[ 101 ]
من جميع المال إذا كان تملكه في الصحة لان صفة الآخرية ثابت له من حين تملكه فيتبين أنه عتق من ذلك الوقت وعندهما يعتق من الثلث لان نزول العتق عندهما وقت الموت لتحقق الشرط فيه في هذه الحالة وقد بينا هذا في الطلاق ولو قال آخر عبد أملكه فهو حر فاشترى عبدا ثم لم يملك غيره حتي مات لم يعتق لان هذا أول وصفة الاولية والآخرية لا يجتمع في شخص واحد من المخلوقين وان اشترى عبدين بعده ثم مات لم يعتق واحد منهم لان الاول ما اتصف بالآخرية ليكون آخرا والعبدان لم يتصف واحد منهما بالفردية فلا يكون واحد منهما آخرا ولو قال لامة لم يملكها انت حرة من مالى فهذا باطل لان تنجيز العتق لا يصح الا بعد وجود الملك في المحل ولم يوجد بخلاف قوله إذا ملكتك لان بذلك اللفظ لا يصير مضيفا للعتق إلى الملك ولا إلى سببه وهو فضل من الكلام لان العتق من جهته لا يكون الا من ماله فلا يخرج به كلامه من أن يكون تنجيزا ولو قال إذا اشتريتك فانت حرة أو ان جامعتك فانت حرة فاشتراها وتسراها أو جامعها لم تعتق الاعلى قول زفر فانه يقول التسرى والجماع لا يحل الا في الملك فكان هذا في معنى اضافة العتق إلى الملك بمنزلة قوله ان اشتريتك ولكنا نقول الجماع يتحقق في غير الملك فكذلك التسرى فانه عبارة عن التحصين والمنع من الخروج وهو ليس بسبب للملك فلا يتحقق به اضافة العتق إلى الملك صورة ولا معني فهو بمنزلة قوله إذا كلمتك فانت حرة بخلاف الشراء فانه سبب للملك وكذلك لو قال كل جارية اتسرى بها فهى حرة فاشترى جارية بعد يمينه وتسراها لم تعتق ولو تسرى جارية كانت مملوكة له وقت يمينه عتقت لان الايجاب في حقها يصح لوجود الملك في المحل وقت الايجاب بمنزلة قوله كل جارية أملكها فهى حرة ثم تسرى فالشرط عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان يبوأها بيتا ويحصنها ويجامعها وطلب الولد ليس بشرط وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالي لا يكون تسريا الا بطلب الولد مع هذا للعادة الظاهرة ان الناس يطلبون الاولاد من السرارى وفى الايمان يعتبر العرف وهما يقولان ليس في لفظه ما يدل على طلب الولد لان التسرى اما ان يكون مأخوذا من التسرر كالتقضى وذلك الاخفاء أو يكون مأخوذا من السرار ومعناه التحصين والمنع من الخروج أو يكون مأخوذا من السر الذى هو الجماع كما قال تعالى ولكن لا تواعدوهن سرا فإذا لم يكن فيها ما ينبئ عن طلب الولد لا يشترط فيه ذلك من غير لفظ وكيف يشترط ذلك وبحصول الولد تخرج
[ 102 ] من ان تكون سرية لانها تصير أم ولد له فطلبه يخرجه حقيقة من أن تكون سرية فلا يمكن أن يجعل شرطا لتحقيق التسرى ولو وطئ جارية فعلقت منه لم تعتق لان التسري بالتحصين والمنع من الخروج ولم يوجد وان قال لعبديه ايكما أكل هذا الرغيف فهو حر فأكلاه جميعا لم يعتق واحد منهما لان الشرط أكل الواحد لجميع الرغيف ولم يوجد وان أقام احدهما البينة أنه أكله فأعتقه القاضي ثم أقام الآخر البينة أنه هو الذي أكله لم يعتقه القاضى لانه جعل الاول آكلا فلا يتصور بعده كون الثاني آكلا له إذا الرغيف الواحد لا يتكرر فيه فعل الاكل وهذه البينة انما تقوم لابطال القضاء الاول والبينة لابطال القضاء لا تقبل توضيحه إنا نتيقن بكذب أحد الفريقين وقد ترجح معنى الصدق في شهادة الفريق الاول بالقضاء فتعين معنى الكذب في شهادة الفريق الثاني وان جاءت البينتان معا لم يعتق واحد منهما لان القاضى يتيقن بكذب أحد الفريقين ولا يعرف الصادق من الكاذب وإذا كانت تهمة الكذب تمنع القضاء بالشهادة فالتيقن بالكذب أولى وعلى هذا لو شهد شاهدان أنه أعتق عبده سالما يوم النحر بمكة فأعتقه القاضى ثم شهد آخران أنه أعتق سريعا يوم النحر بالكوفة لم تجز شهادتهما وان جاءت البينتان معا لم تقبل واحدة منهما وهذا والاول سواء وان ردهما ثم ماتت احدى البينتين فأعاد الآخر بينته تلك لم يقبل القاضى شهادتهم لانه قد ردها للتهمة فلا يقبلها أبدا كما لو رد شهادة الفاسق ثم تاب فأعادها وان لم تمت واحدة من البينتين حتي جاء أحد الغلامين بشاهدين آخرين يشهدان على ما شهدت به البينة الاولى وجاء الآخر بشهوده الذين كانوا شهدوا فان القاضى يجيز شهادة الآخرين اللذين لم يكونا شهدا عنده لان شهادة الفريقين الاولين قد بطلت للتعارض وصارت كالمعدومة وانما بقى شهادة الفريق الثاني لاحدهما ولا معارض له فثبت المشهود به بشهادتهما ولا يعتبر بما اعاده العبد الثاني لان تلك شهادة حكم ببطلانها وكما لا تقوم حجة القضاء بمثل هذه الشهادة فكذلك المعارضة لا تثبت بها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع المآب (باب عتق العبد بين الشركاء) أكثر مسائل هذا الباب تنبنى على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى فان العتق عنده
[ 103 ] يتجزى حتى ان من أعتق نصف عبده فهو بالخيار في النصف الباقي ان شاء أعتقه وان شاء استسعاه في النصف الباقي في نصف قيمته وما لم يؤد السعاية فهو كالمكاتب وعند أبى يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى يعتق كله ولا سعاية عليه لقوله عليه الصلاة والسلام من أعتق شقصا من عبده فهو حركله ليس لله فيه شريك وفى الكتاب ذكر هذا اللفظ عن عمر أيضا رضى الله عنه والمعنى فيه ان العتق اسقاط للرق والرق لا يتجزى ابتداء وبقاء فاسقاطه باعتق لا يتجزى أيضا كما ان الحل لما كان لا يتجزى ابتداء وبقاء فابطاله بالطلاق لا يتجزى وبيانه ان فعله اعتاق فلا يتحقق الا بانفعال العتق في المحل وبعد انفعال العتق في بعض الشخص لو بقى الرق في شئ منه كان في ذلك تجزى الرق في محل واحد وذلك لا يجوز فان الذي ينبنى على العتق من الاحكام يضاد أحكام الرق من تكميل الحدود والاهلية للشهادات والارث والولايات ولا يتصور اجتماع الضدين في محل واحد ولان اتصال أحد النصفين بالآخر أقوى من اتصال الجنين بالام لان ذلك بعرض الفصل ثم اعتاق الام يوجب عتق الجنين لا محالة فاعتاق أحد النصفين لان يوجب عتق النصف الآخر أولى ولان الاستيلاد يوجب حق العتق وهو لا يحتمل الوصف بالتجزى في محل واحد فحقيقة العتق أولى واستدل أبو حنيفة رحمه الله تعالى بحديث سالم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال من أعتق شقصا له في عبد فان كان موسرا فعليه خلاصه والا فقد عتق ما عتق ورق ما رق وقال علي رضى الله عنه يعتق الرجل من عبده ما شاء وتأويل قوله ﷺ فهو حركله سيصير حرا كله باخراج الباقي إلى الحرية بالسعاية فيكون فيه بيانا أنه لا يستدام الرق فيما بقى منه وهو مذهبنا ولان هذا ازالة ملك اليمين فيتجزء في المحل كالبيع وتأثيره أن نفوذ تصرف المالك باعتبار ملكه وهو مالك للمالية دون الرق فالرق اسم لضعف ثابت في أهل الحرب مجازاة وعقوبة على كفرهم وهو لا يحتمل التملك كالحياة الا أن بقاء ملكه لا يكون الا ببقاء صفة الرق في المحل كما لا يكون حيا الاباعتبار صفة الحياة في المحل فذلك لا يدل على أن الحياية مملوكة له فإذا ثبت أنه يملك المالية وملك المالية يحتمل التجزى فانما يزول بقدر ما يزيله ولهذا لا يعتق شئ منه باعتاق البعض عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى حتي كان معتق البعض كالمكاتب الافي حكم واحد وهو أن المكاتب إذا عجز يرد في الرق لان السبب هناك عقد محتمل للفسخ وهذا إذا عجز عن السعاية لا يرد في الرق لان
[ 104 ] سببه ازالة ملك لا إلى أحد وهو لا يحتمل الفسخ وانما يسمى فعله اعتاقا مجازا على معنى أنه إذا تم ازالة الملك بطريق الاسقاط يعقبه العتق الذى هو عبارة عن القوة لا أن يكون الفعل المزيل ملاقيا للرق كالقاتل فعله لا يحل الروح وانما يحل البينة ثم بنقض البنية تزهق الروح فيكون فعله قتلا من هذا الوجه ولئن كان فعله اعتاقا فالعتق الذى ينبني على الاعتاق لا يتجزى والاعتاق في نفسه متجز حتى يتصور من جماعة في محل واحد فالعتق للبعض انما يوجد شطر العلة فيتوقف عتق المحل إلى تكميله وهو نظير اباحة أداء الصلاة تنبني على غسل أعضاء هي متجزئة في نفسها حتى يكون غسل بعض الاعضاء مطهرا ثم يتوقف اباحة أداء الصلاة على اكمال العدد وحرمة المحل لا تتجزى وان كان ينبني على طلقات هي متجزئة حتى كان الموقع للتطليقة والتطليقتين مطلقا ويتوقف ثبوت الحرمة على كمال العدد فهنا أيضا نزول العتق في المحل يتوقف على تمام العلة باعتاق ما بقي وان كان معتق البعض معتقا لان الاعتاق يقتضي انفعال العتق كما قال ولكن لا يقتضى الاتصال بالاعتاق بل يثبت استحقاق الاعتاق ويتأخر ثبوته في المحل إلى اكمال العلة فأما الاسترقاق فقد قيل يحتمل الوصف بالتجزى حتى لو فتح الامام بلدة ورأى الصواب في أن يسترق أنصافهم صح ذلك منه والاصح أنه لا يتجزى لان سببه وهو القهر لا يتجزى إذ لا يتصور قهر نصف الشخص دون النصف والحكم ينبنى على السبب وكذلك الاستيلاد سببه لا يتجزي وهو نسب الولد فأما عتق الجنين عند اعتاق الام ليس لاجل الاتصال ألا ترى أن اعتاق الجنين لا يوجب اعتاق الام والاتصال موجود ولكن الجنين في حكم جزء من أجزائها كيدها ورجلها وثبوت الحكم في التبع ثبوته في المتبوع وأحد النصفين ليس بتبع للنصف الباقي فلهذا لم يكن إعتاق أحد النصفين موجبا للعتق في النصف الباقي فان كان العبد بين رجلين فاعتق احدهما نصيبه جاز ثم ان كان المعتق موسرا فللساكت ثلاث خيارات في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان شاء أعتق نصيبه وان شاء استسعي العبد في قيمة نصيبه فإذا ادى السعاية إليه عتق والولاء بينهما وان شاء ضمن المعتق نصف قيمته ثم يرجع المعتق على العبد والولاء كله له وان كان المعتق معسرا فللساكت خياران ان شاء اعتق وان شاء استسعي وليس له حق تضمين الشريك الاعلى قول بشرط المريسى والقياسن فيه أحد الشيئين اما وجوب الضمان على المعتق موسرا كان أو معسرا لانه باعتاق نصيبه يفسد على الشريك
[ 105 ] نصيبه فانه يتعذر عليه استدامة ملكه والتصرف في نصيبه وضمان الافساد لا يختلف باليسار والعسرة أو القياس أن لا يجب على المعتق ضمان بحال لانه متصرف في نصيب نفسه والمتصرف في ملكه لا يكون متعديا ولا يلزمه الضمان وان تعدى ضرر تصرفه إلى ملك غيره كمن سقى أرضه فنزت أرض جاره أو أحرق الحصائد في أرضه فاحترق شئ من ملك جاره ولكنا تركنا القياسين للآثار فمنه ماروى عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما ان رسول الله ﷺ قال في الرجل يعتق نصيبه في المملوك ان كان غنيا ضمن وان كان فقيرا يسعى في حصة الآخر وهكذا روى عروة عن عائشة وعمر بن شهيب عن أبيه عن ابن مسعود رضوان الله عليهم ان رجلين من جهينة كان بينهما عبد فأعتقه احدهما فرفع ذلك إلى رسول الله ﷺ فضمنه نصيب صاحبه وحبسه حتى باع غنيمة له في ذلك وذكر الحسن عن عمر رضي الله عنه في العبد بين اثنين يعتقه احدهما انه يضمن نصيب صاحبه ان كان غنيا وان كان فقيرا يسعي العبد في النصف لصاحبه وعن إبراهيم عن الاسود بن يزيد أنه أعتق عبدا له ولاخوة له صغار فذكر ذلك لعمر رضي الله عنه فقال يستأنى بالصغار حتى يدركوا فان شاؤا أعتقوا وان شاؤا أخذوا القيمة فلهذه الآثار قلنا بوجوب الضمان في حالة اليسار دون العسرة ولكن المعتبر يسار اليسر لا يسار الغنى حتى إذا كان له من المال قدر قيمة المملوك فهو ضامن وان كانت تحل له الصدقة هكذا ذكره في حديث نافع عن ابن عمر رضى الله عنه ان النبي ﷺ قال قوم عليه نصيب شريكه ان كان له من المال ما يبلغ ذلك ولانه قصد التقرب والصلة باعتاق نصيبه وتمام ذلك بعتق ما بقي فإذا كان متمكنا من اتمامه بملكه مقدار ما يؤديه إلى شريكه كان عليه ذلك ولان اختلاف هذا الضمان باليسار والاعسار لتحقيق معنى النظر للشريك فانه إذا استسعى العبد يتأخر وصول حقه إليه وإذا ضمن شريكه يتوصل إلى مالية نصيبه في الحال وانما يكون هذا إذا كان موسرا له من المال ما يبلغ قيمة نصيب شريكه ثم على قول أبى يوسف ومحمد لا خيار للساكت وانما له تضمين الشريك ان كان موسرا واستسعاء العبد ان كان معسرا أخذا بظاهر الحديث وبناء على أصلهما ان العتق لا يتجزى ولهذا كان الولاء عندهما كله للمعتق في الوجهين جميعا وهو قول ابن أبى ليلى الا في حرف واحد يقول إذا سعى العبد رجع به على المعتق إذا أيسر لانه هو الذى الزمه ذلك
[ 106 ] بفعله وقاس بالعبد المرهون إذا أعتقه الراهن وهو معسر فسعى العبد في الدين رجع به على الراهن إذا أيسر ولكنا نقول إذا كانت عسرة المعتق تمنع وجوب الضمان عليه للساكت فكذلك يمنع وجوب الضمان عليه للعبد وانما يسعى العبد في بدل رقبته وماليته وقد سلم له ذلك فلا يرجع به على أحد بخلاف المرهون فانه ليس في بدل رقبته بل في الدين الذي هو ثابت في ذمة الراهن ومن كان مجبرا على قضاء دين في ذمة الغير من غير التزام من جهته يثبت له حق الرجوع به عليه فأما عند الشافعي رحمه الله تعالى ان كان المعتق موسرا يعتق كله وهو ضامن لنصيب شريكه وان كان معسرا فللشريك أن يستديم الرق في نصيبه ويتصرف فيه بما شاء وقال لاأعرف السعاية على العبد ووجه قوله ان عسرة العبد أظهر من عسرة المعتق لانه ليس من أهل ملك المال فإذا لم يجب الضمان على المعتق لعسرته فكذلك لا يجب على العبد بل أولى لان المعتق معسر جان والعبد معسر غير جان وهذا لو لزمه السعاية انما تلزمه في بدل رقبته وليس للمولى ولاية الزامه المال بدلا عن رقبته في ذمته كما لو كاتبه بغير رضاه فلان لا يكون ذلك لغير المالك أولى (وحجتنا) في ذلك حديث بشر بن نهيك عن أبى هريرة رضى الله عنهما عن النبي ﷺ قال من أعتق شقصا من عبد بينه وبين غيره قوم عليه نصيب شريكه ان كان موسرا قيمة عدل والايستسعى العبد في نصيبه غير مستغرق عليه والمعنى فيه أن نصيب الشريك مال متقوم وقد احتبس عند العبد لما قلنا أن بعد اعتاق البعض يمتنع استدامة الملك فيما بقى لوجوب تكميل العتق والدليل عليه حالة اليسار فان حكم المحل لا يختلف بيسار المعتق وعسرته ومن احتبس ملك الغير عنده يكون ضامنا له موسرا كان أو معسرا وجد منه الصنع أو لم يوجد كما لو هبت الريح بثوب انسان والقته في صبغ انسان فانصبغ كان لصاحب الصبغ أن يرجع عليه بقيمة صبغه إذا اختار صاحب الثوب امساك الثوب وكذلك إذا استولد أحد الشريكين الجارية المشتركة يضمن نصيب شريكه موسرا كان أو معسرا لاحتباس نصيب الشريك عنده فكذلك هنا يجب على العبد السعاية في نصيب الشريك وان كان معسرا لا حتباس نصيب الشريك عنده وهذا بخلاف بدل الكتابة لان وجوبه بعقد التراضي ووجوب السعاية من طريق الحكم للاحتباس وذلك متقرر وان لم يرض به العبد فأما بيان مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى فنقول عنده العتق يتجزى فانما عتق نصيب المعتق فقط وبقي نصبب الآخر على ملكه فله أن يعتقه كما كان له أن
