبيل الرضخ وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال غزا رسول الله ﷺ في المحرم لمستهل الشهر وأقام عليها أربعين يوما وفتحها يعنى الطائف في صفر وفى هذا دليل على انه لا بأس بالقتال في الشهر الحرام فان المحاصرة من القتال وقد روى أنه نصب المنجنيق على الطائف ففعله بيان أن ماكان من حرمة القتال في الاشهر الحرم قد انتسخ وكان الكلبى رحمه الله يقول ذلك ليس بمنسوخ ولسنا نأخذ بقوله في ذلك بل بما روى عن مجاهد رحمه الله قال النهى عن القتال في الاشهر الحرم منسوخ نسخه قوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقد بينا أن سورة براءة من آخر ما نزل فانتسخ به ماكان من الحكم في قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه الآية (فان قيل) كيف يستقيم دعوى النسخ بهذه الآية وقد قال الله تعالى فإذا انسلخ الاشهر الحرام فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الآية (قلنا) المراد به مضى مدة الامان الذى كان لهم من رسول الله ﷺ بأمر الله تعالى كما قال فسيحوا في الارض أربعة أشهر ووافق مضى ذلك انسلاخ الاشهر الحرم والدليل على نسخ حرمة القتال في الاشهر الحرم قوله تعالى منها أربعة حرم إلى قوله فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة

[ 27 ] كما يقاتلونكم كافة قيل معناه لا تظلموا فيهن أنفسكم بالامتناع من قتال المشركين ليجترؤا عليكم بل قاتلوهم كافة لتنكسر شوكتهم وتكون النصرة لكم عليهم وفيما ذكر من الاخبار في الاصل عن الزبير رضى الله عنه عمن شهد المشاهد قال شهدت رسول الله ﷺ يوم بنى قريظة فقال من كانت له عانة فاقتلوه ومن لم تكن له عانة فحلوا عنه فكنت ممن لاعانة له فحلى عني قلت وما من أحد الا وله عانة فالعانة في اللغة الموضع الذى ينبت عليه الشعر ولكن المراد من نبت الشعر على ذلك الموضع منه وجعل اسم الموضع كناية عنه وبه يستدل مالك رحمه الله تعال فانه يجعل نبات الشعر دليل البلوغ ولسنا نقول به لاختلاف أحوال الناس فيه فنبات الشعر في الهنود يسرع وفى الاتراك يبطئ وتأويل الحديث أن النبي ﷺ عرف من طريق الوحى أن نبات الشعر في أولئك القوم يكون عند البلوغ أو أراد تنفيذ حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فانه كان من حكمه بأن يقتل منهم من جرت عليه الموسى لعلمه أنه كان من المقاتلة فيهم وذكر عن محمد بن اسحاق والكلبي رحمهما الله ان سهم رسول الله ﷺ يوم خيبر كان مع سهم عاصم بن عدى وفيه دليل على أن الامام ينبغي له أن يقسم الغنيمة على العرفاء أولا ثم يقسم كل عريف على من تحت رايته ليكون ذلك أسهل وفيه دليل على تواضع رسول الله ﷺ فانه لم يجعل باسم نفسه سهما ولكن جعل نفسه تحت راية غيره وروى أن أول السهام خرج يومئذ سهم عاصم بن عدي لكون سهم رسول الله ﷺ فيهم وذكر عنهما أن رسول الله ﷺ قال والله ما يصلح إلى من فيئهم ولامثل هذه الوبرة أخذها من سنام بعيره الا الخمس والخمس مردود فيكم فأدوا الخيط والمخيط فان الغلول عار وشنار على أهله يوم القيامة فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر فقال أخذت هذه لاخيط بها بردعة بعير لى فقال صلي الله عليه وسلم أما نصيبي فهو لك فقال أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لى بها وفيه دليل حرمة الغلول وان ذلك في القليل والكثير ويستدل الشافعي رحمه الله تعالى بالحديث في جواز هبة المشاع فقد وهب رسول الله ﷺ نصيبه من الرجل وكان مشاعا ولكنا نقول مقصود رسول الله ﷺ من هذا المبالغة في المنع من الغلول يعنى انك تطلب منى أن أجعل لك هذه الكبة ولا ولاية

[ 28 ] لى الا على نصيبي منها فقد جعلت نصيبي منها لك ان جاز ليبين به أنه ليس للامام ولاية ابطال حق الغانمين وتخصيص أحدهم بشئ منه مع أن الكبة من الشعر لا تحتمل القسمة بين الجند لكثرتهم فانه لا يصيب كل واحد منهم شيئا منتفعا به إذا قسمت وعندنا هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة يجوز وعن أبى المليح أسامة أن رسول الله ﷺ قال في حجة الوداع كل ربا كان في الجاهلية موضوع وأول ربا يوضع ربا العباس ابن عبد المطلب زاد في رواية وكل دم كان في الجاهلية موضوع وأول دم يوضع دم ربيعة ابن الحارث وان العباس رضى الله عنه بعدما أسلم يوم بدر رجع إلى مكة باذن رسول الله ﷺ فكان يربى بمكة قبل نزول التحريم وبعد نزوله لان حكم الربا لا يجرى بين المسلم والحربي في دار الحرب وقد كانت مكة يومئذ دار حرب ثم بين رسول الله ﷺ أنه موضوع لا خصومة فيه بعد الفتح وقيل مراده أنه لا مطالبة له بما بقى منه بعد الفتح قال الله تعالى وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين وانما بدأ رسول الله ﷺ بربا العباس رضى الله عنه فيما أخبر أنه موضوع ليبين أن فعله ليس على نهج الملوك فالملوك في الاوامر يبدؤن بالاجانب وبدأ رسول الله صلى عليه وسلم بعمه ليبين للناس أن القريب والبعيد عنده في حكم الشرع سواء وذكر عن حبيب بن سلمة قال كان رسول الله ﷺ ينفل في البداءة الربع وفى الرجعة الثلث وفيه دليل على جواز التنفيل للتحريض على القتال كما أمر الله تعالى به رسوله ﷺ بقوله يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال وبظاهره يستدل الاوزاعي رحمه الله تعالى في جواز التنفيل بعد الاصابة فان التنفيل في الرجعة يكون بعد الاصابة ولكنا نقول المراد أنه كان ينفل السرية الاولى الربع والسرية الثانية الثلث قبل الاصابة لابعدها وهذا لان التنفيل للتحريض والجيش في أول دخولهم ينشطون في القتال مالا ينشطون بعد تطاول المدة ولهذا قلل نفل السرية الاولى وزاد في نفل السرية الثانية ولان السرية الثانية يحتاجون إلى أن يمعنوا في الطلب فلهذا زاد في النفل لهم وذكر عن الزهري رحمه الله تعالى قال قال رسول الله ﷺ لا تعقر الخيل في أرض العدو وهو دليلنا على مالك رحمه الله تعالى فانه يجوز العقر فيما يقوم عليه من الدواب من الغنيمة كانت أو من غيرها لحديث جعفر الطيار رضي الله عنه فانه لما استقتل يوم موته وعلم أنه لاينجو منهم عقر فرسه

[ 29 ] وتقدم في نحر العدو حتى قتل ولكنا نقول في العقر مثله ونهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن المثلة ولو بالكلب العقور ولعل فعل جعفر رضى الله عنه كان قبل النهي فانتسخ به وعن الضحاك رضى الله عنه قال كان رسول الله ﷺ إذا بعث سرية قال لا تقتلوا وليدا ولا النساء ولا الشيخ الكبير وقد بينا حرمة قتل النساء والصبيان منهم لانهم لا يقاتلون وكذلك الشيخ الكبير الذى أمن من قتاله بنفسه ورأية ولا يرجى له نسل أما إذا كان له رأى يقتل ألا ترى ان دريد بن الصمة قتل يوم حنين وكان ابن مائة وستين سنة وقد ذهب بصره ولكنهم احضروه ليستعينوا برأية وأشار إليهم بأن يرفعوا الثقل إلى عليا بلادهم ويلقوا المسلمين على متون الخيل بسيوفهم فخالفوه في ذلك وفيه يقول أمرتهم أمرى بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد الاضحى الغد * وانما قتله رسول الله ﷺ لرأية في الحرب وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي ﷺ نهى أن تدخل المصاحف أرض العدو والمشهور فيه ماروى عن النبي صلي الله عليه وسلم قال لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو وانما نهى عن ذلك مخافة ان تناله أيدى العدو ويستخفوا به فعلي هذا النهى في سرية ليست لهم منعة قوية فاما إذا كانوا جندا عظيما كالصائفة فلا بأس بأن يتبرك الرجل منهم بحمل المصحف مع نفسه ليقرأ فيه لانهم يأمنون من ذلك لقوتهم وشوكتهم (فان قيل) أهل الشرك وان كانوا يزعمون ان القرآن ليس بكلام الله تعالى فيقرون أنه كلام حكيم فصيح فكيف يستخفون به (قلنا) انما يفعلون ذلك مغايظة للمسلمين وقد ظهر ذلك من فعل القرامطة في الموضع الذى أظهروا فيه اعتقادهم على ذكره ابن رزام في كتابه أنهم كانوا يستنجون بالمصاحف وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى في مشكل الآثار ان هذا النهى كان في ذلك الوقت لانه يخاف فوت شئ من القرآن من أيدى المسلمين فأما في زماننا فقد كثرت المصاحف وكثر الحافظون للقرآن عن ظهر القلب فلا بأس بحمل المصحف إلى أرض العدو لانه لا يخاف فوت شئ من القرآن وان وقع بعض المصاحف في أيديهم وذكر عن يزيد ابن هرمز قال انا كتبت كتاب ابن عباس رضى الله عنهما إلى نجدة كتبت إلى تسألني عن قتل الوالدان وان عالم موسى قتل وليدا وقد نهي رسول الله ﷺ عن قتل الولدان فلو كنب تعلم في الولدان ماكان يعلم عالم موسى كان ذلك وقد بينا ان نجدة كان

[ 30 ] يسأل ابن عباس رضي الله عنهما سؤال التعمق حتى سأله يوما لماذا طلب سليمان عليه السلام الهدهد قال ليخبره بالماء فانه يبصر الماء تحت الارض وان كان إلى مائة ذراع فقال إنه لا يبصر الفخ تحت التراب فكيف يبصر الماء تحت الارض فقال ابن عباس رضى الله عنهما إذا جاء القضاء عمى البصر ومما سأله هذا الذى رواه وجوابه ما قال ابن عباس رضي الله عنهما أن عالم موسى كان يعلم من ذلك الغلام ما أظهره لموسى عليه السلام حين استعظم ذلك فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى أن ذلك الغلام الذى قتله عالم موسى كان بالغا فقد كان عاقلا مميزا والبلوغ في ذلك الوقت كان بالعقل ثم ذكر في الحديث وكتبت تسألني عن اليتيم متى يخرج من اليتم فإذا احتلم يخرج من اليتم ويضرب له بسهم وهذا لقول النبي ﷺ لايتم بعد الحلم والذى روى أن الكفار كانوا يسمون رسول الله ﷺ يتيم أبى طالب بعد المبعث قد كانوا يقصدون الاستخفاف به لا انه في الحال يتيم قيل هذا لطف من الله لنبيه ﷺ فانهم كانوا يشتمون يتيما وهو لم يكن يتيما ولا تتناولة تلك الشتمة كما روي انهم كانوا يسمونه مذمما ويشتمون مذمما وهو كان محمدا ﷺ فلا تتناوله تلك الشتمة فهذا مثله والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب معاملة الجيش مع الكفار) (قال) رضى الله عنه وإذا غزا الجيش أرضا لم تبلغهم الدعوة لا يحل لهم أن يقاتلوهم حتى يدعوهم الاسلام ليعرفوا انهم على ماذا يقاتلون وهو معنى حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ما غزا رسول الله ﷺ قوما حتى دعاهم إلى الاسلام ولو قاتلوهم بغير دعوة كانوا آثمين في ذلك ولكنهم لا يضمنون شيئا مما اتلفوا من الدماء والاموال عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى في القديم يضمنون ذلك لبقاء صفة الحقن والعصمة الا أن يوجد الاباء منهم ولا يتحقق ذلك الا أن تبلغهم الدعوة ولكنا نقول العصمة المقومة تكون بالاحراز وذلك لم يوجد في حقهم ولئن كانت العصمة بالدين كما يدعيه الخصم فهو غير موجود في حقهم أيضا والقتل اما أن يكون للمحاربة كما يقوله علماؤنا رحمهم الله تعالى أو للشرك كما يقوله الخصم وذلك موجود في حقهم ولكن شرط الاباحة تقديم الدعوة فبدونه لا يثبت

[ 31 ] ومجرد حرمة القتل لا يكفي لوجوب الضمان كما في النساء والولدان منهم وكما نهي عن قتل من بلغته الدعوة منهم بطريق المثلة ثم لا يكون موجبا للضمان عليه على من فعله وان كانوا قد بلغتهم الدعوة فان هم دعوهم فحسن لما روي أن رسول الله ﷺ بعث معاذا في سرية ؟ وقال لا تقاتلوهم حتى تدعوهم فان أبوافلا تقاتلوهم حتي يبدؤكم فان بدؤكم فلا تقاتلوهم حتي يقتلوا ؟ منكم قتيلا ثم أروهم ذلك القتيل وقولوا لهم هل إلى خير من هذا سبيل فلان يهدي الله تعالى على يديك خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت وقد بينا ان المبالغة في الانذار قد تنفع وان تركوا ذلك فحسن أيضا لانهم ربما لا يقوون عليهم إذا قدموا الانذار والدعاء ولا بأس ان يغيروا عليهم ليلا أو نهارا بغير دعوة لما روى أن النبي ﷺ اغار علي بني المصطلق وهم غارون غافلون ويعمهم على الماء بسقي ؟ وعهد إلى أسامة بن زيد رضى الله عنه ان يغيروا على أبنا صباحا ثم يحرق وكان رسول الله ﷺ إذا أراد ان يغير على قوم صبحهم واستمع النداء فان لم يسمع اغار عليهم حتى روى أنه صبح أهل خيبر وقد خرج العمال ومعهم المساحي والمكاتل فلما رأوهم ولوا منهزمين يقولون محمد والخميس والخميس الجيش وقد كانوا وجدوا في التوراة ان رسول الله ﷺ يغزوهم يوم الخميس ويظفر عليهم وكان ذلك اليوم يوم الخميس فلما قالوا ذلك قال رسول الله صلى الله وسلم الله أكبر خربت خيبر انا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ولا بأس بأن يحرقوا حصونهم ويغرقوها ويخربوا البنيان ويقطعوا الاشجار وكان الاوزاعي رحمه الله تعالى يكره ذلك كله لحديث أبى بكر رضى الله عنه في وصية يزيد ابن أبى سفيان رضى الله عنه لا تقطعوا شجرا ولا تخربوا ولا تفسدوا ضرعا ولقوله تعالى وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها الآية وتأويل هذا ما ذكره محمد رحمه الله تعالى في السير الكبير ان أبا بكر رضى الله عنه كان أخبره رسول الله ﷺ بأن الشام تفتح له على ماروى أنه قال يوما انكم ستظهرون على كنوز كسرى وقيصر فقد أشار أبو بكر رضى الله عنه إلى ذلك في وصيته حيث قال فان الله ناصركم عليهم وممكن لكم أن تتخذوا فيها مساجد فلا يعلم الله منكم انكم تأتونها تلهيا فلما علم ان ذلك كله ميراث للمسلمين كره القطع والتخريب لهذا ثم الدليل على جوازه ما ذكره الزهري رحمه الله تعالى ان النبي ﷺ أمر بقطع نخيل بني النضير فشق ذلك عليهم حتى نادوه ماكنت ترضى

[ 32 ] بالفساد يا أبا القاسم فما بال النخيل تقطع فانزل الله تعالى ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على اصولها الآية واللينة النخلة الكريمة فيما ذكره المفسرون وأمر بقطع النخيل بخيبر حتى أتاه عمر رضى الله عنه فقال أليس ان الله تعالي وعدلك خيبر فقال نعم فقال إذا تقطع نخيلك ونخيل أصحابك فأمر بالكف عن ذلك ولما حاصر ثقيفا أمر بقطع النخيل والكروم حتي شق ذلك عليهم وجعلوا يقولون الحبلة لاتحمل الابعد عشرين سنة فلا عيش بعد هذا ففي هذا بيان أنهم يذلون بذلك وان فيه كبتا وغيظا لهم وقد أمرنا بذلك قال الله تعالى ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار ولما مر رسول الله ﷺ من أوطاس يريد الطائف بداله قصر عوف بن مالك النضرى فأمر بأن يحرق وفيه يقول حسان بن ثابت رضى الله عنه وهان على سراة بنى لؤى * حريق بالبويرة مستطير فهذه الآثار تدل على جواز كله وكان الحسن بن زياد رحمه الله تعالى يقول هذا إذا علم أنه ليس في ذلك الحصن أسير مسلم فأما إذا لم يعلم ذلك فلا يحل التحريق والتغريق لان التحرز عن قتل المسلم فرض وتحريق حصونهم مباح والاخذ بما هو الفرض أولى ولكنا نقول لو منعناهم من ذلك يتعذر عليهم قبال المشركين والظهور عليهم والحصون قل ما تخلو عن أسير وكما لا يحل قتل الاسير لا يحل قتل النساء والولدان ثم لا يمتنع تحريق حصونهم بكون النساء والولدان فيها فكذلك لا يمتنع ذلك بكون الاسير فيها ولكنهم يقصدون المشركين بذلك لانهم لو قدروا على التمييز فعلا لزمهم ذلك فكذلك إذا قدروا على التمييز بالنية يلزمهم ذلك ولا تقسم الغنيمة في دار الحرب حتي يخرجوها إلى دار الاسلام ويحرزوها عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا بأس بقسمتها في دار الحرب بعد ماتم انهزام المشركين وهو بناء على أن الملك عنده ثبت بنفس الاصابة لانه مال مباح فيملك بنفس الاخذ ويجوز قسمته في ذلك الموضع كالصيد وهذا لان السبب الملك الاخذ وذلك محسوس يتم بنفسه وقيام منازعة المشركين لكون الغزاة في دارهم لايمنع تقرر ملكهم لقيام منازعتهم في ثياب الغزاة ودوابهم فانهم لو تمكنوا من الكر عليهم أخذوا جميع ذلك وهذا لان توهم الكرة عليهم سبب يعارض الاستيلاء بالنقض والامن عما ينقض سبب الملك ليس بشرط لوقوع الملك كالملك بالبيع والهبة ألا ترى أنه لو كان القتال في دار السلام أوصير الامام البقعة دار اسلام يجوز له أن يقسم فيها وهذا التوهم باق ولانهم ان كروا

[ 33 ] فالمسلمون واثقون ؟ بجميل وعد الله تعالى الله في نصرة أوليائه ينصرهم في المرة الثانية كما نصرهم في المرة الاولى فأما عندنا الحق يثبت بنفس الاخذ ويتأكد الاحراز ويتمكن بالقسمة كحق الشفيع يثبت بالبيع ويتأكد بالطلب ويتم الملك بالاخذ وما دام الحق ضعيفا لا تجوز القسمة لانه دون الملك الضعيف في المبيع قبل القبض وبيان هذا الاصل أن السبب لايتم قبل الاحراز لان السبب هو القهر وقبل الاحراز هم قاهرون يدا مقهورون دارا والثابت من وجه دون وجه يكون ضعيفا وهذا لان البقعة انما تنسب الينا أو إليهم باعتبار القوة والشوكة ولما بقيت هذه البقعة منسوبة إليهم عرفنا أن القوة فيها لهم والدليل عليه أنه يحل للامام أن يرجع إلى دار الاسلام ويترك هذه البقعة في أيديهم وانما حل ذلك لعجزه عن المقام في هذا الموضع فعرفنا أنا نحسن العبارة في قولنا أنه هزم المشركين وفى الحقيقة هو المنهزم منهم حين ترك هذا الموضع في أيديهم والدليل عليه أن بالاخذ يملك الاراضي كما يملك الاموال ثم لا يتأكد الحق في الارض التى نزلوا فيها إذا لم يصيرها دار الاسلام فكذلك في الاموال والقصد إلى التملك وجد في الكل فانه مادخل دار الحرب الا قاصدا لملك الاراضي والاموال عليهم بحسب الامكان ولسنا نسلم أن سبب الملك نفس الاخذ بل هو قهر يحصل به اعلاء كلمة الله تعالى ولهذا كان المصاب غنيمة يخمس وهذا القهر لايتم بنفس الاخذ ولا بقهر الملاك بل بقهر جميع أهل دار الحرب وذلك بالاحراز ليكون حينئذ جميع دارهم مقابلا بجميع دارنا فأما قبل الاحراز يقابل جميع دارهم بالجيش وليس بهم قوة المقاومة مع جميع أهل الحرب وبه فارق المراغم إذا أحرز نفسه بمنعة أهل الجيش فانه يعتق لان حاجته إلى قهر مولاه فقط وذلك يتم بالجيش ألا ترى أنه لا يجب الخمس في رقبته وإذا كان القتال في دار الاسلام فبنفس الاخذ يصير المال محرزا بالدار فيتم القهر وإذا صير البقعة دار اسلام فقد تم الاحراز بالدار ألا ترى أنه وان لم يؤخذ المال يتأكد حقهم فيها وان الحق يتأكد في الاراضي أيضا وبه فارق الصيد فسبب الملك هناك الاخذ وهو القهر على الممتنع في نفسه وهنا الامتناع في المال بل فيمن يقاتل دونه وذلك جميع أهل الحرب ولا يتم قهر جميعهم الا بالاحراز حكما نقول فان قسمها جاز لانه أمضى فصلا مجتهدا فيه وقضاء المجتهد في المجتهدات نافذ وبيان هذا أن الاختلاف في سبب القسمة وهو الملك أنه هل يتم بنفس الاخذ أم لافاذا نفذ باجتهاده كان صحيحا كما إذا قضي بشهادة الاعمى أو المحدود في قذف

[ 34 ] وقيل من مذهبنا كراهة القسمة في دار الحرب لا بطلان القسمة لما في القسمة من قطع شركة المدد فتقل به رغبتهم في اللحوق بالجيش ولانه إذا قسم تفرقوا فربما يكثر العدو على بعضهم وهذا أمر وراء ما يتم به القسمة فلا يمتنع جوازها وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه قال إذا لم يجد الامام حمولة لها يحمله عليها فليقسمها في دار الحرب هكذا ذكر في بعض روايات هذا ؟ الكتاب ووجهه أن هذه حالة ضرورة لانه لو لم يقسمها يحتاج إلى تركها فيبطل حق الغانمين فيها فكان تقرير حقهم بالقسمة أنفع وان كان فيه قطع شركة المدد وكما لا يقسمها لا يبيعها في دار الحرب لان البيع ينبني على تأكد الحق بالاحراز ولان البيع تصرف كالقسمة ألا ترى أن في البيع قبل القبض يسوى بين البيع والقسمة وإذا كان في الغنيمة طعام أو علف فاحتاج إليه رجل تناول بقدر حاجته وقوله فاحتاج مذكور على وجه العادة دون الشرط فللمحتاج وغير المحتاج ان يتناول من ذلك لحديث ابن عمر رضى الله عنهما ان المسلمين أصابوا مع رسول الله ﷺ في غزو طعاما وعسلا فلم يخمس ذلك وكان الرجل منهم يصيب من ذلك بقدر حاجته وان المسلمين لما ظهروا على كسرى ظفروا بمطبخه وكان قد أركت القدور وظن بعض الاعراب ان ذلك طيب فهموا ان يصبغوا به لحاهم فقيل أنه ماكول فوقعوا في ذلك حتى اتخموا وان غلاما لسلمان رضى الله عنه أتاه بسلة يوم القادسية فقال افتحها فان كان فيها طعام أصبنا منه وان كان فيها مال رددناه على هؤلاء فإذا فيها خبز وجبن وسكين فجعل يأكل من ذلك ويقطع لاصحابه من الجبن ويصف لهم كيف يتخذ الجبن فدل أنه كان معروفا بينهم الرخصة في الطعام والعلف نظير الطعام لانه محتاج إليه لظهره كما يحتاج إلى القوت لنفسه وهذا لانهم لا يمكنهم أن يستصحبوا من الطعام والعلف مقدار حاجتهم للذهاب والرجوع ولا يجدون في دار الحرب من يشترون منه وما يأخذون يكون غنيمة فللعلم بوقوع الحاجة إليه يصير مستثنى من شركة الغنيمة ويبقى على أصل الاباحة ولهذا حل للمحتاج وغير المحتاج ما لم يخرجوا إلى دار الاسلام فإذا خرجوا فقد ارتفعت الضرورة لانهم يجدون في دار الاسلام الطعام والعلف بالشراء فيثبت حكم الغنيمة فيما كان باقيا منها وككذلك يتناول من سلاح الغنيمة إذا احتاج إليه للقتال ثم يرده إذا استغنى عنه ويكره من غير حاجة لان المستثنى من شركة الغنيمة الطعام والعلف للعلم بتجدد الحاجة اليهما في كل وقت وذلك لا يوجد

[ 35 ] في السلاح وكل واحد منهم يتمكن من أن يستصحب السلاح من دار الاسلام فلا يصير هذا مستثنى من الشركة ونفي المبيع تحقق الحاجة فإذا لم يوجد ذلك يكره الاستعمال وإذا وجد فلا بأس به لان عند الضرورة يجوز له ان ينتفع بملك الغير مما لاحق له فيه فماله فيه حق أولى وهذا لان المبارز قد يبتلى بهذا بان يسقط سيفه من يده فيعالج قرنه ليأخذ منه سيفه فإذا أخذه صار غنيمة له فلو لم يجز له أن يضربه أدى إلى الضرر والحرج والى نحوه أشار قال أرأيت لو رماه العدو بنشابة فرماهم بها أو انتزع سيفا من بعضهم فضربه أكان يكره ذلك هذا ونحوه لا بأس به فأما المتاع والثياب والدواب فيكره الانتفاع ؟ بها قبل القسمة لما روينا من النهي قبل هذا ولان حقهم ثبت فيها وان لم يتأكد قبل الاحراز فلا يكون لبعضهم ان يختص بالانتفاع بشئ منها قبل القسمة اعتبارا للمنفعة بالعين فان احتاجوا إلى ذلك قسمها الامام بينهم في دار الحرب لتحقق الحاجة وهذا لان مراعاة حقهم عند حاجتهم أولى من مراعاة حق المدد ولا يدرى أيلحق بهم المدد أم لا يلحق وان لم يحتاجوا إلى ذلك كرهت القسمة في دار الحرب وهذا للفظ دليل على أن الخلاف في كراهة القسمة لافى الجواز (قال) ألا ترى أن جيشا آخر لو دخلوا دار الحرب شركوهم في تلك الغنيمة وهذا عندنا فأما عند الشافعي رحمه الله تعالى لاشركة للمدد إذا لحق الجيش بعد الاصابة بناء على أصله أن السبب هو الاخذ والملك يثبت بنفس الاخذ وما قبل الاحراز بدار الاسلام وبعده سواء وعندنا السبب هو القهر وتمام القهر بالاحراز فإذا شارك المدد للجيش في الاحراز الذى به يتم السبب يشاركونهم في تأكد الحق به كما إذا التحقوا بهم في حالة القتال بعدما أخذوا بعض الاموال وهذا لان اجتماع المحاربين في دار الحرب للمحاربة سبب الشركة في المصاب بدليل ان الردء يستوى بالمباشر للقتال وقد سأل على رضى الله عنه رسول الله ﷺ فقال أرأيت الرجل يكون حامية لقوم وآخر لا يقدر على حمل السلاح أيشتركان في الغنيمة فقال ﷺ انما تنصرون وترزقون بضعفائكم ولان دخول دار الحرب سبب لقهر المشركين قال علي بن أبى طالب رضي الله عنه ماغزى قوم في عقر دارهم الا ذلوا ولهذا جعل الله تعالى الواطئ موطئ العدو بمنزلة النيل في الثواب قال الله تعالى ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا الآية فكذلك في الشركة في المصاب يجعل الواطئ موطئ العدو على قصد الحرب بمنزلة النيل

