الرئيسيةبحث

مبسوط السرخسي - الجزء السابع عشر2

[ 83 ]

لان البينات استوت في اثبات النسب وفى الحر زيادة اثبات الحرية للولد فان لم يدعه الحر وانما ادعاه العبد والمكاتب فانى أقضى به للمكاتب لان في بينته زيادة فان ولد المكاتبة يكون مكاتبا والكتابة تفسد العتق ويثبت به للمكاتب ملك اليد والمكاتب فكان المثبت للزيادة من البينتين أولى. قال ولو ادعى نصراني ويهودى ومجوسى وأقام كل واحد منهم البينة قضيت به لليهودي والنصراني لان دين اليهودي والنصراني إذا قوبل بدين المجوسى فدين المجوسى شر منه (ألا ترى) أن ذبائح اليهود والنصارى تحل وكذلك مناكحتهن ولا تحل ذبائح المجوسى ومناكحتهن للمسلمين فكان حال اليهودي والنصراني مع المجوسى كحال المسلم مع اليهودي ولهذا قلنا ان المولود بين المجوسى والكتابي يكون بمنزلة الكتابى تحل ذبيحته وعلى قول زفر والشافعي رحمهما الله لا تترجح البينة في هذه المواضع بالدين اعتبار الدعوى النسب بدعوى الملك. ولو ادعى مسلم وكافر ملكا وأقاما البينة أو كتابي أو مجوسي وأقاما البينة لم تترجح أحدهما ولكنا نقول في دعوى الملكين ليس في بينة أحدهما زيادة لان المسلم والكافر يستويان فأما في النسب في احدى البينتين زيادة منفعة للولد فتترجح تلك البينة لهذا. قال ولو ادعى عبد مسلم انه ابنه ولد على فراشه من هذه الامة وادعى حر ذمى انه ابنه ولد على فراشه من امرأته هذه يقضى للحر الذمي لان في بينته اثبات الحرية للولد وذلك منفعة عاجلا ولانه إذا بلغ لا يمكنه اكتساب الحرية لنفسه ولعل الله تعالى يهديه فيسلم بنفسه وكان ترجيح جانب الحرية أولى في حقه. قال صبي في يد رجل لا يدعيه فأقامت امرأة البينة انه ابنها ولدته وأقام رجل البينة انه ابنه ولد على فراشه ولم يسموا أمه جعلته ابن الرجل والمرأة لان العمل بالبينتين ممكن فان الولد يكون ثابت النسب من الرجل والمرأة جميعا وكذلك لو كان في يد المرأة وليس في قبول بينتها ما يدفع بينة الرجل فقضينا بالنسب منهما ومن ضرورته القضاء بالفراش بينهما وما ثبت لضرورة الشهادة فهو كالمشهود به والله أعلم بالصواب (باب دعوي الرهط في الدار) (قال رحمه الله دار في يد رجل ادعاها رجل جميعا وأقام البينة وادعى آخر نصفها وأقام البينة قال أبو حنيفة رحمه الله يقسم بين المدعيين على طريق المنازعة ارباعا ثلاثة ارباعها لمدعي الجميع وربعها لمدعى النصف. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يقسم على طريق العول والمضاربة

[ 84 ] أثلاثا) ولهذا نظائر واضداد ومن نظائرها الموصى له بجمع المال وبنصفه عند اجازة الورثة والموصي له بعين مع الموصى له بنصف ذلك العين إذا لم يكن للميت سواه ومن اضدادها العبد المأذون المشترك إذا ادانه أحد الموليين مائة وأجنبي مائة ثم بيع بمائة فالقسمة بين المدين والاجنبي عند أبى حنيفة رحمه الله بطريق العول اثلاثا وعندهما بطريق المنازعة ارباعا وكذلك المدبر إذا قتل رجلا خطأ وفقأ عين آخر وغرم المولي قيمته لهما وكذلك العبد إذا قتل رجلا عمدا وآخر خطأ وللمقتول عمدا ابنان فعفا أحدهما ثم دفع العبد بالجنايتين ومما اتفقوا على ان القسمة فيه بطريق العول التركة بين الورثة والغرماء وضاقت التركة عن ايفاء حقوقهم والموصى له بالثلث والموصى له بالسدص إذا لم تجز الورثة ومما اتفقوا على أن القسمة فيه بطريق المنازعة فضولي باع عبد رجل بغير أمره وباع فضولي آخر نصفه فأجاز المولى البعين فالقسمة بين المشتريين بطريق المنازعة أرباعا وأصل أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ان قسمة العين متى وجبت بسبب حق في العين كانت السقمة على طريق العول فالتركة بين الورثة ومتى وجبت بسبب حق كان في العين كالاصل فالقسمة على طريق المنازعة كما في بيع الفضولي فان حق كل واحد من المشتريين كان في الثمن يتحول بالشراء إلى المبيع وفى مسألة الدعوى حق كل واحد من المدعيين في العين فكانت القسمة علي طريق العول لمعنى ان حق كل واحد منهما شائع في العين فما من جزء منه الا وصاحب القليل مزاحم فيه صاحب الكثير بنصيبه فلهذا كانت القسمة بطريق العول والاصل عند أبى حنيفة رحمه الله ان كل واحد منهما إذا كان يدلى بسبب صحيح معلوم فالقسمة على طريق العول كالورثة في التركة وإذا كان يدلي لا بسبب صحيح ثابت فالقسمة على طريق المنازعة ومالا منازعة فيه لصاحب القليل يسلم لصاحب الكثير في بيع الفضولين فان بيع كل واحد منهما غير صحيح قبل اجازة المالك وهذا لان المضاربة انما يصار إليها عند الضرورة وذلك عند قوة السبب واستواء السببين في صفة الصحة ففى مسألة الدعوى سبب استحقاق كل واحد منهما الشهادة وهى لا توجب شيئا قبل اتصال القضاء فلم يكن كل واحد من السببين معلوم الصحة فلهذا كانت القسمة على طريق المنازعة وما قال يبطل بحق الغرماء في التركة فان قسمة العين بسبب حق كان في الذمة ومع ذلك كانت القسمة عوليا. قال فان كان المدعون ثلاثة يدعى أحدهم جميعها والآخر نصفها والآخر ثلثها وأقاموا البينة فعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله القسمة بطريق العول فتكون أصل المسألة

[ 85 ] من ستة يضرب مدعى الكل بسهام الدار ستة ومدعى الثلثين بسهام الثلثين أربعة ومدعى النصف بثلاثة فيقسم الدار بينهم على ثلاثة عشر سهما وعند أبى حنيفة رحمه الله القسمة بطريق المنازعة ولا منازعة لصاحب النصف والثلثين فيما زاد على الثلثين وصاحب الجميع يدعي ذلك فيسلم له بلا منازعة وما زاد على النصف إلى تمام الثلثين لا منازعة فيه لصاحب النصف فيكون بين صاحب الجميع والثلثين نصفين يبقى ستة استوت منازعتهم فيه فكان بينهم أثلاثا فيسلم لمدعى النصف سدس الدار ولمدعى الثلثين ربع الدار ولمدعي الجميع ما بقى وذلك سبعة أسهم من اثنى عشر. قال ولو كانت الدار في يد رجلين فادعى أحدهما نصفها والاخر جميعها فالبينة على مدعى الجميع لان دعوى كل واحد منهما منصرف إلى ما في يده أولا ليكون يده محقة في حقه وهذا لان حمل أمور المسلمين على الصحة واجب فصاحب النصف لا يدعى شيئا مما في يد صاحب الجميع وصاحب الجميع يدعى شيئا مما في يد صاحب النصف فعليه اثباته بالبينة فان أقاما البينة فالدار كلها لصاحب الجميع لانه ان اجتمع بينة الخارج وبينة ذى اليد فيما في يد صاحب النصف فبينة الخارج أولى بالقبول. قال ولو كانت الدار في يد ثلاثة نفر فادعى أحدهم جميعها والآخر ثلثيها والآخر نصفها وأقاموا البينة واستحلف كل واحد منهم ونكل فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله القسمة على طريق المنازعة بينهم فتكون من أربعة وعشرين سهما لان في يد كل واحد منهم ثلث الدار ودعوى كل واحد منهم ينصرف إلى ما في يده ثم فيما فضل في ذلك إلى ما في يد صاحبه لانه ليس أحدهما بأولى به من الآخر ولا بينة لكل واحد منهم فيما في يده فأما الثلث الذى في يد صاحب النصف لا بينة له في ذلك وصاحب الجميع يدعى الجميع وصاحب النصف يدعى الثلثين لانه يدعى الثلثين ثلث في يده وثلث في يد صاحبه فيكون دعواه فيما في يد كل واحد منهما نصف الثلث فيسلم نصف هذا الثلث لصاحب الجميع بلا منازعة والنصف الآخر بينهما نصفان لاستواء منازعتهما فيه فصار هذا الثلث على أربعة والثلث الذى في يد صاحب الثلثين صاحب الجميع يدعى جميعه وصاحب النصف يدعى ربعه لانه يدعى النصف والثلث في يده فانما بقى الثلث في يد صاحبه فكان دعواه في يد كل واحد منهما نصف السدس وذلك ربع ما في يديه فثلاثة ارباع ما في يده سالم لصاحب الجميع واستوت منازعتهما في الربع فكان بينهما نصفين وما في يد صاحب الجميع يدعى صاحب الثلثين نصفه وصاحب النصف ربعه وفى المال سعة فيأخذ كل واحد منهما

[ 86 ] بقدر ما ادعاه فان جعلت سهام الدار على أربعة وعشرين كان في يد كل واحد منهم ثمانية والسالم لصاحب الجميع مما في يد صاحب النصف ستة ثلاثة ارباع ما في يده وله مما في يد صاحب الثلثين سبعة ويبقى له مما كان في يده سهمان فجملة ما سلم له خمسة عشر وصاحب الثلثين أخذ مما في يد صاحب الجميع أربعة ومما يد صاحب النصف سهمين وذلك ستة فهو له وصاحب النصف أخذ مما في يد صاحب الجميع سهمين ومما في يد صاحب الثلثين سهما فإذا جمعت بين هذه السهام كانت أربعة وعشرين وعندهما القسمة على طريق العول فصاحب الجميع يضرب فيما في يد صاحب النصف بالجميع وصاحب الثلثين بالنصف فصار هذا الثلث أثلاثا وصاحب الجميع فيما في يد صاحب الثلثين بالجميع وصاحب النصف بالربع فصار هذا الثلث أخماسا وصاحب النصف يأخذ مما في يد صاحب الجميع الربع وصاحب الثلثين يأخذ النصف فصار هذا الثلث ارباعا فقد وقع الكسر بالاثلاث والارباع والاخماس فاضرب خمسة في ثلاثة فيكون خمسة عشر ثم في أربعة فيكون ستين فصار كل ثلث من الدار على ستين سهما فيكون جميعها مائة وثمانين فما في يد صاحب النصف وذلك ستون سهما لصاحب الجميع ثلثاه أربعون وصاحب الثلثين عشرون وما في يد صاحب الثلثين لصاحب النصف خمسة وذلك اثنا عشر ولصاحب الثلث أربعة اخماسه ثمانية وأربعون ويأخذ صاحب النصف مما في يد صاحب الجميع ربعه خمسة عشر وصاحب الثلثين النصف ثلاثين فيبقى في يد صاحب الجميع خمسة عشر وقد وصل إليه من يد الآخرين ثمانية وثمانون وذلك مائة وثلاثة أسهم فذلك نصيبه وصاحب الثلاثين أخذ من يد صاحب الجميع ثلاثين ومن يد صاحب النصف عشرين وذلك خمسون وصاحب النصف أخذ من يد صاحب الثلثين اثنى عشر ومن يد صاحب الجميع خمسة عشر فيكون سبعة وعشرون فإذا جمعت بين هذه السهام كانت مائة وثمانين مثل سهام الدار فاستقام. قال دار في يدر رجل منها منزل وفى يد آخر منها منزل فادعى أحدهما الدر بينهما نصفين وقال الآخر هي كلها لى وأقاما البينة فلمدعى الكل المنزل الذى في يده ونصف المنزل الذى في يد الآخر لان دعوى الآخر في نصف شائع فانما يدعى هو نصف ما في يده ولا دعوى له في النصف الآخر ومدعى الجميع يدعى ذلك لنفسه فيأخذه لانه لا منازع له ومدعى النصف يدعى نصف المنزل الذي في يد مدعى الجميع وهو ينازعه في ذلك فلا يستحقه الا بحجة. قال ولو كانت الدار كلها في أيديهما ولم يعرف شئ منها في يد واحد منهما فهى بينهما نصفان لان

[ 87 ] مدعى النصف تنصرف دعواه الا مافى يده فلا يستحق الآخر عليه شيأ من ذلك الا بحجة وان كان سفلها في يد رجل وعلوها في يد آخر وطريق العلو في الساحة فادعى كل واحد منهما أن الدار له فالدار لصاحب السفل الا العلو وطريقه فانه لصاحب العلو لان العلو في يد صاحب العلو وكذلك طريقه في السفل فانه مستعمل له بالتطرق فيه إلى علوه فأما السفل والساحة ففى يد صاحب السفل لان هو المستعمل للساحة بوضع أمتعته وصب وضوئه وكسر حطبه فيه فالقول فيه قوله وان أقاما البينة فلكل واحد منهما مافى يد صاحبه ترجيحا لبينة الخارج على بينة ذى اليد في دعوى الملك. قال ولو كانت الدار في يد ثلاثة فادعي أحدهم النصف والآخر الثلث والثالث السدس وجحد بعضهم دعوي البعض فان في يد كل واحد منهم الثلث فالثلث الذي في يد مدعي السدس له نصفه لانه لا يدعى أكثر من ذلك والصنف الآخر موقوف عنده فان قامت البينة لصاحب النصف أخذ من يد كل واحد من صاحبيه نصف سدس الدار لانه يدعى النصف وفي يده الثلث فما زاد عليه إلى تمام النصف وهو السدس يدعيه وفي يد صاحبيه إذ ليس أحدهما يصرف دعواه إلى ما في يده باولى من الآخر فإذا أثبت ذلك بالبينة أخذ من يد كل واحد منهما نصف السدس ولا يقال أن نصف ما في يدمدعى السدس هو لا يدعيه فينبغي أن ينصرف دعوى مدعي النصف إليه حتى يأخذ كل ذلك السدس من غير اقامة البينة عليه لوجهين أحدهما أنه يدعى بعض ذلك في يد صاحب الثلث فكيف يأخذه من يد مدعى السدس وهو انما يدعيه في يد غيره والثانى أن باعتبار دعواه شيئا مما في يد صاحب الثلث كان صاحب الثلث منازعا له في هذا السدس الذى في يد صاحب السدس وهو لا يدعيه ومع تمكن المنازعة لا يتمكن من أخذه الا بحجة والله أعلم بالصواب (باب دعوى الحائط والطريق) (قال رحمه وإذا كان الحائط بين دارين فادعاه صاحب كل واحد من الدارين فان كان لاحدهما عليه جذوع وليس للآخر عليه جذوع فهو لصاحب الجذوع عندنا وقال الشافعي رحمه الله لا يستحق بوضع الجذوع ترجيحا على صاحبه) لان وضع الجذوع محتمل قد يكون عن ملك وقد يكون عن استعارة وقد يكون عن غصب والمحتمل لا يكون حجة ولنا أن واضع الجذوع مستعمل للحائط بوضع حمله عليه والاستعمال يد وعند تعارض

[ 88 ] الدعوتين القول قول صاحب اليد كما لو تنازعا في دابة لاحدهما عليها حمل كان هو أولى بها ولان الظاهر شاهد له ولان وضعه الجذوع دليل على أنه بنى الحائط لحاجته إذا وضع حمله عليه ومثل هذه العلامة تثبت الترجيح كما إذا اختلف الزوجان في متاع البيت يجعل ما يصلح للرجل للرجل وما يصلح للنساء للمرأة وان كان لاحدهما عليه هو ادى أو بواري لا يستحق به شيئا لان هذا ليس بجهل مقصود بنى الحائط لاجله فلا يثبت به الترجيح كما لو تنازعا في دابة ولا حدهما عليه مخلاة علقها لا يستحق به الترجيح بخلاف الجذوع فانه حمل مقصود يبنى الحائط لاجله فيثبت له اليد باعتباره وكذلك ان كان لاحدهما عليه جذوع أو اتصال وللآخر بوارى فهو لصاحب الجذوع والاتصال وان كان لاحدهما عليه جذوع وللآخر اتصال فصاحب الجذع أولى ومراده من هذا مداخلة انصاف اللبن بعضها في بعض إذا كان من أحد الجانبين هذا النوع من الاتصال ببناء أحدهما لان وضع الجذوع استعمال للحائط والاتصال مجاورة واليد تثبت بالاستعمال دون المجاورة فكان صاحب الجذوع أولى كما لو تنازعا في دابة واحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها فالراكب أولى وذكر الطحاوي رحمه الله أن صاحب الاتصال أولى لان الكل صار في حكم حائط واحد فهذا النوع من الاتصال في بعضه متفق عليه لاحدهما فيرد المختلف فيه إلى المتفق عليه ولان الظاهر أنه هو الذي بناه مع حائطه فمداخلة انصاف للبن لا يتصور الا عند بناء لحائطين معا فكان هو أولى. قال في الكتاب الا أن يكون اتصال تربيع بيت أو دار فيكون لصاحب الاتصال حينئذ وكان الكرخي رحمه الله يقول صفة هذا الاتصال أن يكون هذا الحائط المتنازع من الجانبين جميعا متصلا بحائطين لاحدهما والحائطان متصلان بحائط له بمقابلة الحائط المتنازع حتى يصير مربعا شبه القبة فحينئذ يكون الكل في حكم شئ واحد فصاحب الاتصال أولى والمروى عن أبى يوسف رحمه الله أن المعتبر اتصال جانبي الحائط المتنازع بحائطين لاحدهما فأما اتصال الحائطين بحائط أخرى غير معتبر وعليه أكثر مشايخنا رحمهم الله لان الترجيح انما يقع له يكون ملكه محيطا بالحائط المتنازع من الجانبين وذلك يتم بالاتصال بجانبي الحائط المتنازع ولصاحب الجذوع موضع جذوعه لان استحقاق صاحب الاتصال بالظاهر وهو حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق على الغير فلا يستحق به على صاحب الجذوع رفع جذوعه فان (قيل) لما قضى بالحائط لصاحب الاتصال فينبغي أن يأمر الآخر برفع الجذع لانه حمل موضوع

[ 89 ] له في ملك الغير بغير سبب ظاهر لاستحقاقه كما لو تنازعا في دابة ولاحدهما عليها حمل وللاخر مخلاة يقضى لصاحب الحمل ويؤمر الآخر برفع المخلاة قلنا لان وضع المخلاة على دابة الغير لا يكون مستحقا له في الاصل بسبب فكان من ضرورة القضاء بالدابة لصاحب الحمل أمر الآخر برفع المخلاة فأما هنا فقد يثبت له حق وضع الجذوع على حائط لغيره بأن كان ذلك مشروطا في أصل القسمة فليس من ضرورة الحكم لصاحب الاتصال استحقاق رفع الجذوع على الآخر وهذا بخلاف ما لو أقام أحدهما البينة وقضي له به يؤمر الآخر برفع جذوعه لان البينة حجة للاستحقاق فيستحق صاحبها رفع جذوعه عن ملكه وان لم يكن متصلا ببناء أحدهما ولم يكن عليه جذوع فهو بينهما نصفان لاستوائهما فيه في اليد حكما فانه بكونه بين داريهما يثبت لكل واحد منهما عليه اليد حكما وان كان لاحدهما عليه عشر خشبات وللآخر عليه خشبة واحدة فلكل واحد منهما ما تحت خشبته ولا يكون بينهما نصفان استحسن ذلك في الخشبة والخشبتين وهكذا ذكر في كتاب الصلح. وقال في كتاب الاقرار الحائط كله لصاحب عشر خشبات الا موضع الخشبة فانه لصاحبها وروى بشر عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهم الله ان الحائط بينهما نصفان وهو قول أبى يوسف رحمه الله وهو القياس ووجهه ان الاستعمال بموضوع الخشبة يثبت يد صاحبها عليه فصاحب القليل فيه يستوى بصاحب الكثير كما لو تنازعا في ثوب عامته في يد احدهما فطرف منه في يد الآخر كان بينهما نصفين ووجه رواية كتاب الاقرار لصاحب العشر خشبات عليه حمل مقصود يبنى الحائط لاجله وليس لصاحب الخشبة الواحدة مثل ذلك ولان الحائط لا يبنى لاجل خشبة واحدة عادة وانما ينصب لاجلها اسطوانة فكان صاحب العشر خشبات أولى به كما في الدابة إذا كان لاحدهما عليها حمل مقصود وللآخر مخلاة يقضى بها لصاحب الحمل الا أنه لا يرفع خشبة الآخر لان استحقاق صاحب الخشبات باعتبار الظاهر يستحق به رفع الخشبة على الآخر وأما وجه رواية كتاب الدعوى ان الاستحقاق باعتبار وضع الخشبة فيثبت لكل واحد منهما الملك فيما تحت خشبته لوجود سبب الاستحقاق به في ذلك الموضع فأما ما بين الخشبات لم يذكر في الكتاب انه يقضى به لايهما لان من أصحابنا رحمهم الله من قال يقضى بالكل بينهما على احدى عشر سهما عشرة لصاحب الخشبات وسهم لصاحب الخشبة الواحدة اعتبار لما بين الخشبات بما هو تحت كل خشبة من الحائط وأكبرهم على انه يقضى به لصاحب العشر

[ 90 ] خشبات لان استحقاق الآخر بالخشبة لا بعلامة يستدل بها على انه هو الذى بنى الحائط أو للآخر عليه علامة يستدل بها على انه هو الذى بنى الحائط فان الحائط يبنى لوضع عشر خشبات لا لوضع خشبة واحدة فلهذا كان الكل لصاحب الخشبات الا موضع الخشبة الواحدة لضرورة استعمال صاحبها والثابت بالضرورة لا يعدو مواضعها وان كان لاحدهما عليه عشر خشبات وللآخر ثلاث خشبات فصاعدا قضى به بينهما نصفان اعتبارا لادنى الجمع بأقصاه وهذا لان لكل واحد منهما عليه حمل مقصود يبنى الحائط لاجله فلا يعتبر التفاوت بعد ذلك في القلة والكثرة كما لو تناعا في دابة ولاحدهما عليه خمسون منا وللآخر مائة من كانت بينهما نصفين وان كان لاحدهما عليه خشب وللآخر عليه حائط سترة فالحائط الاسفل لصاحب الخشب لكونه مستعملا له بوضع حمل مقصود عليه ولصاحب السترة السترة على حالها لان بالظاهر لا يستحق رفعه سترة الآخر بمنزلة سفل لاحدهما وعليه علو لآخر وان كان لاحدهما عليه سترة وليس للآخر عليه شئ يقضى به لصاحب السترة لان الحائط قد يبنى لاجل السترة فكانت هذه علامة لاستحقاق صاحبها وهذا بخلاف الهوادى فان الحائط لا يبنى لاجله فلا يستحق صاحبه به الترجيح. قال وإذا كان جص بين دارين يدعيه كل واحد من صاحبي الدارين والقمط إلى أحدهما قضى به بينهما نصفان في قول أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يقضي لمن عليه القمط واستدل بحديث دهيم بن قران ان رجلين اختصما في جص فبعث رسول الله صلي الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضى الله عنه ليقضى بينهما فقضى بالجص لمن إليه القمط ثم أخبر بذلك رسول الله ﷺ فاستصوبه وأبو حنيفة رحمه الله احتج فقال نفس القمط متنازع فيه فلا يجوز أن يجعل ذلك دليل الملك لاحدهما وهو المتنازع فيه بعينه ولان الانسان قد يتخذ جصا ويجعل القمط إلى جانب جاره ليكون جانبه مستويا فيطيينه ويجصصه وتأويل الحديث ان صاحب القمط أقام البينة حين تحاكما فقضى له حذيفة رضى الله عنه بالبينة وذكر القمط علي سبيل التعريف كما يقال قضى لصاحب العمامة والطيلسان وكذلك لو اختلفا في حائط ووجهه إلى أحدهما وظهره إلى الآخر فهو بينهما عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما يقضي لمن كان إليه ظهر البناء وانصاف اللبن لان العادة ان الانسان يجعل ظهر البناء إلى جانب نفسه ليكون مستوبا وأبو حنيفة رحمه الله يقول هذه العادة مشتركة قد يجعلها إلى جانب جاره وقد يجعلها إلى الطريق فلا يكون ذلك دليل انعدام ملكه في الحائط

[ 91 ] وكذلك ان كانت الطاقات إلى أحدهما فالحاصل ان ظهر البناء كله متنازع فلا يمكن جعله دليلا للحكم به لاحدهما. قال وإذا كان سفل الحائط لرجل وعلوه لاخر فأراد صاحب السفل أن يهدم السفل فليس له ذلك لان السفل فيه حق لصاحب العلو من حيث قرار بنائه عليه فلا يكون له أن يبطل حق الغير عن ملك نفسه وكذلك عند أبى حنيفة رحمه الله ليس له أن يفتح فيه بابا ولا كوة ولا يدخل فيه جذعا لم يكن قبل ذلك الا برضاء صاحب العلو وعلي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله له أن يفتح ذلك إذا كان لا يضر بصاحب العلو فان كان شئ من ذلك يضر به لم يكن له أن يفعله وكذلك لم يحفر في سفله بئرا وكذلك لو أراد صاحب العلو أن يحدث على علوه بناء أو يضع عليه جذوعا أو يشرع فيه كنيفا لم يكن له ذلك في قول أبى حنيفة رحمه الله أضر بالسفل أو لم يضر وعندهما ان أضر بالسفل منع من ذلك أو لم يضر بالسفل لم يمنع * حجتهما ان كل واحد منهما انما يتصرف في خالص حقه فلا يمنع من ذلك الا أن يلحق الضرر بمن له فيه حق كالموصي له بالخدمة على الموصى له بالرقبة فانه لا يمنع الموصي له بالرقبة من التصرف في ملكه الا ما يضر بالموصى له بالخدمة وأبو حنيفة رحمه الله يقول لصاحب العلو حق بناء قدر معلوم على بناء السفل وإذا أراد أن يزيد علي ذلك منع منه كما لو استأجر دابة ليحمل عليها حملا معلوما فليس له أن يحمل أكثر من ذلك وان لم يضر بالدابة وكذلك صاحب العلو له حق في بناء السفل من حيث قرار علوه عليه وفتح الباب والكوة يوهن البناء وكذلك حفر البئر في ساحة السفل يوهن البناء فلا يكون له أن يفعل ذلك الا برضا صاحب العلو (ألا ترى) أن كل واحد منهما يمنع من التصرف الذى يضر بصاحبه فلو كان الملك لكل واحد منهما خالصا لم يمنع أحدهما من التصرف وان أدى إلى الاضرار بصاحبه كالجارين. قال وإذا كان الحائط بين رجلين فأقام رجل البينة على احدهما انه أقر أن الحائط له قضيت له بحصته من الحائط لان ثبوت اقراره بالبينة كثبوته بالمعاينة واقرار أحد الشريكين في نصيب نفسه صحيح لان الاضرار فيه علي الشريك فلا فرق في حقه بين أن يشاركه في الحائط المقر أو المقر له فان كان الحائط في يد رجل وله جذوع شاخصة فيه على دار رجل آخر فاراد أن يجعل الدار فكما لا يكون لغيره أن يحدث في ساحة داره عليه كنيفا فلصاحب الدار أن يمنعه من ذلك لان هواء الدار حق لصاحبها كساحة بناه بغير رضاه فكذلك لا يكون له احداث البناء في هواء داره بغير رضاه والجذوع الشاخصة نوع ظاهر يدفع به الاستحقاق فلا يستحق

[ 92 ] به شيئا وليس لصاحب الدار أن يقطع الجذوع لانها وجدت كذلك ويحتمل أن تكون حجة لذلك الا أن تكون نفس الجذوع بحق مستحق لصاحبها فلا يكون لصاحب الدار أن يقطعها الا بحجة والظاهر لا يصلح حجة كذلك الا أن تكون جذوعا لا يحمل على مثلها شيئا انما هو أطراف جذوع خارجة في داره فحينئذ يكون له أيقطعها لان عين الجذوع غير مقصوده بعينها انما المقصود هو البناء عليها فما لا يبنى على مثله لا يجوز أن يكون مستحقا له في ملك الغير فكان لصاحب الدار أن يقطعها وما يبنى عليه يجوز أن يكون مستحقا له بسبب فلا يكون له قطعها ما لم يتبين أنه أحدث نصبها غصبا. قال وإذا كان السفل لرجل والعلو لآخر فانهدم لم يجبر صاحب السفل علي بناء السفل لانه ملكه ولا يجبر صاحب الملك على بناء ملكه فله حق التدبير في ملك نفسه كانشاء بيع أو بناء بخلاف ما إذا كان صاحب السفل هو الذى هدمه لانه صار متعديا بالهدم لما لصاحب العلو في بناء السفل من حق قرار العلو عليه فيجبر على بنائه بحقه كالراهن إذا قبل المرهون أو المولى قبل عبده المديون فاما عند الانهدام لم يوجد من صاحب السفل فعل هو عدوان ولكن لصاحب العلو أن يبنى السفل ثم يبني عليه العلو لانه لا يتوصل إلى بناء ملكه الا ببناء السفل فكان له أن يتطرق ببناء السفل ليتوصل إلى حقه ثم يمنع صاحب السفل من أن يسكن سفله حتى يرد علي صاحبه العلو قيمة البناء لانه مضطر إلى بناء السفل ليتوصل إلى منفعة ملكه فلا يكون متبرعا فيه والبناء ملك الثاني فكان له أن يمنعه من الانتفاع بالبناء حتى يتملكه عليه بأداء القيمة وذكر الخصاف رحمه الله أنه انما يرجع على صاحب السفل بما أنفق في بناء السفل ووجهه أنه مأذون في هذا الانفاق شرعا فيكون كالمأمور به من صاحب السفل لان للشرع عليه ولاية * ووجه هذه الرواية أن البناء ملكه فيتملكه عليه صاحب السفل بقيمته كثوب الغير إذا انصبغ بصبغ غيره فأراد صاحب الثوب أن يأخذ ثوبه يعطى صاحب الثوب ما زاد الصبغ في الثوب لان الصبغ ملك صاحب الصبغ في ثوبه وذكر في الامالى عن أبى يوسف رحمه الله أن السفل كالمرهون في يد صاحب العلو ومراده من ذلك منع صاحب السفل من الانتفاع بسفله بمنزلة الرهن. قال ولو كان بيت بين رجلين أو دار فانهدمت لم يكن لاحدهما أن يجبر صاحبه علي البناء لان تمييز نصيب أحدهما من نصيب الآخر بقسمة الساحة ممكن فان بناها أحدهما لم يرجع على شريكه بشئ لانه غير مضطر في هذا البناء فانه يتمكن من مطالبة صاحبه بالقسمة ليبنى في نصيب نفسه

[ 93 ] بخلاف العلو والسفل وكذلك الحائط ان لم يكن عليه جذوع لان أس الحائط محتمل للقسمة بينهما الا أن يكون بحيث لا يحتمل القسمة نحو الحائط المبنى بالخشبة فحينئذ يجبر أحدهما على بنائه وإذا بناه أحدهما مع صاحبه من الانتفاع به حتى يرد عليه قيمة نصيبه كالعبد المشترك إذا كان عاجزا عن الكسب وامتنع أوحد الشريكين من الانفاق عليه كان لصاحبه أن يجبره على ذلك وان كان على الحائط جذوع لهما فلاحدهما أن يجبر صاحبه على المساعدة معه في بنائه وان لم يساعده على ذلك بناه بنفسه ثم يمنع صاحبه من وضع جذوعه عليه حتى يرد عليه قيمة حصته من البناء لان لكل واحد منهما حق في نصيب صاحبه من حيث وضع الجذوع عليه وذلك يبطل بقسمة أس الحائط بينهما فان كان الجذوع علي الحائط لاحدهما دون الآخر فلصاحب الجذوع ان يبين الحائط ولا يشاجر صاحبه على المطالبة بقسمة الحائط لان له حق وضع الجذوع على نصيب صاحبه فان كان هو الذى يطالب بالقسمة فليس له أن يمتنع من ذلك لان ترك القسمة كان لحقه وقد رضي هو بسقوط حقه وصار هو في حق الآخر كانه ليس لواحد منهما عليه جذوع وكذلك الحمام المشترك إذا انهدم فهو بمنزلة الدار لان قسمة الساحة ممكن فإذا بناه أحدهما لم يرجع على صاحبه بشئ. قال وإذا كان لرجل باب من داره في دار رجل فأراد أن يمر في داره من ذلك الباب فمنعه صاحب الدار فصاحب الباب هو المدعى للطريق في دار الغير فعليه اثباته بالبينة ورب الدار هو المنكر فالقول قوله مع يمينه وبفتح الباب لا يستحق شيئا لان فتح الباب رفع جزء من الحائط ولو رفع جميع حائطه لا يستحق به في ملك الغير شيئا فكذلك إذا فتح بابا وقد يكون فتح الباب لدخول الضوء والريح وقد يكون للاستئناس بالجار والتحدث معه فلا يكون ذلك دليلا على طريق له في الدار فان أقام البينة انه كان يمر في هذه الدار من هذا الباب لم يستحق بهذه الشهادة شيئا لانهم شهدوا بيد كانت له في هذا الطريق فيما مضى وبهذه الشهادة لا يستحق المدعى شيئا (ألا ترى) انا لولو عايناه مر فيه مرة لم يستحق به شيئا الا أن يشهدوا ان له فيها طريقا ثابتا فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم والطريق يجوز أن يكون مستحقا له في دار الخار في أصل القسمة أو أوصى له به فتقبل البينة على اثباته وان لم يجدوا الطريق ولم يسموا ذرع العرض والطول بعد أن يقولوا ان له طريقا في هذه الدار من هذا الباب إلى باب الدار فالشهادة مقبولة ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول تأويله ا ذا شهدوا على اقرار الخصم بذلك فالجهالة لا تمنع صحة الاقرار فأما إذا

[ 94 ] شهدوا على الثبات لا تقبل شهادتهم لجهالة في المشهود به والا صح انها تكون مقبولة لان الجهالة انما تمنع قبول الشهادة إذا تعذر علي القاضى القضاء بها وهنا لا يتعذر فان عرض الباب يجعل حكما فيكون عرض الطريق له بذلك القدر وطوله إلى باب الدار. قال في بعض النسخ فان لم يجدوا الطريق فذلك أحور للشهادة وفي بعضها قال وان سموا الطول والعرض فذلك أحور للشهادة وهذا ظاهر لان الجهالة ترتفع به وأما اللفظ الاول فوجهه انه لا حاجة إلى التحديد للعمل بالشهادة وربما يمتنع بذكرها العمل بها فان من العلماء من يقدر الطريق بسبعة أذرع لحديث روى فيه فلو بين الشهود عرض الطريق ربما يذكرون أقل من ذلك أو أكثر والقاضى يذهب إلى ذلك المذهب فيرد شهادتهم وإذا أطلقوا عمل القاضى بشهادتهم فكان ترك التحديد أنفذ للشهادة ومعنى قوله أحور أي نفذ وكذلك لو قالوا مات أبوه وترك هذا الطريق ميراثا لانهم بينوا سبب ملكه وذلك لا يقدح في شهادتهم. قال ولو كان لرجل ميزاب في دار رجل فأراد أن يسيل فيه الماء فمنعه رب الدار فليس له أن يسيل فيه الماء حتى يقيم البينة ان له في هذه الدار مسيلا لان الميزاب مركب في ملكه كالباب فلا يستحق به حقا في دار الغير الا بحجة فان أقام البينة انهم قد رأوه يسيل فيه الماء لم يستحق بهذه الشهادة شيئا لما بينا أنهم شهدوا بيد كانت له فيما مضى وقد ذكر في كتاب الشرب أنهما لو تنازعا في نهر واحدها يسيل فيه ماءه فالقول قوله لان يده قائمة في النهر باستعماله بتسييل الماء فيه فأما هنا ليس له يد قائمة في الدار بتسيبل الماء في الميزاب في وقت سابق وبعض مشايخنا من المتأخر رحمهم الله قالوا إذا كان مسيل الماء إلى جانب الميزاب ويعلم انه قديم لم يحدث صاحب السطح فانه يستحق تسييل الماء فيه من غير بينة لان الظاهر شاهد له فان الانسان لا يجعل سطحه إلى جانب ميزاب الا بعد أن يكون له حق تسييل الماء فيه بعمله أما إذ امتنع من تسييل الماء فيه يتعذر عليه تغييره إلى جانب آخر فان شهد الشهود ان له مسيل ماء فيها من هذا الميزاب قبلت الشهادة لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم في حقه فان شهدوا أنه لماء المطر فهو لماء المطر وان شهدوا انه لصب الوضوء فيه فهو لذلك لانهم بينوا صفة ما شهدوا به من الحق وان لم يفسروا شيئا من ذلك فالقول قول رب الدار في ذلك مع يمينه لان أصل الحق ثابت بالشهادة ولا يثبت صفته فالقول قول صاحب الدار لان ضرر ذلك يختلف في حقه فان المسيل لماء المطر يكون ضرورة في وقت خاص ولصب الوضوء فيه يكون الضرر في كل وقت فيكون

[ 95 ] القول في البيان قول صاحب الدار وعليه اليمين على جحوده دعوى صاحبه اعتبارا للصفة بالاصل وان كانت الدار التى ادعى الطريق أو المسيل فيها بين الورثة فاقر بعضهم بالطريق والمسيل وجحد ذلك البعض لم يكن للمدعى أن يمر فيه ولا يسيل ماءه بقول بعضهم لانه لا يتوصل إلى الانتفاع الا بنصيب الجاحدين واقرار المقر ليس بحجة في حقهم فلا يتمكن من التطرق أو بسيل الماء في نصيب المقر خاصة لانه غير متميز عن نصيب شركائه وهذا بخلاف الاقرار بالملك فان اقرار أحد الشركاء في نصيبه يجعل المقر أحق بنصيب المقر من حيث التصرف فيه والانتفاع به لتمكنه من ذلك في نصيب المقر على أن يكون قائما مقامه وقد ذكر في موضع آخر فان وقع ذلك الموضع في نصيب المقر تطرق فيه المقر له ويسيل ماءه وان وقع في نصيب غيره يضرب المقر له بالطريق أو المسيل في نصيب المقر بقدر ذلك ويضرب المقر بحصته سوي الطريق والمسيل فيكون بينهما علي ذلك عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله ان كانت الورثة ثلاثة ضرب المقر بثلث المسيل وانما أراد به إذا أقر له بملك الطريق أو المسيل وأصله فيما ذكر في كتاب الاقرار دار مشتركة بين اثنين أقر أحدهما ببيت بعينه لانسان وسنذكر ذلك في موضعه في كتاب الاقرار ان شاء الله تعالى. قال وإذا كان مسيل الماء في قناة فاراد أن يجعله ميزابالم يكن له ذلك الا برضاء أصل أهل الدار الذين عليهم المسيل وكذلك لو كان ميزابا فأراد أن يجعله قناة لم يكن له ذلك الا برضاهم لان في القناة الماء لا يفيض على وجه الارض ولكنه مغور يسيل الماء في بطنه وفي الميزاب يسيل الماء على وجه الارض فإذا أراد أن يجعل القناة ميزابا ففيه زيادة ضرر على أهل الدار بأن يفيض الماء في ساحة الدار وإذا أراد أن يجعل الميزاب قناة يحتاج الي حفر ساحة الدار وفيه ضرر على صاحب الدار وانما يثبت له من الحق قدرا معلوما فلا يكون له أن يلحق الضرر بهم في الزيادة الا برضاهم وقيل هذا إذا لم يكن ذلك الموضع مملوكا له وانما له حق تسييل الماء فيه فأما إذا كان الموضع مملوكا له فله أن يجعل القناة ميزابا والميزان قناة لانه يتصرف في خالص ملكه فلا يمنعه منه ضرر يلحق جاره. قال أرأيت لو جعل ميزابا أطول من ميزابه أو أعرض كان له ذلك لانه ان جعله أطول كان انصباب الماء فيه من غير الموضع الذى كان حقه فيه وان جعله أعرض ينصب الماء فيه أكثر مما هو حقه ولو أراد أن يسيل فيه ماء سطح آخر لم يكن له ذلك لانه لم يكن لذلك السطح حق

[ 96 ] تسييل الماء في هذا الدار وفيه زيادة ضرر على صاحب الدار وكذلك لو أراد أن ينقل الميزاب عن موضعه لانه ينصب الماء فيه في غير الموضع الذى هو حقه وكذلك لو أراد أن يرفعه أو يسفله ففى كل ذلك نوع ضرر علي صاحب الدار سوى ماكان مستحقا لصاحب الميزاب فلا يملكه الا برضاه. قال ولو أراد أهل الدار أن يبنوا حائطا ليسد مسيله لم يكن لهم ذلك لانهم قصدوا منع حق مستحق للغير في دارهم وان أرادوا أن يبنوا بناء يسيل ميزابه على سطحه كان لهم ذلك لانه لا ضرر فيه على صاحب الميزاب إذا لا فرق في حقه بين أن ينصب ماء المطر في ساحة الدار أو على ظهر بيت يبنونه في ذلك الموضع وليس لهم أن يبنوا في ساحة الدار ما يمنع صاحب الطريق من التطرق فيه ولكنهم إذا أرادوا أن يبنوا الساحة ينبغي لهم أن يتركوا من الساحة بقدر الطريق ويثبتون ما سوى ذلك لانه لا حق له الا في موضع الطريق فان وقعت المنازعة بينهم في عرض ما يتركون له من الطريق جعلوه قدر عرض باب الدار لان ذلك متفق عليه فيرد عليهم المختلف فيه ولانه لا منفعة لصاحب الطريق في الزيادة على ذلك فانه لا يحتمل مع نفسه في الطريق الا ما يتمكن من ادخاله في باب الدار ويتمكن لذلك في طريق عرضه مثل عرض باب الدار والله أعلم (باب الدعوى في شئ واحد من وجهين) (قال رحمه الله دار في يد رجل ادعى رجل أن أباه مات وتركها ميراثا له منذ سنة جاء بشاهدين فشهدا أنه اشتراها من ذي اليد منذ سنتين لم تقبل هذه البينة لان شرط قبول البينة تقديم الدعوى فان حقوق العباد انما يجب بقاؤها عند طلب صاحب الحق أو من يقوم مقامه وما شهد به شهوده لم يتقدم الدعوى به منه ولا يتمكن من أن يدعيه لان دعواه الاول يناقص دعواه الثاني فان بما ورثه عن أبيه منذ سنة لا يتصور أن يكون مشتريا له من ذى اليد منذ سنتين والتناقض يعدم ميراثا قد أكذب شهوده على الشراء فلهذا لا تقبل شهادتهم له وكذلك لو شهدوا بهبة أو صدقة له من ذى اليد منذ سنتين ولو كان المدعى ادعى أن ذى اليد تصدق بها عليه منذ سنة وشهد الشهود على الشراء منذ سنتين لم تقبل ايضا لان بعد دعواه الاولى لا يمكنه دعوى الشراء منذ سنتين فلا نعدام الدعوى أولا كذلك شهوده تمنع العمل بشهادتهم وكذلك لو ادعى الشراء أولا منذ سنة ثم أقام البينة على الصدقة منذ سنتين

[ 97 ] ولو ادعى الصدقة منذ سنة ثم أقام البينة على الشراء منذ شهر لم تقبل الا أن يوفق فيقول جحدني الصدقة فاشتريتها منه فحينئذ يقضى بها له لان من حيث الظاهر الشهادة مخالفة للدعوى الا أن التوفيق ممكن فقد يجحد المتصدق الصدقة فيشتريها منه المتصدق عليه بعد ذلك فتقبل البينة عند التوفيق كما لو ادعى الفا وشهد له الشهود بالف وخمسمائة لم تقبل الا أن يوفق المدعي فيقول كان حقى الفا وخمسمائة ولكني استوفيت منه خمسمائة ولم يعلم به الشهود بخلاف ما تقدم فان هناك لا يمكنه أن يوفق فيقول جحدني الصدقة منذ سنة فاشتريتها منه منذ سنتين وكذلك لو ادعى الشراء منذ سنة ثم أقام البينة على الصدقة منذ شهر وقال جحدني الشراء فسألته فتصدق على بها بعد ذلك فهذا توفيق صحيح ينعدم به التناقض وإكذاب الشهود وكذلك لو ادعي الميراث من أبيه منذ سنة وشهد الشهود على شرائها من ذى اليد منذ شهر فقال جحدني ذلك ولم يكن له بينة فاشتريتها منه منذ شهر فهذا توفيق صحيح. وكذلك لو ادعى أمة في يدى رجل فقال اشتريتها منه بعبدي هذا منذ سنة ثم جاء بالبينة انه اشتراها منذ سنة وجاء بشهادين فشهدا أنه اشتراها منه بالف درهم مطلقا أو منذ شهر تقبل الشهادة إذا وفق أو قال حين جحدني الشراء بالعبد فاشتريتها بالف درهم بعد ما قمنا من مجلسك أيها القاضى والببع الثاني ينقض البيع الاول فيتمكن القاضى من القضاء بالعقد الذى شهدوا به عند هذا التوفيق ولو شهدوا أنه اشتراها بالف درهم منذ سنة أو أكثر لم أقبل شهادتهما لان اختلاف اليد يوجب اختلاف العقد فالتوفيق غير ممكن ان شهدوا بالشراء منه منذ سنة لانه لا تاريخ بين العقد المدعا والمشهود به وان شهدوا بالشراء بالف منذ أكثر من سنة لا يتمكن القاضى من القضاء بالعقد الذي شهدوا به لان العقد المدعا كان بعده بزعم المدعى وهو ينقض العقد الاول فلا يمكنه القضاء بالعقد المدعا لان الحجة لم تقم به فلهذا لا تقبل الشهادة. قال فان ادعى عينا في يد رجل أنه له وشهد شهوده أنه اشتراه من ذي اليد ونقده الثمن أو وهبه ذو اليد أو تصدق به عليه أو أنه ورثه من أبيه قبلت الشهادة لان المعتبر الموافقة بين الدعوى والشهادة معنى لا لفظا (ألا ترى) أن المدعى يقول ادعي عليه كذا والشاهد يقول أشهد عليه بكذا والموافقة معنى موجود هنا لانه ادعي الملك وقد شهدوا له بالملك مع بيان سببه ولا بد للملك من سبب فبيان سبب الملك من الشهود في الشهادة ان لم يؤكد شهادتهم بالملك لا تندفع بها وهذا بخلاف ما إذا ادعى الشراء من ذى اليد وشهد له الشهود بالملك مطلقا لان