[ 107 ] يعتقه قبل ذلك فإذا أعتقه كان الولاء بينهما كما لو أعتقاه معا وله أن يستسعى العبد في نصيبه لان نصيبه احتبس عند العبد حين تعذر استدامة الملك فيه وإذا استسعاه فأدى السعاية عتق والولاء بينهما لان نصيبه عتق من جهته وله ان يضمن شريكه ان كان موسرا لانه مفسد عليه نصيبه لما تعذر عليه استدامة الملك باعتاق نصيبه ثم بالتضمين يصير مملكا نصيبه من شريكه فيلتحق بما لو كان العبد كله له فأعتق نصفه حتى يتخير في النصف الباقي بين أن يعتقه وأن يستسعيه ولانه بالتضمين يقيم المعتق في نصيبه مقام نفسه وقد كان له الخيار بنى ان يعتقه أن يستسعيه فيثبت ذلك للمعتق بعد اداء الضمان فلهذا قال يرجع على العبد بما ضمن والولاء كله له لانه عتق من جهته وان أعتق احدهما نصيب شريكه منه لم يعتق لان ملك الغير ليس بمحل للعتق في حقه والسراية عندهما انما تكون بعد مصادفة العتق محله وإذا لم يصادف محله كان لغوا ولو دبر احدهما نصيبه وهو موسر فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى التدبير يتجزى لان موجبه حق الحرية فيكون معتبرا بحقيقة الحرية فيبقى بعد تدبير المدبر نصيب الآخر على ملكه فينفذ عتقه فيه وللمدبر الخيار ان شاء أعتق نصيبه وان شاء ضمن المعتق قيمة نصيبه مدبرا وان شاء استسعى العبد في ذلك لانه تمكن نقصان في نصيبه بالتدبير لانه وأن امتنع البيع ولكنه كان متمكنا من استدامة الملك إلى موته وانما تعذر عليه ذلك باعتاق الشريك فيضمنه ان كان موسرا وانما يضمنه مدبرا لانه أفسده وهو منقوص بنقصان التدبير ولم يرجع المعتق على العبد بما ضمن باعتبار أنه يقوم مقام من ضمنه وقد كان للمدبر ان يستسعى العبد في قيمة نصيبه مدبرا وأى ذلك فعل فالولاء بينهما هنا لانه بالتدبير استحق ولاء نصيبه فلا يبطل ذلك وان ضمن شريكه بخلاف القن وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى حين دبره الاول صار الكل مدبرا له لان التدبير عندهما لا يتجزي كالعتق ويضمن قيمة نصيب شريكه موسرا كان أو معسرا لانه صار متملكا على شريكه نصيبه وضمان التملك لا يختلف باليسار والاعسار ثم إعتاق الثاني باطل لانه أعتق مالا يملكه وان كان العبد بين ثلاثة نفر فدبره أحدهم ثم أعتقه الثاني وهما موسران فجواب أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في هذا والاول سواء لانه حين دبره احدهم صار الكل مدبرا له وهو ضامن ثلثى قيمته لشريكيه موسرا كان أو معسرا وان كان العبد بين ثلاثة دبره أحدهم وأعتقه الآخر فالاعتاق من الثاني بعد ذلك لغو وأما عند
[ 108 ] أبى حنيفة رحمه الله تعالى تدبير المدبر يقتصر على نصيبه والاعتاق من الثاني صحيح لمصادفته المحل ثم للساكت أن يضمن المدبر ثلث قيمته ان كان موسرا وليس له ان يضمن المعتق لان بالتدبير السابق صار نصيبه بحيث لا يحتمل النقل الا إلى المدبر بالضمان فلو أثبت له حق تضمين المعتق انتقل نصيبه إلى المعتق بالضمان وذلك ممتنع بالتدبير السابق فلهذا يضمن المدبر دون المعتق وان شاء استسعى العبد في ثلث قيمته وان شاء أعتقه وإذا ضمن المدبر فللمدبر ان يرجع بذلك على العبد فيسعى له فيه وللمدبر أيضا ان يضمن الذى أعتق ثلث قيمته مدبرا لانه تعذر عليه استدامة الملك في نصيبه باعتاق المعتق فكان له ان يضمنه ثلث قيمته مدبرا وليس له أن يضمن المعتق ما أدى إلى الساكت من قيمة نصيبه لان الساكت لم يكن متمكنا من تضمين المعتق فكذلك من يقوم مقامه ولان صنعه وهو الاعتاق وجد قبل ان يتملك المدبر نصيب الساكت فلهذا لا يضمنه قيمة هذا الثلث ويكون الولاء بين المدبر والمعتق اثلاثا ثلثاه للمدبر وثلثه للمعتق وإذا كان العبد بين اثنين فشهد كل واحد منهما على صاحبه انه أعتقه وصاحبه منكر ذلك فالعبد يسعى في جميع قيمته بينهما نصفين موسرين أو معسرين أو كان أحدهما موسرا والآخر معسرا في قول أبى حنيفة والولاء بينهما نصفان فأما فساد رق العبد فلاتفاقهما على ذلك وهما يملكانه بطريق الانشاء ثم يسار المعتق عنده لا يمنع وجوب السعاية على العبد فكل واحد منهما بشهادته على شريكه يدعى السعاية لنفسه في قيمة نصيبه على العبد ويدعى الضمان على شريكه الا أن الضمان لم يثبت لانكار الشريك فتبقى السعاية لكل واحد منهما على العبد وعند الاداء يعتق نصيب كل واحد منهما من جهته فكان الولاء بينهما وعلى قول ابى يوسف ومحمد رحمه الله ان كانا موسرين فهو حر ولا سعاية عليه لانهما تصادقا على حريته وكل واحد منهما يتبرأ من جهة السعاية ويدعى الضمان على شريكه لان يسار المعتق عندهما يمنع وجوب السعاية عليه وما ادعى كل واحد منهما من الضمان على شريكه لم يثبت لانكار شريكه وان كانا معسرين يسعى العبد في قيمته بينهما لان كل واحد منهما يدعى السعاية هنا فانه يقول شريكي معتق وهو معسر وان كان أحدهما موسرا والآخر معسرا يسعى للموسر منهما في نصف قيمته ولم يسع للمعسر في شئ لان الموسر يدعى السعاية فانه يقول شريكي معتق وهو معسر فلى استسعاء العبد في قيمة نصيبي وأما المعسر يتبري من السعاية ويقول شريكي معتق وهو موسر فحقي
[ 109 ] في الضمان قبله فلا يكون له أن يستسعى العبد بالتبرى منه ولا يجب الضمان له على شريكه بجحوده والولاء في جميع ذلك موقوف عندهما لان كل واحد منهما ينفى الولاء عن نفسه فان الولاء للمعتق وكل واحد منهما يزعم أن صاحبه هو المعتق فلهذا توقف الولاء وإذا أعتق أحد الشريكين العبد واختار الآخر تضمينه فاختلفا في قيمته يوم أعتقه فان كان العبد قائما نظر إلى قيمته يوم ظهر العتق حتى إذا لم يتصادقا على العتق فيما مضي يقوم للحال لان العتق حادث فيحال بحدوثه على أقرب أوقات ظهوره ووجوب الضمان بالافساد أو الاتلاف فيكون المعتبر قيمته وقت تقرر السبب وذلك عند ظهور العتق فلهذا يقوم في الحال وكذلك ان أراد أن يستسعى العبد ألا ترى أن له أن يعتق نصيبه الساعة فكذلك له أن يستسعى العبد في قيمة نصيبه الساعة ولو تصادقا انه أعتقه قبل هذا كان عليه نصف القيمة يوم أعتقه حتى إذا انتقصت قيمته بزيادة السن فانه لا تعتبر الزيادة والنقصان لان السبب الموجب للضمان على الشريك هو العتق فينظر إلى قيمته عند ذلك كما في المغصوب تعتبر قيمته يوم الغصب وان اختلفا في قيمته في ذلك الوقت فالقول قول المعتق لان القيمة عليه فكان القول قوله في مقداره كما في المغصوب وهذا لان الشريك يدعى عليه الزيادة وهو منكر وهذا بخلاف الشفعة فان المشترى لو أحرق البناء كان للشفيع أن يأخذ العرصة بحصتها من الثمن في قسمة الثمن وينظر إلى قيمة الارض في الحال ويكون القول في قيمة البناء قول المشتري لان الشفيع هناك يتملك على المشتري العرصة فهو يدعى لنفسه على المشترى حق التملك بأقل المالين والمشترى ينكر ذلك وهنا الساكت يملك المعتق نصيبه بالضمان فهو يدعى عليه حق التمليك فيه بأكثر المالين والمعتق منكر لذلك فان مات الذى لم يعتق قبل أن يختار شيئا كان لورثته من الخيار ما كان له لانهم قائمون مقامه بعد موته وليس في هذا توريث الخيار بل المعني الذى لاجله كان الخيار ثابتا للمورث موجود في حق الورثة فان شأوا أعتقوا وان شاؤا استسعوا العبد وان شاؤا ضمنوا المعتق فان ضمنوه فالولاء كله للمعتق لانه بأداء الضمان إليهم يتملك نصيبهم كما كان يتملك بالاداء إلى المورث وان اختاروا الاعتاق أو الاستسعاء فالولاء في هذا النصيب للذكور من أولاد الميت دون الاناث لان معتق البعض صار بمنزلة المكاتب والمكاتب لا تورث عينه وان كان يورث ما عليه من المال فانما عتق نصيب الساكت على ملكه والولاء يكون له فيخلفه في ذلك الذكور من أولاده دون الاناث إذا الولاء
[ 110 ] لا يورث وان اختار بعضهم السعاية وبعضهم الضمان فلكل واحد منهم ما اختار من ذلك لان كل واحد منهم فيما ناله قام الميت وهذا لان الملك بالارث يثبت حكما فيكون بمنزلة الملك بالضمان فكان أن نصيب الساكت يحتمل التمليك بالضمان من المعتق فكذلك يحتمل الانتقال إلى الورثة وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه ليس لهم ذلك الا أن يجتمعوا على التضمين أو الاستسعاء وهذا هو الاصح لانه صار بمنزلة المكاتب والمكابت لا يملك بالارث فكذلك هم لا يملكون نصيب الساكت بعد موته والدليل عليه فصل الولاء الذى تقدم أنه لا يثبت لهم بالاعتاق ابتداء ولكنهم خلف المورث يقومون مقامه وليس للمورث أن يختار التضمين في البعض والسعاية في البعض فكذلك لا يكون للورثة ذلك وفرع على تلك الرواية وقال لو أعتق أحد الورثة نصيبه لا يعتق ما لم يجتمعوا على اعتاقه بمنزلة المكاتب يعتقه أحد الورثة بعد موت المورث لا يعتق ولا يسقط به شئ من بدل الكتابة فهذا كذلك ولو لم يمت الساكت ولكن العبد مات قبل أن يختار الشريك شيئا فله أن يضمن المعتق قيمة نصيبه ان كان موسرا وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه ليس له أن يضمنه قيمة نصيبه بعد موت العبد ووجهه أن نصيبه باق على ملكه والضمان غير متقرر على الشريك ما لم يختر ضمانه فإذا هلك على ملكه فليس له أن يقرر الضمان على شريكه باختياره بعد ذلك وهذا لان صحة اختيار التضمين متعلق بشرط وهو أن يملك نصيبه منه بالضمان وقد فات هذا الشرط بموته لان الميت لا يحتمل التمليك وجه ظاهر الرواية أن وجوب الضمان عليه بالاعتاق لان السبب وهو الافساد قد تحقق به فكان ذلك بمنزلة الغصب وموت العبد بعد الغصب لا يمنع المغصوب منه من تضمين الغاصب وان كان التمليك منه من حكم ذلك الزمان فكذلك هنا وهذا لانه لما كان يضمنه من وقت العتق وكان محلا للتمليك عند ذلك فذلك الحكم لا يبطل بموته وان خرج به من أن يكون محتملا للتمليك في الحال فإذا ضمن المعتق رجع بما ضمن في تركة الغلام لان في حال حياته كان له أن يستسعيه فيما ضمن فإذا مات كان له أن يرجع به في تركته وان كان معسرا رجع الشريك بقيمة نصيبه في تركة الغلام لان السعاية له عليه مستحقة كبدل الكتابة فيستوفيه من تركته بعد موته وان كان العبد ترك مالا قد اكتسب بعضه قبل العتق وبعضه بعد العتق فما اكتسب قبل العتق بين الموليين نصفان لانه كان على ملكهما حين اكتسب هذا المال والكسب لمالك
[ 111 ] الاصل وما اكتسب بعد العتق فهو تركة العبد لانه اكتسبه فيكون ذلك له يرجع فيه الساكت أو المعتق إذا ضمن وما بقى فهو ميراث للمعتق لانه بالضمان ملك نصيب صاحبه فكان الولاء في الكل له وان اختلفا فيه فقال أحدهما هذا مما اكتسبه قبل العتق وهو بيننا وقال الآخر اكتسب بعده فهو بمنزلة ما اكتسب بعده لان الكسب حادث فيحال بحدوثه إلى أقرب الاوقات ومن ادعى فيه تاريخا سابقا لا يصدق الا بحجة وان اختلفا في قيمته والمعتق موسر فالقول قول المعتق لان العبد ميت لا يمكن تقويمه في الحال ليستدل بذلك على قيمته فيما مضي فيتعين ظاهر الدعوى والانكار والساكت يدعى لنفسه زيادة والمعتق منكر لذلك فان كان المعتق معسرا ولاكسب للعبد فنصف القمية دين للساكت على العبد ان ظهر له مال يستوفى منه وان لم يظهر فليس هذا بأول مدين هلك مفلسا وان كان العبد حيا فصالحه الساكت على أقل من نصف قيمته فهو جائز لانه استوجب عليه نصف قيمته فهو بالصلح أسقط بعض حقه واستوفى البعض وذلك يستقيم كما في الكتابة وان صالحه على أكثر من نصف قيمته بذهب أو ورق فالفضل باطل أما عندهما فلان الواجب له نصف القيمة شرعا فالصلح على أكثر من جنسه يكون ربا وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وان بقى له الملك في نصيبه ولكن العبد استحق العتق عند أداء نصف القيمة شرعا فلا يملك ابطال ذلك الاستحقاق بالصلح على أكثر منه وكذلك ان صالح المعتق على أكثر من نصف القيمة فالفضل مردود لان حقه قبل العتق يتقدر بنصف القيمة فالصلح على أكثر منه يكون رباثم هذا على أصلهما ظاهر فان الصلح على المغصوب الهالك على أكثر من قيمته لا يجوز عندهما فكذلك هنا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يفرق ويقول هناك المغصوب باق على ملك المغصوب منه ولم يستحق عليه تمليكه من الغاصب حتى ان له أن يبرئه من الضمان ليبقى هالكا على ملكه فإذا صالحه على أكثر من قيمته كان بدل الصلح بمقابلة ملكه وليس فيه ابطال حق مستحق شرعا فلا يتمكن فيه الربا وهنا الساكت غير متمكن من استبقاء نصيبه على ملكه ولكن يستحق عليه ازالته عن ملكه بنصف القيمة اما سعاية على العبد أو ضمانا يستوفيه من الشريك فإذا صالح على أكثر منه كان في هذا الصلح ابطال حق مستحق شرعا توضيحه ان المعتق يرجع على العبد بما يضمن فلو صححنا هذا الصلح رجع على العبد بالزيادة وكما ليس للساكت أن يلزم العبد أكثر من نصف القيمة بالصلح فكذلك لا يكون له ان يلزم من يرجع على العبد وان صالحه على
[ 112 ] عروض أكثر من نصف قيمته فهو جائز لانه لا يتمكن فيه الربا لاختلاف الجنس بخلاف ما إذا صالح على الذهب أو الورق وانما لا يجوز هناك أيضا إذا كانت الزيادة بقدر مالايتغابن الناس فيه فأما مقدار ما يتغابن الناس فيه عفولان ذلك يدخل تحت تقويم المقومين فلا يتيقن بالزيادة (قال) وان صالح العبد على شئ من الحيوان إلى أجل فهو جائز بمنزلة الكتابة قال عيسى هذا غلط فانه استحق السعاية على العبد وهو نصف القيمة فإذا صالح على حيوان كان ذلك بدلا عن نصف القيمة المستحق له ولا يئبت الحيوان دينا في الذمة بدلا عن ما هو مال ألا ترى أنه لو صالح المعتق على حيوان في الذمة لا يجوز فكذلك إذا صالح العبد وما ذكره في الكتاب أصح لان نصيب الساكت باق على ملكه فإذا صالح على حيوان إلى أجل فكأنه كاتبه عليه وهذا لانه ليس في هذا الصلح ابطال حق مستحق للعبد بخلاف ما إذا صالحه على أكثر من نصف قيمته وبخلاف ما إذا صالح المعتق على الحيوان لان هناك يملك نصيبه بما يصح العتق عليه والحيوان يثبت دينا في الذمة بدلا عن العتق وإذا أعتقه احدهما وهو معسر ثم أيسر فلا ضمان عليه لان صفة اليسارفى العتق تعتبر لايجاب الضمان فإذا انعدم وقت الاعتاق تقرر العتق غير موجب للمضان فلا يصير موجبا بعد ذلك كمن قطع يد مرتد ثم أسلم ثم مات وان قال المعتق أعتقت وأنا معسر وقال الشريك بل أعتقت وأنت موسر نظر إلى حاله يوم ظهر العتق اما لانه كالمنشئ للعتق في الحال أو لانه لما وقع الاختلاف فيما مضى يحكم الحال فإذا كان في الحال موسرا فالظاهر شاهد لمن يدعى اليسار فيما مضى وان كان معسرا في الحال فالظاهر شاهد لمن يدعى العسرة فيما مضى وهو كشرب الرحا مع المستأجر إذا اختلفا في جريان الماء في المدة يحكم الحال فان تصادقا على أن العتق كان سابقا منه في مدة قد يختلف حاله فيه فالقول قول المعتق في انكار يساره ولانه ينكر المعنى الموجب للضمان فهو كانكاره أصل الاعتاق (قال) وان كان موسرا يوم أعتقه فاختار الشريك ضمانه ثم بداله أن يبرئه ويستسعى الغلام لم يكن له ذلك وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى انه لو قضي القاضي له بالضمان أو رضى به المعتق فليس له ان يستسعى الغلام بعد ذلك والا فله ذلك قيل ما ذكره في الكتاب مطلقا محمولا على ذلك التفصيل وقيل بل المسألة على روايتين وجه ظاهر الرواية ان المخير بين الشيئين إذا اختار أحدهما تعين ذلك عليه كالغاصب مع غاصب الغاصب إذا اختار المغصوب منه تضمين
[ 113 ] أحدهما وهذا لانه باختياره التضمين يصير مملكا نصيبه من المعتق حتي يكون ولاؤه له والولاء لا يحتمل الفسخ فلا يمكنه الرجوع عنه بعد ذلك ومن ضروروة تمليكه منه اسقاط حقه في السعاية قبل العبد ووجه رواية محمد رحمهما الله تعالى ان التمليك منه لا يتم الا بالقضاء أو الرضا وان كان ذلك مستحقا شرعا كالتمليك بالاخذ بالشفعة وحقه في الضمان لا يتقرر ما لم يتم التمليك وسقوط حقه في الاستسعاء بناء على تقرر حقه في الضمان وكان أبو بكر الرازي رحمه الله تعالى يقول هكذا ينبغي في الغاصب وغاصب الغاصب أنه إذا اختار تضمين أحدهما فقبل القضاء أو الرضا ممن اختار ضمانه يكون له أن يرجع فيضمنه الآخر فاما إذا اختار استسعاء العبد فليس له أن يضمن الشريك بعد ذلك لانه ليس فيه تمليك من أحد بل فيه تقرير لملكه وابراء للمعتق عن الضمان وذلك يتم به كما لو أذن له في أن يعتق نصيبه ولو ان المعتق رجع على العبد بما لزمه من الضمان ثم أحل الساكت عليه ووكله بقبض السعاية منه اقتضاء من حقه كان جائزا والولاية للمعتق لانه بمنزلة المكاتب للمعتق والمولى إذا أحال غريما له بدينه على مكاتبه ليقبضه من بدل الكتابة كان صحيحا وكان صاحب الدين بمنزلة الوكيل يقبض له أولاثم لنفسه وان لم يختر شيئا حتي جرحه انسان كان الارش عليه للعبد لانه بمنزلة المكاتب لما عليه من السعاية اما للساكت أو للمعتق ومن جنى على مكاتبه أو على مكاتب غيره فعليه الارش يقبضه فيستعين به في سعايته ولا تكون جنايته اختيارا منه للسعاية لان موحب جنايته لا يختلف بالاستسعاء أو تضمين الشريك فليس فيه ما يدل علي اختيار السعاية وكذلك لو اغتصب منه مالا فيه وفاء بنصف قيمته أو أقرض العبد أو بايعه كان ذلك عليه للعبد لانه بمنزلة المكاتب له أو لغيره وهو على خياره لان موجب هذه المعاملة لا يختلف بالاستسعاء والتضمين ولو أعتق جزءا من عبده أو شقصا منه أو بعضه فعندهما يعتق كله وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى البيان إليه لان ما سمى يطلق على القليل والكثير منه فأي مقدار عنى منه يعتق ذلك القدر ويستسعيه فيما بقى وان أعتق سهما منه فالسهم في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالي السدس كما قال في الوصية بسهم من ماله وقد بينا هذا في الاقرار فيستسعيه في خسمة أسداس وإذا أعتق أمة بينه وبين آخر ثم ولدت فللشريك أن يضمن المعتق قيمة نصيبه يوم أعتق ولا يضمنه شيئا من قيمة الولد لانه ما صنع في الولد شيئا ولانه لم يثبت حق الشريك في الولد لانها كانت مكاتبة