[ 36 ] منهم لما فيه من الكبت والغليظ لهم ولا يدخل على شئ مما ذكرنا التجار وأهل سوق العسكر والاسير المنقلب منهم والذي أسلم في دار الحرب إذا التحق بالجيش لان قصد هؤلاء ليس هو الحرب بل قصد بعضهم التجارة وقصد بعضهم التخلص فلا يستحقون الشركة الا أن يقاتلوا فيظهر حينئذ بفعلهم أن قصدهم هو القتال وان احتاج رجل من المسلمين إلى شئ من المتاع حاجة يخاف على نفسه منها فلا بأس باستعمالها قبل القسمة كما يجوز تناول ملك الغير عند الحاجة الا أن ذلك بشرط الضمان لثبوت الملك للمأخوذ منه وهذا بغير ضمان لعدم تأكد الحق قبل الاحراز ألا ترى أنه لو أتلف شيئا من المال قبل الاحراز لم يكن ضامنا لما أتلف ولا يقسم السبى بينهم وان احتاج الناس إليه ما لم يخرجوهم إلى دار الاسلام ولا يببعهم كما لا يفعل في شئ من سائر الاموال وهذا لعدم تأكد الحق فيهم قبل الاحراز ولكن يمشيهم حتى يحرزهم بدار الاسلام ان أطاقوا المشى فان لم يطيقوه وكان معهم فضل حمولة من الغنيمة حملهم عليها لان الحمولة حق الغانمين والسبي كذلك فمن النظر لهم أن يحمل حقهم فان لم يكن معهم فضل حمولة ولكن كان مع بعض الغانمين فضل حمولة يحملهم عليها فعل ذلك برضاهم وان لم تطب أنفسهم بذلك لم يفعل لان الحمولة للخاص والسبي حق الجماعة فلا يكون له أن يستعمل في احراز حق الجماعة حمولة الخاص منهم بغير رضاهم أرأيت لو أطاق بعضهم حمل بعض السبى على ظهره أو على عاتقه أكان يجبره الامام علي ذلك ثم يقتل الرجال لما بينا من جواز قتل الاسير قبل تعين الملك فيه إذا كان فيه نظر وفي هذا الموضع لو لم يقتلهم احتاج إلى تركهم فيرجعون إلى دار الحرب حربا على المسلمين فكان النظر في قتلهم ويترك النساء والصبيان في موضع يأمن أيدى المشركين ان تصل إليهم لانه إذا تركهم في موضع تصل إليهم أيديهم يتقوون بهم و بتركه اياهم في هذا الموضع لا يكون متلفا بل يكون تاركا للاحسان إليهم وترك الاحسان لا يكون اساءة وانما جاز له هذا القدر لعجزه عن الاحسان إليهم بالاخراج عن المهلكة وان رأى أن يقسم ليتكلف كل واحد منهم حمل نصيبه فعل ذلك وهو أنفع من الترك وأما السلاح والمتاع فيحرقه بالنار إذا لم يستطع اخراجه الي دار الاسلام لانه مأمور بقطع قوة المشركين عنه واثبات القوة للمسلمين به وقد عجز عن احدهما وقدر على الآخر فيأتى بما يقدر عليه وهو الاحراق بالنار كيلا تصل إليه يد المشركين ليتقووا به قال هذا فيما يحترق فأما مالا

[ 37 ] يحترق كالحديد ينبغي أن يدفنه في موضع لا يقف عليه أهل الحرب فيستعينوا به وأما الدواب والمواشي إذا قامت عليه فانه لا يعقرها خلافا لمالك رحمه الله تعالى وقد بينا هذا ولا يتركها كذلك خلافا للشافعي رحمه الله تعالى لما في الترك من تقوى المشركين بها ولكنه يذبحها ثم يحرقها لئلا ينتفع بها العدو فالذبح عند الحاجة مباح شرعا في مأكول اللحم وغير مأكول اللحم وبعد الذبح ربما يتقوون بلحمها فيقطع ذلك عنها بالاحراق بالنار كما يفعل بالثياب والمتاع وفى هذا كبت وغيظ لهم وقد بينا جواز التخريب والاحراق فيما يكون فيه الكبت والغيظ للمشركين وما ظهروا عليه من أرض العدو فالامام فيها بالخيار ان شاء خمسها وقسمها بين الغانمين كما فعله رسول الله ﷺ بخيبر وان شاء من بها على أهلها فتركهم احرار الاصل ذمة للمسلمين والاراضي مملوكة لهم وجعل الجزية على رقابهم والخراج على أراضيهم عندنا كما فعله عمر رضى الله عنه بالسواد وقال الشافعي رحمه الله تعالى له ذلك في الرقاب فأما في الاراضي ليس له ذلك بل عليه أن يقسمها بين الغانمين ويصرف الخمس إلى مصارفه وينبني هذا الكلام على فصلين أحدهما في السواد أنها فتحت عنوة أو صلحا وقد بينا والثاني في فتح مكة فانها فتحت عنوة وقهرا عندنا وزعم الشافعي رحمه الله تعالى أنها فتحت صلحا قال الكرخي رحمه الله تعالى في كتابه ومن له أدني علم بالسير والفتوح لا يقول بهذا وقد كان أهل العلم مجمعين على فتح مكة عنوة وقهرا حتى حدث قول بعد المأتين انها فتحت صلحا وانما قال الشافعي رحمه الله تعالى هذا لان النبي ﷺ ترك لهم الاراضي والنخيل التي هي حول مكة فلم يجد بدا في اجراء مذهبه من هذا (قال) والدليل على ذلك حديث ابن عباس رضى الله عنه ان النبي ﷺ صالح أهل مكة عام الحديبية على ان وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين ثم دخلها بعد ذلك باثنين وعشرين شهرا فعرفنا أنه دخلها بذلك الصلح وقد أشار الله تعالى الي ذلك في قوله وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد ان أظفركم عليهم والدليل عليه أنه لم يضع على أراضيهم وظيفة وفى البلاد المفتوحة عنوة وقهرا لا يجوز ترك الاراضي لهم بغير وظيفة (وحجتنا) في ذلك ان الآثار أشتهرت بنقض قريش الصلح الذى كان بينه وبينهم على ماروى ان بنى خزاعة دخلوا في عهد رسول الله ﷺ يومئذ وبني بكر في عهد قريش ثم قاتل بنو بكر بنى خزاعة وأردفتهم قريش بالاسلحة والاطعمة

[ 38 ] وقاتل من قاتل من قريش معهم مستخفيا بالليل حتى جاء وافد بني خزاعة عمرو بن سالم إلى رسول الله ﷺ يستنصره ويقول لاهم انى ناشد محمدا * خلف أبينا وأبيه الا تلدا ان قريشا اخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا وبيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا فقال صلي الله عليه وسلم نصرت يا عمرو بن سالم فنشأت سحابة فقال انها تستهل ينصر بني خزاعة إلى أن نزل ﷺ بمر الظهران قال العباس رضى الله عنه قلت واصباحا قريش لو دخل رسول الله ﷺ قبل ان يخرجوا فيستأمنوا لهلكت قريش فركبت بغلة رسول الله ﷺ ودخلت الاراك لعلى أجد بعض الحطابين فاخبرهم بمجئ رسول الله ﷺ فلقيت أبا سفيان بن حرب وحكيم ابن حزام رضوان الله عليهم أجمعين يتراجعان الحديث ويقول احدهما لصاحبه ما هذه النيران فيقول الآخر نيران خزاعة ويقول الآخر هم أقل من ذلك وأذل فقلت يا حنظلة ما شأنك قال يا أبا الفضل ما تفعل ههنا فقلت هذا رسول الله ﷺ نزل بمر الظهران في عشرة آلاف قال وما الحيلة قلت لاأعرف لك حيلة ولكن أركب عجز دابتي فأردفته فما مررت بنار الاقيل هذه بغلة رسول الله ﷺ وهذا عمه حتى مررت بنار عمر رضى الله عنه فعرفه فأخذ السيف وعدا خلفه ليقتله فسرت بالدابة حتى اقتحمت مضرب رسول الله ﷺ فدخل عمر رضى الله عنه وقال يارسول الله صلى الله عليك ان الله مكنك من عدوك من غير عقد ولا صلح فدعني لاقتله فقلت مهلا فانى أجرته ولو كان من بنى عدى ما قتلته فبكى عمر رضى الله عنه وقال والله ان سروري باسلامك يوم أسلمت أكثر من سروري باسلام الخطاب أن لو أسلم فأمرني رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أحمله إلى رحلى فغدوت به عليه وقال ألم يأن ان تشهد أن لا اله الا الله فقال أبو سفيان انى أقول لو كان مع الله آلهة لجاز أن ينصرونا فقال ﷺ أتشهد أنى رسول الله فقال ان في النفس بعد من هذا لشيئا فقلت أسلم فان السيف في قفاك فأسلم فقلت ان أبا سفيان رجل يجب الفخر فاجعل له من الامر شيئا يارسول الله فقال من دخل دار أبى سفيان فهو آمن فقال وكم تسعهم دارى يارسول الله قال من أغلق الباب

[ 39 ] على نفسه فهو آمن ومن ألقي السلاح فهو آمن ومن تعلق بأستار الكعبة فهو آمن الا ابن خطل ويعيش بن صبابة وقينتين لابن خطل كانتا تغنيان بهجاء رسول الله ﷺ ثم أمرنى أن أحبسه في مضيق الوادي لتمر عليه الكتائب فكلما مرت عليه كتيبة قال من هؤلاء الحديث إلى أن مر رسول الله صلي الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء وفيها ألفا رجل من المهاجرين والانصار عليهم السلاح والحلق لا يرى منهم الا الحدق فلما حاذاه سعد بن عبادة وكان لواء رسول الله ﷺ بيده هز اللواء وقال اليوم يوم الملحمة اليوم تهتك فيه الحرمة فقال أبو سفيان ان ابن أخيك أصبح في ملك عظيم فقلت ليس بملك انما هو نبوة قال أو ذاك ثم نادى رسول الله ﷺ أمرت باستئصال قومك من قريش فقد قال سعد كذا فقال ﷺ اليوم يوم المرحمة اليوم تحفظ فيه الحرمة وبعث إلى سعد ليسلم اللواء إلى ابنه قيس الحديث فهذه القصة من أولها إلى آخرها تدل على انتقاض ذلك العهد ولما دخل رسول الله ﷺ مكة بعث خالد بن الوليد رضى الله عنه من جانب والزبير بن العوام رضى الله عنه من جانب وقال أترون أوباش قريش احصدوهم حصدا حتى تلقوني على الصفا وفيه يقول قائلهم يخاطب زوجته انك لو شهدت يوم خندمه * إذ فر صفوان وفر عكرمه * لم ينطلق اليوم بأدنى كلمه * وقال ابن رواحة رضي الله تعالى عنه ينشد بين يدى رسول الله ﷺ ويقول خلوا بنى الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تأويله ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله * لاهم أني مؤمن بقيله * فقال له عمر رضى الله عنه أتنشد الشعر في حرم الله تعالى فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم دعه يا عمر فانه أسرع في قلوبهم من وقع النبل حتى جاء أبو سفيان إلى رسول الله ﷺ فقال لقد انتدب حضرا قريش فلا قريش بعد اليوم فقال ﷺ الابيض والاسود آمن الا ابن خطل ثم جاء رسول الله ﷺ إلى باب الكعبة وفيها رؤساء قريش فأخذه بعضادتى الباب وقال ماذا ترون أنى صانع بكم فقالوا أخ كريم وابن أخ كريم ملكت فاسجح فقال صلي الله عليه وسلم انى أقول لكم كما قال أخي

[ 40 ] يوسف لاخوته لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين أنتم الطلقاء لكم أموالكم وصح أنه ﷺ دخل مكة وعلى رأسه المغفر فذلك دليل أنه ﷺ دخلها مقاتلا وقال ﷺ في خطبته ان مكة حرام حرمها الله تعالى يوم خلق السموات والارض وانها لم تحل لاحد قبلى ولا تحل لاحد بعدى وانما أحلت لى ساعة من نهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة وانما مراده حل القتال فيها فدل أنه دخلها مقاتلا وفى قوله تعالى إذا جاء نصرالله والفتح يشهد لما قلنا ونزول قوله تعالى وهو الذي كف أيديهم في صلح الحديبية ألا ترى إلى قوله تعالى والهدي معكوفا ان يبلغ محله وانما لم يضع الخراج على أراضيهم لان الاراضي تابعة للرقاب ولم يضع الجزية على رقابهم إذ لاجزية على عربي ولارق فكذلك لاخراج على أراضيهم فإذا ظهر انها فتحت قهرا اتضح مذهبنا في المسألة التى قلنا وعلى سبيل الابتداء في تلك المسألة فالشافعى رحمه الله تعالى يقول قد تأكد حق الغانمين في الاراضي أما عندي فقد ثبت الملك لهم بنفس الاصابة وعندكم تأكد الحق بالاحراز فقد صارت محرزة بفتح البلدة واجراء أحكام الاسلام فيها وفى المن ابطال حق الغانمين عما تأكد حقهم فيه والامام لا يملك ذلك كما إذا استولى على الاموال بدون الاراضي لم يكن له أن يبطل حق الغانمين عنها بالرد عليهم بخلاف الرقاب فالحق في رقابهم لم يتأكد بدليل أن له أن يقتلهم فكذلك يكون له أن يمن على رقابهم بجزية يأخذها منهم ثم حق مصارف الخمس ثابت بالنص وفى المن ابطال ذلك ولهذا قلت اما تخمس الجزية لان الخمس من الرقاب كان حقا لارباب الخمس فيثبت حقهم في بدل ذلك وهو الجزية وعلماؤنا رحمهم الله تعالى يقولون تصرف الامام وقع على وجه النظروانه نصب لذلك وبيانه أنه لو قسمها بينهم اشتغلوا بالزراعة وقعدوا عن الجهاد فيكر عليهم العدو وربما لا يهتدون لذلك العمل أيضا فإذا تركها في أيديهم وهم أعرف بذلك العمل اشتغلوا بالزراعة وأدوا الجزية ؟ والخراج فيصرف ذلك إلى المقاتلة ويكونون مشغولين بالجهاد وبهذا تبين أنه ليس في هذا ابطال حقهم بل فيه توفير المنفعة عنهم لان منفعة القسمة وان كانت أعجل فمنفعة الخراج أدوم ولانه كما ثبت الحق فيها للذين أصابوا ثبت لمن يأتي بعدهم بالنص قال الله تعالى والذين جاؤا من بعدهم وفى القسمة ابطال حق من يأتي بعدهم أصلا وفى المن عليهم مراعاة الحقين جميعا وانما قسم رسول الله ﷺ خيبر لحاجة لاصحابه رضى الله عنهم كانت

[ 41 ] يومئذ ونحن نقول للامام ذلك عند حاجة المسلمين فاما بدون الحاجة الاولي ما فعله عمر رضي الله عنه بالسواد والاستدلال بما استدل به ولاقول أبعد من قول من أوجب في الجزية الخمس فان رسول الله ﷺ أخذ الجزية من مجوس هجر والحلل من بني نجران وقال لمعاذ رضى الله عنه خذ من كل حالم وحالمة دينارا ولم يخمس شيئا من ذلك فدل أنه لا خمس في الجزية وإذا قسم الغنيمة ضرب للفارس بسهمين وللراجل بسهم في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهو قول أهل العراق وفى قولهما والشافعي رحمهم الله تعالى يضرب للفارس بثلاثة أسهم وهو قول أهل الشام وأهل الحجاز لحديث عبد الله بن العمرى رضى الله تعالى عنهما عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهم أنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه وقسم رسول الله ﷺ خيبر على ثمانية عشر سهما وكانت الرجال ألفا واربعمائة والخيل مائتي فرس وباسم كل كل مائة سهم فتبين أنه جعل سهم الفرس ضعف سهم الرجل وعند تعارض الاخبار المصير إلى ماروينا أولى ما فيه من اثبات الزيادة ولانه اتفق عليه أهل الشام وأهل الحجاز فهم أعرف بذلك من أهل العراق ثم مؤنة الفرس أعظم من مؤنة الرجل والاستحقاق باعتبار التزام المؤنة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بحديث عبيد الله العمرى عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبي ﷺ قسم للفارس سهمين سهما له وسهما لفرسه وعبيد الله أوثق من أخيه عبد الله رضى الله تعالى عنهما وفى حديث كريمة بنت المقداد بن الاسود عن أبيها المقداد رضى الله تعالي عنهما أن النبي ﷺ أسهم له يوم بدر سهمين سهما له وسهما لفرسه وفى حديث مجمع بن يعقوب بن مجمع عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ أسهم للفارس يوم خيبر سهمين ومارووا أنه قسم خيبر على ثمانية عشر سهما صحيح لكن ذكر في هذا الحديث أن الخيل كانت ثلثمائة ولو ثبت مارووا فالمراد من قوله وكانت الخيل مائتي فرس الخيل بفرسانها والرجال ألف وأربعمائة أي الرجالة قال الله تعالى واجلب عليهم بخيلك ورجلك أي بفرسانك ورجالتك وقال تعالى يأتوك رجالا أي رجالة فتبين بهذا ان الناس كانوا ألفا وستمائة فإذا كان باسم كل مائة سهم كان للفارس سهمان وللراجل سهم ثم المصير إلى ماروينا أولى لانه هو المتيقن وما رجح به من اثبات الزيادة متعارض ففيما روينا أثبات الزيادة في نصيب الراجل ثم في هذا تفضيل البهيمة على الآدمى وذلك غير جائز لان الاستحقاق

[ 42 ] بالقتال والرجل يقاتل وحده والفرس لا تقاتل ولهذا كان القياس ان لا يسوى بين الفرس والرجل وان لا يستحق بالفرس شيئا لانه آلة من آلات الحرب كسائر الآلات ولكن الآثار اتفقت على سهم واحد فأخذنا بما اتفق عليه الاثر وأبقينا ما اختلف فيه الاثر على أصل القياس ولا معنى لاعتبار المؤنة فصاحب الحمار والبغل يلتزم المؤنة أيضا ولا يستحق به شيئا وصاحب الفيل والبعير مؤنته أكثر ثم لا يستحق بهما شيئا مع أنا لا نسلم ان مؤنة الفرس أكثر فان ما يحتاج إليه الفرس من العلف يوجد مباحا ومطعوم بنى آدم من الخبز واللحم لا يوجد الا بثمن ومذهب أبى حنيفة رحمه الله تعالى مروي عن عمر رضى الله عنه وصاحب البرذون والهجين والمقرف كصاحب الفرس العربي في استحقاق السهم به عندنا سواء وقال أهل الشام لا يسهم للبراذين ورووا فيه حديثا عن رسول الله ﷺ لكنه شاذ والمشهور لهم حديث عمر رضى الله عنه على ماروي أن الخيل اغارت بالشام وعلى القوم المنذر بن أبى خمصة الوداعى فأدركت العراب اليوم والبراذين ضحى الغد فلم يسهم المنذر للبراذين وقال لاأجعل من أدرك كمن لا يدرك وكتب في ذلك إلى عمر رضى الله عنه فقال هبلت الوداعى أمه لقد أذكت به وفي رواية لقد أذكرته أمضوها على ما قال (وحجتنا) في ذلك أن استحقاق السهم بالخيل لمعني ارهاب العدو قال الله تعالى ومن رباط الخيل الآية والارهاب يحصل بالبرذون كما يحصل بالفرس العربي ثم العربي في الطلب والهرب أقوى والبرذون أقوى على الحرب وأصبر والين عطفا عند اللقاء ففي كل جانب نوع منفعة معتبرة ومعنى التزام المؤنة يجمعهما وتأويل حديث عمر رضى الله عنه أن المنذر فعل ذلك باجتهاده فأمضى عمر رضي الله عنه اجتهاده وهكذا نقول ومن الناس من يقول يستحق بالفرس العربي سهمان وبما سوى ذلك سهم واحد وهذا بعيد فان البرذون فرس العجم والعربي فرس العرب وكما يسوى بين العجمي والعربي في استحقاق السهم فكذلك في الخيل والهجين ما يكون ابوه من الكوادن وأمه عربية والمقرف ما يكون أبوه عربيا وأمه من الكوادن ومعنى قوله لقد اذكت به اتت به ذكيا وقوله اذكرته اتت به ذكرا جلدا (قال) وإذا دخل الغازى دار الحرب مع الجيش فارسا ثم نفق فرسه أو عقر قبل احراز الغنيمة فله سهم الفرسان عندنا وهو قول عمر رضى الله عنه وقال الشافعي رحمه الله له سهم الراجل لقول عمر رضى الله عنه الغنيمة لمن شهد الوقعة وقد شهد الوقعة راجلا ولان سبب

[ 43 ] الاستحقاق الاخذ وعند الاخذ هو راجل فيستحق سهم الراجل كما لو نفق فرسه قبل دخول دار الحرب و هذا لان سهم الفرس لا يكون أقوى من سهم صاحبه ولو مات الغازى بعد مجاوزة الدرب لم يستحق شيئا فإذا نفق الفرس اولى ولانه يستحق السهم بفرسه كما يستحق الرضخ بعبده ولو مات عبده بعد مجاوزة الدرب لم يستحق به شيئا فكذلك الفرس (وحجتنا) انه دخل دار الحرب فارسا على قصد الجهاد فيستحق سهم الفرسان كما لو كان فرسه قائما وقاتل راجلا وهذا لان الاستحقاق بالفرس لمعني ارهاب العدو به وقد حصل به والجيش انما يعرض عند مجاوزة الدرب فمن كان فارسا في ذلك الوقت واثبت اسمه في ديوان الفرسان فقد حصل ارهاب العدو بفرسه لانه ينتشر الخبر في دار الحرب انه دخل كذا وكذا فارس وقل ما يعيش بعد ذلك ولان الاعتبار للقهر الذى يحصل به اعزاز الدين وذلك بدخول دار الحرب علي قصد الجهاد فإذا كان هو عند دخول دار الحرب ملتزما مؤنة الفرس على قصد الجهاد انعقد له سبب الاستحقاق وبالاجماع لا معتبر ببقاء الفرس إلى حال تمام الاستحقاق لانه لو نفق فرسه بعد القتال قبل احراز الغنيمة بدار الاسلام استحق سهم الفرسان فكان المعتبر حال انعقاد السبب ابتداء بخلاف مالو مات قبل مجاوزة الدرب لان معنى الارهاب العود والقهر لم يحصل به وبخلاف ما إذا مات الفارس لانه هو المستحق ولا يبقى الاستحقاق بعد موت المستحق وان كان السبب منعقدا ألا ترى انه لو قتل في دار الحرب أو مات بعد الفراغ قبل الاحراز عندنا لا يستحق شيئا والعبد آدمى كالحر ثم الرضخ ليس نظير السهم ألا ترى انه غير مقدر بشئ فلا يستقيم اعتبار السهم بما دونه ولو باع فرسه بعد ما جاوز الدرب قبل القتال ففي رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى يستحق سهم الفرسان أيضا لانه أثبت اسمه في ديوان الفرسان وفى ظاهر الرواية يستحق سهم الرجالة لانه تبين بالبيع انه ماكان قصده من التزام مؤنة الفرس القتال عليه انما كان قصده التجارة وبمجاوزة الدرب على قصده التجارة لا ينعقد سبب استحقاق الغنيمة بخلاف ما إذا مات فرسه ولانه بالبيع والهبة أزاله عن ملكه باختياره فيكون به مسقطا حقه وبالموت ما أزاله عن ملكه باختياره بل هو مصاب في ذلك ولو باعه بعد الفراغ من القتال لم يسقط سهمه لانه لا يتبين به أنه لم يكن قصده من التزام مؤنة الفرس عدم القتال الا ترى أنه ما لم يفرغ من القتال لم يشتغل بالبيع فيه واختلف مشايخنا رحمهم الله

[ 44 ] تعالى فيما إذا باعه في حالة القتال قال بعضهم لا يسقط سهمه لان بيع الفرس عند القتال مخاطرة بالنفس فمن ليس له قصد القتال يطلب في ذلك الوقت فرسا ليهرب عليه وبهذا تبين أن بيعه الفرس لاظهار المبالغة في الحرب وهو أنه يرى العدو انه غير عازم على الفرار أصلا (قال) رحمه الله تعالى والاصح عندي أنه لا يستحق سهم الفارس لان تأخيره بيع الفرس إلى وقت القتال يحقق قصد التجارة فيه فان المشترى فيه عند ذلك أرغب والتاجر يحبس مال تجارته إلى وقت عزته وكثرة الرغبة فيه فلهذا يسقط سهمه ببيع الفرس فأما إذا دخل دار الحرب راجلا ثم اشترى فرسا وقاتل فارسا فله سهم الراجل وروى ابن المبارك عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن له سهم الفرسان لان معنى ارهاب العدو والقهر الذى يتم به اعزاز الدين بالقتال على الفرس أظهر منه في مجاوزة الدرب فإذا كان يستحق سهم الفرسان بمجاوزة الدرب فارسا فالقتال علي الفرس أولى وجه ظاهر الرواية أن الامام انما يدون الدواوين ويثبت أسامي الفرسان والرجالة عند مجاوزة الدرب ويشق عليه تفقد أحوالهم بعد ذلك فمن أثبت اسمه في ديوان الرجالة فقد انعقد له سبب الاستحقاق راجلا فلا يتغير ذلك بشراء الفرس كما في الفصل الاول لا يتغير حاله بموت الفرس ومن دخل دار الحرب فارسا ثم قاتل راجلا بان كان القتال على باب حصن أو في السفينة فانه يستحق سهم الفارس اما عندنا فلانه اثبت اسمه في ديوان الفرسان والاستحقاق بحصوله في دار الحرب فارسا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لانه قاتل وله فرس معد للقتال عليه لو احتاج إليه فيستحق سهم الفرسان كما يستحق الردء السهم مع المباشر وإذا مات الغازى أو قتل بعد اصابة الغنيمة قبل اخراجها إلى دار الاسلام لم يورث سهمه عندنا وهو قول على رضى الله عنه وقال الشافعي رحمه الله يورث وهو قول عمر رضي الله عنه وهذا ينبنى على الاصل الذي بينا فان عنده الملك يثبت لهم بنفس الاصابة وموت أحد الشركاء لا يبطل ملكه عن نصيبه بل يخلفه وارثه فيه كالشركاء في الاصطياد إذا مات أحدهم بعد الاخذ ومن اصلنا ان الحق يثبت بنفس الاصابة ولا يتأكد الا بالاحراز والحق الضعيف لا يورث كحق القبول فان المشترى إذا مات بعد ايجاب البائع قبل قبوله لا يخلفه وارثه في القبول واما بعد الاحراز الحق يتأكد والارث يجرى في الحق المتأكد كحق الرهن والرد بالعيب وهو نظير مذهبنا في الشفعة وخيار الشرط لا يورث لانه حق ضعيف وقد استدل بعض مشايخنا على

[ 45 ] ضعف الحق قبل الاحراز باباحة تناول الطعام والعلف لكل واحد منهم من غير ضرورة وضمان وبامتناع وجوب الضمان على من اتلف شيئا من الغنيمة قبل الاحراز بخلاف ما بعد الاحراز وبقبول شهادة الغانمين في الغنيمة قبل الاحراز وامتناع قبول الشهادة بعد الاحراز وتبين بذلك ان الحق ضعيف كحق كل مسلم في مال بيت المال ولكن أصحاب الشافعي رحمهم الله ربما لا يسلمون هذين الفصلين وإذا كان العبد مع مولاه فقاتل باذنه يرضخ له وكذلك الصبى والمرأة والذمي والمكاتب لحديث أبى هريرة رضى الله عنه ان النبي ﷺ كان لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد وكان يرضخ لهم وعن فضالة بن عبيد ان النبي ﷺ كان يرضخ للمماليك ولا يسهم لهم ولان العبد غير مجاهد بنفسه الا ترى ان للمولى ان يمنعه من الخروج فلا يسوى بينه وبين الحر الذى هو أهل للجهاد بنفسه في استحقاق السهم ولكن يرضخ له إذا قاتل لمعنى التحريض والصبي والمرأة ليس لهما قوة الجهاد بانفسهما ولهذا لا يلحقهما فرض الجهاد والذمي ليس من أهل الجهاد بنفسه فان الكفار لا يخاطبون بالشرائع ما لم يسلموا والرق في المكاتب قائم ويتوهم ان يعجز فيمنعه المولى من الخروج إلى الجهاد وان كان العبد في خدمة مولاه وهو لا يقاتل لا يرضخ له أيضا لان مولاه التزم مؤنته لخدمته لا للقتال به بخلاف الاول فانه التزم مؤنته للقتال به ونظيره ما قررناه من بيع الفرس وأهل سوق العسكر ان لم يقاتلوا فلا يسهم لهم ولا يرضخ لان قصدهم التجارة لاارهاب العدو واعزاز الدين فان قاتلوا استحقوا السهم لانه تبين بفعلهم ان قصدهم القتال ومعنى التجارة تبع لذلك فحالهم كحال التاجر في طريق الحج لا ينتقص به ثواب حجه وفيه نزل قوله تعالى ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم ومن دخل دار الحرب بأفراس لا يستحق السهم الالفرس واحد في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أهل العراق وأهل الحجاز وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يستحق السهم لفرسين وهو قول أهل الشام رحمهم الله تعالي لما روى ان الزبير بن العوام رضى الله عنه شهد خيبر بفرسين فأعطاه رسول الله ﷺ خمسة أسهم سهما له وسهمين لكل فرس ولان الانسان قد يحتاج في القتال إلى فرسين حتى إذا كل أحدهما قاتل على الآخر وهو عادة معروفة في المبارزين فكان ملتزما مؤنة فرسين للقتال فيستحق السهم لهما وما زاد على ذلك غير محتاج إليه للقتال فكان من الجنائب وهما استدلا