[ 98 ] الشهادة هناك أزيد من الدعوى فان الملك بالشراء حادث والشهادة على الملك المطلق تثبت الاستحقاق من الاصل حتى يرجع الباعة بعضهم علي بعض بالثمن فاما إذا ادعى ملكا مطلقا وشهد الشهود بالشراء فالملك به دون المدعا فذلك لا يمنع قبول الشهادة كما لو ادعى الفا وشهد له الشهود بخمسمائه تقبل ولو ادعى خمسمائة وشهد له الشهود بالف لا تقبل وكذلك لو ادعى أنه له ثم ادعى أنه لفلان وكله بالخصومة فيه وأقام البينة على ذلك تقبل بينته لانه لا منافاة بين الدعوتين فالوكيل بالخصومة قد نصف العين إلى نفسه على معنى أن له حق المطالبة به فيتمكن القاضى من القضاء بما شهد به الشهود بعد دعواه الاول ولو ادعى أول مرة انه لفلان وكله بالخصومة فيه ثم أقام البينة انه له لم أقبل بينته لان ما هو مملوك له لا يضاف إلى غيره عند الخصومة فلا يتمكن القاضى من القضاء بالمشهود به وهو الملك له بعد ما أقر أنه وكيل فيه بالخصومة بما ادعاه الاول ولا يتمكن من القضاء بالملك لان الشهود لم يشهدوا به وكذلك ان أقام البينة أنه لفلان آخر وكله بالخصومة فيه لا اقبل ذلك منه لان الوكيل بالخصومة في العين من جهة زيد لا بصفة إلى غيره فيتمكن من التناقض بين الدعوتين على وجه لا يمكن التوفيق بينهما. قال ولو ادعاه لرجل زعم أنه وكله فيه بالخصومة ثم قال بعد ذلك أنه باعه من فلان وهو يملكه وكلنى فلان المشترى بالخصومة وجاء بالبينة على ذلك قبلت بينته وقضيت به للموكل الآخر لانه وفق بين الدعوتين بتوفيق ممكن لو عاينا ذلك صححنا دعواه الثانية فكذلك إذا وفق بتلك الصفة ويقضى به للموكل الآخر وتأويل هذا إذا شهدوا الشهود بالملك بالشراء فاما إذا شهدوا بالملك المطلق لا تقبل الشهادة. قال ولو ادعي القاضى في صك جاء باسمه ثم جاء بالبينة أن ذلك المال لغيره وانه قد وكله بالخصومة فيه قبلت ذلك منه لما بينا أن الوكيل بالخصومة قد يضيف المال إلى نفسه على معنى أن له حق المطالبة به فيتمكن القاضي من القضاء بالشهادة والله أعلم بالصواب (باب ادعاء الولد) (قال رحمه الله ذكر عن شريح رحمه الله أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إليه إذا أقر الرجل بولده لم يكن له أن ينفيه وهكذا عن على رضي الله عنه وبقولهما نأخذ أنه متى ثبت النسب باقراره لم يكن له أن ينفيه بعد ذلك) لان النسب لا يحتمل النقض والنسخ

[ 99 ] ولا يتصور تحويله من شخص إلى شخص وباقراره ثبت منه لكون الاقرار حجة عليه فان (قيل) اليس أن النسب يثبت من الزوج بفراش النكاح ثم يملك نفيه باللعان (قلنا) لان ثبوته هناك بحكم الفراش على احتمال أن لا يكون منه فيتصور نفيه اما هنا بثبوت النسب منه بتنصيصه على أنه مخلوق من مائه فلا يبقي بعده احتمال النفى كالمشترى إذا أقر بالملك للبائع ثم استحق من يده ورجع بالثمن لم يبطل اقراره حتى إذا عاد إلى يده يوما يؤمر بتسليمه إلى البائع بخلاف ما إذا اشتراه ولم يقر له بالملك لان نفس الشراء وان كان اقرار بالملك فالاحتمال فيه باق بخلاف الاقرار به نصا وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال مر عمر رضى الله عنه علي جارية تسقى مع رجل من بئر فقال لمن هذه فقالوا لفلان قال ولعله يطأها قالوا نعم قال أما انها لو ولدت ألزمته ولدها وبظاهره يأخذ الشافعي رحمه الله فنقول الامة تصير فراشا بنفس الوطئ ولا حجة له فيه لان عنده الفراش انما يثبت باقرار المولى وهنا الاقرار في الجانب وبه لا يثبت الفراش فأما ان يحمله على أنه عرف انها أم ولده أو يحمل علي ان مراده من ذلك حث الناس على تحصين الجوارى ومنعهن عن الاختلاط بالرجال فقد ظهر ان عمر رضى الله عنه ما يخالف هذا على ما روى عن عمر رضى الله عنه أنه كان له جارية وكان يطأها فجاءت بولد ونفاه وقال اللهم لا يلحق بآل عمر من لا يشبههم فأقرت أنه من فلان الراعي وعن زيد بن ثابت رضى الله عنه أنه كان يطأ جاريته فجاءت بولد فنفاه فقال كنت أطأها ولا أبغى ولدها أي أعزل عنها وهكذا نقل عن ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهما والذى ذكر في الكتاب عن ابن عمر رضي الله عنهما ان عمر رضى الله عنه قال من وطئ وليدة له فضيعها فالولد منه والضياع عليه لا حجة فيه للخصم لان الوليدة اسم لام الولد فانه فعيل بمعين فاعل أي والده وذكر عن عمر رضى الله عنه قال حصنوهن أو لا تحصنوهن انما رجل وطئ جارية فجاءت بولد ألزمته اياه وانما قال ذلك على سبيل الحث للناس على تحصين السرارى ومنعهن عن الخروج ثم لا خلاف بين العلماء رحمهم الله ان النسب يثبت بالفراش والفراش تارة يثبت بالنكاح وتارة يثبت بملك اليمين فأما الفراش في النكاح الصحيح يثبت بنفسه إذا جاءت بالولد لمدة يتوهم ان العلوق بعد النكاح ثبت النسب على وجه لا ينتفى الا باللعان إذا كان من أهل اللعان وكذلك النسب يثبت بشبهة النكاح إذا اتصل به الدخول وهذه الشبهة تثبت بالنكاح الفاسد تارة وباخبار المخبر انها امرأته تارة لان الشبهة تعمل عمل الحقيقة فيما هو مبنى على

[ 100 ] الاحتياط وأمر النسب مبنى على الاحتياط (ألا ترى) ان في حق وجوب المهر والعدة جعلت الشبهة بمنزلة حقيقة النكاح فكذلك في النسب ومتى ثبت النسب بالشبهة لا يمكن نفيه بحال لان نفى النسب بعد ثبوته لا يكون الا باللعان ولا يجرى اللعان في النكاح الفاسد والوطئ بالشبهة واما بملك اليمين لا خلاف أن النسب لا يثبت بنفس الملك ولا بالوطئ بشبهة الملك بدون الدعوة وانما الخلاف في ان بنفس الوطئ بملك اليمين هل يصير فراشا حتى لا يثبت النسب به عندنا الا ان يقر المولى بالنسب وعند الشافعي يثبت بنفس الوطئ ولكن إذا كان المولى يطأها ويمنعها من الخروج فالاولى له ان يدعى ولدها ولا ينفيه فان الميرة في هذا ولكن لا يلزمه حكما الا بالدعوة واحتج الشافعي بما روي عن عبد الله بن زمعة وسعد بن أبى وقاص رضي الله عنهما اختصما بين يدى رسول الله ﷺ في ولد ولتده زمعة فقال عبد ولد أبى ولد على فراش أبى وقال سعد رضى الله عنه ابن أخى عهد الي فيه أخى وامرأتى أن أضمه إلى نفسي فقال ﷺ هو لك يا عبد الولد للفراش وللعاهر الحجر فقد أثبت النسب من زمعة باقرار من يخلفه بوطئه اياها ولم يسبق من زمعة دعوة النسب فدل أن الفراش يثبت بنفس الوطئ والمعنى فيه انه وضع ماءه حيث له وضعه فيثبت النسب منه كما في فراش النكاح وهذا لان الوطئ بملك اليمين ينزل منزلة عقد النكاح (ألا ترى) أنه تثبت به حرمة المصاهرة كما يثبت بالنكاح بل أقوى فحرمة الربيبة تثبت بالوطئ ولا يثبت بنفس النكاح وكذلك يحرم الجمع بين الاختين وطئا بملك اليمين كما يحرم الجمع بينهما نكاحا ثم الفراش في حق النسب يثبت بالنكاح فكذلك بالوطئ بملك اليمين ولنا ان وطئ الامة كملكها وبملكها لا يثبت الفراش لانه محتمل قد يكون لبيعها وقد يكون لوطئها فكذلك وطئه إياها محتمل قد يكون للاستفراش وقد يكون لقضاء الشهوة وتحقيق ذلك بالعزل عنها عادة وينفرد بذلك شرعا والمحتمل لا يكون حجة فلا يثبت النسب منه الا بالدعوة التى لا يبقى بعدها احتمال بخلاف النكاح فانه لا يكون الا للفراش عادة (ألا ترى) ان التمكن من الوطئ هناك جعل بمنزلة حقيقة الوطئ وهنا بالتمكن من الوطئ لا يثبت النسب بالاتفاق للاحتمال فكذلك بحقيقة الوطئ ولان هناك لا يبطل بثبوت النسب ملكا باتا للزوج وهنا يبطل ملك المالية والتصرف فيها بثبوت نسب ولدها والمحتمل لا يكون حجة في ابطال الملك المتحقق به وبه فارق حرمة المصاهرة فليس في اثباتها ابطال الملك بل باب الحرمة مبنى علي الاحتياط فيجوز اثباته مع الاحتمال ولان

[ 101 ] ثبوته باعتبار الاتحاد بين الواطئيين حسا حتى تصير أمهاتها وبناتها كامهاته وبناته وذلك حاصل بملك اليمين (ألا ترى) ان الرضاع في اثباته الحرمة جعل كالنسب ولم يجعل كهو في ابطال الملك به يعنى بالعتق عليه وكذلك حرمة الجمع بين الاختين نكاحا للتحرز عن قطيعة الرحم بينهما وذلك يحصل بالوطئ بملك اليمين فأما حديث عبد فقد ذكر أبو يوسف رحمه الله في الامالى ان وليده زمعة كانت أم ولد له وفى بعض الروايات في الحديث زيادة قال ولد أبى ولد على فراش أبى لانى أقربه أبى وعندنا إذا أقر المولى بالنسب يثبت النسب منه على أن قوله ﷺ هو لك يا عبد ليس بقضاء بالنسب بل هو قضاء بالملك له لكونه ولد أمة أبيه ثم أعتقه عليه باقراره بنسبه (ألا ترى) أنه عليه الصلاة والسلام قال لسودة فأما أنت يا سودة فاحتجى منه فانه ليس بأخ لك والمراد من قوله ﷺ للفراش تأكيد نفى النسب عن عتبة بن أبى وقاص رضى الله عنه لانه كان عاهرا لا الحاق النسب بزمعة قال وإذا حبلت الامة عند رجل ثم باعها وقبض ثمنها فجاءت بولد لاقل من ستة أشهر فادعاه البائع ثبت النسب منه وقضى بأنها أم ولد له ولدها حر الاصل وعليه رد الثمن على المشترى عندنا استحسانا وفى القياس لا يثبت النسب منه ما لم يصدقه المشترى وبه أخذ زفر والشافعي رحمهما الله * وجه القياس في ذلك ان البائع مناقض في كلامه ساع في نقض ما قد تم به وهو البيع فلا يقبل قوله كما لو قال كنت أعتقتها أو دبرتها قبل أن أبيعها وهذا لان اقدامه على بيعها اقرار منه أنها ليست بأم ولد له ولنا انا تيقنا بحصول العلوق في ملكه وذلك ينزل منزلة البينة في ابطال حق الغير عنها كالمريض إذا جاءت جاريته بولد في ملكه فادعي نسبه نزل ذلك منزلة البينة في ابطال حق الغرماء والورثة عنها وعن ولدها وتفسير الوصف أن أدنى مدة الحبل ستة أشهر فإذا جاءت بولد من ذلك فقد تيقنا بحصول العلوق قبل البيع وتأثيره وهو أن بحصول العلوق في ملكه يثبت له حق استلحاق النسب بالدعوة وذلك لا يحتمل الابطال وانما يبطل البيع ماكان محتملا للابطان فأما فيما لا يحتمل الا ابطال الحال بعد البيع وقبله سواء فإذا بقي حق استلحاق النسب له بقى ما كان ثابتا وهو التفرد به من غير حاجة إلى تصديق المشترى وخفاء أمر العلوق يكون عذرا له في اسقاط اعتبار التناقض وقبول قوله في ابطال البيع كما ان الزوج إذا كذب نفسه بعد قضاء القاضى بنفى النسب ثبت منه وبطل حكم الحاكم ولا ينظر إلى التناقض وهذا لان الانسان قد يعلم تدينا أن العلوق ليس منه ثم يتبين له أنه منه ولا

[ 102 ] يوجد مثل هذا في دعوى العتق والتدبير فلهذا لا يقبل قول البائع فيه فان ادعاه المشترى بعد ذلك فعلى طريق القياس يثبت النسب منه لان دعوة البائع لم تصح وعلى طريقة الاستحسان لما ثبت النسب من البائع لا تصح دعوة المشترى لان البيع قد انتقض فصار هو كاجنبي آخر ولان الولد قد استغنى عن النسب بثوت نسبه من البائع وان كان المشتري ادعاه أولا ثبت النسب منه لانها مملوكته في الحال يملك اعتاقها واعتاق ولدها فتصح دعوته أيضا لحاجة الولد إلى النسب والحرية ويثبت لها أمية الولد باقراره ثم لا تصح دعوة البائع بعد ذلك لان الولد قد استغنى عن النسب حين ثبت نسبه من المشترى ولانه قد يثبت فيه ما لا يحتمل الابطال وهو حقيقة النسب فيبطل به حق الاستلحاق الذى كان ثابتا للبائع ضرورة فان ادعياه معا ثبت النسب من البائع عندنا وقال إبراهيم النخعي رحمه الله يثبت النسب من المشترى لان للمشترى حقيقة الملك فيها وفى ولدها وللبائع حق والحق لا يعارض الحقيقة كما لو جاءت جارية رجل بولد فادعاه هو وأبوه معا ثبت النسب من المولى لان له حقيقه الملك فيها وللاب حق فيسقط اعتبار الحق في مقابلة الحقيقة ولنا ان دعوة البائع دعوة استيلاء لان أصل العلوق في ملكه ودعوة المشترى دعوة تجويز فان أصل العلوق لم يكن في ملكه ولا يعارض دعوة التجويز دعوة الاستيلاد كما لا يعارض نفس الاعتاق دعوة الاستيلاد بمعنى أن دعوة الاستيلاد لا تقتصر علي الحال بل تستند إلى وقت العلوق ودعوة التحرير تقتصر على الحال فدعوة البائع سابقة معنى فكأنها سبقت صورة بخلاف دعوة المولى مع أبيه فان شرط صحة دعوة الاب بملك الجارية من وقت العلوق إذ ليس له في مال ولده ملك ولا حق الملك فافتران دعوة المولى بدعوة الاب يمنع تحصيل هذا الشرط فلهذا أثبتنا النسب من المولى دون أبيه ولو ان المشترى أعتق الام أو استولدها أو دبرها ثم ادعى البائع الولد ثبت نسبه منه لان الولد يحتاج إلى النسب بعد عتق الام وهو مقصود بالدعوة وحق الاستيلاد في الام يثبت تبعا فلا يمتنع ثبوت الاصل بامتناع ثبوت البيع إذ ليس من ضرورة ثبوت نسب الولد ثبوت أمية الولد للام كما في ولد المغرور يثبت نسب الولد ولا تصير الام أم ولد للمغرور ثم يرد البائع حصة الولد من الثمن دون الام لانه تعذر فسخ البيع في الام لما جرى فيها من عتق المشترى فانه لا يجوز أن يرد أمه توطأ بالملك بعد ما نفذ العتق فيها ولم يتعذر الفسخ في الولد وقد صار الولد مقصودا بهذا الاسترداد فتصير له حصة

[ 103 ] من الثمن فلهذا يسترد المشترى حصة الولد من الثمن ولو ماتت الام ثم ادعي البائع نسب الولد صحت دعوته لما بينا ويرد البائع جميع الثمن في قول أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمها الله يمسك حصة الام من الثمن لانه تعذر فسخ البيع فيها بالموت كما في الفصل الاول وهذه المسألة في الحقيقة تنبني على المسألة الخلافية المعروفة بين أبى حنيفة وصاحبيه رحمهم الله في مالية أم الولد فعند أبى حنيفة رحمه الله لا قيمة لرقها حتى لا يضمن بالغصب فكذلك لا يكون لها حصة من الثمن وقد زعم البائع انها أم ولد وزعمه حجة عليه وعلى قولهما لرقها قيمة حتي يضمن بالغصب فيمسك حصتها من الثمن ثم الفرق لابي حنيفة رحمه الله بين هذا والاول أن هناك القاضى كذب البائع فيما زعم حين جعلها معتقة من جهة المشترى أو مدبرة أو أم ولد فلم يبق لزعمه غيره فاما هنا بموتها لم يجز الحكم بخلاف ما زعم البائع فبقى زعمه معتبرا في حقه فلهذا رد جميع الثمن ولو كان المشتري باع الام أو وهبها أو رهنها أو أجرها أو كاتبها أبطلت جميع ذلك ورددتها على البائع لان هذا التصرفات محتملة للنقض كالبيع الاول فكما يجوز نقض البيع الاول بدعوة الاستيلاء من البائع فكذلك يجوز نقض هذه التصرفات ولو كان المشترى أعتق الولد أو دبره ثم ادعى البائع نسبه لم يصدق في ذلك إذا أكذبه المشتري لان الولد مقصود بالدعوة وقد ثبت المشترى فيه مالا يحتمل النقض وهو الولاء فيبطل به حق الاستلحاق الذى كان للبائع لان الولاء كالنسب وقد بينا أنه لو ثبت النسب من المشترى لم يكن للبائع حق الدعوة بعد ذلك فكذلك إذا ثبت الولاء له وكذلك لو قبل الولد عنده وأخذ قيمته ثم ادعاه البائع لم تصح دعوته كما لو مات الولد وهذا لانه بالموت أو القتل قد استغنى عن النسب وصحة دعوة البائع لحاجة الولد إلى النسب ثم لا يرد الام على البائع لان حقها تبع لحق الولد في النسب ولم يثبت ما هو الاصل فلا يثبت ما هو بيع لانه لو ثبت كان مقصودا لا تبعا ولو قطعت يد الولد فاخذ المشترى نصف قيمته ثم ادعاه البائع صحت دعوته لان الولد الاقطع محتاج إلى النسب محل لانتقاص البيع فيه ولكن الارش يبقى سالما للمشترى لان ابانة اليد كانت على حكم ملكه ودعوة البائع انما تعمل في القائم دون اليد المبانة وليس من ضرورة ثبوت نسب الولد بطلان حق المشترى عن الارش لانه ينفصل عنه في الجملة لان الارش مال ليس من النسب في شئ فيرد الجارية مع ولدها على البائع بجميع الثمن الا حصة اليد فقد احتبس بدلها عند المشترى فلا يسلم له مجانا ولكن حصته من الثمن

[ 104 ] تسلم للبائع كما ذكرنا فيما إذا احتبست الام عنده وكذلك لو كان القطع في الام لان المعنى الذى أشرنا إليه يجمع الكل ولو فقأ رجل عينى الولد فدفعه المشترى إلى الجاني وأخذ قيمته ثم ادعى البائع نسبه صحت دعوته لان المفقوءة عيناه يحتاج إلى النسب ودفعه بالجناية محتمل للنقض فلا يمنع صحة دعوة البائع فيرد الام والولد على البائع ويرد جميع الثمن على المشترى عند أبى حنيفة رحمه الله لان من أصله أن الجاني يرجع على المشترى بجميع القيمة فان الجثة العمياء إذا لم تسلم للجاني لا يلزمه شئ عند أبى حنيفة رحمه الله حتى لو أعاد المولى امساك الجثة والرجوع بنقصان القيمة لم يكن له ذلك عنده فإذا لم يسلم للمشترى شئ من بدل العينين رد البائع جميع الثمن وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله المشترى يرجع على الجاني بنقصان العينين لان في الابتداء لو أراد امساك الجثة والرجوع بنقصان العينين كان له ذلك فكذلك في الانتهاء وإذا كان للمشتري نقصان العينين رد البائع عليه جميع الثمن الا حصة النقصان وكذلك لو فقئت عينا الام فهو على ما بينا. قال ولو ادعى البائع نسب الولد وقد جاءت به لاقل من ستة أشهر وكذبه المشترى ثم قتل الولد بعد ذلك أو قطعت يده فعلى الجاني من ذلك ما عليه بالجناية على الاحرار لان بمجرد الدعوى ثبت النسب وصار الولد حرا فانه لا عبرة لتكذيب المشترى فانما حصلت الجناية بعد ذلك علي حر وان كانت الجناية على الام كان عليه ما في جناية أم الولد لان حق أمية الولد قد ثبت له بثبوت نسب الولد وحاصل هذا انه لا حاجة إلى قضاء القاضى في ابطال هذا البيع وعودهما إلى البائع لانه قد ثبب فيها وفى ولدها بنفس الدعوة ما هو مناف للبيع وان جنى الولد كانت جنايته كجناية الحر وجناية أمه كجناية أم الولد لثبوت ذلك فيها بنفس الدعوة وان كانت الجناية منهما قبل الدعوة فهو علي البائع دون المشترى لان البائع بالدعوة قد صار مبطلا ملك المشترى فيهما بغير صنع من المشترى فليس على المشترى من موجب جنايتهما شى ولكن البائع مختار ان كان عالما بالجناية لانه بالدعوة أثبت الحرية للولد وحق الحرية للام فيكون كالمنشئ لذلك بعد الجناية فلهذا صار مختارا ولو كانت الجارية لم تلد بعد فأدعي البائع أن حبلها منه وقال المشترى ليس بها حبل وأراها النساء فقلنا هي حبلى أو قال المشترى بها حبل ولكنه ليس منك فالبائع لا يصدق في الدعوة حتى تضع لانه لا طريق لمعرفة الحبل حقيقة فانه مما استأثر الله تعالى بعلمه لقوله تعالى ويعلم ما في الارحام ولان شرط صحة دعوة البائع ان تلد لاقل من ستة أشهر من وقت البيع حتى يعلم يقينا أن العلوق كان في

[ 105 ] ملكه ولا يدرى أنها هل تضع لاقل من ستة أشهر أم لا فلعها تسقط سقطا غير مستبين الخلق أو يضع الولد أكثر من ستة أشهر فلهذا لا تصح دعوة البائع فان جاء به لاقل من ستة أشهر الآن تصح تلك الدعوة كما لو أنشأها بعد الوضع لان تيقنا أن العلوق حصل في ملكه فلو جاءت بالولد لاقل من ستة أشهر فأدعاه البائع وقال أصل الحبل كان عندي وقال المشترى لم يكن عندك انما كان العلوق قبل شرائك فالقول قول البائع لانهما تصادقا على اتصال العلوق بملك البائع فكان الظاهر شاهدا للبائع ولان المشتري يدعى تاريخا سابقا في العلوق على ملك البائع فلا يصدق على ذلك فان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة البائع لانه يثبت تاريخا سابقا في ملكه على العلوق وملكه حقه فبينته على سبق التاريخ فيه مقبولة ولا شك في هذا عند أبى يوسف رحمه الله واختلف المشايخ على قول محمد رحمه الله منهم من يقول قوله هكذا ومنهم من يقول البينة بينة المشترى عنده لانه هو المحتاج إلى اقامة البينة وأصل هذا فيما إذا قال المشترى اشتريتها منك منذ سنة وقال البائع انما بعتها منك منذ شهر فالقول قول البائع لان المشتري يدعى زيادة تاريخ في شرائه فلا يصدق علي ذلك الا بحجة فان اقاما جميعا البينة فالبينة بينة البائع عند أبى يوسف رحمه الله لانه يثبت ببينته حصول العلوق في ملكه وثبوت حق استلحاق النسب له وعند محمد رحمه الله البينة بينة المشترى لانه هو المحتاج إلى اثبات التاريخ في شرائه بالبينة فيثبت ببينته ان شراءه كان منذ سنة وذلك مانع من صحة دعوة البائع فلهذا قبلت بينته. قال وان كانت ولدت الجارية المبيعة بنتا لاقل من ستة أشهر ثم ولدت ابنتها ابنا فأعتق المشترى الابن ثم ادعى البائع الابنة فهى ابنته لان العلوق بها كان في ملكه ودعوته فيها دعوة استيلاد ويثبت حرية الاصل فيها ومن ضرورته ابطال عتق المشترى على ابنها لان العتق يطرأ على الرق ومن ضرورة كونها حرة الاصل أن ينفصل الولد منها حرا وكذلك ان كانت الابنة ولدت ابنتا قال (ألا ترى) ان رجلا لو ولدت جاريته عنده غلاما ثم ولد للغلام ابن فباع المولى ابن الولد الذى ولد عنده فأعتقه المشترى ثم ادعى الولد الذى كان العلوق به في ملكه صحت دعوته ويبطل بيع الابن وعتق المشترى اياه لانه تبين بصحة دعوته حرية الاصل للاب وذلك يوجب حرية الابن لان الابن مولود من أمة كانت لمدعى الاب فتبين أنه كان ملك ابن ابنه وعتق عليه قبل أن يبيعه وبطل به بيع المشترى وعتقه قال وهذا بمنزلة التوأم وفى بعض النسخ التوأمين وكلاهما صحيح عند أهل اللغة منهم من قال التوأم أفصح كما يقال هما زوج

[ 106 ] ومنهم من قال التوامان أفصح كما يقال هما كفوان واخوان وبيانه جارية ولدت ولدين في بطن واحد من علوق كان في ملك مولاها فباع المولى أحدهما وأعتقه المشترى ثم ان البائع ادعى نسب الذى عنده يثبت نسبهما منه لانهما خلقا من ماء واحد فلا ينفصل أحدهما عن الآخر نسبا وقد كان العلوق بهما في ملكه فيثبت حرية الاصل للذى عند البائع ومن ضرورته ثبوت حرية الاصل للآخر وكان ذلك بمنزلة اقامة البينة في ابطال عتق المشترى وشرائه في الآخر فكذلك فيما سبق وهذا بخلاف ما تقدم إذا اعتق المشترى الام ثم ادعى البائع نسب الولد لم يبطل عتق المشترى في الام لانه ليس من ضرورية حرية الاصل للولد ثبوت أمية الولد للام في ولد المغرور ولان هناك لو أبطلنا عتق المشتري فيها رددناها من حالة الحرية إلى حالة الرق وذلك لا يجوز لان العتق أسقط الرق والمسقط متلاشي لا يتصور عوده وهنا لو أبطلنا عتق المشترى رددناه الي حال حرية الاصل وذلك مستقيم ولان فيه ابطال الولاء الثابت للمشترى والولاء أثر من آثار الملك فلم يجز اسقاطه الا عند قيام الحجة فلهذا أبطلنا عتق المشتري في هذه الفصول ولو لم يبع ابن الابن ولكنه باع الابن فاعتقه المشترى ثم ادعاه لم تجز دعوته لان المقصود بالدعوة الابن وقد اتصل به من جهة المشترى مالا يحتمل النقض وهو الولاء فيبطل به حق الاستلحاق الذى كان ثابتا للبائع فيه وعتق ابن الابن الذى في يده لانه أقر له بالحرية حين زعم انه ابن ابنه والاقرار بالنسب وان لم يعمل في اثبات النسب لمانع كان عاملا في الحرية كما لو قال لعبده وهو معروف النسب من الغير هو إبنى يعتق عليه وكذلك لو مات عند المشترى لانه بالموت استغنى عن النسب وخرج البيع من أن يكون محتملا للنقض فيه فلم يعمل دعوة البائع في حقه وعتق ابن الابن باقراره كما بينا ولو كان مكان الابن ابنتا فماتت عند المشترى ثم ادعى البائع نسبها لم تصح دعوته في حقها ولا في حق ابنتها وهذا والملاعنة سواء في قول أبى حنيفة رحمه الله إذا كان ولد الملاعنة ابنتا فولدت ابنا ثم ماتت الام ثم أكذب الملاعن نفسه لم يعمل اكذابه في اثبات نسبها مع بقاء ابن يخلفها فكذلك هنا والمعنى فيهما سواء وهو أن ينسب الولد القائم إلى أبيه دون أمه فيجعل أمه كالميتة لا عن ولد وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله يفرقان بين هذه وولد الملاعنة فان عندهما هناك ولدا لابنه كولد الابن في قيامه مقام ولد الملاعنة حتى يصح اكذاب الملاعن نفسه ويثبت نسب ولد الملاعنة وان كان ميتا لان هناك أصل النسب كان

[ 107 ] ثابتا بالفراش فاستتر باللعان وبقى موقوفا علي حقه حتى لو ادعاه غيره لم يصح فيجعل بقاء ولده كبقائه في صحة الاظهار بالدعوة وأما نسب ولد المبيعة ما كان ثابتا من البائع ولا موقوفا علي حقه حتى لو ادعاه المشترى ثبت نسبه منه فلا تعمل دعوته في الاثبات ابتداء الا في حال بقائه أو بقاء من ينسب إليه وولد الابن ينتسب إليه بالبنوة دون ولد الابنة فلهذا لا يثبت النسب بعد موت الا بنت بالدعوة. قال وإذا حبلت الامة فولدت في يد مولاها ثم باعها فزوجها المشترى من عبده فولدت له ولدا ثم مات العبد عنها فاستولدها المشترى ثم ادعى البائع الولد الذى عنده ثبت نسبه منه لان العلوق به كان في ملكه فدعوته فيه دعوة استيلاد ويرد إليه ابن العبد بحصته من الثمن لانه ولد أم ولد في حقه وهو ثابت النسب من غيره وولد أم الولد بمنزلة أمه ولو لم يستولد المشترى الام كانا جميعا مردودين عليه فاستيلاده الام يثبت فيها ما لا يتحمل النقض وهو حق العتق للمشترى فنزل ذلك منزلة حقيقة العتق وذلك لا يمنع رد الولد إليه لان أحدهما ينفصل عن صاحبه فان (قيل) هذا الولد في حكم أمية الولد تبع للام ولا يثبت البائع حق أمية الولد في الام فكيف يثبت في ولدها (قلنا) لا كذلك بل هما جميعا بائعان للولد الذى عنده لان الام بيع ولا بيع للتبع فتعذر رد احدهما عليه لا يمنع رد الآخر بحصته من الثمن ويعتبر في الانقسام قيمتها وقت البيع وقيمة الولد الثاني وقت الانفصال لانه كما حدث فحق أمية الولد فيه ثابت للبائع الا أنه لما صار متقوما عند الانفصال فيعتبر في الانقسام قيمته في ذلك الوقت ويعتق بموت البائع من جميع ماله لانه أبن أم ولده فان ادعى البائع ابن العبد انه ابنه عتق عليه ولم يثبت نسبه منه لانه يملكه ولكنه معروف النسب من الغير فدعوته اياه كاعتافه. قال ولو باعها وهى حبلى فولدت عند المشترى بعد البيع بيوم ثم ولدت ولدا آخر بعد سنة من غير زوج فادعى البائع والمشترى الولدين معا فهما ابنا البائع أما الاكبر منهما فلان العلوق به كان في ملك البائع يثبت نسبه منه ويبطل البيع فيه وفي أمه لانه تبين انها أم ولده من حين علقت والولد الثاني مردود عليه أيضا لانه ابن أم ولده فهو انما يدعى ملك نفسه والمشترى يدعى ملك الغير فلهذا كان دعوة البائع أولى فيهما ولو بدأ المشترى فادعى الولد الآخر أنه ابنه ثبت نسبه منه لان العلوق به حصل في ملكه وهو محتاج إلى النسب وصارت الجارية أم ولد له فان ادعى البائع بعده الولد الاول ثبت نسبه منه بحصول العلوق به في ملكه ويرد إليه الولد خاصة بحصته من الثمن لانه تعذر فسخ

[ 108 ] البيع في الام لما ثبت للمشترى فيها من حق أمية الولد ولو لم يدع واحد منهما شيئا حتى لو ادعى البائع الولد الآخر لم يصدق لان العلوق بالولد الآخر لم يكن في ملكه وهو للحال مملوك للمشترى فلا دعوة له فيه مقصودة وكذلك لو مات الاول ثم ادعاهما البائع لان دعوته في الذى مات لم تصح لاستغنائه عن النسب فلو صح كان الآخر مقصودا والعلوق به لم يحصل في ملكه. قال وان ولدت الامة المبيعة ولدين في بطن واحد كلاهما أو أحدهما لاقل من ستة أشهر فجنى على أحد الولدين جناية وأخذ المشترى الارش ثم ادعاهما البائع فدعوته جائزة فيهما لانا تيقنا بحصول العلوق بهما في ملكه فانهما خلق من ماء واحد والتى ولدت لاقل من ستة أشهر يتيقن أن العلوق كان في ملكه فيتبين أيضا أن العلوق الثاني كان في ملكه وان ولدت لاكثر من ستة أشهر فلهذا ثبت نسبهما وبطل البيع فيهما وفى الام ولكن الارش يبقى سالما للمشترى لما بينا في الولد الواحد أن الدعوة في اليد المبانة لا تعمل فيبقى الارش للمشترى كما كان قبل الدعوة وكذلك ان اكتسب احدهما كسبا فقد كان قبل الدعوة الكسب ملكا للمشترى وليس من ضرورة صحة الدعوة بطلان ملكه في الكسب فيبقي سالما له ولو كان قتل احدهما ثم ادعاه البائع كان قيمة الموصول لورثة المقتول لان بثبوت حرية الاصل لاحدهما يثبت مثله للآخر فيكون بدله لورثته ضرورة وهذا بخلاف الارش والكسب لان التوأم لا ينفصل أحدهما عن الآخر في النسب والحرية وأعمال ذلك في الاقطع ممكن فلا حاجة بنا إلى إعماله في إبطال ملك المشتري في الارش والكسب فأما الواجب على القاتل بدل النفس ومن ضرورة ابطال البيع فيه عند بقاء ما يخلفه أنه لا يبقى للمشترى حقا في بدل نفسه فكان ذلك لورثة المقتول قال في بعض النسخ ويصدق البائع في بدل النفس وفى بعض النسخ قال لا يصدق في بدل النفس وليس هذا باختلاف الرواية ولكن حيث قال يصدق يعنى في حق المشترى حتى يبطل حقه عن القيمة لان من ضرورة ثبوت الحرية للمقتول في الاصل أن لا يملك بدل نفسه بملك الاصل وحيث قال لا يصدق يعنى في حق الجاني حتى لا يجب عليه الدية بل يكون الواجب عليه القيمة كما كان لانه ليس من ضرورة ثبوت الحرية فيه وجوب الدية على قاتله فكم من قتل غير موجب للدية وما كان ثبوته بطريق الضرورة تعتبر فيه الجملة دون الاحوال. قال ولو كان المشترى أعتق احدهما ثم قتل وترك ميراثا وأخذ المشتري ديته وميراثه بالولاء ثم ادعى البائع الولدين ثبت نسبهما منه وأخذ الدية والميراث من المشتري لان

[ 109 ] حرية الاصل قد ثبت للمقتول ضرورة ثبوتها في الآخر وذلك مناف لولاء المشترى فانما أخذ ميراثه بالولاء فإذا ظهر المنافى للولاء وجب رده ولو اعادهما المشترى أولا فانهما ابناه لانهما مملوكان له محتاجان إلى النسب فان ادعاهما البائع بعد ذلك لم يصدق لوقوع الاستغناء لهما عن النسب بثبوت نسبهما من المشترى. قال أمة حبلت في ملك رجل فولدت غلاما وكبر فزوجه المولى أمة له فولدت غلاما ثم باع الاسفل وأعتقه المشتري ثم ادعى البائع الابن الاول فهو ابنه لان العلوق به كان في ملكه وينتقض بيع المشترى وعتقة في ابن الابن لانه تبين انه كان حرا قبل بيعه فانه انما ولد من أمة المولى ومن ملك ابن ابنه فعتق عليه وكان ذلك سابقا على بيعه فيبطل به البيع وعتق المشترى اياه ضرورة وهو بمنزلة التوأم كما قررنا ولو لم بدع البائع الذى عنده ولكن ادعى الذى باع انه ابنه كانت دعوته باطلة لانه وان حصل العلوق في ملكه فقد نفذ فيه من جهة المشترى مالا يحتمل الابطال وهو العتق فلهذا لا تصح دعوته فيها. قال أمة ولدت ولدين في بطن واحد ولم يكن أصل الحبل عند هذا المولى فباع أحدهما وأعتقه المشترى ثم ادعاهما البائع فهما ابناه لانه لما بقى أحد الولدين عنده فدعوته فيه صادفت ملكه فيثبت نسبه منه ومن ضرورة ثبوت نسب احدهما ثبوت نسب الاخر ولكن لا ينتقض عتق المشترى ولا البيع لان أصل العلوق بهما لم يكن في ملك البائع فدعوته دعوة التحرير فينزل منزلة الاعتاق والتوأمان ينفصل أحدهما عن الآخر في الاعتاق فليس من ضرورة عتق أحدهما بدعوة البائع ابطال البيع وعتق المشترى في الآخر بخلاف ما إذا كان العلوق بهما في ملك البائع فان دعوته هناك دعوة استيلاد يستند إلى وقت العلوق فيثبت به حرية الاصل للذى بقي عنده ومن ضرورته حرية الاصل للآخر فلهذا بطل البيع والعتق (ألا ترى) ان الجارية المشتركة بين اثنين إذا ولدت فادعاه أحدهما فان كان أصل العلوق في ملكهما لم يضمن من قمية الولد لشريكه شيئا وان لم يكن أصل العلوق في ملكهما ضمن نصف قيمة الولد لشريكه ان كان موسرا لان دعوته دعوة تحرير فيجعل بمنزلة اعتاقه الولد مقصودا. قال أمة في يد رجل وفي يده ولد لها وفى يد رجل آخر ولد لها فادعى الذى في يده الولد أن الولدين جميعا ابناه ولد من هذه الامة في بطن واحد أو في بطنين وان الامة أمته وأقام البينة علي ذلك وادعى الذي في يديه مثل ذلك وأقام الببنة علي ذلك فانه يقضى بالامة والولدين جميعا للذى الامة في يديه لان كل واحد منهما يدعى حق

[ 110 ] العتق فيها بسبب أمية الولد فكان دعواه حقيقة العتق فيها والبينة بينة ذى اليد لان كل واحدة من البينتين قامت لاثبات الولاء والولاء بمنزلة النسب فيترجح بينة ذى اليد فإذا قضينا بالامة له أثبتنا نسب الولدين منه لانهما ولد أم ولده قد ادعاهما واجنبي ادعى نسب ولد أم ولد الغير وهذا لان استحقاق الاصل بالبينة توجب استحقاق الزوائد المنفصلة قال ولو كانت أمة في يد رجل وفي يديه ولد لها فجاء آخر يدعيها ولا يدعى ولدها وفى يده ولد لها آخر يدعيه وأقام البينة على دعواه وأقام الذى هو في يديه البينة أن الامة أمته ولدت الابن الذي في يديه منه ولا يعرف أي الولدين أكبر وقد ولدتهما في بطنين قضيت بالامة للذى في يديه لدعواه أمته الولد فيها وقضيت لكل واحد منهما بالابن الذى ادعاه وهو في يديه لان كل واحد منهما يدعى نسبت أحد الولدين وخصمه لا ينازعه في ذلك وكل واحد من الولدين محتاج إلى النسب وذلك كافي للقضاء بنسبه منه بمجرد الدعوة فكيف ذا أثبته بالبينة بخلاف ما سبق فان المنازعة بينهما هناك في نسب الولدين فرجحنا المقضي له بالجارية لان استحقاقه الاصل شاهد له فيما يدعى من نسب الولد ولانا قضينا له بالفراش حين قضينا بأمية الولد من جهته في الام وثبوت النسب باعتبار الفراش فإذا ادعاه كان أولى به وإذا نفاه ثبت من الذى ادعاه لاقامة البينة عليه واحتمال أن يكون لما ادعاه سببا صحيحا. قال أمة في يد رجل له منها ولد فادعى آخر أن الذى الامة في يديه زوجها منه وولدت على فراشه هذا الولد وأقام الذي في يديه البينة الامة ان الامة لهذا المدعى وانه زوجها منه وولدت على فراشه هذا الولد فالامة بمنزلة أم موقوفة في يدعى الذى هي في يديه لا يطأها واحد منهما لان كل واحد منهما أقر بولادتها منه والملك فيها لاحدهما فيثبت أمية الولد فيها ثم كل واحد منهما ينفيها عن نفسه ويقول انها في ملك صاحبي وقد ادعى نسب ولدها فصارت بمنزلة أم الولد له فبقيت موقوفة لا يطأها واحد منهما كمن اشتري عبدا ثم ان البائع اعتقه وجحد البائع ذلك كان موقوفا الولاء فأيها مات عتقت هي لان الحى منهما قد أقر بعتقها بموت صاحبه وصاحبه كان مقرا بأن اقرار الحى فيهما كان نافذا فلهذا تعتق بموت احدهما والولد للذي هو في يديه لان دعواهما فيه دعوى النسب وبينة ذى اليد في دعوى النسب تترجح علي جانب الخارج. قال أمة في يدي رجل وفي يده ولد لها فادعى آخر أنه تزوجها بعد اذن مولاه فولدت له على فراشه هذا الولد الذى في يد مولاها وأقام البينة على ذلك وأقام المولى

[ 111 ] البينة أنه ابنه ولد على فراشه من أمته هذه فانى أقضى بالولد للزوج وأثبت نسبه منه لان ثبوت النسب باعتبار الفراش وفراش النكاح أقوى في اثبات النسب من فراش الملك (ألا ترى) أن النسب الذى يثبت بالنكاح لا ينتفى بمجرد النفى والذي يثبت بملك اليمين ينتفى بمجرد النفى والضعيف لا يظهر في مقابلة القوى فلهذا أثبتنا النسب من الزوج ولكنه يعتق باقرار المولى لانه قد أقر بحريته حين ادعى نسبه وكذلك الامة بمنزلة أم الولد للمولى لانه كما أقر للولد بالحرية فقد أقر لها بحق الحرية بسبب هو محتمل في نفسه فيثبت لها حق أمية الولد حتى إذا مات المولى عتقت وهذا لانه انما يمتنع العمل باقراره في ابطال ما صار مستحقا لغيره وهو النسب فأما فيما وراء ذلك يجعل هو كالمقر بالحق لانه ليس فيه ابطال حق لاحد. قال حرة ولدت ولدين في بطن واحد فكبرا واكتسبا مالا ثم مات أحدهما عن ابنين ثم ادعى رجل أنه تزوج المرأة وانهما ابناه منها وأقرت المرأة وحدها بذلك فانها لا تصدق على غيرها لان الولد الثاني كبير يعبر عن نفسه فلا يثبت نسبه من الغير بدعواه الا عند تصديقه وكذلك الميت منهما ابناه قائمان مقامه فلا يثبب نسبه بدعواه الا بتصديقهما ولم يوجد واقرار المرأة ليس بحجة على أحد منهم ولكنه حجة عليها فيشركها في نصيبها من ميراث ابنها لانها زعمت أن الميت منهما خلف ابنين وأبوين فللابوين السدسان والباقى للابنين فقد أقرت بان حق الاب وحقها في تركته سواء فيقسم مافى يدها بينهما نصفان وليس من ضرورة الشركة في الميراث في نصيب المقر ثبوت النسب فان المال يستحق باسباب وأصله في أحد الاخوين إذا أقر باخ ثالث فان أقر الابن الثاني بذلك ثبت نسبهما جميعا منه لان نسب المقر قد ثبت بتصديقه ومن ضرورة ثبوت نسب الآخر فانهما توأم وان أقرابن الميت بذلك وهو محتمل ثبت نسبهما منه لان ابن الميت قائم مقام الميت وهو في حياته لو صدق ثبت نسبهما منه فكذلك إذا صدقه من يخلفه. قال أمة ولدت غلاما فاقر المولى ان هذا الولد من زوج حر أو عبد معروف فان صدقه المقر له أو كان ميتا أو غائبا ثم ادعى المولى انه ابنه عتق بدعواه لاقراره بحريته ولا يثبت نسبه منه لانه ثابت من المقر له بحكم اقراره وعند التصديق غير مشكل وعند غيبته وهو موقوف علي حقه فلا يملك أن يدعيه على نفسه وان كان المقر له حاضرا فكذبه ثم ادعاه المقر بعد ذلك لنفسه قال أبو حنيفة رحمه الله لا يثبت نسبه منه وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يثبت نسبه منه لان اقرار المقر قد بطل بتكذيب