[ 114 ] حين ولدت والمكاتبة أحق بولدها كما انها أحق بكسبها وإذا كان العبد بين ثلاثة رهط فاعتق أحدهم نصيبه ودبر الآخر وكاتب الآخر ولا يعلم أيهم أول فنقول اما على قول أبى حنيفة عتق المعتق في نصيبه نافذ ولا ضمان له علي أحد تقدم تصرفه أو تأخر وتدبير المدبر في نصيبه أيضا نافذ وهو مخير ان شاء استسعى العبد في ثلث قيمته مدبرا وان شاء ضمن المعتق فإذا اختار التضمين ضمنه سدس قيمته مدبرا ورجع على العبد بسدس قيمته استحسانا وفى القياس ليس له حق التضمين لان التدبير منه ان سبق فله حق تضمين المعتق وان تأخر فليس له حق تضمينه والضمان لا يجب بالشك ولان تدبيره مانع من تمليك نصيبه من المعتق بالضمان وهو شرط التضمين إذا سبق العتق وفى الاستحسان اعتبر الاحوال فقال من وجه هو قياس له ثلث قيمته وهو أن يكون التدبير سابقا ومن وجه لا يكون ضامنا شيئا فيضمنه سدس القيمة باعتبار الاحوال ومن وجه يستسعى العبد فيما بقي وهو سدس القيمة لانه يستوجب السعاية عليه على كل حال فأما المكاتب فان مضى العبد على كتابته يؤدى إليه مال الكتابة والولاء بينهم أثلاثا وان عجز كان للمكاتب أن يضمن المعتق والمدبر قيمة نصيبه نصفين إذا كانا موسرين لانه ليس أحدهما بوجوب الضمان عليه بأولى من الآخر ويرجعان على العبد بما ضمنا ويكون ولاؤه بينهما نصفين ولم يذكر قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في الكتاب وذكر في الزيادات إذا كان العبد بين اثنين أعتقه أحدهما ودبره الآخر ولا يعلم أيهما أول فعلى قول أبى يوسف يترجح العتق على التدبير فيكون ولاؤه للذى أعتقه وللمدبر أن يضمن شريكه نصف قيمته فيما إذا كان موسرا وعند محمد رحمه الله تعالى يجعل كأنهما وقعا معا ثم يغلب العتق فيعتق كله والولاء بينهما وللمدبر أن يعتق نصف قيمته مدبرا إذا عرفنا هذا فنقول الكتابة من الثالث أول عندهما وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يسبق العتق فيكون للمكاتب والمدبر ضمان قيمة الثلثين على المعتق والولاء كله للمعتق وعند محمد رحمه اله تعالى المكاتب يضمن المدبر والمعتق قيمة نصيبه بينهما نصفين كأنهما وقعا معا وقيل بل ذلك في نصيبه خاصة فأما في نصيب المكاتب العتق أقوى من التدبير فانما يضمن المعتق قيمة نصيبه إذا كان موسرا وان كان العبد بين خمسة رهط فأعتق أحدهم ودبر الآخر وكاتب الثالث نصيبه وباع الرابع نصيبه وقبض الثمن وتزوج الخامس على نصيبه ولم يعلم أيهم أول فنقول
[ 115 ] أما على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فحكم العتق والتدبير على مابينا في الفصل الاول الا أن التضمين والاستسعاء هناك في الثلث وهنا في الخمس لان نصيب المدبر الخمس هنا فأما في البيع فان تصادقا أنه كان بعد العتق والتدبير أو قال البائع كان قبل العتق والعبد في يده وقال المشترى كان بعده فالبيع باطل لان معتق البعض لا يباع فالمبطل للبيع ظاهر في الحال أو يجعل كأنهما وقعا معا فكان البيع باطلا وان تصادقا أنه كان قبل العتق والتدبير فالمشترى بالخيار ان شاء نقض البيع لتغير المبيع في ضمان البائع وان شاء أمضاه وأعتق نصيبه واستسعاه فيكون ولاؤه له وان شاء ضمن المعتق والمدبر قيمة نصيبه ان كانا موسرين إذ ليس أحدهما بوجب الضمان عليه بأولى من الآخر ويرجعان به على العبد وأما المرأة فان تصادقا أن التزويج كان بعد العتق أو التدبير فالنكاح صحيح ولها خمس قيمته على الزوج لانه تبين أنه تزوجها على من هو كالمكاتب وان تصادقا على أن التزويج كان قبل العتق والتدبير فلها الخيار للتغيران شاءت تركت المسمى وضمنت الزوج خمس قيمته وان شاءت أجازت وأعتقت واستسعت العبد في خمس قيمته وولاء خمسه لها وان شاءت ضمنت المعتق والمدبر خمس قيمته نصفين ثم لا تتصدق هي بالزيادة ان كانت بخلاف المشتري لان المشترى انما حصل له ذلك بمال فيتصدق بربح حصل لاعلى ضمانه والمرأة تملكت ذلك لا بأداء مال فلا يظهر الربح في حقها فأما نصيب المكاتب فهو على ما ذكرنا ان أدى البدل إليه عتق من قبله وان عجز كان له أن يضمن المدبر والمعتق قيمة نصيبه نصفين ان كانا موسرين وأما عند أبى يوسف ومحمد رحمهما لله تعالى فالجواب في العتق والتدبير على ما قلنا فأما البيع فان تصادقا أنه كان البيع أولا ثم العتق ثم التدبير فللمشترى الخيار وإذا اختار امضاء البيع ضمن المعتق خمس قيمته إذا كان موسرا ليس له الا ذلك وان تصادقا أنه كان البيع ثم التدبير ثم العتق واختار المشترى الامضاء للتدبير ضمن المدبر خمس قيمته موسرا كان أو معسرا ليس له الا ذلك وأما التزويج فان تصادقا أنه كان التزويج ثم العتق ثم التدبير فاختارت الاجازة ضمنت المعتق خمس القيمة ليس لها الا ذلك إذا كان موسرا وان كان معسرا استسعت الغلام في خمس القيمة وان كان التزويج ثم التدبير ثم العتق ضمنت المدبر خمس قيمته موسرا كان أو معسرا ليس لها الا ذلك وان تصادقا ان التزويج كان بعد العتق فعند أبى يوسف رحمه الله تعالى ترجع على الزوج بخمس القيمة وعند محمد
[ 116 ] رحمه الله تعالى لها مهر مثلها لانه ظهر أنه تزوجها على حر وقد بينا في كتاب النكاح اختلافهما فيما إذا تزوجها علي عبد فإذا هو حر فأما الكتابة فهو باطل عندهما كما بينا وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى للمكاتب أن يضمن المعتق قيمة نصيبه إذا كان معسرا وعند محمد رحمه الله تعالى يضمنه الاقل من قيمة نصيبه ومن بدل الكتابة على قياس ما يأتي بعد هذا من اختلافهم في المكاتب بين اثنين يعتقه احدهما ولو كان في العبد شريك سادس وهب نصيبه لابن له صغير لا يعلم قبل العتق كان أو بعده فالقول فيه قول الاب لانه هو المملك فان قال الهبة بعد العتق فهو باطل وان قال الهبة قبل العتق فالهبة جائزة ثم يقوم الاب في نصيب الابن مقام الابن ان لو كان بالغا في التضمين أو الاستسعاء وليس له حق الاعتاق فان كان المعتق والمدبر موسرين ضمنهما سدس قيمته للابن لان الاستسعاء بمنزلة الكتابة وللاب ولاية الكتابة في مال ولده وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد لم يكن للآخر أن يبيع نصيبه ولا يهبه ولا يمهره لانه صار بمنزلة المكاتب والمكاتب لا يحتمل التمليك بشئ من الاسباب فان كاتبه على أكثر من نصف قيمته طرح الفضل عنه لان هذا بمنزلة الاستسعاء منه وقد بينا أنه لو استسعاه وصالحه على أكثر من نصف قيمته دراهم أو دنانير فالفضل مردود وان كاتبه على عروض أكثر من نصف قيمته جاز كما لو صالحه من السعاية على عروض لان الفضل لا يتحقق هنا فان عجز عن الكتابة سقط عنه ما التزم من العروض ويجبر على السعاية في نصف القيمة كما كان قبل الكتابة ولا يكون له ان يضمن الشريك شيئا لان مكاتبته بمنزلة الاستسعاء منه واختياره السعاية يسقط حقه في تضمين الشريك فليس له أن يرجع فيه فيضمنه شيئا وكذلك لو كان قال قد اخترت السعاية فليس له ان يضمن الشريك بعد ذلك والخيار في هذا عند السلطان وعند غيره سواء لان الخيار ثابت للساكت شرعا فمن يختار بنفسه يكون ملتزما اياه ولو لم يختر واحدا منهما حتى يموت المعتق كان للساكت ان يرجع بالضمان في ماله لان حق التضمين قد ثبت له بالعتق في الصحة فلا يسقط ذلك بموته كسائر ديونه وإذا باع الذى لم يعتق نصيبه من المعتق أو وهبه على عوض أخذه منه فان هذا واختيار الضمان سواء في القياس لانه تمليك لنصيبه منه بعوض يستوفيه منه والتضمين ليس الاهذا غير ان هذا فحشهما لان في التضمين تمليكا حكما بسبب ذلك العتق وفى البيع والهبة بعوض تمليك مبتدأ بسبب ينشآنه في الحال ومعتق البعض لا يحتمل
[ 117 ] ذلك فباعتبار السبب كان هذا افحش وباعتبار حكم السبب كان هذا والتضمين سواء والمقصود الحكم دون السبب الا أنه ان كان العوض أكثر من نصف القيمة من الدراهم أو الدنانير فالفضل باطل كما بيناه في الصلح وان دبر الساكت نصيبه فتدبيره اختيار للسعاية لان موجب التضمين تمليك نصيبه من صاحبه بالضمان وقد فوت ذلك بالتدبير لانه استحق ولاء نصيبه فكان ذلك ابراء للمعتق عن الضمان واختيارا للسعاية وان كان العتق بعد التدبير ضمن المعتق نصف قيمته مدبرا ان كان موسرا لانه انما تعذر عليه استدامة الملك في نصيبه باعتاق المعتق وكان نصيبه عند الاعتاق مدبرا فلهذا ضمنه نصف قيمته مدبرا وان لم يعلم أيهما أول فهو على القياس والاستحسان الذى بينا في القياس لا ضمان على المعتق وفى الاستحسان يضمن ربع قيمته مدبرا ويرجع به المعتق على العبد وعلى العبد مثل ذلك للمدبر والولاء بينهما ولو كان العبد بين صغير وكبير فأعتقه الكبير وهو غنى وللصغير أب أو وصى فهو قائم مقامه في اختيار التضمين أو الاستسعاء وليس له أن يعتق لانه تبرع وذلك لا يثبت للاب والوصى في مال الولد فان لم يكن له أب ولا وصى استؤنى به بلوغه ليختار اما الضمان أو الاعتاق أو الاستسعاء وقيل هذا إذا كان في موضع لا قاضي فيه فان كان في موضع فيه قاض نصب القاضى له قيما يختار التضمين أو الاستسعاء فان ذلك أنفع للصبى لانه يتعذر التصرف في نصيب الصبى من العبد بعد العتق وكذلك ان كان مكان الصبي مكاتب أو عبد مأذون عليه دين فهو مخير بين الضمان والسعاية وليس له أن يعتق لانه تبرع لا يحتمله كسب المكاتب والمأذون فأما التضمين والاستسعاء فله ذلك في المكاتب لان المكاتب يملك أن يكاتب والاستسعاء بمنزلة الكتابة فأما في العبد المديون فينبغي أن يكون له حق التضمين فقط لان الاستسعاء بمنزلة الكتابة وليس للمأذون أن يكاتب ولكن قال سبب الاستسعاء قد تقرر وهو عتق الشريك على وجه لا يمكن ابطاله وربما يكون الاستسعاء أنفع من التضمين فلهذا ملك المأذون ذلك وان كان لا يملك الكتابة ابتداء وإذا اختار المكاتب أو المأذون التضمين أو الاستسعاء فولاء نصيبهما للمولى لانه ليس من أهل الولاء فثبت الولاء لاقرب الناس اليهما وهو المولى وان لم يكن على العبد دين فالخيار للمولى كما يكون بين حرين لان كسب العبد مملوك للمولى في هذه الحالة وإذا قال أحد الشريكين للعبد ان دخلت المسجد اليوم فأنت حر وقال له الآخر ان لم تدخل المسجد اليوم فأنت حرفمضى
[ 118 ] اليوم وقال كل واحد منهما حنث صاحبي فعلى قل أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يسقط نصف السعاية عن العبد وعند محمد رحمه الله تعالى لا يسقط عنه شئ من السعاية إذا كانا معسرين لان كل واحد من الشريكين شاهد على صاحبه بالعتق فلا يسقط شئ من السعاية عن العبد إذا كانا معسرين وهذا لان المقضي عليه بسقوط حقه في السعاية مجهول والقضاء بالمجهول لا يجوز ألا ترى أنه لو كان بينهما عبدان سالم وبزيع فقال أحدهما ان دخلت المسجد اليوم فسالم حر وقال الآخران لم تدخل اليوم فبزيع حر فمضى اليوم ولا بدرى أدخل أولم يدخل لا يسقط شئ من السعاية وعن العبد لجهالة المقضى عليه منهما فهذا مثله وهما يقولان تيقن القاضى بحنث أحدهما وسقوط نصف السعاية عن العبد ولا يجوز له أن يقضى بوجوب ما تيقن سقوطه كمن طلق احدى نسائه الاربع قبل الدخول ثم مات قبل أن يبين سقط نصف الصداق للتيقن به وان كان المقضى عليها منهن مجهولا ولكن لما كان المقضى له معلوما جاز القضاء به فهنا أيضا المقضى له بسقوط نصف السعاية عنه معلوم وهو العبد فيجوز القضاء به وان كان المقضى عليه مجهولا بخلاف العبدين فان الجهالة هناك في المقضى له والمقضى عليه جميعا فيمتنع القضاء لتفاحش الجهالة وبخلاف مالو شهد كل واحد منهما على صاحبه بالعتق لان هناك لم يتيقن بسقوط شئ من السعاية عن العبد لجواز أن يكونا كاذبين في شهادتهما وهنا تيقنا بسقوط نصف السعاية لان أحد الموليين حانث لا محالة ثم تخريج المسألة على قول أبى حنيفة أن العبد يسعى في نصف قيمته بينهما نصفين موسرين كانا أو معسرين أو كان احدهما موسرا والآخر معسرا لانه ليس أحدهما باسقاط حقه في السعاية بأولى من الآخر ويسار المعتق عنده لا يمنع وجوب السعاية على العبد فيتوزع الساقط عليهما نصفين ويكون الباقي وهو نصف القيمة بينهما نصفان وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى ان كانا معسرين فكذلك الجواب وان كانا موسرين لم يسع لواحد منهما في شئ لان كل واحد منهما يدعى الضمان على شريكه ويتبرى من السعاية فان يسار المعتق عنده يمنع وجوب السعاية وان كان أحدهما موسرا والآخر معسرا يسعى في ربع قيمته للموسر منهما لان المعسر يتبرأ من السعاية والموسر يقول شريكي معتق وهو معسر فلى حق استسعاء العبد فلهذا يسعى له في ربع قيمته وعند محمد رحمه الله تعالى ان كانا معسرين يسعى في جميع قيمته بينهما نصفان وان كانا موسرين لا يسعى لواحد منهما لان كل
[ 119 ] واحد منهما تبرأ من السعاية فان يسار المعتق عنده يمنع وجوب السعاية وان كان أحدهما موسرا والآخر معسرا يسعى في نصف قيمته للموسر منهما لان يدعى السعاية عليه ولا يسعي للمعسر في شئ لانه يتبرأ من السعاية ويدعى الضمان على شريكه فعليه اثباته بالحجة رجل أعتق عبده عند الموت ولا مال له غيره فأمر العبد موقوف في جنايته وشهادته ونكاحه بغير اذن المولى وهذا بخلاف مالو وهبه من انسان في مرضه فان الهبة تكون صحيحة حتى لو كانت جارية حل للموهوب له وطؤها بعد الاستبراء والاصل أن كل تصرف يحتمل النقض بعد نفوذه فهو نافذ من المريض لقيام ملكه في الحال والهبة من هذا النوع وكل تصرف لا يحتمل النقض بعد نفوذه يتوقف من المريض لان حاله متردد بين أن يبرأ فيكون متصرفا في حق نفسه أو يموت فيكون متصرفا في حق ورثته ولا يمكن دفع الضرر عن الورثة بالابطال بعد النفوذ لان هذا النوع من التصرف لا يحتمل ذلك فيدفع الضرر عنهم يتوقف حكم التصرف على ما يتبين في الثاني والعتق من هذا النوع فيوقف منه حتى إذا برئ من مرضه تبين أنه كان نافذا وان حاله في الجناية والشهادة كحال الحر وان مات من مرضه وهو يخرج من ثلثه وكذلك ان لم يكن له مال سواه فعليه السعاية في ثلثي قيمته لان العتق في المرض وصية لا تنفذ الا من الثلث وما دام يسعى فهو كالمكاتب لان سعايته في بدل رقبته فهو بمنزلة معتق البعض يكون كالمكاتب مادام يسعى بخلاف المرهون يعتقه الراهن وهو معسر فهو وان كان يسعى في الدين إلا أن السعاية هناك ليس في بدل الرقبة بل في الدين الذى هو على الراهن ولهذا يرجع عليه إذا أيسر فلا يمنع سلامة الرقبة له وهنا السعاية في بدل الرقبة فلا تسلم له رقبته ما لم يؤدها وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد في مرضه ثم مات وهو موسر لم يضمن حصة شريكه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال هو ضامن لشريكه قيمة نصيبه تستوفى من تركته لان هذا ضمان الاتلاف والافساد فإذا تقرر سببه من المريض كان هو والصحيح سواء كضمان المغصوب والمتلفات وهذا ضمان التملك فيستوى فيه الصحيح والمريض كالضمان بالاستيلاد والحجر بسبب المرض لا يكون أعلى من الحجر بسبب الرق ثم المكاتب لو كاتب نصيبه كان ضامنا لنصيب شريكه فالمريض أولى وحجة أبى حنيفة رحمه الله ما قال في الكتاب من قبل ان الضمان لو وجب لوجب ان يكون من مال الورثة يعنى ان تركته تنتقل إلى ورثته بالموت فلو استوفى ضمان العتق انما يستوفى من مال الوارث