[ 46 ] بما روى إبراهيم بن الحارث التيمى عن أبيه ان النبي ﷺ لم يسهم لصاحب الافراس الا لفراس واحد يوم حنين وحديث ابن الزبير فانما أعطاه سهم ذوى القربى له ولامه صفية وما أسهم له الا لفرس واحد ثم عند تعارض الآثار يؤخذ بالمتيقن لان القياس يأبى استحقاق السهم بالفرس ولانه لا يقاتل الاعلى فرس واحد ويحمل ما يروى من الزيادة انه أعطى ذلك على سبيل التنفيل كما روى انه اعطى سلمة بن الاكوع رضى الله عنه سهمين وكان راجلا ولكن أعطاه أحد السهمين على سبيل التنفيل لجده في القتال فانه قال خير رجالتنا سلمة بن الاكوع وخير فرساننا أبو قتادة وهذه المسألة نظير مابينا في النكاح ان المرأة لا تستحق النفقة الا لخادم واحد في قول أبى حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف رحمهم الله تستحق النفقة لخادمين ومن مرض أو كان جريحا في خيمته حتي أصابوا الغنائم فله السهم كاملا لان سبب الاستحقاق وجد في حقه كما قررنا وفى نظيره قال ﷺ انما تنصرون وترزقون بضعفائكم وإذا بعث الامام سرية من العسكر في دار الحرب فجاءت بغنائم وقد أصاب الجيش غنائم أيضا فان بعضهم يشارك بعضا في المصاب لانهم اشتركوا في سبب الاستحقاق وهو دخول دار الحرب على قصد القتال ولان الجيش في حق أصحاب السرية كالردء لهم حتي يلجؤن إليهم إذا حزبهم أمروهم بمنزلة الردء لاجتماعهم في دار الحرب وقد بينا أن للردء أن يشارك الجيش في المصاب وان لم يلقوا قتالا بعد ما التحقوا بهم فهذا أولى وان أسر فأصاب المسلمون بعده غنيمة ثم انفلت منهم فالتحق بالجيش الذى أسر منه قبل أن يخرجوا فهو شريكهم في جميع ما أصابوا وان لم يلقوا قتالا بعد ذلك لانه انعقد سبب الاستحقاق له معهم فيشاركهم فيما تأكد الحق به وهو الاحراز فلا يعتبر العارض بعد ذلك كما لو مرض أو جرح وان التحق هذا الاسير بعسكر آخر في دار الحرب وقد أصابوا غنائم فانه لا يستحق السهم الا أن يلقوا قتالا فيقاتل معهم لانه ما انعقد له سبب الاستحقاق معهم وانما كان قصده من اللحوق بهم الفوز والنجاة فلا يستحق السهم الا أن يلقوا قتالا فحينئذ تبين بفعله ان قصده القتال معهم ويجعل قتاله للدفع عن المصاب كقتاله للاصابة في الابتداء وكذلك الذى أسلم في دار الحرب إذا التحق بالعسكر أو المرتد إذا تاب فالتحق بالعسكر أو التاجر الذى دخل بأمان إذا التحق بالعسكر فانهم بمنزلة الاسير ان قاتلوا استحقوا السهم والا فلا شئ لهم وفى الاصل ذكر أن عبدا لو جنى جناية

[ 47 ] خطأ أو أفسد متاعا فلزمه دين ثم أسره العدو ثم أسلموا عليه فهو لهم لقوله ﷺ من أسلم على مال فهو له ثم الجناية تبطل عنه والدين يلحقه لان حق الجناية في رقبته ولا يبقى بعد زوال ملك المولى ألا ترى أنه لوزال ملكه بالبيع والهبة لا يبقي فيه حق ولى الجناية فأما الدين في ذمته يبطل عنه بزوال ملك المولى كما لا يبطل ببيعه وهذا لان الدين في ذمة العبد يجب شاغلا لماليته فانما يملك العدو ماليته مشغولة بالدين كما أسروه ولهذا يبقى الدين عليه بعدما أسلم ولو اشتراه رجل منهم أو أصابه المسلمون في غنيمة يأخذه المولى بالقيمة أو الثمن فان الجناية والدين يلحقانه لانه يعيده بالاخذ إلى قديم ملكه وحق ولى الجناية كان ثابتا في قديم ملكه وسيأتى بيان هذا الفصل وان كانت الجناية قتل عمد لم يبطل ذلك عنه بحال لان المستحق عليه نفسه قصاصا فلا يبطل ذلك بزوال ملك المولى كما لو باعه أو أعتقه بعد ما لزمه القصاص (قال) ولا ينبغي للامام أن ينفل احدا مما قد أصابه انما النفل قبل احراز الغنيمة أن يقول من قتل قتيلا فله سلبه ومن أصاب شيئا فهو له وقد كان يستحب ذلك للاغراء على القتال وهذا الكلام يشتمل على فصول أحدها أن القاتل لا يستحق السلب بالقتل عندنا من غير تنفيل الامام وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا قتله مقبلا بين الصفين على وجه المبارزة استحق سلبه واحتج بقوله ﷺ يوم بدر من قتل قتيلا فله سلبه فمثل هذا اللفظ في لسان صاحب الشرع لبيان السبب كقوله ﷺ من بدل دينه فاقتلوه فظاهره لنصب الشرع فانه ﷺ بعث لذلك وفى حديث أبى قتادة رضى الله تعالى عنه قال أصاب المسلمين جولة يوم حنين فلقيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فأتيته من ورائه وضربته على حبل عاتقه ضربة فأقبل على وضمني إلى نفسه ضمة شممت منها رائحة الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فأتيت رسول الله ﷺ فسمعته يقول من قتل قتيلا فله سلبه فقلت من يشهد لى فقال رجل صدق يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي فارضه عنى فقال أبو بكر رضى الله تعالى عنه لاها الله أيعمد أسد من أسد الله فيقتل عدو الله ثم يعطيك سلبه فأمره رسول الله ﷺ وقد كان القتل منه قبل مقاله رسول الله ﷺ ثم أعطاه سلبه فظهر أن الاستحقاق بالقتل لا بالتنفيل ولان القاتل أظهر فضل عناية على غيره بمباشرة القتل فيستحق في الاستحقاق كالفارس مع الراجل

[ 48 ] وهذا لان القاتل على سبيل المبارزة يحتاج إلى زيادة عناء ومخاطرة بالنفس ولهذا لو قتله مدبرا لا يستحق سلبه وكذلك لو رمى سهما من صف المسلمين فقتل مشركا لا يستحق سلبه لانه ليس فيه زيادة العناء فكل واحد يتجاسر على ذلك وأصحابنا استدلوا بقوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شئ فان لله خمسه والسلب من الغنيمة لان الغنيمة مال يصاب بأشرف الجهات فينبغي أن يجب فيه الخمس بظاهر الآية وعندكم لا يجب وهذا مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال السلب من الغنيمة وفيه الخمس واستدل بالآية وجاء رجل من بلقين الي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال لمن المغنم قال لله سهم ولهؤلاء أربعة أسهم فقال هل أحد أحق بشئ من غيره قال لا حتى لو رميت بسهم في جنبك فاستخرجته لم تكن أحق به من أخيك وعن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه قال كنت واقفا يوم بدر بين شابين حديث أسنانهما أحدهما معوذ بن عفراء والآخر معاذ بن عمرو بن الجموح فقال لى أحدهما أي عم أتعرف أبا جهل قلت وما شأنك به قال بلغني أنه يسب رسول الله ﷺ فوالله لو لقيته ما فارق سوادى سواده حتى يموت الاعجل منا موتا وعمر بى الآخر إلى مثل ذلك فلقيت أبا جهل في صف المشركين فقلت ذاك صاحبكما الذى تريدانه فابتداره بسيفيهما حتى قتلاه واختصما في سلبه إلى رسول الله ﷺ يقول كل واحد منهما أنا قتلته والسلب لى فقال رسول الله ﷺ أمسحتما سيفيكما فقالا لا فقال أرياني سيفيكما فارياه فقال كلاكما قتله ثم أعطى السلب معوذ بن عفراء ولو كان الاستحقاق بالقتل لما خص به أحدهما مع قوله ﷺ كلاكما قتله (فان قيل) كيف يصح هذا والمشهور أن ابن مسعود رضي الله عنه قتله قلناهما انحناه وابن مسعود رضى الله عنه اجهز عليه على ماروى انه قال وجدته صريعا في القتلى وبه رمق فجلست على صدره ففتح عينيه وقال يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى عظيما لمن الدبرة قلت لله ولرسوله ﷺ فقال ما تريد ان تصنع قلت احز رأسك قال لست بأول عبد قتل سيده ولكن خذ سيفي فهو امضى لما تريد وأقطع رأسي من كاهل ليكون اهيب في عين الناظر وإذا لقيت محمدا فاخبره اني اليوم أشد بعضا له مما كنت قبل هذا فقطعت رأسه واتيت به رسول الله ﷺ فالقيته بين يديه وقلت هذا رأس أبى جهل فقال رسول الله ﷺ الله أكبر هذا كان فرعونى وفرعون أمتي شره على امتي

[ 49 ] أكثر من شر فرعون على بنى إسرائيل ونفلني سيفه ففي هذا بيان انه اجهز عليه وان الاستحقاق ليس بنفس القتل إذا لو كان الاستحقاق بنفس القتل لكان المستحق للسيف من اثخنه فما كان ينفله غيره وان البراء بن مالك رضى الله عنه قتل مرزبان الرازة واخذ سلبه مرصعا باللؤلؤ والجوهر فقوم بعشرين الفا فقال عمر رضى الله عنه كنا لا نخمس الاسلاب وان سلب البراء بلغ هذا المبلغ وما اراني الا خامسه قال انس فبعثنا بالخمس أربعة آلاف إليه فإذا تبين وجوب الخمس فيه ثبت ان الباقي منه مقسوم بين الغانمين وما نقل من قوله من قتل قتيلا فله سلبه كان على سبيل التنفيل منه لاعلى وجه نصب الشرع وانما يكون ذلك نصب الشرع إذا قاله في المدينة في مسجده ولم ينقل انه قال ذلك الا يوم بدر عنه القتال للحاجة إلى التحريض وقد كانوا أذلة يوم حنين حين ولوا منهزمين للحاجة إلى التحريض فعرفنا انه قال ذلك على سبيل التنفيل لاعلى وجه نصب الشرع وعندنا بالتنفيل يستحق ولان القاتل انما تمكن من قتله وأخذ سلبه بقوة الجيش فلا يختص به كما لو أخذ أسيرا أو أصاب مالا آخر لا يختص به وكما يكون منه فضل عناء في القتل يكون ذلك منه بأخذ الاسير واستلاب سلب الحى ثم لا يختص به الا بعد تنفيل الامام وكما قال رسول الله ﷺ يوم بدر من قتيل قتيلا فله سلبه قال من أخذ أسيرا فهو له ثم كان ذلك على وجه التنفيل فكذلك في السلب والاصل فيه قوله ﷺ ليس للمرء الا ما طابت به نفس امامه ويستحب للامام ان ينفل قبل الاصابة بحسب ما يرى الصواب فيه للتحريض على القتال قال الله تعالى يا ايها النبي حرض المؤمنين على القتال ولان بالنفل يعينه على البر وهو بذل النفس لابتغاء مرضاة الله تعالى فكان ذلك مستحبا ولكن قبل الاصابة وأما بعد الاصابة لا يجوز النفل الا على قول أهل الشام فانهم يجوزون ذلك وقد روى أنه ﷺ نفل بعد الاصابة وتأويل ذلك عندنا انه نفل من الخمس أو من الصفى الذى كان له أو فعل ذلك يوم بدر لان الامر في الغنائم كان إليه كما روينا واليه أشار سعيد بن المسيب رضى الله عنه فقال لانفل بعد الاحراز الا ما كان لرسول الله ﷺ وكان المعنى فيه أن بعد الاصابة في التنفيل ابطال حق أرباب الخمس وابطال حق بعض الغانمين عما ثبت حقهم فيه وهو سبب لايقاع الفتنة والعداوة بينهم والتنفيل للتحريض على القتال وتسكين الفتنة فإذا نفل بعد الاصابة عاد على موضوعه

[ 50 ] بالنقض والابطال وذلك لا يجوز وإذا أخذ الرجل علفا من الغنيمة ففضل منه فضلة بعد ما خرج إلى دار الاسلام أعادها في الغنيمة ان كانت لم تقسم لان اختصاصه بذلك كان للحاجة وقد زال بالخروج إلى دار الاسلام وكان ذلك لعدم تأكد الحق في الغنيمة لهم وقد زال ذلك بالاحراز وان كانت الغنائم قد قسمت فذلك بمنزلة للقطة في يده فان كان فقيرا فلا بأس بأن يأكله وان كان غنيا باعه وتصدق بثمنه كما يفعل باللقطة وكذلك لا ينبغى له أن يبيع شيئا من الطعام والعلف لانه أبيح له التناول للحاجة والمباح له التناول لا يملك التصرف فيه بالبيع وان فعل ذلك أعاد الثمن في الغنيمة ان لم تقسم وان كانت قد قسمت صنع مايصنع باللقطة كما بينا وان أقرضه رجلا في دار الحرب من الجند لم يسمع له أن يأخذ منه شيئا لان المقرض والمستقرض في حق اباحة تناوله سواء الا أن الآخذ كان أحق به لانه في يده فإذا زال ما بيده إلى الآخر سقط حقه فلهذا لا يأخذ منه شيئا وإذا أعتق رجل من الجند جارية من الغنيمة نفذ عتقه في القياس لان حقهم تأكد بالاحراز ألا ترى أن بالقسمة يتعين ملك كل واحد منهم والقسمة لتميز الملك لا لابتداء الملك فتبين به أن الملك كان ثابتا لهم من قبل وانه أعتق جارية مشتركة بينه وبين غيره وهذا على أصل الشافعي رحمه الله تعالى أظهر فانه يقول بنفس الاصابة يثبت لهم الملك وفى الاستحسان عندنا لا ينفذ عتقه لان نفوذ العتق يستدعى ملكا قائما في المحل وذلك غير موجود لهم قبل القسمة ألا ترى أن للامام أن يبيع الغنائم ويقسم الثمن وأنه لا يدرى ان نصيب كل واحد منهم في أي موضع يقع عند القسمة فكان ما هو شرط نفوذ العتق منعدما فلهذا لا ينفذ عتقه وكذلك لو استولدها لم يصح استيلاده لان استيلاد يوجب حق العتق وذلك لا يكون الا بعد قيام الملك في المحل بخلاف الاب يستولد جارية ابنه فله ولاية التملك هناك فيتملكها سابقا على الاستيلاد وليس له ولاية تملك هذه الجارية بدون رأى الامام فلا يصح استيلاده فيها ولا يثبت النسب منه ولكن يسقط الحد عنه لثبوت حق متأكد ويلزمه العقر لان الوطئ في دار الاسلام عند ذلك لا ينفك عن حد أو عقر فكانت هي وولدها في الغنيمة لان الولد يتبع الام وعلى قول الشافعي رحمه الله استيلاده صحيح بناء على الاصل الذى بينا ان الملك عنده يثبت بنفس الاصابة وان سرق بعض الغانمين شيئا من الغنيمة لم يقطع لتأكد حقه فيها ولكنه يضمن المسروق ويؤدب ولا يحرق رحله عندنا وقال الاوزاعي رحمه الله يحرق رحله

[ 51 ] ويستدل بحديث روى ان النبي ﷺ أمر بأن يحرق رحل الغال وفى السير الكبير ذكر عن محمد رحمه الله ان هذا الحديث لا يكاد يصح وقد كان في زمن رسول الله ﷺ من الجيش أعراب جهال يكون منهم الغلول فلو كان يستحق احراق رحل الغال لاشتهر ذلك ونقل نقلا مستفيضا ارأيت لو كان في رحله مصاحف كانت تحرق واستكثر من الشواهد لاستبعاد هذا القول وكما لا يلزمه إذا سرق بنفسه فكذلك إذا سرق عبده أو ذو رحم محرم منه لان فعل هذا في السرقة كفعله وقد بينا هذا في كتاب السرقة وإذا قسمت الغنيمة على الرايات فوقعت جارية بين أهل راية أو عرافة فاعتقها رجل منهم قال يجوز إذا قل الشركاء لان الملك قد ثبت بقسمة الجملة وان لم يتعين لعدم القسمة على الافراد الا تري انه لم يبق للامام رأى البيع بعد ذلك ولا رأى القتل في الاسارى فكانت مشتركة بين أهل تلك العرافة شركة ملك وعتق أحد الشركاء نافذ ولكن هذا إذا قلوا حتي تكون الشركة خاصة فاما إذا كثروا فالشركة عامة وبالشركة العامة لا نثبت ولاية الاعتاق كشركة المسلمين في مال بيت المال ثم قال والقليل إذا كانوا مائة أو أقل ولست اوقت فيه وقتا وفي السير الكبير حكى فيه أقاويل فقال قد قيل أربعون لان النبي ﷺ أظهر الاسلام حين كثر المسلمون فكانوا أربعين وقيل خمسون اعتبارا بعدد الايمان في القسامة وقيل مائة استدلالا بقوله تعالى وان يكن منكم مائة صابرة وقيل إذا كانوا يحصون من غير حاجة إلى كتاب وحساب وقيل إذا كانوا بحيث لو ولد لاحدهم ولد يظهر ذلك من يومه فهم قليل والاصح انه موكول إلى رأي الامام في استقلال عددهم واستكثاره لان نصب المقادير لا يكون بالرأي وليس فيه نص فالاولى ان يجعل موكولا الي اجتهاد الامام وإذا سبى الجند امرأة ثم سبوا زوجها بعدها بقليل أو كثير وقد حاضت فيما بين ذلك حيضتين أو لم تحض غير انهم لم يخرجوها من دار الحرب حتى سبوا زوجها فهما على نكاحها وأيهما سبي وأخرج إلى دار الاسلام ثم سبى الاخر وأخرج فلا نكاح بينهما وهذا فصل بيناه في كتاب النكاح ان الموجب للفرقة تباين الدارين لا السبى فإذا انعدم تباين الدارين كانا على نكاحهما سواء سبيا معا أو أحدهما بعد الآخر وإذا أخرج المسبى منهما إلى دار الاسلام وجد تباين الدارين بينهما حقيقة وحكما فارتفع النكاح بينهما ثم لا يعود بعد ذلك وان سبى الآخر منهما والله أعلم بالصواب

[ 52 ] (باب ما أصيب في الغنيمة مما كان المشركون أصابوه من مال المسلم) (قال) رضى الله عنه بني مسائل الباب على أصل مختلف فيه وهو ان الكفار يملكون أموال المسلمين بالقهر إذا أحرزوه بدارهم عندنا ولا يملكونها عند الشافعي لقوله تعالى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا والتملك بالقهر أقوى جهات السبيل ولما أغار عتيبة بن حصن على سرح المدينة وفيه ناقة رسول الله صلي الله عليه وسلم العضباء وامرأة من الأنصار قالت الانصارية فلما جن لليل قصدت الفرار من أيديهم فما وضعت يدى على بعير الارغي حتى وضعت يدى على ناقة رسول الله ﷺ العضباء فركنت إلى فركبتها وقلت لئن نجاني الله تعالى عليها لانحرنها ولآكلن من سنامها وكبدها فلما أتيت رسول الله ﷺ وقصصت عليه هذه القصة قال بئسما جازيتها لانذر فيما لا يملكه ابن آدم وفى رواية رديها فانها ناقة من إبلنا وارجعي إلى أهلك على اسم الله والمعنى فيه أن هذا عدوان محض لانه حرام ليس فيه شبهة الاباحة فلا يكون سببا للملك كاستيلاء المسلم على مال المسلم وهذا لان الملك حكم مشروع مرغوب فيه فيستدعى سببا مشروعا والعدوان المحض ضد المشروع ولان المعصوم بالاسلام لا يملك بالقهر كالرقاب فان الشرع أثبت العصمة بسبب واحد في المال والرقاب قال ﷺ فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم فذلك دليل المساواة بينهما في المنع من التملك بالقهر وهذا لان الاستيلاء سبب الملك في محل مباح لافي معصوم حتى لا يملك مال المستأمن بالقهر بخلاف مال الحربى الذى لا أمان له ولا يملك صيد الحرم بالاستيلاء بخلاف صيد الحل والسبب لا يعمل الافى محله فإذا صادف الاستيلاء محلا معصوما لم يكن موجبا للملك وبه فارق سائر أسباب الملك من البيع والهبة لانه موجب للملك في محل معصوم وهو مملوك (وحجتنا) في ذلك قوله تعالى للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم الآية فان الله تعالى سمى المهاجرين فقراء والفقير حقيقة من لاملك له ولو لم يملك الكفار أموالهم بالاستيلاء لما سماهم فقراء ولما قال على لرسول الله ﷺ يوم فتح مكة ألا تنزل دارك قال وهل ترك لنا عقيل من ربع وقد كان له دار بمكة ورثها من خديجة رضى الله عنها فاستولى عليها عقيل بعد هجرته والمعني فيه أن الاستيلاء سبب يملك به المسلم مال الكافر

[ 53 ] فيملك به الكافر مال المسلم كالبيع والهبة وتأثيره أن نفس الاخذ سبب لملك المال إذا تم بالاحراز وبيننا وبينهم مساواة في أسباب اصابة الدنيا بل حظهم أوفر من حظنا لان الدنيا لهم ولانه لا مقصود لهم في هذا الاخذ سوى اكتساب المال ونحن لا نقصد بالاخذ اكتساب المال ثم جعل هذا الاخذ سببا للمك في حق المسلم بدون القصد فلان يكون سببا للملك في حقهم مع وجود القصد أولى وانما يفارقوننا فيما يكون طريقه طريق الجزاء لان الجزاء بوفاق العمل وذلك في تملك رقاب الاحرار لان الآدمى في الاصل خلق مالكا لا مملوكا فصفة المملوكية فيه تكون بواسطة ابطال صفة المالكية وذلك مشروع في حقهم بطريق الجزاء فانهم لما أنكروا وحدانية الله تعالى جازاهم الله تعالى على ذلك بأن جعلهم عبيد عبيده ولا يوجد ذلك في حق المسلمين ولا اشكال أن ابطال صفة الحرية يكون بطريق الجزاء والعقوبة ألاتري أن اثبات صفة الحرية في المملوك مشروع بطريق الجزاء والتقرب فابطال صفة الحرية يكون بطريق الجزاء والعقوبة وقد تعذر اثبات هذه الواسطة في رقاب الاحرار المسلمين أو من ثبت له حق العتق منهم حتى أن في حق العبيد لما كان الملك يثبت بدون هذه الواسطة قلنا بأنهم يملكون عبيدنا بالاخذ والمفارقة بيننا وبينهم في الحل والحرمة لايمنع المساواة في حكم الملك عند تقرر سببه ألا ترى أن استكساب المسلم عبده الكافر سبب مباح للملك واستكساب الكافر عبده المسلم حرام ومع ذلك كان موجبا للملك لتقرر السبب مع أن الفعل الذى هو عدوان غير موجب للملك عندنا لان الفعل انما يكون عدوانا في مال معصوم والعصمة بالاحراز والاحراز بالدار لا بالدين لان الاحراز بالدين من حيث مراعاة حق الشرع والاثم في مجاوزة ذلك ولا يتحقق ذلك في حق المنكرين فانما يكون الاحراز في حقهم بالدار التى هي دافعة لشرهم حسا وما بقي المال معصوما بالاحراز بدار الاسلام لا يملك بالاستيلاء عندنا وانما يملك بعد انعدام هذه العصمة بالاحراز بدار الحرب والاخذ بعد ذلك ليس بعدوان محض والمحل غير معصوم أيضا فلهذا كان الاستيلاء فيه سببا للملك والدليل على أن الاحراز بالدين لا يظهر حكمه في حقهم فصل الضمان فانهم لا يضمنون ما أتلفوا من نفوس المسلمين وأموالهم وتأثير العصمة في ايجاب الضمان أظهر منه في دفع الملك ثم لما لم يبق للعصمة بالدين اعتبار في حقهم في ايجاب الضمان فكذلك في دفع الملك وتأويل الحديث أنهم لم يحرزوها بدارهم بعد فلم يملكوها ولا ملكت هي فلهذا

[ 54 ] استردها وجعل نذرها فيما لا تملك والمراد بالآية حكم الاخذ بدليل قوله تعالى فالله يحكم بينهم يوم القيامة وبه نقول انهم يفارقوننا في دار الآخرة فانها دار الجزاء ولا سبيل لهم علينا في دار الجزاء إذا عرفنا هذا فنقول إذا وقع هذا المال في الغنيمة وقد كان المشركون أحرزوه فان وجده مالكه قبل القسمة أخذه بغير شئ وان وجده بعد القسمة أخذه بالقيمة ان شاء لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المشركين أحرزوا ناقة رجل من المسلمين بدارهم ثم وقعت في الغنيمة فخاصم فيها المالك القديم فقال صلي الله عليه وسلم ان وجدتها قبل القسمة أخذتها بغير شئ وان وجدتها بعد القسمة أخذتها بالقيمة ان شئت ففي هذا دليل أنهم قد ملكوها وانما فرق في الاخذ مجانا بين ما قبل القسمة وما بعدها لان المستولي عليه صار مظلوما وقد كان يفترض على من يقوم بنصرة الدار وهم الغزاة ان يدفعوا الظلم عنه بأن يتبعوا المشركين ليستنقذوا المال من أيديهم وقبل القسمة الحق لعامة الغزاة فعليهم دفع الظلم باعادة ماله إليه فاما بعد القسمة فقد تعين الملك لمن وقع في سهمه وعليه دفع الظلم ولكن لا بطريق ابطال حقه وحقه في المالية حتى كان للامام ان يبيع الغنائم ويقسم الثمن بين الغانمين وحق المالك القديم في العين فيتمكن من الاخذ بالقيمة ان شاء ليتوصل كل واحد منهما إلى حقه فيعتدل النظر من الجانبين ولان قبل القسمة ثبوت حق الغزاة فيه ليس بعوض على شئ بل صلة شرعية لهم ابتداء فلا يكون في أخذ المالك القديم اياه مجانا ابطال حقهم عن عوض كان حقا لهم فاما بعد القسمة فمن وقع في سهمه استحق هذا العين عوضا عن سهمه في الغنيمة فلا وجه لابطال حقه في ذلك العوض فيثبت للمالك القديم حق الاخذ بعد ما يعطى من وقع في سهمه العوض الذى كان حقا له وانما يأخذه إذا أثبت دعواه فان مجرد قوله ليس بحجة في ابطال حق الغانمين قبل القسمة ولافي استحقاق الملك على من وقع في سهمه بعد القسمة وهذا إذا كان المأخوذ شيئا لامثل له فاما الدراهم والدنانير والفلوس والمكيل والموزون فان وجدها قبل القسمة أخذها بغير شئ وان وجدها بعد القسمة فلا سبيل له عليها لان الاخذ شرعا انما ثبت له إذا كان مفيدا وقبل القسمة هو مفيد فاما بعد القسمة لو أخذها أخذها بمثلها وذلك غير مفيد فان المالية في هذا ؟ الاشياء باعتبار الكيل والوزن ولهذا جرى الربا فيها فلكون الاخذ غير مفيد قلنا بأنه لا يكون مشروعا بخلاف مالا مثل له فانه يأخذه بالقيمة وذلك يكون مفيدا لما في العين من الغرض الصحيح للناس وان