[ 112 ] المقر له وبقى الولد محتاجا إلى النسب فإذا ادعاه المولى في حال حاجته وليس فيه ابطال حق غيره يثبت منه (ألا ترى) أن المشترى للعبد إذا أقر بالولاء للبائع وكذبه البائع ثم ادعاه لنفسه ثبت الولاء منه والولاء بمنزلة النسب في أنه لا يحتمل الابطال بعد ثبوته ثم هناك بالتكذيب يبطل اقراره لغيره ويصير كأن لم يكن فكذلك هنا وأبو حنيفة رحمه الله يقول في كلامه الاول اقرار بشيئين أحدهما ثبوت النسب من الغير والاخر خروجه من دعوى هذا النسب أصلا وبتكذيب المقر له انما يبطل ما هو من حقه فأما مالا حق له فيه لا يبطل الاقرار فيكه بتكذيب وخروج المقر من دعوى هذا النسب ليس بحق للمقرله فيبقى الحال فيه بعد التكذيب على ماكان قبله والدليل عليه أن بتكذيبه لا يبطل الاقرار لان النسب مما لا يحتمل الابطال أصلا بل بقى موقوفا على حقه حتى لو ادعاه ثبت منه فلا يملك المولى دعواه لنفسه في حال توفقه علي حق الغير كولد الملاعنة إذا ادعى غير الملاعن نسبه لا يثبت منه لانه يبقى موقوفا علي حق الملاعن فيمنع ذلك صحة دعوة غيره وهذا بخلاف الولاء فانه أثر من أثر الملك وأصل الملك محتمل النقل من شخص إلى شخص فكذلك أثره الا أنه انما لا يحتمل الابطال بعد تقرر سببه وهو العتق من واحد لعدم تصور ذلك السبب من غيره حتى لو تصور بأن كانت أمة فارتدت ولحقت بدار الحرب وسبيت فملكها رجل وأعتقها كان ولاؤها له دون الاول وهنا السبب كان موقوفا لم يتقرر للبائع ويحتمل تقرره من قبل المشترى بدعواه لنفسه فلهذا يثبت الولاء له بخلاف النسب ولو لم يقر المولي بشئ منه من ذلك ولكن أجنبي قال هذا الولد ابن المولى فأنكره المولى ثم اشتراه الاجنبي أو ورثه فادعى أنه ابنه عتق ولم يثبت نسبه منه في قول أبى حنيفة رحمه الله وهذا والاول سواء لان الاقرار بالنسب في حق المقر يعتبر فيما لا يتناول حق المقر مالكا كان أو أجنبيا وكذلك لو شهد شاهدين بنسب لغيره ثم ادعى لنفسه ثم لم يثبت نسبه في قول أبى حنيفة رحمه الله لما بينا أن بشهادته لغيره قد أخرج نسبه من ذلك النسب فلا يمكنه أن يدعيه لنفسه بعد ذلك قال ولو شهدت امرأة على صبي انه ابن هذه المرأة ولم تقبل شهادتهما بالنسب ثم ادعت الشاهدة أن الصبى ابنها وأقامت علي ذلك شاهدين لم يقبل ذلك منها لانها بشاهدتها قد أخرجت نفسها من دعوى نسب هذا الولد فان الولد لا يثبت نسبه من المرأة الا بانفصاله عنها وبعدما زعمت أنه انفصل من المشهود لها لا يمكنها أن تدعى انفصاله منها والبينة على النسب بدون الدعوى لا تكون مقبولة ولو

[ 113 ] كبر الصبي فادعى انه ابنها واقام علي ذلك شاهدين قضى القاضى بنسبه منها لان الابن يدعى ما هو من حقه فان نسبه وان كان ثابتا إلى أبيه فإذا كان ثابت النسب من أمه يكون كريم الطرفين ولم يسبق منه ما يناقض ويمنعه من هذه الدعوى فوجب قبول بينته (ألا ترى) أن الام لو كانت جاحدة أصلا قبلت بينة الابن عليها فكذلك إذا كانت مناقضة في قولها وكذلك لو ادعى رجل صبيا في يد امرأة انه ابنه وهى تنكر فشهد له شاهد فلم يقبل القاضى شهادته ثم ان الشاهد ادعي الصبي انه ابنه وان المرأة امرأته وأقام البينة على ذلك لم تقبل بينته لان بشهادته صار مخرجا نفسه من هذه الدعوى ولو ادعته المرأة عليه وأقامت البينة قبلت بينتها لانها تدعى ما هو من حقها فان في ثبوت نسب ولدها من رجل دفع تهمة الزنا عنها حتى تكون محصنة ولم يسبق منها ما يمنعها من هذه الدعوى فوجب قبول بينتها عليه قال ولو ادعي رجلان صبيا في يد امرأة كل واحد منهما يقول هو ابني منها بنكاح وهى ينكر ثم ادعت المرأة علي آخر أنه تزوجها وهذا الصبي لها منه وشهد لها بذلك الرجلان المدعيان للصبي لم أقبل شهادتهما لانهما بالدعوى الاولى صار مناقضين في هذه الشهادة وتأثير التناقض في الشهادة أكثر منه في الدعوى فإذا كان هذا النوع من التناقض يمنعه الدعوى فلان يمنعه من الشهادة كان أولى وكذلك صبي في يد امرأة شهد رجل أنه ابن فلان ورد القاضى شهادته ثم شهد هو وآخر أنه ابن رجل آخر لم تقبل هذه الشهادة لكونه أحد الشهادين متناقضا فيها. قال وإذا أقر الرجل ان أمته حبلي من رجل قد مات ثم ادعى انه منه فولدت لاقل من ستة أشهر عتق لاقراره بحريته ولم يثبت نسبه منه لان تيقنا بوجوده في بطن الام حين أقر بنسبه لغيره وثبوت النسب من وقت العلوق والاقرار به حال كونه موجودا في البطن والاقرار به بعد الانفصال سواء فلا تسمع منه الدعوى لنفسه بعد الاقرار الاول وهذه هي الحيلة أن يشترى جارية حاملا إذا أراد أن يتحرز عن دعوى البائع بأمره بأن يقر أن الحبل بها من فلان الميت ثم يشتريها المشترى فإذا ادعاه البائع بعد ذلك لنفسه لا يسمع دعواه ولا يبطل ملك المشترى فيها ولا في ولدها ولو أقر أن الحبل بها من زوج ثم مكث سنة ثم قال هي حامل منى فولدت لاقل من ستة أشهر من الاقرار الاخر فهو ابن المولى ثابت النسب منه لانه لم يسبق منه ما يخرجه من دعوى نسبه الآخر فانه لم يكن موجودا في البطن عند كلامه الاول انما هو من علوق حادث فان (قيل) هو مالك لام الولد وقد أقر أنها منكوحة

[ 114 ] الغير وفراش النكاح للغير عليها يمنع المولى من دعوى نسبها (قلنا) ذلك الاقرار ليس بموجب لنكاح الغير عند العلوق بالثاني لان بقاء ما عرف ثبوته لعدم الدليل المزيل لا لوجود الدليل المنفى ودعواه نسب الولد الثاني تنصيص منه على كونها فراشا له حين علقت بالثاني فهذا دليل موجب لفراشه فلا يعارضه ما كان ثابتا لعدم الدليل المزيل حتى يكون دافعا له. قال رجل قال لامته الحامل ان كان حملها غلاما فهو منى وان كان جارية فهو من زوج زوجتها اياه أوقال ان كانت جارية فليست منى فولدت غلاما وجارية لاقل من ستة أشهر فهما ولداه لان كلامه يشتمل على شيئين أحدهما معتبر والآخر لغو فالمعتبر دعواه نسب ما في بطنها واللغو التقسيم فيما بين الغلام والجارية نفيا واثباتا فان هذا رجم بالغيب ولا طريق له إلى معرفته فاعتبر من كلامه ما أمكن اعتباره وقد تيقنا بوجودهما في البطن حين ادعى نسب أحدهما وهما توأم فدعواه نسب أحدهما كدعواه نسبهما فلهذا قضى بانهما ولداه ولو أقر أنه زوج أمته رجلا غائبا وهو حي لم يمت ثم جاءت بولد بعد قوله لستة أشهر فادعاه المولى لم يصدق لان اقراره بالنكاح بزوج معروف اقرار صحيح فيثبت به نكاح الغائب في حقه فدعواه بعد ذلك في ابطال حق ذلك الغائب غير مسموع بخلاف ما تقدم من اقراره أنه من زوج لان ذلك اقرار بالنكاح للمجهول والاقرار للمجهول باطل وليس في دعواه نسب ولد علق بعد ذلك ابطال حق ثابت لغيره فلهذا أثبتنا النسب منه. قال ولو أقر أنه ولد مكاتبه من زوج ثم ادعي هو نسبته لم يصدق عليه لان بالكلام الاول أخرج نفسه من دعوى نسب هذا الولد ولكن يعتق عليه لان ولد المكاتبة مكاتب مع أمه فكان مملوكا للمولى كالامة حتى يملك اعتاقه فكذلك يملك اقراره فيه بما يوجب الحرية ولا يضمن للمكاتبة شيئا لانه حصل بعض مقصودها فانها انما تسعى لتحصيل الحرية لنفسها ولاولادها وكذلك ولد المدبرة وأم الولد فيما ذكرنا وكذلك أمة بين رجلين ولدت فأقر كل واحد منهما انه ابن الآخر ثم ادعاه احدهما بعد ذلك لم يصدق على النسب لانه اقر بانه ابن لشريكه وذلك يخرجه من دعوى نسبه فلا تصح دعواه لنفسه بعد ذلك وقد عتق الولد بقول الاول منهما لاتفاقهما على حريته سواء كان ابنها لهذا أو لذاك وصارت الام بمنزله ام الولد موقوفة لتصادقهما على ثبوت حق امية الولد لها ونفى كل واحد منهما ذلك عن نفسه فأيهما مات عتقت لان الحي منهما يزعم انها ام ولد للميت وقد عتقت بموته والميت كان مقرا بنفوذ اقرار الحى فيها لانها ام ولده فلهذا عتقت بموت احدهما. قال رجل

[ 115 ] علقت جاريته في ملكه فولدت فادعى الولد ابوه ثبت نسب الولد منه وصارت الجارية ام ولد له وعليه للمولى قيمة الولد للجارية لان الشرع اضاف مال الولد إلى الاب بقوله ﷺ انت ومالك لابيك واثبت له حق تملك المال على ولده عند الحاجة ولهذا كان له أن ينفق من ماله بالمعروف وحاجته إلى النفقة لابقاء نفسه إلى الاستيلاد لابقاء نسله فان بقاءه معني ببقاء نسله الا أن الحاجة إلى ابقاء النفس أصلى فيثبت له ولاية صرف مال الولد إلى حاجته من غير عوض وحاجته إلى ابقاء نسله ليس من أصول الحوائج فلا يبطل حق الولد عن مالية الجارية فكان له أن يتملكها بضمان القيمة نظرا من الجانبين وروى عن بشر رحمه الله أنه قال آخر ما استقر عليه قول أبى يوسف رحمه الله ان الجارية لا تصير أم ولد للاب ولكن الولد حر بالقيمة بمنزلة ولد المغرور فيغرم الاب عقرها وقيمة ولدها لان حق ملك الاب في مال ولده لا يكون أقوى من حق ملك المولى في كسب مكاتبه فانه يملك رقبة المكاتب ولا يملك رقبة ولده ثم لو ادعى ولد جارية مكاتبه لا تصير الجارية أم ولد له ولكن ان صدقه المكاتب فالولد حر بالقيمة فكذلك هنا الا ان هناك يحتاج إلى تصديق المكاتب لان المولى حجر على نفسه عن التصرف في كسب مكاتبه ودعوة النسب تصرف منه فلا ينفذ الا بتصديقه * ووجه ظاهر الرواية ان للمولى في كسب المكاتب حق الملك وذلك كاف لثبات النسب فلا حاجة به الي تملك الجارية وإذا لم يتملكها لا تصير أم ولد له وليس للوالد في مال ولده حق الملك بدليل انه يباح للابن أن يطأ جارية نفسه فلا يمكن اثبات النسب فيه الا بتقديم بملك الجارية فيه على الاستيلاد صيانة لمائه من الضياع وإذا صار متملكا لها فانما استولد ملك نفسه فتصير أم ولد له فلهذا لا يلزمه قيمة الولد لانه علق حر الاصل ولا عقر عليه عندنا وقال زفر والشافعي رحمهما الله عليه العقر لان وطأه حصل في ملك الغير فلا يخلو عن ايجاب حد وعقر وقد سقط الحد لشبهة فيجب العقر كما لو وطئها فلم تحبل وهذا لان ملكه اياها أن يقدم على العلوق ولكن لا يضيع ماءه فيبقى أصل الوطئ حاصلا في ملك الغير (ألا ترى) انه يسقط به احصان الاب ولنا ان ملكه اياها مقدم على فعل الاستيلاد وأصل الوطئ إذا اتصل به العلوق يكون استيلادا كالجرح إذا اتصل به ذهوق الروح يكون قتلا من الاصل فإذا تقدم ملكه اياها على فعل الاستيلاد كان واطئا ملك نفسه فلا يلزمه العقر غير أن تقديم هذا الملك ضرورة تصحيح الاستيلاد فلا يعد وموضع الضرورة ففى حكم الاحصان لا يظهر هذا الملك لانعدام الضرورة

[ 116 ] فيه ولان المستوفي في حكم جزء من عينها وقد غرم بفعله جميع بدل نفسها ويسقط اعتبار بدل الجزء كمن قطع يد انسان خطأ ثم قتله خطأ قبل البرء أما إذا اشتراها الابن حاملا فولدت بعد الشراء بيوم فادعاه أبوه لم يثبت النسب منه إذا أكذبه الابن لان ثبوت النسب من الاب بشرط تملكها على الابن من وقت العلوق وقد تعذر ايجاد هذا الشرط هنا لانها عند العلوق ما كانت في ملك الابن ولا كان للاب فيها ولاية النقل إلى نفسه لحاجة ولان دعوته هنا دعوة التحرير فيقتصر علي الحال ولا كان للاب فيها ولاية ويكون بمنزلة الاعتاق وليس للاب ولاية الاعتاق في مال ولده بخلاف الاولى فان دعوته دعوة الاستيلاد والى هذا أشار فقال لو جعلته ابنه لم أضمنه قيمة الام لتعذر تملكه عليه اياها من وقت العلوق وكل ولد لا يضمن الاب فيه قيمة الام فهو غير مصدق عليه الا أن يصدقه الابن فحينئذ يثبت النسب منه بمنزلة أجنبي آخر إذا ادعاه فصدقه المولى وهذا لان الحق لهما فما تصادقا عليه محتمل فيجعل كانه حق وكذلك ان باعها الابن قبل أن تلد ثم ولدت فادعاه أب البائع لم تصح دعوته لتعذر ايحاد شرطه وهو يملك الام عليه حين لم يكن في ملك الولد وقت الدعوة وكذلك ان باعها بعد العلوق ثم اشتراها فولدت لان شرط صحة دعوته تملكها عليه مستند إلى وقت العلوق وقد تعذر ذلك لما تخلل من زوال ملك الابن وكذلك المدبرة بحبل في ملك مولاها وتلد فادعا الولد الاول أبوه لم يثبت نسبه منه لان ما هو الشرط وهو النقل إلى ملك الاب بضمان القيمة متعذر في المدبرة وكذلك أم الولد إذا ولدت ولدا فنفاه المولى فادعاه أبوه وروى ابن سماعة عن أبى يوسف رحمهما الله في المدبرة ان دعوة الاب صحيحة يثبت نسب الولد منه يضمن عقرها وقيمة الولد مدبرا وهذا على الاصل الذى ذكرنا لابي يوسف رحمه الله انه لا يتملك الجارية ولكنه بمنزلة المغرور في دعوى النسب وفى هذا القنة والمدبرة سواء الا أنه يضمن قيمته مدبرا لانه كما انفصل عن أمه انفصل مدبرا فانما يضمن قيمته على الوجه الذى أتلفه بدعوته وفرق على هذه الرواية بين ولد المدبرة وولد أم الولد فقال ولد أم الولد ثابت النسب من مولاها لماله عليها من الفراض فيمنع ذلك صحة دعوة الاب وان نفاه المولى كما في ولد الملاعنة فأما ولد المدبرة غير ثابت النسب من مولاها فتصح دعوة أبيه فيه وكذلك ولد المكاتبة يدعيه أب مولاها فانه غير مصدق على ذلك لتعذر شرط صحة الدعوة وهو يملكها عليه بضمان القيمة فان ولدته وهى مكاتبة أو كاتبها بعدما ولدت أو كاتب الولد لم تصح دعوة الاب

[ 117 ] في الفصول كلها لان الولد هو المقصود وقد تقرر فيه من جهة الابن ما يمنع نقله إلى الاب فلهذا لم تصح دعوته وان كاتب الام بعد الولادة ثم ادعى الاب نسب الولد قال في هذا الموضع لا تصح دعوته وقال بعد هذا تصح دعوته ويثبت نسب الولد منه ولا يصدق في حق الام وما ذكر هنا قول محمد رحمه الله وما ذكر بعد هذا قول أبى يوسف رحمه الله نص علي الخلاف في الجامع في البيع إذا باع الام بعد الولادة ثم ادعي أبوه نسب الولد يثبت نسبه في قول أبى يوسف ولم يثبت في قول محمد فكذلك إذا كاتبها * وجه قول محمد رحمه الله ان شرط صحة الدعوة يملكها عليه بضمان القيمة وقد تعذر ذلك حين كاتبها أو باعها فلم تصح دعوته كولد المدبرة وأم الولد * وجه قول أبى يوسف رحمه الله ان الولد هو المقصود بالدعوة وقد ثبت الاب حق استلحاق نسبه بالدعوة قبل كتابة الام فلا يتعين بذلك كتابة الام بخلاف ولد المدبرة وأم الولد فان المانع هناك في الولد موازاته ما نحن فيه ان لو كاتبها جميعا قال وان ادعى ولد جارية ابنه والابن حر مسلم والاب عبد أو مكاتب أو كافر لم تصح دعوته لان شرط ثبوت النسب ولاية النقل فيها إلى نفسه بضمان القيمة والرقيق والكافر لا ولاية له على ولده فلم تصح دعوته لتعذر اتحاد شرطه فلو كان الاب مسلما والابن كافرا صحت دعوته وطعن عيسى رحمه الله في هذا الحرف فقال كما ليس للكافر ولاية على ولده المسلم فليس للمسلم ولاية على ولده الكافر حتى لا يرث أحدهما صاحبه ولا يثبت له ولاية التزويج والتصرف في ماله في صغره فلا يتملكه بالاستيلاد والصحيح ما ذكر في بعض ظاهر الرواية والفرق من وجهين أحدهما ان التملك بالاستيلاد ابقاء أثر الولاية التى كانت ثابتة في حال الصغر فإذا كان الاب مسلما فلا يكون الابن مقرا على كفره الا بعد ان يكون اسلام الاب طارئا وقد كانت ولايته قبل اسلامه فيبقى أثره حق الملك بالاستيلاد فأما الابن إذا كان مسلما فهو مسلم أصلى باسلام أمه ولم يكن للكافر عليه ولاية قط فلا يبقى أثر ولابنه في الاستيلاد ولان التملك بالاستيلاد لكرامة الاب فيثبت للمسلم على الكافر الولاية التي يرجع إلى كرامة المسلم كولاية الشهادة ولا يثبت للكافر على المسلم مثل هذه الولاية فلهذا افترقا ولو كانا جميعا من أهل الذمة ومللهما مختلفة جازت دعوة الاب فيه لان لبعضهم على البعض ولاية مع اختلاف الملل. قال ولا تجوز دعوة الجد إذا كان الاب حيا لانه ليس له ولاية على النافلة ولا في ماله في حياة الاب فكان هو كسائر الاجانب فان كان الاب

[ 118 ] ميتا فالجد في الولاية قائم مقام الاب بعد وفاته لصحة دعوة النسب منه وان كان الجد من قبل الام لم تجز دعوته في الوجهين جميعا لانه لا ولاية له على ولد ابنته ولا في ماله فلا يمكن ايجاد شرط الدعوة وهو تملك الجارية عليه بالاستيلاد وان كان قد وطئ جاريته ثم ولدت فلم تدعه وادعاه أبوه جازت دعوته لان موطؤة الابن محتملة للقل؟ إلى الاب بالعوض وان كانت لا تحل له فيتحق فيها ما هو شرط الدعوة. قال وإذا ادعى الاب نسب ولد جارية الابن فضمن قيمتها للابن ثم استحقها رجل بالبينة فانه يأخذها وعقرها وقيمة ولدها لان الاب هنا بمنزلة المغرور لانها مملوكة الابن ظاهرا وللاب حق الاستيلاد في ملك الابن فإذا ظهر الاستحقاق تبين انه كان مغرورا فيغرم عقرها وقيمة ولدها ويرجع على الابن بما أدى إليه من قيمتها لانه تبين انه لم يتملكها على أبيه وأنه استوفى القيمة منه بغير حق وكذلك لو وطئ أمة مكاتبة فولدت وادعاه المولى وصدقه المكاتب ثم استحقها رجل قضى للمستحق عليه بالعقر وقيمة الولد لانه بمنزلة المغرور فان له في كسب المكاتب حق ملك يكفى لصحة استيلاده وبالاستحقاق تبين أنه كان مغرورا فيغرم للمستحق عقرها وقيمة ولدها ويرجع على المكاتب بما غرم له من العقر وقيمة الولد لانه ما أتلف على المكاتب شيئا فلا يسلم للمكاتب شئ من قيمته والله أعلم بالصواب (باب الحميل والمملوك والكافر) قال رضي الله عنه الاصل ان اقرار الرجل يصح بأربعة نفر بالاب والابن والمرأة ومولى العتاقة واقرار المرأة يصح من ثلاثة نفر بالاب والزوج ومولى العتاقة ولا يصح اقرارها بالولد) لان اقرار المرء علي نفسه مقبول. قال الله تعالي بل الانسان على نفسه بصيرة وعلى الغير مردود للتهمة فالرجل بالاقرار مقر بالولد على نفسه لان الولد ينسب إليه والمرأة تقر على الغير وهو صاحب الفراش لان الولد ينسب إليه لا إليها فلم يصح اقرارها بالولد لهذا وفى الثلاثة هي مقرة علي نفسها كالرجل فيصح الاقرار والاقرار بما سوى هذه الاربعة من القرابات كالاخواة والاعمام لا يصح لانه يحمل نسبه على غيره فان ثبوت النسب بينهما لا يكون الا بواسطة وفي تلك الواسطة اقرار على الغير فلم يكن صحيحا والاصل فيه حديث عمر رضي الله عنه لا يورث الحميل الا ببينة وأصل هذه ما روي عن الشعبي رحمه الله ان امرأة

[ 119 ] سبيت ومعها صبي فاعتقا وكبر الصبي واكتسب مالا ثم مات فقالوا للمرأة خذى ميراث ابنك فقالت ليس هو ابني ولكنه ابن دهقان القرية وكنت ظئرا له فكتب بذلك إلى عمر رضى الله عنه فكتب أن لا يورث الحميل الا ببينة قال محمد رحمه الله الحميل عندنا كل نسب كان في أهل الحرب وليس هذا بشئ يختص بأهل الحرب فان الحميل من يحمل النسب على الغير فعيل بمعنى فاعل أو من بحمل نسبه على الغير فعيل بمعنى مفعول كالقتيل بمعنى مقتول الا أنه انما وضعه في أهل الحرب بناء على العادة لانه لا يمكن اثبات انسابهم بالبينة في دار الاسلام وقل ما يتعذر ذلك فيما بين المسلمين فلهذا وضعه في أهل الحرب فقال إذا سبى صبيان فاعتقا وكبرا فاقر كل واحد منهما أن الآخر أخوه لابيه وأمه لم يصدقا في ذلك لانهما يحملان النسب على الاب فالاخوة بينهما لا تثبت الا بواسطة الاب والام لان الاخوة عبارة عن مجاورة في صلب أو رحم وكذلك لو كان مع المسبي امرأة فاعتقت وادعت انه ابنها وصدقها في ذلك لم يصدقا بخلاف ما إذا كان مع المسبي رجل فاعتق ثم ادعا أن الصبي ابنه يثبت نسبه منه لانه يقر بالنسب علي نفسه ولان سبب ثبوت النسب من الرجل خفى لا يقف عليه غيره فمجرد قوله فيه مقبول وسبب ثبوت النسب من المرأة ولادة يطلع عليها غيرها فلا يقبل بمجرد قولها فان كان الصبي ممن يعبر عن نفسه أو كان بالغا لم يثبت النسب الا بتصديقه لان الاقرار يتوقف على تصديق المقر له إذا كان التصديق متأتيا ولانه من وجه يدعي عليه وجوب الانتساب إليه قال صلي الله عليه وسلم من انتسب الي غير أبيه أو اتممى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فلا يثبت المدعى عليه الا بتصديقه وانما يثبت عند التصديق إذا كان محتملا في نفسه وان لم يكن الولد معروف النسب من غيره ثم إذا أقرت المرأة بولد وصدقها لم يثبت النسب ولكنهما يتوارثان ان لم يكن لهما وارث معروف لان المقر يعامل في حق نفسه كان ما أقربه حق وانما لا يصدق في حق الغير لتمكن التهمة فإذا كان هناك وارث معروف تتمكن بينهما تهمة المواضعة على ابطال حق الوارث المعروف وإذا لم يكن هناك وارث معروف لا تتمكن تهمة المواضعة بينهما لان كل واحد منهما متمكن من انشاء سبب يجعل ماله لصاحبه كالوصية في عقد الموالاة فلا تتمكن فيه التهمة وقد ينفصل حكم الميراث عن النسب ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله لم يستحلف في النسب ويستحلف في المال المدعا به وهو الميراث فان شهدت لها امرأة

[ 120 ] على ذلك وقد صدقها الولد ثبت نسبه منها لان شهادة القابلة تظهر النسب وهو الولادة فانه مما لا يطلع عليه الرجال ولكن يشترط تصديق الولد لانه إذا كان مكذبا لهما لم يثبت النسب الا بحجة تامة وشهادة المرأة الواحدة ليست بحجة تامة وان لم يشهد لها امرأة وصدقها زوجها انه منه ثبت النسب منهما اما من الزوج باقراره فانه يقر على نفسه وإذا ثبت منه ثبت منهما تبعا لان الفراش له عليها وهو سبب لثبوت النسب منهما وانما يحال النسب علي هذا النسب الظاهر. قال وإذا اشتري العبد المأذون أمه فوطئها فولدت فادعي ولدها ثبت نسبه منه لان كسب العبد مضاف إليه شرعا قال ﷺ من باع عبدا وله مال وهذه الاضافة تؤثر في تصحيح الدعوة كما في دعوة الاب ولد جارية ابنه ولان من العلماء من يقول كسب العبد مملوكا له لانه يملك التصرف فيه وملك التصرف باعتبار ملك محله ولان حق صاحبه فيه مقدم على حق المولى حتى يصرف إلى ديته ولا يسلم للمولى ما لم يفرغ من دينه فتصير هذا شبهة وأدنى الشبهة تكفى لتصحيح دعوة النسب وكذلك مولاه لو سبق بالدعوة ثبت النسب منه لانه مالك لكسب العبد حقيقة ان لم يكن عليه دين فان كان عليه دين فهو يملك استخلاصها لنفسه بقضاء القاضى فيصير بدعوة النسب كانه استخلصها لنفسه. قال ولو زوج المولى هذه الامة من عبده صح النكاح كما لو زوجه أمة أخرى له وثبت النسب منه إذا ولدت وكذلك لو تزوجها بغير اذن المولى ثبت نسب الولد منه إذا أقر به لانه بدون شبهة النكاح يثبت النسب عند اقراره فعند شبهة النكاح أولى وكذلك لو تزوجها المولي فولدت لان النكاح لغو منه فيها فيثبت النسب عند اقراره بالولد كما لو لم يسبق النكاح وكذلك لو ادعى العبد ولد امرأة حرة بنكاح فاسد أو جائز لان العبد من أهل أن يثبت النسب منه واقراره بالنسب لا يمس حق المولي وفيما لا يتناول حق المولى اقرار العبد به كاقرار الحر كما في الاقرار بالقود والطلاق وفى كل شئ لا يصدق فيه الحر ما لم يملك الولد فكذلك العبد لا يصدق فيه ما لم يملك بعد عتقه فإذا ملكه بعد العتق عتق وثبت نسبه منه لان الاقرار بمال لا يحتمل الابطال يبقى موقوقا على ظهور حكمه بملك المحل وعند ذلك يصير كالمجدد للاقرار فيثبت حكمه في حقه وكذلك العبد المديون إذا ادعى ولد أمة اشتراها يثبت النسب منه لانه كسبه وليس في اقراره ابطال حق الغرماء فانه متمكن من بيعها وبيع ولدها بعد ثبوت النسب وكذلك لو ادعي أن مولاها أحلها له وكذبه المولى لان لا معتبر باحلال

[ 121 ] المولى فيما هو كسب العبد فعند تكذيب المولى تصير دعوى الاحلال كالمعدوم وبدونه يثبت النسب من العبد. قال وان ادعى ولدا من أمة لمولاه لم يكن من تجارته فادعى أن مولاه أحلها له أو زوجها اياه فان كذبه المولى في ذلك لم يثبت النسب منه لانه لا حق له في جارية المولى فهو في هذه الدعوة كاجنبي آخر الا انه إذا أعتق فملكه يثبت النسب منه بمنزلة حر يدعيه ثم يملكه يثبت النسب منه في دعوى النكاح قياسا واستحسانا وفي دعوى الاستحلال استحسانا وفى القياس دعوى الاستحلال ليس بشئ لان هذا المحل غير قابل للاحلال والاحلال ليس بعقد بل هو بمنزلة الرضا فكأنه ادعى أنه زنا بها برضاء مولاها وبهذا لا يثبت النسب ولكنه استحسن فقال الاحلال من وجه كالنكاح فان ملك النكاح يسمى ملك الحل ولا يثبت له بالنكاح ملك عينها ومنافعها انما يحل له أن يطأها فكان الاحلال مورثا شبهة من هذا الوجه والنسب يثبت في موضع الشبهة فان صدق المولى عبده في ذلك ثبت النسب منه الا أن في دعوى النكاح يحتاج إلى التصديق في النكاح خاصة وفى دعوى الاحلال يحتاج إلى التصديق في شيئين في أنه أحلها له وانها ولدت منه لان الاحلال أضعف من المتعة والمتعة عقد والاحلال ليس بعقد فلضعفه قلنا لا يثبت النسب منه الا باقرار بهما وهذا لان العقد ثبت في المحل فبعد ثبوته لا يحتاج الي اقرار المولى بالولادة فأما الاجلال لا يثبت في المحل فلا يثبت النسب ما لم ينضم إليه الاقرار بان الولد منه قال ودعوة المكاتب ولد أمته جائزة لان حقه في كسبه أقوى من حق العبد المأذون فان للمكاتب حق الملك في كسبه وينقلب ذلك حقيقة الملك بعتقه وليس للعبد المأذون مثله فإذا صحت الدعوة من المأذون فدعوة المكاتب أولى ولا يحتاج المكاتب إلى تصديق المولى اياه بخلاف المولى إذا ادعاه فانه لا يثبت النسب منه الا بتصديق المكاتب وان كان لكل واحد منهما حق الملك لوجهين أحدهما أن المكاتب مستند بملك التصرف في كسبه والدعوى من باب التصرف وهو مما يحتاج إليه لصيانة مائه مستند به والثانى أن المولى حجر على نفسه عن التصرف في كسب المكاتب فلا تنفذ دعوته بسبب الحجر الذى الزمه نفسه ما لم يصدقه المكاتب ولم يوجد مثل ذلك الحجز في جانب المكاتب فيثبت النسب منه بالدعوة وان لم يصدقه المولى وكذلك لو ادعى ولدا من امرأة حرة بنكاح فاسد أو جائز وصدقته المرأة لانه في دعوى النسب كالحر قال ولو ادعى ولد أمة رجل بنكاح أو ملك وكذبه الرجل لم يصدق المكاتب كالحر إذا

[ 122 ] ادعاه فان عتق فملكه يوما ثبت نسبه منه وكان كالمجدد لاقراره حين ملكه. قال وإذا باع المكاتب أمة فولدت لاقل من ستة أشهر فادعي الولد صحت دعوته لانه في حق استلحاق النسب كالحر وإذا حصل العلوق في ملكه كان له حق الدعوة ويرد إليه الولد مع أهله لان استيلاده في كسبه يمنعه من بيع الام والولد فان الولد يدخل في كتابته تبعا له وثبوت حق الام بثبوت حق الولد فيمنع بيعها فكان هو كالحر في هذا بخلاف العبد المأذون فان هناك بثبوت النسب الولد منه لا يمتنع بيع الام والولد عليه فكذلك لا يرد إليه الولد ولا أمه إذا ادعى نسبه. قال وان وطئ المكاتب أمة ابنه وهو حر أو مكاتب بعقد على حدة لم يثبت النسب منه إذا كذبه الابن لان ثبوت دعوة الاب شرطه ولانه نقل الجارية إلى نفسه بضمنان القيمة وليس للمكاتب هذه الولاية فان ملكه يوما ثبت نسبه لان امتناع ثبوت النسب منه بدعوته لعدم ملك المحل وقد زال ذلك حين ملكه وان كانت الجارية لابن له ولد في مكاتبته أو اشتراه فولدت فادعاه المكاتب جازت دعوته وصارت الام أم ولد له ولم يضمن مهرا ولاقيمة لان كسب المولود في كتابته ومن يكاتب عليه بشرائه بمنزلة كسبه (ألا ترى) أنه يتمكن من أخذ ذلك كل ليستعين به على أداء المكاتبة وكانت هذه الامة في حقه بمنزلة أمته فلهذا ثبت النسب منه ولم يضمن عقرا ولا قيمة. قال رجل إذا ادعا ولد جارية مكاتب له لم يصدق الا بتصديق المكاتب لانه بعقد الكتابة جعل نفسه في التصرف في كسبه بمنزلة الاجنبي والدعوة من باب التصرف فان صدقه المكاتب ثبت النسب وكان حرا بالقيمة استحسانا وفى القياس هو عبد للمكاتب لان المولى في هذه الدعوة كالاجنبي لانه لو اشترى ابن مولاه وهو معروف لم يمتنع عليه بيع فكذلك إذا ادعى نسب ولد جاريته ولكنه استحسن فقال المولى بمنزلة المغرور لان له في كسب مكاتبه حق الملك وحق الملك من وجه بمنزلة حقيقة الملك فكانت بمنزلة الثابت للمغرور في الجارية المستحقة ولا ولد هناك يكون حرا بالقيمة نظرا من الجانبين فهذا مثله فال ولو ادعى الحر ولد مكاتبته وكذبته فهو ابنه لان رقبة المكاتب مملوكة لمولاها فكذلك ولدها يكون مملوكا له ودعوته في ملك نفسه دعوة صحيحة بخلاف ولد أمه المكاتب فان المولي غير مالك للامة ولا لولدها (ألا ترى) أن عتقه هناك لا ينفذ فيها ولا في ولدها وهنا ينفذ عتقه فيها وفي ولدها ولان الامة مع ولدها موقوفة على أن يتم الملك فيهما للمكاتب بالعتق فلا ينفرد المولي بابطال ذلك على المكاتب

[ 123 ] بالدعوة فأما ولد المكاتبة ليس بموقوف على أن يتم الملك فيه للمكاتبة وليس في تصحيح دعوته ابطال حق المكاتب بل فيه تحصيل بعض مقصودها فلهذا ثبت النسب وعتق الولد ولا ضمنان علي المولى في ذلك. قال ولو ادعى ولد ومكاتبه لم تصح دعوته الا بتصديق المكاتبة لانها أبعد من المولى من أمة المكاتب فان سبب بعدها عن المولى عقد الكتابة وفى أمة المكاتب للعبد سبب واحد في مكاتبة المكاتب بعدها من المولى بسببين فإذا لم تصح دعوته في أمة المكاتب الا بالتصديق ففى مكاتبة المكاتب أولى غير أن التصديق يكون إلى المكاتبة دون المكاتب الاعلى لان المكاتبة صارت أحق بنفسها وولدها والمكاتب حجر على نفسه عن التصرف فيها وفى ولدها فلهذا كان التصديق إليها دون المكاتب. قال وان ادعى ولد أمة مكاتب مكاتبة وكذبه مولاها وصدقه المكاتب الا على لم يصدق لان الحق في هذه الامة وولدها للمكاتب الاسفل والمكاتب الاعلى منها كالاجنبي (ألا ترى) أنه لو كان هو المدعى للولد لم تصح دعوته الا بتصديق الاسفل فكذلك إذا كان المدعى هو المولى لم تصح الا بتصديق الاسفل فان عجز الاسفل صارت الامة للمكاتب الاعلى فيعمل تصديقه الآن لان المولى مدع لولد أمته وقد صدقته في ذلك فيثبت النسب منه ويكون حرا بالقيمة وان صدقه المكاتب الاسفل ثبت النسب ولا يأخذه المولى بالقيمة لان معنى الغرور لا يتمكن هنا فانه غير مالك لرقبة الامة ولا لرقبة مولاها بخلاف أمة مكاتبه فان هناك يملك رقبة مولاها والكسب يملك الاصل فيتمكن الغرور بملكه رقبة مولاها وهناك لا يتمكن الغرور ولان أسباب بعدها عن المولى هنا قد كبرت وكان هو منها بمنزلة الاجنبي وفي أمة المكاتب سبب البعد واجب فبقيت الشبهه المثبتة لحكم الغرور وهو نظير ما قيل في ابن الاخ مع ابن العم فان قرابة ابن الاخ قرابة قربية لان البعد سبب الشغب في ابن الاخ من جانب واحد وفى ابن العم التشغب من الجانبين فنزل كل واحد منهما من صاحبه بمنزلة الاجنبي ولو ادعى ولد مكاتبته ولها زوج لم يصدق على النسب صدقها زوجها أو كذبه لان النسب قد ثبت من الزوج بالفراش الثابت له عليها وملك الرقبة غير معتبر في اثبات النسب مع فراش النكاح ولكن الولد يعتق باقراره لان ولد المكاتبة مثل أمه فانه داخل في كتابتها لو أعتقه المولى نفذ عتقه فيه فكذلك إذا ادعى نسبه كان اقرارا منه بالحرية وان لم يثبت النسب لثبوته من الزوج ويستوى ان كان الزوج حرا أو مكاتبا للمولى أو عبدا له لان فراش النكاح مثبت للنسب

[ 124 ] من هؤلاء بصفة واحدة. قال أمة بين رجلين علقت فباع أحدهما نصيبه من صاحبه ثم وضعت لاقل من ستة أشهر فادعاه المشترى ثبت نسبه وبطل البيع لان دعوته دعوة استيلاد فيستند إلى وقت العلوق ويثبت لها حق أمية الولد من ذلك الوقت فتبين انه اشترى أم ولده من غيره وكذلك يثبت للولد حقيقة الحرية من ذلك الوقت فيتبين انه اشتراها من صاحبها وفي بطنها ولد حر فكان الشراء باطلا والثمن منه ثم يغرم له نصف قيمتها ونصف عقرها لان الشراء صار كان لم يكن وأحد الشريكين إذا استولد الجارية المشتركة يتملك على صاحبه نصيبه لان أمية الولد لا يحتمل بالتجزى فان سببه نسب الولد وهو غير متجزى فصار متملكا نصيب شريكه من حين علقت بنصف القيمة لان تملك مال الغير عليه لا يكون مجانا وضمان التملك لا يختلف باليسار والاعسار ويغرم نصف عقرها أيضا لانه حين وطئها كان النصف مملوكا للشريك فيلزمه ضمان نصف العقر له وهو بخلاف ما تقدم في الاب يدعى نسب جارية ابنه لانه ليس للاب في جارية ابنه مما يمكن تصحيح الاستيلاد باعتباره فلا بد من تقديم الملك على الاستيلاد وإذا قدمناه صار وطؤه في ملك نفسه فلا يجب العقر وهنا المستولد ملك نصفها عند الاستيلاد وذلك كاف لتصحيح الاستيلاد فلا يقدم الملك في نصيب شريكه له على الاستيلاد فيبقى وطؤه حاصلا في ملك الشريك وحقيقة المعنى أن بملك الاب رقبة الجارية هناك شرط الاستيلاد وشرط الشئ يسبقه وهنا يملك نصيب شريكه بحكم الاستيلاد لان أمية الولد لا يحتمل التجزى وحكم الشى يعقبه ولا يقترن به وكذلك لو كان البائع هو الذى ادعاه لان قيام الملك له في نصفها عند العلوق كقيام الملك في جميعها في حق استلحاق النسب به فلا يبطل ذلك بالبيع ولكن البيع يبطل بدعوته فصار كان لم يكن فهو يدعى نسب ولد جارية مشتركة بينهما وقد بينا الحكم فيها فيه. قال أمة بين مسلمين أو بين مسلم وذمى كاتب احدهما نصيبه ثم جاءت بولدها فادعاه الآخر ثبت نسبه منه لانه مالك لنصيبه منها بعد كتابة الشريك وقد عرف الجواب في الكتابة من أحد الشريكين انها تتجزى عند أبى حنيفة رحمه الله سواء كان باذن الشريك وبغير اذنه ولا تتجزى عندهما سواء كان باذن الشريك أو بغير اذنه الا أنه إذا كان بغير اذنه فله حق النقض لانه يتضرر به في الثاني وهو عند الاداء وعقد الكتابة محتمل للفسخ فإذا تصرف أحد الشريكين تصرفا يحتمل النقض وفيه ضرر علي شريكه كان له أن ينقضه لدفع الضرر عن نفسه وان لم ينقضه حتي اتصل بها الاداء

[ 125 ] عتقت لوجود شرط العتق ولا يتمكن الشريك من الفسخ بعد ذلك لان العتق لا يحتمل الفسخ بعد الوقوع إذا عرفنا هذا فنقول نصيب المدعي منها يصير أم ولد له فأما نصيب المكاتب لا يصير أم ولد له في قول أبى حنيفة رحمه الله ما بقيت الكتابة وعندهما الكل صار أم ولد المستولد وأصل في مكاتبته بين شريكين استولدها احدهما عند أبى حنيفة رحمه الله يقتصر الاستيلاد على نصيبه لان المكاتبة لا تحتمل النقل من ملك إلى ملك واثبات أمية الولد في نصيب الشريك غير ممكن الا بالنقل إليه فإذا تعذر ذلك لا تثبت أمية الولد في نصيب الشريك كالمدبرة بين اثنين استولدها أحدهما يقتصر الاستيلاد على نصيبه وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يصير الكل أم ولد للمستولد لان التملك بالاستيلاد حكمي والمكاتب محلا له (ألا ترى) أن مكاتب المكاتب ينقل إلى المولي عند الاداء حتى يكون ولاؤه للمولى إذا أدى قبل أداء المكاتب الاعلى وكذلك المرتد إذا عاد من دار الحرب مسلما وقد كاتب الوارث عبداله يعاد ذلك العبد إليه مكاتبا ولان الكتابة محتملة للفسخ فيفسخ في نصيب الشريك لضرورة الحاجة إلى تحليل الاستيلاد لان ابقاءها لحقها وفي هذا توفير الحق عليها بخلاف التدبير فانه غير محتمل للفسخ فلهذا صار الكل أم ولد للمستولد عندهما إذا عرفنا هذا فنقول فيما نحن فيه إذا كاتب الكتابة باذن المستولد فان شأت عجزت نفسها فكانت أم ولد لمدعى الولد لان بالعجز انفسخت الكتابة فزال المانع من تملك المستولد نصيب شريكه وان شاءت مضت على الكتابة فإذا أدت عتق تصيب الذى كاتب منها ومن ولدها لانه يلقيها جهة حرية أحدهما عاجل بعوض والآخر آجل بغير عوض فكان لها أن تختار أي الجهتين شاءت فإذا عتقت عتق نصيب المستولد أيضا من الجارية والولد ولا يسعى له في شئ لان نصيبه منها أم ولد له ومن أصل أبى حنيفة رحمه الله ان رق أم الولد لا يتقوم وانها لا تسعى لمولاها عند العتق في شئ كما قال في أم ولد بين شريكين أعتقها أحدهما فان كانت الكتابة بغير اذنه ينقضها القاضى لما بينا أنها غير لازم في حق الشريك فإذا نقضها صارت أم ولد للمستولد لانه يملك نصيب شريكه منها بسبب الاستيلاد عند زوال المانع وان لم ينقضها حتى أدت عتق نصيب المكاتب منها ومن ولدها لوجود الشرط وهو الاداء ويعتق نصيب المستولد منها أيضا ولا يسعى له في شئ لما بينا في الفصل الاول واقدام الشريك الاخر على الاستيلاد لا يكون نقضا منه لكتابة شريكه وان كان له حق النقض لانه لا منافاة بينهما فكل واحد

[ 126 ] منهما تصرف من المتصرف في نصيب نفسه فلا يكون تعرضا منه لنصيب شريكه. قال أمة بين مسلم وذمى علقت ثم أسلم الذمي ثم ادعيا الولد معا فهو ابنهما كما لو كانا مسلمين في الاصل لان ترجيح دعوة المسلم لما فيه من اسلام الولد فيكون ذلك عند الدعوة والشريك عند ذلك مسلم فدعوته توجب اسلام الولد وان لم يكن مسلما وقت العلوق كدعوة شريكه فلما استويا من كل وجه ثبت نسب الولد منهما وصارت الجارية أو ولد لهما وان كانت بين مسلمين علقت ثم ارتد أحدهما ثم ادعيا الولد فهو ابن المسلم لان المرتد كافر ودعوة الكافر لا تعارض دعوة المسلم ولان الدعوة تصرف وتصرف المسلم في ملكه أنفذ من تصرف المرتد (ألا ترى) ان اعتاق المرتد نصيبه يتوقف عند أبى حنيفة رحمه الله فلهذا دعوة المسلم ترجح. قال ولو كانت بين مسلم وذمى فارتد المسلم ثم ادعيا الولد فهو ابن المرتد لانه أقرب إلى أحكام الاسلام من الذمي (ألا ترى) انه يجبر على الاسلام غير مقر على ما يعتقده وأن تصرفه في الخمر والخنزير لا ينفذ بخلاف الذمي فلقربه من الاسلام جعل في حكم الدعوة كالمسلم فتترجح دعوته علي دعوة الذمي ولان ترجيح دعوة المسلم لما فيه من ثبوت حكم الاسلام للولد وهذا موجود في دعوة المرتد فالدعوة من التصرفات التى لا توقف من المرتد فانها لا تستدعى حقيقة الملك وتوقف تصرفه لتوقف ملكه فإذا كان هو في الدعوة كالمسلم ترجح علي الذمي فصارت الجارية أم ولد له لان الاستيلاد ينبنى علي ثبوت نسب الولد وقد ثبت ذلك بدعوته ويضمن نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه ويضمن الذمي ايضا له نصف العقر لاقراره بوطئها فصار نصف العقر بنصف العقر قصاصا. قال أمة بين رجلين ولدت فادعياه جميعا وقد ملك أحدهما نصيبه منذ شهر والآخر منذ ستة أشهر أو أكثر فالدعوة دعوة المالك الاول لان دعوته دعوة استيلاد فيستند إلى حالة العلوق ودعوة الآخر دعوة الاعتاق لان أصل العلوق لم يكن في ملكه فتكون دعوة الاستيلاد سابقة معنى ويضمن نصف عقرها ونصف قيمتها لانه قد يملك نصيب صاحبه بدعوة الاستيلاد ولم يتبين أنه لمن يغرم قالوا وانها يغرم ذلك للبائع لا لشريكه المشترى لان دعوته استندت إلى حالة العلوق والملك فيها في ذلك الوقت كان للبائع فانما يصير متملكا عليه فيضمن له نصف قيمتها ونصف عقرها ويرجع المشترى على البائع بالثمن لبطلان البيع فيما اشترى وان لم يعلم صاحب الملك الاول فهو ابنهما والجارية أم ولد لهما لانهما استويا في الدعوة فكان العلوق حاصلا في ملكهما ولا عقر على واحد منهما