[ 120 ] ولا سبب لوجوب هذا الضمان على الوارث (فان قيل) لا كذلك بل هذا دين لزمه فيمنع انتقال المال إلى وارثه (قلنا) ما لزمه شئ قبل ان يختار الشريك ضمانه ولو لزمه فهذا ليس بدين صحيح يتقرر ألا ترى ان العسرة تمنع وجوبه ومثل هذا الدين لا يمنع ملك الوارث ثم تقريره من وجهين أحدهما ان هذا في الصورة دين وفى المعنى صلة لان وجوبها لا كمال الصلة وهو العتق والصلة وان تقرر سببها في حياته يجعل كالمضاف إلى ما بعد الموت حتى يتعين من الثلث ولهذا الحرف قال ابن أبى ليلى رضى الله تعالى عنه ان كان الضمان يخرج من ثلث ماله يجب والا فلا ولكنا نقول لكونه في حكم الصلات لا يمنع نقل الملك إلى الوارث ولا يجوز استيفاؤه من مال الوارث لما قلنا ولان المرض أنفى للضمان من الفقر حتى ان الفقر لا يمنع ضمان الكفالة والمرض يمنع منه فيما زاد على الثلث فإذا كان الفقر ينفى وجوب الضمان للعتق اصلا فلان ينفيه من مرض الموت أصلا أولى وهذا بخلاف المكاتب لان الضمان هناك يجب في كسبه وهو أحق بكسبه يدا وتصرفا انما ينعدم بسبب الرق حقيقة الملك والغنا وقد بينا انه لا معتبر بالغنا في وجوب ضمان العتق انما المعتبر هو اليسر والاداء على المكاتب متيسر هناك من كسبه والمكاتب فيما يتقرر منه من أسباب الصلة كالحر ألا ترى أن المحاباة اليسيرة تصح منه بالاتفاق ومن المريض تعتبر من ثثه وهذا بخلاف مالو كان العتق في الصحة فان الضمان يستوفى من تركته بعد موته لان السبب هناك تقرر في حال كونه مطلق التصرف في الصلات فيتقرر وجوبه عليه ألا ترى أنه لو كفل بمال في صحته فهو معتبر من جميع ماله بخلاف ما إذا كفل في مرضه فهذا مثله وإذا أعتق أحد الشريكين العبد ثم اختلفا فقال المعتق أعتقته وأنا معسر عام أول ثم أصبت مالا بعد ذلك وقال الآخر بل أعتقته عام أول وانت موسر فاقول قول المعتق لان حاله يتبدل في مثل هذه المدة وان أقاما البينة فالبينة بينة الساكت لانه يثبت اليسار والضمان لنفسه بسببه وإذا كان العبد بين رجلين فقال أحدهما ان لم أضربه اليوم فهو حر وقال الآخر ان ضربته سوطا فهو حر فضربه سوطين ثم مات منهما ففي المسألة حكمان حكم العتق وحكم الجناية أما حكم العتق أنه يعتق نصيب الذى لم يضربه لوجود شرط حنثه حين ضربه سوطا وان كان موسرا فللضارب الخيار بين أن يضمنه نصف قيمته مضروبا سوطا وبين أن يستسعى العبد في ذلك لانه انما صار معتقا له وهو منقوص بضرب السوط الاول وقد بينا أن ايجاد الشرط
[ 121 ] من الضارب لا يسقط حقه في الضمان فلهذا كان له أن يضمنه نصف قيمته مضروبا سوطا وأما حكم الجناية فان الضارب يضمن نصف ما نقصه السوط لاول لشريكه في ماله لان جنايته بضرب السوط الاول لا قى ملكا مشتركا بينهما ثم قد انقطعت سراية هذه الجناية بالعتق بعدها والجناية على المماليك فيما دون النفس لا تعقله العاقلة فلهذا يضمن له نصف النقصان بالسوط الاول في ماله ثم يضمن ما نقصه السوط الآخر كله لانه صار بمنزلة المكاتب حين أعتق نصيبه وجنايته على مكاتبه وعلى مكاتب غيره موجبة للمضان عليه ويضمن نصف قيمته بعد السوطين لانه مات من السوطين جميعا واحدهما صار هدرا والاخر معتبر فيضمن نصف قيمته مضروبا سوطين ويجمع ذلك مع نقصان السوط الثاني فيكون على العاقلة لان الجناية الثانية صارت نفسا فما يجب باعتبارها يكون على العاقلة وهذا تركة العبد يستوفي منه الشريك ما ضمن لانه كان له حق الرجوع على العبد بما ضمن لشريكه فيرجع في تركته بعد موته وما بقى بعده فهو ميراث للمعتق لان الولاء قد صار له في الكل وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يغرم نقصان السوط الثاني لانه بعتق البعض عتق كله والنقصان غير معتبر في الجناية على الاحرار ولكن يجب نصف ديته على عاقلته فان كان له وارث فهو لوارثه والا فهو للمعتق ولا يرجع فيه بشئ مما ضمن لشريكه وان كان المتعق معسرا فان الشريك الذى لم يعتق لم يرجع بما غرمه من نقصان السوط الآخر ومن نصف قيمته مضروبا سوطين بل بنصف قيمة العبد لانه كان حق استسعاء العبد في ذلك فيستوفيه من تركته وما بقى فهو بين الشريك والمعتق وبين أقرب الناس إلى الضارب من العصبة لان الولاء بينهما ولكن الضارب قاتل فيكون محروما عن الميراث ويجعل كالميت فيقوم أقرب عصبة مقامه في ذلك وعندهما الواجب نصف الدية يستوفى منه الضارب نصف القيمة وهو السعاية وما بقى فهو كله للمعتق لان الولاء في الكل له عندهما وإذا قال كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حرفملك مملوكا مع غيره لا يعتق لان شرط عتقه أن يملك مملوكا مطلقا ونصف الملك لا يتناوله هذا الاسم فان اشترى نصيب شريكه عتق لان الشرط قدتم حين صار الملك في الكل له ولا فرق بين أن يملك المملوك جملة أو متفرقا وان باع نصيبه أولا ثم اشترى نصيب شريكه لم يعتق لانه لم يحصل في ملكه مملوك تام في شئ من أحواله والعرف الظاهر بين الناس أنهم يريدون بهذا اللفظ الملك التام ولو قال لمملوك بعينه إذا ملكتك فأنت حر فاشترى
[ 122 ] نصفه ثم باع ثم اشترى النصف الباقي عتق لان الشرط قدتم حين اشترى النصف الباقي والموجود في ملكه هذا النصف يعتق والقياس في المعين وغير المعين سواء غير أنه استحسن وفرق بينهما بحرفين (أحدهما) أن الوصف في المعين غير معتبر والاجتماع في الملك وصف فيعتبر ذلك في غير المعين ولا يعتير في المعين (والثاني) العادة فان الانسان يقول ما ملكت قط مائة درهم ولا يريد بذلك مجتمعا لا متفرقا وفى المعين لا يقول ما ملكت هذه المائة درهم إذا كان ملكها متفرقا وان قال ان اشتريته فهو حر فاشتراه شراء فاسدا لم يعتق لان شرط حنثه تم قبل أن يقبضه ولا ملك له في القبض ألا ترى أنه لو أعتقه لا ينفذ عتقه فان كان في يده حين اشتراه عتق ومراده إذا كان مضمونا بنفسه في يده حتى ينوب قبضه عن قبض الشراء فيصير متملكا بنفس الشراء فيعتق لوجود الشرط وإذا جنى المستسعى فهو بمنزلة المكاتب يحكم عليه بالاقل من أرش الجناية ومن قيمته لازالرق فيه باق وهو أحق بمكاسبه فيكون كالمكاتب في جنايته ألاتري أنه كالمكاتب في الجناية عليه فان جنى جناية أخري بعد الحكم بالاولى حكم في الثانية بمثل ذلك لان الاولى بالقضاء تحولت إلى كسبه فتتعلق الثانية برقبته وان لم يكن حكم بالاولى تحاصا في القيمة لانهما تعلقا برقبته فلا يلزمه باعتبارهما الاقيمة واحدة وبيان هذه الفصول في كتاب الديات وان حفر بئرا في غير ملكه فوقع فيه انسان فعليه أن يسعى في قيمته لانه متعد فيه فهو في حكم الضمان كجنايته بيده وان وقع فيه آخر اشتركوا في تلك القيمة لاستناد الجنايتين إلى سبب واحد وهو الحفر ولا يجب بالسبب الواحد الا قيمة واحدة وان وجد في داره قتيل سعى في قيمته لان التدبير في حفظ داره إليه فكان حكم القتيل الموجود فيها كحكم الذي جنى عليه بيده وما أفسد من الاموال فهو عليه بالغا ما بلغ لانه بمنزلة المكاتب في ذلك كله عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما هو حرفي جميع أحكامه وإذا أعتق أحد الشريكين الجارية وهى حامل ثم أعتق الآخر ما في بطنها ثم أراد ان يضمن شريكه نصف قيمة الام لم يكن له ذلك وهذا اختيار منه للسعاية لانه باعتاق الجنين استحق ولاءه وهو في حكم جزء من اجزاء الام ولو اكتسب سبب الولاء في جزء منها سقط حقه في تضمين الشريك ولانه منع تمليك ما في بطهنا من الشريك بالضمان فلهذا صار به مختار للسعاية ولو أعتقا جميعا ما في بطنها ثم أعتق احدهما الام وهو موسر كان لصحابه أن يضمنه نصف قيمتها ان شاء لان بعد اعتاق الجنين كانا يتمكنان
[ 123 ] من استدامة الملك فيها والتصرف بعد الوضع وقد امتنع على الساكت ذلك باعتاق الشريك وهو موسر فكان له أن يضمنه نصف قيمتها ان شاء والحبل نقصان في بنات آدم لا زيادة فانما يضمنه نصف قيمتها حاملا لانه أعتقها وهي على هذا الصفة والله أعلم بالصواب (باب الشهادة في عتق الشركاء) (قال) وإذا شهد الشاهدان ان أحد الشريكين أعتق العبد ولا يدرون أيهما هو وجحد الموليان لم تجز شهادتهما لانهما لم يبينا المعتق منهما والحجة هي البينة فما لا تكون مبينة لا تكون حجة ولان الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء ولا يتمكن القاضى من الايجاب على المجهول فان شهد أحد الشريكين على صاحبه بالعتق لم تجز شهادته لانه في الحقيقة يدعى اما الضمان على شريكه أو السعاية على العبد في نصيبه ولكن الرق يفسد باقراره لانه متمكن من افساد الرق باعتاقه فإذا أقر بفساد الرق باعتاق الشريك يعتبر اقراره في ذلك ثم يسعى العبد في قيمته بينهما في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى موسرين كانا أو معسرين أو كان احدهما موسرا والآخر معسرا لان يسار المعتق عنده لا يمنع وجوب السعاية فالشاهد منهما يقول شريكن معتق ولى حق استسعاء العبد مع يساره والمشهود عليه يقول الشاهد كاذب ولا ضمان لى عليه ولكن لى حق استسعاء العبد لاحتباس نصيبي عنده وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ان كان المشهود عليه معسرا فكذلك الجواب وان كان موسرا يسعى للمشهود عليه في نصف قيمته ولا يسعى للشاهد في شئ لان الشمهود عليه يدعى السعاية مع يسار الشاهد فانه يزعم أنه كاذب وليس بمعتق فلا يضمن شيئا مع يساره فان الشاهد تبرأ من السعاية عند يسار المشهود عليه لانه يقول هو معتق ضامن لنصيبي ويدعي السعاية عند عسرة المشهود عليه فيسعى له في هذه الحالة ولو شهد أحد الشريكين مع آخر على شريكه باستيفاء السعاية لم تجز شهادته عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانه شهد لعبد فانه بمنزلة المكاتب لهما ما دام يسعى والمكاتب عبد لمولاه ولانه متهم فلعله قصد استخلاص كسبه لنفسه بشهادته على صاحبه بالاستيفاء وكذلك لو شهد عليه بغصب أو جراحة أو شئ يجب به عليه مال فشهادته مردودة لانه شاهد لعبده عبد بين ثلاثة شهد اثنان منهم على صاحبهما أنه أعتقه فحكم على العبد أن يسعى لهم في قيمته فأدى إلى واحد منهم شيئا كان
[ 124 ] ذلك بينهم أثلاثا لان السعاية وجبت لهم عليه بسبب واحد فيكون المستوفى مشتركا بينهم ولانه بمنزلة العبد لهم فلا يكون لاحدهم حق الاختصاص بشئ من كسبه فان شهد اثنان منهم على الآخر أنه استوفى منه حصته لم يجز شهادتهما من قبل أنهما يجران إلى أنفسهما منفعة حتى يأخذ منه ثلثى ما استوفاه وكذلك ان شهدا أنه استوفي المال كله بوكالة منهما لم تجز شهادتهما عليه لما قلنا ويبرأ العبد من حصتهما لاقرارهما فيه بقبض مبرئ فان قبض وكليهما في براءة المديون كقبضهما ويستوفى المشهود عليه حصته من العبد ولا يشاركه في ذلك الشاهدان لانهما أسقطا حقهما بالشهادة السابقة ولانهما يزعمان أنه ظالم في هذا الاستيفاء لا حق له فيه ولا لهما وان شهدا بدين لهذا العبد على أجنبي لم تقبل لانه بمنزلة عبدهما مادام يسعى وإذا شهد شاهدان عل أحد الشريكين أن شريكه الغائب أعتق حصته من هذا العبد فعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تقبل هذه الشهادة ويقضي بعتقه لان العتق عندهما لا يتجزأ فينتصب الحاضر خصما عن الغائب وهما في الحقيقة يشهدان على الحاضر بعتق نصيبه وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تقبل هذه الشهادة لان العتق عنده يتجزأ فانما يشهدان بعتق نصيب الغائب خاصة وليس عنه خصم حاضر والقضاء على الغائب بالشهادة لا يجوز ولكن يحال بينه وبين هذا الحاضر أن يسترقه ويوقف حتى يقدم الغائب استحسانا وفي القياس لا يحال لان هذه الحيلولة تنبني على ثبوت العتق في نصيب الغائب ولا يثبت ذلك بالشهادة بدون القضاء ولكن في الاستحسان قال هما يشهدان على الغائب بالعتق وعلى الحاضر بقصر يده عنه لان معتق البعض بمنزلة المكاتب لايد عليه لمولاه والحاضر خصم في اثبات قصر يده عنده فتقبل هذه الشهادة في هذا الحكم إذ ليس من ضرورة القضاء بها القضاء على الغائب بالعتق فهو نظير من وكل بعتق عبده فأقام العبد البينة على الوكيل أن مولاه أعتقه لا يحكم بعتقه ولكن يحكم بقصر يد الوكيل عنه حتي يحضر المولى فتعاد عليه البينة فكذلك هنا إذا حضر الغائب فلا بد من اعادة البينة عليه للحكم بعتقه لان الاولى قامت على غير خصم فان كانا غائبين فقامت البينة على احدهما بعينه أنه أعتق العبد لم تقبل هذه الشهادة الا بخصومة تقع من قبل قذف أو جناية أو وجه من الوجوه فحينئذ تقبل البينة إذا قامت على ان الموليين اعتقاه أوان أحدهما اعتقه واستوفى الآخر السعاية منه لان الخصم الحاضر لا يتمكن من اثبات ما يدعيه على العبد الا باثبات حريته والعبد لا يتمكن من دفعه الا بانكار حريته
[ 125 ] فينتصب خصما على الغائبين في ذلك وإذا شهد شاهد على أحد الشريكين أنه أعتقه وشهد آخر على الشريك الآخر أنه أعتقه لم يحكم بشهادتهما اما على مذهب أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يشكل لان المشهود به مختلف والمشهود عليه كذلك واما عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فلان أحدهما شهد بعتق يبرأ فيه من نصيب زيد إلى نصيب عمرو والآخر شهد بعتق يبرأ فيه من نصيب عمرو إلى نصيب زيد ولم يتفق الشاهدان علي واحد من الامرين فلا يحكم بشهادتهما وان كان العبد لمسلم ونصراني شهد نصرانيان عليهما بالعتق جازت شهادتهما على النصراني لان شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض مقبولة وشهادتهم على المسلمين مردودة فأنما يثبت العتق في نصيب النصراني خاصة فهذا ومالو شهدا عليه أنه أعتق نصيبه سواء حتي يخير المسلم بين الاعتاق والتضمين والاستسعاء فان شهدا علي المسلم منهما بانه أعتق نصيبه فالشهادة باطلة والعبد مملوك لهما على حاله بخلاف ما إذا شهد النصراني على شريكه بالعتق فان ذلك اقرار منه في نصيبه بفساد الرق والاقرار يلزم بنفسه قبل القضاء وهذه شهادة لا توجب شيئا الا بالقضاء وليس للقاضى أن يقضى على المسلم بشهادة النصراني ولو شهد نصرانيان على شهادة مسلمين ان النصراني أعتقه فهذا باطل لانهما يثبتان شهادة المسلمين عند القاضى وكمالا يثبت قضاء القاضى على المسلمين بشهادة النصراني وان كان الخصم نصرانيا فكذلك لا تثبت شهادة المسلمين بشهادة النصراني وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر ادعى أحدهم أنه أعتق نصيبه على ألف وشهد له شريكاه على العبد فالشهادة جائزة لان نصيبه من العبد قد عتق باقراره وانما بقى دعواه المال عليه فالآخران يشهدان بالمال على احدهما ولاتهمة في هذه الشهادة ولو شهد ابنا أحد الشركاء ان أباهما قد أعتق العبد بغير جعل جازت شهادتهما لانهما يشهدان على أبيهما وشهادة ابن العبد بالعتق تقبل ان كان العبد ينكر ذلك والمولى يدعيه وان كان العبد يدعى ذلك لا تقبل لانهما يشهدان لابيهما وكذلك ان شهدا بوجود شرط العتق بعد ظهور التعليق فانما يشهدان لابيهما فلا تقبل شهادتهما ولو ادعى المولى أنه أعتقه بألف درهم وقال العبد اعتقني بغير شئ فشهد ابنا المولى للعبد بما ادعى وأقام الاب شاهدين على أنه أعتقه بألف درهم فانه يؤخذ له بالالف لانه يثبت المال بينة والعبد ينفى المال بما يقيم من البينة وعند التعارض يرجح بين البينتين وإذا كانت بين رجلين فشهد ابنا