[ 55 ] وجد عبدا كان له فابق إليهم وقد وقع في سهم رجل من الجند أخذه منه بغير شئ في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يأخذه بالقيمة ان شاء لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن عبدا لمسلم أبق إلى دار الحرب ثم وقع في الغنية فخاصم فيه المالك إلى رسول الله ﷺ فقال ان وجدته قبل القسمة أخذته بغير شئ وان وجدته بعد القسمة أخذته بالقيمة ان شئت وعن الازهر بن يزيد ان أمة لقوم أبقت إلى دار الحرب ثم وقعت في الغنيمة فخاصم فيها مولاها فكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر رضي الله عنهما فرد جوابه ان وجدها قبل القسمة أخذها وان وجدها بعد القسمة فقد مضت القسمة ولان الآبق يملك بسائر أسباب الملك فيملك بالاستيلاء كما لو كان مترددا في دار الاسلام فاحرزوه بدارهم أو كالدابة إذا ندت إليهم وبيان الوصف انه يملك بالارث حتى لو أعتقه الوارث بعد موت المورث ينفذ عتقه ويملك بالضمان حتى إذا كان مغصوبا فضمن الغاصب قيمته يملكه بالضمان ويملك بالهبة من ابنه الصغير وبالبيع ممن في يده وانما لا يجوز بيعه من غيره للعجز عن التسليم لا لانه ليس بمحل للتمليك والدليل عليه آبقهم الينا فانما نملكه بالاستيلاء فكذا آبقنا إليهم لما بينا من تحقق المساواة بيننا وبينهم في أسباب اصابة الدنيا وعلل أبو حنيفة في الكتاب وقال لان الكفار لم يحرزوه ويعنى انه صار في يد نفسه وهى يد محترمة فتكون دافعة لاحراز المشركين اياه كيد المكاتب في نفسه وانما قلنا ذلك لان يد المولى زالت عنه حقيقة بالاباق وحكما بدخوله دار الحرب إذ لا يجوز ان يثبت للمسلم يد على من في دار الحرب حكما كما لا يثبت لامام المسلمين اليد على من كان في دار الحرب فلم يخلفه الآخر اما لانه حين انتهى إلى الموضع الذى لا يأتي فيه المسلمون وأهل الحرب فقد زالت يد المولى ولا تثبت يد أهل الحرب عليه في هذا الموضع أو لان يد أهل الحرب انما تثبت عليه حسا لا حكما فما لم يأخذوه لا تثبت يدهم عليه فصار في يد نفسه لان الآدمى من أهل ان تثبت له اليد على نفسه وان كان مملوكا ألا ترى ان العبد إذا توكل بشراء نفسه من مولاه لا يملك البائع حبسه بالثمن لثبوت اليد له على نفسه وهذا لان المانع من ثبوت يده على نفسه يد المولى فإذا زالت تلك اليد لا إلى من يخلفه تثبت اليد له في نفسه لزوال المانع كما في المكاتب وباعتبار هذه اليد المحترمة يبقى هو محرزا بدار الاسلام لان صاحب اليد من أهل دار الاسلام ولا طريق لهم إلى الحيلولة بينه وبين هذه اليد وما بقى

[ 56 ] المال محرزا بدار الاسلام لايتم احراز المشركين اياه فهذا معني قوله أن الكفار لم يحرزوه بخلاف المتردد في دار الاسلام فانه في يد مولاه حكما ولهذا لو وهبه لابنه الصغير صار قابضا له فبقاء المانع حكما يمنع ثبوت اليد له في نفسه فيتم احراز المشركين اياه فأما الآبق إلى دار الحرب لا يكون في يد مولاه حكما حتى لو وهبه من ابنه الصغير لا يجوز هكذا ذكره أبو الحسين قاضى الحرمين عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى بخلاف الدابة إذا ندت إليهم لانها ليست من أهل أن تثبت لها اليد في نفسها وبخلاف آبقهم الينا لان يده في نفسه ليست بمحترمة فيتم احراز المسلمين اياه وبخلاف التملك بالارث والضمان فانه تملك حكمي يثبت في المحل الذى لا يقبل الملك قصدا بسببه كالخمر والقصاص يملك بالارث والدين يملك بالارث والضمان وان لم يكن محلا للتمليك بالقهر وهذا لما بينا أنه مع بقاء العصمة والاحراز قد يملك بالارث والضمان ولا يملك بالاخذ وتأويل الحديثين أن الآبق لم يكن وصل إليهم حتى خرجوا إليه فأخذوه وأحرزوه إذا عرفنا هذا فنقول عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لما كان له أن يأخذه بعد القسمة بغير شئ فالامام يعوض لمن وقع في سهمه قيمته من بيت المال لان نصيبه استحق فله أن يرجع على شركائه في الغنيمة وقد تعذر ذلك لتفرقهم في القبائل فيعوضه من بيت المال لان حقه من نوائب المسلمين ومال بيت المال معد لذلك ولانه لو فضل من الغنيمة شئ يتعذر قسمه كالجوهر ونحوه يوضع ذلك في بيت المال فكذلك إذا لحق غرم يجعل ذلك على بيت المال لان الغرم يقابل بالغنم وهكذا يقال على أصل الكل إذا كان المأسور مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد لمسلم فان المالك القديم يأخذه بغير شئ بعد القسمة ويعوض الامام من وقع في سهمه قيمته من بيت المال لما قلنا فان وجد العبد في يد مسلم اشتراه من أهل الحرب فأخرجه فان كان قد أبق إليهم فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى للمولى أن يأخذه بغير شئ لبقائه على ملكه ولا يغرم للمشترى شيئا مما أدى لانه فدى ملكه بغير أمره الا أن يكون أمره بالفداء فحينئذ يرجع عليه بما أدى وعندهما يأخذه منه بالثمن ان شاء وكذلك ان كان العبد مأسورا بالاتفاق لانه لا يستحق على المشترى دفع الظلم عنه بالتزام الخسران في مال نفسه ولانه وصل إليه هذا العبد بعوض وهو ما أدى من الثمن فيبقى حقه مرعيا في ذلك العوض ولهذا يأخذه منه بالثمن ان شاء وان كان أهل الحرب قد وهبوه لرجل أخذ منه مولاه بالقيمة ان شاء لانه صار ملك الموهوب له وهو ملك مرعى

[ 57 ] محترم فلا يجوز ابطاله عليه مجانا لدفع الظلم عن المأسور منه ولكن حاله في ذلك كحال من وقع في سهمه فلهذا يأخذه منه بالقيمة (فان قيل) هذا الملك يثبت للموهوب له بغير عوض (قلنا) لاكذلك فالعوض والمكافأة في الهبة مقصود وان لم يكن مشروطا ولهذا يثبت حق الرجوع للواهب إذا لم ينل العوض فجعل ذلك المعني معتبرا في اثبات حقه في القيمة وان كان المشترى للعبد من العدو باعه من غيره أخذه المولى من المشترى الثاني بالثمن الذي اشتراه به ان كان من ذوات الامثال فبمثله وان لم يكن فبقيمته ولان المشترى الثاني قائم مقام المشترى الاول وملكه مرعى كملك المشترى الاول وليس للمالك القديم أن يبطل العقد الثاني ليأخذه من يد المشترى الاول بالثمن الاول وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أن له ذلك لان حق المولى القديم في العين سابق على حق المشترى الاول ولم يبطل ذلك بتصرفه فيكون متمكنا من نقض تصرفه كما يتمكن الشفيع من نقض تصرف المشترى وهذا لان له في نقض هذا التصرف فائدة لما بين الثمنين من التفاوت وجه ظاهر الرواية ان الشرع جعل للمالك القديم حق الاخذ من غير نقض التصرف ألا ترى أنه لم يجعل له حق نقض القسمة ليأخذه مجانا وفائدته في ذلك أظهر وهذا بخلاف الشفيع لان تصرف المشترى قد يكون مبطلا لحق الشفيع لو لم يكن له حق النقض وربما يهبه من انسان والشفعة تثبت في الشراء دون الهبة فلا بقاء حق الشفيع في العين مكناه من نقض التصرف فأما ههنا ليس في تنفيذ تصرف المشترى ابطال حق المالك القديم فان حق الآخذ يبقي سواء باعه المشترى أو وهبه أو تصدق به ولهذا تمكن من الاخذ من غير نقض التصرف توضيحه ان حق الشفيع يثبت قبل ملك المشترى ولهذا لو اشترى بشرط الخيار يثبت حتى الشفيع وتصرف المشترى بحكم ملكه فينتقض تصرفه بحق من سبق حقه في ملكه فأما حق المولى القديم لم يثبت بعد ملك المشترى ألاتري ان الكفار لو اسلموا قبل ان يبيعوه لم يكن للمولى ان يأخذه ولهذا لا يتمكن من نقض تصرف المشترى فان وقع الاختلاف بينهما في مقدار الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لانه انما يتملك عليه ماله فلا يتمكن من أخذه الا بما يقر هو له كالمشترى مع الشفيع إذا اختلفا في الثمن الا ان يقيم المالك البينة أنه اشتراه بأقل من ذلك فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم وان اشتراه رجل من أهل الحرب و ؟ ؟ ؟ به مولاه فلم يخاصم فيه زمانا ثم أراد ان يأخذه بالثمن فله ذلك وفي رواية ابن سماعة عن

[ 58 ] محمد ليس له بمنزلة الشفيع إذا لم يطلب الشفعة بعد علمه بالبيع وجه ظاهر الرواية ان سكوت الشفيع جعل مبطلا حقه لدفع الضرر والغرر عن المشتري فانه يتمكن الشفيع من نقض تصرفه فلو لم يبطل حقه بالسكوت كان يتعذر على المشترى تنفيذ التصرف فيه مخافة ان يبطل الشفيع تصرفه وهذا المعني لا يوجد ههنا فان المالك القديم لا يتمكن من نقض تصرف المشترى علي مابينا فلهذا لا يكون سكوته مبطلا لحقه فان لم يأخذه حتى أسروه ثانيا ثم اشتراه رجل آخر منهم ثم حضر مولاه الاول فلا سبيل له على المشترى الثاني لان حق الآخذ انما يثبت للمأسور منه والمأسور منه في هذه المرة المشتري الاول دون المالك القديم فلهذا كان حق الآخذ من يد المشترى الثاني للمشتري الاول فإذا أخذه حينئذ يثبت للمالك الاخذ من يده بالثمنين جميعا ان شاء وان أبى المشترى الاول ان يأخذه فلا سبيل للمالك القديم عليه لان حقه كان ثابتا في ملك المشترى الاول فإذا أخذه فقد ظهر محل حقه وان لم يأخذه لم يظهر محل حقه فلا سبيل له عليه كالموهوب له إذا وهبه لغيره فلا سبيل للواهب الاول عليه بالرجوع الا ان يرجع الموهوب له الاول فيه فحينئذ يثبت للواهب الاول حق الرجوع لهذا المعني (فان قيل) انما كان للمالك القديم حق الاخذ في الملك الذى استفاده المشترى من العدو وهذا ملك آخر استفاده من المشترى الثاني فكيف يثبت حقه فيه (قلنا) لا كذلك لان المأسور منه بالاخذ يعيده إلى قديم ملكه ولهذا لو كان موهوبا كان للواهب ان يرجع فيه وما يغرم المشترى من العدو فداء وليس ببدل عن الملك كالمولى يفدى عبده من الجناية فيبقى على قديم ملكه لا ان يتملكه بالفداء وانما يأخذه بالثمنين لان ذلك هو العوض الذى أدى من ماله فيه مرتين ولو أداه مرة واحدة لم يملك المولى أخذه ما لم يرد عليه جميع ذلك فكذلك إذا غرمه مرتين وإذا أسر العدو عبدا وفي عنقه جناية عمد أو خطأ أو دين انسان فان رجع إلى مولاه الاول بوجه من الوجهين بحق الملك الاول فذلك كله في عنقه كما كان لما بينا أنه بالاخذ أعاده إلى قديم ملكه فالتحق بما لم يزل عن ملكه أصلا وان لم يرجع إليه أو رجع إليه بملك مستأنف بطلت جناية الخطأ لان المستحق بالجناية الخطأ على الملك الذى كان له في وقتها وقد فات ذلك ولم يعدو الحق لا يبقى بعد فوات محله كما لو زال العبد الجاني عن ملكه بالبيع أو بالعتق وأما جناية العمد والدين فهما عليه كما كان يؤخذ بهما لان المستحق بجناية العمد ذمته وذلك باق بعد زوال ملك المولى الا ترى

[ 59 ] انه لوزال ملكه بالبيع أو الهبة لا يبطل القصاص عنه وكذلك الدين المستحق في ذمته وذمته باقية الا ترى ان بالبيع والعتق لا يبطل الدين عنه والدين في ذمته يكون شاغلا لماليته إذا كان ظاهرا في حق مولاه فلهذا أخذ به وفى الموضع الذى تلحقه الجناية والدين يبدأ بالدفع بالجناية ثم بالبيع ثم بالدين لانه لو بدأ بالبيع بطل حق ولى الجناية ولو دفع بالجناية أولا لم يبطل حق صاحب الدين فلهذا كانت البداية بالدفع بالجناية فان وقع المأسور في سهم رجل فلم يحضر مولاه حتى أعتقه هذا الرجل أو دبره جاز لانه تصرف بحكم ملكه وملكه تام مع قيام حق المأسور منه فينفذ تصرفه ثم لا يكون للمولى عليه سبيل لانه خرج من أن يكون قابلا للنقل من ملك إلى ملك لما ثبت فيه من الحرية أو حقها ولان الولاء عليه قد لزم المشترى الاول على وجه لاسبيل إلى ابطاله وحق المالك القديم بعرض الابطال وهو نظير الموهوب له إذا أعتق أو دبر يبطل حق الواهب في الرجوع لما قلنا وان كانت أمة فزوجها فولدت من الزوج فله أن يأخذها وولدها لانها بالولادة من الزوج لم تخرج من أن تكون قابلة للنقل من ملك الي ملك والولد جزء من عينها فيثبت له حق الاخذ فيه كما في سائر أجزائها بخلاف حق الواهب في الرجوع فانه لا يثبت في الولد لان ذلك حق ضعيف العين ألا ترى أنه لا يبقي بعد تصرف الموهوب له والحق الضعيف لا يعد ومحله والولد وان كان جزءا من العين ففي المال هو محل آخر فأما حق المولي ههنا قوى يتأكد في العين حتي لا يبطل بتصرف المشترى فلهذا يسرى إلى الولد الذى هو جزء من العين ولا يكون له أن يفسخ النكاح لما بينا أنه يتمكن من الاخذ من غير أن ينقض تصرف المشترى والنكاح ألزم من سائر التصرفات ولا يتمكن من نقضه وان كان أخذ عقرها أو أرش جناية جني عليها لم يكن للمولى على ذلك سبيل لان حقه في العين والارش والعقر غير متولد من العين ولم يوجد فيه السبب وهو الاستيلاء عليه في ذلك المال ولانه لو أخذ العقر والارش أخذهما بمثلهما فلا يكون مفيدا شيئا ثم لا ينتقص عن المولى القديم شئ من الثمن بسبب احتباس العقر والارش عند المشترى ألا ترى أنها لو تعببت في يد المشترى بعيب يسير أو فاحش لم ينتقص عن المولى شئ وهذا لما بينا أن ما يعطى فداء وليس ببدل في حقه والفداء لا يقابل بشئ من الاوصاف وان لم يكن زوجها المشترى من العدو حل له وطئها وان كان يعلم قصتها لانها مملوكة ملكا صحيحا وقيام حق المولى في الاخذ لا ينافي ملكه كالجارية

[ 60 ] الموهوبة يحل للموهوب له وطئها وان كان للواهب فيها حق الرجوع (قال) فان كان المأسور منه يتيما كان للوصي أن يأخذه من مشتريه بالثمن لانه قام مقام الصبي في استيفاء حقوقه نظرا له فلا يكون له أخذه لنفسه لان الاسر لم يقع على ملكه وهو السبب المثبت لحق لاخذ له فإذا كانت الجارية رهنا بألف درهم وهي قيمتها فأسرها العدو ثم اشتراها منهم رجل بألف درهم كان مولاها أحق بها بالثمن لانها أسرت على ملكه وحق الاخذ بالثمن للمأسور منه باعتبار ملكه القديم وذلك للراهن دون المرتهن فان أخذها لم تكن رهنا لانها في حق المرتهن تاوية ولانه لا فائدة للمرتهن في أخذها لان الراهن لم يكن متبرعا فيما أعطي من الالف فانه ما كان يتوصل إلى احياء ملكه الا باداء الالف فلا يتمكن المرتهن من أخذها الابرد الالف على الراهن وانما يأخذها ليستوفى ألفا من ماليتها فلا يفيده اعطاء الالف ليستوفى منه ألفا وهو نظير مالو جنت جناية يبلغ ارشها ألف درهم وأبى المرتهن أن يفديها ففداها الراهن وان كان الثمن أقل من ألف درهم كان للمرتهن أن يؤدى ذلك الثمن الذى أداه المولى فيكون رهنا عنده علي حاله ان شاء وان شاء تركها لان أخذه اياها مفيد له فانه يغرم الخمسمائة ليحيى به حقه في الالف وهو نظير الجناية إذا كان ارشها أقل من الالف ففداها الراهن كان للمرتهن أن يرد عليه الفداء ونكون رهنا عنده على حالها وان شاء تركها فكانت تاوية في حقه وقد بينا فيما سبق أن الثمن الذي يعطيه المالك القديم للمشتري فداء وليس ببدل عن الملك بمنزلة الفداء من الجناية وان كانت في يده وديعة أو عارية أو إجارة لم يكن له إلى أخذها سبيل وكان الحق في أخذها لمولاها لان ثبوت الاخذ باعتبار قديم الملك وذلك للمولى دون ذى اليد وهذا بخلاف الاسترداد من الغاصب فالغصب لا يزيل ملك المولى والمودع والمستعير قائم مقامه في حفظ ملكه فيمكن من الاسترداد ليتوصل إلى الحفظ فاما الاحراز يزيل ملك المولى فيخرج به المستعير والمستودع من ان يكون عاملا له ولو أثبتنا له حق الاخذ بالثمن كان عاملا لنفسه في التملك ابتداء فلهذا لم يكن لهما حق الاخذ بالثمن وبه فارق الفداء من الجناية فان المودع والمستعير لوفداها من الجناية صح وكان متبرعا في ذلك لان الجناية لا تزيل ملك المولى ونظيرها بالفداء يقرر حفظ الملك عليه وأما الاحراز يزيل ملك المولى فان أخذ بالثمن يكون اعادة الملك ؟ لا ان يكون حفظا للملك وهو ما أقامهما في ذلك مقام نفسه فان كان لها زوج قبل

[ 61 ] ان تؤسر فالنكاح بحاله لانه لم تتباين بهما الدار حكما فانها مسلمة وان كانت مأسورة في دار الحرب فالمسلم من أهل دار الاسلام حكما وان كان في دار الحرب صورة وتباين الدارين حقيقة لاحكما لا يقطع عصمة النكاح وبالاحراز تصير مملوكة لاهل الحرب فيكون ذلك في حكم النكاح كبيع المولى إياها وذلك غير مفسد للنكاح فان غلب العدو على مال المسلمين فاحرزوه وهناك مسلم تاجر مستأمن حل له ان يشتريه منهم فيأكل الطعام من ذلك ويطأ الجارية لانهم ملكوها بالاحراز فالتحقت بسائر أملاكهم وهذا بخلاف ما لو دخل إليهم تاجر بأمان فسرق منهم جارية وأخرجها لم يحل للمسلم ان يشتريها منه لانه احرزها على سبيل الغدر وهو مأمور بردها عليهم فيما بينه وبين ربه وان كان لا يجبره الامام على ذلك لانه غدر بأمان نفسه لا بامان الامام فاما ههنا هذا الملك تام للذى أحرزها بدليل أنه لو أسلم أو صار ذميا كانت سالمة له ولا يفتى بردها فلهذا حل للمشترى منه وطئها وهذا للفقه الذى قلنا ان العصمة الثابتة بالاحراز بدار الاسلام تنعدم عند تمام احراز المشركين اياها وهذا بخلاف مااذا كانت مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة فانها لم تصر مملوكة بالاحراز فلا يحل للتاجر ان يشتريها منهم ولا ان يطأها ألا ترى أنهم لو أسلموا أو صاروا ذمة وجب عليهم ردها على المالك القديم فتكون على ملكه كما كانت وان اشتري التاجر مكاتبا أو مدبرا أو حرا أسره أهل الحرب فاخرجه فالحر على حاله والمكاتب والمدبر كذلك لانهما لا يملكان بشئ من أسباب الملك وان كان المشترى فداهما بغير أمرهما فلا رجوع له عليهما لانه تبرع بما فداهما به وان كان بأمر هما فله ان يرجع عليهما بما فداهما به لانه أدي ماله نفسه في تخليصهما وتوفير المنفعة عليهما بأمرهما وهذا في الحر غير مشكل وكذلك في المكاتب فان موجب جناية المكاتب على نفسه لانه بمنزلة الحر في ملك اليد والمكاسب وان كان المأسور عبدا لمسلم فباعه ملكه من رجل من أهل الحرب فاعتقه فهو حر كما لو باعه من مسلم فاعتقه وقيل على قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ينبغي ان يعتق بنفس البيع لا باعتاقه لان من أصله ان عبد الحربى إذا أسلم فباعه مولاه يعتق فهذا أيضا عبد مسلم لحربي فإذا زال ملكه ويده ببيعه يزول إلى العتق وعندهما بالبيع لا يعتق وانما يعتق بالاعتاق اما عند ابى يوسف فالاعتاق من الحربى صحيح وكذلك عند محمد إذا كان من حكم ملكهم منع المعتق من استرقاق المعتق مع ان العبد ههنا مسلم فلا يكون محلا للاسترقاق بعد الاعتاق فلهذا يعتق باعتاقه وقيل

[ 62 ] بل هذا قولهم جميعا فان أبا حنيفة انما يقول يعتق بالبيع في عبد ليس لمسلم فيه حق وفى هذا العبد للمولى القديم حق الاعادة إلى ملكه مجانا أو بفداء فلا يعتق بالبيع ما لم يعتقه مالكه وإذا اسلم أهل الحرب على مال أخذوه من أموال المسلمين وصاروا ذمة فهو لهم ولا سبيل للمسلمين عليه لان القياس ان لا يكون للمالك القديم حق الاخذ بعد زوال ملكه بتمام الاحراز وبه كان يقول الزهري والحسن البصري رحمهما الله وانما تركنا القياس بالسنة في الذي وقع في الغنيمة أو اشتراه منهم مسلم والسنة ههنا جاءت بتقرر الملك للذي أسلم قال رسول الله ﷺ من أسلم على مال فهو له والمعنى الذى لاجله ثبت للمالك القديم حق الاخذ هناك وجوب نصرته والقيام بدفع الظلم عنه على المسلم الذى وقع في سهمه كما بينا وهذا غير موجود ههنا فانه ماكان على هذا الحربى القيام بنصرته حين أحرزوه لان ذلك ثابت شرعا وهم لا يخاطبون بذلك ولان القيام بالنصرة علي من هو أهل دار الاسلام وهو ماكان يومئذ من أهل دار الاسلام فلم يثبت حقه في ملكه وإذا أسلم أو صار ذمة فقد تقرر ملكه وكذلك لو كان ذلك الحربي باعه من حربى آخر ثم أسلم المشترى أو صار ذمة فالمشترى بمنزلة البائع في المعنى الذى قررنا وكذلك لو خرج الينا بأمان ومعه ذلك المال فانه لا يتعرض له فيه وهذا أظهر لانه حربي وان كان مستأمنا في دارنا ولم يكن حق المولى ثابتا في ملكه فلو مكناه من الاخذ منه كان غدرا بالامان وذلك حرام الا أنه يجبر المستأمن على بيعه من المسلمين لانه عبد مسلم فلا يمكن الحربي من استذلاله باستدامة الملك واعادته إلى دار الحرب وإذا سبى الصبى من أهل دار الحرب وأخرج إلى دار الاسلام فمات فان كان معه أبواه كافرين أو أحدهما فانه لا يصلى عليه والاصل فيه أن الولد تابع للابوين في الدين قال رسول الله ﷺ كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه حتى يعرب عنه لسانه اما شاكرا واما كفورا ولا تظهر تبعية الدار عنه تبعية الابوين ألاتري أن أولاد أهل الذمة في دار الاسلام يكونون على دين آبائهم وهذا لان الولد من الابوين ولكنه في الدار لا من الدار فكان اتباعه للابوين أصلا والدار في حكم الخلف فلا يظهر الخلف مع قيام الاصل وكذلك أحد الابوين في هذا الحكم بمنزلتهما ألا ترى أن الذمية إذا ولدت من زنا فان الولد يتبعها في الدين ولا اب هنا فعرفنا أن أحد الابوين يكفي في الاتباع فان كان معه أبواه أو أحدهما فهو على دينه فإذا مات لا يصلى عليه وان كانت جارية لم يحل

[ 63 ] للسابى وطئها إذا لم يكن أبواها أو أحدهما من أهل الكتاب فان أسلم أبواه أو أحدهما فقد صار الصبى مسلما تبعا لمن أسلم منهما فانه يتبع خير الابوين دينا لانه يقرب من التابع فإذا مات يصلى عليه وان خرج وليس معه أبواه أو أحد من الابوين فمات قبل أن يعقل الاسلام صلى عليه لان التبعية بينه وبين الابوين انقطعت بتباين الدار حقيقة وحكما فيظهر تبعية الدار ويصير محكوما باسلامه تبعا للدار كاللقيط فإذا مات يصلى عليه وان خرج الاب من ناحية والابن من ناحية معا فمات الصبي لم يصل عليه لانه ما حصل في دارنا الا وله أب كافر فيكون تبعا له دون الدار وكذلك ان خرج الاب أولا ثم الصبي بخلاف مالو خرج الصبي أولا ثم الاب فانه حين خرج أولا حكم باسلامه تبعا للدار فلا يحكم بكفره بعد ذلك وان خرج أبواه (فان قيل) إذا خرج معه أحد أبويه فاعتبار جانب الاب يوجب كفره واعتبار جانب الدار يوجب اسلامه فينبغي ان يرجح الموجب لاسلامه كما لو أسلمت أمه قلنا الاشتغال بالترجيح عند المساواة وذلك في حق الابوين فاما الدار خلف عن الابوين في حقه كما بينا ولا يظهر الخلف في حال بقاء الاصل فلا معنى للاشتغال بالترجيح وكذلك لو مات أبوه كافرا في دارنا لان بموته لا ينقطع حكم التبعية الا ترى أن أولاد أهل الذمة لا يحكم باسلامهم وان ماتت آباؤهم وفى هذا نوع اشكال فان من في دار الحرب في حق من هو في دار الاسلام كالميت ثم جعلنا الولد تبعا للدار إذا بقى أبواه في دار الحرب ولا نجمله تبعا للدار إذا مات أبواه في دار الاسلام ولكن نقول الموت لا يقطع العصمة الا ترى ان المتوفي عنها زوجها يبقى حل النكاح بينها وبينه في حق الغسل وتباين الدارين حقيقة وحكما ينافى العصمة والتبعية فمن هذا الوجه يفترقان ولا بأس ببيع السبي من أهل الذمة ما لم يسلموا لانهم صاروا من أهل دارنا ولكنهم كفار فلا بأس ببيعهم من أهل الذمة وان كان الاولى ان لا يفعل الامام ذلك ولكن يبيعهم من المسلمين ليسلموا عسي ويكره ببيعهم من أهل الحرب لانهم صاروا من أهل دارنا فلا يباعون من أهل الحرب ليعيدوهم إلى دار الحرب فيتقووا بهم على المسلمين ومن صار محكوما باسلامه من صغارهم يكره بيعه من أهل الذمة كغيره من العبيد المسلمين وللامام أن يقتل الرجال من الاسارى وله أن يستبقيهم ويقسمهم بين الجند ينظر أي ذلك خيرا للمسلمين فعله لان رسول الله ﷺ قتل سبي بنى قريظة وقسم سبايا أوطاس فعرفنا أن كل