[ 127 ] اما لصاحبه فغير مشكل لانا نتيقن بان الوطئ من كل واحد منهما حصل في ملك شريكه واما لغيره فلان وجوب العقر على من كان ملكه فيها ثابتا وقت العلوق لبائع شريكه ومن وجب عليه العقر منهما مجهول والمال لا يجب على المجهول قال أمة لذى باع نصفها من مسلم ثم ولدت لاقل من ستة أشهر فادعياه فهو ابن الذمي ويبطل البيع لان بيعه نصفها لا يكون أعلي من بيعه جميعها وهو أولى بالدعوة بعد بيع الجميع لتيقننا بحصول العلوق في ملكه فبعد بيع النصف أولى. قال أمة بين رجل وامرأة صغيرة أو كبيرة فولدت فادعاه الرجل وأب المرأة فان النسب يثبت من صاحب الرقبة لانه يملك نصفها حقيقة وأب المرأة ليس له فيها حقيقة ملك ولا حق ملك انما له مجرد التأويل والتأويل لا يعارض حقيقة الملك ولان صحة دعوة أبى المرأة باعتبار تملك نصيب ولده عليها من وقت العلوق وذلك متعذر لثبوت أمية الولد من الشريك فيها من وقت العلوق ودعوة الشريك دعوة صحيحة من غير شرط تقديم الملك فكان هو أولى. قال أمة بين رجلين ولدت ولدا ميتا فادعاه أحدهما فهو ابنه وهى أم ولدله لان ثبوت النسب من وقت العلوق وفي هذا المنفصل ميتا والمنفصل حيا سواء والولد الميت كالحى في أن الجارية تصير أم ولد كما لو كانت لرجل واحد فكذلك لو أسقطت سقطا قد استبان خلقه أو بعض خلقه ولمثله حكم الولد (ألا ترى) أن العدة تنقضي به والمرأة تصير به نفساء فكذلك الجارية تصير به أم ولد. قال ولو كانت جارية بين رجل وابنه فولدت فادعياه فهو ابن الاب استحسانا وفى القياس يثبت النسب منهما لان كل واحد منهما يملك نصفها حقيقة وصحة الدعوة هنا باعتبار ملك الرقبة وقد استويا في ذلك والحق غير معتبر في معارضة الحقيقة كما لو كانت الجارية كلها للابن فادعيا الولد كان دعوة الابن أولى من دعوة الاب وجه الاستحسان في ذلك ان جانب الاب يترجح لان له في نصفها حقيقة الملك وفى النصف الآخر حق التملك علي ولده بالاستيلاد وليس للابن في نصيب الاب ملك ولا حق ملك ولا تأويل ملك فكان جانب الاب أرجح والترجيح عند المعارضة يحصل بما لا يكون عليه الاثبات ابتداء كالاخوين أحدهما لاب وأم والآخر لاب ترجح الاخ لاب وأم في العصوبة بقرابة الام وهى ليست بعلة الاستحقاق للعصوبة فإذا صحت دعوة الاب وصارت أم ولد له ضمن نصف قيمتها ونصف عقرها بخلاف ما إذا كان الكل للابن لما بينا أن تملك الاب نصيب الابن هنا حكم الاستيلاد لاشرطه فان قيام الملك له في النصف كاف لصحة الاستيلاد فلهذا غرم

[ 128 ] نصف عقرها وضمن الابن نصف العقر لابنه أيضا لاقراره بوطئها فكان نصف العقر بنصف العقر قصاصا والجد أب الاب بعد موت الاب في هذا بمنزلة الاب فأما الاخ والعم والاجنبى فهم كلهم سواء لانه ليس للبعض هنا تأويل الملك في مال البعض ولاحق التملك بالاستيلاد. قال وإذا كان أحد الابوين مسلما فالولد الصغير مسلم هكذا روى عن عمر رضى الله عنه وشريح وابراهيم رحمهما الله وكان المعنى فيه أن اعتبار جانبه يوجب اسلام الولد واعتبار جانب الذمي يوجب كفره فيترجح موجب الاسلام توفيرا لمنفعة الولد وعملا بقوله صلي الله عليه وسلم الاسلام يعلو ولا يعلا عليه قال وان كانت الامة بين رجلين ولدت فادعياه فهو ابنهما فان ولدت بعد ذلك آخر لم يثبت نسبه منهما ولا من احدهما الا بالدعوة لان قيام الشركة بينهما في رقبتها تمنع الفراش المثبت للنسب لهما أو لاحدهما عليها فان ثبوت نسب ولد أم الولد من مولاها لتحسين الظن بها حتى لا تكون مقدمة علي التمكن من فعل حرام وهذا غير موجود هنا فان وطئها غير مملوك لواحد من الشريكين فلهذا لا يثبت النسب منهما ولا من أحدهما الا أن يدعيه أحدهما فحينئذ يثبت النسب منه بالدعوة لقيام الملك في نصفها ونصف ولدها ويغرم لشريكه نصف عقرها ولا يغرم من قيمة الولد شيئا في قول أبى حنيفه رحمه الله وفى قولهما يغرم لشريكه نصف قيمته ان كان موسرا وان كان معسرا سعي الولد للشريك في نصف قيمته وهذا لان ولد أم الولد بمنزلة أمه فدعوة احدهما للولد كاعتاقه ولو أعتق الام أحد الشريكين لم يضمن لشريكه شيئا عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما يضمن ان كان موسرا ويسعى له ان كان معسرا فكذلك في الولد لما صار المدعى نسبه كالمعتق له حارية بين مسلم وذمى ولدت فادعياه فهو ابن المسلم عندنا وقال زفر رحمه الله هو ابنهما ولكن يكون مسلما لان صحة دعواهما باعتبار الملك وهما في الملك يستويان فكذلك فيما ينبنى عليه الا أن الولد يكون مسلما لان تبعية أحد الوالدين يوجب اسلامه فيحكم باسلامه وان كان النسب ثابتا منهما كالمولود بين كافر ومسلم * وحجتنا في ذلك أن دعوة المسلم أنفع للولد لانه يثبت له النسب والاسلام وعند تعارض الدعوة يترجح أحد الجانبين لمنفعة الولد كما لو كان في أحد الجانبين حرية الولد يترجح به فكذلك هنا. قال وإذا التقط الرجل لقيطا فادعاه عبد انه ابنه من زوجته هذه الامة وصدقه المولى وقال هو عبدى ثبت النسب منهما وكان عبدا للمولى عند أبى يوسف رحمه الله وعند محمد رحمه الله يثبت النسب منهما وكان حرا أما ثبوت النسب

[ 129 ] بدعواهما استحسانا وفي القياس لا يثبت لان اليد ثابت للملتقط فهما بمجرد الدعوى يريدان ابطال اليد الثابت له فلا يصدقان على ذلك وفى الاستحسان قال اعتبار يد الملتقط لمنفعة الولد حتى يكون محفوظا عنده لا لحق الملتقط وفى اثبات النسب ممن ادعا توفير المنفعة على الولد وقد بينا أن العبد في دعوة النسب كالحر فلهذا ثبت النسب من العبد والامة بالدعوة فأما حجة محمد رحمه الله ان اللقيط حر باعتبار الدار وفي اثبات نسبه من المملوكين توفير المنفعة على الولد وفى اثبات الرق اضرار بالولد وليس من ضرورة ثبوت النسب ثبوت الرق فبقى على ما كان من الحرية فسقط اعتبار قولهما فيما يضر بالولد كما لو ادعاه ذمى وقد وجد في مصر من امصار المسلمين يثبت النسب منه بالدعوة ويكون مسلما دفعا للضرر عن الولد وتوفير للمنفعة عليه في ثبوت نسبه وحجة أبى يوسف رحمه الله انه لما حكمنا بثبوت النسب منهما فقد حكمنا بأنه مخلوق من ماء رقيقين والمخلوق من ماء رقيقين لا يكون حرالان الولد من الاصلين فإذا كانا رقيقين وليس هنا سبب يمكن الحكم بحرية الولد بذلك السبب ولا وجه لاثبات الحكم بدون السبب يكون الولد رقيقا يقرره ان ولد الامة مملوك لمولاها لانه جزء من أجزائها الا إذا تمكن هناك غرور في جانب الفحل وهو حر فحينئذ يبقى صفة الحرية لمائه ولا غرور هنا فكان الولد رقيقا وفى الحقيقة هذه المسألة نظير ما ذكرنا في كتاب النكاح العبد إذا صار مغرورا بأمة فولدت يكون الولد رقيقا عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله خلافا لمحمد رحمه الله ونظير مافى كتاب الاقرار مجهولة الحال إذا أقرت بالرق ثم ولدت لاكثر من ستة أشهر بعد اقرارهما كان الولد رقيقا عند أبى يوسف خلافا لمحمد رحمه الله. قال فان ادعى اللقيط رجلان كل واحد منهما يدعي انه ابنه ووصف احدهما علامات في جسده ولم يصف الآخر شيئا جعلته ابن صاحب الصفة لان الترجيح عند تعارض الدعوة تقع بالعلامة كما إذا وقع الاختلاف بين الزوجتين في متاع البيت ولان اصابة العلامة دليل سبق يده إليه ودليل كونه ابنا له لان الانسان أعرف بعلامات ولده من غيره وهو نظير مدعى اللقطة إذا أصاب في العلامات يوم المتقط فيما بينه وبين ربه بالدفع إليه ولو أصاب في بعض العلامات وأخطأ في البعض فهذا وما لم يذكر شيئا من العلامة سواء لان اعتبار ما أصاب يدل على صدقه واعتبار ما أخطأ يدل على كذبه فإذا وقع التعارض بينهما صار كانه لم يذكر من العلامات شيئا وإذا لم يصف واحد منهما من العلامات فهو ابنهما لاستوائهما في

[ 130 ] الدعوى ولو قال أحدهما هو غلام من صفة جسده كذا وقال الآخر هي جارية من صفة جسدها كذا فأيهما أصاب ذلك فهو أحق به لظهور علامة الصدق في كلامه وظهور دليل الكذب في كلام خصمه ولو ادعاه واحد وقال هو غلام فإذا هي جارية لم يصدق على ذلك لظهور دليل الكذب في دعواه ولو كان سبب قضاء الشهادة لم يقض بها مع ظهور دليل الكذب فكذلك إذا كان سبب القضاء الدعوى لا يقضى بها مع ظهور دليل الكذب ولانه يدعى نسب الغلام وليس هنا غلام حاضر ودعوة المعدوم باطل. قال فان كان اللقيط في يد مسلم وادعاه ذمى فالقياس لا يثبت النسب منه وهذا غير القياس الاول في دعوة اللقيط لانا قد حكمنا باسلام الولد هنا باعتبار الدار ولا قول للذمي في دعوة نسب الولد المسلم ولكنه استحسن فقال في دعواه شيئان أحدهما ثبوت نسب الولد وفيه منفعة والآخر كفر الولد وفيه ضرر عليه فتصح دعوته فيما ينفع الولد دون ما يضره إذ ليس من ضرورة النسب تبعة الابوين في الدين كالصغير إذا سبى وليس معه واحد من أبويه يكون ثابت النسب من الحربى بيقين محكوم باسلامه ثم المسألة على أربعة أوجه أما أن يكون الملتقط مسلما وقد وجد في مصر من امصار المسلمين فيكون محكوما له بالاسلام أو وجده ذمى في بيعة أو كنيسة أو قرية من قرى أهل الذمة فيكون كافرا فأما إذا وجده مسلم في بيعة أو كنيسة أو وجده ذمى في مسجد من مساجد المسلمين قال في كتاب اللقيط العبرة للمكان وقال في كتاب الدعوى العبرة للواحد وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله أنه يحكم لذي اللقيط وسماه وجه رواية كتاب اللقيط ان المكان إليه أسبق من يد الواحد والحكم للسابق لان الظاهر أن أهل الذمة يضعون أولادهم في مساجد المسلمين وان المسلمين لا يضعون أولادهم في البيع والكنائس والحكم بالظاهر واجب عند تعذر الوقوف على الحقيقة * ووجه رواية هذا الكتاب ان اللقيط في حكم المباح فمن سبقت يده إليه صار محرزا له وكان الحكم ليده إذ ليس للمكان يد معتبرة (ألا ترى) ان المباح يملك بالاحراز باليد دون المكان * ووجه رواية ابن سماعة رحمه الله ان الحكم بالزى والسيما واجب كالبالغ الذى يوجد في دار إذا قال أنا مسلم فان كان عليه سيما المسلمين قبل قوله والاصل فيه قوله تعالى يعرف المجرمون بسيماهم وتفسير هذه الرواية ذكره ابن سماعة رحمه الله أنه إذا كان في عنقه صليب وعليه ثوب ديباج ووسط رأسه محرز فالظاهر انه من اولاد النصارى فلا يحكم له باسلامه يقول في الكتاب فان كان في يد مسلم فدعاه ذمى وأقام

[ 131 ] شاهدين ذميين فانى استحسن ان أجعله ابنه وأجعله مسلما وإذا وجد في بيعة أو كنيسة وهذه الرواية وهو قوله واجعله مسلما ذكره في رواية أبى سليمان رحمه الله ولم يذكر في رواية أبى حفص رحمه الله والحاكم رحمه الله في المختص صحح رواية أبى حفص رحمه الله وقال الحاكم باسلامه عند مجرد الدعوى فأما مع اقامة البينة فلا يحكم باسلامه ولكن ما ذكره في نسخ أبى سليمان رحمه الله وقال هو الاصح لانا إذا حكمنا باسلامه علي هذه الرواية باعتبار التبعية للواحد وشهادة أهل الذمة ليست بحجة على الواحد ولا على من حكم باسلامة تبعا للواحد فكان وجوده كعدمه فلهذا جعلناه مسلما وان أثبتنا نسبه من الذمي. قال وإذا وجدته في مصر من امصار المسلمين جعلته حرا مسلما ولا أقبل شهادة أهل الذمة عليه يريد به في حق الدين فاما في حق النسب فهو ثابت من الذمي كما بينا وان أقام رجل البينة أنه ابنه وأقام آخر البينة انه عبده قضيت به للذى يدعى أنه ابنه لان في بينته اثبات نسبه وحريته وفى بينة الاخر اثبات رقه فتترجح بينة الحرية لمنفعة الصبي فان أقام أحدهما البينة انه ابنه من امرأته هذه الحرة وأقام آخر البينة أنه ابنه من هذه الامة قضيت به انه ابن الحر والحرة لان المولود من الامة بالنكاح يكون رقيقا فتترجح بينة المثبت للحرية ولو أقام كل واحد منهما البينة انه ابنه من امرأته الحرة ووقت كل واحد منهما وقتا فان عرف أن الصبي على احدهما فهو لصاحب ذلك الوقت لظهور علامة الصدق في شهوده باعتبار سن الصبي وان لم يعرف أنه على أي الوقتين فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله يقضى به لاسبق الوقتين لانه لما تعذر الوقوف على سن الصغير ليعرف به الصادق من الكاذب بقيت العبرة للتاريخ فصاحب أسبق التاريخين يثبت النسب منه في وقت لا ينازعه الآخر فيه وبعد ما ثبت النسب منه لا يمكن اثباته من غيره وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يقضى به بينهما لان كل واحد منهما يثبت النسب منه من وقت العلوق والنسب لا يسبق وقت العلوق فلا فائدة في اعتبار سبق التاريخ بعد ذلك وصار كأن الشهود لم يوقتوا شيئا فيقضى به للرجلين هكذا ذكر هذا الخلاف في رواية أبى سليمان رحمه الله وفي رواية أبى حفص رحمه الله قال جعلته ابنهما في قولهم جميعا وانما أشار إلى الخلاف في كونه ابن المرأتين وقد بيناه فيما سبق. قال وان أقام أحدهما البينة انه ابنه وادعي الآخر انها ابنته وأقام البينة على ذلك فاذن اللقيط خنثى فان كان يبول من مبال الرجال حكم بانه ابن فيثبت نسبه من اثبت بنوته وان كان يبول من مبال النساء يثبت

[ 132 ] النسب من الآحر وان كان يبول منهما فالعبرة لاسبقهما خروجا وان كان يخرج منهما جميعا معا فعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله العبرة لاكثرهما وعند أبى حنيفة رحمه الله لا عبرة لكثرة البول وقلته فيكون ثبوت النسب منهما لانه لا يترجح جانب أحدهما على صاحبه باصابة العلامة فاستويا قال فان ادعى اللقيط مسلم وذمى وأقام البينة قضيت به للمسلم لان في بينته اثبات اسلام الولد وهو منفعة في حقه وكذلك ان كان شهود المسلم من أهل الذمة وشهود الذمي مسلمين لان بينة كل واحد منهما حجة على صاحبه فيترجح ما كان موجبا اسلام الولد. قال وإذا ارتد أحد الزوجين والعياذ بالله فان الولد يلزم الزوج إلى سنتين لان الفرقة وقعت بردة احدهما بعد الدخول وهو موجب للعدة عليها فإذا جاءت بولد في مدة يتوهم أن العلوق حصل في حال النكاح يثبت النسب منه كما لو وقعت الفرقة بالطلاق وكذلك لو لحق بدار الحرب مرتدا لان المرأة لما بقيت في دارنا فهى مؤاخذة باحكام الاسلام فعليها العدة الا أن نسب ولدها لا يثبت من الزوج عند أبى حنيفة رحمه الله بشهادة القابلة ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان لان المقصود هو الميراث ولا يثبت الميراث بشهادة المرأة الواحدة وعندهما شهادة القابلة كافية وأصله في مسألة كتاب الطلاق إذا لم يكن هناك حبل ظاهر ولا فراش قائم ولا اقرار من الزوج بالحبل لا يثبت النسب عند أبى حنيفة رحمه الله الا بشهادة شاهدين وعندهما يثبت بشهادة امرأة واحدة وكذلك ان حلف المرتد اللاحق بدار الحرب بأنها أم ولد هنا فان لحوقه بدار الحرب موت حكمي تعتق به أم الولد عند قضاء القاضى ويجب عليها العدة والجواب فيه وفي ولد المنكوحة سواء ولو كانت هي المرتدة اللاحقة بدار الحرب لم يلزم الزوج الا أن يأتي به لاقل من ستة أشهر منذ يوم ارتدت لان العدة لم تجب عليها فلا يثبب النسب الا عند التيقن بحصول العلوق في حالة النكاح كالمطلقة قبل الدخول وهذا لانها صارت حربية فلا تؤاخذ باحكام المسلمين وكما لا يكون للمسلم على الحربية عصمة النكاح فكذلك لا يكون له عليها عصمة العدة. قال ولو أسلمت امرأة الحربى فدخلت دار الاسلام لم يلزم الحربى ولدها الا بأن يأتي به لاقل من ستة أشهر في قول أبى حنيفة رحمه الله وعندهما يلزمه إلى سنتين وهى فرع مسألة النكاح ان المهاجرة لا عدة عليها عنده وعندهما يلزمه العدة وان سبيت المرتدة وهى حامل فولدت لاقل من ستة أشهر منذ سبيت يثبت نسبه من الزوج المسلم لتيقننا بحصول العلوق قبل السبى والتقدير

[ 133 ] لستة أشهر لان السبي كما يبطل عصمة النكاح يبطل العدة والولد رقيق مع المرأة وان كان مسلما تبعا لابيه لانه ما دام في البطن فهو جزء منها وهى صارت رقيقة بجميع أجزائها بالسبي فكذلك الولد الذى في بطنها عندنا. قال وإذا تزوج المرتد مسلمة أو تزوجت المرتدة مسلما فولدت منه يثبت نسبه منهما لان النكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول فهو بمنزلة الصحيح في اثبات النسب أو أقوي ويرثهما هذا الولد بمنزلة المولود قبل الردة لانه مسلم تبعا للمسلم منهما والمرتد يرثه وارثه المسلم وهذا لان ابتداء سبب التوريث وان كان هو الردة فتمامه يكون بالموت فيجعل الحادث بعد انعقاد السبب لاتمامه كالموجود عند ابتداء السبب اعتبارا بولد المبيعة قبل القبض يجعل كالمولود عند ابتداء العقد في انقسام الثمن عليه. قال وإذا تزوج المرتد كتابية فولدت لا يرث الولد واحدا منهما لان هذا الولد غير محكوم باسلامه فان واحدا من أبويه ليس بمسلم وكونه في يد الابوين يمنع ثبوت تبعية الدار في حقه كالصغير إذا سبى مع أحد الابوين والمرتد انما يرثه وارثه المسلم والكتابية لا يرثها المرتد وهذا الولد بمنزلة المرتد لانه أقرب إلى حكم الاسلام فيجعل الولد تبعا له وكذلك ان ولدت أمة المرتد منه وهى مرتدة أو كتابية لان النسب وان ثبت منه بالدعوة لم يثبت حكم الاسلام لهذا الولد وان كانت الامة مسلمة ورث الولد أباه لانه مسلم تبع لها. قال رجل مات وترك امرأة وأم ولد له فأقرت الورثة ان كل واحدة منهما قد ولدت هذا الغلام من الميت أثبت نسبه بعد أن تكون الورثة ابنته أو اخوته أو ابنا وابنتين لانهم لو شهدوا بهذا النسب في حالة الحياة عليه كانت شهادتهم حجة تامة فإذا أقروا به بعد الموت يكون قولهم أيضا حجة تامة في اثبات النسب الا أن في حالة الحياة هناك خصم جاحد فلا بد من لفظة الشهادة وليس بعد الموت خصم جاحد فلا حاجة إلى لفظة الشهادة ولان في حالة الحياة كلامه الزام للغير والملزوم للغير شرعا الشهادة فلا بد من لفظ الشهادة فيه فأما بعد الموت كلامه الزام للغير من وجه والتزام من وجه لانه يشاركهم في الميراث المستحق لهم وما أخذ شبها من أصلين توفر حظه عليها فشبهه بالالزام شرطنا العدد فيه حتى لا يثبت النسب باقرار الوارث الواحد ولشبهه بالالتزام أسقطنا اعتبار لفظة الشهادة. قال وإذا تزوج المجوسى أمه أو ابنته أو أخته فولدت له ولدا فهو ابنه ادعاه أو نفاه لان هذه الانكحة فيما بينهم حكم الصحة عند أبى حنيفة رحمه الله ولهذا لا يسقط به الاحصان عنده وعندهما هو فاسد والنكاح الفاسد والصحيح يثبت النسب بهما

[ 134 ] ثم لا ينتفى الا باللعان ولا لعان بينهما لان الكافرة غير محصنة وكذلك العبد يتزوج الامة أو المسلم يتزوج المجوسية فان النسب يثبت لهذا النكاح مع فساده لان مجرد الشبهة يكفى لاثبات النسب ثم لا ينتفى الا باللعان ولالعان بينهما هنا قال وإذا اسلم الزوجان الكافران وأعتق المملوكة ثم جاءت بولد فنفاه الزوج يلاعنها لانه قذفها وهى محصنة وهما من أهل الشهادة في الحال فيجرى اللعان بينهما فان جاءت بولد لاقل من ستة أشهر منذ عتقا أو أسلما لزم الولد أباه لانا تيقنا بحصول العلوق في حال لم يكونا من أهل اللعان فلزمه النسب علي وجه لا ينتفى بالنفى ثم لا يتغير ذلك بصيرورتهما من أهل اللعان وان جاءت به لاكثر من ستة أشهر لزم الولد أمه لتوهم ان العلوق حصل بعد صيرورتها من أهل اللعان فان (قيل) فكذلك يتوهم حصول العلوق قبل العتق والاسلام لان الولد قد يبقى في البطن إلى سنتين (قلنا) نعم ولكن قطع النسب باللعان في موضع الاشتباه والاشتباه يمنع قطع النسب وهذا لان سبب قطع النسب هو اللعان وقد تحقق فما لم يظهر المانع وجب العمل به ولان الحل قائم بينهما ومتى كان الحل قائما يستند العلوق إلى أقرب الاوقات وان كان للمسلم امرأة كتابية فولدت فنفاه فهو ابنه ولاحد عليه ولا لعان لانها غير محصنة ونسب الولد قد يثبت بالنكاح فلا ينقطع بدون اللعان. قال وان أسلمت المرأة والزوج كافر ثم بقى ولده فعليه الحد لانها محصنة وقد قذفها بالزنا ولا لعان بينهما لانه ليس من أهل الشهادة فمتى تعذر جريان اللعان بينهما من جهة الزوج يلزم الحد ولا يقطع النسب عنه لنقرر سببه وهو العلوق وان أسلما جميعا ثم طلقها ثم تزوجها ثم جاءت بولد فنفاه فنقول هذه المسألة تشتمل على فصلين أحدهما حكم اثبات النسب والآخر حكم النفى اما حكم اثبات النسب فهو على ثلاثة أوجه ان جاءت به لاكثر من ستة أشهر منذ تزوجها أخيرا ثبت النسب منه بحصول العلوق في النكاح الثاني وان نفاه لاعنها ولزم الولد أمه لكونهما من أهل اللعان عند العلوق وان جاءت به لاقل من ستة أشهر منذ تزوجها أخيرا أو لاقل من سنتين منذ أنها ثبت النسب منه لتوهم ان العلوق كان قبل الطلاق فان نفاه لاعنها ولزم الولد أباه لان حصول البينونة بعد العلوق يمنع قطع النسب باللعان وان جاءت به لاكثر من ستة أشهر منذ تزوجها اخيرا ولسنتين فصاعدا منذ طلقها لم يثبت النسب منه لان حصول العلوق كان بعد الطلاق قبل النكاح الثاني ويصح النكاح الثاني عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافا لابي يوسف رحمه الله وهى

[ 135 ] فرع مسألة الجامع الصغيران الحبل من الزنا لا يمنع من النكاح عندهما ويمنع عند أبى يوسف رحمه الله وكذلك أم الولد إذ اعتقها مولاها ثم تزوجها قبل الاقرار بانقضاء العدة فهو على الاوجه الثلاثة كما بيناه. قال ولو ولدت امرأة الرجل غلاما وأمته غلاما ثم ماتتا فقال احدهما ابني لم يثبت نسب واحد منهما لان النسب في المجهول لا يمكن اثباته والمقصود هو الشرف بالانتساب وذلك لا يحصل في المجهول ولانه صادق في مقالته فان احدهما ابنه وهو ولد المنكوحة فإذا لم يكن معينا لم يثبت نسب واحد منهما بعينه ويعتقان ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته لان احدهما حر وعند الاشتباه ليس احدهما باولى من الآخر فيعتق كل واحد منهما نصفه ومعنى قوله أن احدهما حرأن ولد المنكوحة حر فأما ولد الامة لا يعتق الا إذا ادعاه بعينه ولم يوجد وكذلك رجل له عبدان فقال احدهما ابني أو قال هذا ابني أو هذا لم يثبت نسب واحد منهما للجهاله ولكن لا يعتق احدهما بغير عينه لان دعوة النسب اقرار بالحرية والاقرار بالعتق للمجهول صحيح فيسع العتق فيهما عند فوت البيان بالموت والله أعلم (باب نفى الولد من زوجة مملوكة وغيرها) (قال رحمه الله رجل تحته أمة فاعتقت ثم جاءت بولد لستة أشهر بعد العتق فنفاه فلم يلاعنها حتى اختارت نفسها فالولد لازم له ولا حد عليه ولا لعان) لان نسب الولد قد ثبت منه بالفراش فلا ينتفى الا باللعان وباختيارها نفسها بالعتق ثابت منه فلا يجرى اللعان بينهما بعد البينونة كما لو أبان امرأته بعد ما قذفها لان المقصود باللعان قطع النكاح الذى هو سبب المنازعة بينهما وقد انقطع ولا حد عليه لان قذفه اياه كان موجبا للعان بكونهما من أهل اللعان حين قذفها فلا يكون موجبا للحد لانهما لا يجتمعان بقذف واحد. قال رجل اشتري امرأته وهى أمة فجاءت بولد لاقل من ستة أشهر فنفاه فهو لازم له لانا تيقنا أن العلوق بهذا الولد حصل من فراش النكاح فلزمه نسبه علي وجه لا ينتفى بنفيه وصار ارتفاع النكاح بينهما بالشراء كارتفاعه بالطلاق قبل الدخول وهناك إذا جاءت بالولد لاقل من ستة أشهر لزمه نسبه فكذلك هنا وان جاءت به لستة أشهر فصاعدا فله أن ينفيه وهذا بمنزلة أم الولد له أن ينفيه ما لم يقر به ثم قال بعد هذا باسطر لا يثبت نسبه منه الا أن يقر به فوجهه ما قال بعد هذا أن

[ 136 ] النكاح بالشراء ارتفع لا إلى عدة لان العدة حق من حقوق النكاح فكما ينافى ملك اليمين أصل النكاح فكذلك ينافى حقوقه فكان هذا نظير الفرقة بالطلاق قبل الدخول وقد جاءت بالولد من مدة يتوهم أن الولد من علوق حادث فلا يثبت نسبه منه وفي الكتاب علل فقال لانها أمة يحل فرجها بالملك وحل فرجها بملك اليمين مع حق النكاح لا يجتمعان فيتبين أنه لا عدة عليها وصار كانه لم يدخل بها في فراش النكاح ونسب ولد الامة لا يثبت من المولى الا بالدعوة * ووجه هذه الرواية انها كانت فراشا له وملك اليمين لا ينافى الفراش فيبقى بعد الشراء من الفراش بقدر ما يجامع ملك اليمين لان الارتفاع بالمنافى فبقدر المنافى يرتفع وملك اليمين انما ينافي الفراش الملزم المثبت للنسب فان أم الولد مملوكة وللمولى عليها فراش مثبت للنسب الا أن ينفيه فيبقى ذلك القدر هنا له. قال فان أعتقها بعد ما اشتراها وقد كان دخل بها فجاءت بولد لزمه ما بينه وبين سنتين من يوم شتراها وان نفاه فعليه الحد وهذا قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد رحمهما الله وفى قول أبى يوسف الآخر رحمه الله ان جاءت به لاقل من ستة أشهر منذ اشتراها فكذلك الجواب وان جاءت به لاكثر من ستة أشهر لم يلزم الا أن يدعيه فان ادعاه لزمه وان كذبته المرأة أما وجوب الحد عليه فلانه قذفها وهى في الحال محصنة ثم وجه قول محمد رحمه ان يقول بان النكاح ارتفع بالشراء بعد الدخول فيكون موجبا العدة الا ان هذه العدة لا تظهر في حقه لانها تحل له بالملك وهى ظاهرة في حق الغير حتى لو أراد ان يزوجها من غيره لم يجز فإذا اعتقها زال المانع من ظهور العدة في حقه وظهرت العدة في حقه ايضا والمعتدة إذا لم تقر بانقضاء العدة حتى جاءت بالولد لاقل من سنتين يثبت النسب ولانا قد بينا ان قدر الفراش الذى يثبت للمولى على ام ولده باق بعد الشراء وبالعتق زال هذا الفراش وزوال الفراش بالعتق يوجب العدة كما في حق أم الولد فكان ينبغى على هذا الطريق انها إذ جاءت بالولد لاقل من سنتين منذ اعتقها انه يثبت النسب كما في أم الولد ولكن هذا الفراش اثر الدخول الحاصل في النكاح لا في الملك فاعتبرنا مدة السنتين من وقت انقطاع النكاح بالفراش * ووجه قول ابى يوسف الاخر رحمه الله ان النكاح ارتفع بالشراء لا الي عدة لما بينا أن ملك اليمين ينافي حقوق النكاح (الا ترى) أن قبل العتق لو جاءت بالولد لاكثر من ستة أشهر لا يلزمه نسبه فبعد

[ 137 ] العتق كذلك لا يلزمه لانها بالعتق ازدادت بعد امنه ولهذا لو ادعاه ثبت نسبه منه وان كذبته المرأة لان هذا القدر كان ثابتا قبل العتق فيبقى بعده ودعواه بقاء الفراش بعد الشراء ليس بقوى لانه لابد للفراش من سبب وملك اليمين بدون الدخول فيه لا يوجب الفراش وكذلك بعد الدخول ما لم يدع نسب الولد وفراش النكاح من حقوقه فلا يبقى بعد الشراء وان كان لم يدخل بها فان جاءت بالولد لاقل من ستة أشهر بعد الشراء فهو ابنه لتيقننا بحصول العلوق في النكاح وان نفاه فعليه الحد لانها محصنة بعد العتق وان جاءت به لاكثر من ستة أشهر لم يلزمه نسبه لجواز أن يكون من علوق حادث بعد ارتفاع النكاح وهذا والطلاق قبل الدخول سواء وان نفاه فلا حد عليه لانه صادق في ذلك ولان في حجرها ولدا لا يعرف له والد فلا تكون محصنة ولو لم يعتقها حين اشتراها ولكنه باعها وقد كان دخل بها في النكاح فان جاءت بالولد لاقل من ستة أشهر منذ اشتراها لزمه الولد وبطل البيع لانا تيقنا بحصول العلوق في النكاح وانها صارت أم ولد له حين اشتراها لان في بطنها ولدا ثابت النسب منه فانما باع أم ولد وبيع أم الولد باطل وان جاءت به لاكثر من ستة أشهر منذ اشتراها ولاقل من ستة أشهر منذ باعها فان ادعاه ثبت نسبه منه وبطل البيع أيضا لانه لو لم يسبق النكاح كان هذا الحكم ثابتا بدعوته فعند سبق النكاح أولى وان جاءت به لاقل من سنتين منذ اشتراها ولاكثر من ستة أشهر منذ باعها فكذلك الجواب عند محمد رحمه الله وفى قول أبى يوسف الآخر لا يثبت النسب منه ولا يبطل البيع وهذا بناء علي الفصل الاول فان زوال ملكه بالبيع عنها كزواله بالعتق وقد بينا هناك أن عند أبى يوسف لا يثبت النسب إذا جاءت به لاكثر من ستة أشهر فهنا كذلك الا أن هناك لم يثبت فيها حق لغيره فإذا ادعى ثبت النسب منه وهنا قد ثبت فيها حق لغيره وهو المشترى الثاني فلا يثبت النسب منه وان ادعاه لان في ثبوته ابطالا للبيع وقوله غير مقبول في ابطال البيع وعلى قول محمد رحمه الله هناك حكم ثبوت النسب منه يبقى إلى سنتين وان زال الملك بالعتق لظهور العدة في حقه على ما بينا فكذلك هنا يبقى حكم ثبوت النسب منه وان زال الملك بالبيع وإذا ثبت النسب منه انتقض البيع ضرورة لانه تبين أنه باع أم ولده الا أن محمدا رحمه الله هنا يشترط الدعوة منه لان اقدامه على البيع دليل النفى والقدر الباقي من الفراش بعد الشراء مثبت للنسب علي وجه ينتفى بالنفى فلا بد من الدعوى بعد ذلك ليبطل به دليل حكم النفى بخلاف العتق فانه

[ 138 ] ليس لدليل النفى وان كان المشتري الآخر قد أعتق الولد ثم ادعاه المشترى الاول فان جاءت به لاقل من ستة أشهر منذ اشتراها الاول بطل بيع المشترى وعتقه لتيقننا بانه باع أم ولده وان الولد كان حرا قبل بيعه وان جاءت لستة أشهر فصاعدا بعد الشراء الاول لم تصح دعوة الشراء الاول لما بعد عتق المشترى الآخر فيه فقد بينا أن عتق المشترى الولد يمنع صحة دعوة البائع وان لم يكن أعتق الولد ولكنه أعتق أمة فقد بينا أن اعتاق الام لا يمنع صحة دعوة البائع في الولد فكان هذا وما لم يعتقها سواء في حق الولد علي ما بينا من الخلاف. قال وإذا أعتق أم ولده ثم نزوجها فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فان نفاه لاعن ولزم الولد أمه لانها انما جاءت به من علوق بعد النكاح فان الحل قائم بينهما فيستند العلوق إلى أقرب الاوقات وهما من أهل اللعان في الحال فيقطع النسب عنه باللعان وان جاءت به لاقل من ستة أشهر منذ تزوجها لا عن ولزم الولد أباه أما اللعان فانهما من أهل اللعان في الحال وأما النسب فلانا تيقناأن العلوق حصل قبل النكاح فلا يمكن قطع النسب باللعان وتأويل هذه المسألة إذا كان لاقل من سنتين منذ عتقها حتى يثبت النسب من المولى باعتبار زوال الفراش إلى عدة. قال رجل أعتق أمة ولها زوج حر فجاءت بولد بعد العتق لستة أشهر فنفاه الزوج لا عن ولزم الولد أمه وان جاءت به لاقل من ستة أشهر لاعن ولزم الولد أباه لانهما لم يكونا من أهل اللعان حين علق وولاء الولد لمولي الام في الوجهين جميعا أما إذا جاءت به لاكثر من ستة أشهر فلانه لا نسب له فهو لمولى الام وان جاءت به لاقل من ستة أشهر فلانه كان مقصودا بالعتق لانا حكمنا بوجوده في البطن حين أعتقت. قال رجل طلق امرأته تطليقة بائنة وهى أمة ثم أعتقت بالولد فان جاءت بالولد الي سنتين من وقت الطلاق فالنسب ثابت من الزوج لا ينتفى بنفيه ويضرب الحد لانه قذفها وهى محصنة ونسب الولد ثابت لتوهم حصول العلوق بالنكاح فانها لم تقر بانقضاء العدة وولاء الولد لموالي الام لانا حكمنا بوجوده في البطن في حين أعتقت فصار الولد مقصودا بالعتق ولو مات الاب فجاءت بالولد ما بينها وبين سنتين وقد اعتقت بعده بيوم فالولد ثابت النسب وولاؤه لموالى الام إذ لا فرق بين ارتفاع النكاح بالموت وبين ارتفاعه بالطلاق البائن فانه يعقب العدة في الوجهين جميعا. قال وإذا اشترى امرأته وقد ولدت فأعتقها وتزوجها ثم جاءت بولد لستة أشهر منذ تزوجها فنفاه لا عن ولزم الولد أمه وان جاءت به لاقل من سنة أشهر منذ تزوجها أخيرا أو لاكثر من ستة أشهر منذ

[ 139 ] اشتراها فنفاه لاعن ولزم الولد أباه لانها بالشراء صارت أم ولد له وبالعتق صارت محصنة فإذا جاءت به لاقل من ستة أشهر من النكاح الآخر عرفنا أن العلوق كان سابقا على هذا النكاح فلا ينقطع السبب باللعان ولكن يجرى اللعان بينهما لكونها محصنة في الحال ولو لم يتزوجها لزمه الولد ما بينها وبين سنتين من وقت العتق لانها معتدة فان نفاه ضرب الحد لانه قذفها وهى محصنة. قال وان كانت هذه الامة كتابية فحكم النسب على ما بينا ولكن لا حد عليه بالنفى لانها غير محصنة وان صدقته ان الولد ليس منه لم يصدقا على الولد لان النسب من حق الولد فانه يتصرف به فلا يصدقان على ابطال حقه. قال رجل مات عن أم ولده فجاءت بولد ما بينها وبين سنتين فنفاه الورثة لم يثبت النسب في قول أبى حنيفة رحمه الله من الميت ولم يرث بشهادة القابلة ما لم يشهد به شاهدان لانه ليس هنا حبل ظاهر ولا فراش قائم الا أن يكون المولى قد أقر بأنها حبلي منه فحينئذ يثبت النسب بشهادة القابلة وان أقر به الورثة واقرارهم كاقرار الميت لانهم خلفاؤه وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يثبت النسب في جميع ذلك بشهادة القابلة وقد بينا هذا الخلاف في المنكوحة بعد موت الزوج فكذلك في أم الولد فان كان المولي كافرا فشهادة الكتابية في ذلك مقبولة وان كان مسلما لم تقبل الا شهادة مسلمة لان هذه الشهادة تقوم علي حق المسلم فان النسب يلزمه فيراعى فيه شهادة شرائطه (باب من دعوة البائع أيضا وغيره) قال رحمه الله رجل اشترى أمة وولدها أو اشتراها وهى حامل ثم باعها ثم اشتراها من ذلك الرجل أو من غيره فادعى ولدها فالدعوة جائزة إذا كان الولد يوم يدعى في ملكه) لانه ادعى نسب مملوكه في حال حياته إلى النسب فيثبت النسب منه ولا ينفسخ شئ من البيوع والعقد الذى جرى فيه وفي أمه لان أصل العلوق لم يكن في ملكه فكانت دعوته دعوة التحرير بمنزلة الاعتاق فلو أعتقه لم يبطل به شئ من العقود المتقدمة فكذلك هنا وان كان أصل الحبل عنده بطلت العقود كلها لان دعوته دعوة استيلاد فيستند إلى وقت العلوق فيتبين به ان البيوع والاشرية كانت في أم ولده فكانت باطلة. قال رجل اشترى عبدين توأمين ولدا في ملك غيره فباع أحدهما ثم ادعى نسبهما ثبت نسبهما منه ولان أحدهما في ملكه فيصح دعوة النسب فيه ومن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر

[ 140 ] لانهما توأم ولكن لا ينقض البيع في الآخر لان دعوة التحرير بمنزلة الاعتاق وأحدهما ينفصل عن الآخر في العتق وكذلك لو ادعاهما المشترى ثبت نسبهما منه لقيام ملكه في المشترى وقت الدعوة والذى عند البائع يبقى مملوكا له كما كان قال ولو اشترى رجل عبدا واشترى أبوه أخ ذلك العبد وهما توأم فادعى أحدهما الدى في يديه ثبت نسبهما منه لان أحدهما في ملكه فصحت دعوته فيه وبثبوت نسب احدهما ثبت نسب الآخر ضرورة ويعتق الذى في يد الآخر ان كان الاب هو المدعى فلان الابن ملك أخاه وان كان الابن هو المدعى فلان الاب ملك ابن ابنه فيعتق عليه بالقرابة ولا ضمان لواحد منهما علي صاحبه لان عتقه كان بسبب مقصود عليه غير معتد إلى صاحبه. قال ولو اشترى جارية على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام فولدت عنده في الثلاثة ولدا فادعاه المشترى صحت دعوته لانه صار أحق بها حق ينفذ عتقه فيها وفى ولدها فكذلك يثبت نسب الولد منه بالدعوة ويسقط خياره لان الولد قد عتق وصارت أم ولد له فتعذر ردها بحكم الخيار فلهذا سقط خياره كما لو أعتقها ولو كان الخيار للبائع فادعي المشترى الولد فالبائع على خياره لانها باقية على ملكه في مدة خياره فان أجاز البيع أثبت النسب من المشترى كما لو جدد الدعوة بعد الاجازة فانقض البائع البيع بطلت دعوة المشترى لانه لم يملكها ولا ولدها ودعوة التحرير بمنزلة الاعتاق فان (قيل) أليس انه لو أعتقها المشترى ثم أجاز البيع لم ينفذ عتقه فلما ذى لا يجعل دعوة التحرير مثله (قلنا) ذاك ان شاء العتق فإذا بطل لعدم تمام السبب في المحل لا ينفذ باعتبار ملك يحدث وهذا اقرار بالعتق فيتوقف علي وجود الملك في المحل كمن اقر بحرية عبد انسان ثم أخذ الرجل من الرجل أمتين علي انه بالخيار يأخذ أيتهما شاء بألف درهم فولدتا عنده وأقر بأنهما منه فاقراره صحيح في احدهما وهو الذى تناوله البيع منهما لان خيار المشتري لا يمنع صحة دعوته ولكن بالبيع تناول احدهما بغير عينها ويتبين باختيار المشتري فيؤمر بالبيان بعد هذا الا أنه قبل الاستيلاد كان متمكنا من ردها والآن لا يملك رد المشتراة لثبوت أمية الولد فيها فان لم يتبين أيتهما أولي حتى مات فالبيان إلى الورثة لانهم قائمون مقامه وعليهم بمن مات اصاب أم ولد للمشترى من تركته فكان بيانها إليهم فان قالوا لا ندرى أيتهما كان عتق نصف كل واحدة منهما ونصف ولدهما وتسعى كل واحدة منهما ومن ولدهما في نصف القيمة للبائع لانه ليس لاحدهما ثبوت الحرية فيه ولا احدى الامتين لثبوت أمية الولد فيها بالولي من

[ 141 ] الاخرى فيسع فيهما ويجب على الورثة نصف ثمن كل واحد منهما من التركة وان اختلفت الورثة في الاول منهما فالقول قول الاول منهم لان كل واحد وارث قائم مقام مورثه لتمام علة الخلافة له فالذي قال منهم أولا هذه التى كانت استولدها المشتري أولا تعينت للاستيلاد ووجب قيمتها في التركة وتعينت الاخرى للرد وترد هي وولدها إلى البائع واستدل فيه بحديث قروة بن عمير قال زوج أبى عبداله يقال له كيسان أمة له فولدت فادعاه ثم مات أبى فكتب إلى عثمان رضي الله عنه أن يوافي بابى الموسم فكتب إليه أن أبى قد مات فكتب أن ابعثوا بابنه إلى فذهب به إليه فقال ما يقول ابن كيسان فقالت قد ادعاه أبى فان كان صدق فقد صدق وان كان كذب فقد كذب فقال لو قلت غيرها لاوجعتك وأعتقه بالدعوة وجعله ابن العبد بالفراش فيما يعلم أبو يوسف رحمه الله وانما أورد هذا الحديث ليبين أن اقر أحد الورثة بدعوة الاب كاقرار الاب به فكذلك تعيين أحد الورثة كتعيين الموروث بنفسه قال مكاتب اشترى عبدا فادعاه المولى لم تجز دعوته فيه لان دعوة التحرير كالاعتاق والمولى لا يملك اعتاق كسبه فلا تصح دعوته وكذلك لو اشترى الابن عبدا لم تجز دعوة الاب فيه لهذا قال زوج أمته عبده بشهود فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فهو ابن الزوج لانها أتت به على فراشه وان نفاه لم ينتف عنه لان النسب متى يثبت بفراش النكاح لا ينقطع الا باللعان ولا لعان بين المماليك ولو جاءت به لاقل من ستة أشهر لم يثبت نسبه من لزوج لانا تيقنا أن العلوق سبق فراش النكاح لان دعوة المولى استندت إلى حال العلوق فتبين أنه تزوجها وفي بطنها ولد ثابت النسب من المولى وكان النكاح باطلا ولو كان زوجها من عبد غيره باذن مولاه أو من حر فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فادعاه المولى صدقه الزوج أو كذبه فهو ابن الزوج لانها علقت في فراشه ولكنه يعتق على المولى باقراره أنه ابنه وان لم يثبت النسب وتكون أمه بمنزلة أم ولد له لانه أقر لها بحق الحرية كما أقر للولد بحقيقة الحرية ولو زوجها ثم باعها ثم جاءت بالولد لستة أشهر بعد النكاح ولاقل من ستة أشهر بعد البيع فادعاه البائع أو المشترى لم يصدقا على ذلك لثبوت النسب من صاحب الفراش ولم يبطل البيع لان دعوة النسب إذا لم تعمل في اثبات النسب كان بمنزلة الاقرار بالعتق واقرار البائع بالعتق بعد البيع غير مقبول في ابطال البيع. قال ولو تزوجت أمته بغير اذنه ثم ولدت لستة أشهر فادعاه الزوج والمولى لان النكاح الفاسد عند اتصال الدخول