[ 126 ] أحدهما على الشريك انه أعتقها فشهادتهما باطلة لانهما شهدا لامة أبيهما ولانهما يشهدان لابيهما بثبوت حق التضمين له قبل الشريك ان كان موسرا ولو شهدا على أبيهما انه أعتقها جاز ذلك لانه لاتهمة في شهادتهما على أبيهما فان كان الاب موسرا ثم ماتت الخادم وتركت مالا وقد ولدت بعد العتق ولدا فأراد الشريك أن يستسعى الولد فليس له ذلك كما في حياة الام لم يكن له سبيل على استسعاء الولد فكذلك بعد موتها إذا خلفت مالا ولكنه يضمن الشريك كما كان يضمنه في حياتها ثم يرجع الشريك بما يضمن في تركتها كما كان يرجع عليها لو كانت حية وما بقى فهو ميراث للابن لان باداء ما عليها من السعاية يحكم بعتقها وعتق ولدها مستندا إلى حال حياتها على ما نبينه في المكاتبة وان لم تدع مالا رجع بذلك على الابن لان الابن مولود في الكتابة والمولود في الكتابة يسعي فيما على امه بعد موتها لانه جزء من أجزائها فبقاؤه كبقائها ولانه محتاج إلى تحصيل العتق لنفسه ولا يتوصل إلى ذلك الا باداء ما على أمه وان لم تمت فاختار الشريك أن يستسعيها فهى بمنزلة المكاتبة في تلك السعاية والحاصل أن بعد موتها ليس للشريك أن يستسعيها باعتبار بقاء الولد وفى حال حياتها له أن يستسعيها لان حق الاستسعاء باعتبار احتباس نصيب الشريك عندها وذلك لا يتحقق بعد موتها ولا حق للشريك في ولدها فلهذا لا يستسعيها باعتبار بقاء الولد ولا باعتبار بقاء المال ولكنه يضمن الشريك وأما في حال حياتها فقد تقرر احتباس نصيب الشريك عندها فكان له ان يستسعيها وهى بمنزلة المكاتبة مادامت تسعى حتى ليس لها أن تتزوج بدون اذن مولاها وان ولدت فولدها بمنزلتها وان اشترت أباها أو أمها أو ولدها فليس لها أن تبيعهم ولو اشترت أخاها أو ذا رحم محرم منها فلها أن تبيعهم في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى استحسانا وليس لها ذلك في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وهو القياس أصل المسألة في المكاتب وجه قولهما أن الحر لو اشترى أخاه يصير في مثل حاله فكذلك المكاتب إذا اشترى أخاه يصير في مثل حاله ألا ترى أن في الآباء والاولاد لا يفصل بين المكاتب وبين الحر حتى يصير في مثل حاله في الوجهين فكذلك في كل ذى رحم محرم لان القرابة المتأيدة بالمحرمية بمنزلة الولاد في استحقاق الحرية كما في استحقاق العتق بها وهذا لان ما للمكاتب من الحق في كسبه يحتمل الكتابة حتى لو كاتب عبده صح كما أن ما للحر من الملك يحتمل العتق فإذا سوى هناك بين الاخوة والآباء في اثبات ما يحتمله ملك الحر
[ 127 ] فكذلك يسوى بينهما هنا في اثبات ما يحتمله كسب المكاتب وجه الاستحسان لابي حنيفة ان من تكاتب عليه يكون تبعا له ان الكتابة لا تكون الا ببدل وليس عليه شئ من البدل فعرفنا أنه تبع ومعنى الاصالة والتبعية يتحقق فيما بين الآباء والاولاد لاجل الجزئية فيستقيم أن يتكاتب عليه بسبب الجزئية فأما معنى الاصالة والتبعية لا يتحقق بين الاخوة وسائر القرابات فلا يتكاتب أحدهما على الآخر والثانى أن المكاتب كسائر الاباء والاولاد يثبت باعتبار الكسب على أن يوفى بعد ظهور الملك فان الابن إذا كان مكتسبا يقضى عليه بنفقة أبيه على أن يملك بالاكتساب فيؤدى فكذلك هنا ثبت حق الآباء والاولاد في الكسب على أنه متي ثبت الملك بالعتق عتق عليه فيمتنع بيعهم لهذا ولا يثبت حق الاخوة في الكسب على أن يوفي من الملك إذا ظهر فكذلك لا يثبت حق الاخوة في كسب المكاتب ولا يمتنع عليه بيعهم ولا يدخل على هذا الكلام أنه لا يقضى على المكاتب بالنفقة لآبائه وأولاده الاحرار لان الاستحقاق بالكسب على ان يقضى من الملك وهنا لو قضى عليه بالنفقة لزمه ذلك قبل تمام الملك له بالعتق وذلك لا يجوز لان ماله من الحق قبل العتق لا يحتمل الصلة التامة توضيحه أن الاقارب يكثرون فلو تعذر عليه بيعهم إذا دخلوا في ملكه أدى إلى تفويت المقصود بالتكابة وهو تحصيل المال ليؤدي فيعتق ولا يوجد مثل ذلك في الآباء فلهذا استحسن أبو حنيفة رحمه الله تعالى وان اشترت زوجها لم يفسد النكاح ولها أن تبيعه كالمكاتب لانه انما يثبت لها حق الملك في رقبة الزوج وحق الملك لا يرفع النكاح لانه أضعف منه والضعيف لا يرفع القوى إذا طرأ عليه وان كان عبد على هذه الصفة فاشترى امرأته كان له أن يبيعها ان لم تكن ولدت منه وان كانت ولدت منه فاشترى ولدها معها فهى بمنزلته لان حق الام تبع لحق الولد وثبوت التبع بثبوت المتبوع وقد امتنع عليه بيع الولد فيمتنع عليه بيع الام أيضا وان كفل عن المستسعى رجل بسعايته لمولاه فهو باطل لان السعاية كبدل الكتابة والكفالة ببدل الكتابة باطلة لانه عبده فلا يتقرر عليه دينه فهذا مثله وان مات ولم يترك مالا حاضرا وترك دينا على الناس فلم يختصموا في أمره حتى خرج الدين فهو بمنزلة المال الحاضر يؤدى منه سعايته ويكون ما بقى ميراثا والولد الحر والمولود في السعاية والمشترى في ذلك سواء لان الكل يعتقون بعتقه ثم يجر ولاء ولده الحرلان الاب في الولاء أصل كما في النسب وانما كان ولاؤه لموالى الام لعدم الولاء
[ 128 ] في جانب الاب فإذا ظهر الولاء في جانبه انجر إليه ولاء أولاده وسنقرر هذا في موضعه وان لم يخرج الدين حتى جني ولده الحر كانت الجناية على عاقلة أمه لانه مولى لموالى الام ما لم يظهر له ولاء في جانب الاب فان اختصم موالى الام وموالى الاب في ولايته قبل خروج الدين فقضي به الموالى الام ثم خرج الدين بعد ذلك كان الدين لموالى الاب كله لا يكون للابن فيه شئ في القياس ولكنا ندع العتاقين ونجعل السعاية للمولى وما بقى ميراثا للابن وجه القياس ان القاضي لما حكم بولائه لموالى الام فقد حكم برق الاب إلى هذا الوقت وهو ميت والرقيق لا يرثه الحر توضيحه انه قطعه عن جانب الاب حين قضى بولائه لموالى الام وقضي بجنايته عليهم ووجه الاستحسان ان حكم الكتابة فيه لكونه معتق البعض وذلك لا يحتمل الفسخ فيبقى بعد قضاء القاضى حكم الكتابة فيه على حاله فإذا خرج ماله يؤدى كتابته ويحكم بحريته مستندا إلى حال حياته لانه لا يمكن الحكم بحريته مقصورا على الحال فتبين أنه مات حرا والحر يرثه ابنه الحر والقاضى ما قضى بقطع نسبه عن أبيه ولو كان العبد في سعاية وله ولد من أمة له ثم مات العبد كان للابن ان يسعي فيما على أبيه بمنزلة المولود في الكتابة ولو كان عبد وأمة زوجين لرجل واعتق نصف كل واحد منهما وقضى عليهما بالسعاية في نصف قيمتهما ثم ولدت ولدا فقتل الولد وترك مالا فديته وماله لامه لان الولد جزء من أمه يتبعها في الملك والرق ولم يعتق فكان تابعا لامه داخلا في سعايتها فلهذا كان بدل نفسه وماله لها ولو جنى الولد جناية سعي في الاقل من قيمته ومن الجناية لانه بمنزلة المكاتب وهذا هو الحكم في جناية المكاتب ولو مات أبواه سعى فيما بقى على أمه دون أبيه يتبعها في حكم الكتابة دون الاب فيقوم مقامها في السعاية فيما عليها ولو ماتت أمه عن مال أدي منه سعايتها وما بقى فهو ميراث للابن لانه يعتق بعتقها ولا ميراث للزوج منها لان الزوج مكاتب ما لم يؤد السعاية وان مات الزوج عن مال يؤدى ما عليه من سعايته وما بقي ميراث لمعتقه لا يرث ابنه ولا امرأته من ذلك شيئا لانهما بمنزلة المكاتبين ما لم تؤد الام سعايتها وهذا ومالو كوتب الزوجان كل واحد منهما بعقد على حدة سواء في جميع ما ذكرنا وذكر في الاصل عن إبراهيم ان معتق النصف إذا جني فنصف جنايته على العاقلة والنصف عليه وإذا جنى عليه فارش نصف الجناية عليه ارش العبيد وارش النصف الآخر ارش الاحرار وكانه اعتبار البعض بالكل ولسنا نأخذ بهذا بل هو بمنزلة العبد في الجناية
[ 129 ] والجناية عليه لان بين الحرية والرق في محل واحد منافاة وقد قررناه فيما سبق وإذا شهد الشاهدان على أحد الشريكين أنه أقر بعتق المملوك وهو موسر جاز ذلك وثبوت اقراره بالبينة كثبوته بسماع القاضي منه ويضمن لشريكه ان كان موسر نصف قيمته ويرجع به على الغلام والولاء له وان كان جاحدا للعتق لان القاضى حكم عليه بخلاف زعمه وبقضاء القاضى سقط اعتبار زعمه بخلافه ألا ترى أن العبد لو كان كله له فشهدا عليه بعتقه كان الولاء له وان كان منكرا وان شهدا أنه أقر أنه حر الاصل عتق ولا ولاء له لان الثابت من اقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة وانما يقضي القاضى على المقر بما يقربه ويجعله في حقه كانه حق وحرية الاصل لا تعقب الولاء وان شهدوا على اقراره أن الذى باعه كان أعتقه عتق كما لو سمع القاضى اقراره بذلك وهذا لانه أقر بنفوذ العتقن فيه ممن كان مالكا له وولاؤه موقوف لان كل واحد منهما ينفيه عن نفسه فان البائع يقول أنا ما أعتقته وانما عتق باقرار المشترى فله ولاؤه المشترى يقول بل أعتقه البائع فالولاء له فلهذا توقف ولاؤه على أن يرجع أحدهما إلى تصديق صاحبه فيكون الولاء له لان الولاء لا يحتمل النقض بعد ثبوته فلا يبطل بالتكذيب أصلا ولكن يبقى موقوفا فإذا صدقه ثبت منه وان شهدا على اقراره أن البائع كان دبره أو كاتب أمه أو أن البائع كان استولدها قبل البيع فانه يخرج كل واحد منهما من ملكه لاقراره انه لم يملكهما بالشراء وأنهما باقيان على ملك البائع ولا يرجع على البائع بالثمن لان اقراره ليس بحجة على البائع في ابطال البيع وقد استحق البائع الثمن به ولا يعتقان حتى يموت البائع فإذا مات عتقا لان المشترى أقر بتعلق عتقهما بموت البائع والبائع كان مقرا بأن اقرار المشترى فيهما نافذ لان يملكهما فعند موت البائع يحصل التصادق منهما على الحرية إذا كان المدبر يخرج من ثلث مال البائع فلهذا يحكم بعتقهما والجناية عليهما كالجناية على مملوكين قبل موت البائع لانهما لا يعتقان الا بموته وتوقف جنايتهما في قول أبى حنيفة وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عليهم السعاية في الاقل من قيمتهما وأرش جنايتهما والقياس ما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى لان المشترى ان كان صادقا فموجب جنايتهما على البائع ابتداء لان موجب جناية المدبر وأم الولد القيمة على المولى ابتداء وان كان كاذبا فجنايتهما تتعلق برقبتهما ويخاطب المشترى بذلك ومع جهالة المستحق عليه لا يتمكن القاضى من القضاء بشئ فلهذا تتوقف جنايتهما ولكنهما استحسنا فقالا هما بمنزلة
[ 130 ] المكاتبين في الحال حتى يكتسبان وينفقان على أنفسهما من كسبهما ولا سبيل لاحد على أخذ الكسب منهما وانما كان موجب جناية المكاتب على نفسه لكونه أحق بكسبه فإذا وجد ذلك المعنى هنا قلنا عليهما السعاية في الاقل من قيمتهما ومن أرش الجناية وكذلك أمة بين رجلين أقر أحدهما أنها ولدت من الآخر وأنكر الاخر ذلك فهى موقوفة تخدم المنكر يوما ويرفع عنها يوم ولا سبيل للمقر عليها في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى الآخر وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الاول وهو قول محمد رحمه الله تعالى تسعى في نصف قيمتها للمنكر لان اقرار أحدهما على شريكه بأمية الولد كشهادته عليه بعتق نصيبه وقد بينا أن هناك يسعى للمنكر في نصيبه فكذلك هنا ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هناك تعذر استدامة الملك لان ما أقربه لو كان حقا كان استدامة الملك فيها ممتنعا فلهذا تخرج إلى الحرية بالسعاية وهنا ما أقربه من أمية الولد لو كان حقا لم يكن استدامة الملك فيها ممتنعا فلا معنى لايجاب السعاية عليها للمنكر ولكن في زعم المنكر أنها مشتركة بينهما كما كانت وان شريكه كاذب فكان له أن يستخدمها يوما من كل يومين كما قبل هذا الاوان وليس للمقر أن يستخدمها في اليوم الآخر لانه يزعم انها صارت أم ولد لشريكه وان حقه في الضمان قبل شريكه ولا حق له في الاستخدام فلهذا لم يكن للمقر عليها سبيل وجنايتها والجناية عليها تكون موقوفة في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وفي قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد رحمه الله تعالى هي بمنزلة المكاتبة تسعى في الجناية عليها بأخذ الارش فتستعين بها هكذا ذكر في الكتاب وهو ظاهر لان عندهما لما قضى عليها بالسعاية في نصيب الجاحد كانت كالمكاتب وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لما كانت موقوفة الحال لا يقضى فيها بشئ فكذلك حكم جنايتها والجناية عليها وقيل الصحيح ان عند أبى حنيفة نصف جنايتها على الجاحد لان نصفها مملوك له مطلقا حتى يستخدمها بقدره والنصف الآخر يتوقف وعلى قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد جنايتها عليها تسعى في الاقل من قيمتها ومن ارش الجناية لانها أحق بكسبها ألا ترى انها تنفق على نفسها من كسبها ولو جعلناها موقوفة فمن ينفق عليها وإذا لم يكن بد من أن تجعل أحق بكسبها كان موجب جنايتها في كسبها كالمكاتبة والله تعالى أعلم بالصواب
[ 131 ] باب عتق ما في البطن) (قال) رجل قال لجاريته كل ولد تلدينه فهو حرفما ولدته في ملكه فهو حرلان ملك الام سبب لملك الولد فان الجنين يتبع الام في الملك وقيام سبب الملك عند التعليق كقيام الملك في صحة التعليق ألا ترى ان في اليمين المضاف جعل التعليق بسبب الملك وهو الشراء كالتعليق بالملك ولو كان الملك موجودا في المحل الذى يلافيه وقت التعليق كان التعليق صحيحا فكذلك إذا كان سبب الملك موجودا ولا يعتق ما لم تلد لانه جعل شرط العتق الولادة وان مات المولى وهى حبلى ثم ولدته لم تعتق لانها صارت ملكا للوارث بالموت فانما وجد الشرط بعد زوال ملك المعتق وكذلك لو باعها المولى وهى حبلى جاز بيعه لقيام ملكه وقدرته على تسليمها وإذا ولدت بعد ذلك لم تعتق لان الشرط وجد في غير ملك الحالف وان ضرب ضارب بطنها فالقته ميتا كان فيه ما في جنين الامة لانه مادام في البطن فهو رقيق ولو كان قال كل ولدتحبلين به فهو حركان فيه ما في جنين الحر لان شرط العتق هنا وجود الحبل وقد علم أنه كان موجودا قبل الضرب فانما وجدت جناية الضارب على جنين هو حر وان ولدته بعد البيع لاقل من ستة أشهر فهو حر والبيع باطل لانا تيقنا بوجود الولد قبل البيع وحريته فانما باعها وفى بطنها ولد حرفيكون البيع باطلا ولو قال لها ان كان أول ولد تلدينه غلاما فهو حر وان كانت جارية فأنت حرة فولدت غلامين وجاريتين فان علم ان الغلام أول ما ولدت فهو حر والباقون أرقاء وان علم ان الجارية أو ما ولدت فهى مملوكة والباقون مع الام احرار لان بولادة الجارية الاولى عتقت الامة وانما عتقت بعد انفصال هذه الجارية عنها فكانت هي مملوكة والباقون أحرار لانهم انفصلوا منها بعد حريتها والولد لا ينفصل من الحرة الاحرا وان لم يعلم أيهم أول يعتق من الام نصفها لانها تعتق في حال وترق في حال ويعتق ثلاثة أرباع كل واحد من الغلامين لان أحدهما حر بيقين فانها ان ولدت الغلام أو لا فهذا الغلام حر وان ولدت الجارية أولا فالغلامان يعتقان بعتق الام فاحدهما حر بيقين والآخر يعتق في حال دون حال فيعتق نصفه ثم حرية ونصف بينهما نصفان إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر فيعتق من كل واحد منهما ثلاثة ارباعه ويسعى في ربع قيمته ويعتق من كل واحدة من الجاريتين ربعها لان احداهما أمة بيقين والاخرى تعتق في حال دون حال فانها ان
[ 132 ] ولدت الغلام أولا فالجاريتان مملوكتان وان ولدت احدى الجاريتين أولا فهذه مملوكة والاخرى حرة فإذا كانت احداهما تعتق في حال دون حال يعتق نصفها وليست احداهما بأولى من الاخرى فكان نصف الحرية بينهما لكل واحدة منهما ربع حرية وتسعى كل واحدة في ثلاثة أرباع القيمة وان تصادق الام والمولى علي أن هذا الغلام أول عتق ما تصادقا عليه والباقون أرقاء لان اليد لهما والقول قول ذى اليد فمن لا يعبر عن نفسه في رقه وحريته فان تصادقا على شئ وجب الاخذ بما تصادقا عليه وان اختلفا فيه فالقول قول المولى مع يمينه لان المعتق هو المولى فكان قوله في بيان من عتق مقبولا مع يمينه ان ادعت الام خلاف ذلك لانها تدعى عليه مالو أقر به لزمه وانما يستحلف على العلم بالله ما يعلم أنها ولدت الجارية أو لا لانه يستحلف على فعلها والاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم وإذا قال لها ان كان حملك غلاما فأنت حرة وان كانت جارية فهى حرة فكان حملها غلاما وجارية لم يعتق أحد منهم لان الحمل اسم لجميع ما في البطن قال تعالى أن يضمن حملهن والعدة لا تنقضي الا بوضع جميع ما في البطن فانما جعل شرط عتقها كون جميع ما في البطن غلاما وشرط عتق الجارية كونها جميع ما في البطن ولم يوجد ذلك وكذلك قوله ان كان ما في بطنك لان ما هو من ألفاظ العموم فهو يقتضى أن يكون جميع ما في بطنها بتلك الصفة ولو كان قال في الكلامين ان كان في بطنك عتقت الجارية والغلام لانه جعل شرط عتقها وجود الغلام في بطنها وقد تبين أنه كان موجودا والتعليق بشرط موجود يكون تنجيزا فعلمنا أنها عتقت قبل انفصال الولدين عنها فيعتق الولدان جميعا وإذا قال إذا كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وان كانت جارية فهي حرة فولدتهما جميعا فان علم أن الغلام أول عتقت هي مع ابنتها والغلام رقيق وان علم أنها ولدت الجارية أولا عتقت الجارية والام مع الغلام رقيقان وان لم يعلم واتفق الام والمولى على شئ فكذلك لان اليد لهما وان قالا لا ندرى فالغلام رقيق والابنة حرة ويعتق نصف الام لانها ان ولدت الغلام أولا فهى حرة والغلام رقيق وان ولدت الجارية اولا فالجارية حرة والغلام والام رقيقان فالام تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها والغلام عبد بيقين والجارية حرة بيقين اما ان تعتق بنفسها أو بعتق الام ولو كأن قال ان كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية فان ولدت الغلام أولا فالغلام رقيق والام والجارية حرتان وان ولدت الجارية أولا فهم أرقاء فالام