[ 64 ] ذلك جائز والامام نصب ناظرا فربما يكون النظر في قتلهم لمعنى الكبت والغيظ للعدو وليأمن المسلمون فتنتهم وربما يكون النظر في قسمتهم لينتفع بهم المسلمون فيختار من ذلك ما هو الانفع ولهذا لا يحل للمسلمين قتلهم بدون رأى الامام لان فيه افتياتا علي رأيه الا أن يخاف الآسر فتنة فحينئذ له أن يقتله قبل أن يأتي به إلى الامام وليس لغير من أسره ذلك لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال لا يتعاطى أحدكم أسير صاحبه فيقتله وان كان لو قتله لم يلزمه شئ لان الاسير ما لم يقسم الامام مباح الدم بدليل أن للامام أن يقتله وقتل مباح الدم لا يوجب ضمانه فان أسلموا لم يقتلهم لقوله ﷺ فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم ولان القتل لدفع فتنة ؟ الكفر وقد اندفعت بالاسلام ولكنه يقسمهم لانه كان مخيرا فيهم بين القتل والقسمة فإذا تعذر أحدهما تعين الآخر وهذا لان حق المسلمين قد ثبت فيهم بالاخذ وصاروا بمنزلة الارقاء والاسلام لا ينافي بقاء الرق والقسمة لتعيين الملك لا ان يكون ابتداء الاسترقاق فاسلامهم لايمنع من ذلك فان لم يسلموا ولكنهم ادعوا أمانا فقال قوم من المسلمين قد كنا أمناهم فانهم لا يصدقون على ذلك لان حق المسلمين قد ثبت فيهم فلا يصدقون في ابطال حق المسلمين وقولهم هذا اقرار لا شهادة فانهم أخبروا به عن أنفسهم ومن أخبر بما لا يملك استنئافه كان متهما في خبره فلا يصدق وان شهد قوم من المسلمين عدول على طائفة أخرى من المسلمين أنهم أسروهم وهم ممتنعون جازت شهادتهم لانه لاتهمة في شهادتهم فانهم ان كانوا من الجند ففي شهادتهم ضرر عليهم وان كانوا من غير الجند فليس في شهادتهم منفعة لهم وإذا انتفت التهمة فالثابت بالشهادة كالثابت معاينة ولا يقتل الاعمى ولا المقعد والمعتوه من الاسارى لانه انما يقتل من يقاتل قال الله تعالى وقاتلوهم والمفاعلة تكون من الجانبين ولما رأى رسول الله ﷺ امرأة مقتولة قال هاه ما كانت هذه تقاتل فعرفنا أنه انما يقتل من الاسارى من يقاتل والاعمي والمقعد والمعتوه لا يقاتلون أحدا وان كان ذلك منهم عارضا فقد اندفع بالاسر فلا يقتلون بعد ذلك كالمرأة منهم إذا قاتلت فأسرت لا تقتل بعد ذلك ولا بأس بارساله الماء إلى مدينة أهل الحرب واحراقهم بالنار ورميهم بالمنجنيق وان كان فيهم اطفال أو ناس من المسلمين اسر أو تجاري وقال الحسن بن زياد رحمه الله تعالى إذا علم ان فيهم مسلم وأنه يتلف بهذا الصنع لم يحل له

[ 65 ] ذلك لان الاقدام على قتل المسلم حرام وترك قتل الكافر حائز ألا ترى ان للامام أن لا يقتل الاسارى لمنفعة المسلمين فكان مراعاة جانب المسلم أولى من هذا الوجه ولكنا نقول أمرنا بقتالهم فلو اعتبرنا هذا المعنى أدى إلى سد باب القتال معهم فان حصونهم ومدائنهم قال ما تخلو من مسلم عادة ولانه يجوز لنا ان نفعل ذلك بهم وان كان فيهم نساؤهم وصبيانهم وكما لا يحل قتل المسلم لا يحل قتل نسائهم وصبيانهم ثم لا يمتنع ذلك لمكان نسائهم وصبيانهم فكذلك لمكان المسلم فلا يستقيم منع هذا وقد روينا ان النبي ﷺ نصب المنجنيق على الطائف وأمر أسامة بن يزيد رضى الله عنه بان يحرق وحرق حصن عوف بن مالك وكذلك ان تترسوا باطفال المسلمين فلا بأس بالرمي إليهم وان كان الرامي يعلم أنه يصيب المسلم وعلى قول الحسن رضى الله عنه لا يحل له ذلك وهو قول الشافعي لما بينا ان التحرز عن قتل المسلم فرض وترك الرمي إليهم جائز ولكنا نقول القتال معهم فرض وإذا تركنا ذلك لما فعلوا ادى إلى سد باب القتال معهم ولانه يتصرر المسلمون بذلك فانهم يمتنعون من الرمي لما أنهم تترسوا باطفال المسلمين فيجترؤن بذلك على المسلمين وربما يصيبون منهم إذا تمكنوا من الدنو من المسلمين والضرر مدفوع الا ان على المسلم الرامى ان يقصد به الحربى لانه لو قدر على التمييز بين الحربى والمسلم فعلا كان ذلك مستحقا عليه فإذا عجز عن ذلك كان عليه ان يميز بقصده لانه وسع مثله ولا كفارة عليه ولادية فيما أصاب مسلما منهم لانه اصابة بفعل مباح مع العلم بحقيقة الحال والمباح مطلقا لا يوجب عليه كفارة ولادية والشافعي يوجب ذلك ويقول هذا قتل خطأ لانه يقصد بالرمي الكافر فيصيب المسلم وهذا هو صورة الخطأ ولكنا نقول إذا كان عالما بحقيقة حال من يصيبه عند الرمى لم يكن فعله خطأ بل كان مباحا مطلقا وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان وله في أيديهم جارية مأسورة كرهت له غصبها ووطئها لانهم ملكوها عليه والتحقت بسائر املاكهم فلو غصبها منهم أو سرقها كان ذلك منه غدرا للامان وقد ضمن ان لا يغدر بهم ولا يأخذ شيئا من أموالهم الا بطيب أنفسهم وان كانت مدبرة أو ام ولد لم يكره له ذلك لانهم لم يملكوها عليه فهو انما يعيد ملكه إلى يده ولا يتعرض لملكهم بشئ فلم يكن ذلك منه غدرا للامان الا تري انهم لو أسلموا كان عليهم ردها بخلاف الامة وان كان الرجل مأسورا فيهم لم اكره له ان يغصب أمته أو يسرقها لانه ماكان بينه وبينهم أمان ولكنه مقهور فيهم مظلوم

[ 66 ] فكان له ان يدفع الظلم عن نفسه بما يقدر عليه ألا ترى ان له ان يقتل من قدر عليه منهم وان يسرق ما استطاع من أموالهم وأولادهم بخلاف الذى دخل إليهم بأمان وإذا أسلم الحربى في دار الحرب ثم ظهر المسلمون على تلك الدار ترك له مافى يده من ماله ورقيقه وولده الصغار لان أولاده الصغار صاروا مسلمين باسلامه تبعا فلا يسترقون والمنقولات في يده حقيقة وهى يد محترمة لاسلام صاحبها فلا يتملك ذلك عليه بالاستيلاء ولانه صار محرزا ما في يده من المال بمنعة المسلمين وذلك سبب لتقرير ملك المسلم لاابطال ملكه يوضحه ان يده إلى أمتعته أسبق من يد المسلمين فأما عقاره فانها تصير غنيمة للمسلمين في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى استحسن فاجعل عقاره له لانه ملك محترم له كالمنقول واستدل بحديث الكلبى ومحمد بن اسحاق رحمهما الله تعالى ان نفرا من بنى قريظة أسلموا حين كان رسول الله ﷺ محاصرا لهم فأحرزوا بذلك أنفسهم وأموالهم قال وعامة أموالهم الدور والاراضي ولكنا نقول هذه بقعة من بقاع دار الحرب فتصير غنيمة للمسلمين كسائر البقاع وهذا لان اليد على العقار انما تثبت حكما ودار الحرب ليست بدار الاحكام فلا معتبر بيده فيها قبل ظهور المسلمين عليها وبعد الظهور يد الغانمين فيها أقوى من يده فلهذا كانت غنيمة بخلاف المنقولات وتأويل الحديث ان صح في المنقول دون العقار وكذلك أولاده الكبار فئ لانهم ما صاروا مسلمين باسلامه ولا كانت له عليهم يدفهم كسائر أهل الحرب وكذلك زوجته الحبلى لانها لا تصير مسلمة باسلام زوجها فتكون فيئا ويده عليها يد حكمية بسبب النكاح ومثله لايمنع الاغتنام كاليد على العقار وكذلك مافى بطنها فئ عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يكون فيئا لان مافى بطنها مسلم باسلام أبيه والمسلم لا يسترق أبدا كالولد المنفصل ولكنا نقول الجنين في حكم جزء من أجزاء الام ؟ وهى قد صارت فيئا بجميع أجزائها ألا ترى أنه لا يجوز أن يستثنى الجنين في اعتاق الام كما لا يستثني سائر أجزائها وكما أن في الاعتاق لا يصير الجنين مستثنى عند اعتاق الام بحال فكذلك في الاسترقاق لا يصير الجنين مستثني بعدما ثبت الرق في الام وهذا لان الحكم في التبع لا يثبت ابتداء بل بثبوته في الاصل يظهر في التبع فيكون هذا في حق التبع بمنزلة بقاء الحكم والاسلام لايمنع بقاء الرق وان كان خرج إلى دار الاسلام ثم أسلم ثم ظهر المسلمون على الدار فأهله وماله وأولاده

[ 67 ] أجمعون فئ لانه لما أسلم في دارنا الذى في دار الحرب لا يصير مسلما باسلامه لما بينا أن تباين الدارين حقيقة وحكما مناف للتبعية ولانه لايد له على شئ مما خلفه في دار الحرب من أمواله فلهذا كان جميع ذلك فيئا للمسلمين لانهم أحرزوه دونه ولو أسلم في دار الحرب ثم دخل دار الاسلام ثم ظهر المسلمون على الدار فجميع ماله فئ الا أولاده الصغار لانهم صاروا مسلمين باسلامه لانه حين أسلم في دار الحرب كانت التبعية بينه وبينهم قائمة وبعد ما صاروا مسلمين لا يسترقون فأما الاموال فلم يبق له يد فيها بعد ما خرج إلى دار الاسلام وتركها في دار الحرب وان كان أودع شيئا من ماله مسلما أو ذميا فذلك المال لا يكون فيئا لان يد المسلم والذمى يد صحيحة على هذا المال فتكون مانعة احراز المسلمين اياها كما في سائر أموال المودع وإذا لم تصر غنيمة كانت يد المودع فيها كيد المودع فيصير هو المحرز لها من هذا الوجه فترد عليه وان كان أودع شيئا من ماله حربيا فذلك المال فئ في ظاهر الرواية وقد روى عن أبى حنيفة رحمه الله انه لا يكون فيئا لان يد المودع كيد المودع فجعلت يده باقية على هذا المال حكما بيد من يخلفه وجه ظاهر الرواية ان يد المودع في هذا المال ليست بيد صحيحة الا ترى انها لا تكون دافعة لاغتنام المسلمين عن سائر أمواله فكذلك عن هذه الوديعة وإذا لم تكن يده معتبرة كان هذا والمال الذى لم يودعه احدا سواء وإذا دخل المسلم أو الذمي دار الحرب تاجرا بأمان فاصاب هناك مالا ودورا ثم ظهر المسلمون على ذلك كله فهو له كله الا الدور والارضين فانها فئ لان يده يد صحيحة فانه من أهل دار الاسلام فيكون هو المحرز بيده لامواله وتكون يده دافعة لاحراز المسلمين تلك الاموال فأما الدور والارضين فهي بقعة من بقاع دار الحرب فتصير مغنومة كسائر البقاع وتقرير هذا الكلام ان اليد على هذه البقعة من دار الحرب لا تقوى مقصودة بنفسها وانما تقوى إذا ثبتت على جميع الدار فكانت هذه البقعة في حكم التبع وقد بينا ان ثبوت الحكم في التبع كثبوته في الاصل بخلاف المنقولات فاليد عليها تبقى مقصودة بنفسها وقد سبق ذلك من المسلم فكان هو المحرز لها يوضحه ان المسلم يتحقق منه الاحراز في المنقولات بأن يخرجها إلى دار الاسلام فيجعل أيضا محرزا لها بظهور المسلمين على الدار فأما العقار لا يتحول ولا يتحقق من المسلم احرازه بالاخراج إلى دار الاسلام فانما تصير محرزة بالغانمين ومن قاتل من كبار عبيده فهو فئ لانه نزع نفسه من يده حين قاتل المسلمين فان المسلم يمنع

[ 68 ] عبده من قتال المسلمين وان لم يبق له عليه يد حقيقة كان فيئا كسائر عبيد أهل الحرب وان كانت له امرأة حبلى فهى وما في بطنها فئ كما بينا وما كان له من وديعة عند مسلم أو ذمي أو حربى فهو له وليست بفئ أما ماكان عند مسلم أو ذمى فلا اشكال فيه وأما ماكان عند حربي فلانه مادام في دار الحرب فيده ثابتة على تلك الوديعة باعتبار يد مودعه وكونه حافظا له فتكون يده دافعة لاحراز المسلمين في ذلك المال بخلاف ما تقدم في ما إذا خرج إلى دار الاسلام (قال) وكذلك ان كان خرج إلى دار الاسلام قبل ذلك فان كان مراده من هذا العطف ما أودعه عند مسلم أو ذمى فهو ظاهر وان كان مراده ما أودعه عند حربى فهو يقوى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ويحتاج إلى الفرق بين هذا وبين ما سبق على ظاهر الرواية ووجه الفرق أن التاجر الذى دخل إليهم ماله كان محرزا بدار الاسلام ولم يبطل ذلك الاحراز الا باحراز المشركين اياه وذلك لا يوجد فيما إذا أودعه من الحربي إذا كان الحربى جاريا على وفاق ما أمر به فإذا بقى المال محرزا بدار الاسلام لا يملكه المسلمون بالا ستغنام فأما الذي أسلم في دار الحرب فماله لم يصر محرزا بدار الاسلام فكان محلا لاستغنام الا ما ثبتت عليه يد صحيحة دافعة للاستغنام وذلك غير موجود فيما إذا أودعه من أهل الحرب فان أخذ المسلمون تلك الوديعة فاقتسموها في الغنيمة ثم جاء صاحبها أخذها بغير قيمة لانه مال مسلم لم يحرزه المشركون وان كان المشركون قتلوا هذا المسلم في دارهم وأخذوا ماله ثم ظهر عليهم المسلمون ردوه على ورثة المقتول قبل القسمة بغير شئ لانهم لما قتلوه وأخذوا ماله فقد صاروا محرزين له فيملكونه ثم المسلمون يملكونه عليهم بالاغتنام فهو بمنزلة مال المسلم استولى عليه أهل الحرب وأحرزوه ثم وقع في الغنيمة وقد مات صاحبه فكان لوارثه أن يأخذه قبل القسمة بغير شئ لانه قائم مقام مورثه في ملكه وحقوق ملكه وتمكنه من الاخذ كان لحق ملكه القديم فيقوم فيه وارثه مقامه وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يثبت لوارثه حق الاخذ واعتبر هذا بحق الشفعة وحق الخيار فان ذلك لا يصير ميراثا عنه بعد موته فكذلك في حق المأسور ألا ترى أن هذا الحق دون ذلك الحق فان للشفيع أن ينقض تصرف المشترى وليس للمالك القديم ذلك وان كانوا اقتسموه ثم حضر ورثة المقتول أخذوا الامتعة بالقيمة ان شاؤا ولم ياخذوا الذهب والفضة كما لو كان المورث حيا وان كان هؤلاء المشركون أسلموا على دراهم وصالحوا لم يؤخذوا

[ 69 ] بشئ من مال المقتول لان اسلامهم يقرر ملكهم ولاضمان عليهم في دمه لانهم قتلوه حين كانوا حربا للمسلمين فلم يكن عليهم ضمان دمه يومئذ ثم لا يجب بعد ذلك باسلامهم ولو كان مسلم دخل دار الحرب بأمان واشترى صبيا وصبية فاعتقهما ثم خرج وتركهما هناك فكبرا هناك كافرين ثم ظهر المسلمون على الدارفهما فئ لان اعتاقه اياهما في دار الحرب ليس بشئ في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فلا يصير محرزا لهما وعند أبى يوسف رضي الله تعالى عنه ان كان ذلك اعتاقا صحيحا فهم كسائر احرار أهل الحرب من الكفار فيكونون فيئا ومقصوده ان الولاء ليس نظير الولاد فان الولد يصير مسلما باسلام أبيه والمعتق لا يصير مسلما باسلام معتقه ان كان صغيرا لان الولاء أثر الملك وهو باعتبار أصل الملك لايتبع مولاه في الدين فباعتبار أثر الملك أولى وإذا كان المسلم في دار الحرب تاجرا أو أسيرا أو أسلم هناك فأمنهم فأمانه باطل لانه مقهور في أيديهم والظاهر أنه مكره على الامان من جهتهم ولانه لا يقصد بالامان منفعة للمسلمين وانما قصده أن يؤمن نفسه ولان الامان يكون عن خوف ولاخوف لهم من جهته فيكون عقده على الغير ابتداء لاعلي نفسه وليس له ولاية العقد على الغير ابتداء فان من أمن رجلا من أهل الجيش جاز أمانه لقوله ﷺ يسعى بدمتهم أدناهم أي أقلهم وهو الواحد وقال يعقد عليهم أولادهم ويرد عليهم أقصاهم قيل معناه أن السرية الاولى تعقد الامان فينفذ على المسلمين ثم السرية الاخرى تنبذ إليهم فينفذ ذلك أيضا ولان من في الجيش انما يؤمنهم من نفسه لانهم يخافونه فينفذ عقده على نفسه ثم يتعدى الي غيره وهذا لان الامان لا يحتمل الوصف بالتجزى وسببه وهو الايمان لا يتجزى أيضا فينفرد به كل مسلم لتكامل السبب في حقه كالتزويج بولاية القرابة وكذلك لو أمنت المرأة من أهل دار الاسلام أهل الحرب جاز أمانها لما روي أن زينب بنت رسول الله ﷺ ورضي الله عنها أمنت زوجها أبا العاص بن الربيع فأجاز رسول الله ﷺ أمانها وعن أم هانئ رضى الله عنها قالت أجرت حموين لى يوم فتح مكة فدخل على رضى الله عنه يريد قتلهما وقال اتجيرين المشركين فقلت لا الا أن تبدأ بي قبلهما وأخرجته من البيت وأغلقت الباب عليهما ثم أتيت رسول الله ﷺ فلما رأني قال مرحبا بأم هانئ فاختة قلت ماذا لقيت من ابن أمي على أجرت حموين لى وأراد قتلهما فقال ﷺ ليس له ذلك

[ 70 ] وقد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت ولانها من أهل الجهاد فانها تجاهد بمالها وكذلك بنفسها فانها تخرج لمداواة المرضى والخبز وذلك جهاد منها فأما العبد إذا أمن أهل الحرب فان كان مأذونا له في القتال فأمانه صحيح لما روى أن عبدا كتب على سهم بالفارسية مترسيت ورمى بذلك إلى قوم محصورين فرفع ذلك الي عمر رضى الله عنه فأجاز أمانه وقال انه رجل من المسلمين وهذا العبد كان مقاتلا لان الرمى فعل المقاتل ولانه إذا كان متمكنا من القتال لوجود الاذن من مولاه فهم يخافونه فعقده يكون على نفسه ثم يتعدى حكمه إلى الغير وقول العبد وقول العبد في مثله صحيح كما في شهادته على رؤية هلال رمضان واقراره على نفسه بالقود ولايقال قرابته فيهم فهو متهم بايصال المنفعة إليهم دون المسلمين فينبغي ان لا يصح أمانه كالذمي وهذا لانه لا يظن بالمسلم ايثار القرابة على الدين ولو اعتبرنا هذا لم يصح أمانه بعد العتق أيضا ولاوجه للقول به فأما الذمي لم يوجد في حقه سبب ولاية الامان وهو موافق لهم في الاعتقاد فالظاهر أنه يميل إليهم وأنهم لا يخافونه فأما أمان العبد المحجور عليه عن القتال فهو باطل في قول أبى حنيفة رحمه الله صحيح في قول محمد والشافعي رحمهما الله تعالى وذكر الطحاوي قول أبي يوسف مع أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وذكر الكرخي قوله مع محمد رحمهما الله تعالى حجتهم في ذلك قوله ﷺ يسعى بذمتهم أدناهم وأدنى المسلمين العبد وفى حديث عبد الله بن عمر أن النبي ﷺ قال أمان العبد والصبي والمرأة سواء وفى حديث أبى موسى رضى الله عنه أن النبي ﷺ قال أمان العبد أمان ولانه من أهل الجهاد ولاتهمة في أمره فيصح أمانه كالحر وبيان الاهلية أن المطلوب بالجهاد اعزاز الدين ودفع فتنة الكفر فكل مسلم يكون أهلا له ثم الجهاد يكون بالنفس تارة وبالمال أخرى فالعبد لامال له وهو ممنوع من الجهاد بالنفس لما فيه من ابطال حق المولى عن منافعه وتعريض ماليته للهلاك فاما الامان جهاد بالقول وليس فيه ابطال حق المولى عن شئ فكان العبد فيه كالحر والدليل عليه صحة أمانه إذا كان مأذونا في القتلل ؟ وتأثير الاذن في رفع المانع لافى اثبات الاهلية لمن ليس بأهل ألا ترى ان بالاذن لا يصير أهلا للشهادة ونزول المانع من التصرفات لوجود الاهلية ثم الامان ترك القتال ولا يستفاد بالاذن في القتال لانه ضده وبعد الاذن هو في الامان ليس بنائب عن المولى بدليل ان المعتبر دينه لادين المولى فعرفنا انه كان أهلا لكونه مسلما

[ 71 ] ولان الامان من فروع الدين وقوله في أصل الدين معتبر ملزم فكذلك في فروعه ولهذا صح احرامه وصح منه عقد الذمة مع قوم من المشركين والذمة أقوى من الامان فيستدل بصحة ما هو أقوى منه على صحة الادنى بطريق الاولى (وحجتنا) قوله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر علي شئ والامان شئ وهذا عام لا يجوز دعوي التخصيص فيه لان الله تعالى ذكر هذا المثل للاصنام واحدها لا يقدر على شئ ولانه ليس بأهل للجهاد فلا يصح أمانه بنفسه كالذمي والصبى والمجنون وبيان الوصف أن الجهاد يكون بالنفس أو بالمال ونفسه مملوكة لغيره وهو ليس من أهل ملك المال فعرفنا أنه ليس من أهل الجهاد وتأثيره أن صحة الامان من الواحد باعتبار منفعة المسلمين فربما يكون الامان خيرا لهم لحفظ قوة أنفسهم لان القتال حفظ قوة النفس أولا ثم العلو والغلبة ولكن الخيرة في الامان مستورة لا يعرفه الا من يكون مجاهدا فإذا كان العبد المحجور لا يملك القتال لايعرف الخيرة في الامان فلا يكون أمانه جهادا بالقول بخلاف المأذون في القتال فانه لما تمكن من مباشرة القتال عرف الخيرة في الامان فحكمنا بصحة أمانه ولهذا لا يحكم بصحة أمان الاسير لان الخيرة في الامان مستورة لا يعرفه الا من يكون آمنا على نفسه والاسير خائف فإذا تقرر هذا في المقيد بالاسر ففي المقيد بالرق أولى لان الاسير مالك للقتال وانما لا يتمكن منه حسا والعبد غير مالك للقتال أصلا ولان عقد العبد على الغير ابتداء لانهم لا يخافونه حين لم يكن مالكا للقتال بخلاف المأذون له في القتال فانهم يخافونه فانما يعقد علي نفسه ولا معنى لقول من يقول العبد يؤمن نفسه وهو يخافهم وان كان محجورا عليه لانه يقول أمنتكم ولا يقول أمنت نفسي ولو قال ذلك لا يكون أمانا ولانه نوع ولاية حيث أنه يتقيد القول على الغير بشرط التكليف فيكون نظير ولاية النكاح والعبد لا يملك النكاح بنفسه الا ان يأذن له مولاه فيه فكذلك لا يملك الامان إلا ان يكون ماذونا في القتال لان الامان ترك القتال ضرورة ولكنه من القتال معنى فيملكه من يكون مالكا للقتال والآثار محمولة على المأذون في القتال وقد تقدم بيان ؟ تأويل قوله ﷺ يسعى بذمتهم أدناهم فاما عقد الذمة فنقول انه يتمحض منفعة للمسلمين لان الكفار إذا طلبوا ذلك افترض على الامام اجابتهم إليه فلو اعتبر ما سبق من العبد احتسب عليهم تلك المدة لاخذ الجزية ولو لم يعتبر كان ابتداء تلك المدة من الحال فلكونه محض منفعة حكمنا بصحته من العبد كقبول

[ 72 ] الهبة والصدقة فاما الامان يتردد بين المضرة والمنفعة ولهذا لا يفترض اجابة الكفار إليه وفيه ابطال حق المسلمين في الاستغنام والاسترقاق والتصرف الذى فيه توهم الضرر في حق المولى خاصة كالبيع والشراء لا يملكه العبد بنفسه لما فيه من الحاق الضرر بالمولى فالتصرف الذى فيه الحاق الضرر بالمسلمين أولى فأما الصبى إذا كان لا يعقل فلا اشكال ان أمانه باطل وان كان يعقل فعند أبى حنيفة وابى يوسف رحمهما الله امانه باطل ايضا وهو قول الشافعي رحمه الله كما أنه لا يصح ايمانه ومحمد يقول بصحة امانه كما يقول بصحة ايمانه فان كان هذا الصبى مأذونا في القتال فقد قال بعض مشايخنا لا يصح امانه أيضا لان قوله غير معتبر فيما يضربه وان كان مأذونا كالطلاق والعتاق ففيما يضر بالمسلمين أولى والاصح انه يجوز أمانه إذا كان مأذونا له في القتال لان هذا التصرف يتردد بين المضرة والمنفعة فهو نظير البيع والشراء يملكه الصبى بعد الاذن وإذا قال الامام من أصاب شيئا فهو له فأصاب رجل جارية فاستبرأها فانه لا يطأها ولا يبيعها حتى يخرجها إلى دار الاسلام في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى يحل له ذلك لانه اختص بملكها فيحل له وطئها بعد الاستبراء كالمسلم يشترى جارية في دار الحرب يحل له وطئها بعد الاستبراء وهذا لان ملك المنفعة سببه ملك الرقبة وقد تحقق هذا السبب في حقه حين اختص بملكها بتنفيل الامام وهذا بخلاف اللص في دار الحرب إذا أخذ جارية واستبرأها فانه لا يحل له وطئها لانه ما اختص بملكها ألا ترى انه لو التحق بجيش المسلمين في دار الحرب شاركوه فيها وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا سبب الملك في المنفل القهر فلا يتم الا بالاحراز بدار الاسلام كما في الغنيمة في حق الجيش وهذا لما بينا أنه قبل الاحراز قاهر يدا مقهور دارا فيكون السبب ثابتا من وجه دون وجه ولا أثر للتنفيل في إتمام القهر انما تأثير التنفيل في قطع شركة الجيش مع المنفل له فأما سبب الملك للمنفل له ما هو السبب لولا التنفيل وهو القهر فاشبه من هذا الوجه ما أخذه اللص في دار الحرب وهذا لان لحوق الجيش به موهوم والموهوم لا يعارض الحقيقة فعرفنا ان امتناع ثبوت الحل لعدم تمام القهر بخلاف المشتراة فسبب الملك فيها تم بالعقد والقبض وعلى هذا الخلاف لو قسم الامام الغنائم في دار الحرب فأصاب رجل جارية فاستبرأها لان بقسمة الامام لا ينعدم المانع من تمام القهر وهو كونهم مقهورين دارا ومن أصحابنا من يقول لما نفذت