[ 142 ] في حكم النسب كالنكاح الصحيح فكما ان هناك يثبت النسب من الزوج دون المولى فكذلك هنا (ألا ترى) أن النسب يثبت بفراش النكاح على وجه لا ينتفى بمجرد النفى فاسدا كان النكاح أو جائزا بخلاف ملك اليمين ولكنه يعتق بدعوة المولى لانه صار مقرا بحريته وكذلك أم ولد رجل تزوجت بغير اذنه ودخل بها الزوج فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فادعياه أو نفياه أو نفاه أحدهما وادعاه الاخر فهو ابن الزوج على كل حال لان فراش النكاح وان كان فسادا فهو أقوى من فراش الملك علي ما بينا وكذلك لو تزوج أمة ابنه بغير اذنه فولدت فادعاه الزوج والمولى فهو ابن الزوج لما له عليها من فراش النكاح وهو أقوى من اثبات النسب من فراش الملك والله أعلم (باب دعوة احدي الاماء) (قال رحمه الله قال أمة لها ثلاثة اولاد ولدتهم في بطون مختلفة وليس لهم نسب معروف فقال المولى في صحته أحد هؤلاء ابني ثم مات قبل ان يثبت نسب واحد منهم) لان المدعى نسبه مجهول ونسب المجهول لا يمكن اثباته من أحد انما يثبت في المجهول ما يحتمل التعليق بالشرط ليكون منقطعا بخطر البيان والنسب لا يحتمل التعليق بالشرط فلا يثبت بالمجهول والجارية تعتق لانها اقر لها بامية الولد وهو معلوم وام الولد تعتق بموت مولاها من جميع المال وتعتق من كل واحد من الاولاد ثلاثة في قول ابى حنيفة رحمه الله لان دعوة النسب إذا لم يعمل في اثبات النسب كانت اقرارا بالحرية فكأنه قال احدهم حر فيعتق ثلث كل واحد منهم من جميع المال وعلي قول محمد رحمه الله يعتق من الاكبر ثلثه ومن الاوسط نصفه والاصغر كله لان الاكبر ان كان هو المقصود بالدعوة فهو حرفان كان المقصود هو الاوسط أو الاصغر لم يعتق الاكبر فهو حر في حال عبد في حالين فيعتق ثلثه واما الاوسط فان كان المقصود فهو حر وان كان المقصود هو الاكبر لانه ولد ام الولد فيعتق بموت المولى كما تعتق امه وان كان المقصو هو الاصغر لم يعتق الاوسط فهو يعتق في حالين ولا يعتق في حال واحوال الاصابة حالة واحدة في الروايات الظاهرة الا فيما ذكر في الزيادات بخلاف حال الحرمان فلهذا يعتق نصفه فأما الاصغر فهو حر بيقين سواء كان المقصود هو الاوسط أو الاكبر الا أن أبا حنيفة رحمه الله لم يعتبر هذه الاحوال لانه مبنى على ثبوت النسب ولم يثبت

[ 143 ] النسب ولان جهة الحرية مختلفة وحكمه مختلف فانه ان كان مقصودا بالدعوة كان حر الاصل وإذا كان المقصود غيره كانت حريته بطريق التبعية للام بعد موت المولى وبين كونه مقصودا وتبعا منافاة وكذلك بين حرية الاصل وحرية العتق منافاة ولا يمكن اعتبار الجهتين جميعا فلهذا يعتق من كل واحد منهم ثلثه وقد روى عن أبى يوسف مثل قول محمد رحمهما الله الا في حرف واحد وهو أنه قال يعتق من الاكبر نصفه لان حاله تتردد بين شيئين فقط اما أن يكون ثابت النسب من المولى فيكون حرا كله أولا يكون ثابت النسب منه فلا يعتق منه شئ فلهذا عتق نصفه ويسعى في نصف قيمته ثم استشهد بقول أبى حنيفة رحمه الله بما لو كان لها ولد واحد فقال المولى قد ولدت هذه الامة مني ولدا ولم يتبين هذا هو أو غيره لا يثبت نسب هذا معرف والمولى انما أقر بنسب المنكر والمنكر غير المعرف وتصير الجارية بمنزلة أم الولد لاقراره بأمية الولد لها فيكون الولد عبدا لا يعتق بعتق أمه لانه ما أقر بنسبه ولا باقصاله عن الام بعد أمية الولد فيها والرق فيها ثابت بيقين فلا يبطل بالاحتمال ومن قال بقول محمد رحمه الله يلزمه أن يقول هنا بعتق من الولد نصفه باعتبار الاحوال وهذا قبيح من طريق المعنى أرأيت لو قال قد أسقطت هذه الامة منى سقطا مستبين الخلق أكان يعتق به شيئا من ابنه الكبير لا يعتق شئ منه فكذلك ما سبق وكذلك لو كان كل واحد من هؤلاء الاولاد لام معروف كان لها فانه يعتق من كل ولد ثلثه لان النسب لما لم يثبت بدعوته كان هذا اقرارا بالعتق لاحدهم فيعتق من كل واحد منهم ثلثه وهذا على أصل الكل لان اعتبار الاحوال هنا غير ممكن. قال وإذا ولدت أمة ولدا من غير زوج فلم يدعيه المولى حتى كبر وولد له ولد من أمه للمولى ثم مات الابن الاول ثم ادعى المولى أحدهما فقال أحد هذين ابني يعنى الميت وابنه فانه يعتق الاصل كله على اختلاف الاصلين أما عند أبى حنيفة رحمه الله لان دعوته لما لم يعمل في حق النسب انقلب اقرا بالعتق فكأنه قال أحدهما حر ومن جمع بين حى وميت وقال أحدهما حر عتق الحى منهما عنده وأما عند محمد رحمه الله فلانا تيقنا بحرية الاسفل لانه ان كان هو المقصود فهو حر وان كان المقصود الاكبر عتق الاسفل أيضا لانه من أمة المولى فيكون مملوكا له ومن ملك ابن ابنه عتق عليه وتسعى أمة في نصف قيمتها لانه ان كان المقصود هو الاسفل فأمه أم ولد يعتق بموت المولى وان كان هو الاكبر لم يعتق هذه فلهذا عتق نصفها وسعت في

[ 144 ] نصف قيمتها وكذلك الجدة تسعى في نصف قيمتها لهذا. قال أمة لرجل ولدت ابنتا ثم ولدت ابنتها ابنتا فقال المولى في صحته احدى هؤلاء الثلاثة ولدى ثم مات قبل أن يبين فانه يعتق نصف العليا وجميع الوسطى وجميع السفلى لان العليا تعتق في حالين فانها إذا كانت مقصودة بالدعوة فهى حرة وان كان المقصود ابنتها فهى أم ولد تعتق بموت المولى وان كان المقصود أسفلها فهى أمة فلهذا عتق نصفها فأما الوسطى فهى حرة بيقين ان كانت هي المقصودة فهى حرة بالنسب وان كانت ابنتها فهى حرة بأمية الولد وان كان المقصود أمها فهى حرة فهى ابنت ابنت المولي وكذلك السفلى حرة بيقين ولم يذكر قول أبى حنيفة رحمه الله في هذا الفصل وقيل علي قوله يعتق ثلث كل واحدة منهن لان هذا عنده بمنزلة قوله احدا كن حرة وقيل بل الجواب قولهم لان العتق هنا بجهة النسب كيف ما كان وهو مقصود فيه سواء كان بأمية الولد فوجب اعتبار الجهات هنا بخلاف الفصل الاول على ما بيناه. قال ولو ولدت الامة ابنتا من غير زوج ثم ولدت ابنتين في بطن آخر ثم ولدت ابنا في بطن آخر ثم نظر المولى إلى الاكبر والى احدى الابنتين في صحته فقال أحد هذين ولدى ثم مات قبل أن يبين لم يثبت نسب واحدة منهما وعتقت الامة بجهة أمية الولد لما بينا ويعتق من الكبرى نصفها ويسعى في نصف قيمتها ويعتق من الاوسطين نصف كل واحد منهما في ظاهر الرواية عند أبى حنيفة رحمه الله وفي غير الاصول قال يعتق عبده من كل واحدة منهما ربعها * وجه هذه الرواية انه لما لم يثبت النسب بدعوته انقلب اقرارا بالحرية فكأنه قال احدهما حر ويعتق نصف الكبرى في نصف الحرية وحط الاوسطين فيه علي السواء لانهما توأم لا ينفصل أحدهما على الآخر فيصير هذا النصف بينهما نصفين فيعتق من كل واحد ربعها * وجه ظاهر الرواية أن تعلق الحرية الذى بقى العتق من وسطين ولكن احدهما لم ينفصل عن الآخر في حرية الاصل ولا في النسب والاقرار بالنسب لاحدهما بمنزلة الاقرار به لهما فما يعتق به من أحدهما بحكم هذا الاقرار وهو نصف رقبته يعتق من الثاني مثله وأما الاصغر فهو حر كله لانا تيقنا بأنه ولد أم الولد فيعتق بموت المولي من جميع المال كما تعتق أمته. قال ولو نظر المولى الي الاصغر فقال أحد هذين ابني ثم مات قبل أن يبين يعتق من الاكبر نصفه ومن الاصغر ايضا نصفه في قول ابى حنيفة لان كلامه صار اقرارا بالحرية لهما فكأنه قال احدهما

[ 145 ] حر فيعتق من كل واحد منهما نصفه وعلي قول محمد رحمه الله يعتق الاصغر كله لانه حر بيقين اما لانه ابنه أو لانه ولد أم ولده فيعتق بموته. وقال يعتق من الاوسطين نصف كل واحد منهما ويسعى في نصف قيمته في قول أبى حنيفة رحمه الله وقيل هذا قول محمد رحمه الله فانه ان كان المقصود الاكبر فهما حران بالاستيلاد وان كان المقصود الاصغر لم يعتق واحد منهما فيعتق من كل واحد منهما نصفه فأما عند أبي حنيفة رحمه الله ينبغى أن لا يعتق من الاوسطين شئ لان كلام المولى لم يتناولهما وقيل بل الجواب صحيح في قول أبى حنيفة لان جهة العتق لهما واحدة وهو التبعية فيعتبر الحالان في حقهما فلهذا يعتق من كل واحد منهما نصفه. قال رجل له أمة لها ثلاثة أولاد ولدتهم في بطون مختلفة من غير زوج فقال المولى للاكبر منهم هو ابني ثبت نسبه منه للدعوة وصارت الام أم ولد له ولم يثبت نسب الآخرين منه عندنا وقال زفر رحمه الله يثبت نسب الآخرين منه أيضا لانه تبين أنها أم ولد ولدتهما على فراشه فانها صارت أم ولد له من حين علقت بالاكبر ونسب ولد أم الولد ثابت من المولى من غير دعوة الا أن ينفيه وتخصيصه الاكبر بالدعوة لا يكون دليل النفى ولا الاثبات ولنا أن تخصيصه الاكبر بدعوة النسب دليل النفى في حق الآخرين هنا لانه يجب علي المولى شرعا اظهار النسب الذى هو ثابت منه بالدعوة فكان تخصيصه الاكبر بعد وجوب الاظهار عليه بهذه الصفة دليل النفى في حق الآخرين ودليل النفى كصريح النفي ونسب ولد أم الولد ينتفى بالنفى فكذلك بدليل النفى وهذا نظير ما قيل ان سكوت صاحب الشرع صلوات الله عليه عن البيان بعد وقوع الحاجة إليه بالسؤال دليل النفى لان البيان وجب عند السؤال فكان تركه بعد الوجوب دليل النفى ولكن يعتق الآخران بموت المولى لانهما ولدان لام الولد فيعتقان بموت المولى فان ولدت بعد اقراره ولد لستة أشهر فصاعدا فلم ينفه المولى ولم يدعه حتى مات فهو ابنه لانها علقت على فراشه فانها بالدعوة صارت فراشا للمولى ولهذا ثبت نسب هذا الولد منه وفى الكتاب أشار الي ان الفراش انما يثبت لها من وقت الدعوة وهذا يكون طريقا آخر في المسألة الاولى أن انفصال الولدين الاولين كان قبل ظهور الفراش فيها فلا يثبت نسبهما الا بالدعوة. قال ولو أقر ان أمته قد ولدت منه أو أسقطت منه سقطا مستبين الخلق ثم ولدت بعد ذلك لستة أشهر وهو غائب أو مريض فانه يثبت النسب منه ما لم ينفه لانها جاءت به على فراشه فان نفاه انتفى بمجرد نفيه عندنا وقال الشافعي

[ 146 ] إذا أقر بوطئها ثم جاءت بولد قبل أن يشتريها بحيضة لا ينتفى النسب منه وان نفاه وان جاءت بالولد بعدما اشتراها بالحيضة لم يثبت النسب منه الا بالدعوة لان عنده بالوطئ تصير فراشا له ولا ينقطع حكم ذلك الفراش الا بالاستبراء فإذا ولدت قبل أن يشتريها ثبت النسب منه باعتبار الفراش فلا ينتفى بنفيه كما لو ثبت بفراش النكاح ولكنا نقول للمولى على أم الولد فراش مجوز لا ملزم (ألا ترى) أنه يملك نقل فراشه إلى غيره بالتزويج فكما أنه يثبت الفراش على وجه ينفرد بنقلها إلى غيره فكذلك النسب بحكمه يثبت علي وجه ينفرد بنفيه بخلاف فراش المنكوحة والله أعلم بالصواب (با ب دعوة القرابة) (قال رحمه الله قال جارية لرجل ادعى ابنه ان أباه زوجها منه فولدت له هذا الولد وأنكره الاب لم يصدق علي ذلك ولم يثبت نسبه منه الا ان بينته تقوم على النكاح) لانه ليس للابن في جارية أبيه تأويل ملك ولا له حق بملكها على أبيه فكان هو في هذه الدعوة كسائر الاجانب لا يثبت نسبه منه ما لم يثبت سببه بالحجة وهو النكاح لان ثبوت الحكم ينبنى على ثبوت النسب. قال وإذا ادعي الاب ولد جارية ابنه والابن عبد أو مكاتب فدعوته باطلة لانه ليس له ولاية نقلها إلى نفسه لانعدام ولايته على العبد والمكاتب ولما كان للمولى فيها من ملك أو حق ملك وشرط صحة دعوة الاب نقلها إلى ملكه كما ذكرنا وكذلك لو كان الابن مسلما والاب ذميا أو مستأمنا لانه لا ولاية للكافر على مسلم. قال وذا لو ولدت أمة الرجل فادعاه آخر أنه ابنه من نكاح أو شبهة وأنكره المولى لم يصدق على ذلك العم والخال وسائر القرابات لانه لاحق لبعضهم في مال البعض فهم كسائر الاجانب فان ملكه يوما وقد ادعاه من جهة نكاح صحيح أو فاسدا أو من جهة ملك يثبت نسبه منه لانه عند الملك كالمجدد لذلك الاقرار فان النسب لا يحتمل الابطال بعد ثبوته والاقرار به قبل الملك يتوقف على وجود الملك وكذلك لو ادعى انه ابنه ولم يذكر انه تزوجها لان مطلق اقراره محمول على سبب صحيح شرعا والاسباب المثبتة للفراش الذى يبنى عليها النسب كثيرة ولو مالك أمه معه أو دونه صارت أم ولد له لانه أقر لها بأمية الولد حين أقر بالولد والنسب فان اقراره بالنسب مثبت لها الفراش والفراش ثابت بالملك أو بالنكاح فاسدا كان أو صحيحا وذلك

[ 147 ] موجب أمية الولد لها إذا ملكها وان ملك الولد أب المدعى وهو يجحد مقالة ابنه لم يثبت نسبه من الابن ولا يعتق لانه لو كان في ملك الاب حين ادعاه الابن لم يثبت نسبه مع جحود الاب فإذا اعترض ملك الاب أولى ان لا يثبت نسبه بتلك الدعوة وإذا لم يثبت النسب لم يعتق على الاب لان عتقه عليه باعتبار أنه ابن ابنه وذلك لا يكون الا بعد ثبوت نسبه من الابن. قال رجل تزوج امرأة على خادم فولدت في يد الزوج فادعي الزوج الولد وكذبته المرأة فان كانت ولدت لاقل من ستة أشهر منذ تزوجها وكان أصل الحبل عند الزوج فهو مصدق لانا تيقنا أن العلوق حصل في ملكه فتكون دعوته دعوة استيلاد فبطل به تمليكها من المرأة صداقا ويضمن قيمتها للمرأة لان التسمية بطلت بعد صحتها فوجب علي الزوج القيمة كما لو استحقت وهذا لانه تعذر تسليمها مع بقاء السبب الموجب للتسليم وهو النكاح وان لم يكن أصل الحبل عنده لم يصدق لان دعوة التحرير بمنزلة الاعتاق وهو لو أعتقها في هذه الحالة لم تصح منه وكذلك ان وضعته لاكثر من ستة أشهر لانا لا نتيقن بحصول العلوق في ملكه فلا يصدقه على ابطال ملكها عن عين الخادم حين كذبته فان طلقها قبل أن يدخل بها وقبل التسليم إليها ثبت نسب الولد منه لان بالطلاق قبل الدخول ينتصف الاصل مع الزيادة وهو الخادم المقبوض فكان نصفها ونصف ولدها للزوج وذلك يكفى لصحة الدعوة فلهذا ثبت نسب الولد منه وصارت الجارية أم ولد له ويضمن نصف قيمتها للمرأة لانه صار متملكا نصيبها عليها بما سبق منه من الدعوة وضمان التملك لا يعتمد وجود الصنع ولو لم يصنع في عينها شيئا بالطلاق قبل الدخول صار ضامنا لها نصف قيمة الجارية ويسعى الولد في نصف قيمته لها لان نصف الولد مملوك لها وقد احتبس عنده فيجب عليه السعاية في نصف القيمة ولا ضمان علي الزوج فيه وان كان موسرا لان صفة الدعوة حين ادعي لم يكن مفسرا عليها شيئا من الولد وانما فسد نصيبها من الولد بعد الطلاق وكان ذلك سببا حكيما وهو ينصف الصداق بينهما وذلك أمر حكمي ولا يقال بان سببه الطلاق لان الطلاق يصرف منه في المنكوحة لقطع النكاح لا في الصداق فلا يكون موجبا للضمان عليه ثم ان كان لزوج أقر أنه وطئها قبل النكاح لم يضمن من العقر شيئا وان أقر ان وطأه اياها كان بعد النكاح ضمن نصف العقر لها وان لم يبين ذلك فالقول قوله فيه الا إذا جاءت به لاكثر من سنتين منذ تزوجها فحينئذ يعلم أن وطأه اياها كان بعد النكاح فيلزمه نصف العقر لها لان بالوطئ قد لزم جميع العقر فانه وطئ

[ 148 ] ملك الغير وقد سقط الحد عنه لشبهة فيجب العقر والعقر زيادة كالولد فينصف بالطلاق (قال) وتأويل هذه المسألة إذا كان ادعي نسب الولد بنكاح أو شبهة أو لم يبين السبب فأما إذا بين انه وطئها من غير شبهة النكاح لا يثبت النسب منه لان الجارية في يده مملوكة له مضمونة عليه بالقيمة كالمغصوبة فيكون وطؤه اياها زنا غير مثبت النسب وان كانت ولدت في يدى المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم يرجع إليه من الخادم والولد شئ لان الزيادة المنفصلة بعد القبض تمنع بنصف الاصل الا أن تكون جاءت به لاقل من ستة أشهر منذ تزوجها فيكون ابنه بدعوته والجارية أم ولد له ويضمن المرأة نصف قيمتها لتيقننا بحصول العلوق في حال ملكه وذلك بمنزلة البينة تقوم وان جاءت به لاكثر من ستة أشهر بعد القبض ولم يطلقها ولكن المرأة ماتت فورثها ضمن نصيب شركائه فيها لانه صار متملكا لنصيب شركائه من الجارية حين صارت أم ولد له وضمان التملك لا يستدعي صنعا من جهته ويسعى الولد في حصتهم لان نصيب الاب منه قد عتق بالدعوة السابقة فيحتبس نصيب الشركاء عند الولد فعليه السعاية (قال) وكذلك كل ميراث يقع في مثل هذا وحاصل هذه المسألة ان ملك جزءا من ولد بطريق الميراث من غيره فهو علي وجهين اما أن يكون شريكه ذا رحم محرم من الولد أو أجنبيا منه وكل وجه على وجهين اما ان تكون دعوة الاب فيه قبل الملك أو بعده وكل وجه من ذلك على وجهين اما أن يصدقه الشريك أو يكذبه ثم الحاصل عند أبى حنيفة رحمه الله أنه ان كان الشريك ذا رحم محرم من الولد والدعوة قبل الملك أو بعده صدقه الشريك في ذلك أو كذبه فالولد حر كله ولا ضمان علي الاب ولا سعاية على الولد لانه انما عتق نصيب الشريك عليه بقرابته فلا يكون ذلك موجبا للسعاية على الولد ويكون موجبا للضمان على الاب أما إذا انعدمت الدعوة علي الملك فلان تمام علة العتق بالملك الحاصل بالميراث لا صنع له فيه فان تأخرت الدعوة عن الملك فانما كان عتق نصيب الشريك محالا به على القرابة الثانية بينهما حكما فلا يكون موجبا للضمان على الاب وان كان الشريك أجنبيا فان كانت الدعوة قبل الملك وصدقه الشريك فيه أو كذبه أو كانت الدعوة بعد الملك وصدقه الشريك فيه فلا ضمان على الاب لانعدام صنع موجب للضمان اما بتقدم الدعوة على الملك الذي هو متمم لعلة العتق واما التصديق من شريكه اياه في الدعوة فانه حينئذ يلتحق بالابن المعروف ومن ملك ابنه المعروف بالميراث مع غيره لم يضمن لشريكه شيئا ولكن على الولد أن يسعى في

[ 149 ] نصيب الشريك لانه احتبس نصيب الشريك عنده فتجب السعاية له ولو كانت الدعوة بعد الملك وكذبه شريكه فالحكم فيه كالحكم في عبد بين اثنين يعتقه أحدهما لان نصيب الاب انما يعتق عليه بعلة ذات وصفين الملك ولقرابة فيحال به على آخر الوصفين وجودا وهو الدعوة هنا وذلك منه بمنزلة الاعتاق في حق الشريك حين كذبه فلهذا كان الحكم فيه كالحكم بين اثنين يعتقه أحدهما وأما في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فان كانت الدعوة قبل الملك وكان الشريك ذا رحم محرم من الولد وصدقه في ذلك فلا ضمان عليه ولا سعاية على الولد لان نصيب الشريك انما يعتق عليه بقرابته حين صدقه في الدعوة وان كانت الدعوة قبل الملك وكذبه شريكه أو كان الشريك أجنبيا والدعوة قبل الملك فصدقه أو كذبه أو كانت الدعوة بعد الملك وصدقه ففى هذه الوجوه الاربعة لا ضمان على الاب لان تتميم علة العتق بالملك إذا كانت الدعوة قبله ولا صنع له في ذلك وان كانت الدعوة بعده وصدقه فهو كالابن المعروف في حقه فلا يكون الاب ضامنا لشريكه في ظاهر الرواية عنهما وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله يصير ضامنا لشريكه في الابن المعروف وان ملكه بالارث لان ضمان العتق على هذه الرواية ضمان التملك بناء على أصلهما ان المعتق إذا كان موسرا يكون الولاء كله له فيكون بمنزلة ضمان الاستيلاد الواجب بسبب تملك الام ولكن هذه الرواية غير صحيحة فانه لا خلاف انه لا يجب هذا الضمان عند العسر وضمان التملك لا يختلف باليسار والاعسار ولكن العبد يسعى في قيمة نصيب شريكه لاحصاء منه عنده فانه القرابة بينه وبين الولد لم تثبت عند تكذيبه في حقه وان كانت الدعوة بعد الملك وكذبه الشريك وهو ذو رحم محرم من الاب أو أجنبي فالجواب في الفصلين واحد عندهما والحكم فيه كالحكم في عبد بين اثنين يعتقه أحدهما لما بينا أن القرابة لا تثبت في حق الشريك مع تكذيبه اياه فذا الرحم المحرم والاجنبى فيه سواء. قال أمة في يدى رجل فولدت فادعي رجل انه تزوجها وان الولد منه وقال المولى بل بعتها بألف درهم والولد منه فالولد من الزوج بتصادقهما على الفراش المثبت للنسب له عليها مع الاختلاف في سببه ويعتق باقرار المولى لان الاب مقر أن الولد ملكه لانه ولد أمته والمولى مقر أنه حر لانها علقت به في ملك الاب فكان حرا باقرار المولى وأمه بمنزلة أم الولد لان المولى مقر لها بأمية الولد والمستولد مقر بأن اقرار المولى فيها نافذ فلهذا كانت بمنزلة أم الولد موقوفة لا تحل لواحد منهما لان كل

[ 150 ] واحد منهما ينفيها عن نفسه ولا يسع الزوج أن يقربها لان اباحة الفساد باعتبار ملك المتعة وملك المتعة لا يثبت له عليها الا بثبوت سببه ولم يثبت هنا سبب لملك المتعة فان المولى منكر للزوجية والزوج منكر للشراء وباب الحل مبنى على الاحتياط فلهذا لا يسعه أن يقربها فإذا مات أب الولد عتقت لان المولى مقرأنها أم ولد له يعتق بموته والزوج مقر بصحة اقرار المولى فيها وعلى الزوج العقر قصاص من الثمن لان مقدار العقر تصادقا علي وجوبه علي الزوج وان اختلفا في سببه ولا عبرة لاختلاف السبب في ضمان المال كمن يقول لغيره لك على ألف درهم قرض وقال المقر له بل هو غصب كان له أن يأخذ المال فهنا كذلك الزوج يعطى بحساب العقر والمولي يأخذ بحساب ما ادعاه من الثمن (قال) وهذا الجواب بخلاف ما ذكرنا في كتاب العتاق وانما أراد به ما ذكره في نسخ أبى سليمان رحمه الله من كتاب العتاق ان على الزوج قيمتها للمولي وهذا غلط بل الصحيح ما ذكره في نسخ أبى حفص ونوادر هشام رحمهما الله ان على الزوج العقر يأخذه المولى قصاصا من الثمن كما فسره هنا. قال ولو ادعى الزوج انه اشتراها فولدت منه هذا الولد وقال المولى بل زوجتك ثبت النسب لتصادقهما عليه ولم يعتق الولد لان الشراء لم يثبت بقول الزوج فكان الولد مملوكا للمولى بملكه الام كما عرف بثبوته فلهذا لا يعتق. قال أمة في يدى رجل فولدت فادعى ولدها وقال لرجل هي امتك زوجتنيها. وصدقه الآخر ولا يعرف أن أصلها كان للآخر فالولد حر ثابت النسب من ذي اليد وأمه أم ولد له لانها كانت في يده والظاهر أنها مملوكة فصحت دعوته وثبت للولد حقيقة الحريه وللام حق الحرية بهذه الدعوة فهو باقراره بعد ذلك أنها لغيره يريد ابطال الحق الثابت لها قبله فلا يقبل قوله في ذلك ولكن يضمن قيمتها للمقر لان اقراره حجة في حقه وقد زعم أنها مملوكته أحتبست عنده بالدعوة السابقة فيضمن قيمتها له ولو عرف أن أصلها كان للمقر له ثبت النسب منه وكان مملوكين له لان بدعوة النسب هنا لم تثبت الحرية فيها ولا في ولدها لكون الملك فيها ظاهرا لغير المستولد وان كان الاصل لا يعرف لهذا فقال هذا بعتكها وقال أب الولد زوجتني ضمن أب الولد قيمتها لان احتباسها عنده لم يكن باقرار المقر له بالبيع (ألا ترى) انه وان أنكر ذلك لم يكن له عليه أولا على ولدها سبيل بثبوت أمية الولد بالدعوة السابقة فلهذا ضمن أب الولد قيمتها ولم يضمن العقر لانه وطئ ملك نفسه ولانه ضمن جميع بدل النفس وكذلك لو قال أب الولد بعتني هذه الجارية

[ 151 ] وقال الآخر بل زوجتك فهذا والاول سواء لما بينا وان كان يعرف أن الاصل لهذا فانه يأخذ الام وولدها مملوكين ما خلا خصلة واحدة وهى أن تقربانه باعها منه فحينئذ لا سبيل له عليها لاقراره بخروجها عن ملكه بالبيع ولا يغرم أب الولد القيمة في هذا الفصل لان احتباسها باقرار المقر له ببيعها (ألا ترى) أنه لو أنكر ذلك لم يمكن من أخذها وأخذ ولدها فلهذا لا يضمن أب الولد القيمة ولكن عليه العقر لما بينا فيما سبق وكانت هي بمنزلة أم الولد موقوفة لاقرار مولاها بذلك. قال رجل تزوج امرأة فولدت ولدا فادعى أحدهما النكاح منذ شهر وقال الآخر منذ سنة فالنسب ثابت منهما لانها فراش له في الحال فيثبت النسب باعتبار ظاهر الفراش في الحال ومن ادعى أن النكاح منذ شهر فقد ادعى خلاف ما يشهد به الظاهر فلا يقبل قوله فان (قيل) بل صاحبه يدعى سبق التاريخ بالنكاح وهو منكر له فينبغي أن يكون القول قول المنكر (قلنا) التاريخ غير مقصود لعينه فلا ينظر إليه وانما ينظر إلى الحكم المقصود وهو نسب الولد فيجعل القول قول من يشهد الظاهر له في حق النسب مع أن هذا المنكر مناقض لانه قد تقدم منه الاقرار لصحة النكاح والان يدعى فساده بانكار التاريخ فلا يقبل قوله وكذلك لو طلقها ثلاثا فولدت بعده بيوم فاحبلها فهو وما سبق سواء لما بينا ولو اجتمعا على أن النكاح منذ شهر والولد صغير صدقا ولم يثبت النسب من الزوج لان الصغير لا قول له في نفسه فبقى الحق لهما وما تصادقا عليه يجعل كالمعاين في حقهما فلهذا لا يثبت النسب من الزوج فان قامت البينة أنه تزوجها منذ ستة أشهر ثبت النسب لقيام حجة البينة عليه فان (قيل) كيف تقبل هذه البينة وليس هنا من يدعيها (قلنا) من أصحابنا رحمهم الله من قال ينصب القاضى عن الصغير قيما ليقيم هذه البينة لان النسب حقه وهو عاجز عن اثباته بنفسه فينصب القاضى عنه قيما لاثباته وقيل بل في هذا حق الشرع وهو ثبوت النكاح بينهما والحكم بصحته حتى لا يتزوج بغيره فيكون ابنه وان لا ينسب الولد إلى غير أبيه فان ذلك حرام لحق الشرع وإذا تعلق به حق الشرع قبلت الشهادة عليه حسبة من غير دعوى كما في عتق الامة والله أعلم (باب اقرار المريض بالولد) (قال رحمه الله رجل له عبد في صحته وأقر في مرض موته انه ابنه وليس له نسب

[ 152 ] معروف ومثله بولد لمثله فانه ابنه يرثه ولا يسعى في شئ سواء كان أصل العلوق به في ملكه أو لم يكن في ملكه) لان النسب من حاجته وهو مقدم على حق ورثته في ماله فيثبت نسبه منه بالدعوة لكونه غير محجور عنه ويكون بمنزلة ابن معروف له ملكه في صحته فيكون عتقه من جميع المال لا بطريق لوصية فلهذا لا يسعى في شئ قال وكذلك ان كان عليه دين يحيط بماله لان حاجته مقدمة على حق غرمائه بدليل الجهاز والكفن ولانه ليس في ثبات النسب ابطال حق الغرماء والورثة لانه يلاقي محلا لا حق لهم فيه وانما ذلك فيما ينبنى عليه من الحكم والذي ينبنى على هذا السبب عتق في صحته ولا حق للغرماء والورثة في ماله في صحته وكذلك لو كانت له جارية ولدت في صحته فاقر في مرضه انه ابنه سواء كان أصل العلوق في ملكه أو لم يكن لان الذى ينبنى على دعوة النسب هنا حقيقة الحرية للولد في صحته وحق الحرية للام ولا حق للغرماء والورثة فيهما في حالة الصحة فأما إذا كان ملكه في مرضه فادعاه قبل الملك أو بعده ثم مات فان كان عليه دين محيط فعليه السعاية في جميع القيمة لان الذى ينبنى على دعوته هنا عتق في المرض وذلك يلاقى محلا مشغولا بحق الغرماء فلا يكون مصدقا في حقهم الا أن الرق قد فسد باقراره فعليه السعاية في جميع القيمة وان لم يكن له مال سواهما ولا دين عليه كان عتقه من ثلثه وعليهما السعاية فيما زاد علي الثلث من قيمته ولا يرثه الولد في قول أبى حنيفة لان المستسعى في بعض قيمه عنده بمنزلة المكاتب والمكاتب لا يرث وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله المستسعى حر مديون فيكون من جملة الورثة ولا وصية للوارث ولكن عليه السعاية في قيمته ويرثه وان كان للمولى ابنان بحيث تخرج رقبته من الثلث فعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الجواب كذلك يسعى الولد في قيمته لانه صار وارثا ولا وصية للوارث وأما عند أبى حنيفة رحمه الله لا سعاية على الولد في شئ ويرثه فقد جمع له بين الوصية والميراث لضرورة الدور فانه لو لم يجز الوصبة له وألزمه السعاية في قيمته كان مكاتبا والمكاتب غير وارث فتصح الوصية له سقطت السعاية فصار وارثا فلا يزال يدور هكذا والسبيل في الدور أن يقطع فلهذا جمع بين الوصية والميراث وهو نظير ما قالوا في تنفيذ الوصية في خمسي المال في بعض مسائل الهبة لضرورة الدور وان كانت الوصية لا تنفذ في أكثر من الثلث وهذا لان مواضع الضرورة مستثنى في الاحكام الشرعية فأما أم الولد فلا سعاية عليها عندهم جميعا لانه إذا كان معها ولد يثبت نسبه فهو شاهد لها بمنزلة اقامة البينة فلهذا لا يلزمه السعاية

[ 153 ] في شئ وكذلك لو وهب للمريض ابنه المعروف ولا مال له غيره فان كان عليه دين سعى في قيمته للغرماء وان كان الدين أقل من قيمته سعى في الدين وفى ثلثى ما بقى للورثة وله الثلث وصية في قول أبى حنيفة وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله سعى فيما بقى من قيمته بينه وبين الورثة ولا وصية له لانه من جملة الورثة. قال ولو كان وهب للمريض أم ولد له معروفة عتقت ولم يسع في شئ لان ثبوت نسب الولد شاهد لها وعتق أم الولد من حوائج الميت فيكون مقدما على حق الغرماء والورثة. قال ولو أن مريضا له الف درهم اشترى به ابنه ثم مات ولا مال له غيره فعند أبى حنيفة رحمه الله يسعي في قيمته للورثة والثلث وصية له ويسعى في جميع قيمته لانه وارث فلا وصية له وان كان عليه دين سعي في الدين وثلثي ما بقى في قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما في جميع القيمة لما بينا. قال ولو كان اشترى أم ولد له معروفة لم يسع في شئ للغرماء ولا للورثة لان نسب الولد شاهد لها وان كان قد حابى البائع في شئ فان كانت أقل من ألف فالمحاباة في المرض وصية فان كان عليه دين فعلى البائع رد بيع الفضل وان لم يكن عليه دين فعليه رد ثلثى الفضل على الورثة والثلث يسلم له بطريق الوصية. قال ولو أن صبيا وأمة مملوكان لرجل لا يعرف له نسب فاشتراهما رجلان أو ملكاهما بهبة أو صدقة أو ميراث أو وصية ثم ادعى أحدهما أن الولد ابنه وكذبه الآخر فهو ابنه لان قيام الملك له في النصف كقيام الملك له في الكل في صحة الدعوة والولد محتاج إلى النسب ويضمنه حصة شريكه من قيمة الام غنيا كان أو فقيرا لانه صار متملكا لنصببه عليه حين صارت أم ولد له (قال) ويضمن حصة شريكه من قيمة الولد ان كان موسرا ويسعى الولد ان كان مسعرا لان دعوة التحرير بعد الملك بمنزلة الاعتاق إذا كذبه الشريك وكان أجنبيا وان كان الشريك ذا رحم محرم من الولد فعند أبى حنيفة رحمه الله لا سعاية عليه وعندهما يلزمه السعاية وقد بينا هذه الفصول في الباب المتقدم. قال ولو اشترى المكاتب ابنه مع رجل آخر صارت حصته مكاتبا معه لانه لو ملك كله صار الكل مكاتبا معه فكذلك إذا ملك النصف اعتبارا للبعض بالكل فإذا ادعى المكاتب عتقا وسعى الولد لشريكه في نصف قيمته عند أبى حنيفة رحمه الله ولا ضمان علي المكاتب لان من أصله أن الحر لو اشترى ابنه مع غيره لم يضمن لشريكه شيئا ولكن تجب السعاية على الولد فكذلك المكاتب وأما على قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله صار الولد كله مكاتبا مع ابنه لان عندهما الكتابة لا نتجزى ويضمن المكاتب نصف قيمة

[ 154 ] ابنه لشريكه لانه صار متملكا عليه نصيبه فيضمن له قيمة نصيبه موسرا كان أو معسرا ولو كان مجهولا فادعاه المكاتب بعد ما ملكاه كان للشريك أن يضمنه نصفه قيمته ان كان غنيا وان شاء استسعى الابن وان كان فقيرا استسعى الابن لان المكاتب في الدعوة كالحر وكذلك في ضمان الاعتاق وهو بمنزلة الحر وقد بينا أن هذه الدعوة عند تكذيب الشريك بمنزلة الاعتاق ولو كانت أمه معه ضمن المكاتب نصف قيمتها غنيا كان أو فقيرا لانه تعذر بيعها بما ثبت للمكاتب من الملك فيها وصارت بمنزلة أم الولد فيضمن لشريكه نصف قيمتها لانه صار متملكا على كل حال وان كان الذى ملك مع المكاتب ذا رحم محرم من الصبى ونسب الصبي من المكاتب معروف عتق نصيب ذا الرحم المحرم بالقرابة عند أبى حنيفة رحمه الله لانه أثبت له حقيقة الملك وكان نصيب المكاتب موقوفا فان عتق عتق معه وان عجز سعى لمولاه فيه وعند أبى يوسف ومحمد يعتق الكل لان عندهما العتق لا يتجزى ولا ضمان لواحد منهما على صاحبه ولا سعاية علي الولد لان فيه تحصيل مقصود المكاتب فانه انما يسعى لتحصيل الحرية لنفسه ولولده فلهذا لا يجب الضمان له ولا السعاية والله أعلم (باب دعوة الولد من الزنا والنكاح الصحيح) (قال رحمه الله رجل أقر أنه زنا بامرأة حرة وان هذا الولد ابنه من الزنا وصدقته المرأة) فان النسب لا يثبت من واحد منهما لقوله ﷺ الولد للفراش وللعامر الحجر ولا فراش للزاني وقد جعل رسول الله ﷺ حظ الزانى الحجر فقط وقيل هو إشارة الي الرحم وقيل هو إشارة إلى الغيبة كما يقال للغيبة الحجر أي هو غائب لاحظ له والمراد هنا انه لا حظ للعاهر من النسب وبقي النسب من الزانى حق الشرع أما بطريق العقوبة ليكون له زجرا عن الزنا إذا علم ان ماءه يضيع به أو لان الزانية نائبها غير واحد فربما يحصل فيه نسب الولد إلى غير أبيه وذلك حرام شرعا ولا ترتفع هذا المعنى بتصديق المرأة أو كان نفى النسب عن الزانى لحق الولد فانه يلحقه العار بالنسبة الي الزانى وفيه اشاعة الفاحشة وهذا المعنى قائم بعد تصديق المرأة وإذا لم يثبت منه النسب لم يثبت منهما أيضا لان مجرد قولها ليس بحجة في اثبات نسب الولد منهما فان شهدت القابلة ثبت بذلك نسب الولد من المرأة دون الرجل لان ثبوت النسب منها الولادة وذلك يظهر بشهادة

[ 155 ] القابلة ولا صنع لها في الولادة ليستوجب العقوبة بقطع النسب عنها ولان المعنى في جانب الرجل الاشتباه وذلك لا يتحقق في جانبها فان انفصال الولد عنها معاين فلهذا ثبب النسب منها قال وان أقر الرجل انه زنا بامرأة حرة أو أمة فولدت هذا الولد وادعت المرأة نكاحا فاسدا أو جائزا لم يثبت النسب منه وان ملكه لان ما ادعت من الفراش لم يثبت بقولها عند جحوده فبقى في حقه ما أقربه من الزنا وهو غير مثبت للنسب سواء ملكه أو لم يملكه الا أنه إذا ملكه يعتق عليه لانه جزء منه وان كان غير منسوب إليه فكما لا يثبت الرق للمرء علي نفسه لا يثبت على جزءه وانما أورد هذا الفصل لازالة الاشكال فان بدعوها النكاح خرج الفعل من أن يكون زنا محضا لا يجب الحد على واحد منهما ويجب العقر لها عليه ولكنه غير مثبت النسب لان سببه الفراش وذلك غير ثابت في حق الرجل فكذلك ان أقامت شاهدا واحدا بما ادعت لان الفراش لم يثبت بالشاهد الواحد فانه ليس بحجة تامة وعليها العدة لاقرارها على نفسها بالتزام العدة ولانها أخذت المهر من الرجل حين سقط الحد عنه وان ادعى الرجل النكاح وأقرت المرأة بالزنا فعليه العقر لسقوط الحد عنه بما ادعى من الشبهة ولم يثبت فراشه عليها عند جحودها فلا يثبت نسب ولدها منه في الحال وان ملك يوما ثبت نسبه منه وان ملك أمه كانت أم ولد له ولا ينظر إلى جحودها وجحود سيدها لان اقراره حجة في حقه وانما امتنع العمل به لكون المحل مملوكا لغيره وإذا صار مملوكا له كان كالمجدد لذلك فيثبت نسب الولد ويثبت أمية الولد للام وكذلك لو أقام شاهدا واحدا أو شاهدين ولم يعدلا لان ما أقام ليس بحجة تامة وعلى المرأة العدة لانها قد استوجبت المهر ولان العدة مثبتة للاحتياط. قال وإذا ولدت امرأة الرجل على فراشه فقال الزوج زنا بك فلان وهذا الولد منه وصدقته المرأة وأقر فلان بذلك فان نسب الولد ثابت من الزوج لانه صاحب الفراش وثبوت النسب باعتبار الفراش وبعد ما ثبت بفراش النكاح لا ينقطع الا باللعان ولا لعان بينهما لاقرارها علي نفسها بالزنا وكذلك لو كان النكاح فاسدا لان الفاسد ملحق بالصحيح في حكم النسب. قال ولو تزوج امرأة لا تحل له فأغلق عليها بابا أو أرخى حجابا ثم فرق بينهما لم يكن عليه مهر لان الخلوة في العقد الصحيح انما كان مقرا للمهر باعتبار ما فيه من التمكن من الاستيفاء وذلك لا يوجد في النكاح الفاسد فانه غير متمكن من الاستيفاء شرعا فلهذا سقط اعتبار الخلوة فان جاءت بولد لستة أشهر منذ تزوجها ثبت النسب منه وفى بعض

[ 156 ] النسخ. قال منذ أغلق عليها الباب وهذا لان الفاسد من النكاح معتبر بالجائز في حكم النسب لان الشرع لا يرد بالفاسد ليتعرف حكمه من نفسه فلابد من اعتباره بالجائز وفي النكاح الجائز إذا جاءت بالولد لستة أشهر منذ تزوجها ثبت النسب منه فكذلك في الفاسد وإذا ثبت النسب منه فقد حكمنا بأنه دخل بها وكان عليه المهر واعتباره بستة أشهر منذ أغلق الباب لاشكال فيه لان التمكن من الوطئ حقيقة يحصل به وان انعدم التمكن حكما واعتباره بستة أشهر منذ تزوجها صحيح أيضا لاعتبار الفاسد بالجائز ومن أصلنا في النكاح الجائز أن النسب ثبت بمجرد الفراش الثابت النكاح ولا يشترط معه التمكن من الوطئ وعلى قول الشافعي بمجرد النكاح بدون التمكن من الوطئ لا يثبت النسب فكذلك في الفاسد حتى قالوا فيمن تزوج امرأة وبينهما مسيرة سنة فجاءت بولد لستة أشهر عندنا يثبت النسب وعنده لا يثبت ما لم يكن لاكثر من ستة أشهر حتى يتحقق التمكن من الوطئ بعد العقد وحجته في ذلك انا نتيقن بأنه غير مخلوق من مائه فلا يثبت النسب منه كما لو كان الزوج صبيا وهذا لان سبب ثبوت النسب حقيقة كونه مخلوقا من مائه وذلك خفى لا طريق الي معرفته وكذلك حقيقة الوطئ تكون شراء علي غير الواطئين وفى تعليق الحكم به خرج ولكن التمكن منه سبب ظاهر توقف عليه فوجب اعتباره لان ما سقط انما كان لاجل الضرورة فتقدر بقدر الضرورة ولانها جاءت به على فراشه في حال يصلح أن يكون منسوبا إليه فيثبت النسب منه كما لو تمكن من وطئها وتصادقا انه لم يطأها وهذا لان النكاح ما شرع الا للاستفراش ومقصود النسل فيثبت الفراش بنفسه ولكن في حق من يصلح أن يكون والدا والصغير لا يصلح أن يكون والدا فلم يعمل في النسب لانعدام المحل له فأما الغائب يصلح أن يكون والدا كالحاضر فيثبت له الفراش المثبت للنسب بنفس النكاح وكما أن حقيقة العلوق من مائه لا يتوقف عليها فكذلك التمكن من الوطئ حقيقة لا يمكن الوقوف عليه لاختلاف طبائع الناس فيه وفي الاوقات فيجب تعليق الحكم بالنسب الظاهر وهو النكاح الذى لا يعقد شرعا الا لهذا المقصود ومتى قام النسب الظاهر مقام المعنى الخفى سقط اعتبار المعنى الخفى ودار الحكم مع النسب الظاهر وجودا وعدما وهو أصل كبير في المسائل كما أقيم السفر المريد مقام حقيقة المشقة في اثبات الرخصة بسبب السفر وأقيم تجدد الملك في الامة مقام اشتغال رحمها بماء الغير في تجدد وجوب الاستبراء ولان الوطئ والتمكن انما كان معتبرا لمعنى الماء وقد سقط اعتبار حقيقة