[ 133 ] تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها وكذلك الجارية والغلام رقيق بيقين وذكر في الكيسانيات عن محمد رحمه الله تعالى في هذا الفصل أنه لا يحكم بعتق واحد منهم ولكن يحلف المولى بالله ما يعلم أنها ولدت الغلام أولا فان نكل عن اليمين فنكوله كاقراره وان حلف فهم أرقاء بخلاف الفصل الاول لانا تيقنا بحرية بعضهم واعتبار الاحوال بعد التيقن بالحرية صحيح وهنا لم يتيقن بشئ من الحرية لجواز أنها ولدت الجارية أولا فلا معنى لاعتبار الاحوال ولكنها تدعى عليه شرط العتق وهو منكر فالقول قوله مع يمينه ولو قال ما في بطنك حر فولدت بعد ذلك لستة أشهر لا يعتق وان ولدت لاقل من ستة أشهر عتق لانه أوجب العتق لما هو موجود في بطهنا وإذا ولدت لاقل من ستة أشهر فقد تيقنا أنه كان موجودا فأما إذا ولدت لستة أشهر فصاعدا لم نتيقن انه كان موجودا والعلوق يضاف إلى أدنى مدة الحمل الافى حالة الضرورة وان ولدت واحدا لاقل منها بيوم والآخر لاكثر منها بيوم عتقا لانا تيقنا بوجود الاول في بطنها وقت اليمين حين ولدته لا قل من ستة أشهر وهما توأم واحد خلقا من ماء واحد فالحكم بوجود احدهما في البطن في وقت حكم بوجودهما وإذا أعتق أمته ولها زوج حر فولدت ولدا لستة أشهر فصاعدا بعد العتق فنفاه الزوج لاعن ولزم الولد أمه لان الحل قائم بين الزوجين فانما يستند العلوق إلى أقرب الاوقات هو ستة أشهر وتبين أنها علقت به في حال هما أهل اللعان فيقطع النسب عنه باللعان ويكون ولاؤه لموالى الام لانه لا نسب له من جهة الاب وان وضعته لاقل من ستة أشهر لزم اباه ولاعن أما اللعان فلانه قذفها في الحال وهي محصنة وأما لزوم الولد اباه فلانا تيقنا أن العلوق كان قبل العتق وهي لم تكن من أهل اللعان فلزمه نسب الولد على وجه لا يملك نفيه فلا يتغير ذلك بالعتق بعده وولاء الولد لموالى الام لانه كان موجودا في البطن حين أعتق الام فصار الولد مقصودا بالعتق وله ولاء نفسه ولو قال لامته ان كنت حبلى فأنت حرة فان ولدت لاقل من ستة أشهر فهي حرة وولدها لانه تبين أنه كان منجزا عتقها بالتعليق بشرط موجود وان ولدت لستة أشهر أو أكثر لم تعتق لانا لم نتيقن بوجود الشرط لجواز أن يكون هذا الولد من علوق حادث وما لم نتيقن بوجود الشرط لا ينزل الجزاء ولو قال لها ما في بطنك حرفضرب رجل بطنها بعد هذا القول لاقل من ستة أشهر فألقت جنينا ميتا ففيه ما في جنين الحرة لانا علمنا أنه كان موجودا في بطنها حين قال ذلك وانه حكم بعتقه
[ 134 ] (فان قيل) فلعله كان ميتا واعتاق الميت باطل (قلنا) قد ظهر لموته سبب وهو الضرب فيحال بالحكم عليه ولما حكمنا بوجوب الضمان على الضارب فقد حكمنا بحياته إلى هذا الوقت فعلي الجاني ما في جنين الحرة ولو قال لها ان كان أول ما تلدينه غلاما ثم جارية فانت حرة وان كات جارية ثم غلاما فالغلام حر فولدت غلامين وجاريتين لا يعلم أيهما أول عتق نصف الام وربع الاولاد لانها ان ولدت الغلام أو لاثم الجارية فالام حرة وان ولدت الجارية أولا ثم الغلام فالام رقيقة فهي تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها وأحد الغلامين رقيق بيقين والآخر يعتق في حال دون حال فيعتق ربع كل واحد منهم ولا يقال من الجائز انها ولدت الغلامين أولاثم الجاريتين لان هذا بمنزلة ولادة الغلام أولا ثم الجارية وإذا ولدت الجاريتين أولاثم الغلامين فهذا بمنزلة ولادة الجارية أولاثم الغلام لان الشرط ولادة الغلام بعد ولادة الجارية وقد وجد سواء تخلل بينهما ولادة جارية أخرى أولم يتخلل وان ولدت غلاما وجارية في بطن لا يعلم أيهما أول عتق نصف الام ونصف الغلام لان الام تعتق في حال دون حال وكذلك الغلام فيعتق نصف كل واحد منهما والابنة أمة لانها ان ولدت الغلام أولا ثم الجارية فانما عتقت الام بعد انفصال الجارية فهى أمة وان ولدت الجارية أو لا فهى أمة فعرفنا ان رقها متعين وان قال أول ولد تلدينه فانت حرة فولدت ولدا ميتا عتقت لان الميت ولد كالحي ألا ترى ان الجارية تصير به أم ولد والمرأة تصير به نفساء فيتم شرط عتقها بولادته ولو كان قال هو حر لا ينحل يمينه بولادة الميت حتى إذا ولدت ولدا حيا بعد ذلك عتق الولد الحى في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولم يعتق في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وجه قولهما ان انحلال شرط اليمين تحقق بولادة الولد الميت وليس من ضرورة انحلال اليمين نزول الجزاء ألاتري أنه لو قال أول عبد اشتريه فهو حر فاشترى عبدا لغيره انحلت اليمين حتى لو اشترى بعد ذلك عبدا لنفسه لم يعتق والدليل عليه أنه لو قال أول ولد تلدينه فهو حر وامرأته طالق فولدت ولدا ميتا وقع الطلاق ثم عندكم لو ولدت ولدا حيا بعد ذلك يعتق الحى وهذا لاوجه له لان الشرط ان صار موجودا بولادة الميت انحلت اليمين وان لم يصر موجودا فينبغي أن لا يقع الطلاق والدليل عليه ان هذا الحى ثاني ولد حتى لو قال ثاني ولد تلدينه فهو حريعتق هذا ولا يكون الشخص الواحد أولا وثانيا وجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ما حكى
[ 135 ] عن أبى سعيد البردعى رحمه الله تعالى أنه كان يقول الولد الميت ولد في حق الغير حتى أن العدة تنقضي به والجارية تصير أم ولد وليس بولد في حق نفسه حتي لا يسمى ولا يصلى عليه فإذا كان الجزاء عتق الام أو طلاق المرأة كان الميت ولدا فيه وإذا كان الجزاء عتق الولد لم يكن الميت ولدافيه ولكن هذا تشه ومع أنه تشه لا معني له فانه يقال ينبغى أن يجعل ولدا في حق المولى حتى ينحل يمينه به وينبغي أن يجعل ولدا في حق الولد الثاني حتى لا يعتق فالوجه الصحيح أن يقول جازى بكلامه مالا يجازى به الا الحى فتصير الحياة مدرجة في كلامه ويكون المضمر كالمصرح به فكأنه قال أول ولدتلدينه حيا فهو حر وانما قلنا ذلك لان كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن ولا يصح هذا الكلام الا باضمار الحياة في الولد لان الاعتاق احداث القوة وذلك يتحقق في الحى دون الميت فتبين بقوله فهو حران حياة الولد مضمر في كلامه ألا ترى أنه لو قال إذا ولدت ولدا ميتا فهو حر كان كلامه لغوا وبه فارق الطلاق وعتق الام لانه لا حاجة في تصحيح ذلك الكلام إلى اضمار الحياة في الولد ألا ترى أنه لو صرح بموت الولد كان التعليق صحيحا ثم ما نبت بطريق الاقتضاء يجعل ثابتا للحاجة والضرورة ففيما تتحقق فيه الحاجة يجعل مدرجا في كلامه فيما لا تتحقق فيه الحاجة لا يجعل مدرجا ولا يبعد أن يكون الشرط واحدا ثم يحكم بوجوده في بعض الجزاء دون البعض كما لو قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق وفلانة معك فقالت حضت تصدق في وقوع الطلاق عليها دون ضرتها ولما ثبت أن الحياة مدرجة في كلامه فالذي ولدته بعد الميت أول ولد حي وان كان في الصورة ثانى ولد وليس هذا كقوله أول عبد اشتريه فهو حر لان المشترى لغيره محل للعتق ألا ترى أن العتق ينفذ فيه من مالكه ومن المشترى موقوفا على اجازة مالكه فلا حاجة إلى اضمار الشراء لنفسه لتصحيح الكلام وههنا الميت ليس بمحل للعتق أصلا فلهذا جعلنا الحياة مدرجة في كلامه وان قال أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ولدا وشهدت امرأة على الولادة وكذبها المولى وقال هذا عبدى من غيرها لم يعتق بشهادة امرأة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالي يعتق وقد تقدم نظيره في الطلاق وقد بينا أن عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى بشهادة القابلة انما يثبت ما هو من أحكام الولادة على الخصوص والعتق ليس من أحكام الولادة على الخصوص وعندهما لما قبلت شهادة القابلة في حق نسب الولد
[ 136 ] فكذلك تقبل فيما جعل بناء على الولادة ألا ترى أنه لو قال ان كان بها حبل فهو مني ثم جاءت امرأة تشهد على الولادة بعد هذا القول بيوم صارت أم ولدله وبالاستيلاد يثبت حق الحرية ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يفرق فيقول الاستيلاد من أحكام نسب الولد فأما هذا العتق ليس من حكم الولادة وشهادة القابلة حجة ضرورية فلا تكون حجة الافيما هو في حكم الولادة وان قال لها أنت حبلى فإذا ولدت فأنت حرة فشهدت امرأة على الولادة عتقت لا بشهادة القابلة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى بل بمجرد قول الامة لانه لما أقر بأنها حبلى فقد جعل شرط وقوع العتق عليها ظهور ما هو موجود في بطنها وقد ظهر بقولها كما إذا قال لها إذا حضت فأنت حرة وقد تقدم نظير هذا في الطلاق وإذا قال لها إذا حبلت فأنت حرة ثم وطئها فينبغي له في الورع والتنزه ان يعتزلها حتى يعلم أحامل هي أم لالان سبب الحبل هو الوطئ فبعد ما وطئها يحتمل انها قد حبلت وقد عتقت فلو وطئها كان حراما عليه والتحرز عن الحرام واجب فلهذا نأمره على طريق التنزه ان يعتزلها فإذا حاضت علمنا انها ليست بحامل فيطأها مرة أخرى بعد ما تطهر وهكذا دأبه ودأبها وان ولدت بعد هذه المقالة لا كثر من سنتين وقد وطئها قبل الولادة لاقل من ستة أشهر فعليه العقر لانا تيقنا بوجود شرط العتق بعد اليمين وتيقنا بانه وطئها بعد ما علقت فانما وطئها وهي حرة بالشهبة فعليه العقر وان ولدته لاقل من سنتين لم يعتق لانالم نتيقن بوجود الشرط وهو الحبل بعد اليمين لجواز ان يكون هذا الولد من علوق كان قبل اليمين (فان قيل) فأين ذهب قولكم ان يستند العلوق إلى أقرب الاوقات (قلنا) نعم يستند العلوق إلى أقرب الاوقات إذا لم يكن فيه اثبات العتق بالشك لان العتق باشك لا ينزل وقد تقدم نظيره في الرجعة في الطلاق وإذا قال لامتيه ما في بطن احدا كما حر فله ان يوقع على أيهما شاء لان ما في البطن في حكم العتق كالمنفصل وقد بينا في المنفصل أنه لو أوجب العتق في غير المعين كان البيان إليه فكذلك فيما في البطن فان ضرب انسان بطن احداهما فالقت جنينا ميتا وقع العتق على ما في بطن الاخرى لان الذى انفصل ميتا خرج من ان يكون محلا للعتق ومزاحما للآخر فيما أوجب فيتعين العتق في الآخر ضرورة ولو ضرب بطن كل واحدة منهما رجل معا فالقتا جنينين ميتين لاقل من ستة أشهر منذ تكلم بالعتق كان على كل واحد منهما ما في جنين الامة لان كل واحد من الجنينين كان مملوكا يقينا وبعد ايجاب العتق في المجهول بقيا كذلك وقد بينا في المنفصلين أنه لو قتل
[ 137 ] كل واحد منهما رجل كان على كل واحد من القاتلين قيمة مملوك فهذا مثله وان قال ما في بطن هذه حر وما في بطن هذه حر أو سالم عتق ما في البطن الاولى والخيار بين سالم وما في بطن الثانية إليه لانه أوجب العتق لما في بطن الاولى بعينها وخير نفسه بين عتق ما في بطن الثانية وسالم لانه ادخل بينهما حرف أو وذلك للتخيير فكأنه قال ما في بطن هذه حر واحد الآخرين فيعتق الاول بعينه والخيار إليه في الآخرين يوقع العتق على أيهما شاء وإذا قال لامتيه ما في بطن احداكما حرثم خرجت احداهما وجاءت أخرى فقال ما في بطن احداكما حر ثم ولدن كلهن لاقل من ستة أشهر فالقول فيه قول المولى وأصل هذه المسألة في العبيد ذكرها في مواضع من الكتب والتخريج في الكل واحد فنقول رجل له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال احدكما حر ثم خرج احدهما ودخل الثالث فقال احدكما حر فالبيان إلى المولى لان الايهام كان منه ولان حكم الكلامين يختلف ببيانه فان قال عنيت بالكلام الاول الثابت أو أعنيه الآن واختاره عتق الثابت بالكلام الاول وتبين أنه في الكلام الثاني جمع بين حر وعبد وقال احدكما حر فلا يجب به شئ اذالم ينو العبد وان قال عنيت بالكلام الاول الخارج عتق الخارج بالكلام الاول وصح الكلام الثاني لانه جمع فيه بين عبدين فقال احدكما حر فالبيان إليه فان بين أولا أنه عنى بالكلام الثاني الثابت تعين الخارج بالكلام الاول لان الثابت خرج من مزاحمة الخارج في موجب الكلام الاول حين انشأ عتقه بعده وان قال عنيت بالكلام الثاني الداخل عتق الداخل ولا بدمن أن يبين مراده بالكلام الاول وان مات قبل أن يبين عتق من الخارج نصفه ومن الثابت ثلاثة أرباعه ومن الداخل نصفه في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وربعه في قول محمد رحمه الله تعالى لانه وجب بالكلام الاول حرية تتردد بين الخارج والثابت وقد فات البيان بموت المولى فيشيع فيهما فلهذا يعتق من الحارج نصفه ومن الثابت نصفه بالكلام الاول والكلام الثاني لا يجب به شئ ان كان المراد بالكلام الاول الثابت ويجب به حرية ان كان المراد بالكلام الاول الخارج فأوجبنا به نصف حرية باعتبار التردد ثم هذا النصف يتردد بين الثابت والداخل فيكون نصفه وهو الربع للثابت فاجتمع له ثلاثة أرباع حرية وحصل للداخل ربع حرية بالكلام الثاني فلهذا قال محمد رحمه الله تعالى يعتق منه ربعه ولانه شريك الثابت في الكلام الثاني فلا يصيب الا قدر ما يصيب
[ 138 ] الثابت بهذا الكلام وشبه هذا بمن له ثلاث نسوة لم يدخل بشئ منهن قال لاثنتين منهن احداكما طالق فخرجت احداهما ودخلت الثالثة فقال احدا كما طالق ثم مات قبل ان يبين يسقط من مهر الخارجة ربعه ومن مهر الثانية ثلاثة أثمانه ومن مهر الداخلة ثمنه للطريق الذى قلنا وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا الكلام الثاني صحيح على كل حال فان كان مراده الثابت عتق به ما بقى وهو النصف وان كان مراده الداخل عتق به كله فالداخل يعتق في حال ولا يعتق في حال فيعتق نصفه وبيان هذا الكلام اما على أصل أبى حنيفة رحمه الله فظاهر لان الحرية الاولى لما شاعت فيهما كان الثابت معتق البعض ومعتق البعض عنده بمنزلة المكاتب أهل لانشاء العتق فيه فيصح الكلام الثاني علي كل حال وعلى قول أبى يوسف رحمه الله العتق لا يتجزأ بعد وقوعه على محل بعينه بعد وقوعه ولم يكن واقعا على الثابت حين تكلم بالكلام الثاني فصح الكلام الثاني وأما مسألة الطلاق فقد قيل هو مذكور في الزيادات وهو قول محمد رحمه الله فأما عندهما يسقط من مهر الداخلة ربعه وبعد التسليم الفرق واضح على أصل ابى حنيفة رحمه الله لان الطلاق عنده لا يتجزأ بخلاف العتق فالكلام الثاني ليس بصحيح على كل حال وانما الاشكال على قول أبى يوسف رحمه الله والفرق أنه يوجد شخص متردد الحال بين الرق والحرية ويكون محلا لانشاء العتق وهو المكاتب والثابت بهذه الصفة حين تكلم بالكلام الثاني فأمكن تصحيح الكلام الثاني من هذا الوجه على كل حال فأما الطلاق لا يوجد شخص متردد الحال بين أن تكون مطلقة ومنكوحة ثم يصح وقوع الطلاق عليها فلا وجه لتصحيح الكلام الثاني من كل وجه (نسا) ان كان صحيحا يسقط به نصف مهر وان لم يصح لم يسقط به شئ فسقط به ربع مهر ثم يتردد هذا الربع بين الثابتة والداخلة فيصيب الداخلة نصف الربع وهو الثمن فلهذا سقط ثمن مهرها وان كان المولى قال ذلك في مرضه ومات قبل البيان ولا مال له سواهم فانهم يقتسمون الثلث على قدر حقهم فيضرب الخارج في الثلث بسهمين والثابت بثلاثة أسهم والداخل بسهمين في قولهما فيكون الثلث بينهم على سبعة والقسمة من أحد وعشرين كل رقبة سبعة فيستسعى الخارج في خمسة أسباعه وكذلك الداخل والمقيم في أربعة أسباعه وعلى قول محمد رحمه الله تعالى الداخل انما يضرب بسهم واحد فيكون الثلث بينهم على ستة والقسمة من ثمانية عشر يسعى الخارج في ثلثى قيمته والثابت في نصف قيمته والداخل في خمسة أسداس قيمته إذا عرفت