[ 73 ] القسمة من الامام تصير هي بمنزلة المشتراة لان من وقعت في سهمه يملك عينها بالقسمة وقدم تم فينبغي ان يحل الوطئ عندهم جميعا والاول اظهر وإذا خرج القوم من مسلحة او عسكر فأصابوا غنائم فانها تخمس وما بقى فهو بينهم وبين أهل العسكر سواء كان باذن الامام أو بغير اذن الامام وسواء كانت لهم منعة أو لم تكن لان أهل العسكر بمنزلة المدد للخارجين فان المصاب صار محرزا بالدار بقوتهم جميعا إذ هم الردء لهم يستنصرونهم إذا حزبهم أمر لانهم دخلوا دار الحرب لينصر بعضهم بعضا والامام أذن لهم في ان يأخذوا ما يقدرون عليه من أموال المشركين لانه ادخلهم في دار الحرب لهذا فلا حاجة إلى اذن جديد بعد ذلك وكذلك ان بعث الامام رجلا طليعة فأصاب ذلك لان أهل العسكر ردء له وان كانوا خرجوا من مدينة عظيمة مثل المصيصة وملطية بعثهم الامام سرية منها فأصابوا غنائم لم يشركهم فيها أهل المدينة لانهم ساكنون في دار الاسلام فلا يكونون ردءا للمقاتلين في دار الحرب وهذا لان توطنهم على قصد المقام في أهاليهم بخلاف أهل العسكر فان توطنهم في العسكر للقتال فكانوا بمنزلة الردء للسرية ألا ترى أن من نوى منهم الاقامة في العسكر في دار الحرب لا تصح نيته بخلاف ساكن المدينة ولان الاحراز ههنا حصل بالسرية خاصة وهناك الاحراز بدار الاسلام حصل بالسرية والجيش فمن هذا الوجه يقع الفرق ثم الذين خرجوا من مصر من أمصار المسلمين اما أن يكونوا قوما لهم منعة أولا منعة لهم خرجوا باذن الامام أو بغير اذنه فان كانت لهم منعة فسواء خرجوا باذن الامام أو بغير اذنه فان ما أصابوه غنيمة حتى يخمس ويقسم ما بقي بينهم على سهام الفرسان والرجالة المصيب وغير المصيب فيه سواء لان دخولهم لا يخفى على الامام عادة وعليه ان ينصرهم ويمدهم فانهم لو اصيبوا مع منعتهم كان فيه وهنا بالمسلمين ويجترئ عليهم المشركون فإذا كان على الامام نصرتهم كانوا بمنزلة الداخلين باذنه ولان الغنيمة اسم لما اصيب بطريق فيه اعلاء كلمة الله تعالى واعزاز دينه وذلك موجود ههنا لان المصيبين أهل منعة يفعلون ما يفعلون جهارا فاما إذا كانوا قوما لامنعة لهم كالواحد والاثنين فان كان دخولهما باذن الامام فكذلك الجواب لان على الامام ان ينصره ويمده إذا حزبه أمر ولان الامام لا يأذن للواحد في الدخول الا ان يعلم قوته على ما بعثه لاجله وعند ذلك يكون الواحد سرية على ماروى ان النبي ﷺ بعث عبد الله بن أنيس رضى الله عنه سرية وحده وبعث دحية الكلبي رضي

[ 74 ] الله عنه يوم الخندق طليعة وقد ذكر في النوادر انه لا يخمس ما أصاب هذا الواحد لان أخذه ليس على طريق اعزاز الدين فانه لا يجاهر بما يأخذ وانما يفعله سرا إذ هو غير ممتنع من أهل الحرب فهو كالداخل بغير اذن الامام فان كان دخول القوم الذين لامنعة لهم بغير اذن الامام على سبيل التلصص فلاخمس فيما أصابوا عندنا ولكن من أصاب منهم شيئا فهو له خاصة وان أصابوا جميعا قسم بينهم بالسوية ولا يفضل الفارس على الراجل وقال الشافعي رحمه الله تعالى يخمس ما أصابوا ويقسم ما بقى بينهم قسمة الغنيمة لقوله تعالى واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه والغنيمة اسم مال يأخذه المسلمون من الكفرة بطريق القهر وذلك موجود ههنا فانهم دخلوا للمحاربة والقهر لان القهر تارة يكون بالقوة جهارا وتارة يكون بالمكر والحيلة سرا قال صلي الله عليه وسلم الحرب خدعة ألاتري انهم لو دخلوا باذن الامام كان ما يأخذون غنيمة وصفة أحدهم لا تختلف بوجود اذن الامام وعدمه (وحجتنا) ماروى ان المشركين أسروا ابنا لرجل من المسلمين فجاء إلى رسول الله ﷺ يشكو ما يلقى من الوحشة فأمره ان يستكثر من قول لاحول ولاقوة الا بالله العلى العظيم ففعل ذلك فخرج الابن عن قليل بقطيع من الغنم فسلم ذلك له رسول الله ﷺ ولم يأخذ منه شيئا والمعنى مابينا أن الغنيمة اسم لمال مصاب بأشرف الجهات وهو أن يكون فيه اعلاء كلمة الله تعالى واعزاز الدين ولهذا جعل الخمس منه لله تعالى وهذا المعنى لا يحصل فيما يأخذه الواحد على سبيل التلصص فيتمحض فعله اكتسابا للمال بمنزلة الاصطياد والاحتطاب بخلاف ما إذا كانوا أهل منعة وشوكة والدليل على الفرق أن الواحد من الذين لهم منعة لو أمنهم صح أمانه واللص في دار الحرب لو أمنهم لم يصح أمانه وقد بينا اختلاف الرواية فيما إذا كان دخول الواحد باذن الامام ووجه الفرق على ظاهر الرواية وان دخل مسلم دار الحرب بأمان فاشترى جارية كتابية ؟ واستبرأها كان له أن يطأها هناك لان ملكه فيها تم بتمام سببه فان الشراء في كونه سبب الملك تام لا يختلف بدار الحرب ودار الاسلام بخلاف المتلصص إذا أصاب جارية فان سبب ملكه هناك لم يتم قبل الاحراز لكونه مقهورا في دارهم ولانه ربما يتصل بجيش في دار الحرب فيشاركونه فيها إذا شاركوه في الاحراز (قال) واكره للرجل أن يطأ أمته أو امرأته في دار الحرب مخافة أن يكون له فيها نسل لانه ممنوع من التوطن في دار الحرب قال صلى ﷺ أنا برئ من كل مسلم مع مشرك

[ 75 ] وإذا خرج ربما يبقى له نسل في دار الحرب فيتخلق ولده باخلاق المشركين ولان موطوءته إذا كانت حربية فإذا علقت منه ثم ظهر السلمون على الدار ملكوها مع مافى بطنها ففي هذا تعريض ولده للرق وذلك مكروه ولا بأس بأن يعطى الامام أبا الغازى شيئا من الخمس إذا كان محتاجا لانه لو عرف حاجة الغازى إلى ذلك جاز له أن يضعه فيه ففي ابيه أولى وهذا لان المقصود سد خلة المحتاج بخلاف الزكاة فانها تجب على صاحب المال والواجب فعل الايتاء فانما يتم ذلك إذا جعله لله خالصا بقطع منفعته منه من كل وجه وههنا الخمس ليس بواجب على الغزاة بل خمس ما أصابوه لله تعالى يصرف إلى المحتاجين بأمر الله تعالى والغازي وأبوه في ذلك كغيره وإذا غزا أمير الشام في جيش عظيم فانه يقيم الحدود في العسكر وقد بينا هذا في كتاب الحدود وفرقنا بينه وبين أمير الجيش الذى فوض إليه الحرب خاصة فان حاصر أمير الشام مدينة مدة طويلة لم يتم الصلاة ولم يجمع لانه مسافر ألا ترى أن رسول الله ﷺ أقام بتبوك عشرين ليلة وكان يقصر الصلاة وابن عمر رضى الله عنهما أقام بأذربيجان ستة أشهر وكان يقصر الصلاة وقد بينا في كتاب الصلاة أن نية المحارب في دار الحرب الاقامة لا تصح لانه لا يتمكن من التوطن فانه بين ان يهزم عدوه فيقرأ وينهزم فيفر وإذا أراد قوم من المسلمين ان يغزوا أرض الحرب ولم تكن لهم قوة ولامال فلا بأس بأن يجهز بعضهم بعضا ويجعل القاعد للشاخص وقد بينا ذلك في حديث عمر رضى الله عنه والمعني فيه ان الجهاد بالنفس تارة وبالمال أخرى والقادر على الخروج بنفسه يحتاج إلى مال كثير ليتمكن به من الخروج وصاحب المال يحتاج إلى مجاهد يقوم بدفع أذى المشركين عنه وعن ماله فلا بأس بالتعاون بينهما والتناصر ليكون القاعد مجاهدا بماله والخارج بنفسه والمؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضا ثم دافع المال إلى الخارج ليغزو بماله يعينه على اقامة الفرض وذلك مندوب إليه في الشرع وان كانت عندهم قوة أو عند الامام كرهت ذلك أما إذا كان في بيت المال فذلك المال في يد الامام معد لمثل هذه الحاجة فعليه ان يصرفه إليها ولا يحل له ان يأخذ من المسلمين شيئا لاستغنائه عن ذلك بما في يده وكذلك ان كان الغازى صاحب مال فلا حاجة به إلى الاخذ من غيره وتمام الجهاد بالمال والنفس ولانه لو أخذ من غيره مالا فعمله في الصورة كعمل من يعمل بالاجرة فلا يكون ذلك لله تعالى خالصا الا ترى ان النبي ﷺ قال لذلك

[ 76 ] الاجير بكم استؤجرت قال بدينارين قال انما لك ديناراك في الدنيا والآخرة ولان الاشتراك ينفي معنى العبادة قال ﷺ فيما يؤثر عن ربه من عمل لى عملا واشرك فيه غيرى فهو كله لذلك الشريك وأنا منه برئ فلهذا يكره له الاشراك بأخذ المال من غيره إذا كان مستغنيا عنه وإذا وجد من يكفيه الحرس فالصلاة بالليل أفضل له من الحرس وكل واحد منهما طاعة أما الصلاة بالليل فظاهر وأما الحرس فلقوله ﷺ ثلاث أعين لا تمسها نار جهنم عين غضت من محارم الله تعالى وعين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله الا أنه إذا كان له من يكفيه الحرس فالصلاة أولى لانها عبادة بجميع البدن فهى تنهى عن الفحشاء وتدفع الخواطر الردية وتمنع اللغو فالاشتغال بها أولى وان لم يجد من يكفيه الحرس فان أمكنه أن يجمع بين الصلاة والحرس فالجمع بينها أفضل وقد ذكر محمد رحمه الله تعالى في السير الكبير عن بعض الصحابة أنه كان يجمع بينهما وإذا تعذر عليه الجمع بينهما فالحرس أفضل لانه أعم نفعا وقال ﷺ خير الناس من ينفع الناس ولان الصلاة بالليل ممكن إذا رجع إلى أهله ولا يتمكن من الحرس الافي هذا الموضع فالاشتغال في هذا الموضع بما هو متعين أولى وهو كالطواف بالبيت للغرباء أفضل من الصلاة بخلاف أهل مكة وإذا طعن المسلم بالرمح في جوفه لم يكن له أن يمشي إلى صاحبه والرمح في جوفه حتى يضربه بالسيف ولايكون به معينا على نفسه لان المسلم مندوب إلى بذل نفسه في قهر المشركين واعزاز الدين وليس في هذا أكبر من بذل النفس لهذا المقصود ولكن هذا إذا كان يعلم أن يصيب من قرنه إذا فعل ذلك وهو نظير مالو حمل الواحد على جمع عظيم من المشركين فان كان يعلم أنه يصيب بعضهم أوينكى فيهم نكاية فلا بأس بذلك وان كان يعلم انه لاينكى فيهم فلا ينبغى له أن يفعل ذلك لقوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة والاصل فيه ماروى أن النبي ﷺ رأى يوم أحد كتيبة من اليهود فقال من لهذه الكتيبة ؟ ؟ ؟ ؟ وهب بن قابوس أنا لها يارسول الله فحمل عليهم حتى فرقهم ثم رأى كتيبة أخرى ؟ فقال من لهذه الكتيبة فقال وهب أنا لها فقال ﷺ ؟ ؟ ؟ وأبشر بالشهادة فحمل عليهم حتى فرقهم وقتل هو فذلك دليل على انه ؟ ؟ ينكى فعله فيهم فلا بأس بأن يحمل عليهم وإذا كان المسلمون في سفينة فألقيت إليهم النار لم يصيق على أحد منهم أن يصبر على النار أو يلقي نفسه في البحر أما إذا كان

[ 77 ] يرجو النجاة في أحد الجانبين تعين عليه ذلك لانه مأمور بدفع الهلاك عن نفسه بما يقدر عليه وذلك في الميل إلى الطريق الذى يرجو النجاة فيه وان كان يرجو النجاة في الجانبين يخير لاختلاف أحوال الناس فمنهم من يصبر على الماء فوق ما يصبر على النار ومنهم من يكون صبره على الدخان والنار أكثر على غم الماء وان كان لا يرجو النجاة في واحد من الجانبين فعلي قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالي يتخيرو على قول محمد رحمه الله تعالى ليس له أن يلقي نفسه في الماء لانه لو صبر على النار كان هلاكه بفعل العدو ولو ألقى نفسه كان هلاكه بفعل نفسه فيتعين عليه الصبر لذلك ولانه انما يجوز له ان يلقى في نفسه الماء لدفع الهلاك وذلك عند رجاء النجاة فيه فإذا كان لا يرجو النجاة لم يكن فعله دفعا للهلاك عن نفسه وهما يقولان ان طبائع الناس تختلف فمنهم من يختار غم الماء على ألم النار فهو بالالقاء يدفع ألم النار عن نفسه لعلمه انه لا يجد الصبر عليه فكان في سعة من ذلك لانه مضطر ومن ابتلى ببليتين يختار أهونهما عليه ثم هو وان ألقي نفسه مدفوع بفعل المشركين فقد ألجؤه إلى ذلك وأفسدوا عليه اختياره فلا يبقى فعله معتبرا بعد ذلك في اضافة الفعل إليه فلهذا يخير والله أعلم بالصواب (باب في توظيف الخراج) (قال) رضي الله عنه وإذا جعل الامام قوما من الكفار أهل ذمة وضع الخراج على رؤس الرجال وعلى الارضين بقدر الاحتمال اما خراج الرؤس ثابت بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون واما السنة ماروى أن النبي ﷺ أخذ الجزية من مجوس هجر وأخذ الحلل من نصاري نجران وكانت جزية وقال سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب يعني في أخذ الجزية منهم وقد طعن بعض الملحدين قال كيف يجوز تقرير الكافر على الشرك الذى هو أعظم الجرائم بمال يؤخذ منه ولو جاز ذلك جاز تقرير الزانى على الزنا بمال يؤخذ منه والكلام في هذا يرجع إلى الكلام في اثبات الصانع وانه حكيم واثبات النبوة ثم نقول المقصود ليس هو المال بل الدعاء إلى الدين بأحسن الوجوه لانه بعقد الذمة يترك القتال أصلا ولا يقاتل من لا يقاتل ثم يسكن بين المسلمين فيرى محاسن الدين ويعظه واعظ فربما يسلم الا أنه إذا سكن دار

[ 78 ] الاسلام فما دام مصرا على كفره لا يخلا عن صغار وعقوبة وذلك بالجزية التى تؤخذ منه ليكون ذلك دليلا على ذل الكافر وعز المؤمن ثم يأخذ المسلمون الجزية منه خلفا عن النصرة التى فاتت باصراره على الكفر لان من هو من أهل دار الاسلام فعليه القيام بنصرة الدار وأبدانهم لا تصلح لهذه النصرة لانهم يميلون إلى أهل الدار المعادية فيشوشون علينا أهل الحرب فيؤخذ منهم المال ليصرف إلى الغزاة الذين يقومون بنصرة الدار ولهذا يختلف باختلاف حاله في الغنى والفقر فانه معتبر بأصل النصرة والفقير لو كان مسلما كان ينصر الدار راجلا ووسط الحال كان ينصر الدار راكبا والفائق في الغنى يركب ويركب غلاما فما كان خلفا عن النصرة يتفاوت بتفاوت الحال أيضا والاصل في معرفة المقدار حديث عمر رضى الله عنه فانه وضع الجزية على رؤس الرجال اثني عشر درهما وأربعة وعشرين وثمانية وأربعين ونصب المقادير بالرأي لا يكون فعرفنا انه اعتمد السماع من رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخذنا به وقلنا المعتمل الذي يكتسب أكثر من حاجته ولامال له يؤخذ منه كل سنة اثنى عشر درهما والمعتمل الذى له مال ولكنه لا يستغني بماله عن العمل يؤخذ منه أربعة وعشرون درهما في كل سنة والفائق في الغنى وهو صاحب المال الكثير الذى لا يحتاج الي العمل يؤخذ منه ثمانية وأربعون درهما ولا يمكن أن يقدر في المال بتقدير فان ذلك يختلف باختلاف البلدان فبالعراق من يملك خمسين ألفا يعد وسط الحال وفي ديارنا من يملك عشرة آلاف درهم يعد غنيا فيجعل ذلك موكولا إلى رأى الامام والحسن البصري كان يقول انما يؤخذ ثمانية وأربعون ممن يركب البغلة الشهباء ويتختم بخاتم الذهب وقد قيل انه بدل عن السكنى لانه مع الاصرار على الكفر لا يكون من أهل دار الاسلام أصلا ولا يمكن من السكنى في دار الغير الا بكراء فالفقير يكفيه لمؤنة السكني في كل شهر درهم ووسط الحال يحتاج الي أكثر من ذلك فيضعف عليه وكذلك الفائق في الغني والاصح هو الاول انه خلف عن النصرة كما بينا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى تتقدر الجزية بدينار ولا يختلف باختلاف حاله في الفقر والغنى بناء على أصله ان وجوب هذا المال بحقن الدم وذلك لا يختلف بفقره وغناه واستدل بقوله ﷺ لمعاذ رضي الله عنه خذ من كل حالم وحالمة دينارا ولكنا نقول ثبوت الحقن ليس بالمال بل بانعدام علة الاباحة وهو القتال ولصحة احرازه نفسه وماله في دارنا لانه بقبول عقد الذمة يصير من أهل دارنا حتى لا يمكن من الرجوع

[ 79 ] إلى دار الحرب بحال وحديث معاذ رضى الله عنه في مال كان وقع الصلح عليه دون الجزية ألا ترى انه أمر بالاخذ من النساء والجزية لا تجب على النساء واما خراج الارض فالاصل فيه حديث عمر رضى الله عنه فانه وضع على كل أرض تصلح للزرع على الجريب درهما وقفيزا وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم واعتمد في ما صنع السنة أيضا فان النبي ﷺ قال منعت العراق قفيزها ودرهمها فيما ذكر من اشراط الساعة بعده ثم تفاوت الواجب بتفاوت ريع الاراضي ولان أصل الوجوب باعتبار الريع فان الخراج مؤنة الارض النامية فيتفاوت بتفاوت الريع وقد روى انه بعث لذلك عثمان بن حنيف وحذيفة ابن اليمان رضى الله عنهما فلما رجعا إليه قال لعلكما حملتما الارض مالا تطيق فقالا لا بل حملناها ما تطيق ولو زدنا لا طاقت وبظاهر هذا الحديث يستدل أبو يوسف رضى الله عنه ويقول لا تجوز الزيادة على وظيفة عمر رضى الله عنه وان كانت الارض تطيق الزيادة لانهما قالا لو زدنا لاطاقت فلم يأمرهما بالزيادة ومحمد رحمهما الله تعالى يقول انه فيما وظف اعتبر الطاقة حيث قال لعلكما حملتما الارض مالا تطيق فإذا كانت تطيق الزيادة يزاد بقدر الطاقة ألاتري انها إذا كانت لا تطيق تلك الوظيفة لقلة ريعها تنقص فكذلك إذا كانت تطيق الزيادة لكثرة ريعها يزاد وقد قررنا هذا في شرح الزيادات ثم في خراج الاراضي الرجال والنساء والصبيان سواء لانها مؤنة الاراضي النامية وهم في حصول النماء لهم سواء فأما خراج الرؤس لا يؤخذ من النساء والصبيان لما بينا أنه خلف عن النصرة التى فاتت باصرارهم علي الكفر ونصرة القتال لو كانوا مسلمين على الرجال دون النساء والصبيان ولان في حقهم الوجوب بطريق العقوبة كالقتل وانما يقتل الرجال منهم دون النساء والصبيان حين كانوا حربيين فكذلك حكم الجزية بعد عقد الذمة ولئن كان مؤنة السكني فالنساء والصبيان في السكنى تبع وأجرة السكنى على من هو الاصل دون التبع ولكن الاول أصح فانه لا تؤخذ الجزية من الاعمى والشيخ الفاني والمعتوه والمقعد مع انهم في السكني أصل ولكن لا يلزمه أصل النصرة ببدنه لو كان مسلما فكذلك لا يؤخذ منه ما هو خلف عن النصرة وعن أبى يوسف ان الاعمى والمقعد إذا كان صاحب مال ورأى يؤخذ منه لانه يقاتل برأيه وان كان لا يقاتل ببدنه لو كان مسلما وعجزه لنقصان في بدنه ولا نقصان في ماله فيؤخذ منه ما هو خلف عن النصرة والفقير الذى لايستطيع أن يعمل لا تؤخذ منه الجزية لان الجزية مال يؤخذ منه ولامال له والعاجز عن الاداء معذور شرعا

[ 80 ] فيما هو حق العباد قال الله تعالى وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ففي الجزية أولى وهذا لان الجزية صلة مالية وليست بدين واجب ألا ترى أنها سميت خراجا في الشرع والخراج اسم لما هو صلة قال الله تعالي فهل نجعل لك خرجا أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير والصلة المالية لا تكون الا ممن يجد للمال فأما من لا يجد يعان بالمال فكيف يؤخذ منه ولاخراج علي رؤس المماليك لانه خلف عن النصرة والمملوك لا يملك نصرة القتال في نفسه ان لو كان مسلما فلا يلزمه ما هو خلف عن النصرة ثم هو أعسر من الحر الذى لا يجد شيئا لانه ليس من أهل الملك أصلا ثم المملوك في السكنى تبع لمولاه ولاخراج في الاتباع كالنساء والصبيان ولا صدقة في أموال أهل الذمة من السوائم ومال التجارة في أوطانهم لان الامام في الباب عمر رضى الله عنه وهو لم يتعرض لاموالهم في ذلك بشئ لا أن يمروا على العاشر فقد بينا ذلك في الزكاة وكان المعنى فيه أن الاخذ من أموال المسلمين بطريق العبادة المحضة دون المؤنة فان الشرع جعل الزكاة أحد أركان الدين والكافر ليس بأهل لذلك بخلاف الخراج والعشر فالاخذ من المسلم بطريق مؤنة الارض ولهذا جاز أخذه من الكافر ولكن يؤخذ من الكافر ما هو أبعد عن معنى العبادة وأقرب إلى معني الصغار وهو الخراج ومن أسلم من أهل الذمة قبل استكمال السنة أو بعدها قبل ان يؤخذ منه خراج رأسه سقط عنه ذلك عندنا وقال الشافعي ان أسلم بعد كمال السنة لم يسقط عنه وان أسلم قبل كمال السنة فله فيه وجهان وحجته في ذلك انه دين استقر وجوبه في ذمته فلا يسقط عنه باسلامه كسائر الديون وبيان الوصف وهو انه مطالب بادائه مجبر على ذلك محبوس فيه كسائر الديون أو أقوى حتي إذا بعث بالجزية على يد نائبه لاتقبل بخلاف سائر الديون وبان كان لا تجب ابتداء على المسلم فهذا لايمنع بقاءه عليه بعد الاسلام كخراج الاراضي فالمسلم لا يبتدأ بتوظيف الخراج على الارض ثم يبقي وكذلك الرق لا يبتدأ به المسلم ثم يبقى رقيقا بعد الاسلام وكذلك الفقير لا تجب عليه الزكاة ابتداء ثم تبقى إذا أستهلك النصاب بعد الوجوب عليه وهذا لانه مؤنة السكني فالاسلام لا ينافي استيفاءه كالاجرة وانما لا يوجب عليه بعد الاسلام ابتداء لانه صار من أهل دار الاسلام أصلا وهذا بدل حقن الدم بمنزلة المال الواجب بالصلح عن القصاص فالاسلام لايمنع استيفاءه إذا حصل له الحقن به فيما مضى ولكن لا يجب بعد الاسلام ابتداء لانه حقن دمه بالاسلام (وحجتنا) في ذلك حديث ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي صلي

[ 81 ] الله عليه وسلم قال على مسلم جزية وفى حديث عمر رضى الله عنه ان ذميا طولب بالجزية فأسلم فقيل له انك أسلمت تعوذا فقال ان أسلمت تعوذا ففى الاسلام لمتعوذ فرفع ذلك إلى عمر رضى الله عنه فقال صدق فأمر بتخلية سبيله والمعني فيه ما قررنا ان الوجوب عليهم بطريق العقوبة لا بطريق الديون وعقوبات الكفر تسقط بالاسلام كالقتل والدليل على انه نظير القتل انه يختص بالوجوب عليه من يقتل على كفره حتى لا يوجب على النساء والصبيان وبه فارق خراج الاراضي والاسترقاق مع ان الاسترقاق عقوبة من حيث تبديل صفة المالكية بالمملوكية وقد تم ذلك حين استرق فهو عقوبة مستوفاة ووزانها جزية استوفيت قبل الاسلام ثم في حق المسلمين هذا المال خلف عن النصرة كما بينا وإذا أسلم فقد صار من أهل النصرة فيسقط ما هو الخلف لانه لابقاء للخلف بعد وجود الاصل ولان أخذ الجزية منهم بطريق الصغار كما قال تعالى وهم صاغرون ولهذا لاتقبل منه لو بعثها على يد نائبه بل يكلف بأن يأتي به بنفسه فيعطي قائما والقابض منه قاعد وفي رواية يأخذ بتلبيبه فيهزه هزا ويقول إعط الجزية يا ذمى وبعد الاسلام لا يمكن استيفاؤه بطريق الصغار لان المسلم يوقر لايمانه وإذا تعذر استيفاؤه من الوجه الذى وجب امتنع الاستيفاء لانه لا يجوز أن يستوفي غير الواجب وانما يتحقق استيفاء الواجب إذا استوفي بالصفة التى وجب وهذا بخلا مااذا استهلك النصاب في مال الزكاة بعد وجوبها لان وجوب الزكاة على المسلم بطريق العبادة وبعدما افتقر يستوفي بطريق العبادة أيضا حتى لو خرج من أن يكون أهلا للعبادة بان ارتد نقول بأنه لا يبقى وقد بينا أن الجزية ليست بدين ولابدل عن السكني ولابدل عن حقن الدم ولئن سلمنا له ذلك فانما هو بدل عن الحقن في المستقبل لافيما مضى وقد استفاد الحقن بالاسلام فلا معني لاخذ الجزية منه بعد ذلك وعلى هذا الخلاف لو مات بعد مضي السنة عندنا لا يستوفى الجزية من تركته وعنده يستوفى اعتبارا بسائر الديون وطريقنا ما قررنا في المسألة الاولى ولان هذه صلة والصلات لا تتم الا بالفبض وتبطل بالموت قبل التسليم كالنفقات ودليل أنها صلة مابينا أنها ليست ببدل عن السكنى لانه بعقد الذمة صار من أهل دارنا فانما يسكن دار نفسه ولا يسكن ملك نفسه حقيقة وقولنا دار الاسلام نسبة للولاية فلا يستحق باعتباره الاجرة ولاهو بدل عن حقن الدم لان الآدمى في الاصل محقون الدم والاباحة بعارض القتال فإذا زال ذلك بعقد الذمة عاد الحقن الاصلى

[ 82 ] ولان قتل الكافر جزاء مستحق لحق الله تعالى فلا يجوز اسقاطه بمال أصلا فإذا ثبت أنه ليس بعوض عن شئ عرفنا أنه صلة وفى الصلات المعتبر الفعل دون المال والافعال لا يمكن استيفاؤها من التركة فانما يبقى بعد الموت ما يمكن استيفاؤه ألا ترى أنه لو استأجر خياطا ليخيط ثوبه بيده فمات الخياط بطل العقد لان المستحق الفعل ولا يمكن استيفاؤه من التركة وان لم يمت ومرت عليه سنون قبل أن يؤخذ خراج رأسه لم يؤخذ بذلك في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الا باعتبار السنة التى هو فيها ويؤخذ في قولهما بجميع ما مضى إذا لم يكن ترك ذلك لعذر وتلقب هذه المسألة بالموانيذ وهما يقولان الموانيذ في خراج الرأس كالموانيذ في خراج الارض ثم يستوفى جميع ذلك وان طالت المدة فكذلك هنا وهذا لانه ما بقى حيا مصرا على كفره فاستيفاؤه من الوجه الذى وجب ممكن بخلاف ما بعد اسلامه وموته ولابي حنيفة رحمه الله تعالى حرفان أحدهما أن الواجب عليهم بطريق العقوبة والعقوبات التى تجب لحق الله تعالى إذا اجتمعت تداخلت كالحدود وفى حقنا خلف عن النصرة وهذا المعنى يتم باستيفاء جزية واحدة منه فلا حاجة إلى استيفاء ما مضى ولان المقصود ليس هو المال بل المقصود استذلال الكافر واستصغاره لان اصراره على الشرك في دار التوحيد جناية فلا ينفك عن صغار يجرى عليه وهذا المقصود يحصل باستيفاء جزية واحدة فلو أخذناه بالموانيذ لم يكن ذلك الا لمقصود المال وقد بينا ان المال غير مقصود ولهذا لا يبقى بعد موته واسلامه ثم أو ان أخذ خراج الرأس منه آخر السنة قبل ان يتحول وقد روى عن أبي يوسف انه يؤخذ منه في كل شهرين بقسط ذلك وعن محمد انه يؤخذ شهرا فشهرا ليكون أشد عليه وأقرب إلى تحصيل المنفعة للمسلمين والاصح هو الاول من ان المعتبر الحول كما في زكاة المال في حق المسلم وخراج الاراضي ولا يؤخذ بخراج الارض في السنة الامرة واحدة وان استغلها صاحبها مرات لحديث عمر رضى الله عنه فانه ما أخذ الخراج من أهل الذمة في السنة الامرة واحدة ولان ريع عامة الاراضي في السنة يكون مرة واحدة وانما يبنى الحكم على العام الغالب والاراضي يكون فيها الشجر الكبير يوضع عليها من الخراج بقدر الطاقة لان عمر رضى الله عنه فيما وظفه اعتبر الطاقة فعرفنا ان ذلك هو الاصل فإذا عطل أرضه لم يسقط عنه خراجها لانه هو الذى اختار ترك الاستغلال والانتفاع بها وقصد بذلك اسقاط حق مصارف الخراج فرد عليه قصده