[ 157 ] الماء لاثبات النسب فيسقط ما كان معبرا لاجله أيضا. قال وإذا قال الرجل لصبي في يدى امرأة هو ابني من زنا وقالت المرأة من نكاح ثم قال الرجل بعد ذلك هو من نكاح ثبت نسبه منه لان كلامه الاول نفى للنسب عن نفسه وكلامه الثاني دعوة للنسب بعد النفى صحيح لانه غير محتمل للانتفاء بعد ثبوته فيبقى بعد النفى على ما كان عليه من قبل ولان المرأة قد أقرت له بالنكاح وصدقها في ذلك فيثبت النكاح بينهما وبثبوته يثبت نسب ولدهما منه وكذلك لو قال الرجل هو ابني منك من نكاح وقالت هو ابنك من الزنا لم يثبت نسبه لانكارها ما ادعاه من الفراش فان قالت بعد ذلك هو ابني من نكاح ثبت نسبه لانها أقرت له بالنكاح بعد ما أنكرت والاقرار بعد الانكار صحيح فإذا ثبت النكاح بينهما ثبت نسب الولد منهما. قال امرأة رجل ولدت وهما حران مسلمان فادعى الزوج انه ابنه وكذبته المرأة أو ادعت وكذبها الزوج وقد جاءت به لستة أشهر منذ تزوجها فهو ابنه منها لظهور النسب فيما بينهما وهو الفراش وكذلك لو قال الزوج هذا الولد من زوج كان لك قبلى وقالت المرأة بل هو منك فهو منه لان السبب بينهما ظاهر وما ادعاه الرجل غير معلوم وانما يحال بالحكم إلى السبب الظاهر دون ما لا يعرف ولو قال الزوج من زنا فان صدقته المرأة بذلك فهو ابنه لان السبب ثبت منه بفراش النكاح فلا يقطع الا باللعان ولا لعان بينهما إذا صدقته فيما ادعى من الزنا وان أنكرت ذلك وجب اللعان فيما بينهما ويقطع النسب عنه باللعان. قال وإذا نفى الرجل ولد امرأته بعد ما مات أو كان حيا قبل اللعان فهو ابنه لا يستطيع أن ينفيه لان النسب ثبت منه بالفراش وتقرر ذلك بموت الولد فلا يتصور بعد تقرره وهذا لان الميت لا يكون محلا لاثبات نسبه بالدعوة ابتداء فكذلك لا يكون محلا لقطع نسبه الذى كان ثابتا باللعان فان كل واحد من الحكمين يستدعى المحل فكذلك لو قبل الولد لانا حكمنا للاب بالميراث عنه اما بدل نفسه أو مال ان كان له والنسب بعد ما صار محكوما به لا يحتمل القطع وإذا كان للمرأة ولد وليس في يدى زوجها فقالت تزوجتك بعد ما ولدت هذا من زوج قبلك وقال الزوج بل ولدتيه منى في ملكى فهو ابن الزوج لما بينا ان النسب بينهما ظاهر وهو الفراش وما ادعت غير معروف فيحال بالولد على السبب الظاهر فلو كان الصبي في يدى الرجل دون المرأة فقال ابني من غيرك وقالت هو ابنك منى فالقول قول الزوج ولا تصدق المرأة بخلاف ما سبق والفرق من وجهين أحدهما أن قيام الفراش بينه وبينها لا يمنع فراشا آخر له

[ 158 ] على غيرها اما بنكاح أو بملك يمين فإذا كان الولد في يده كان نسبه إليه من أي فراش حصل له وأما ثبوت الفراش له عليها ينافى فراش آخر عليها لغيره وكان هذا الفراش في حقها متعينا وباعتباره يثبت النسب منه من هذا الزوج ولان المرأة في يد الرجل والولد الذى في يدها من وجه كانه في يده فأما الزوج ليس في يد امرأته فما في يده لا يكون في يدها فلهذا لا يقبل قولها وإذا نفى الرجل ولد امرأته وفرغا من اللعان عند القاضي فقيل أن يفرق بينهما ويقطع النسب من الاب فإذا مات أحدهما فالولد ثابت النسب من الزوج لان نفس اللعان لا يقطع النسب ما لم يقطعه القاضى إذ ليس من ضرورة اللعان قطع النسب فإذا مات أحدهما اذن اعترض قبل قطع النسب ما لو كان موجودا في الابتداء منع اللعان بينهما فكذلك يمنع قطع النسب به وكما يتقرر حكم النسب بموت الولد فكذلك بموت الاب لاستحقاق الولد الميراث منه ولو كانت ولدت ولدين توأم فعلم أحدهما فنفاه ولاعن وألزمه القاضى أمه يفرق بينهما ثم علم بالآخر فهما ابناه لان نسبهما ثبت منه باعتبار الفراش وانما جرى اللعان بينهما في الولد الذى نفاه فبقي نسب الآخر ثابتا كما كان وقد فرق القاضى بينهما فلا يمكنه أن ينفى نسب الآخر باللعان بعد الفرقة ومن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر لانهما توأم يقرره وأنه لا بد من جعل أحدهما اصلا والحاق الآخر به والذى انقطع نسبه منه باللعان محتمل للثبوت منه بالاكذاب والذي نفى ثابت النسب منه بعد الفرقة تسمية لا تحتمل النفى عنه فجعل هذا أصلا أولى ولان النسب يثبت في موضع الشبهة فلا ينتفى بمجرد الشبهة فترجح الجانب الذي فيه شبهة أولي فان علم بالثاني قبل أن يفرق بينهما فنفاه أعاد اللعان وألزم الولدين الام لان النكاح بينهما قائم عند نفى الولد الثاني فيجرى اللعان بينهما لقطع نسبه كالولد الاول وان أكذب الملاعن نفسه بالدعوة بعد ما فرق القاضي بينهما ثبت النسب منه لانه نفى موقوفا على حقه حتى لو ادعاه غيره لم يثبت منه فإذا أقر به بعد الانكار صح اقراره وعليه الحد لانه أقر بأنه قذفها وهى محصنة فعليه حد القذف عند خصومتها وهذا إذا كان الابن حيا سواء كانت الام حية أو ميتة فان كان الولد قد مات وترك ميراثا ثم أعاده الاب لم يصدق لان الاب مدعى للمال لا مقر بالنسب فان الولد بالموت قد استغنى عن الشرف بالنسب وبمجرد الدعوى لا يستحق المال إذا لم يكن مناقضا في الدعوى فإذا كان مناقضا أولى الا أن يكون ترك ابن الملاعنة ولدا أو أنثى فحينئذ صدق الاب لانه الآن

[ 159 ] مقر بالنسب فان ولد الابن ينسب إليه كولد الملاعنة نفسه فإذا صح الاقرار ضر بالجد وأخذ الميراث والحاصل أن النسب أصل عند اكذابه نفسه فإذا أمكن القضاء به ان كان المنفى نسبه حيا أو ميتا عن خلف يقضى بالنسب ثم يترتب عليه حكم الميراث وإذا كان ميت الاعن خلف لا يمكن القضاء بالنسب فلو قضى بالمال كان قضاء بمجرد الدعوى والمال لا يستحق بمجرد الدعوى ولو كانت المنفية بنتا فماتت عن ابن وأكذب الملاعن نفسه ولم يصدق به لم برث في قول أبى حنيفة رحمه الله وفى قولهما يصدق ويضرب الحد ويرث * وجه قولهما انها ماتت عمن يخلفها فان الولد كما ينسب إلى ابيه ينسب إلى أمه وكما يتشرف بشرف الاب يتشرف بشرف الام ويصير كريم الطرفين وأب الام يسمي أبا مجازاكاب الاب فكما في الفصل الاول جعل بقاء الولد كبقائه فكذلك هنا وأبو حنيفة رحمه الله يقول كلامه الآن في دعوى المال لا اقرار بالنسب لان نسب الولد إلى قوم أبيه دون قوم أمه (ألا ترى) أن إبراهيم بن رسول الله ﷺ كان قرشيا لا قبطيا وان أولاد الخلفاء من الاماء يصلحون للخلافة وفيه يقول القائل فانما أمهات الناس أوعية * مستودعات وللانساب آباء فإذا لم يكن هذا الولد منتسبا إلى الملاعن صار وجوده كعدمه فلا يعمل اكذابه نفسه بخلاف ابن الابن علي ما بينا فلو أراد ابن الملاعن أن يتزوج المنفية نسبها لم يكن له ذلك ولو فصل فرق بينهما لانها قبل اللعان كانت أختا له ولم ينتف ذلك بمجرد اللعان من كل وجه حتى لو أكذب الملاعن نفسه ثبت النسب منه وكانت أختا له وشبهة الاختية كحقيقتها في المنع من النكاح وكذلك الملاعن نفسه لو قال لم أدخل بالام وتزوج الا بنت فرق بينهما لانها كانت ابنتا له وبعد اللعان قطع النسب عنه فبقى موقوفا علي حقه لو ادعاها صحت دعوته وشبهة البينة كحقيقتها في المنع من النكاح وللشافعي رحمه الله في هذا الفصل قولان أحدهما أن له أن يتزوجها بمنزلة ابنته من الزنا على مذهبه وهى معروفة في النكاح والآخر كمذهبنا لان النسب هنا موقوف على حقه لو ادعاه يثبت منه بخلاف المخلوق من مائه بالزنا. قال وإذا طلق الرجل امرأته فجاءت بولدين فهذه المسألة على أوجه اما ان يكون الطلاق رجعا أو بائنا وكل وجه على ثلاثة أو وجه اما أن يأتي بالولدين لاقل من سنتين أو يأتي بهما لا كثر من سنتين أو يأتي باحدهما لاقل من سنتين بيوم ولم يقر بانقضاء العدة فبقى أحدهما حين ولدته ثم ولدت الثاني وهما ابناه ولا حد عليه ولا لعان لانه حين نفى المولود منهما كان النكاح بينهما

[ 160 ] قائما فوجب اللعان بينهما فحين وضعت الولد الآخر فقد انقضت عدتها بوضع جميع ما في بطنها ولا يتأتى جريان اللعان فيما بينهما بعد ما صارت أجنبية والقذف الموجب للعان لا يكون موجبا للحد فلهذا ثبت نسب الولدين منه وان جاءت بينهما لاكثر من سنتين فنفاهما يجرى اللعان بينهما ويقطع نسب الولدين عنده لانا تيقنا أن علوق الولدين من علوق حادث بعد الطلاق فصار مراجعا لها ولا تنقضي العدة بوضع الولدين فإذا نفى وهى منكوحته جرى اللعان بينهما فان (قيل) لما حكمنا بالرجعة فقد حكمنا بثبوت نسب الولدين منه فيكف يمكن قطع النسب باللعان بعد ذلك (قلنا) ليس من ضرورة الحكم بالرجعة والحكم بكون الولد منه فالرجعة تثبت بمجرد العين عن شهوة بدون الوطئ والاعلاق وان كان نفى الولد منهما ثم أقر بالثاني فهما ابناه وعليه الحد لانهما توأم فأقراره بأحدهما كاقراره بهما وهذا منه اكذاب لنفسه بعد التفرق فعليه الحد وان جاءت بأحد الولدين لاقل من سنتين وبالآخر لاكثر من سنتين فعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله هذا والفصل الاول سواء وعلى قول محمد رحمه الله هذا والفصل الثاني سواء * وجه قوله إنا تيقنا بأن الولد الثاني من علوق حادث بعد الطلاق لان الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين وشككنا في الولد الاول فيحتمل أن يكون العلوق به بعد الطلاق أيضا ويحتمل أن يكون العلوق به قبل الطلاق فاتبع الشك لا التيقن فان المتيقن به يجعل أصلا ويرد المشكوك إليه وهما قالا لما ولدت الاول لاقل من سنتين فقد حكمنا بأنه من علوق قبل الطلاق (ألا ترى) انها لو لم تلد غيره كان محكوما بأن العلوق به كان قبل الطلاق فلا يتغير ذلك الحكم بتأخير الولادة الثانية ولكن يجعل السابق منهما أصلا ويجعل كأنها وضعتهما قبل السنتين لان الولد انما لا يبقى في البطن أكثر من سنتين إذا لم يكن هناك من يزاحمه في الخروج فأما عند وجود المزاحم قد يتأخر خروجه عن أو انه فلا يكون ذلك دليلا على ان العلوق به كان بعد الطلاق فلهذا جعلنا السابق أصلا وإذا كان الطلاق بائنا أو ثلاثا فان جاءت بهما لاقل من سنتين فعليه الحد بالنفى فهما ابناه لانه حين قذفها فلا نكاح بينهما فيلزمه الحد وقد جاءت بالولدين لمدة يتوهم أن يكون العلوق بهما سابقا على الطلاق فيثبت نسبهما منه وان جاءت بهما لاكثر من سنتين لم يثبت نسبهما منه لانهما من علوق حادث بعد الفرقة وان نفاهما فلاحد عليه ولا لعان لانه صادق في مقالته وان جاءت باحدهما لاقل من سنتين بيوم وبالآخر لاكثر من سنتين بيوم فعند أبى حنيفة

[ 161 ] وأبى يوسف رحمهما الله هذا والفصل الاول سواء وعند محمد رحمه الله هذا والفصل الثاني سواء على ما بينا قال وإذا طلقها واحدة بائنة بعد ما دخل بها ثم تزوجها فجاءت بولد لاقل من ستة أشهر فنفاه لاعنها لقيام النكاح بينهما في الحال ويلزم الولد أباه لانا تيقنا أن العلوق به سبق النكاح الثاني فكان حاصلا في النكاح الاول وبالفرقة بعده تقرر النسب على وجه لا ينتفى بحال وان جاءت به لاكثر من ستة أشهر منذ تزوجها النكاح الثاني لاعن ولزم الولد أمه لان الحل قائم فيستند العلوق إلى أقرب الاوقات وهو ما بعد النكاح الثاني فإذا نفاه يقطع النسب عنه باللعان والله أعلم (باب الولادة والشهادة عليها) (قال رحمه الله أمة ولدت فادعت أن مولاها قد أقر به فجحد المولى فشهد عليه شاهد انه اقر بذلك وشهد آخر أنه ولد على فراشه لم تقبل شهادتهما لاختلافهما في المشهود به فان أحدهما يشهد بالقول وهو الاقرار وشهد الآخر بالفعل وهو الولادة على الفراش وليس على واحد من الامرين شهادة شاهدين فان اتفق رجلان على الشهادة على الاقرار وعلى الولادة على فراشه فهو جائز لانهما ان شهدا على الاقرار فثبوت الاقرار بالبينة كثبوته بالمعاينة وان شهدا على الولادة فقد شهدا بالسبب المثبت للنسب منه. قال ولو كان المولى ذميا والامة مسلمة فشهد ذميان عليه بذلك جاز لان هذه الشهادة تقوم على المولى وشهادة أهل الذمة على أهل الذمة حجة فان كان المولى هو المدعى والامة جاحدة لم تجز شهادة الذميين عليها لكونها مسلمة وتأويل هذه المسألة أنها تجحد المملوكية للمولى فانها إذا كانت تقر بذلك ينفرد المولى بدعوة نسب ولدها ولا عبرة بتكذيبها ولو كانا مسلمين فشهد على الدعوة أب المولى وجده لم تجز الشهادة لانهما يشهدان بالسبب للولد وهو ابن ابنيهما وشهادة المرء لابن ابنه لا تقبل وان شهد بذلك ابن المولى جازت الشهادة إذا كان المولى جاحدا لذلك لانهما يشهدان لاخيهما على أبيهما وشهادة المرء لاخيه على أبيه مقبولة انما لا تقبل شهادته لابيه وإذا طلقت امرأة من زوجها فاعتدت ثم تزوجت وولدت من الزوج الآخر ثم جاء الولد حيا فعلي قول أبى حنيفة رحمه الله الولد للزوج الاول سواء جاءت به لاقل من ستة أشهر منذ تزوجها أو لاكثر من ذلك لانه صاحب الفراش الصحيح فان نفيه لا يفسد

[ 162 ] فراشه والزوج الثاني صاحب الفراش الفاسد ولا معارضة بين الصحيح والفاسد بوجه بل الفاسد مدفوع بالصحيح والمرأة مردودة على الزوج الاول والولد ثابت النسب منه كمن زوج أمته فجاءت بولد ثبت النسب من الزوج دون المولى وان ادعاه المولى لان ملك اليمين لا يعارض النكاح في الفراش بل الفراش الصحيح لصاحب النكاح بل أولى فان هناك ملك اليمين عند الانفراد غير مثبت للحل والنكاح الفاسد عند الانفراد غير مثبت للحل فان نفى الاول والآخر الولد أو نفاه احدهما أو ادعيا أو ادعاه أحدهما فهو للاول على كل حال ولا حد عليه ولا لعان لانها غير محصنة حين دخل الزوج الثاني بنكاح فاسد فلا يجرى اللعان بينها وبين الاول والنسب إذا ثبت بالنكاح لا ينتفى الا باللعان وكان ابن أبى ليلى يقول الولد للثاني لان الفراش الفاسد يثبت النسب كالفراش الصحيح أو أقوي حتى يثبت النسب به على وجه لا ينتفي بالنفى ثم الثاني إليها أقرب يدا والولد مخلوق من مائه حقيقة فيترجح جانبه بالقرب واعتبار للحقيقة وذكر أبو عصمة عن إسماعيل بن حماد عن عبد الكريم الجرحانى عن أبى حنيفة رحمهم الله أن النسب يثبت من الزوج الثاني كما هو قول ابن أبى ليلى وفيه حديث الشعبي ذكره في الكتاب أن رجلا من جعفى زوج ابنته من عبيدالله بن الحر ثم مات ولحق عبيدالله بمعاوية رضى الله عنه فزوج الجارية اخوتها فجاء ابن الحر فخاصم زوجها إلى على رضى الله عنه فقال على رضى الله عنه أما أنك الممالى علينا عدونا فقال أيمنعني ذلك من عدلك فقال لا فقضى بالمرأة له وقضى بالولد للزوج الآخر الا أن أبا حنيفه رحمه الله قال الحديث غير مشهور فلا يترك به القياس الظاهر ولو ثبت وجب القول به وكان أبو يوسف رحمه الله يقول ان جاءت به لاقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني فهو من الزوج الاول وان جاءت به لستة أشهر منذ تزوجها الثاني فهو من الزوج الاول وان جاءت به لستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثاني سواء ادعياه أو نفياه لان النكاح الفاسد يلحق بالصحيح في حكم النسب فباعتراض الثاني على الاول ينقطع الاول في حكم النسب ويكون الحكم للثاني والتقدير فيه بادني مدة الحبل اعتبارا للفاسد بالصحيح وانما قلنا أن الاول ينقطع بالثاني لان بدخول الثاني بها يحرم على الاول ويلزمها العدة من الثاني ووجوب العدة ليس الا لصيانة الماء في الرحم فلو لم يكن النسب بحيث يثبت من الثاني لم يكن لوجوب العدة عليها من الثاني معنى وعلي قول محمد رحمه الله ان جاءت به لاكثر من سنتين منذ دخل بها للثاني فهو الثاني وان جاءت به لاقل من سنتين منذ دخل

[ 163 ] بها الثاني فهو للاول لان وجوب العدة عليها من الثاني بالدخول لا بالنكاح والحرمة انما ثبت على الاول بوجوب العدة من الثاني فكانت حرمتها عليه بهذا السبب كحرمتها بالطلاق والتقدير بادنى مدة الحبل عند قيام الحل ولا حل بينهما فالعبرة للمكان فإذا جاءت به لاقل من سنتين منذ دخل بها الثاني يتوهم أن يكون هذا من علوق كان قبل دخول الثاني بها في حال حلها للاول فكان النسب ثابتا منه وان جاءت به لاكثر من سنتين فقد انقطع هذا التوهم فكان النسب من الثاني وكذلك لو سبيت المرأة فتزوجت رجلا من أهل الحرب فولدت فهو على هذا الخلاف وكذلك لو ادعت الطلاق واعتدت وتزوجت والزوج الاول جاحد لذلك فهذا كله في المعنى سواء. قال أمة ولدت لرجل فلم ينفه حتى لو مات فهو لازم له لا يستطيع أن ينفيه وتأويل هذه المسألة في أم الولد لان نسب ولدها ثابت بالفراش فيتقرر ذلك بالموت قبل النفى فأما الامة القنة لا يثبت نسب ولدها الا بالدعوة فإذا مات قبل الدعوة لا يثبت النسب الا أن يكون هنئ بالولادة فقبل التهنئة يكون ذلك بمنزلة الدعوة منه وكذلك ان جنى جناية فقضي به القاضى على عاقلته لم يستطع نفيه بعد ذلك وكذلك لو جنى عليه فحكم فيه بقصاص أو أرش فهذا كله يتضمن الحكم بثبوت نسبه من المولى وبعد ما صار النسب محكوما به لا يستطيع أن ينفيه لان قوله ليس بحجة في ابطال الحكم. قال وإذا زوج أم ولده فمات عنها زوجها أو طلقها وانقضت عدتها ثم جاءت بولد لستة أشهر منذ انقضت عدتها فهو ابن المولى لان بانقضاء عدتها حل للسيد غشيانها فعادت فراشا له كما كانت قبل النكاح فان بانقضاء العدة قد ارتفع النكاح بحقوقه وهو المانع من ظهور حكم فراشه فإذا عادت فراشا للمولى ثم جاءت بالولد في مده يتوهم أن يكون من علوق بعد الفراش ثبت نسبه وله أن ينفيه لما قلنا الا ان يتطاول ذلك أو يجري فيه حكم وتفسير هذا التطاول مذكور في كتاب الطلاق اوما فيه من الخلاف بين أبى حنيفة وصاحبيه رحمهم الله من التقدير بسبعة أيام عنده وبمدة النفاس عندهما. قال ولو حرم أم ولده على نفسه بأن حلف ان لا يقربها فجاءت بولد لزمه ما لم ينفه لان فراشها لم يبطل بتحريمها على نفسه كما لا يبطل به فراش النكاح وهو مندوب شرعا الي أن يحنث نفسه ويغشاها وفيه نزل قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فلهذا كان النسب ثايتا منه ما لم ينفه. قال ولو كانت أم ولد المسلم مجوسية أو مرتدة لم يلزمه ولدها الا أن يدعيه أو جاءت به لاقل من ستة أشهر بعد الردة. وقال زفر رحمه الله يثبت نسب الولد منه ما لم ينفه لان

[ 164 ] سبب الفراش قيام الملك وهو باق بعد الردة وان حرم عليه غشيانها بالردة وثبوت النسب لا يعتمد حل الغشيان كما في المنكوحة نكاحا فاسدا وهذا بخلاف ما زوجها لان فراشها قد انقطع باعتراض فراش الزوج (ألا ترى) انه لو ادعاه لم يثبت النسب منه بخلاف ما نحن فيه ولنا أن تحسين الظن بالمولى واجب وفى اثبات النسب منه حكم باقدامه على وطئ حرام وذلك لا يجوز بدون الحجة فان ادعاه فقد صار مقرا بذلك فيثبت النسب منه حينئذ والا فلا وكذلك ان جاءت به لاقل من ستة أشهر منذ ارتدت لانا تيقنا ان العلوق سابق على ردتها فلا يكون فيه حمل أمر المولى على الفساد قال وإذا أقر بصبي في يده أنه ابنه من أمته هذه ولد علي فراشه ثم مات الرجل فادعى أولاده أن أباهم قد كان زوج هذه الامة عنده قبل أن تلد بثلاث سنين وانها ولدت هذا الغلام علي فراش العبد والعبد والغلام والامة ينكرون ذلك لم تقبل بينتهم على ذلك والغلام ابن الميت لان نسبه ثبت من المولى باقرار المولى به وهذه البينة من الورثة تقوم على النفى فلا تكون مقبولة وبيان ذلك أنهم لا يثبتون بهذه الشهادة لانفسهم حقا انما يثبتون النسب للعبد وهو جاحد مكذب للشهود وقصد الورثة من هذا نفى النسب عن الميت حتى لا يزاحمهم في ميراثهم والشهادة على النفى لا تقبل ثم الورثة خلفاء الميت وهو لو أقام هذه البينة بنفسه لم يقبل منه فكذلك ممن يخلفه. قال ولو ادعي العبد ذلك وأقام البينة ثبت نسبه منه لانه يثبت حق نفسه بهذه البينة من الفراش عليها ونسب ولدها فوجب قبول بينته للاثبات ثم من ضرورته انتفاء النسب عن المولى لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ويعتق باقرار المولى لاقراره بحريته حين ادعي نسبه فان كان الاقرار منه في المرض فالمعتق من الثلث في حق الغلام والامة جميعا لان نسب الولد لما لم يثبت لم يكن لها شاهد علي ما أقر به المولي من حق الحرية لها فكان معتبرا من الثلث كما يعتبر عتق الغلام من الثلث وجعل ذلك كانشاء العتق منه فيهما ولو كان العبد غائبا توقف حكم هذه البينة حتى يحضر العبد فيدعى وينكر لان حكم البينة يختلف بدعوى العبد وانكاره فلابد من ان يجعل وقوفا على حضوره ولو ادعت الام النكاح أو ادعاه الغلام قبلت بينة التزويج لانها تقوم للاثبات فان النسب من حق الغلام فإذا البينة بالبينة من العبد كان مثبتا حق نفسه والام تثبت النكاح بينهما وبين العبد وذلك حقها. قال رجل طلق امرأته تطليقة بائنة فأقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا لم يثبت نسبه منه لان انقضاء العدة قد ظهر بخبرها فانه أمية شرعا فإذا جاءت بعد

[ 165 ] ذلك لمدة يتوهم أن يكون من علوق حادث لم يثبت نسبه منه الا أن يدعيه فان ادعاه ثبت نسبه منه معناه إذا صدقته المرأة فان الحق لهما فيثبت بتصادقهما عليه فأما إذا كذبته لم يثبت النسب منه وان ادعاه لان صار أجنبيا عنها وعن أولادها وان جاءت به لاقل من ستة أشهر منذ انقضاء العدة ثبت نسبه منه لانا تيقنا ان العلوق به كان قبل اقرارها وانها كانت حبلى حين أقرت بانقضاء العدة فكان خبرها مستنكرا مردودا وان كانت تزوجت ثم جاءت بولد لستة أشهر منذ تزوجها الآخر فهو للآخر لان تزويجها نفسها اقرار منها بانقضاء العدة وان جاءت به لاقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني لم يثبت نسبه من الثاني لان العلوق سبق نكاحه وان كانت جاءت به لسنتين أو أكثر منذ طلقها الاول لم يثبت النسب من الاول ايضا لانه من علوق حادث بعد الفرقة فلا يثبت النسب منه الا أن يدعيه وتصدقه المرأة في ذلك وان جاءت به لاقل من سنتين منذ طلقها الاول فهو ثابت النسب من الاول ولا يبطل النكاح بينها وبين الثاني وتأويل هذا فيما إذا لم يقر بانقضاء العدة أو أقرت به ثم جاءت بالولد لاقل من ستة أشهر منذ أقرت. قال رجل طلق امرأته الصغيرة ومات عنها فجاءت بولد فهذا على ثلاثة أوجه اما أن تدعي الحبل أو تقر بانقضاء العدة أو كانت ساكتة فان ادعت حبلا ثم جاءت بالولد لاقل من سنتين منذ مات الزوج أو فارقها ثبت النسب من الزوج لان دعواها الحبل اقرار منها بالبلوغ فهى والكبيرة سواء وان أقرت بانقضاء العدة عند مضى ثلاثة أشهر من الفرقة أو أربع أشهر وعشر منذ مات الزوج ثم جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدا منذ أقرت لم يثبت النسب منه لانها عند الاقرار ان كانت بالغة فقد ظهر انقضاء العدة باقرارها وان كانت صغيرة فقد تيقنا بانقضاء عدتها بثلاثة أشهر في الفرقة وباربعة أشهر وعشر في الموت فانما ولدت لمدة حبل تام بعد ذلك فلا يثبت النسب منه وان كانت ساكتة فعلى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ان جاءت به لستة أشهر فصاعدا منذ فارقها ولعشرة أشهر وعشرة أيام فصاعدا منذ مات لم يثبت النسب منه وعلي قول أبى يوسف رحمه الله إذا جاءت به لاقل من سنتين كان النسب ثابتا منه لانها جاءت به لمدة يتوهم أن يكون من علوق في حال قيام النكاح وهذا لان المراهقة بلوغها موهوم ولا يعرف ذلك الا من جهتها فإذا لم يقر بانقضاء العدة فهى والكبيرة سواء لان انقضاء عدتها بالشهور أن لا تكون حاملا وهذا الشرط لا يعلم الا من قبلها وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا

[ 166 ] عرفناها صغيرة وما عرف ثبوته وجب التمسك به حتى يقوم الدليل على زواله وعدة الصغيرة تنقضي في الفرقة بثلاثة أشهر بالنص وفى الموت باربعة أشهر وعشر فإذا جاءت بالولد لمدة حبل تام بعد ظهور انقضاء عدتها لم يثبت النسب منه كما لو أقرت بانقضاء العدة فاما المرأة الكبيرة إذا مات عنها زوجها فان ادعت حبلا ثبت نسب الولد منه إذا جاءت به لاقل من سنتين وان أقرت بانقضاء العدة بعد أربعة أشهر وعشر لم يثبت نسب ولدها منه بعد ذلك إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا منذ أقرت وان كانت ساكتة ثبت نسب ولدها منه إذا جاءت به لاقل من سنتين عندنا وقال زفر رحمه الله لا يثبت النسب منه إذا جاءت به لعشرة أشهر وعشرة أيام فصاعدا منذ مات الزوج لان يمضى أربعة أشهر وعشر حكمنا بانقضاء عدتها بالنص إذا لم يكن بها حبل ظاهر فإذا جاءت بالولد لمدة حبل تام بعد ذلك لم يثبت النسب منه في الصغيرة ولكنا نقول انقضاء عدتها بالشهور متعلق بشرط وهو أن لا تكون حاملا فان قوله عزوجل وأولات الاحمال أجلهن ناسخة لقوله تعالى يتربصن بانفسهن على ما قال ابن مسعود رضي الله عنه من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد سورة النساء الطولى وهذا الشرط لا يعرف الا من قبلها فما لم يقر بانقضاء عدتها لا تجعل منقضية العدة بمضي أربعة أشهر وعشر بخلاف الصغيرة فان الصغر ينافى الحبل فانقضاء عدتها بمضي المدة مطلقا يجب الحكم به ما لم يدع حبلا فلهذا فرقنا بين الفصلين ثم عند أبى حنيفة رحمه الله انما يثبت النسب ولد الكبيرة من الزوج الميت إذا شهد بالولادة رجلان أو رجل وامرأتان فاما بمجرد شهادة القابلة لا يثبت لانه ليس هنا حبل ظاهر ولا فراش قائم ولا اقرار من الزوج بالحبل وعندهما يثبت النسب بشهادة القابلة وهى معروفة وان أقرت بانقضاء العدة بعد موت الرجل بيوم بسقط قد استبان خلقه فالقول قولها لانها أمنية أخبرت بما هو محتمل فان جاءت بولد بعد ذلك لستة أشهر لم يثبت النسب منه لاقرارها بانقضاء العدة ولو جاءت بولد مثبت فقلت الورثة ولدته مساء وقالت هي كان فمات فشهدت على استهلاك الولد القابلة يقبل في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما لله في حكم الارث الصلاة عليه وعند أبى حنيفة رحمه الله في حكم الصلاة عليه كذلك فاما في الميراث فلا تقبل الا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين واستدل بقول على رضى الله عنه إذا استهل الصبي ورث فصلى وعليه فقد جمع بين الحكمين ثم أحد الحكمين هنا يثبت بشهادة القابلة لان الرجال لا يطلعون على تلك الحالة فكذلك الحكم الآخر وأبو حنيفة

[ 167 ] يقول لان الاستهلال صوت تسمعه الرجال فلا يكون شهادة النساء فيه حجة تامة وان اتفق وقوعه في موضع لا يحضره الرجال كجراحات النساء في الحجامات الا ان الصلاة عليه من أمور الدين وخبر الواحد حجة في أمور الدين فاما الميراث من باب الاحكام فتستدعى حجة كاملة وذلك شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. قال رجل طلق امرأته تطليقة رجعية فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فانكر الزوج ان تكون ولدت وقال انقضت عدتك وشهدت امرأة على الولادة لم يلزمه في قول ابى حنيفة رحمه الله لانه ليس بينهما فراش قائم فلا تكون شهادة القابلة حجة لاثبات النسب عنده وعندهما يلزمه النسب بشهادة القابلة ولو قال الزوج للمطلقة الرجعية اخبرك ان عدتك قد انقضت وكذبته فله أن يتزوج أربعة سواها وهى معروفة فان جاءت بولد لاقل من سنتين من وقت الطلاق ثبت النسب من الزوج وبطل نكاح الاربع لانه غير مقبول القول في حق الولد ولا في حق المرأة والنسب من حقها فصار في حق النسب كأن الاخبار منه لم يوجد وإذا ثبت النسب تبين انها كانت حاملا حين أخبر الزوج بانقضاء عدتها فصار ذلك الخبر مستنكرا وتبين انها كانت فراشا له فانما تزوج الاربع وفراشه على الاول قائم فلا يجوز الجمع بين خمس نسوة في الفراش بحكم النكاح فلهذا بطل نكاح الاربع وان جاءت به لاكثر من سنتين من يوم طلقها فان كانت لاقل من ستة أشهر منذ أقرت بانقضاء العدة يلزمه النسب أيضا لان اقراره لا يكون أقوى من اقرارها ولو اقرت هي بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لاقل من ستة أشهر ثبت النسب وصار مراجعا لها فكذلك هنا ومن ضرورة ضرورته مراجعته لها بطلان نكاح الاربع فكذلك لو طلقها واحدة رجعية ثم أبانها أو بغيرها فهو مثل ذلك الا أن هذا لا تكون رجعة بحال فان قوله أخبرتني ان عدتها قد انقضت اقرار بأن ذلك الواقع صار ثابتا ولكن ليس بانشاء للابانة فإذا بطل ذلك الاقرار يجوز أن يجعل مراجا لها بخلاف ما إذا أنشأ الابانة فهذه مسألة خلاف انه إذا جعل الواقع نصفه الرجعة ثانيا أو ثلاثا عند ابى حنيفة رحمه الله يصح ذلك كله منه وعند أبى يوسف رحمه الله يملك أن يجعلها ثانيا ولا يملك ان يجعلها ثلاثا وعند محمد رحمه الله لا يملك ان يجعلها ثاثيا ولا ثلاثا فمحمد رحمه الله يقول الواقع من الطلاق قد خرج من ملكه وملك الصفة تملك الاصل فإذا لم يبق اصلها في ملكه لم يبق صفتها في ملكه ايضا وتصرفه فيما هو ليس بمملوك باطل وأبو يوسف رحمه الله يقول ذلك الواقع بعرض ان يصير ثانيا بانقضاء العدة فكذلك ثانيا يجعله

[ 168 ] اياه ثابتا ولكن الواحد قط لا يصير ثلاثا فكان جعله الواحدة ثلاثا تصرفا في غير محله فلهذا كان لغوا وابو حنيفة رحمه الله يقول لا يملك جعل الواحدة ثلاثا حقيقة ولكن يملك ضم البينتين إلى الواحدة بالايقاع لتصير ثلاثا كناية عن قوله اوقعت اثنتين على سبيل المجاز لتصحيح مقصوده كما جعلنا لفظة الخلع مجازا عن ايقاع الطلاق في الحال لتحصيل مقصوده بحسب الامكان. قال غلام محتلم ادعي على رجل وامرأة انهما ابواه وأقام البينة علي ذلك وادعي رجل آخر وامرأته أن هذا الغلام ابنهما واقام البينة فبينة الغلام اولى بالقبول لان النسب حقه فهو يثبت ببينته ما هو حق له علي من هو جاحد والاخوان يثبتان بالبينة ما هو حق الغلام وبينة المرء على حق نفسه اولى بالقبول من بينة الغير على حقه ولان الغلام في يد نفسه وبينة ذى اليد في مثل هذا تترجح على بينة الخارج وكذلك لو كان الغلام نصرانيا واللذان ادعي الغلام أنهما أبواه نصرانيان إذا كان شهوده مسلمين لان ما أقام من الشهود حجة على الخصمين الآخرين وان كانا مسلمين فان (قيل) كان ينبغى ان تترجح بينة الآخرين لما فيه من اثبات الاسلام على الغلام (قنا) اليد اقوى من الدين في حكم الاستحقاق (ألا تري) ان اليد. تثبت الاستحقاق ظاهرا اولا يثبت ذلك باسلام أحد المدعيين فلهذا رجحنا جانب اليد ولو ادعى الغلام انه ابن فلان ولد على فراشه من امته فلانه واقام البينة وقال فلان هو عبدى ولد من امتى هذه زوجتها من عبدى فلان واقام البينة على ذلك فهو ابن العبد لان العبد والمولى يثبتان نسبه بفراش النكاح وهو انما اثبت النسب بفراش الملك وفراش النكاح أقوي في اثبات النسب من فراش الملك (ألا ترى) ان النسب متى ثبت به لم يثبت بمجرد النفى وإذا ثبت بفراش الملك انتفى بمجرد النفى والضعيف لا يظهر بمقابلة القوى والترجيح بما ذكرنا يكون عند المساواة فعند عدم المساواة جعلنا النسب من أقوى الفراشين وكذلك لو أقام العبد البينة انه ابنه من هذه الامة وهى زوجته وأقام المولى الببنة أن ابنه منها فالبينة بينة العبد لما فيه من زيادة اثبات النكاح ولكون فراش النكاح أقوى من فراش الملك في حكم النسب الا أنه يعتق باقرار المولى بحريته وتصير الجارية بمنزلة أم الولد قال ولو كان العبد والمولى ميتين فأقام الغلام البينة انه ابن المولى من أمته وهى ميتة وأقام ورثة المولى البينة على انه ابن العبد من أمة المولى زوجها المولى منه فانه يثبت النسب من المولى لانه ليس في بينة الورثة هنا اثبات النكاح فقد انقطع ذلك بموتهما وكذلك لا يثبتون النسب لانفسهم انما يثبتون

[ 169 ] للعبد ومقصودهم بذلك نفى النسب عن المولي والبينة علي النفى لاتقبل وفى بينة العبد اثبات النسب والحرية والميراث فكان هو أولى. قال ولو ان رجلا مات وترك مالا فأقام الغلام المحتلم بينة ان ابن الميت من أمته فلانة ولدته في ملكه وأقر بذلك وأقام رجل آخر البينة ان الغلام عبده وأمه أمته زوجها من عبده فلان فولدت هذا الغلام على فراشه والعبد حى يدعى قضيت للعبد بالنسب وقضيت بالامة ان كانت حية للمدعى لان في الامة البينتين قامتا على مطلق الملك فبينة الخارج أولى وفى حق النسب الخارج والعبد بينتان يشبه بفراش النكاح وهو انه انما يثبت نسب نفسه بفراش الملك وفراش النكاح أقوى فلهذا كان العبد به أولى ولان العبد يثبت النكاح على الامة لنفسه بالبينة فوجب قبول بينته على ذلك وإذا ثبت النكاح كان الولد ثابت النسب منه وان كان العبد ميتا أثبت نسب الغلام من الحر وهو الميت الذى أقام الغلام البينة على أنه ابنه من أمته هذه لان الخارج ليس يثبت النسب لنفسه انما يثبت للعبد والابن يثبت حق نفسه ولانه ليس في بينة الخارج هنا النكاح لان الزوج ميت والنكاح بموته مرتفع فبقى الترجيح من حيث أن في أمية الغلام اثبات الحرية والميراث فهو أولى بالقبول وكذلك حق الامة تنرجح هذه البينة للمدعى اثبات الملك فقط وفي هذه البينة اثبات الحرية لها بجهة أمية الولد فكان أولى. قال غلام وأمة في يدى رجل فأم الحر البينة ان هذا الامة أمته ولدت هذا الولد منه على فراشه وأقام ذو اليد البينة انها أمته ولدت هذا الغلام على فراشه فبينة ذى اليد أولى بالقبول لان البينتين استويا في اثبات حقيقة الحرية للولد وحق الحرية للام وفى مثله تترجح بينة ذى اليد لان اثبات الولاء عليها دون الملك وقد استوي البينتان في الاثبات عليها فيترجج جانب ذى اليد وهذا إذا كان الغلام صغيرا أو كبيرا مصدقا لذى اليد فان كان كبيرا يدعى انه ابن الآخر فانى أقضى بالغلام والامة للمدعى لانه في يد نفسه فإذا صدق المدعى كان هو كالمقيم لتلك البينة فيترجح جانبه لحقيقة اليد ولكونه مثبتا حق نفسه بالبينة فان النسب من حقه. قال حرة لها ولد وهما في يد رجل فأقام آخر البينة انه تزوجها فولدت منه هذا الغلام وأقام ذواليد البينة على مثل ذلك والغلام يدعى ان ذا اليد أبوه فانى أقضى ببينة ذى اليد أنه يترجح باعتبار يده في دعوى النكاح عليها وفى دعوى النسب بدعى الغلام لانه ابنه لانه في يد نفسه فانما أثبت حق نفسه بتلك البينة وكذلك لو كان ذو اليد ذميا وشهوده مسلمون لما بينا ان ما أقام من البينة حجة على الخصم المسلم ولو أقام

[ 170 ] البينة أنه تزوجها في وقت وأقام ذو اليد البينة على وقت دونه فانى أقضى بها للمدعى لان تاريخه اسبق وقد أثبت نكاحه في وقت لا ينازعه الآخر فانما أثبت الآخر بعد ذلك نكاح المنكوحة وهو باطل ولو أقام ذو اليد البينة انها امرأته تزوجها فولدت هذا الولد على فراشه وأقام الخارج البنية انها أمته ولدت هذا الغلام على فراشه منه فانى أقضى به للزوج وأثبت نسبه منه لما بينا ان فراش النكاح يترجح على فراش الملك في حكم النسب (ألا ترى) ان الحر أثبت ببينته ملك نفسه في المرأة وليس بمقابلته ما يوجب حريتها من الحجة فيقضى بالامة ملكا للمدعى فيكون الولد حرا بالقيمة ان شهد شهود الزوج انها عرية من نفسها وان لم يشهدوا بذلك جعلت الامة وابنها مملوكين للمدعى لان الولد يتبع الام في الملك والموجب لحرية الولد الغرور فإذا لم يثبت الغرور كان مملوكا للمدعى ثابت النسب من الزوج لان المدعى أقر انه ابنه فيعتق عليه باقراره فتكون امه بمنزلة أم الولد ولا يقال عند اثبات الغرور ينبغى ان لا يغرم الزوج قيمة الولد عند أبى حنيفة رحمه الله لانه بمنزلة ولد ام الولد وانما عتق باقرار المدعى بحريته فان هذا يكون بعد ثبوت الرق فيه ولم يثبت فان ولد المغرور يكون حرا من الاصل فلهذا كان على الزوج قيمة الولد لمولاها. قال امة مع ولدها في يد رجل فأقام آخر البينة انها امة ابيه ولدت هذا الغلام على فراش أبيه في ملكه وابوه ميت وأقام ذو اليد البينة انها امته ولدت هذا الولد منه على فراشه في ملكه قضيت بالولد للميت الذي ليس في يديه لان في هذه البينة اثبات حقيقة الحرية لها وفى بينة ذي اليد اثبات رقها لان ام الولد لا تعتق الا بموت المولى والترجيح بالحرية اقوى من الترجيح باليد فكيف يستقيم ان تكون أمة لذى اليد يطؤها بالملك وقد قامت البينة على حريتها فلهذا قضينا بولائها للميت ويكون الولد ثابت النسب منه لان وارثه يقوم مقامه في اثبات ما هو من حقه والله اعلم بالصواب (باب دعوى العتاق) (قال رحمه الله أمة ادعت انها ولدت من مولاها واقامت البينة وأقام آخر البينة انه اشتراها من مولاها أخذ بينة الولادة) لان فيه اثبات حق الحرية لها وحق الحرية كحقيقة الحرية فإذا اقترن بالشراء منع صحة الشراء وان كان المشترى قد قبضها فالجواب كذلك لان بينة الولادة سابقة معنى فان ثبوت أمية الولد لها من وقت العلوق وذلك كان سابقا على

[ 171 ] الشراء والقبض ولان في هذه البينة زيادة اثبات نسب الولد وحريته وان وقتت بينة المشترى وقتا للشراء قبل الحبل بثلاث سنين أجزت الشراء وأبطلت النسب لانه ثبت الملك فيها للمشترى من وقت الذى أرخ شهوده فتبين انه استولد مالا يملكه فلهذا لا يثبت النسب وكذلك الوقت في البيع والعتق والتدبير يؤخذ بالوقت الاول لانه لا مزاحمة للآخر معه في ذلك الوقت. قال وإذا أقام عبد البينة أن فلانا أعتقه وفلان ينكر أو يقر وأقام آخر البينة أنه عبده قضيت به للذى أقام البينة أنه عبده لان شهود العبد ما شهدوا بالملك للمعتق انما شهدوا بالعتق فقط والعتق يتحقق من المالك وغير المالك ولكن لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم (ألا ترى) أن هذه البينة لا تعارض يد ذى اليد فان من ادعى عبدا في يد انسان انه أعتقه وأقام البينة على ذلك لا يقضى له بشئ فلئلا يكون معارضة لبينة الملك كان أولى وكذلك لو شهدوا انه أعتقه وهو في يديه إذ ليس في هذه الشهادة ما يوجب نفوذ العتق لان نفوذ بملك المحل لا باليد وكذلك لو شهدوا انه كان في يده أمس لم تقبل هذه الشهادة لما ذكرنا ولو شهدو انه أعتقه وهو يملكه يومئذ أخذت ببينة العتق لان البينتين استوتا في اثبات الملك وفى أحدهما زيادة العتق فكان أولى. قال ولو كان العبد في يد رجل فادعى آخر أنه له وأقام العبد البينة أن فلانا كاتبه وهو يملكه وفلان جاحد لذلك أو مقربه فانه يقضي به للذى أقام البينة أنه عبده لان بينته تثبت الملك لنفسه والعبد انما يثبت الملك لغيره ومن يثبت الملك لنفسه فبينته أولى بالقبول فان (قيل) العبد يثبت حق العتق لنفسه باثبات الكتابة (قلنا) لا كذلك فعقد الكتابة عندنا لا يوجب حق العتق للمكاتب ولهذا جاز عتق المكاتب عن الكفارة ولهذا احتمل عقد الكتابة الفسخ وانما الثابت للمكاتب بعقد الكتابة ملك اليد والبينة التى تثبت ملك اليد لا تعارض البينة التى تثبت ملك الرقبة. قال وان أقام الخارج البينة أنه عبده غصبه منه ذو اليد وأقام ذو اليد البينة انه عبده دبره أو أعتقه وهو يملكه فانه يقضى به عبدا للمدعى لان في بينة المدعى ما يدفع بينة ذى اليد وهو اثبات كونه غاصبا لامالكا والاعتاق والتدبير من الغاصب لا يكون صحيحا وبينة ذى اليد على أصل الملك لا تكون معارضة لبينة المدعى وكذلك لو كان المدعى أقام البينة انه عارية له في يد ذى اليد أو وديعة أو اجارة أو رهن قضى بالملك له لما بينا. قال عبد في يدي رجل أقام آخر البينة أنه عبده أعتقه وأقام ذو اليد البينة انه عبده ولد في ملكه فبينة المدعى أولى لانها تثبت الحرية