[ 139 ] هذا التخريج في العبيد فكذلك فيما في بطن الجوارى لان الجنين في حكم العتق كالمنفصل وان قال لامته قد أعتقت ما في بطنك على ألف درهم عليك فقبلت ثم وضعت غلاما لاقل من ستة أشهر فهو حر لانا تيقنا أنه كان موجودا في البطن حين علق العتق بقبولها المال وقد وجد منها القبول والمال باطل لانه لا يمكن ايجابه على الجنين لان المولى شرطه على الام دون الجنين ولانه لاولاية للام على الجنين في الزام المال اياه لا يمكن ايجابه على الام لان الجنين في حكم العتق كشخص واحد على حدة واعتاق شخص ببدل على شخص آخر لا يجوز وهذا بخلاف الطلاق فانه لو طلق امرأته بمال على أجنبي وقبل الأجنبي ذلك وجب المال عليه ولو أعتق عبده بمال على أجنبي وقبل الاجنبي ذلك لا يلزمه المال لان المولى منتفع بالعتق من حيث تحصيل الثواب لنفسه في العقبي والولاء في الدنيا ومن انتفع بملك نفسه لا يستوجب بدله على غيره بالشرط كمن أكل طعام نفسه ببدل على غيره فأما الزوج غير منتفع بالطلاق ولكنه مبطل لملكه فإذا شرط بدلا على غيره والتزمه ذلك الغير كان صحيحا كالعفو عن القصاص والابراء عن الدين ولو ولدت الامة غلاما ثم كاتبت على نفسها وعليه ألف درهم أجزت ذلك والتزمه ان كبر أو عقل فرضي وفرض الجواب على هذا الموضع انما يستقيم على طريقة القياس فاما على طريقة الاستحسان على ما ذكره في الجامع وغيره من المواضع غير مستقيم بل الصحيح من الجواب ما ذكره في رواية أبى حفص رحمه الله تعالى أن المكاتبة تجوز وتلزم الام ولا يلزم الغلام من المال شئ ولكن يعتق بأدائها وهذا لانه لاولاية للام على الولد في الزام بدل الكتابة اياه فيكون هذا بمنزلة ما لو كاتب له عبدا حاضرا وعبدا له غائبا على ألف درهم في القياس يتوقف العقد في حق الغائب على اجازته لانه ليس للحاضر عليه ولاية وفى الاستحسان ينفذ العقد وتكون الالف كلها على الحاضر بقبوله فكان المولى شرط البدل كله عليه وجعل عتق الآخر معلقا بأدائه وذلك صحيح بدون القبول من الآخر فكذلك في هذه المسألة (قال) ورأيت في بعض النسخ زيادة ألف في وضع هذه المسألة قال فكاتبها على نفسها أو عليه على ألف درهم وهكذا عن أبى يوسف رحمه الله تعالى في الامالى في وضع هذه المسألة انها كاتبت عليه فعلى هذا الجواب مستقيم لان المقصود بالكتابة الولد دون الام فان لم تكن الام داخلة في العقد يعتبر وجود القبول من الابن إذا كبر أو عقل ومقصوده الفرق بين حالة الاجتنان في
[ 140 ] البطن وما بعد الانفصال فان في حالة الاجتنان في البطن لا يتوقف لانه لاولاية لاحد عليه في حالة الاجتنان وانما يتوقف ماله مجيز حال وقوعه فاما بعد الانفصال قد تولى عليه في هذا العقد لماله فيه من المنفعة له فيتوقف على اجازته وإذا كبر أو عقل فرضي لزمه المال ولو قال لامته ما في بطنك حرمتي ما أدى إلى الفا فوضعته لاقل من ستة أشهر فمتى ما أدى فهو حرلان ما في البطن في تنجيز العتق كالمنفصل فكذلك في تعليق عتقه بأدائه المال بخلاف الكتابة لان فيها الزام المال اياه ولا ولاية لاحد عليه في ذلك وليس في التعليق الزام المال اياه بل التعليق يتم بالمعلق وحده وكلامه قبل الانفصال وبعده سواء ولو قال بعد الانفصال متى أدى إلى هذا المولود ألفا فهو حرصح وعتق إذا أدي فكذلك إذا قال قبل الانفصال ولو قال لثلاث اماء له ما في بطن هذه حر وما في بطن هذه أو في بطن هذه عتق ما في بطن الاولى وهو مخير في الباقيتين لادخاله حرف التخيير بين الثانية والثالثة ولو قال ان كان ما في بطن جاريتي غلام فاعتقوه وان كات جارية فاعتقوها ثم مات فكان في بطنها غلام وجارية فعلى الوصي أن يعتقهما من ثلثه وكان ينبغي على قياس ما سبق ان لا يعتق واحدا منهما لانه شرط ان يكون جميع ما في بطنها غلاما أو جميع ما في بطنها جارية وقد تقدم نظيره في التخيير ولكنه في هذا الموضع اعتبر مقصود المولى وهو الوصية باعتاق الغلام عنه وباعتاق الجارية وكلامه هذا ليس بتعليق فكأنه قال اعتقوا ما في بطنها غلاما كان أو جارية أو كلاهما فيجب على الوصي أو الورثة تنفيذ الوصية فيهما من ثلثة وان قال ان كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وان كانت جارية ثم غلاما فهما حران فولدت غلاما وجاريتين لا يعلم أيهما أول عتق نصف الام لانها تعتق في حال وهو ان تكون ولادة الغلام أولا ولا تعتق في حال وهو أن تكون ولادة الجارية أولا فيعتق نصفها ونصف الغلام أيضا لانها ان ولدت الجارية ثم الغلام فالغلام حر وان ولدت الغلام أولا فالغلام رقيق فيعتق نصفه قال ويعتق من كل واحدة من الجاريتين ربعها وتسعى في ثلاثة أرباع قيمتها (قال) أبو عصمة رحمه الله وهذا غلط بل الصحيح أنه يعتق من كل واحدة منهما ثلاثة أرباعها وتسعى في الربع لان احداهما حرة بيقين فانها ان ولدت الغلام أولا عتقت الام والجاريتان تعتقان بعتقها وان ولدت الجارية أولا ثم الغلام عتقت احدى الجاريتين فاحداهما حرة بيقين والاخرى تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها فيكون السالم لهما حرية ونصف بينهما لكل واحدة ثلاثة أرباع الحرية ومن أصحابنا رحمهم الله تعالى
[ 141 ] من تكلف لتصحيح جواب الكتاب فقال احدى الجاريتين مقصودة بالعتق في حال فلا يعتبر مع هذا جانب التبعية بينهما وإذا سقط اعتبار جانب التبعية فاحداهما تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها ثم هذا النصف بينهما لا ستواء حالهما فانما يعتق من كل واحدة ربعها ولكن هذا يكون مخالفا في التخريج للمسائل المتقدمة إذا فالاصح ما قاله أبو عصمة رضى الله عنه وإذا كانت الامة بين رجلين فأعتق احدهما ما في بطهنا وهو غني ثم ولدت بعد ذلك بيوم غلاما ميتا فلا ضمان على المعتق لان نفوذ عتقه لا يكون الا باعتبار حياة الجنين ولم يعلم ذلك حقيقة ولا حكما حين انفصل ميتا والضمان بالشك لا يجب وان كان رجل ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا فعلى الضارب ما في جنين الامة نصف عشر قيمته ان كان غلاما وعشر قيمتها ان كانت جارية وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن العتق عنده يقتصر على نصيب المعتق من الجنين ويبقى الرق فيه باعتبار نصيب الشريك فلهذا يجب على الضارب ما في جنين الامة ثم يكون على المعتق نصف ذلك لشريكه لان جنايته انما تثبت بما وجب من الضمان على الضارب فيتقدر حكم الضمان بقدر ذلك فلهذا كان على المعتق نصف ذلك لشريكه ثم يرجع به فيما أدى الضارب لانه بدل نفسه فيكون تركة له وقد بينا أن المعتق إذا ضمن يرجع بما ضمن فيما تركه معتق البعض بعد موته ثم الباقي ميراث عنه للذى أعتقه ان لم يكن له وارث أقرب منه من أخ أو نحوه لان الولاء في جميعه للمعتق حين ضمن نصيب شريكه وأما على قول أبى يوسف ومحمد رحمه الله تعالى يجب على الضارب ما يجب في جنين الحرة لان العتق عندهما لا يتجزأ ويكون ذلك كله للمعتق ميراث بولائه ويكون على المعتق نصف قيمته لشريكه معبرا بوقت الانفصال لان ضمان العتق انما يعتبر بوقت الاعتاق ولكن يتعذر الوقوف على ذلك لكونه مجتنا في البطن فيعتبر قيمته بأقرب أوقات الامكان وذلك بعد الانفصال وان لم يضرب بطنها أحد ولكن ولدت بعد العتق بيوم ولدا حيا ثم مات فعلى المعتق نصف قيمته معتبرا بوقت الانفصال لما بينا فان لم تلد حتى أعتق الآخر الام وهو موسر ثم ولدت فاختار شريكه أن يضمنه نصف قيمة الام فله ذلك لانه بعد اعتاق الجنين كان متمكنا من استدامة الملك في الام وقد أفسد شريكه ذلك حين أعتقها فله أن يضمنه نصف قيمتها ويرجع بذلك الضمان على الامة وولاء الامة للذى أعتقها وولاء الولد بينهما في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى
[ 142 ] لانهما أعتقاه وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ولاء الولد كله لمعتق الولد وان دبر أحدهما ما في البطن ثم أعتق الآخر الام البتة وهو غنى ثم ولدت بعده بيوم فان الذى أعتق الام يضمن نصف قيمة الام ويرجع بذلك عليها ويكون ولاء الام للذى أعتقها لما بينا وولاء الولد لهما جميعا في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان تدبير المدبر اقتصر على نصيبه فاستحق نصف ولاء الولد والنصف الآخر من الولد انما عتق باعتاق الشريك الذى أعتق الام فلهذا كان ولاء الولد بينهما واما عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى التدبير لا يتجزأ فصار كله مدبرا للذى دبره واستحق ولاء جميعه ويكون هو ضامنا نصف قيمة الولد لشريكه موسرا كان أو معسرا ثم الشريك باعتاق الام يصير ضامنا له نصف قيمتها وولاء الام لمن أعتقها وولاء الولد للمدبر لانه استحق ولاءه وان عتق بعد ذلك تبعا للام فلهذا كان له ولاء الولد والله أعلم بالصواب (باب العتق على المال) (قال) رجل أعتق عبده على مال من عروض أو حيوان أو غير ذلك أو باعه نفسه أو وهب له نفسه على ان يعوضه كذا فهو جائز وإذا قبله العبد فهو حرفي جميع أحكامه لانه علق عتقه بقبول المال ولانه جعل التزام المال من العبد بمقابلة العتق وقد وجد ذلك بقبوله والولاء للمولى لانه عتق على ملكه فان العبد ليس من أهل أن يملك مالية نفسه فيبطل ملك المالية باعتاق المولى وتحدث القوة للعبد بايجاب المولى وهو موجب للولاء بعوض كان أو بغير عوض والمال دين على العبد لانه التزمه بقبوله وقد كانت له ذمة صالحة للالتزام فيها وتأيدت بالعتق ويجوز وجوب المال عليه وان لم يملك ما يقابله من ملك المولى ما يجب المال على المرأة بقبول الطلاق وعلي القاتل بقبول الصلح وان كان لا يملك شيئا مقابلته ولهذا كل ما يصلح التزامه عوضا في الطلاق يصلح التزامه عوضا هنا وان اختلفا في المال في جنسه أو مقداره فالقول قول العبد لانه عتق باتفاقهما والمال عليه للمولى فالقول في بيانه قوله والبينة بينة المولى اما لاثباته الزيادة أو لانه يثبت حق نفسه ببينة ولو قال المولى أعتقتك أمس على ألف درهم فلم تقبل وقال العبد قبلت فالقول قول المولى مع يمينه لانه أقر بتعليق العتق بقبوله المال وهو يتم المولى ولهذا يتوقف بعد المجلس إذا كان العبد
[ 143 ] غائبا ثم العبد يدعى وجود الشرط بقبوله والمولى منكر لذلك فالقول قوله كما لو قال له قلت لك أمس أنت حران شئت فلم تشأ وقال العبد بل قد شئت فالقول قول المولى بخلاف ما لو قال لغيره بعتك هذا الثوب أمس بألف درهم فلم تقبل وقال المشتري قبلت فالقول قول المشترى لان البائع أقر بالبيع ولا يكون البيع الا بقبول المشترى فهو في قوله لم يقبل راجع عما أقربه وإذا أعتقه على مال حال أو مؤجل فله أن يشترى بذلك المال منه ما بداله يدا بيد لانه دين يجوز الابراء عنه ولا يستحق قبضه في المجلس فيجوز الاستبدال به كالاثمان ولا خير فيه نسيئة لان الدين بالدين حرام في الشرع ولو أعتق أمته على مال فولدت ثم ماتت ولم تدع شيئا فليس على الولد من ذلك المال شئ لانه انفصل عنها بعد حريتها فكان حرا وليس على الحر شئ من دين مورثه إذا مات ولو أعطته في حياتها كفيلا بالمال الذى أعتقها عليه جاز لانها حرة فثبت المال دينا عليها بصفة القوة والكفالة بمثله من الديون صحيحة بخلاف بدل الكنابة وان قال لعبده إذا أديت إلى فأنت حر لم يكن مكاتبا ولم يعتق حتى يودى لان الكتابة توجب المال على المكاتب بالقبول فيثبت له بمقابلته ملك اليد والمكاسب وهنا المال لا يجب على العبد فلا يثبت له ملك اليد والمكاسب ولكن هذا اللفظ من المولى تعليق لعتقه باداء المال فيكون كالتعليق بسائر الشروط ولهذا لا يحتاج فيه إلى قبول العبد ولا يبطل بالرد ولا يمتنع على المولى بيعه ولكن متى جاء بالمال عتق وليس للمولى أن يمتنع من قبوله عندنا استحسانا وفى القياس له ذلك وهو قول زفر رحمه الله تعالى لانه تعليق العتق بالشرط فلا يجبر المولى على ايجاد الشرط كما لو علقه بسائر الشروط وإذا لم يكن مجبرا على ايجاد الشرط لا يتم الشرط بفعل العبد لان الشرط ان يتصل بالمولى نص على ذلك بقوله ولا يتصل به الا بقبوله ودليل الوصف أنه لا يسرى إلى الولد ولا يمتنع عليه بيعه ولا يصير العبد أحق بمكاسبه ولا يحتمل الفسخ والدليل عليه أنه لو باعه ثم اشتراه ثم جاء بالمال لم يجبر على قبوله فكذلك قبل البيع لان حكم التعليق بالشرط لا يختلف بما قبل البيع وبعده وجه الاستحسان أنه مملوك تعلق عتقه بأداء مال معلوم إلى المولى فإذا خلى بين المال والمولي يعتق كالمكاتب وتأثيره أن هذا اللفظ باعتبار الصورة تعليق وباعتبار المعنى والمقصود كتابة لانه حثه على اكتساب المال ورغبه في الاداء بما جعل له من العتق وليست الكتابة الا هذا وهذا المال عوض من
[ 144 ] وجه ألا ترى أن في زوجته الطلاق بهذه الصفة يكون بائنا وان المولى لو جد المال زيوفا فرده كان له أن يستبدله بالجياد وما تردد بين أصلين يوفر حظه عليهما فوفرنا عليه التعليق في الابتداء لمراعاة لفظ المولى ودفع الضرر عنه ووفرنا عليه معنى الكتابة في الانتهاء دفعا للضرر والغرور عن العبد فقلنا كما وضع المال بين يدى المولي يعتق يدل عليه انه علق العتق بفعل يباشره العبد وهو الاداء وفى مثله لا يكون للمولى أن يمتنع منه ولا أن يمنع عبده من ذلك الفعل كما لو قال له أنت حران شئت فشاء العبد في المجلس يعتق وليس للمولى أن يمتنع من ذلك الفعل فأما إذا باعه ثم اشتراه قد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى انه إذا جاء المال يعتق هذا وما قبل البيع سواء لان التعليق لا يبطل بالبيع وعلى ما ذكره في الزيادات أنه لا يجبر المولى على القبول والعذر واضح فان معنى التعليق لا يبطل بالبيع ولكن معنى الكتابة يبطل بنفود البيع فيه واجبار المولى على القبول كان من حكم الكتابة وقد بطل ذلك بنفوذ البيع فيه فلهذا لا يجبر على القبول بعده فأما قبل البيع معنى الكتابة باق كما بينا ولسنا نعني بقولنا يجبر المولى على القبول الاجبار حسا وانما نعني أن بمجرد التخلية بينه وبين المال يعتق وليس للمولى أن يمتنع عنه وإذا أحضر العبد المال لا يمكن المولى من أن يهرب منه ثم لا يعتق العبد الا بأداء جميع المال لان الشرط لا يتم الا به حتى لو بقى من المال درهم فهو عبد على حاله ولمولاه أن يبيعه وكذلك لو كان قال له ان أديت إلى ألفا الا أن هذا على المجلس في ظاهر الرواية وروى بشر عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أنه لا يتوقت بالمجلس كالتعليق بسائر الشروط وجه ظاهر الرواية أنه بمنزلة التعليق بمشيئة العبد لانه يتخير بين الاداء والامتناع منه فكما يتوقت بالمجلس إذا قال له أنت حران شئت فكذلك هذا توضيحه أنه في الكتابة يحتاج إلى القبول في المجلس والاداء هنا بمنزلة القبول هناك من حيث أن حكم الكتابة يثبت به فيعتبر وجود الاداء في المجلس هنا اذالم يكن في لفظه ما يدل على الوقت كما يعتبر القبول في المجلس في الكتابة وإن اختلفا في مقدار المال فالقول قول المولى مع يمينه لان التعليق بالشرط ثم به فالقول قوله في بيانه بخلاف مسألة أو الباب فان العبد هناك عتق بالقبول فيكون الاختلاف بينهما في الدين الواجب عليه وهنا لا يعتق الا بالاداء فانما وقع الاختلاف بينهما فيما يقع به العتق فلهذا كان القول قول المولى فيه وان أقاما البينة فالبينة بينة العبد لانه لا منافاة بين