[ 83 ] بخلاف العشر فالواجب هناك جزء من الخراج والايجاب بدون المحل لا يتحقق وههنا الواجب مال في ذمته باعتبار تمكنه من الانتفاع بالارض فلم ينعدم ذلك بتعطيله الارض وان زرعها فأصاب الزرع آفة فذهب لم يؤخذ الخراج لانه مصاب فيستحق المعونة ولو أخذناه بالخراج كان فيه استئصاله ومما حمد من سير الاكاسرة انهم كانوا إذا اصطلم الارض آفة يردون على الدهاقين من خزائنهم ما أنفقوا في الارض ويقولون التاجر شريك في الخسران كما هو شريك في الربح فان لم يرد عليه شيئا فلا أقل من أن لا يؤخذ منه الخراج وهذا بخلاف الاجر فانه يجب بقدر ماكان الارض مشغولا بالزرع لان الاجر عوض المنفعة فبقدر ما استوفى من المنفعة يصير الاجر دينا في ذمته فأما الخراج صلة واجبة باعتبار الاراضي فلا يمكن ايجابها بعدما اصطلم الزرع آفة لانه ظهر أنه لم يتمكن من استغلال الارض بخلاف مااذا عطلها وإذا أسلم الذمي على أرضه كان عليه خراجها كما كان عندنا وقال مالك رحمه الله تعالى يسقط ذلك وكذلك إذا باعها من مسلم واعتبر خراج الارض بخراج الرأس فكما لا يجب على المسلم بعد اسلامه خراج الرأس فكذلك خراج الاراض ولكنا نقول الخراج مؤنة الارض النامية كالعشر والمسلم من أهل التزام المؤنة وهذا لانه بعد الاسلام لا يخلى أرضه عن مؤنة فابقاء ما تقرر واجبا أولى لانا ان أسقطنا ذلك احتجنا إلى ايجاب العشر بخلاف خراج الرأس فانا لو أسقطنا ذلك عنه بعد اسلامه لانحتاج إلى ايجاب مؤنة أخرى عليه ولايكره للمسلم اداء خرج الارض لما روى عن ابن مسعود والحسن بن على وشريح رضى الله عنهم انه كانت لهم أرضون بالسواد يؤدون خراجها فبهذا تبين ان خراج الارض لا يعد من الصغار وانما الصغار خراج الاعناق بخلاف ما يقوله المتقشفة ويستدلون بما روى ان النبي ﷺ رأى شيئا من آلات الحراثة فقال مادخل هذا بيت قوم الا ذلوا ظنوا ان المراد الذل بالتزام الخراج وليس كذلك بل المراد ان المسلمين إذا اشتغلوا بالزراعة واتبعوا اذناب البقر وقعدوا عن الجهاد كر عليهم عدوهم فجعلوهم أذلة تغلبى اشترى ارضا من أرض الخراج فعليه الخراج كما كان لانه انما يضعف عليه ما يبتدأ المسلم بالايجاب عليه هكذا جرى الصلح بيننا ولا يبتدأ المسلم بتوظيف الخراج على أرضه الا ترى ان أهل بلدة لو اسلموا طوعا يجعل على أراضيهم العشر دون الخراج فلهذا لا يضعف الخراج على التغلبي وان اشترى أرضا من أرض العشر ضوعف عليه العشر لان

[ 84 ] العشر يبتدأ به المسلم فيضعف على التغلبي كالزكاة والرجل والمرأة والصبي منهم في ذلك سواء وقد بينا تمام هذه الفصول في كتاب الزكاة وذكرنا قول محمد ان التضعيف عليهم في الاراضي التي وقع الصلح عليها فأما فيما اشتراها من مسلم لا تتغير الوظيفة بتغير المالك كما لا تتغير وظيفة الخراج إذا اشترى مسلم أرضا خراجية وكما لا تتغير وظيفة العشر إذا اشتراها مكاتب أو صبى (قال) أرأيت لو أن أرضا بمكة في الحرم اشتراها ذمى أو تغلبى كانت تصير خراجية أو تتحول عن العشر الذي كان عليها قبل ذلك وإذا دخل الحربى دار الاسلام مستأمنا فتزوج امرأة ذمية لم يصر ذميا لان الرجل ليس بتابع لامرأته في السكنى فهو بالنكاح لم يصر راضيا بالمقام في دارنا على التأبيد وانما استأمن الينا للتجارة والتاجر قد يتزوج في موضع لا يقصد التوطن فيه فلهذا لا يصير ذميا فان أطال المقام وأوطن فحينئذ توضع عليه الجزية وينبغى للامام أن يتقدم إليه ويأمره بالخروج إلى دار الحرب على سبيل الانذار والاعذار وفى التقدم إليه إن بين مدة فقال ان خرجت إلى وقت كذا والا جعلتك ذميا فان خرج إلى ذلك الوقت تركه ليذهب وان لم يخرج لم يمكنه من الخروج بعد ذلك وجعله ذميا لان مقامه بعد التقدم إليه حتى مضت المدة رضا منه بالمقام في دارنا على التأبيد وان لم يقدر له مدة فالمعتبر هو الحول فإذا أقام في دارنا بعد ذلك حولا لا يمكنه من الخروج لان هذا لابلاء العذر والحول لذلك حسن كما في أجل العنين ونحوه وان اشتري أرض خراج فزرعها يوضع عليه خراج الارض والرأس أما خراج الارض فلانه مؤنة الارض النامية وقد تقرر ذلك في حقه حين استغل الارض ثم بالتزام خراج الارض صار راضيا بالتزام أحكام دار الاسلام فيكون بمنزلة لذمي لان الذمي ملتزم أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات والالتزام تارة يكون نصا وتارة يكون دلالة والحربية المستأمنة إذا تزوجت مسلما أو ذميا فقد توطنت وصارت ذمية لان المرأة في السكنى تابعة للزوج ألا ترى أنها لا تملك الخروج الا باذنه فجعلها نفسها تابعة لمن هو من دارنا رضى بالتوطن في دارنا على التأبيد فرضاها بذلك دلالة كالرضا بطريق الافصاح فلهذا صارت ذمية والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب

[ 85 ] (باب صلح المملوك والموادعة) (قال) رضى الله عنه ملك من ملوك أهل الحرب له أرض واسعة فيها قوم من أهل مملكته هم عبيد له يبيع منهم ما شاء صالح المسلمين وصار ذمة لهم فان أهل مملكته عبيد له كما كانوا يبيعهم ان شاء لان عقد الذمة خلف عن الاسلام في حكم الاحراز ولو أسلم كانوا عبيدا له لقوله ﷺ من أسلم على مال فهو له فكذلك إذا صار ذميا وهذا لانه كان مالكا لهم بيده القاهرة وقد استقرت يده وازدادت وكادة بعقد الذمة فان ظهر عليهم عدو غيرهم ثم استنقذهم المسلمون من أيدى أولئك فانهم يردون على هذا الملك بغير شئ قبل القسمة وبالقيمة بعد القسمة بمنزلة سائر أموال أهل الذمة وهذا لان على المسلمين القيام بدفع الظلم عن أهل الذمة كما عليهم ذلك في حق المسلمين وعلى هذا لو أسلم الملك وأهل أرضه أو أسلم أهل أرضه دونه فهم عبيد له كما كانوا لانه كان محرزا لهم بعقد الذمة فيزداد ذلك قوة باسلامه واسلام مملوكه الذمي لا يبطل ملكه عنه وان كان طلب الذمة على أن يترك يحكم في أهل مملكته بما شاء من قتل أو صلب أو غيره مما لا يصلح في دار الاسلام لم يجب إلى ذلك لان التقرير على الظلم مع امكان المنع منه حرام ولان الذمي من يلتزم أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات فشرطه بخلاف موجب العقد باطل كما لو أسلم بشرط أن يرتكب شيئا من الفواحش كان الشرط باطلا والاصل فيه ماروى أن وفد تقيف جاؤا إلى رسول الله ﷺ فقالوا نؤمن بشرط أن لا ننحني للركوع والسجود فانا نكره ان تعلونا استاهنا فقال رسول الله ﷺ لاخير في دين لاصلاة فيه ولاخير في صلاة لا ركوع فيها ولا سجود فان أعطى الصلح والذمة على هذا بطل من شروطه مالا يصلح في الاسلام لقوله ﷺ كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل فان رضى بما يوافق حكم الاسلام والا أبلغ مأمنه وأصحابه لان عقد الذمة يعتمد الرضى وماتم رضاه بدون هذا الشرط وقد تعذر الوفاء بهذا الشرط فإذا أبى ان يرضى بدون هذا الشرط يبلغ مأمنه كغيره من المستأمنين فان التحرز عن الغدر واجب قال ﷺ في العهود وفاء لاغدر فيه بخلاف مالو أسلم بشرط أن لا يصلى فان الاسلام صحيح بدون تمام الرضى كما لو أسلم مكرها ولا يترك بعد صحة اسلامه ليرتد فيرجع إلى الكفر فان صار ذمة ثم وقفت منه على أنه يخبر المشركين بعورة المسلمين ويقرى عيونهم لم يكن هذا منه نقضا للعهد ولكن يعاقب

[ 86 ] على هذا ويحبس وقال مالك رحمه الله تعالى هو ناقض للعهد بما صنع فيقتل وكذلك ان كان لا يزال يغتال رجلا من المسلمين فيقتله أو يفعل ذلك أهل أرضه لم يكن هذا نقضا للعهد عندنا وقال مالك رحمه الله تعالى هو نقض لانه خلاف موجب العقد فان الذمي من ينقاد لحكم الاسلام في المعاملات ويكون مقهورا في دار الاسلام تحت يد المسلمين ومباشرة ماكان يخالف موجب العقد يكون نقضا للعهد ولكنا نقول لو فعل هذا مسلم لم يكن به ناقضا لايمانه فكذلك إذا فعله ذمى لا يكون ناقضا لامانه والاصل فيه حديث حاطب بن أبى بلتعة وفيه نزل قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء وقصته فيما صنع معروفة في المغازى وقد سماه الله تعالى مؤمنا مع ذلك وحديث أبى لبابة بن المنذر وفيه نزل قوله تعالي يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وقصته فيما أخبر به بنى قريظة معروفة وقد سماه الله مؤمنا فعرفنا ان مثل هذا لا يكون نقضا للايمان ولا للذمة ولكن من ثبت عليه القتل بالبينة يقتص منه فان لم يعرف القاتل ووجد القتيل في قرية من قراهم ففيه القسامة والدية كما قضي به رسول الله ﷺ في القتيل الموجود بخيبر فيحلف الملك خمسين يمينا بالله ما قتلت ولاعرفت قاتله ثم يغرم الدية ولا يحلف بقية أهل مملكته لانهم عبيده والعبيد لا يزاحمون الاحرار في القسامة والدية فان كانوا احرارا فعليهم القسامة والدية لانهم يساوونه في الحرية والسكنى في القرية فيشاركونه في القسامة والدية وإذا طلب قوم من أهل الحرب الموادعة سنين بغير شئ نظر الامام في ذلك فان رآه خيرا للمسلمين لشدة شوكتهم أو لغير ذلك فعله لقوله تعالى وان جنحو للسلم فاجنح لها ولان رسول الله ﷺ صالح أهل مكة عام الحديبية على ان وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين فكان ذلك نظرا للمسلمين لمواطئة كانت بين أهل مكة وأهل خيبر وهى معروفة ولان الامام نصب ناظرا ومن النظر حفظ قوة المسلمين أولا فربما يكون ذلك في الموادعة إذا كانت للمشركين شوكة أو احتاج إلى أن يمعن في دار الحرب ليتوصل إلى قوم لهم بأس شديد فلا يجد بدا من أن يوادع من على طريقه وان لم تكن الموادعة خيرا للمسلمين فلا ينبغي أن يوادعهم لقوله تعالى ولا تهنوا وتدعوا الي السلم وأنتم الاعلون ولان قتال المشركين فرض وترك ما هو الفرض من غير عذر لا يجوز فان رأى الموادعة خيرا فوادعهم ثم نظر فوجد موادعتهم شرا للمسلمين نبذ إليهم الموادعة وقاتلهم لانه ظهر في الانتهاء

[ 87 ] مالو كان موجودا في الابتداء منعه ذلك من الموادعة فإذا ظهر ذلك في الانتهاء منع ذلك من استدامة الموادعة وهذا لان نقض الموادعة بالنبذ جائز قال ﷺ يعقد عليهم أولاهم ويرد عليهم أقصاهم ولكن ينبغى أن ينبذ إليهم على سواء قال تعالى وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء أي على سواء منكم ومنهم في العلم بذلك فعرفنا أنه لا يحل قتالهم قبل النبذ وقبل أن يعلموا بذلك ليعودوا إلى ما كانوا عليه من التحصن وكان ذلك للتحرز عن الغدر فان حاصر العدو المسلمين وطلبوا الموادعة على أن يؤدي إليهم المسلمون شيئا معلوما كل سنة فلا ينبغي للامام أن يجيبهم إلى ذلك لما فيه من الدينة والذلة بالمسلمين الا عند الضرورة وهو ان يخاف المسلمون الهلاك على أنفسهم ويرى الامام أن هذا الصلح خير لهم فحينئذ لا بأس بأن يفعله لما روى ان المشركين احاطوا بالخندق وصار المسلمون كما قال الله تعالى هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا بعث رسول الله ﷺ إلى عبيدة بن حصن وطلب منه ان يرجع بمن معه على ان يطعيه كل سنة ثلث ثمار المدينة فابى الا النصف فلما حضر رسله ليكتبوا الصلح بين يدى رسول الله ﷺ قام سيد الأنصار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضى الله عنهما وقالا يارسول الله ان كان هذا عن وحى فامض لما أمرت به وان كان رأيا رأيته فقد كنا نحن وهم في الجاهلية لم يكن لنا ولا لهم دين فكانوا لا يطمعون في ثمار المدينة الا بشراء أو قرى فإذا أعزنا الله بالدين وبعث فينا رسوله نعطيهم الدينة لا نعطيهم الا السيف فقال ﷺ انى رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة فاحببت ان أصرفهم عنكم فإذا أبيتم ذلك فانتم واولئك اذهبوا فلا نعطيكم الا السيف فقد مال رسول الله ﷺ إلى الصلح في الابتداء لما أحس الضعف بالمسلمين فحين رأى القوة فيهم بما قاله السعدان رضى الله عنهما امتنع من ذلك وقد كان رسول الله ﷺ يعطى المؤلفة قلوبهم من الصدقة لدفع ضررهم عن المسلمين فدل على انه لا بأس بذلك عند خوف الضرر وهذا لانهم ان ظهروا على المسلمين أخذوا جميع الاموال وسبوا الذرارى فدفع بعض المال ليسلم المسلمون في ذراريهم وسائر أموالهم أهون وأنفع وان أراد قوم من أهل الحرب من المسلمين الموادعة سنين معلومة على ان يؤدى أهل الحرب الخراج إليهم كل سنة شيئا معلوما على ان لا تجرى أحكام الاسلام عليهم في بلادهم لم يفعل ذلك الا ان يكون في ذلك

[ 88 ] خير للمسلمين لانهم بهذه الموادعة لا يلتزمون أحكام الاسلام ولا يخرجون من ان يكونوا أهل حرب وقد بينا ان ترك القتال مع أهل الحرب لا يجوز الا ان يكون خيرا للمسلمين فإذا رأي الامام منفعة في ذلك فصالحهم فان كان قد احاط مع الجيش ببلادهم فما يأخذ منهم يكون غنيمة يخمسها ويقسم ما بقى بينهم لانه توصل إليها بقوة الجيش فهو كما لو ظهر عليهم بالفتح فان لم ينزل مع الجيش بساحتهم ولكنهم أرسلوا إليه وادعوه على هذا فما يأخذ منهم بمنزلة الجزية لا خمس فيها بل يصرف مصارف الجزية وان وقع الصلح على ان يؤدوا إليهم كل سنة مائة رأس فان كانت هذه المائة الرأس يؤدونها من أنفسهم وأولادهم لم يصح هذا لان الصلح وقع علي جماعتهم فكانوا جميعا مستأمنين واسترقاق المستأمن لا يجوز الا ترى ان واحدا منهم لو باع ابنه بعد هذا الصالح لم يجز وكذلك لا يجوز تمليك شئ من نفوسهم وأولادهم بحكم تلك الموادعة لان حريتهم تأكدت بها وان صالحوهم على مائة رأس بأعيانهم أول السنة وقالوا أمنونا على أن هؤلاء لكم ونصالحكم ثلاث سنين مستقبلة على أن نعطيكم كل سنة مائة رأس من رقيقنا فهذا جائز لان المعينين في السنة الاولى لا تتناولهم الموادعة وباعتباره يثبت الامان فإذا جعلوهم مستثنين من الموادعة بجعلهم إياهم عوضا للمسلمين صاروا مماليك للمسلمين بالموادعة ثم شرطوا في السنين المستقبلة مائة رأس من رقيقهم في كل سنة ورقيقهم قابل للملك والتملك بالبيع فكذا بالموادعة وهذا لان الموادعة ليست بمال في نفسها واشتراط الحيوان دينا في الذمة بدلا عما ليس بمال صحيح إذا كان معلوم الجنس كما في النكاح والخلع وإذا وقع الصلح على هذا ثم سرق منه مسلم شيئا لم يصح شراء ذلك منه لانهم استفادوا الامان في أنفسهم وأموالهم ومال المستأمن لا يملك بالسرقة وإذا لم يملكه السارق لم يحل شراؤه منه ولان ما صنعه غدر يؤدبه الامام علي ذلك إذا علمه منه وفى الشراء منه اغراء له على هذا الغدر وتقرير ذلك لا يحل فان أغار عليهم قوم من أهل الحرب جاز أن يشترى منهم ما أخذوا من أموالهم ورقيقهم لانهم تملكوها عليهم بالاحراز ولو تملكوا ذلك من أموال المسلمين جاز شراؤها منهم فمن أموال أهل الحرب أولى ثم لايرد عليهم شئ من ذلك مجانا ولا بالثمن لانهم بالموادعة ما خرجوا من ان يكونوا أهل حرب حين لم ينقادوا الحكم الاسلام فلا يجب على المسلمين القيام بنصرتهم وبه فارق مال المسلمين وأهل لذمة ولا يمنع التجار من حمل التجارات إليهم الا الكراع والسلاح والحديد لانهم أهل حرب

[ 89 ] وان كانوا موادعين ألا ترى أنهم بعد مضى المدة يعودون حربا للمسلمين ولا يمنع التجار من دخول دار الحرب بالتجارات ماخلا الكراع والسلاح فانه يتقوون بذلك على قتال المسلمين فيمنعون من حمله إليهم وكذلك الحديد فانه أصل السلاح قال الله تعالى وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومن دخل منهم دار الاسلام بغير أمان جديد سوى الموادعة لم يتعرض له لانه آمن بتلك الموادعة ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يتعرضوا له في داره فكذلك إذا دخل دار الاسلام قد دخل أبو سفيان رضي الله عنه المدينة في زمن الهدنة ولم يتعرض له أحد بشئ وكذلك لو دخل رجل منهم دار حرب أخرى فظهر المسلمون عليهم لم يتعرضوا له لانه في أمان المسلمين حيث كان بمنزلة ذمى يدخل دار الحرب ثم يظهر المسلمون على تلك الدار وإذا اشتري الحربى المستأمن في دار الاسلام عبدا مسلما أو ذميا أو أسلم بعض عبيده الذين أدخلهم لم يترك ليرده إلى دار الحرب لانه مسلم ولا يترك في ملك الكافر ليستذله ولكن يجبر على بيعه من المسلمين بمنزلة الذمي يسلم عبده (فان قيل) الذمي ملتزم أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات والمستأمن غير ملتزم لذلك (قلنا) المستأمن ملتزم ترك الاستخفاف بالمسلمين فانا ما أعطيناه الامان ليستذل المسلم إذ لا يجوز اعطاء الامان على هذا فلهذا يجبر على بيعه وان رجع المستأمن إلى دار الحرب وقد أدان في دار الاسلام وأودع ودبر ثم أسر وظهر على تلك الدار وقتل فنقول اما مدبروه وأمهات أولاده فهم احرار ان قتل فغير مشكل وكذلك إذا استرق لانه صار مملوكا والرق اتلاف له حكما ولانهم خرجوا من ملكه لوجود المنافي ولا يصيرون في ملك غيره لان المدبر وأم الولد لا يحتمل ذلك فلهذا كان حرا واما الدين فهو يسقط عمن عليه لخروجه من أن يكون أهلا للملك ولان الدين لايرد عليه القهر ليصير مملوكا للسابى إذ هو في ذمة من عليه ويده الي مافى ذمته اسبق من يد غيره فصار محرزا له والودائع فئ لانها تدخل تحت القهر ويد المودع كيد المودع ولو كانت في يده حين سبى كان ذلك فيئا فكذلك ان كان في يد مودعه وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى انها مملوكة للمودعين لان أيديهم إليها أسبق حين سقط عنها يد الحربى بالاسر فصاروا محرزين لها دون الغانمين وهذا كله لان بقاء حكم الامان له في هذه الاموال ما لم يتقرر المنافي وقد تقرر ذلك حين أسر وظهر المسلمون على الدار وان دخل بعبده المسلم الذى اشتراه أو أسلم في يده في دار الحرب عتق في قول أبي حنيفة رحمه الله ولم يعتق في قول

[ 90 ] أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى حتى يظهر المسلمون على الدار أو يخرج مراغما لمولاه لانه كان قاهرا له في دارنا حكما بعقد الامان وفى دار الحرب حسا بقوته فيبقى مملوكا له حتى يصير العبد قاهرا له وذلك بخروجه مراغما أو ظهور المسلمين عليه الا ترى انه لو كان في دار الحرب حين أسلم عبده لم يعتق الا بأحد هذين الوجهين فكذلك إذا أدخله دار الحرب وقد بينا طريق أبى حنيفة رحمه الله لهذه المسألة في كتاب العتاق وفيه طريق آخر نذكره ههنا وهو انه حين انتهي به إلى آخر جزء من أجزاء دار الاسلام فقد ارتفع حكم الامان الذى بيننا وبينه وبقاء ملكه بعد اسلام العبد كان بحكم الامان فإذا ارتفع زال ذلك الملك وحصل العبد في يد نفسه فيعتق وهى يد محترمة فتكون دافعة لقهره وان أدخله دار الحرب فلا يثبت له باعتبار هذا القهر الملك في دار الحرب (فان قيل) بارتفاع الامان زال صفة الحظر لاأصل الملك كمن أباح لغيره شيئا لا يزول أصل ملكه به فملكه المباح في دار الحرب ابقاء ماكان من الملك لا اثبات ملك له فيه ابتداء (قلنا) ماكان ملكه بعد اسلام العبد في دار الاسلام الا باعتبار صفة الحظر فانه لو لم يكن مستأمنا لكان العبد قاهرا له في دار الاسلام وكان حرا فإذا زال الحظر بزوال الامان زال أصل الملك (قال) ألا ترى أنه في دار الحرب لو قتل مولاه وأخذ ماله وخرج الينا كان حرا وكان ما خرج به من المال له وهذا إشارة إلى مابينا أنه ظهرت يده في نفسه وهي يد محترمة وكذلك لو كان هذا العبد الذى اشتراه وأدخله ذميا لان للذمي يدا محترمة في نفسه كما للمسلم ولو أسلم عبد الحربي في دار الحرب ثم ظهر المسلمون على الدار فالعبد حر لاحرازه نفسه بمنعة المسلمين وان أسلم مولاه قبل أن يظهر المسلمون عليه فهو عبد له على حاله لان بالاسلام العبد لم يزل ملكه عنه ومن أسلم على مال فهو له ولو كان حين أسلم عبده باعه من مسلم أو ذمى أو حربى فهو حر في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان العبد المسلم متي زال ملك الحربى عنه يزول إلى العتق كما لو خرج مراغما وكان أبو بكر الرازي يقول بمجرد البيع عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يعتق ما لم يخرجه من يده بالتسليم فإذا أخرجه ثم زال قهره عنه فحينئذ يعتق ولا يثبت عليه قهر المشترى لانه مسلم في يد نفسه ويده دافعة للقهر عنه سواء كان من مسلم أو ذمى أو حربى وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يعتق لان ملك المشترى ويده كملك البائع ويده وقبل البيع كان مملوكا للبائع باعتبار يده فكذلك بعد البيع وقد بينا هذه

[ 91 ] المسألة مع أخواتها في كتاب العتاق وإذا مات المستأمن في دار الاسلام عن مال وورثته في دار الحرب وقف ماله حتي يقدم ورثته لانه وان كان في دارنا صورة فهو في الحكم كأنه في دار الحرب فيخلفه ورثته في دار الحرب في املاكه وبموته في دارنا لا يبطل حكم الامان الذى كان ثبت له بل ذلك باق في ماله فيوقف لحقه حتى يقدم ورثته وإذا قدموا فلابد من أن يقيموا البينة ليأخذوا المال لانهم بمجرد الدعوى لا يستحقون شيئا فان أقاموا بينة من أهل الذمة ففي القياس لاتقبل هذه البينة لان المال في يد امام المسلمين وحاجتهم إلى استحقاق اليد على المسلمين وشهادة أهل الذمة لا تكون حجة في الاستحقاق على المسلمين وفى الاستحسان تقبل شهادتهم ويدفع المال إليهم إذا شهدوا أنهم لا يعلمون له وارثا غيرهم لانهم يستحقون المال على المستأمن فان المال موقوف لحقه وشهادة أهل الذمة حجة على المستأمن ولانهم لا يجدون شهودا مسلمين على وراثتهم عادة فان انسابهم في دار الحرب لا يعرفها المسلمون فهو بمنزلة شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال ويؤخذ منهم كفيل بما أدرك في المال من درك قيل هو قولهما دون قول أبى حنيفة رحمهم الله تعالى كما فيما بين المسلمين وقيل بل هذا قولهم جميعا لان المال مدفوع إليهم بحجة ضعيفة فلا يدفع الا بعد الاحتياط بكفيل ولا يقبل كتاب ملكهم في ذلك لان ملكهم كافر لاأمان له ولو شهد لم تقبل شهادته فكيف يقبل كتابه وان شهد على كتابه وختمه قوم من المسلمين فكذلك الجواب لانه في حق المسلمين كواحد من العوام أو دونه وكتابه وختمه لا يكون حجة وإذا أراد الحربى المستأمن أن يرجع إلى دار الحرب لم يترك أن يخرج معه كراعا وسلاحا أو حديد اأو رقيقا اشتراهم في دار الاسلام مسلمين أو كفارا كما لا يترك تجار المسلمين ليحملوا إليهم هذه الاشياء وهذا لانهم يتقوون بها على المسلمين ولايجوز اعطاء الامان له ليكتسب به ما يكون قوة لاهل الحرب على قتال المسلمين وفى العبيد لااشكال لانهم مسلمون وأهل الذمة فلا يترك أن يدخل بهم ليعودوا حربا للمسلمين ولا يمنع أن يرجع بما جاء به من هذه الاشياء لانه كان معه في دار الحرب فباعادته لا يزدادون قوة لم تكن لهم بخلاف ما اشتراه في دار الاسلام ولانا أمناه على مافى يده من المال وكما لايمنع هو من الرجوع للوفاء بذلك الامان فكذلك لايمنع من أن يرجع بما جاء به فان كان جاء بسيف فباعه واشترى مكانه قوسا أوزمحا أو ترسا لم يترك أن يخرج به مكان سيفه