[ 172 ] وبينة ذى اليد ثبت الرق فالمثبت للحرية من البينتين أولي (ألا ترى) انه لو ادعى الخارج انه ابنه ترجحت بينته لما فيها من اثبات النسب والحرية فكذلك هنا تترجح بينة لما فيها من اثبات الولاء الذى هو مشبه بالنسب مع الحرية وكذلك لو أقام الخارج البينة انه له ودبره فهو اولى لما في بينته من اثبات حق الحرية وقد ذكر قبل هذا بخلاف هذا وقد بينا وجه الروايتين ثمة ولو كان شهود ذي اليد شهدوا انه اعتقه وهو يملكه فهو اولى من بينة الخارج على العتق لان المقصود هنا اثبات الولاء على العبد والولاء كالنسب وانما يثبت كل واحد منهما على العبد فلما استوت البينات في الاثبات ترجح جانب ذى اليد بيده وان شهد شهود ذى اليد بالتدبير وشهود المدعى بالعتق الثابت قضيت بالعتق الثابت لان فيها ابطال الرق والملك في الحال ويترجح أرأيت لو كان امة لكانت توطأ مع قيام البينة على حريتها وكذلك لو أقام أحد الخارجين البينة على العتق الثاني والآخر على التدبير فبينة العتق اولى بالقبول لما بينا ولو أقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة أن الامة له كاتبها قضيت بها بينهما نصفان لان المكاتبة ليست في يد واحد منهما بل هي في يد نفسها فتحققت المساواة بين البينتين فقضي بها بينهما فان (قيل) كان ينبغى ان يرجع إلى قولها (قلنا) المكاتبة أمة ولا قول للامة في تعيين مالكها بعد ما أقرت بالرق وان شهد شهود احدهما انه دبرها وهو يملكها وشهود الآخر انه كاتبها ويملكها فالتدبير اولى لانه يثبت حق الحرية وهو لازم لا يحتمل الفسخ بخلاف الكتابة. قال ولو ادعت امة ان ولدها من مولاها وانه أقر بذلك وارادت يمينه فلا يمين على المولى في ذلك في قول ابى حنيفة رحمه الله وعندهما عليه اليمين وهذه من المسائل المعدودة فان أبا حنيفة رحمه الله لا يرى الاستحلاف في النكاح والنسب والرجعة والفئ في الايلاء والرق والولاء لان النكول عنده بمنزلة البدل فما لا يعمل فيه البدل لا يجرى فيه الاستحلاف وعندهما النكول بمنزلة الاقرار ولكن فيه ضرب شبهه فكل ما يثبت بالشبهات يجرى فيه الاستحلاف والقضاء بالنكول وهى مسألة كتاب النكاح وهنا دعواه على المولى دعوى النسب فلهذا قال أبو حنيفة لا يستحلف وكذلك لو ادعت انها أسقطت من المولى سقطا مستبين الخلق لان حق امية الولد لها تبع لنسب الولد فكما لا يستحلف المولى عند دعوى النسب فكذلك في دعوى امية الولد عنده وعندهما يستحلف في ذلك كله لانه مما يثبت مع الشبهات ولو أقر المولى بذلك لزمه فيسحتلف فيه إذا أنكر

[ 173 ] وكذلك لو جاءت الزوجة بصبى فادعت انها ولدته وأنكر الزوج ففى استحلافه خلاف كما بينا وكذلك لو ان المولي أو الزوج جاء بصبي والدعى انها ولدته منه وأراد استحلافها فلا يمين عليها عنده وكذلك لو كان الابن هو الذى ادعى النسب علي الاب أو الاب على الابن وطلب يمين المنكر فلا يمين في الوجهين الا أن يدعي بذلك ميراثا قبل صاحبه فحينئذ يستحلف على الميراث دون النسب لان المال مما يعمل فيه البدل فيجوز القضاء فيه بالنكول بخلاف النسب وإذا استحلفه فنكل قضي بالمال دون النسب لان أحد الحكمين ينفصل عن الآخر وعند النكول انما يقضى بما جرى فيه الاستحلاف (ألا ترى) انه لو ادعى سرقة مال على رجل فاستحلف فنكل يقتضي بالمال دون القطع فهذا مثله وكذلك لوادعي ميراثا بالولاء فهو ودعواه الميراث بالنسب سواء فيما ذكرنا. قال ولو ان رجلا ورث دارا من أبيه فادعى آخر انه أخوه لابيه قد ورث أباه معه هذه الدار وجحد ذو اليد ذلك لم يستحلف على النسب هنا بالاتفاق أما عند أبى حنيفة لا يشكل وأما عندهما كل نسب لو أقر به لم يصح لا يستحلف على ذلك إذا أنكره لما بينا ان النكول عندهما قائم مقام الاقرار والاخوة لا تثبت باقراره لو اقربها فكذلك لا يستحلف عليه بخلاف الابوة والبنوة ولكنه يستحلف بالله العظيم ما يعلم له في هذه الدار نصيبا كما يدعى المال والاستحلاف يجرى في المال الا أنه استحلاف على فعل الغير لانه يدعى الارث من الميت بسبب بينهما والاستحلاف علي فعل الغير يكون على العلم لا علي الثبات. قال جارية بين رجلين ولدت ولدين في بطنين فادعى أحدهما الاكبر ثم ادعى الآخر الاصغر لم تجز دعوة صاحب الاصغر لان العلوق بهما حصل في ملكهما فحين ادعى أحدهما الاكبر صارت الجارية أم ولد له من حين علقت بالاكبر ثم الاصغر ولد أم ولده والشريك أجنبي عنه ومن ادعى ولد أم ولد الغير لم تصح دعوته ولو كان صاحب الاصغر ادعى الاصغر أولا يثبت نسبه منه لانها مشتركة بينهما مع الولدين حين ادعى مدعى الاصغر وما ادعاه يحتاج إلى النسب فيثبت نسب الاصغر منه وصارت الجارية أم ولد له وضمن نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه وتصح دعوة مدعى الاكبر للاكبر لانه نفى مشترك بينهما فان أمية الولد لها انما يثبت من حين علقت بالاصغر والاكبر منفصل عنها قبل ذلك فلهذا بقى مشتركا بينهما فان ادعاه مدعى الاكبر وهو محتاج إلى النسب ثبت نسبه منه وضمن نصف قيمته لشريكه ان كان موسرا لانه مقصود بالدعوة

[ 174 ] والاتلاف فتكون دعوته اياه بمنزلة اعتاقه ولم يذكر ان مدعى الاكبر هل يغرم شيئا من العقر وينبغى أن يغرم نصف العقر لانه أقر بوطئ الامة حال ما كانت مشتركة بينهما فيغرم نصف العقر لشريكه وان لم يثبت أمية الولد لها من جهته. قال ولو كانت الدعوى منهما معا وهى أم ولد المدعى الاكبر لانه سابق بالدعوة معنى فان العلوق بالاكبر كان سابقا فصارت أم ولد له من حين علقت بالاكبر وفي القياس لا تصح دعوة مدعي الاصغر لانه ادعى ولد أم ولد الغير كما في الفصل الاول ولكنه استحسن فقال بينة الاصغر من مدعى الاصغر لان وقت الدعوة كان الاصغر مشتركا بينهما في الظاهر محتاجا الي النسب وكذلك الجارية حين علقت بالاصغر كانت مشتركة بينهما في الظاهر فبعد ذلك انها كانت أم ولد لمدعى الاكبر صار مدعى الاصغر بمنزلة المغرور وولد المغرور حر بالقيمة فكان جميع قيمة الاصغر لمدعي الاكبر وذلك في بعض النسخ أن عليه جميع قيمة الاصغر لمدعى الاكبر وذكر في بعض النسخ ان عليه نصف العقر وليس بينهما اختلاف ولكن حيث قال عليه نصف العقر انما أجاب بالحاصل فان نصف القعر بنصف العقر قصاص وانما يبقى في الحاصل نصف العقر علي مدعى الاصغر لمدعى الاكبر. قال رجل مات وترك ابنين وجارية فظهر بها حبل فادعى أحدهما ان الحبل من أبيه وادعى الآخر ان الحبل منه وكانت الدعوة منهما معا فالحبل من الذى ادعاه لنفسه لانه يحمل نسب الولد على نفسه وأخوه انما يحمل نسب الولد علي أبيه ومجرد قوله ليس بحجة في اثبات النسب من أبيه فلهذا كان الذى ادعاه لنفسه أولى فان (قيل) الذى ادعى الحبل من أبيه كلامه أسبق معنى فينبغي أن يترجح بالسبق (قلنا) هذا ان لو كان قوله حجة في اثبات العلوق من أبيه في حياته وقوله ليس بحجة في ذلك ويغرم الذى ادعاه لنفسه نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه لانه يملكها بالاستيلاد علي شريكه فان (قيل) كيف يضمن لشريكه وقد أقر الشريك انها حرة من قبل الميت (قلنا) لان القاضى كذبه في هذا الاقرار حين جعلها أم ولد للآخر والمكذب في اقراره حكما لا يبقى اقراره حجة عليه كالمشترى إذا أقر بالملك للبائع ثم استحق من يده رجع عليه بالثمن وكذلك ان كان الذى ادعاه لنفسه سبق بالدعوة وان كان الذى ادعى الحبل للاب بدا بالاقرار لم يثبت من الاب بقوله ولكن يعتق عليه نصيبه من الام ومما في بطنها لاقراره بحريتها ويجوز دعوة الآخر ويثبت نسب الولد منه لانه محتاج إلى النسب والنصف منه باقي على ملكه فان اقرار الاول ليس بحجة في ابطال

[ 175 ] ملكه وأكثر ما فيه انه صار كالمستسعى عند أبى حنيفة رحمه فتصح دعوته فيه ولا يضمن من قيمة الام شيئا لانه لا يتملك على شريكه نصيبه من الام فقد عتق نصيبه من الام بالاقرار السابق ويضمن نصف عقرها ان طلب ذلك أخوه لانه أقر بوطئها سابقا على اقرار أخيه وهي مشتركه بينهما في ذلك الوقت فيكون مقرا بنصف العقر لاخيه بسبب لم يبطل ذلك السبب باقرار أخيه فكان له أن يصدقه فيستوفي ذلك منه ان شاء. قال عبد صغير بين رجلين أعتقه أحدهما ثم ادعاه الآخر فهو ابنه في قول أبى حنيفة رحمه الله لان عنده العتق يتجزى قضيت للآخر بادعاء ملكه فلهذا صحت دعوته ونصف ولائه للمعتق باعتاقه فان ثبوت نسبه من الآخر لا ينتفى ما صار مستحقا من الولاء للاول ويستوى ان كان ولد عندهما أولم يولد وان كان الغلام كبير فاقر بذلك فهو ثابت النسب من المدعى فإذا ادعاه الذى أعتقه الآخر فان جحد ذلك لم يجز دعوة الذى لم يعتقه لان نصيبه باق على ملكه وهو بمنزلة المكاتب له فاما عند أبى يوسف ومحمد رحمهم الله العتق لا يتجزى فلا يجوز دعوة واحد منهما الا بتصديق الغلام له في ذلك. قال وإذا تصادق الرجل والمرأة الحرة في يد أحدهما انه ابنهما والمرأة امرأة الرجل لان مطلق اقرارهما بنسب الولد محمول على ولد صحيح بينهما شرعا وهو النكاح فكان تصادقهما على نسب الولد تصادقا منهما علي النكاح بينهما ومطلقه ينصرف إلى النكاح الصحيح فان كانت المرأة لا تعرف أنها حرة فقالت أنا أم ولد لك وهذا ابني منك وقال الرجل هو ابني منك وأنت امرأتي فهو ابنهما لتصادقهما على نسب الولد ولكنها أقرت له بالرق وهو كذبها في ذلك فلم يثبت الرق عليها وهو قد ادعى عليها النكاح وهى قد كذبته فلا يكون بينهما نكاح ولكن بتكاذبهما في السبب المثبت للفراش لا يمنع العمل بما تصادقا عليه مما هو حكم الفراش وهو ثبوت نسب الولد منهما وكذلك لو ادعت انها زوجته وقال الرجل هي أم ولدى فهذا والاول سواء لما بينا ولو قال الرجل هذا ابني منك من نكاح وقالت صدقت هو من نكاح فاسد لا يقبل قولها في ذلك لان حقيقة الاختلاف بينهما في دعوى صحة النكاح وفساده وتصادقهما على أصل النكاح يكون اقرارا منهما بصحته فلا يقبل قول من يدعى الفساد بعد ذلك لكونه مناقضا ولو قال الزوج هو من نكاح فاسد وقالت المرأة هو من نكاح صحيح فنسب الولد ثابت وسئل الزوج عن الفساد ما هو فإذا أخبر بوجه من وجوه الفساد فرق بينهما باقراره بانها محرمة عليه في الحال وجعل ذلك بمنزلة ايقاعه الطلاق

[ 176 ] البائن حتى يكون لها نفقة العدة لان قوله في فساد أصل العقد غير مقبول لما بينا ولكنه متمكن من أن يفارقها فيجعل اقرره بذلك كانشاء التفريق والله أعلم بالصواب (باب الغرور) (قال رحمه الله ذكر عن يزيد بن عبد الله بن قصيط قال أبعت أمة فابت بعض القبائل فاتمت إلى بعض قبائل العرب فتزوجها رجل من بنى عذرة فنثرت له ذا بطنها ثم جاء مولاها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقضي بها لمولاها وقضى على أن الولد أن تفدي الاولاد الغلام بالغلام والجارية بالجارية وفي هذا دليل أن ولد المغرور يكون حرا بعوض يأخذه المستحق من المغرور فأخذ بعض العلماء رحمهم الله بظاهره فقالوا مضمون بالمثل الغلام بالغلام والجارية بالجارية وعندنا هو مضمون بالقيمة وتأويل الحديث الغلام بقيمة الغلام والجارية بقيمة الجارية والمراد المماثلة في المالية لافي الصورة) فانه ثبت بالنص أن الحيوان لا يكون مضمونا بالمثل كما قال ﷺ في العبد بين اثنين يعتقه احدهما ان كان موسرا ضمن نصف قيمته نصيب شريكه وهكذا روى عن عمر رضى الله عنه وهو تأويل حديث على رضى عنه الذى ذكره بعد هذا عن الشعبي رحمه الله أن رجلا اشترى جارية فولدت منه فاستحقها رجل ورفع ذلك إلى على رضى الله عنه فقضي بالجارية لمولاها وقضي للمشترى على البائع أن يفيك ولده بما عز وهان ولم يرد بقوله قضى باولادها لمولاها أن يسلم الاولاد إليه وانما المراد جعل الاولاد في حقهم كأنهم مملوكين له حيث أوجب له القيمة على المغرور وأضاف ذلك إلى البائع بطريق أن قود الضمان عليه فان المشتري يرجع على البائع بما غرم من قيمة الاولاد ومعنى قوله بما عزوهان بالقيمة بالغة ما بلغت وهو الاصل عندنا وفي ولد المغرور فانه في حق المغرور هو حر الاصل وفي حق المستحق كانه رقيق مملوك له بملك الاصل وهو الجارية لانه لا وجه لايجاب الضمان له الاهذا فان الماء غير متقوم ليضمن بالاتلاف وانما يضمن الملوك بالمنع فيصير المغرور مانعا للولد بما ثبت فيه من الحرية حقا له وهذا لان النظر من الجانبين واجب والنظر في جانب المغرور في حرية الولد لانه لم يرض برق مائه والنظر في جانب المستحق في رق الولد لكنه لا يبطل

[ 177 ] ملكه عما هو جزء من ملكه فيجب ضمان المالية على المغرور يمنعه بعد الطلب ولهذا اعتبر قيمته وقت الخصومة حتى أن من مات من الاولاد قبل الخصومة لم يضمن من قيمته شيئا لان المنع انما يتحقق بعد الطلب إذا عرفنا هذا فنقول أمة غرت رجلا فأخبرته انها حرة فتزوجها على ذلك فولدت ولدا ثم أقام مولاها البينة انها أمته وقضى بها له فانه يقضي بالولد أيضا لمولى الجارية لان استحقاق الاصل سبب لاستحقاق المتولد منه فانه في حكم الجزء له وقد ظهر هذا السبب عند القاضى ولم يظهر ما يوجب حرية الولد وهو الغرور الا أن يقيم الزوج بينة أنه تزوجها على أنها حرة فان أقام البينة على هذا فقد أثبت حرية الاولاد فكان الولد حرا لا سبيل عليه وعلى أبيه قيمته وادعى ماله حالا وقت القضاء به دون مال الولد لان السبب هو المنع وجد من الاب دون الولد ولا ولاء للمستحق على الولد لانه علق جزء الاصل وانما قدرنا الرق فيه لضرورة القضاء بالقيمة والثابت بالضرورة لا يعد وموضع الضرورة وان مات الولد قبل الخصومة فليس على الاب شئ من قيمته لان الولد لو كان مملوكا على الحقيقة لم يكن مضمونا فان ولد الغصب أمانة عندنا فان لم يكن مملوكا أولى أن لا يكون مضمونا وان قبل الابن فأخذ الجارية فعليه قيمته للمستحق الديه بدل نفسه ومنع البدل كمنع الاصل فيتحقق به السبب الموجب للضمان وان قضى له بالدية فلم يقبضها لم يوجد بالقيمة لان المنع لا يتحقق فيما لم يصل إلى يده من البدل فان قبض من الدية قدر قيمة المقبول قضى عليه بالقيمة للمستحق لان المنع تحقق بوصول يده إلى البدل ويكون منعه قدر قيمة الولد كمنع الولد في القضاء للمستحق عليه بالقيمة فلو كان للولد ولد يحرز ميراثه وديته فخرج من الديه أو دونها قضيت علي الاب بمثل ذلك لتحقق المنع في البدل ولا يقضى به في الدية ولا في تركة الابن لان هذا الضمان مستحق علي الاب يمنعه الولد بالحرية وانما يقضي من تركة الابن ما يقرر دينا على الابن فان كان الاب ميتا قضي به في تركته لانه دين علي الاب فيستوفى من تركته وان كان علي الاب دين خاص مستحق للغرماء بقيمة الولد لان دينه مثل دينهم وان لم يكن للاب بينة انه تزوجها علي حرة فطلب يمين المستحق علي علمه حلفته على ذلك لانه يدعى مالو أقر به لزمه فإذا أنكر يستحلف عليه ولكنه استحلاف على فعل الغير وكان علي العلم لاعلى البثات. قال ولو استولدها علي شراء أو هبة أو صدقة أو وصية أخذ المستحق الجارية وقيمة الولد لان الموجب للغرور ملك مطلق للاستيلاد له

[ 178 ] في الظاهر وهو موجود وما هو الظاهر ولو كان حيقة كان الولد حرا فباعتبار الظاهر يثبت حرية الولد أيضا ويرجع الاب على البائع بالثمن وقيمة الولد لان المبيع لم يسلم له وبعقد المعاوضة استحق سلامتها له سليمة عن العيب ولا عيب فوق الاستحقاق فيكون له أن يرجع بما يغرم بهذا السبب على البائع ولا يرجع عليه بالعقد عندنا وعند الشافعي يرجع بالعقر كما يرجع عليه بقيمة الولد لانه ضمان لزمه بسبب فوت السلامة المستحقة له بالعقد ولكنا نقول انما لزمه العقر عوضا عما استوفى من منافع البضع فلو رجع به سلم المستوفى له مجانا والوطئ في ملك الغير لا يجوز أن يسلم للواطئ مجانا ولا يرجع علي الواهب والمتصدق والوصي بشئ من قيمة الاولاد عندنا وعند الشافعي له ذلك لانه الغرور قد تحقق منه بايجابه الملك له في المحل واختار انها مملوكته سواء كان بعوض أو بغير عوض ولكنا نقول مجرد الغرور لا يكفى لاثبات حق الرجوع فان من أخبر انسانا أن هذا الطريق أمن وسلك فيه فأخذ اللصوص متاعه لم يرجع على المخبر وانما ثبوت حق الرجوع باعتبار عقد المعاوضة لانه صفة السلامة تصير مستحقة به فأما بعقد التبرع لا تصير صفة السلامة مستحقة به ولهذا لا يثبت فيه حق الرد بالعيب فلم يكن له أن يرجع علي المتبرع بقيمة الاولاد وهذا لان عقد التبرع لا يكون سببا لوجوب الضمان على المتبرع للمتبرع عليه (ألا ترى) أن الملك لا يحصل به قبل التسليم. قال وان كان المشتري باعها من غيره فولدت منه ثم استحقها رجل يرجع المشترى الثاني على بائعه بقيمة الولد وللمشتري الاول أن يرجع على بائعه بالثمن وليس له أن يرجع بقيمة الولد عند أبى حنيفة وعند أبى يوسف ومحمد أن يرجع بقيمة الولد علي بائعه * حجتهما في ذلك أن المشترى الاول أوجب الملك فيها للغير فيجعل الاستيلاد على من أوجب له الملك فيها بمنزلة استيلاده بنفسه وهذا لان الرجوع يفوت صفة السلامة الذى صار مستحقا بالعقد وهذا كما تقرر بين المشتري الاول والثانى فقد تقرر بين المشترى الاول والبائع (ألا تري) ان المشترى الاول والثانى لو ردها بالعيب كان للمشترى الاول ان يردها على بائعه فكذلك إذا رجع عليه بقيمته وأبو حنيفة رحمه الله يقول ان المشترى الاول ان شاء بايجابه الملك فيها لغيره بالبيع فرجوع المشتري عليه بما أنشأه من الغرور لا بالغرور الذى سبق من البائع فصار من أنشأه من الغرور ناسخا لغرور البائع الاول وهو نظير من حفر بئرا على قارعة الطريق فألقى انسان غيره فيه كان الضمان على الملقي ولا يرجع به على الحافر فهذا مثله * يوضحه أن

[ 179 ] الرجوع بقيمة الولد بمنزلة الخصومة في العيب والمشترى انما يخاصم البائع في العيب إذا كان المستفاد من قبله فانما له وهنا قد انفسخ ذلك الملك بملك المشترى الثاني ولم يعد إليه بالرجوع بقيمة الولد عليه بخلاف ما إذا رد عليه بالعيب لان الملك المستفاد له من جهة البائع قد عاد إليه ونظيره هذه المسألة ما ذكر في آخر الصلح أن المشترى الثاني إذا وجد بالمبيع عيبا وقد تعذر رده بعيب حديث عنده ورجع على بائعه بنقصان العيب لم يكن لبائعه أن يرجع بالنقصان على البائع في قول أبى حنيفة لان المستفاد له من قبله لم يعد إليه وعندهما يرجع على البائع الاول بما غرم للمشترى الثاني من نقصان العيب لان الرجوع بالنقصان عند تعذر رد العين بمنزلة الرد بالعيب عند الامكان. قال رجلان اشتريا جارية فوهب أحدهما نصيبه من شريكه فولدت ثم استحقها رجل فانه يأخذها وعقرها وقيمة ولدها ولم يرجع الاب بنصف الثمن ونصف قيمة الولد على البائع لانه يملك نصفها من جهتهه بحكم المعاوضة والجزء معتبر بالكل ولا يرجع على الواهب بشئ من قيمة الولد لانه يملك النصف من جهته بعقد التبرع ولكن الواهب يرجع بنصف الثمن على البائع لان استحقاقها علي من استفاد الملك فيها من جهة الواهب يكون استحقاقا على الواهب فيرجع بثمن ما استحق عليه على البائع ولم يغرم الواهب من قيمة الولد شيئا ليرجع به على البائع. قال ولو كانت أمة بين رجلين فولدت فادعاه أحدهما وغرم نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه ثم استحقها رجل قضى له بها وبقيمة الولد والعقر للمستحق لان الغرور يتحقق بقيام الملك له في نصفها ظاهرا فان الاستيلاد باعتبار هذا القدر صحيح في اثبات حرية الاصل للولد ثم يرجع على البائع بنصف الثمن ونصف قيمة الولد لما بينا ويرجع على شريكه بما أعطاه من نصف قيمتها ونصف عقرها لانه تبين أنه لم يتملك على شريكه نصيبه ولم يحصل وطؤه في ملكه ولا يرجع على شريكه بشئ من قيمة الولد لانه ما كان مغرورا من جهة شريكه فان تملكه على شريكه ما كان باختيار منه ويرجع الشريك على بائعه بنصف الثمن لاستحقاق المبيع عليه. قال وإذا تزوج المكاتب أو العبد امرأة حرة باذن مولاه فولدت له ثم استحقت وقضى بها للمستحقق فالولد رقيق في قول أبى حنيفة وأبى يوسف الآخر وفى قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد رحمهما الله حر بالقيمة وهى مسألة كتاب النكاح ان العتق بسبب الغرور عند محمد وذلك متحقق في حق العبد كما هو في حق الحر وعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله المخلوق من ماء رقيقين

[ 180 ] لا يكون حرا وقد بينا بعض هذا فيما سبق. قال وكذلك إذا صار المكاتب مغرور بالشراء فهو على هذا الخلاف الا أن عند محمد هناك الولد يكون حرا وهنا يكون بمنزلة أبيه مكاتبا. قال رجل اشترى أم ولد لرجل أو مكاتبة أو مدبرة من أجنبي فوطئها فولدت ثم استحقها مولاها قضى له بها وعلى أب الولد قيمة الولد لمولى المدبرة وأم الولد بسبب الغرور ولا يقال ولد أم الولد لا مالية فيه عند أبى حنيفة رحمه الله كامه فكيف يضمن بالغرور لان هذا بعد ثبوت أمية الولد ولم يثبت في الولد لانه علق حر الاصل فلهذا كان مضمونا بالقيمة وعلى الاب قيمة الولد للمكاتبة. قال الذى غره منها وانما أراد به انه إذا كان الغرور منها لا يستوجب قيمة الولد وفيه قولان لابي يوسف معروف في كتاب العتاق فأما إذا كان الغرور من غيرها وجب على الاب قيمة الولد ويكون ذلك للمكاتبة لانها كانت أحق بولدها لكونه جزءا منها فكذلك ببدل ولدها. قال مكاتب أو عبد مأذون باع أمة فاستولدها المشترى ثم استحقت رجع أب الولد بقيمة الولد علي بائعه لان الرجوع بقيمة الولد لاستحقاق صفة السلامة له بعقد المعاوضة على البائع والمكاتب والمأذون في هذا كالحر لان ضمان التجارة بمنزلة الرد بالعيب والرجوع بنقصان العيب عند تعذر الرد عليه. قال رجل ورث أمة من أبيه فاستولدها ثم استحقت كان الولد حرا بالقيمة لتحقق الغرور في حق الوارث فانما استولدها على أنها مملوكة إذا لم يكن عالما بكونها مستحقة ثم يرجع بالثمن وبقيمة الولد على الذى كان باعها من المورث لانه يخلف المورث في ملكه فانما يصل إليه الملك الذى كان لمورثه لا أن يكون ذلك ملكا جديدا له (ألا ترى) أنه يرده بالعيب ويكون فيه كالمورث فكذلك الرجوع بسبب الغرور وهذا بخلاف الموصي له ثم استولدها ثم استحقت لا يرجع علي بائع الموصي له بعقد متجدد وذلك الملك غير الملك المستفاد من البائع ببيعه ولهذا لا يرده عليه بالعيب فكذلك لا يرجع عليه بضمان الغرور. قال رجل أقر في مرضه أن هذه الجارية وديعة عنده لقلان وعليه دين يحيط بماله أو ليس عليه دين فاستولدها الوارث بعد موته وقد علم باقرار الاب ثم استحقت ببينة فانه يقضى للمستحق بها وبولدها مملوكين له لان الوارث غير مغرور هنا فانه أقدم على استيلادها مع علمه أنها غير مملوكة له لانها لم تكن مملوكة لمورثه فصار راضيا برق مائه وكان الولد ملكا للمستحق وان لم يقر المريض بها لغيره وكان عليه دين يحيط بماله فاستولدها الوارث قيمة الولد والعقر لانه بمنزلة المغرور فيها فان الاختلاف

[ 181 ] بين العلماء رحمهم الله ظاهر في وقوع الملك للوارث في التركة المستغرفة بالدين فمن يقول لا يملك يقول سبب الملك له فيها تام حتى يملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر ولو أعتقها ثم سقط الدين نفذ عتقه ولو كانت أمه فتزوجها لم يصح النكاح فعرفنا أن الغرور قد تحقق فكان ولده حرا بالقيمة وتباع الامة في الدين ان استغرقت التركة بالدين يمنع عتق الوارث فيها فكذلك يمنع ثبوت حق الحرية من جهة الوارث فيها ووجوب العقر عليه لان هذا وطئ حصل في غير ملكه وقد سقط الحد لشبهة فيغرم العقر فان أقام رجل البينة انها له قضيت بها له وبقيمة الولد والعقر لما بينا ولو كانت الامة للميت وعليه دين لا يحيط بقيمتها فوطئها الوارث فولدت منه وضمن قيمتها وعقرها لان الدين إذا لم يكن محيطا بالتركة لا يمنع ملك الوارث فيصح استيلاده فيها ولكن حق الغريم مقدم علي حقه ويغرم قيمتها لحق الغريم لانه صار مستهلكا لماليتها على الغريم بالاستيلاد قال ويغرم عقرها قال عيسى رحمه الله هذا غلط فان الاستيلاد حصل في ملكه فلا يكون موجبا للعقر عليه إذا كان في قيمتها وفاء بالدين وزيادة فلم يغرم العقر ولماذا يغرم ولكنا نقول تأويل المسألة أن الورثة كانوا عددا فكان هذا استيلاد الشركاء للجارية المشتركة وهو موجب للعقر والقيمة باعتبار ملك الشركاء وفي بعض الروايات وهو قول بشر يقدر الدين ولا يصير ملكا للوارث أيضا فلهذا لزمه قيمتها وعقرها يقضى من ذلك الدين أولا وما بقى فهو ميراث بين الورثة يسقط عنه من ذلك بقدر حصته ولا يضمن قيمة الولد هنا لانها بمنزلة الجارية المشتركة وقد بينا أن أحد الشركاء إذا استولد الجارية المشتركة لم يغرم من قيمة الولد شيئا. قال رجل اشترى جارية مغصوبة وهو يعلم أن البائع غاصب أو تزوج امرأة أخبرته أنها حرة وهو يعلم انها كاذبة فاستولدها كان الولد رقيقا لانعدام الغرور حين كان عالما بحقيقة الحال ولانه رضى برق مائه حين استولدها مع علمه انها مملوكة لغيره ولو اشتراها من رجل وهو يعلم انها لغيره فقال البائع أن صاحبها وكلنى ببيعها أو مات وقد أوصى إلى فاستولدها ثم جاء صاحبها وأنكر الوكالة والوصايا فانه يأخذها جاريته لان ملكه فيها معلوم واذنه في بيعها لم يصح حين أنكره ويأخذ عقرها وقيمة ولدها لان الغرور قد تحقق بما أخبره البائع به فان ما أخبر به لو كان حقا كانت هي مملوكة للمشترى فهذا وقوله انها ملكى سواء في أنه يلتزم سلامتها له فإذا غرم قيمة الولد رجع به على البائع مع الثمن لانه لم يسلم له ما التزم ولو اشترى الوكيل لموكله جارية فاستولدها الموكل ثم

[ 182 ] استحقت أخذها الموكل المستحق وعقرها وقيمة ولدها من المستولد ويرجع بالثمن وقيمة الولد علي البائع والوكيل هو الذي يلى خصومته في ذلك لان البائع التزم بالعقد صفة السلامة والوكيل له اليد (ألا ترى) أن الخصومة في العيب للبائع دون الموكل فكذلك الخصومة في الرجوع بالثمن وقيمة الولد على الوكيل فان قال البائع لم أبع من أب الولد شيئا أو قال لم أشتر هذا منى له فأقام الوكيل البينة انه اشتراها لفلان بأمره فالثابث بالبينة كالثابت باقرار الخصم وان لم يشهدوا بأمره ولكن شهدوا على اقرار المشترى انه اشتراها لفلان بماله فان كان اقراره بهذا قبل الشراء وشهد الشهود بذلك فهو وما سبق سواء لانا لو سمعنا اقراره في ذلك الوقت كان الشراء موجبا الملك للموكل فكذلك إذا ثبت ذلك بالبينة وان شهدوا انه أقر بذلك بعد الشراء قبل أن تلد وبعده لم يصدق على البائع لان شراءه موجب الملك له فكل أحد عامل لنفسه بتصرفه حتى يقوم الدليل علي أنه يعمل لغيره باقراره بعد ذلك في حق البائع بمنزلة الايجاب المبتدإ لانه غير مصدق في هذا الاقرار في حقه ولو ملكه ابتداء من هذا المستولد لم يكن له خصومة مع البائع في الرجوع بقيمة الولد عليه بعد ذلك فكذلك هنا. ولو استولد جارته فاستحقها رجل فقال المستولد اشتريتها من فلان بكذا وصدقه فلان وكذبهما المستحق فالقول قول المستحق لان سبب ملك الولد ظاهر وهو استحقاق الجارية والآخران يريدان ابطال ملكه في الولد بقولهما فلا يصدقان على ذلك ولكن يحلف المستحق بالله ما يعلم أنه اشتراها منه لانه لو أقر بذلك كان الولد حرا فإذا أنكر يستحلف عليه ولو أنكر البائع وصدقه المستحق فالولد حر لاقرار المستحق بحريته وعلى الاب قيمته لاقراره على نفسه بالقيمة للمستحق ولا رجوع لهما علي البائع لان قولهما ليس بحجة عليه ولو أنكر البائع والمشتري وأقر به المستحق عتق الولد باقراره لانه ملكه في الظاهر ولا قيمة له على الاب لانه مدعى لنفسه عليه بالقيمة فلا يستحقه الا بحجة. قال رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها جارية تساوى ألفى درهم فاستولدها المضارب ثم استحقت فالولد حر بالقيمة لان المضارب كان مالكا نصفها في الظاهر قدر حصته من الربح فيتحقق الغرور بسبب ثم يرجع المضارب على البائع بالثمن فيكون على المضاربة كما كان ويرجع عليه أيضا بربع قيمة الولد لان رجوعه باعتبار ملكه الظاهر وذلك كان بقدر الربع فيرجع به على البائع ويكون ذلك له خاصة ولا يكون على المضاربة لانه عوض عما أدى والمؤدى لم يكن

[ 183 ] من مال المضاربة ولو لم يكن في الام فصل أحد المستحق الولد مع الام ولم يثبت نسبه من المضارب لانه استولدها ويعلم له أنه لا يملك شيئا منها فكان لا يثبت به النسب والولد رقيق لانعدام التوارث حين كان عالما بحالها وان كان هو الذى استولدها فان لم يكن فيها فصل كان الولد حرا وعليه قيمته للمستحق لانها مملوكة لرب المال في الظاهر والمضارب اشتراها له بأمره فهذا وفصل الوكيل سواء فيكون الولد حرا بالقيمة ويرجع على البائع بالثمن وقيمة الولد والذى يلى خصومة البائع في ذلك المضارب فيكون الثمن على المضاربة وقيمة الولد على رب المال وان كانت الجارية تساوى الفين فالرجوع على البائع بثلاثة أرباع قيمة الولد لان المملوك للمستولد من جهته كان هذا المقدر وهو قدر رأس المال وحصته من الربح فانما يرجع بهذا القدر من قيمة الولد فيكون لرب المال خاصة ويرجع بالثمن فيكون على المضاربة. قال رجلان اشتريا من وصى يتيم أمة فاستولدها أحدهما ثم استحقت قضي له بها وبقيمة الولد على الاب ويرجع الاب بنصف تلك القيمة علي الوصي لانه يملك نصفها من جهة الوصي ببيعه فبقدره يرجع عليه من قيمة ولدها ثم يرجع به الوصي في مال اليتيم لانه كان عاملا لليتيم في ذلك فإذا لحقه عهدة يرجع به عليه وكذلك لو كان البائع أب الصبى فهو والوصى في حكم الرجوع سواء وكذلك لو كان البائع وكيلا أو مضاربا إذا كان في المضاوبة فصل لم يرجع على رب المال من قيمة الولد الا بقدر رأس المال وحصته من الربح لانه في ذلك القدر عامل له وفى حصة نفسه من الربح عامل لنفسه فلا رجوع به له علي رب المال. قال ولو كفل رجل للمشترى بما أدركه من درك لم يرجع المشترى على الكفيل بقيمة الولد لان هذا ليس بدرك في الجارية انما يفوت بهذا ما التزم بصفة السلامة فكان بمنزلة عيب يجده بها فيردها وهناك لا يرجع على الكفيل بشئ كذلك هنا لا يرجع على الكفيل بشئ من قيمة الولد. قال وإذا غرت الامة من نفسها رجلا أخبرته أنها أمة لهذا الرجل فاشتراها منه واستولدها ثم استحقت رجع أب الولد بالثمن وقيمة الولد على البائع دون الامة لان الرجوع باعتبار التزام صفة السلامة بعقد المعاوضة والبائع هو الذى التزم ذلك للمشترى دون الامة انما الامة أخبرته بخبر كذب ومجرد هذا الخبر لا يلزمه ضمان قيمة الولد كما بيناه. قال حرة ولدت ولدين في بطن واحد وكبرا واكتسبا مالا ثم مات أحدهما وترك ابنا ثم جاء رجل وادعي انه زوج المرأة وأنهما ابناه فأقرت المرأة بذلك حجدت الابن الباقي وابن الابن فان الرجل والمرأة يصدقان على أنفسهما دون غيرهما فيثبت

[ 184 ] النكاح بينهما بتصادقهما ويدخل في نصيب المرأة من الميراث لاقرارهما انهما يستويان في ذلك فان من ترك أبوين وابنا فللابوين السدسان فلهذا قسم مافى يدها بينهما نصفان فان أقر ابن المرأة بدعوة الرجل ثبت نسبه باقراره ومن ضرورة ثبوت نسبه ثبوت نسب الآخر لانهما توأم فيثبت نسبهما ولكنه لا يرث بهذا مع ابن الميت شيئا لان الابن الباقي غير مستحق لشئ من ميراث الميت فتصديقه في حكم الميراث وتكذيبه سواء لان الميراث مال ينفصل عن النسب في الاستحقاق ثبوتا وسقوطا (ألا ترى) ان عبد الرق واختلاف الدين والنسب ثابت ولا ميراث وإذا أقر أحد الاخوين بأخ آخر فالشركة في الميراث ثابتة ولا نسب وما كان طريق ثبوته الضرورة فالمعتبر فيه الجملة فإذا كان أحد الحكمين ينفصل عن الآخر في الجملة لم يستحق الميراث باقراره وان ثبت نسبه وان أقر ابن الميت بدعوة الرجل وقد احتلم ثبت نسبهما جميعا منه لانه في هذا التصديق قائم مقام أبيه وثبوت نسب أخيه يقتضى ثبوت نسب الآخر ضرورة ويرث معه الرجل لان الحق في الميراث له وقد أقر بأن سدسا من الميراث وهو خمس ما في يده للاب فيؤمر بتسليمه إليه. قال ولو ان أمة ولدت ولدين في بطن واحد فاشترى رجل أحدهما وأعتق ثم مات المعتق فورثه مولاه ثم اشترى رجل آخر الابن الباقي مع أمه فادعى انه ابنه ثبت نسبه منه وان كان كبيرا لايقر بذلك الا عبد له فلا حاجة إلى تصديقه في اثبات النسب منه ويثبت نسب ولد الميت أيضا منه ولا يكون له الميراث الذى أخذه المولى لما بينا انه ليس من ضرورة ثبوت النسب استحقاق المال وانما أورد هذا الفصل ايضاحا لما سبق فانا لو قلنا يستحق المال علي المولى بهذا الطريق كان يقدر كواحد على ابطال حق المولى عن الميراث المستحق له بأن يشترى الابن الآخر فيدعي نسبه وهذا بعيد وفيه من الضرورة ما لا يخفى فقلنا لا يستحق المال وان ثبت نسب الآخر منه ضرورة والله أعلم بالصواب (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله إملاء اعلم بأن الاقرار خير متمثل متردد بين الصدق والكذب فكان محتملا باعتبار ظاهره والمحتمل لا يكون حجة ولكنه جعل حجة بدليل معقول وهو أنه ظهر رجحان جانب الصدق على جانب الكذب فيه لانه غير متهم فيما يقر به علي نفسه ففى حق الغير ربما تحمله النفس الامارة بالسوء على الاقرار به كاذبا وربما يمنعه عن الاقرار بالصدق وفى حق نفسه النفس الامارة

[ 185 ] بالسوء على الاقرار به كاذبا وربما ينفعه عن الاقرار بالصدق وفي حق نفسه النفس الامارة بالسوء لا تحمله على الاقرار بالكذب وربما يمنعه على الاقرار بالصدق فلظهور دليل الصدق فيما يقربه على نفسه جعل اقراره حجة واليه أشار الله تعالى في قوله بل الانسان على نفسه بصيرة. قال ابن عباس رضى الله عنهما أي شاهد بالحق والدليل على انه حجة شرعا قوله تعالى وليملل الذى عليه الحق فأمر من عليه الحق بالاقرار بما عليه دليل واضح علي انه حجة والنهى عن الكتمان في قوله تعالى ولا يبخس منه شيئا وليتق الله ربه دليل علي ان اقراره حجة كما ان الله تعالى لما نهى عن كتمان الشهادة كان ذلك دليلا على ان الشهادة حجة في الاحكام ورجم رسول الله ﷺ ماعزا رضي الله عنه حين أقر على نفسه بالزنا وقال ﷺ في حديث العسف وأعد ما انتسب إلى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها فيكون الاقرار حجة في الحدود التي تندرئ بالشبهات دليل على انه حجة فيما لا يندرئ بالشبهات بالطريق الاولى ثم الاقرار صحيح بالمعلوم والمجهول بعد أن يكون المعلوم لانه اظهار لما عليه من الحق وقد يكون ما عليه مجهولا فيصح اظهاره بالمجهول كالمعدوم بخلاف الشهادة فان أداء الشهادة لا تكون الا بعد العلم بالمشهود به. قال الله تعالى الا من شهد بالحق وهم يعلمون وقال ﷺ للشاهد إذا رأيت مثل الشمس فاشهد والافدع فمع الجهل لا حاجة إلى الشهادة بل هو ممنوع عن أدائها فأما من عليه الحق محتاج إلى اظهار ما عليه باقراره معلوما كان عنده أو مجهولا فقد يعلم أصل الوجوب ويجهل قدر الواجب وصفته ولهذا صح اقراره بالمجهول ولان الشهادة لا توجب حقا الا بانضمام القضاء إليها والقاضى لا يتمكن من القضاء الا بالمعلوم فأما الاقرار موجب بنفسه قبل اتصال القضاء به وإذا احتمل بالمجهول أمكن ازالة الجهالة بالاجبار على البيان فلهذا صح الاقرار ولهذا لا يعمل بالرجوع عن الاقرار ويعمل بالرجوع عن الشهادة قبل اتصال القضاء بها إذا عرفنا هذا فنقول رجل قال غصبت من فلان شيئا فالاقرار صحيح ويلزمه ما بينة ولا بد من تبيين أي شي هو لان الشئ حقيقة اسم لما هو موجود مالا كان أو غيره الا أن لفظ الغصب دليل علي المالية فيه فالغصب لا يرد الا على ما هو مال وما ثبت بدلالة اللفظ فهو كالملفوظ كقوله اشتريت من فلان شيئا يكون اقرارا بشراء ما هو مال لان الشراء لا يتحقق الا فيه ولابد من أن يبين مالا يجري فيه التمانع بين الناس حتى لو فسره بحبة حنطة لم يقبل ذلك منه لان اقراره بالغصب