[ 92 ] لان معنى القوة يختلف باختلاف الاسلحة فانما قصد بما صنع أن يزداد قوة علينا ولانه قد يكثر فيهم نوع من أنواع الاسلحة ويعز نوع آخر خير فيقصدون تحصيل ذلك لهم بهذا الطريق وكذلك إذا استبدل بسيفه سيفا آخر خيرا منه لان بتلك الزيادة يزدادون قوة ولم يكن استحق ذلك حين أمناه فيمنع من تحصيل تلك الزيادة ولا يمكن منعه من ذلك الا بأن يمنع من ادخاله هذا السيف بأصله دارهم وان كان هذا السيف مثل الاول أو شرا منه لم يمنع أن يدخل به لانه بمنزلة الاول إذ ليس فيه زيادة قوة لهم وجنس المنفعة واحد فكما لو أعاد الاول إلى دار الحرب لم يمنع منه فكذلك إذا أعاد مثله وله أن يخرج بما شاء من الامتعة سوى ما ذكرنا كما للتاجر المسلم أن يحمل إليهم ما شاء من سائر الامتعة للتجارة وللشافعي رحمه الله تعالى قول أنه يمنع من ذلك أيضا لانهم يزدادون قوة بما يحمل طعاما كان أو ثيابا أو سلاحا ولكنا نستدل بما روى ان رسول الله ﷺ اهدي إلى أبى سفيان رضى الله عنه تمر عجوة حين كان بمكة حربيا واستهداه ادما وبعث بخمسمائة دينار إلى أهل مكة حين قحطوا لتفرق بين المحتاجين منهم ولان بعض ما يحتاج إليه المسلمون من الادوية وغيرها يحمل من دار الحرب فإذا منعنا تجار المسلمين من أن يحملوا إليهم ما سوى السلاح فهم يمنعون ذلك أيضا وفيه من الضرر مالا يخفي وإذا بعث الحربى عبدا له تاجرا إلى دار الاسلام بأمان فأسلم العبد فيها بيع وكان ثمنه للحربى لان الامان يثبت له في مالية العبد حين خرج العبد بأمان منقادا له ولو كان المولى معه فأسلم أجبر على بيعه وكان ثمنه له فكذلك إذا لم يكن المولى معه قلنا يباع لازالة ذل الكفر عن المسلم ويكون ثمنه للحربى للامان له في هذه المالية وإذا وجد الحربي في دار الاسلام فقال انا رسول فان أخرج كتابا عرف أنه كتاب ملكهم كان آمنا حتى يبلغ رسالته ويرجع لان الرسل لم تزل آمنة في الجاهلية والاسلام وهذا لان أمر القتال أو الصلح لايتم الا بالرسل فلا بد من أمان الرسل ليتوصل إلى ما هو المقصود ولما تكلم رسول بين يدى النبي ﷺ بما كرهه قال لولا انك رسول لقتلتك وفى هذا دليل ان الرسول آمن ثم لا يتمكن من اقامة البينة على أنه رسول فلو كلفناه ذلك أدى إلى الضيق والحرج وهذا مدفوع فلهذا يكتفي بالعلامة والعلامة ان يكون معه كتاب يعرف أنه كتاب ملكهم فإذا أخرج ذلك فالظاهر أنه صادق والبناء على الظاهر واجب فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته وان لم يخرج كتابا أو أخرج ولم يعلم أنه كتاب ملكهم فهو

[ 93 ] وما معه فئ لان الكتاب قد يفتعل وإذا لم يعلم أنه كتاب ملكهم بختم وتوقيع معروف فالظاهر أنه افتعل ذلك وأنه لص مغير في دار الاسلام فحين أخذناه احتال بذلك ليتخلص من أيدينا ولهذا كان فيئا مع ما معه وان ؟ ادعى أنه دخل بأمان لم يصدق وهو فئ لان حق المسلمين قد ثبت فيه حين تمكنوا منه من غير أمان ظاهر له فلا يصدق هو في ابطال حقهم وإذا خرج قوم من أهل الحرب مستأمنين لم يعرض لهم فيما كان جرى بينهم في دار الحرب من المداينات لانهم بالدخول بأمان ما صاروا من أهل دارنا وقد كانت هذه المعاملة بينهم حين لم يكونوا تحت يد الامام فلا يسمع الامام الخصومة في شئ من ذلك الا أن يلتزموا حكم الاسلام وذلك يكون بعقد الذمة فان كان ذلك جرى بينهم في دار الاسلام أخذوا به لانهم كانوا تحت يد الامام حين جرت هذه المعاملة بينهم وما أمناهم ليظلم بعضهم بعضا بل التزمنا لهم ان نمنع الظلم عنهم فلهذا تسمع الخصومة التى جرت بينهم في دارنا كما لو جرت بينهم وبين المسلمين ولو ان حربيا دخل دار الاسلام بغير أمان فأخذه واحد من المسلمين فهو فئ لجماعة المسلمين في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وهى رواية بشر عن أبى يوسف رحمه الله تعالى وظاهر المذهب عند أبى يوسف وهو قول محمد رحمهما الله تعالى انه لمن أخذه خاصة وحجتهما في ذلك ان يد الآخذ سبقت إليه وهو مباح في دارنا فمن سبقت يده إليه صار محرزا له فاختص بملكه كالصيد والحطب والركاز الذى يجده في دار الاسلام وهذا لانه وان دخل دارنا فلم يصر به مأخوذا مقهورا لعدم علم المسلمين به ألا ترى انه لو عاد إلى دار الحرب قبل ان يعلم به كان حرا فانما صار مقهورا بالاخذ فكان للآخذ خاصة كما لو أخذه في دار الحرب وأخرجه ولابي حنيفة رحمه الله تعالى فيه طريقان أحدهما ان نواحى دار الاسلام تحت يد امام المسلمين ويده يد جماعة المسلمين فهو كما دخل دار الاسلام صار في يد المسلمين حكما فصار مأخوذا وثبت فيه حق جماعة المسلمين فمن أخذه بعد ذلك فانما استولى على ما ثبت فيه حق المسلمين فلا يختص به كما إذا استولي على مال بيت المال ولكن هذا اليد حكمية فتظهر في حق المسلمين ولا تظهر في حق أهل الحرب فلهذا إذا عاد إلى دار الحرب قبل أن يعلم به كان حرا حربيا علي حاله ولان الحق الثابت فيه ضعيف فهو بمنزلة حق الغانمين في دار الحرب وهناك من عاد من الاسرى إلى منعة أهل الحرب قبل الاحراز يكون حرا فهنا من عاد قبل أن يعلم به يكون حرا ولكنه لا يختص به الآخذ لثبوت الحق للجماعة

[ 94 ] فيه والثانى أن الآخذ انما تمكن منه بقوة المسلمين لانه رقبانى مثله يدفعه عن نفسه فانما صار قاهرا له بقوة المسلمين فلهذا لا يختص به ؟ وهو نظير السرية مع الجيش في دار الحرب فان السرية لا تختص بما أخذت لان تمكنهم بقوة الجيش فهذا مثله والمسلمون بمنزلة المدد للآخذ وتأكد الحق بالاخذ والاحراز وقد شاركوه في الاحراز وان اختص هو بالاخذ وقد بينا أن المدد يشاركون الجيش الا أن الاحراز هناك بعد الاخذ وههنا الاحراز سبق الاخذ فإذا شاركوه بالمشاركة في الاحراز بعد الاخذ فلان يشاركوه بالاحراز منهم قبل أخذه أولى وبه فارق الصيد والحطب لان تمكنه من هذه الاشياء لم يكن بقوة المسلمين إذ لا دفع في المال ولكن الطريق الاول أصح فان على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى إذا أسلم قبل أن يؤخذ فهو رقيق للمسلمين ومن أسلم قبل الاخذ فحريته تتأكد باسلامه كما لو أسلم في دار الحرب فلولا أنه صار مأخوذا بالدار لكان حرا إذا أسلم قبل أن يؤخذ وعندهما إذا أسلم قبل أن يؤخذ فهو حر لاسبيل عليه لان سبب الرق فيه الاخذ والمسلم لا يسترق فكان حرا ولو أسلم ثم رجع إلى دار الحرب قبل أن يؤخذ فهو حر بالاتفاق كما لو رجع قبل أن يسلم ثم في وجوب الخمس فيه إذا أخذ روايتان عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى في احدى الروايتين قال المأخوذ بمنعة الدار كالمأخوذ بمنعة الجيش يكون غنيمة يخمس وفى الرواية الاخرى قال الخمس فيما أوجف عليه المسلمون ولم يوجد ذلك ههنا فهو بمنزلة الجزية والخراج لا خمس فيها ولان الحق فيه لجماعة المسلمين يصرف إلى بيت المال فلا فائدة في ايجاب الخمس فيه وكذلك عن محمد رحمه الله تعالى روايتان في ايجاب الخمس فيه في احدى الروايتين جعله كالحطب والصيد فلا خمس فيه لانه ما أصيب بطريق فيه اعزاز الدين وفي الرواية الاخرى قال فيه الخمس بمنزلة الركاز وهذا لان الواجد انما أخذه بقوة المسلمين وأذن الامام له في ذلك فان الامام أذن في مثله لكل مسلم ولو أخذه في دار الحرب بهذا الطريق اختص به وكان فيه الخمس فكذلك إذا أخذه في دار الاسلام وان دخل الحرم قبل أن يؤخذ فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى يؤخذ ويكون فيئا للمسلمين لان حقهم ثبت فيه قبل أن يدخل الحرم فهو كعبد من عبيد بيت المال دخل الحرم وهذا لانه قبل أن يدخل الحرم كان يجوز قتله واسترقاقه فبدخوله الحرم استفاد الامن من القتل فيبقى حكم الرق فيه للمسلمين كما لو أسلم فأما عندهما لا يتعرض له في الحرم لانه لم يصر مأخوذا عندهما فهو حر مباح الدم

[ 95 ] التجأ إلى الحرم فلا يتعرض له في الحرم ولكن لا يطعم ولا يسقي ولا يؤوى حتى يخرج وقد بينا هذا في المناسك فان أسلم الحربي في الحرم قبل أن يخرج فهو حر عندهما لانه لم يصر مأخوذا بالدار فتتأكد حريته بالاسلام وليس لاحد أن يتعرض له بعد ذلك بشئ وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فداينهم أو داينوه أو غصبهم شيئا أو غصبوه لم يحكم فيما بينهم بذلك فانهم فعلوا ذلك حيث لا تجرى عليهم أحكام المسلمين أما إذا غصبهم فلان أموالهم في حقنا على أصل الاباحة وانما ضمن المستأمن لهم أن لا يخونهم وانما غدر بأمان نفسه دون أمان الامام فيفتى بالرد ولا يجبر عليه في الحكم وان غصبوه فقد غدروا بأمانهم حين لم يكونوا ملتزمين لحكم الاسلام ولو قتلوه لم يضمنوا فإذا أتلفوا ماله أو غصبوه شيئا أولى وهذا لانه عرض نفسه لذلك حين فارق منعة المسلمين ودخل إليهم فاما في المداينة فهم وان خرجوا بأمان لم يلتزموا أحكام المسلمين فلا تسمع الخصومة عليهم في مداينة كانت في دارهم ولا تسمع الخصومة على المسلم منهم أيضا لتحقيق معني التسوية بين الخصمين الاعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى فانه يقول تسمع الخصومة على المسلم لانه ملتزم أحكام الاسلام حيث ما يكون وان بايعهم المستأمن إليهم الدرهم بالدرهمين نقد أو نسيئة أو بايعهم في الخمر والخنزير والميتة فلا بأس بذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولايجوز شئ من ذلك في قول أبى يوسف رحمه الله لان المسلم ملتزم أحكام الاسلام حيثما يكون ومن حكم الاسلام حرمة هذا النوع من المعاملة ألا ترى أنه لو فعله مع المستأمنين منهم في دارنا لم يجز فكذلك في دار الحرب وهما يقولان هذا أخذ مال الكافر بطيبة نفسه ومعني هذا ان أموالهم على أصل الاباحة الا أنه ضمن أن لا يخونهم فهو يسترضيهم بهذه الاسباب للتحرز عن الغدر ثم يأخذ أموالهم بأصل الاباحة لا باعتبار العقد وبه فارق المستأمنين في دارنا لان أموالهم صارت معصومة بعقد الامان فلا يمكنه أخذها بحكم الاباحة والاخذ بهذه العقود الباطلة حرام وتمام هذه الفصول في كتاب الصرف وان قتل المسلم في دارنا حربيا مستأمنا عمدا أو خطأ أو قطع يده فلا قود عليه لبقاء شبهة الاباحة في دم المستأمن فانه حربى حكما فلا يمكن المساواة بينه وبين من هو أهل دارنا في العصمة والقصاص يعتمد المساواة ولكن عليه دية الحر المسلم لان أصل العصمة تثبت موجبة للتقوم في نفسه حين استأمن الينا ألاتري أن العصمة المتقومة تثبت في ماله بهذا القدر من الاحراز حتى يضمن بالاتلاف

[ 96 ] ففى نفسه أولى وصار حاله في قيمة نفسه كحال الذمي فكما يسوى بين دية الذمي والمسلم عندنا فكذلك يسوي بين دية المسلم والمستأمن والله أعلم بالصواب (باب نكاح أهل الحرب ودخول التجار إليهم بأمان) (قال) رضى الله عنه حربى تزوج امرأة حربية لها زوج ثم أسلما وخرجا إلى دارنا لم تحل له الا بنكاح جديد لان العقد الذى كان بينهما في دار الحرب لغو فانها كانت منكوحة الغير يومئذ ونكاح المنكوحة لا يحله أحد من أهل الاديان فكانا أجنبين حين أسلما فلا يحل له أن يطأها الا بنكاح جديد كما لو لم يسبق بينهما ذلك العقد في دار الحرب وإذا تزوج الحر الحربي أربع نسوة ثم سبى وسبين معه فلا نكاح بينه وبينهن سواء تزوجهن في عقدة أو في عقد لان الرق المعترض في الزوج ينافى نكاح الاربع بقاء وابتداء وليس بعضهن بأولى من البعض في التفريق بينه وبينها فتقع الفرقة بينه وبينهن كما لو تزوج رضيعتين فجاءت امرأة فارضعتهما ولافرق فالمنافي هناك عارض في المحل بعد صحة نكاحهما وهو الاختية وههنا عارض في الزوج بعد صحة نكاحهن فان كانت قد ماتت امرأتان منهن فنكاح الباقيتين جائز لانه حين استرق فليس في نكاحه الا اثنتين ورقه لا ينافي نكاح اثنتين ابتداء ولابقاء وقد تقدم بيان هذه الفصول في النكاح وذكرنا أنه يكره للمسلم ان يتزوج كتابية في دار الحرب ولا بأس له ان يتناول من ذبائح أهل الكتاب منهم وذلك منقول عن على رضى الله عنه ثم كراهة النكاح لمعنى كراهة التوطن فيهم أو مخافة ان يبقى له نسل في دار الحرب أو ما فيه من تعريض ولده للرق إذا سبيت والولد في بطنها وذلك لا يوجد في الذبائح وإذا قتل المسلم المستأمن في دار الحرب انسانا منهم أو استهلك ماله لم يلزمه غرم ذلك إذا خرجوا لانهم لو فعلوا ذلك به لم يلزمهم غرم فكذلك إذا فعل بهم وهذا لانهم غير ملتزمين أحكام الاسلام في دار الحرب حيث جرى ذلك بينهم وأكره للمسلم المستأمن إليهم في دينه أن يغدر بهم لان الغدر حرام قال ﷺ لكل غادر لواء ؟ يركز عند باب أسته يوم القيامة يعرف به غدرته فان غدر بهم وأخذ مالهم وأخرجه إلى دار الاسلام كرهت للمسلم شراءه منه إذا علم ذلك لانه حصله بكسب خبيث وفى الشراء منه اغراء له على مثل هذا السبب وهو مكروه للمسلم والاصل فيه حديث المغيرة بن شعبة رضى الله عنه حين قتل أصحابه وجاء بمالهم إلى المدينة فأسلم وطلب من رسول

[ 97 ] الله ﷺ أن يخمس ماله فقال أما اسلامك فمقبول وأما مالك فمال غدر فلا حاجة لنا فيه فان اشتراه أجزته لانه صار مالكا للمال بالاحراز والنهى عن الشراء منه ليس لمعنى في عين الشراء فلا يمنع جوازه وان كانت جارية كرهت للمشترى وان يطأها لانه قائم فيها مقام البائع وكان يكره للبائع وطئها فكذلك للمشترى وهذا بخلاف المشتراة شراء فاسدا إذا باعها المشترى جاز للثاني وطئها بعد الاستبراء لان الكراهة في حق الاول لبقاء حق البائع في الاسترداد وقد زال بالبيع الثاني وههنا الكراهة لمعني الغدر وكونه مأمورا بردها عليهم دينا وهذا المعنى في حق الثاني كهو في حق الاول فان أصاب أهل هذه الدار سبايا من غيرهم من أهل الحرب وسع هذا المسلم أن يشتريها منهم لانهم ملكوا ذلك بالاحراز بمنعتهم فانهم نهبة يملك بعضهم على بعض نفسه وماله بالاحراز فحل للمستأمن إليهم شراء ذلك منهم كسائر أموالهم وكذلك ان سبى أهل الدار التى هو فيها جاز له أن يشتريهم من السابين لانهم ملكوهم بالاحراز وقد كانوا على أصل الاباحة في حقه انما كان الواجب عليه أن لا يغدر بهم وليس ذلك من الغدر في شئ وكذلك لو أن المسلمين وادعوا قوما من أهل الحرب ثم أغار عليهم قوم آخرون أهل حرب لهم فلهذا المسلم أن يشترى السبي منهم لانهم بالموادعة ما خرجوا من أن يكونوا أهل حرب ولكن علينا أن لا نغدر بهم وقد صاروا مملوكين للسابى بالاحراز فيجوز شراؤه منهم كسائر الاموال وان كان الذين سبوهم قوم من المسلمين غدروا بأهل الموادعة لم يسمع المسلمون أن يشتروا من ذلك السبي وان اشتروا رددت البيع لانهم كانوا في أمان من المسلمين فان أمان بعض المسلمين كأمان الجماعة ولا يملك المسلمون رقاب المستأمنين وأموالهم بالاحراز وهذا بخلاف مالو كان دخل إليهم رجل بأمان ثم استولى عليهم المسلمون لان هناك المسلم ما أمنهم ولكنهم أمنوه وكيف يقال قد أمنهم وهو مقهور غير ممتنع منهم فلهذا حل للمسلمين سبيهم وههنا هم في أمان من المسلمين لانه أمنهم من له منعة من المسلمين وإذا كان قوم من المسلمين مستأمنين في دار الحرب فأغار على تلك الدار قوم من أهل الحرب لم يحل لهؤلاء المسلمين أن يقاتلوهم لان في القتال تعريض النفس فلا يحل ذلك الا على وجه اعلاء كلمة الله عزوجل واعزاز الدين وذلك لا يوجد ههنا لان أحكام أهل الشرك غالبة فيهم فلا يستطيع المسلمون أن يحكموا بأحكام أهل الاسلام فكان قتالهم في الصورة

[ 98 ] لاعلاء كلمة الشرك وذلك لا يحل الا أن يخافوا على أنفسهم من أولئك فحينئذ لا بأس بأن يقاتلوهم للدفع عن أنفسهم لا لاعلاء كلمة الشرك والاصل فيه حديث جعفر رضى الله عنه فانه قاتل بالحبشة مع العدو الذى كان قصد النجاشي وانما فعل ذلك لانه لما كان مع المسلمين يومئذ آمنا عند النجاشي فكان يخاف على نفسه وعلى المسلمين من غيره فعرفنا أنه لا بأس بذلك عند الخوف وان أغار أهل الحرب الذي فيهم المسلمون المستأمنون على دار من المسلمين فأسروا ذرارى المسلمين إذا كانوا يطيقون القتال لانهم ما ملكوا ذرارى المسلمين بالاحراز فهم ظالمون في استرقاقهم والمستأمنون ما ضمنوا لهم التقرير على الظلم فلا يسعهم الا قتالهم لاستنقاذ ذراري المسلمين من أيديهم بخلاف الاموال لانهم ملكوها بالاحراز وقد ضمن المستأمنون أن لا يتعرضوا لهم في أموالهم وكذلك ان كانوا أغاروا على الخوارج وسبوا ذراريهم لانهم مسلمون فلا تملك ذراريهم بالاحراز بدار الحرب وكذلك ان كان في بلاد الخوارج الذين أغار عليهم أهل الحرب قوم من أهل العدل لم يسعهم الا أن يقاتلوا عن بيضة المسلمين وحريمهم لان الخوارج مسلمون ففي القتال معهم اعزاز الدين ولانهم بهذا القتال يدفعون أهل الحرب عن المسلمين ودفع أهل الحرب عن المسلمين واجب على كل من يقدر عليه فلهذا لا يسعهم الا أن يقاتلوهم والله سبحانه وتعالى أعلم (باب المرتدين) (قال) رضى الله عنه وإذا ارتد المسلم عرض عليه الاسلام فان أسلم والاقتل مكانه الا أن يطلب أن يؤجل فإذا طلب ذلك أجل ثلاثة أيام والاصل في وجوب قتل المرتدين قوله تعالى أو يسلمون قيل الآية في المرتدين وقال ﷺ من بدل دينه فاقتلوه وقتل المرتد على ردته مروى عن على وابن مسعود ومعاذ وغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم وهذا لان المرتد بمنزلة مشركي العرب أو أغلظ منهم جناية فانهم قرابة رسول الله ﷺ والقرآن نزل بلغتهم ولم يراعوا حق ذلك حين أشركوا وهذا المرتد كان من أهل دين رسول الله ﷺ وقد عرف محاسن شريعته ثم لم يراع ذلك حين ارتد فكما لا يقبل من مشركي العرب الا السيف أو الاسلام فكذلك من المرتدين الا أنه إذا طلب التأجيل أجل ثلاثة أيام لان الظاهر أنه دخل عليه شبهة ارتد لاجلها فعلينا ازالة تلك الشبهة أو هو يحتاج إلى

[ 99 ] التفكر ليتبين له الحق فلا يكون ذلك الا بمهلة فان استمهل كان على الامام ان يمهله ومدة النظر مقدرة بثلاثة أيام في الشرع كما في الخيار فلهذا يمهله ثلاثة أيام لا يزيده على ذلك وان لم يطلب التأجيل يقتل من ساعته في ظاهر الرواية وفى النوادر عن أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى أنه يستحب للامام أن يؤجله ثلاثة أيام طلب ذلك أو لم يطلب وقال الشافعي رحمه الله تعالى يجب على الامام أن يؤجله ثلاثة أيام ولا يحل له أن يقتله قبل ذلك لما روى أن رجلا قدم على عمر رضى الله عنه فقال له هل من مغربة خبر فقال نعم رجل كفر بعد ايمانه فقال ماذا صنعتم به قال قدمناه فضربنا عنقه فقال هلا طينتم عليه الباب ثلاثة أيام ورميتم إليه كل يوم برغيف فلعله أن يتوب ويراجع الحق ثم رفع يديه وقال اللهم انى لم أشهد ولم أرض إذ بلغني وقد روى هذا الحديث بطريق آخر أن عمر رضى الله عنه قال لو وليت منه مثل الذى وليتم لاستتبته ثلاثة أيام فان تاب والا قتلته فهذا دليل أنه يستحب الامهال وتأويل اللفظ الاول أنه لعله كان طلب التأجيل إذ كان في ذلك الوقت فقد كان فيهم من هو حديث عهد بالاسلام فربما يظهر له شبهة ويتوب إذا رفعت شبهته فلهذا كره ترك الامهال والاستتابة فأما في زماننا فقد استقرحكم الدين وتبين الحق فالاشراك بعد ذلك قد يكون تعنتا وقد يكون لشبهة دخلت عليه وعلامة ذلك طلب التأجيل وإذا لم يطلب ذلك فالظاهر أنه متعنت في ذلك فلا بأس بقتله الا أنه يستحب أن يستتاب لانه بمنزلة كافر قد بلغته الدعوة وتجديد الدعوة في حق مثله مستحب وليس بواجب فهذا كذلك قال استتيب فتاب خلى سبيله ولكن توبته أن يأتي بكلمة الشهادة ويتبرأ عن الاديان كلها سوى الاسلام أو يتبرى عما كان انتقل إليه فان تمام الاسلام من اليهودي التبرى عن اليهودية ومن النصراني التبرى عن النصرانية ومن المرتد التبرى عن كل ملة سوى الاسلام لانه ليس للمرتد ملة منفعة وان تبرأ عما انتقل إليه فقد حصل ما هو المقصود فان ارتد ثانيا وثالثا فكذلك يفعل به في كل مرة فإذا أسلم خلى سبيله لقوله تعالى فان تابوا ؟ وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وكان علي وابن عمر رضى الله عنهما يقولان إذا ارتد رابعا لم تقبل توبته بعد ذلك ولكن يقتل على كل حال لانه ظهر أنه مستخف مستهزئ وليس بتائب واستدلا بقوله عز وجل ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولكنا نقول الآية في حق من ازداد كفر الا في حق من آمن وأظهر التوبة والخشوع فحاله في


[ 100 ]

المرة الرابعة كحاله قبل ذلك وإذا أسلم يجب قبول ذلك منه لقوله تعالى ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا وروى أن أسامة بن زيد رضى الله عنه حمل على رجل من المشركين فقال لا اله الا الله فقتله فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال أقتلت رجلا قال لا اله الا الله من لك بلا إله الا الله يوم القيامة فقال انما قالها تعوذا فقال هلا شققت عن قلبه فقال لو فعلت ذلك ماكان يتبين لى فقال ﷺ فانما يعبر عن قلبه لسانه الا أنه ذكر في النوادر أنه إذا تكرر ذلك منه يضرب ضربا مبرحا لجنايته ثم يحبس إلى ان يظهر توبته وخشوعه وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه إذا فعل ذلك مرارا يقتل غيلة وهو أن ينتظر فإذا أظهر كلمة الشرك قتل قبل أن يستتاب لانه قد ظهر منه الاستخفاف وقتل الكافر الذى بلغته الدعوة قبل الاستتابة جائز فان أبى المرتد أن يسلم فقتل كان ميراثه بين ورثته المسلمين على فرائض الله تعالى في قول علمائنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ماله فئ يوضع في بيت مال المسلمين لقوله صلي الله عليه وسلم لا يرث المسلم الكافر والمرتد كافر فلا يرثه المسلم ولان المرتد لا يرث أحدا فلا يرثه أحد كالرقيق يوضحه أنه لا يرثه من يوافقه في الملة والموافقة في الملة سبب التوريث والمخالفة في الملة سبب الحرمان فلما لم يرثه من يوافقه في الملة مع وجود سبب التوريث فلان لا يرثه من يخالفه في الملة أولى وإذا انتفي التوريث عن ماله فهو في أحد الوجهين لانه مال حربى لاأمان له فيكون فيئا للمسلمين وفى الوجه الآخر هو مال ضائع فمصيبه بيت المال كالذمي إذا مات ولا وارث له من الكفار يوضع ماله في بيت المال (وحجتنا) في ذلك ظاهر قوله تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك والمرتد هالك لانه ارتكب جريمة استحق بها نفسه فيكون هالكا ولما مات عبد الله بن أبي سلول جعل رسول الله ﷺ ماله لورثته المسلمين وهو كان مرتدا وان كان منافقا فقد شهد الله بكفره بعد الايمان وفيه نزل قوله تعالي ان الذين آمنوا ثم كفروا وان عليا رضى الله عنه قتل المستورد العجلى على الردة وقسم ماله بين ورثته المسلمين وذلك مروي عن ابن مسعود ومعاذ رضى الله تعالى عنهما والمعنى فيه أنه كان مسلما مالكا لماله فإذا تم هلاكه يخلفه وارثه في ماله كما لو مات المسلم وتحقيق هذا الكلام أن الردة هلاك فانه يصير به حربا وأهل الحرب في حق المسلمين كالموتى الا أن تمام هلاكه حقيقة بالقتل أو الموت فإذا تم ذلك استند التوريث إلى أول الردة وقد كان مسلما عند ذلك