[ 186 ] دليل على أنه كان ممنوعا منه من صاحبه حتى غلب عليه فغصبه وهذا مما يجرى فيه التمانع فإذا تبين شيئا بهذه الصفة قبل بيانه لان هذا بيان مقرر لاصل كلامه وبيان التقرير صحيح موصولا أو مفصولا فان ساعده المقر على ما بينه أخذه وان ادعى غيره فالقول قول المقر مع يمينه لانه خرج عن موجب اقراره بما بين فإذا كذبه المقر له فيه صار رادا اقراره بنفى دعواه شيئا آخر عليه وهو لذلك منكر فالقول قوله مع يمينه ويستوى ان بين شيئا يضمن بالغصب أو يضمن بعد أن يكون بحيث يجرى فيه التمانع حتى المغصوب فالقول قوله مع يمينه وكذلك ان بين ان المغصوب دار فالقول قوله وان كانت الدار لا يضمن بالغصب عند أبى حنيفة رحمه الله واختلف المشايخ رحمهم الله فيما إذا بين المغصوب زوجته أو ولده الصغير فمنهم من يقول بيانه مقبول لانه موافق لمبهم كلامه فان لفظ الغصب يطلق علي الزوج والولد عادة والتمانع فيه يجرى بين الناس أكثر مما يجرى في الاموال وأكثرهم على انه لا يقبل بيانه بهذا لان حكم الغصب لا يتحقق الا فيما هو مال فبيانه ما ليس بمال يكون انكار الحكم الغصب بعد اقراره بسببه وذلك غير صحيح منه وفرق بين هذا وبين الخلع فان من خالع امرأته علي ما في بيتها من شئ فانه ليس في البيت شئ كالخلع مجازا وله أن يجعل تسمية الشئ فيه دليلا على المالية بخلاف تسمية المتاع لان الخلع من اسباب الفرقة والفرقة قد تكون بغير بدل في العادة فلا يكون فيما صرح دليلا على المالية في الشئ المذكور فأما الغصب لا يطلق في العادة الا فيما هو مال ولا يثبت حكمه شرعا الا فيما هو مال فالتنصيص عليه دليل على المالية في الشئ المذكور والعصر قبل التخمر كان الا فسد تقومه بالتخمر شرعا وصار المسلم ممنوعا من تموله من غير انعدم أصل المالية فيه (ألا ترى) أنه بالتخلل يصير مالا متقوما وهو ذلك الغير فلهذا صح بيانه ثم الخمر محل لحكم الغصب ولهذا كان غاصب الخمر من الذمي ضامنا لهذا قبل بيانه وكذلك لو أقر أنه غصب عبدا فهذه الجهالة دون الاول لان جنس المقر به صار معلوما هنا ثم التوسع في الاقرار أكثر منه في الخلع والصلح عن دم العمد والنكاح وتسمية العبد مطلقا صحيح في هذه العقود ففى الاقرار الاول ان في هذه العقود ينصرف إلى الوسط لانه عقد معاوضة فيجب النظر فيه من الجانبين وذلك بتعين الوسط الذى هو فوق الوكس ودون الشطط والاقرار لا يقابله شئ فلا يتعين فيه الوسط بل يكون المقر فيه مقبولا إذا لم يخالف ما يلفظ به سواء بين الرديئ أو المعيب فاسم العبد أولى * توضيح الفرق أن الغصب فعل يستدعى

[ 187 ] محلا هو مفعول به ولان يستدعى صفة السلامة فيه ومن حيث العادة أيضا ليس للغاصبين اختيار الوسط والتسليم وانما يغصب الغاصب ما يقدر عليه فاما في عقود المعاوضات لها موجب شرعا في اقتضاء صفة السلامة وكذلك للناس عادة في ايراد عقد المعاوضة على التسليم دون المعيب فلهذا يصرف مطلق العقد فيه إلى التسليم فان كان العبد الذى بعينه منصوبا في يده قائما رده وان كان هالكا فعليه قيمته لان ضمان الاصل في الغصب رد العين قال ﷺ على اليد ما أخذت حتى ترد وانما يصار إلى القيمة عند عدم رد العين ليكون خلفا عن الضمان الاصلى وسميت قيمة لقيامها مقام العين فان وقعت المنازعة بينهما في مقدار القيمة فالقول قول المقر لانكاره لزيادة مع يمينه وكذلك لو أقر بغصب شاة أو بقرة أو ثوب أو عرض وكذلك لو أقرأنه غصبه دارا فالقول قوله في تعيينها سواء عينها في هذه البلدة أو في بلدة أخرى لان الدار اسم لما أدير عليه الحائط وذاك لا يختلف باختلاف البلدان فكان بيانه مطابقا للفظه ولو قال هي هذه الدار التى في يدى هذا الرجل وذو اليد منكر يقول الدار دارى فالقول في تلك الدارقول ذى اليد لان دعوى المقر أنها لغيره كدعواه انها له فلا يصدق في ذلك بغير حجة لكنه خارج عن عهدة اقراره بما بين فان بيانه مطابق للفظه لان ما في يد الغير مال محل للغصب ثم لا يضمن المقر شيئا في قول أبى حنيفة وأبى يوسف الاخر وفي قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد رحمه الله يصير ضامنا لقيمتها لانه اقر ببعضها ومن أصل أبى حنيفة وأبى يوسف الآخر أن العقار لا يضمن بالغصب وهي مسألة معروفة في كتاب الغصب ولو قال غصبته هذه الامة أو هذا العبد فادعاهما جميعا المقر له فانه يقال للغاصب قر بايهما شئت وتخلفت عن الآخر لانه أدخل حرف أو في موضع الاثبات فيتناول بعض المذكورين فإذا أقر باحدهما خرج به عن عهدة ذلك الاقرار وقد صدقه المقر له في ذلك حين ادعاهما جميعا فيأخذ المقر له ذلك الشئ عينه وتبقي دعواه الآخر في يده فيكون القول الآخر قول المنكر مع يمينه وان الدعى المقر له احدهما بعينه لم يستحق ذلك إذا زعم المقر أن المغصوب هو الآخر لانه أقر بغصب في منكر ولان ادعاء المقر له معين والمعين عند المنكر فلم يتناول اقراره هذا المحل بعينه فلا يستحق به ثم هو بالتعيين قصد ابطال حق البيان الثابت للمقر فانه هو المبهم ومن أبهم شيئا فإليه بيانه وهو لا يملك ابطال الحق الثابت له فان بين المقر الآخر صح بيانه لانه موافق لمبهم كلامه ولكن المقر له كذبه في ذلك والاقرار يرتد بالرد فيبطل اقراره به بنفى

[ 188 ] دعوي المقر له الآخر عليه وهو جاحد فالقول قوله مع يمينه ولو أقر أنه غصب هذا العبد من هذا أو من هذا وكل واحد منهما يدعيه فان اصطلحا علي أخذه أخذه وان لم يصطلحا استحلف كل واحد منهما أولا نقول فرق بين هذا والاول فقال هناك يقال له قر بايهما شئت واحلف على الآخر وهنا لا يقال له قر لايهما شئت وأحلف للآخر لان هناك الاقرار صحيح ملزم فان المستحق معلوم انما الجهالة في المستحق فيمكن اجباره على البيان لما صح اقراره وهنا اقرار غير صحيح لان المقر له مجهول وجهالة المقر له تمنع صحة الاقرار لان الحق لا يثبت للمجهول ولان المغصوب عند الغصب قد بينه حاله على الغاصب انه عبد أو أمة ولكن المغصوب منه لا يشتبه عليه عادة فلم يكن اقراره للمجهول حجة تامة في الاستحقاق حتى يجبر على البيان ولكنهما ان اصطلحا علي أن يأخذ مأمر بالتسليم اليهما لان المغصوب جهالة من يجب عليه تسليمه إليه وقد يزال ذلك باصطلاحهما فان احدهما مالك والآخر نائب عنه وكما يؤمر الغاصب بالرد على نائبه ولانه كان مقرا انه لا حق له في العبد منهما فان الحق فيه لا يعدوهما وانما لم يصح اقراره في التزام التسليم إلى احدهما بعينه فلا يجبر على البيان لان ذلك غير ثابت باقراره فإذا اصطلحا فقد ثبت باقراره أن المستحق منهما يأمره بالتسليم إليه فان لم يصطلحا استحلف لكل واحد منهما بعينه لان كل واحد منهما يدعى الحق لنفسه عينا وهو لم يقر بذلك وانما أقر لمنكر منهما والمنكر في حق المعين كالمعدوم وللقاضي الخيار في البداية بالاستحلاف لايهما شاء وقيل هذا بالاستحلاف لمن سبق بالدعوى وقيل يقرع بينهما تطمينا لقلوبهما فان نكل عن اليمين أحدهما يأمره بالتسليم إليه ما لم يحلفه الآخر بخلاف مااذا أقر لاحدهما بعينه فانه يأمره بالتسليم إليه لان الاقرار موجب الحق لنفسه فأما النكول لا يوجب الحق الا بقضاء القاضى والقاضى لا يقضى الا بعد النظر لكل قسم ومن حجة الآخر أن يقول القاضى انما نكل له لانك بدأت بالاستحلاف له ولو بدأت بالاستحلاف لى لكان ينكل لى وفي الاقرار لا يمكن الآخر أن يحتج بمثل هذا وقد زعم ان المقر له أحق بالعين منه فيأمره بالتسليم إليه فان حلف لاحدهما ونكل للآخر قضى القاضي به الذى يحل له لانه حق من حلف له وقد انتفى بيمينه ما لم يأت بحجة ولا حجة له ونكوله في حق الآخر قائم مقام اقراره فيأمره بالتسليم إليه وان نكل لهما قضى القاضي بالعبد بينهما وبقيمته أيضا بينهما لان بنكوله صار عقرا له وغصب من كل واحد منهما جميعه ومالو قدر الا علي النصف

[ 189 ] يرده على كل واحد منهما وليس احدهما أولي به من الآخر فيلزمه رد نصف القيمة على كل واحد منهما اعتبارا للجزء بالكل إذا تعذر رده ولو حلف لهما لم يكن لهما عليه شئ لان حق كل واحد منهما قد انتفى بيمينه إلى أن يجد الحجة فان أراد أن يصطلحا بعد ذلك لم يكن لهما ذلك في قول أبى يوسف رحمه الله الآخر وكان يقول أولا لهما ذلك وهو قول محمد رحمه الله * وجه قوله الاول ان حق الاخذ عند الاصطلاح ثبت لهما بهذا الاقرار بدليل انهما لو اصطلحا قبل الاستحلاف فان لهما أن يأخذاه والحق الثابت بالاقرار لا يبطل باليمين والمعنى الذى فات لهما أن يأخذاه قبل الاستحلاف إذا اصطلحا علي ان احدهما مالك والآخر نائب عنه وهذا موجود بالاستحلاف ولان الاستحلاف هو غير محل للاقرار لان الاقرار كان لاحدهما بغير عينه والاستحلاف كان استحقاق كل واحد منهما بعينه فلا يتغير به حكم ذلك الاقرار فالقاضي يتيقن انه صادق في يمينه أو كاذب ولا تأخير لليمين الكاذبة في ابطال الاستحقاق وجه قول أبى يوسف الاآخر رحمه الله ان يمين المقر يبطل حق من حلف له كما لو حلف لاحدهما يبطل حقه ومزاحمته ثم التفقه فيه من وجهين احدهما ان أصل الاقرار وقع فاسدا لجهالة المقر له لما بينا أن الغصب يوجب رد العين والمستحق للرد عليه بهذا الاقرار غير معلوم أو كان الاقرار فاسدا ولكن اراد منعه العباد برفع المفسد بالاصطلاح ممكن فان أزال ذلك قبل تقرر الفساد صح الاقرار وأمر بالتسليم اليهما وان تقرر الفساد بقضاء القاضي لا يمكن ازالته بعد ذلك برفع كالبيع الفاسد بخيار مجهول أو بعمل مجهول إذا تقررت صفة الفساد بالقضاء وهنا لما اسحلفه القاضي لكل واحد منهما فقد حكم بفساد ذلك الاقرار فلا ينقلب صحيحا بعد ذلك باصطلاحهما (الثاني) أن لكل واحد منهما لما طلب يمينه فقد عاملة المنكرين فصار راد الاقرار يرتد برد المقر له فلم يبق لهما حق الاصطلاح بعد ذلك بخلاف ما قبل الاستحلاف والثابت بالاقرار أحد الامرين اما الاصطلاح أو الاستحلاف فكما لو أقر علي الاصطلاح كانا قابلين لاقراره فلا يبقى لهما حق الاستحلاف بعد ذلك فكذلك لو أقر علي الاستحلاف كانا رادين لاقراره فلا يبقى لهما حق الاصطلاح بعد ذلك وقوله الاستحلاف في غير محل لاقراره قلنا محل الاقرارلا يعدوهما فإذا وجد الاستحلاف منهما فقد تقن بوجوده ممن وقع الاقرار له فكان ذلك مبطلا لحق الاقرار ولو قال غصبت العبد من هذا لابل من هذا فهو للاول وللآخر قيمته لان كلمة لا بل للاستدراك بالرجوع عن الاول واقامة الثاني مقامه

[ 190 ] اثبات والرجوع عما أقر به للاول باطل واثبات ما أقر به للاول في حق الثاني صحيح فيبقى العبد مستحقا للاول بصدر كلامه وقد صار مقرا ببعضه من الثاني وهو عاجز عن رد عينه حين سلمه إلى الاول بحكم الحاكم فكان عليه للثاني قيمته والدليل على أن كلمة لا بل موضوعة لما قلنا مثل قول الرجل جاءني زيد لابل عمر ويفهم منه الاخبار بمجئ زيد وهو بخلاف مالو قال هذا العبد لفلان بل لفلان حيث يؤمر بتسلميه إلى الاول ولا شئ للثاني عليه لانه ما أقر على نفسه بفعل موجب للضمان في حق الثاني انما شهد له بالملك فيما صار مملوكا لغيره بصدر كلامه والشاهد بالملك إذا أردت شهادته لم يضمن شيئا وهنا أقر بغصبه من الثاني وهو فعل موجب للضمان عليه وإذا أقر بغصب شئ من الاشياء كائنا ما كان من قريب أو بعيد صغير أو كبير مسلم أو كافر أو مرتد أو مستأمن أو حر أو عبد محجور عليه أو تاجر فهو ضامن له في جميع ذلك ان كان فائتا وان كان قائما رده إلى الذى أخذه منه صغيرا كان المغتصب منه أو كبيرا لان رد المغصوب يفسخ من الغاصب لفعله فيه وحقيقة انفساخ فعله برده على من أخذه منه فكانت جنايته بازالة يد محترمة للغير في هذه العين واثبات اليد في نفسه فإذا اعاده إلى من أخذه منه فقد صار به معيدا لما أخذ (ألا ترى) ان من أخذ منه خصم له في الاسترداد فيبرأ بالرد عليه على أي صفة كانت وهو نظير من انتزع خاتما من أصبع نائم ثم أعاده الي أصبعه قبل أن ينتبه برئ منه لانه أعاده كما كان بخلاف ما إذا انتبه ثم نام ثانيا لانه لما انتبه وجب عليه رده على المنتبه فلا يبرأ بعد ذلك باعادته الي أصبع النائم كما لو غصبه وهو منتبه ثم جعله في أصبعه في حال نومه قال خلا الولد الصغير مع أبيه الغنى فلان الاب فيما يأخذ من مال ولده الصغير لا يكون غاصبا ولكنه ان كان محتاجا إليه فله أن يأخذه ليصرفه إلى حاجته وان لم يكن محتاجا فله أن يأخذه لحفظه له فلا يلزمه رده على الصبى حتى يبلغ ولا يكون جانيا في حقه الا أن يستهلكه من غير حاجة فحينئذ يكون ضامنا له وكذلك وصى الصغير فيما يأخذ من ماله لا يكون غاصبا لان ولاية الاخذ لحفظه ثابتة وان غصب المولى من مكاتبه أو عبده المأذون المديون فهو يرده أو الضمان عند هلاكه لانه ممنوع من أخذه أما كسب المكاتب صار أحق به وصار المكاتب كالحر يدا في مكاسبه فإذا أبق به عليه صار ضامنا وأما العبد المديون لان كسبه حق غرمائه والمولى ممنوع من أخذه ما لم يسقط الدين فكان ضامنا وان لم يكن على العبد دين فكسبه خالص حق المولى فلا يكون هو في أخذه منه غاصبا وكذلك يغصب من مولاه

[ 191 ] لانه لا حق له في مال المولى وله ذمة معتبرة في ايجاب الدين لمولاه فيكون ضامنا غصبه منه والعبد فيما يغصب من مولاه مأمور بالرد عليه ولكنه غير ضامن لان للعبد ذمة معتبرة في ايجاب الدين فيها للمولى فان الدين لا يجب على العبد الا شاغلا مالية رقبته ومالية حق مولاه ولو قال غصبتك هذا العبد أمس ان شاء الله تعالى لم يلزمه شئ استحسانا وفي القياس استثناؤه باطل لان ذكر الاستثناء بمنزلة الشرط وذلك انما يصح في الانشات دون الاخبارات ولكنه استحسن فقال الاستثناء يخرج الكلام من أن يكون عزيمة الا أن يكون في معنى الشرط فان الله تعالى أخبر عن موسى عليه السلام حيث قال ستجدني ان شاء الله صابرا ولم يصبر على ذلك والوعد من الانبياء عليهم السلام كالعهد من غيرهم فدل أن الاستثناء مخرج للكلام من أن يكون عزيمة وقال ﷺ من استثنى فله ثنياه والاقرار لا يكون ملزما الا كلام هو عزيمة لكن انما يعمل هذا الاستثناء إذا كان موصولا بالكلام لا إذا كان مفصولا الا علي قول ابن عباس رضي الله عنه فانه قال يعمل بالاستثناء وان كان مفصولا استدلالا بقوله ﷺ لاغزون قريشا ثم قال بعد سنة ان شاء الله تعالى ولنا نقول الاستثناء مخرج لكلامه من أن يكون عزيمة فكان مغير الموجب مطلق الكلام والتعبير انما يصح موصولا بالكلام لا مفصولا فانه بمنزلة الفسخ والتبديل والمقر لا يملك ذلك في اقراره فكذلك لا يملك الاستثناء المفصول وهذا بخلاف الرجوع من الاقرار فانه لا يصح وان كان موصولا لان رجوعه نفى لما أثبته فكان تناقضا منه والتناقض لا يصح مفصولا كان أو موصولا اما هذا بيان فيه تعبير فان الكلام نوعان لغو وعزيمة فبالاستثناء تبين أن كلامه ليس بغريمة وبيان التعبير لا يصح موصولا لا مفصولا بمنزلة التعليق بالشرط فانه متبين ان صدر كلامه لم يكن ايقاعا بعد ان كان ظاهرا مقتضيا للايقاع فصح ذلك موصولا لا مفصولا وأما الحديث قلنا قوله ﷺ بعد سنة ان شاء الله تعالى لم يكن علي وجه الاستثناء انما كان على وجه الامتثال لما أمر به قال الله تعالى واذكر ربك إذا نسيت ولو قال غصبتك هذا العبد أمس الا نصفه صدق فيه لان الكلام إذا قيد بالاستثناء يصير عبارة عما وراء المستثنى لا أن يكون رجوعا عن القدر المستثنى قال الله تعالي فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما معناه تسعمائة وخمسين فأما لو جعلناه في معنى الرجوع كان ذلك قولا بالغلط فما أخبر الله تعالى به حتى تداركه بالاستثناء وذلك لا يجوز ثم هذا بيان فيه تعتير لان صدر كلامه

[ 192 ] اقرار بغصب ما سمى عبدا وبالاستثناء تبين أن المغصوب لم يكن عبدا فلما كان تعتيرا صح موصولا لا مفصولا وكذلك لو قال الا ملبسه الا على قول القرار رحمه الله فانه لا يجوز استثناء الاكثر مما تكلم به لان العرب لم تتكلم بذلك ولكنا نجوزه استدلالا بقوله تعالى قم الليل الا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا ولان طريق صحة الاستثناء أن يجعل عبارة عما وراء المستثنى ولا فرق بين الاستثناء في الاقل والاكثر وان لم تتكلم به العرب لم يمتنع صحته ان كان موافقا لطريقهم كاستثناء الكسور لم تتكلم به العرب وكان صحيحا ولو قال الا العبد كله كان الاستثناء باطلا لانه لا يمكن تصحيحه بان جعل عبارة عما وراء المستثنى فانه لا يبقى وراء المستثنى شئ فكان هذا رجوعا لا استثناء والرجوع عن الاقرار باطل موصولا كان أو مفصولا ولو قال غصبتك كذا وكذا فهو اقرار بغصبهما فان حرف الواو للعطف والعطف للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر فيقول الرجل جاءني زيد وعمر فيكون اخبارا بمجيئهما فإذا قال غصبته عبدا أو جارية كان اقرارا بغصبهما لانه خبر المذكور أو لانه مغصوب ولم يذكر للثاني خبر يستقل به فكان الخبر الاول خبر له وكذا خبر أن يقول دابة مع سرجها لان كلمة مع للقران فقد قرن بينهما في الاقرار بفعل الغصب فيهما إذ لا تتحقق المقارنة منه الا في هذا وكذلك لو قال كذا بكذا نحو ان يقول غصبته فرسا بلجامه أو عبدا بمنديله فهو اقرار بغصبهما لان الباء للالصاق فيصير هو ملصقا الثاني بالاول فيما أخبر به من فعل الغصب ويكون مبنيا أن عند غصبه كان اللجام ملصقا بالدابة ولن يتحقق الالصاق الا بعد أن يكون غاصبا لهما وكذلك لو قال كذا فكذا نحو ان يقول غصبت عبدا فجارية فان الفاء للوصل وفيه معنى العطف على سبيل التعقيب ولن تتحقق هذه المعاني الا بعد أن كان غاصبا لهما وكذلك لو قال كذا وعليه كذا نحو أن يقول غصبته دابة عليها سرجها لانه جعل المغصوب محلا لما ذكره آخرا فيقتضى أن يكون غاصبا لهما وان قال كذا من كذا بان قال غصبت منديلا من غلامه أو سرجا من دابته كان اقرارا بالغصب في الاول خاصة لان كلمة من للتبعيض فانه يفهم منه الانتزاع فعلى انه انتزع ما أقر بغصبه أولا من ملكه (ألا ترى) أنه يقول منديلا من رأسه أو ثوبا من بدنه فلا يفهم الاقرار بغصب الثوب والمنديل وكذلك لو قال كذا على يجوز أن يقول غصبته إكافا على حماره فيكون اقرارا بغصب الاكاف خاصة والحمار مذكور لبيان محل المغصوب حين أخذه وغصب الشئ من محل

[ 193 ] لا يكون مقتضيا غصب المحل ولو قال كذا في كذا وان كان الثاني مما يكون وعاء للاول كالماء نحو ثوب في منديل أو طعام في سفينة وما أشبه ذلك لان في حقيقة للظرف فهو مخبر بأن الثاني كان ظرفا للاول مع غصبه ولن يكون ذلك الا إذا كان غصبه لهما وكذلك قوله تمرا في قوصرة أو حنطة في جوالق وان كان الثاني هما لا يكون وعاء للاول نحو قوله غصبتا درهما في درهم لم يلزمه الثاني لانه غير صالح أن يكون ظرفا لما أقر بغصبه أولا فلغى آخر كلامه فان (قيل) كان ينبغى أن يجعل حرف في بمعنى حرف مع لان الكلام معمول بمجازه عند تعذر العمل بحقيقته قال الله تعالى فادخلي في عبادي (قلنا) إذا آل الامر إلى المجاز فكما يحتمل معنى مع يحتمل معنى على قال الله تعالي ولاصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل فان حمل عليه لم يلزم الثاني وان حمل على معنى مع لزمه والذمة في الاصل بريئة فلا يجوز شغلها بالشك وان كان الثاني مما يكون الاول وسطه نحوان يقول غصبتك ثوبا في عشرة أثواب لم يلزمه الا ثوب واحد في قول أبى يوسف وهو قول أبى حنيفة رحمهما الله ويلزمه في قول محمد رحمه الله أحد عشر ثوبا * وجه قول محمد رحمه الله أن العشرة قد تكون وعاء للثوب الواحد فان الثوب النفيس قد يلف عادة في الثياب فكان هذا بمنزلة قوله حنطة في جوالق أو يحمل كلامه على التقديم والتأخير فيصير كانه قال عشرة أثواب في ثوب والثوب الواحد يكون وعاء للعشرة فوجب العمل بما صرح به بحسب الامكان وعلل لابي يوسف رحمه الله في الجناب وقال ان العشرة لا تكون وعاء معناه أن الوعا غير الموعا والثوب إذا لف في ثياب فكل ثوب يكون موعا في حق ما وراءه فلا يكون وعاء الا الثوب الذي هو ثوب ظاهر فإذا كان لا يتحقق كون العشرة وعاء للثوب الواحد كان آخر كلامه لغوا وحمله علي التقديم والتأخير لا معنى له فانه اشتغال بايجاب المال في ذمته بالمحتمل وبتأويل هو مخالف للظاهر وذلك لا يجوز ولو قال غصبته كرباسا في عشرة أثواب حرير عند محمد رحمه الله يلزمه الكرباس وعشرة أثواب حرير لان الحرير لا يجعل وعاء للكرابيس عادة ولو قال غصبتك طعاما في بيت كان هذا بمنزلة قوله طعاما في سفينة لان البيت قد يكون وعاء للطعام فيكون اقرارا بغصب البيت والطعام الا أن الطعام يدخل في ضمانه بالغصب والبيت لا يدخل في ضمانه في قول أبى حنيفة وأبى يوسف الآخر لانه مما لا ينقل ولا يحول والغصب الموجب للضمان لا يكون الا بالنقل والتحويل وان قال لم أحول الطعام من موضعه لم يصدق في

[ 194 ] ذلك لانه أقر بغصب تام وفي الطعام يتحقق ذلك بالنقل والتحويل فكان هو في قوله لم أنقله راجعا عما أقربه فلم يصدق وكان ضامنا للطعام وفي قول محمد رحمه الله هو ضامن للبيت أيضاو مسألة غصب العقار معروفة ولو قال غصبته يوما ورددته عليه لم يصدق علي الرد وان كان كلام موصول لانه ليس إلى بيان صدر الكلام بل هو دعوى مبتدأ أي أوفيته ما لزمنى من ضمان الغصب واقراره صحيح فأما دعواه بغير حجة لا تكون صحيحة ولكن القول قول المنكر للرد كالمقر بالدين إذا ادعى الايفاء والابراء كلام موصول ولو قال غصبته ثوبا من عينه أو تمرا من قوصرة أو طعاما من بيت أو ظهر دابة ضمن التمر والثوب والطعام خاصة لما بينا ان آخر كلامه كان لبيان ان انتزاع المغصوب كان بين هذا فهو بمنزلة قوله غصبته ثوبا من يده يكون اقراره بالغصب في الثوب دون يده فكذلك ما سبق والله أعلم (باب اقرار المفاوضة بالدين) (قال رحمه الله وإذا أقر أحد المتفاوضين بدين في مرض موته من تجارتهما يوحد شريكه به في الحال وفيه طريقان لنا أحدهما أن المتفاوضين في حقوق التجارة صارا بمنزلة شخص واحد ومباشرة أحدهما سبب وجوب الدين كمباشرتهما والاقرار من باب التجارة فوجوده من احدهما كوجوده منهما والاصح أن يقول وجوب الدين بمباشرة السبب علي من باشره ولكن الشريك مطالب به بسبب التحمل الثابت بمقتضي صدر المفاوضة بينهما لان عقد المفاوضة يقتضى الوكالة العامة والكفالة العامة لكل واحد منهما عن صاحبه في ديون التجارة فانها تقتضي المساواة بهذا فالمفاوض المقر وان كان مريضا فقد وجب عليه الدين باقراره حتى إذا لم يكن عليه دين في الصحة كان مطالبا به في الحال وان كان عليه دين في الصحة فحق غريم الصحة مقدم ولكن حق المقر له في المرض ثابت أيضا حتى إذا فرغت التركة من حق غريم الصحة صرف المقر له في المرض وإذا ثبت الوجوب في حق المقرصار الشريك مطالبا به بحكم الكفالة وتأخره في حق المقر لمكان دين الصحة لا يوجب التأخير في الشريك كالعبد المحجور يقر على نفسه بدين ويكفل البيان عنه يؤاخذ الكفيل في الحال به وان كان مؤخرا في حق الاصل إلى ما بعد العتق وهذا لا تأجيل في أصل المال انما التأخير لضرورة انعدام محل القضاء ولا ضرورة في حق الكفيل فيكون مطالبا في الحال بايفائه ولو كان

[ 195 ] المفاوض المريض أقر لوارثه بدين لم يلزم شريكه وبهذا تبين أن الصحيح هو الطريق الثاني دون الاول فانه لو جعل اقرار أحدهما لصار الشريك الآخر مطالبا بالمال هنا ولكن اقرار المريض لوارثه باطل فلم يجب به المال في ذمة المقر والوجوب علي الشريك بحكم الكفالة فإذا لم يكن المال واجبا على الاصيل لا يجب على الكفيل خلاف الاول فان اقراره للاجنبي صحيح وان كان مؤخرا عن حق غرماء الصحة فوجب به المال على الاصيل وصار الكفيل مطالبا به بحكم الكفالة وكذلك لو كفل لوارثه بشئ لان كفالة المريض لوارثه باطلة غير موجبة المال عليه فأما إذا كفل للاجنبي فعند أبى حنيفة رحمه الله يؤاخذ به شريكه سواء كفل بأمر الاصيل أو بغير أمره وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا يؤاخذ الشريك به وكذلك ان أقر أحد المتفاوضين بكفالة في صحته أو مرضه فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله يؤاخذ به شريكه وعندهما لا يؤاخذ بشئ من ذلك * حجتهما أن دين الكفالة ليس من دين التجارة لان سببه لا ينزع ما هو تبرع (ألا ترى) انه لو حصل من المريض كان معتبرا من الثلث ولو حصل من العبد المأذون والمكاتب لم يكن صحيحا وما وجب على أحد المتفاوضين لا بجهة التجارة لا يكون شريكه مطالبا به كما يجب من مهر امرأته وأرش الجناية بجنايته وكلامهما يتضح في الكفالة بغير الاصل فانه تبرع محض حتى لا يستوجب الكفيل الرجوع على الاصيل عند الاداء ولابي حنيفة رحمه الله طريقان الاول ان هذا الدين وجب بما هو من متضمنات عقد المفاوضة فيكون الشريك مطالبا به كالواجب بطريق الوكالة إذا توكل أحدهما عن الغير بالشراء وبيانه فيما قلنا ان عقد المفاوضة يقتضي الوكالة العامة والكفالة العامة وبهذا تبين أنه من جنس التجارة لان عقد المفاوضة يتضمن ما هو من جنس التجارة الثاني ان في الكفالة معنى البيوع في الابتداء ولكنه مفاوضة أيهما خصوصا في الكفالة بالامر فانه يرجع بما يؤدى إلى الاصيل ففى حق العبد المأذون والمكاتب والمريض اعتبرنا معنى التبرع فيه في الابتداء فلم يكن صحيحا وفى حق المفاوض اعتبرنا معنى المفاوضة في الانتهاء لانه صحيح في حق من باشر سببه فإذا صح انقلبت مفاوضة فعند صيرورة الشريك الآخر مطالبا له في الحال وتأخر في حق المريض عن حق غرماء الصحة لان اقرار الشريك عليه لا يكون العبد من اقراره بنفسه وهو لو أقر بنفسه تأخر عن حق غرماء الصحة فكذلك ما لزم باقرار شريكه أو يجعل هذا كاقرارهما جميعا فان (قيل) كان ينبغى أن يكون هذا في حق المريض من ثلث ماله لان الوجوب عليه كان لسبب

[ 196 ] الكفالة عن شريكه وكفالة المريض معتبرة من ثلثه (قلنا) هذا إذا لو كانت مباشرة الكفالة في المرض وهنا الكفالة بمقتضى عقد المفاوضة فانما كان في حال الصحة فالوجود وان حصل في حالة المرض لما كان سببه موجودا في حال الصحة فالواجب كان معتبرا من جميع ماله فان (قيل) إذا كان سببه في حال الصحة ينبغى أن لا يتأخر عن حق غرماء الصحة (قلنا) وجوب الدين عليه بذلك السبب انما حصل في المرض فكان ذلك مزيد المرض لهذا المريض ولان اقرار الغير عليه لا يكون أبعد من قراره علي نفسه ولو أقر الصحيح لوارث المريض بدين لزم الصحيح كله دون المريض لان اقرار الصحيح في حق المريض كاقراره بنفسه واقراره لوارثه باطل فكذلك اقرار الصحيح في حقه وليس من ضرورة امتناع وجوب المال على الكفيل أن لا يجب على الاصيل فلهذا وجب المال علي الصحيح فان (قيل) اقرار المريض لوارثه انما لا يصح لتهمه الايثار وهو غير موجود في حق اقرار شريكه (قلنا) ليس كذلك بل يتمكن تهمة المواضعة هنا من حيث انه لما علم ان اقراره لوارثه بنفسه لا يصح لشريكه لتقربه له ثم يستوفى من مال المريض فليمكن هذه التهمة (قلنا) لا يصح الاقرار في حق المريض ولا تهمة في ما يقر له الشريك على نفسه في حقه فكان هو مطالبا بالمال ولو كان المفاوض قال لرجل ما ذاب لك على فلان فهو على أو ما وجب لك عليه أو ما قضى لك عليه ثم مرض ثم أقر فلان بألف درهم لذلك الرجل وقضى بها له عليه لزم المريض ذلك من جميع المال لان وجوب هذا المال عليه وان كان بطريق الكفالة ولكن صح سببه في حال الصحة ولزم حتى لو أراد الرجوع عنه لم يملك ذلك فكان بمنزلة سائر الديون في كونه معتبرا من جميع المال (ألا ترى) ان الصحيح لو ضمن الدرك عن رجل في دار باعها ثم مرض فلزم الدرك كان مطالبا من جميع المال لان سببه لزم في حال الصحة على وجه لا يمكنه الرجوع عنه فكان معتبرا من جميع المال لان سببه لزم في حال الصحة هنا لان الوجوب مستند إلى سببه ولما تم السبب هنا ولزمه في حال الصحة استند حكم الوجوب إليه فلهذا كان مزاحما لغرماء الصحة والله أعلم بالصواب (باب الاقرار لما في البطن) (قال رضى الله عنه الاقرار لما في البطن على ثلاثة أوجه أحدها أن يبين سببا صالحا مستقيما بأن يقول لما في بطن فلانة علي ألف درهم من جهة ميراث ورثه عن أبيه فاستهلكته

[ 197 ] أو وصية أوصى بما له فاستهلكته فهذا صحيح) لانه بين سببا مستقيما لو عاينه حكمنا بوجوب المال عليه فكذلك إذا ثبت باقراره هذا لان هذا الاقرار في الحقيقة للمورث والموصى فان المال منفى علي حقه ما لم يصرفه إلى وارثه أو إلى من أوصى له به وكذلك المورث والموصي من أهل الاقرار له فهو نظير مالو قال لدابة فلان على ألف درهم أوصى له بالعلف فاستهلكته ثم ان ولدت ولدا حيا فالمقر به له وان ولدته ميتا فالمال مردود علي ورثة الميت والموصي وان جاءت بولدين أحدهما ذكر والآخر أنثى ففى الوصية يقسم بينهما نصفين وفي الميراث يكون بينهما للذكر مثل خط الانثيين لان قول المقر في بيان السبب مقبولا وهذا إذا وضعته لاقل من ستة أشهر من حين مات الموصى والمورث حتى علم أنه كان موجودا في ذلك الوقت وان وضعته لاكثر من ستة أشهر لم يستحق شيئا الا أن تكون المرأة معتدة فحينئذ إذا جاءت بالولد لاقل من سنتين حتى حكم بثبوت السبب في ذلك حكما بوجوده في البطن حين مات الموصى والمورث الوجه الثاني أن يبين سببا بمستحيل بأن يقول لما في بطن فلانة على الف درهم ثمن بيع بايعته أو قرض أقرضته فهذا باطل لان المبايعة والاقراض لا يتصور من الجنين حقيقة ولا حكما أما الحقيقة فلا يشكل وأما الحكم فلانه لا ولاية لاحد على الجنين حتى يكون تصرفه بمنزلة تصرف الجنين فيصير مضافا إليه من هذا الوجه وإذا كان ما سببه من السبب محالا صار كلامه لغوا فلا يلزمه شئ فان (قيل) هذا يكون رجوعا عن اقراره باذن والرجوع عن الاقرار لا يصح وان كان موصولا (قلنا) لاكذلك بل هو بيان السبب محتمل فقد نسبه على الجاهل فيظن أن الجنين يثبت عليه الولاية كالمنفصل فيعامله ثم يقر بذلك المال للجنين بناء علي ظنه وتبين سببه ثم يعلم أن ذلك السبب كان باطلا فكان كلامه بيانا لا رجوعا فلهذا كان مقبولا منه والثالث أن يقر للجنين بمال مطلق من دين أو عين فيقول لما في بطن فلانه على الف درهم أو هذا العين ملك لما في بطن فلانة فولدت لمدة يعلم انه كان في البطن وقت الاقرار فالاقرار باطل في قول أبى يوسف رحمه الله وقال محمد رحمه الله الاقرار صحيح وجه قول محمد ان مطلق كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن لان عقله ودينه يدعو به إلى التكلم بما هو صحيح لا بما هو لغو فيجعل مطلق اقراره صحيحا بمنزلة مالو بين سببا صحيحا لاقرارهما وهذا لان الاقرار حجة مهما أمكن اعماله لا يجوز ابطاله والجنين جعل في حكم المنفصل حتى يصح الاقرار سببه ويصح اعتاقه والاقرار يعتقه ويرث ويوصي له

[ 198 ] فكما أن الاقرار للمنفصل بالمال مطلقا يكون اقرارا صحيحا فكذلك الاقرار به للحنين ولابي يوسف رحمه الله أن مطلق الاقرار بالمال محمول على الالتزام بالعقد فكأنه أقربه وهذا لان دينه وعقله يمنعانه من الاستهلاك ويدعو به إلى الالتزام بالعقد فيجب حمل مطلق اقراره عليه (ألا ترى) أن أحد المتفاوضين إذا أقر بمال مطلق يلزم شريكه والعبد المأذون إذا أقر بالمال مطلقا يصح اقراره ويؤخذ به في الحال وكان ذلك باعتبار حمل مطلق الاقرار على جهة التجارة فكذلك هنا يحمل مطلق اقراره على جهة التجارة فكأنه بين جهة التجارة ولان الاقرار ابتداء هنا يقع للجنين وهو ليس من أهل أن يثبت له حق ابتداء ما لم ينفصل ولهذا لا يلي عليه أحد لانه ما دام مختبأ في البطن فهو في حكم الاجراء والابعاض فاما العتق والوصية مما يحتمل التعليق بالشرط فيجعل كالمضاف إلى ما بعد الانفصال والاقرار بالسبب ليس بايجاب حق له ابتداء بل اخبار بانه علق من مائه والاقرار باستهلاك ميراث أو وصية له لا يكون ايجابا للجنين ابتداء بل يكون اقرار للمورث والموصى ثم ينتقل إليه بسبب الارث والوصية ان انفصل حيا أما هذا ايجاب الحق للجنين ابتداء وهو ليس باهل لذلك فلهذا بطل اقراره والله أعلم (باب الخيار) (قال رحمه الله رجل أقر لرجل بدين من قرض أو غصب أو وديعة أو عارية قائمة أو مستهلكة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فالاقرار جائز والخيار باطل اما جواز الاقرار فلوجود الصيغة الملزمة بقوله على أو عبدى لفلان وأما الخيار فباطل) لان الاقرار باطل ان اختار ولا يليق به الخيار لان الخبر ان كان صادقا فصدق اختاره أولم يختره وان كان كذبا لم يتعين باختياره وعدم اختياره وانما ما يبر يشترط الخيار في العقود بالشرط ليتغير به صفة العقد ويتخير من له بين فسخه وامضائه ولان الخيار في معنى التعليق بالشرط فما دخل عليه وهو حكم العقد والاقرار لا يحتمل التعليق بالشرط فكذلك لا يحتمل اشتراط الخيار الا أن التعليق يدخل على أصل السبب فمنع كون الكلام اقرارا والخيار يدخل على حكم السبب فإذا لغى بقي حكم الاقرار وهو اللزوم ثانيا وهذا كما ان التعليق بالشرط يمنع وقوع الطلاق واشتراط الخيار لا يمنعه ويستوى ان صدقه صاحبه في الخيار أو كذبه وهذا بخلاف ما إذا أقر بدين من ثمن

[ 199 ] بيع على انه فيه بالخيار ثلاثة أيام فان هناك يثبت الخيار إذا صدقه صاحبه لان سبب الوجوب عقد يقبل الخيار فإذا تصادقا عليه صار ذلك كالمعاين في حقهما وان كذبه صاحبه لم يثبت الخيار لان مقتضى مطلق البيع اللزوم فمن ادعى عدوة معتبرة باشتراط الخيار فيه لا يقبل قوله الا بحجة فاما ما سبب وجوب المال فعلا من فرض أو غصب أو استهلاك وذلك لا يليق به الخيار ولو عاين اشتراط الخيار فيه كان لغوا فلهذا لم يثبت وان تصادقا عليه وان أقر بالدين من كفالة علي شرط مدة معلومة طويلة أو قصيرة فان صدقه المقر له فهو كما قال والخيار ثابت له إلى آخر المدة لان الكفالة عقد يصح اشتراط الخيار فيه فيجعل ما تصادقا عليه كالمعاين في حقهما وفرق أبو حنيفة رحمه الله بين البيع وبين الكفالة فقال في البيع لا يجوز اشتراط الخيار أكثر من ثلاثة أيام وفي الكفالة يجوز ذلك وان طالت المدة لان الكفالة عقد مبين على التوسع (ألا ترى) انه يحتمل التعليق ببعض الاخطار نحو قوله ما ذاب لك عن فلان فهو علي ونحو الكفالة بالدرك فانه تعليق بخطر الاستحقاق فإذا كان هو محتملا للتعليق كان الخيار ملائما له بأصله فيجوز اشتراطه مدة معلومة قصرت أو طالت فأما البيع مبنى على العتق حتى لا يحتمل التعليق بالشرط أصلا فلم يكن الخيار ملائما له باعتبار أصله فقلنا لا يجوز اشتراطه الا بقدر ما ورد به الشرع بخلاف القياس وذلك ثلاثة أيام وان كذبه صاحبه بالخيار لزمه المال ولم تصدق على شرط الخيار لان مقتضى عقد الكفالة اللزوم كما هو مقتضى مطلق البيع وهذا بخلاف الاجل فانه إذا ادعى الكفالة بالمال إلى أجل فالقول قوله وان لم يصدقه صاحبه لان الاجل من مقتضيات الكفالة (ألا ترى) أن من كفل بمال موجد مطلقا يثبت الاجل في حق الكفيل وكذلك الكفالة توجب المال للكفيل على الاصيل إذا كان يأمره كما يوجب للطالب على الكفيل وما يكون للكفيل على الاصيل مؤجل أن يؤديه عنه فلما كان الاصل من مقتضيات الكفالة جعل القول فيه قول من يدعيه بخلاف الخيار فانه ليس من مقتضيات الكفالة فلا يقبل قول من يدعيه الا بحجة واقرار الصبي التاجر جائز في جميع تجاراته لان الاقرار من صيغ التجار وهو مما لا يستغنى التاجر عنه فانه يتعذر على من يعامله اشهاد الشاهدين عليه كل معاملة فإذا علم ان اقراره له لا يكون صحيحا يتحذر عن المعاملة معه فلهذا جوزنا اقراره وبخلاف اقرار الاب والوصى عليه فانه لا يكون صحيحا لعدم التصور فان الاقرار ما يقر المرء به علي نفسه فأما ما يقربه علي غيره يكون شهادة فمن الاب لا يتحقق الاقرار علي الصبي ويتحقق من الصبى المأذون الاقرار

[ 200 ] على نفسه ويستوى ان أقر بدين أو عين مما اكتسبه بتجارته أو كان موروثا له عن أبيه لان اقراره فيه باعتبار ملكه والكل في حكم الملك سواء (ألا ترى) ان سائر تصرفاته يجوز فيهما فكذلك اقراره وذكر في المجرد عن أبى حنيفة رحمه الله ان اقراره فيما يرثه من أبيه لا يكون صحيحا لان صحة اقراره فيما اكتسبه بتجارته لوقوع الحاجة إليه وذلك غير موجود فيما ورثه عن أبيه والاصح ما ذكره في الكتاب لان انفكاك الحجر عنه فيما هو من جملة التجارة بالاذن بمنزلة انفكاك الحجر عنه فيما هو من جملة التجارة بالاذن بمنزلة انفكاك الحجر عنه بالبلوغ وقد بينا أن الاقرار من التجارة وكذلك لو أقر الصبي المأذون علي أبيه بدين جاز اقراره لانه في حكم جواز الاقرار فصار انفكاك الحجر عنه بالاذن كانفكاك الحجر عنه بالبلوغ ولو أقر بدين أبيه بعد البلوغ صح اقراره واستوفى جميع الدين من نصيبه واقرار الصبي التاجر جائز في جميع تجاراته لان الاقرار من صيغ التجار وهو مما لا يستغنى التاجر عنه فانه يتعذر على من يعامله اشهاد الشاهدين عليه كل معاملة فإذا علم ان اقراره له لا يكون صحيحا يتحذر عن المعاملة معه فلهذا جوزنا اقراره وبخلاف اقرار الاب والوصى عليه فانه لا يكون صحيحا لعدم التصور فان الاقرار ما يقر المرء به علي نفسه فأما ما يقربه علي غيره يكون شهادة فمن الاب لا يتحقق الاقرار علي الصبي ويتحقق من الصبى المأذون الاقرار

[ 200 ] على نفسه ويستوى ان أقر بدين أو عين مما اكتسبه بتجارته أو كان موروثا له عن أبيه لان اقراره فيه باعتبار ملكه والكل في حكم الملك سواء (ألا ترى) ان سائر تصرفاته يجوز فيهما فكذلك اقراره وذكر في المجرد عن أبى حنيفة رحمه الله ان اقراره فيما يرثه من أبيه لا يكون صحيحا لان صحة اقراره فيما اكتسبه بتجارته لوقوع الحاجة إليه وذلك غير موجود فيما ورثه عن أبيه والاصح ما ذكره في الكتاب لان انفكاك الحجر عنه فيما هو من جملة التجارة بالاذن بمنزلة انفكاك الحجر عنه فيما هو من جملة التجارة بالاذن بمنزلة انفكاك الحجر عنه بالبلوغ وقد بينا أن الاقرار من التجارة وكذلك لو أقر الصبي المأذون علي أبيه بدين جاز اقراره لانه في حكم جواز الاقرار فصار انفكاك الحجر عنه بالاذن كانفكاك الحجر عنه بالبلوغ ولو أقر بدين أبيه بعد البلوغ صح اقراره واستوفى جميع الدين من نصيبه ان أنكر شركاؤه فكذلك إذا أقر به بعد الاذن ولو أقر على نفسه بالمهر وارش الجناية ودين الكفالة لم يصح اقراره بشئ من ذلك لان هذه الاسباب ليست بتجارة وقد نفى الحجر عليه بقيام الصغر فيما ليس بتجارة (ألا ترى) ان أحد المتفاوضين لو أقر بالمهر وارش الجناية يؤاخذ به شريكه بخلاف ما إذا أقر بالدين مطلقا فهذا مثله فالكفالة في حق الصبى بمنزلة المهر وارش الجناية لانه ينزع ابتداء بخلاف المفاوض علي ما بينا والله أعلم بالصواب (تم الجزء السابع عشر من كتاب المبسوط) (ويليه الجزء الثامن عشر وأوله باب الاقرار بالعارية)