[ 145 ] البينتين فيجعل كان الامرين كانا فأى الشرطين أتي به العبد يعتق ولان البينات للالزام وفى بينة العبد معني الالزام فانها إذا قبلت عتق العبد بأداء الخمسمائة وليس في بينة المولى الزام فانها وان قبلت لا يجبر العبد على أداء المال وإذا قال لامته إذا أديت إلى ألفا فأنت حرة فولدت ولدا ثم أدت لم يعتق ولدها معها لانها انما عتقت عند الاداء وقد انفصل الولد عنها قبل هذا فلا يسرى إليه ذلك العتق وقد بينا أن حكم الكتابة لا يثبت بهذا اللفظ قبل الاداء فبقى ولدها مملوكا للمولى مطلقا وان أدت الالف من مال مولاها عتقت لوجود الشرط وللمولى أن يرجع عليها بمثله لان مقصود المولى لم يحصل بها فان مقصوده ان يحثها على الاكتساب لتؤدى من كسبها فيملك المولى ما لم يكن له ملكا قبل هذا وبأداء مال المولى إليه لا يحصل هذا المقصود فيرجع عليها بمثله دفعا للضرر عنه وكذلك ان أدت من كسب اكتسبه قبل هذا القول لان ذلك الكسب من ملك المولى قبل التعليق ولو أدته من كسب اكتسبته بعد هذا القول لم يرجع المولى عليها بشئ آخر لان مقصوده قد تم فان استحق المقبوض من يد المولى لم يبطل العتق لان الشرط تم باداء المستحق والعتق بعد وقوعه لا يحتمل الفسخ وللمولى ان يرجع عليها بمثله لان مقصوده لم يحصل بهذا الاداء ولو كان المولى مريضا حين قال لها ان أديت إلى الفا فأنت حرة فاكتسبت وأدت ثم مات المولى من مرضه فانها تعتق من ثلثه في القياس وهو قول زفر رحمه الله تعالى لان كسبها ملك المولى فلا يكون ملكه عوضا عن ملكه والعتق في المرض بغير عوض يكون معتبرا من الثلث وفي الاستحسان تعتق من جميع ماله لان المؤدى في حكم العوض حتى إذا وجده زيوفا استبدله بالجياد ولان الضرر مندفع عن الورثة حين استوفى المولى منها مقدار ماليتها وهذا بناء على اعتبار معنى الكتابة فيه عند الاداء استحسانا ولو قال لها إذا أديت إلى الفا كل شهر مائة فأنت حرة وقبلت فهذه مكاتبة وليس له ان يبيعها وان أدت عتقت وان كسرت شهرا واحدا ثم أدت إليه ذلك الشهر كان جائزا هكذا في نسخ أبى سليمان وفى نسخ أبى حفص رضى الله عنه قال لا تكون مكاتبة وله ان يبيعها قبل الاداء ولو كسرت شهرا ثم أدت في الشهر الثاني لم تعتق وجه رواية أبى حفص رضي الله عنه أن تعليق العتق بشرط واحد وبشروط كثيرة سواء كما في سائر الشروط وليس في هذا أكثر من أنه علق عتقه بوجود اداء المائة عشر مرات
[ 146 ] في عشرة أشهر ولو علقه باداء الالف جملة واحدة لم تكن مكاتبة ولا تعتق الا بوجود صورة الشرط فكذلك إذا علقه بالاداء عشر مرات ووجه رواية أبى سليمان رضى الله عنه انه أتي بمعني الكتابة حين جعل المال مؤجلا منجما عليه والتأجيل والتنجيم من حكم الكتابة والعبرة في العقود للمعانى دون الالفاظ ألا ترى أنه لو قال ملكتك هذا العبد بكذا كان بيعا وان لم يصرح بلفظ البيع ولان التأجيل والتنجيم للتيسير وذلك في المال الواجب فعرفنا أنه قصد ايجاب المال عليه ولا يجب عليه المال الا بالكتابة ولو قال لها إذا أديت إلى ألفا في هذا الشهر فأنت حرة فلم تؤدها في ذلك الشهر وأدتها في غيره لم تعتق على الروايتين جميعا وبهذا استشهد في نسخ أبى حفص ووجه الفرق على رواية أبى سليمان أنه ليس في هذا اللفظ ما يدل على معنى الكتابة من التنجيم والتيسير على العبد بل فيه اشتراط تعجيل أداء المال فلم يكن كتابة وقد فات الشرط بمضي الشهر قبل أدائه فلهذا لا يعتق بخلاف ما إذا صرح بالتنجيم وإذا قال متى أديت إلى ألفا فأنت حرة فمات المولى قبل الاداء بطل هذا القول كما يبطل التعليق بسائر الشروط إذ لا فائدة في بقائه بعد موت المولى لانها صارت مملوكة للوارث فلا يتوهم وجود الشرط بعد هذا على ملك المولى لتعتق به بخلاف الكتابة فان المكاتب ثبت له حكم المالكية يدا بعقد الكتابة فلا يصير ملكا للوارث ولكن يبقى على حكم ملك المولى حتى يعتق بأدائه وان كان قال ان أديت ألفا بعد موتى فأنت حرة فهذه وصية لان العتق بمال والعتق بغير مال في صحة ايجابه من المولى سواء ولو قال أنت حرة بعد موتى كان صحيحا فكذلك إذا قال إذا أديت ألفا بعد موتى فأنت حرة إذا جاءت بالمال فعلى الوصي أن يقبله منها ويعتقها ثم ان كانت قيمتها ألف درهم أو أقل فليس عليها شئ آخر استحسانا وان كانت قيمتها أكثر من ذلك فالفضل يعتبر من الثلث وهذا ومسألة المريض سواء ولو قال لعبدين له إذا أديتما إلى ألفا فأنتما حران فادي احدهما حصته لم يعتق لان شرط العتق أداؤهما جميعا المال والشرط يقابل المشروط جملة ولا يقابله جزءا فجزءا وانما ذلك من أحكام المعاوضات وكذلك لو أدى أحدهما جميع الالف من عنده لم يعتق لان الشرط أداؤهما فلا يتم بأداء أحدهما فان قال المؤدي خمسمائة من عندي وخمسمائة بعث بها صاحبي لاؤأديها اليك عتقا لان أداء الرسول كأداء المرسل فيتم الشرط بهذا وهو أداؤهما جميعا المال فان أداها عنهما رجل آخر لم يعتقا لان الشرط أداؤهما بخلاف الكتابة فان شرط العتق هناك براءته
[ 147 ] عن المال وذلك يحصل بأداء الأجنبي إذا قبله المولى ثم للمؤدى أن يرجع فيها لانه أداها ليعتقابه ولم يحصل مقصوده فان قال أؤديها اليك على أنهما حران أو على أن تعتقهما فقبل على ذلك عتقاويرجع المال إلى المؤدى أما العتق فلان قبول المولى على هذا الشرط بمنزلة الاعتاق من المولى اياهما وأما ثبوت حق الرجوع فلان عوض العتق لا يجب على الأجنبي وقد بينا هذا في الباب المتقدم وإذا أداها وقال هما أمرانى أن أؤديها اليك عنهما فقبلها عتقا لانه رسول عنهما في الاداء وأداء الرسول كأداء المرسل وقوله لعبده متى أديت إلى ألفا فأنت حر أو ان أديت أواذا أديت اذن منه له في التجاره استحسانا لوجود دليل الاذن فانه حثه على أداء المال ولا يتمكن من الاداء الا بالاكتساب فيكون هذا ترغيبا له في الاكتساب ليؤدي المال ولم يرد الاكتساب بالتكدى لانه يدنى المرء ويخسسه وانما مراده الاكتساب بالتجارة ودلالة الاذن كصريح الاذن ألا ترى أنه لو قال أد إلى ألفا كل شهر كذا كان ذلك منه اذنا له في التجارة فان اكتسب ألفي درهم فأدى إليه الفا عتق لوجود الشرط وللمولى ان يأخذ منه الالف الباقية لانه كسب عبده بخلاف المكاتب فقد ثبت له المالكية يدا في مكاسبه بعقد الكتابة فلهذا سلم الفضل له وهنا ما ثبت للعبد حكم الماليكة في مكاسبه وانما اعتبرنا معني الكتابة عند الاداء ليندفع الضرر والغرور عن العبد وذلك في قدر ما شرط عليه اداؤه فاثبتنا حقه بذلك القدر وما زاد عليه فهو للمولى لان الثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة وان قال إذا أديت إلى ألفا فأنت حر فقال العبد للمولى حط عنى منها شيئا أو اقبل منى مكانها مائة دينار فحط عنه المولى مائة درهم وأدى تسعمائة لم يعتق ألا ترى أنه لو ابرأه عن جميع المال لم يعتق وهذا لان الشرط وجود اداء الالف فلا يتم باداء تسعمائة بخلاف الكتابة فان المال هناك واجب على المكاتب فيتحقق ابراؤه عنه سواء أبرأه عن الكل أو حط بعضه وهنا لامال على العبد فالحط والابراء باطل ولا يعتق ما لم يتم الشرط وليس للعبد ان يسترد من المولى ما أخذ منه لان كسبه مملوك لمولاه وهو نظير مالو قال له إذا خدمتني سنة فأنت حر فخدمه أقل من سنة وتجاوز المولى عما بقى لم يعتق لان الشرط لم يتم وكذلك لو صالحه من الخدمة على مال كان باطلا ولا يعتق بها لان العتق المتعلق بالشرط لا ينزل ما لم يوجد الشرط بعينه ولا تتحقق الخدمة بهذا الصلح فلا يعتق به الا أن يقول المولى له عند الصلح أنت حر ان أديت هذا ولو قال لعبده ان أديت إلى كذا من العروض فأنت حر فأداها إليه عتق
[ 148 ] لوجود الشرط الا أنه ان كان ذلك شيئا يصلح أن يكون عوضا في الكتابة يجبر المولى على قبوله بمنزلة الالف وان كان لا يصلح عوضا في الكتابة لا يجبر على قبوله ولكن ان قبله يعتق لان الاجبار على القبول باعتبار معنى الكتابة ولو قال أخدمني وولدي سنة ثم أنت حر أو إذا خدمتني واياه سنة فأنت حر فمات المولى قبل مضى السنة لم يعتق به لان الشرط لم يتم وقد بينا أن التعليق يبطل بموت المولى وكذلك ان مات الولد فقد فات شرط العتق بموته فلا يعتق بعد ذلك ولو قال أنت حر على أن تخدمني سنة فقبل فهو حر والخدمة عليه يوخذ بها لانه أوجب له العتق هنا بقبول الخدمة وفي الاول أوجب له العتق بوجود الخدمة ثم الخدمة في مدة معلومة تصلح أن تكون عوضا فيصح التزامه دينا بمقابلة العتق فان مات المولى فللورثة ان يأخذوه بما بقى من خدمة السنة من قيمته في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الآخر وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وفى قول الاول وهو قول محمد رحمه الله تعالى انما يأخذونه بما بقى من الخدمة قال عيسى وهذا غلط بل على قولهم جميعا هنا يأخذونه بما بقي من خدمة السنة لان الخدمة دين عليه فيخلفه وارثه بعد موته كما لو كان أعتقه على ألف درهم واستوفي بعضها ثم مات كان للورثة أن يأخذوه بما بقى من الالف ولكن في ظاهر الرواية يقول الناس يتفاوتون في الخدمة وانما كان الشرط أن يخدم المولى فيفوت ذلك بموت المولى كما يفوت بموت العبد ولو مات العبد قبل تمام السنة فللمولى أن يأخذ من تركته بقدر ما بقى عليه من خدمة السنة من قيمته في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الآخر وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وفى قوله الاول وهو قول محمد رحمه الله تعالى من قيمة الخدمة وأصل المسألة في كتاب البيوع إذا باع نفس العبد منه بجارية فاستحقت أو هلكت قبل القبض في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الآخر وهو قول إبى يوسف رحمه الله تعالى يرجع على العبد بقيمة نفسه وفي قوله الاول وهو قول محمد رحمه الله تعالى يرجع بقيمة الجارية الا أن هذا القدر ليس بقوى فان الخدمة عبارة عن خدمة البيت وهو معروف بين الناس لا يتفاوتون فيه فلا يفوت بموت المولى ولكن الاصح أن يقول الخدمة عبارة عن المنفعة والمنفعة لا تورث فلا يمكن ابقاء عين الخدمة بعد موت المولى فلهذا كان المعتبر قيمته أو قيمة الخدمة على حسب ما اختلفوا فيه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
[ 149 ] (باب بيع أمهات الاولاد) (قال) رضى الله عنه بيع أم الولد باطل في قول جمهور الفقهاء وكان بشر المريسى وداود ومن تبعه من أصحاب الظواهر رضوان الله عليهم أجمعين يجوزون بيعها لان المالية والمحلية للبيع قبل الولادة معلوم فيها بيقين فلا يرتفع الابيقين مثله وخبر الواحد لا يوجب علم اليقين ولكنا نقول في معارضة هذا الكلام لما حبلت من المولى امتنع بيعها بيقين فلا يرتفع ذلك الا بيقين مثله ولا يقين بعد انفصال الولد (فان قال) انما امتنع بيعها لان في بطنها ولدا حرا وقد علمنا انفصاله عنها (قلنا) لا كذلك بل انما امتنع بيعها لثبوت الحرية في جزء منها فان الولد يعلق من الماءين حر الاصل وماؤها جزء منها وثبوت الحرية لجزء منها مانع من بيعها وهذا المعنى لا ترتفع بالانفصال واليه أشار عمر رضى الله عنه فقال أبعد ما اختلطت لحومكم بلحومهن ودماؤكم بدمائهن أو انما امتنع بيعها لانها صارت منسوبة إليه بواسطة الولد يقال أم ولده وهذه النسبة توجب العتق فيمتنع البيع ضرورة وبالانفصال يتقرر هذا المعنى ولا يرتفع ثم الآثار المشهورة تدل على ذلك فمنه حديث عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي ﷺ قال أيما أمة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه ولما ولدت مارية إبراهيم من رسول الله ﷺ ورضى الله عنهما قيل لرسول الله ﷺ الا تعتقها قال قد أعتقها ولدها ففى هذين الحديثين دليل استحقاق العتق لها وذلك يمنع البيع وفى حديث سعيد بين المسيب رضى الله عنه قال أمر رسول الله ﷺ يعتق أمهات الاولاد من غير الثلث وان لا يبعن في دين ففيه دليل استحقاق العتق وانعدام المالية والتقوم فيها حين لم يجعل عتقها من الثلث ولم يثبت حق الغرماء فيها وفيه دليل أنه لا يجوز بيعها لحاجة المولى في حياته ولا بعد موته وحديث سلامة بنت معقل قالت اشتراني الحباب بن عمرو فولدت منه ثم مات فجئت إلى النبي ﷺ فأخبرته اني ولدت من الحباب فقال من وارث الحباب فقال أبو بشر بن عمرو فقال أعتقوا هذه فإذا اتانا سبى فأتونا حتى نعوضكم وتاويله ان وارث الحباب كان ينكر ولادتها منه ومع ذلك أمره رسول الله ﷺ أن يعتقها احتياطا ووعده العوض من عنده فهو دليل على ان الاستيلاد إذا كان ظاهرا ثبت به استحقاق العتق
[ 150 ] ولا يجوز بيعها وحديث عبيدة السلمانى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال استشارني عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه في عتق أمهات الاولاد فاجتمعت انا وهو على عتقهن ثم رأيت بعد ذلك ان ارقهن فقال أبو عبيدة رأى ذوى عدل أحب إلى من رأى ذى عدل وحده فدل انهم كانوا مجمعين على استحقاق العتق لها في الابتداء (فان قيل) فكيف جوز على رضى الله تعالى عنه مخالفة الاجماع بعد ذلك (قلنا) يحتمل أنه كان من مذهبه ان الاجماع لا يتم الا بانقراض ذلك العصر ويحتمل ان معنى قوله ثم رأيت ان أرقهن إلى اداء السعاية فلا يكون هذا منه خلافا في أصل استحقاق العتق بل في صفته أنه من الثلث أو من جميع المال وعن إبراهيم ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان ينادى على منبر رسول الله ﷺ الا ان بيع أمهات الاولاد حرام ولا رق عليها بعد موت مولاها وعن إبراهيم في أم الولد إذا أسقطت سقطا قد استبان خلقه كانت به أم ولد هكذا روى عنه حماد وروى عنه الحكم إذا أسقطت مضغة أو علقة كانت به أم ولد وكانه على هذه الرواية اعتبر نفس اختلاط الماءين كما في حديث عمر رضى الله عنه ولسنا ناخذ بهذا وانما نأخذ بحديث حماد عنه لان السقط الذى لم يستبن شئ من خلقه ليس بولد فلا تصير به أم ولد بخلاف السقط الذى استبان بعض خلقه فانه ولد في الاحكام فيتحقق نسبتها إليه بواسطة وإذا أقر الرجل ان حمل أمته منه صارت أم ولد له وله خدمتها ووطؤها ولا يجوز له ان ينقل ملكها إلى غيره اما إذا ظهر ولادتها بعد هذا الاقرار فلا اشكال فيه لان نسب الولد ثبت منه باقراره فان ثبوت النسب من وقت العلوق باقراره واقراره مصادف محله وأما إذا لم تظهر ولادتها وزعم المولى أنه كان ريحا في بطهنا وصدقته في ذلك فهى بمنزلة أم الولد أيضا لان الحمل اسم للولد وقد ثبت لها حق العتق باقراره المتقدم فلا يصدقان على ابطاله كما لا يصدقان على ابطال حقيقة العتق وكذلك لو كان قال ما في بطنك من ولد فهو منى ولو كان قال ما في بطنك منى ثم تصادقا أنه كان ريحا في بطنها فله أن يبيعها لانه ليس في لفظه تصريح بوجود الولد في بطنها فلا يكون مقرا لها بحق العتق بهذا اللفظ بخلاف ما سبق وان قال ان كانت حبلى فهو منى فولدت ولدا أو أسقطت سقطا قد استبان خلقه أقرا المولى به فهى أم ولده إذا جاءت بالولد لا قل من ستة أشهر لان ولادتها هذا الود ثبت باقراره ووجوده في البطن عند دعواه معلوم وان أنكر المولى الولادة فشهدت عليه امرأة جاز ذلك وثبت النسب
[ 151 ] لان الولادة تثبت بشهادة المرأة الواحدة كما تثبت باقراره ثم النسب وأمية الولد انما تثبت باقرار المولى لا بشهادة القابلة وإذا ولدت المدبرة من السيد صارت أم ولد له وبطل التدبير معناه أنه لا يظهر حكم التدبير بعد ثبوت أمية الولد لان كل واحد منهما يوجب استحقاق العتق لها في الحال وتعلق التنجز بموت المولى والاستحقاق بالاستيلاد أقوى حتى يكون من جميع المال والتدبير من الثلث والضعيف لا يظهر في مقابلة القوى فلهذا قال وقد بطل التدبير وإذا أقر في صحته ان أمته هذه قد ولدت منه صارت أم ولده لانه أقر باستحقاق العتق لها في حال يملك انشاء عتقها مطلقا والمقر يعامل في حق نفسه كأنما أقربه حق إذا لم يكن في المحل حق لاحد سواه كان الثابت باقراره كالثابت بالمعاينة وان أقر بذلك في مرضه فان كان معها ولد فكذلك الجواب لان نسب الولد ثبت منه فان المريض غير محجور على الاقرار بالنسب وثبوت نسب الولد شاهد لها بمنزلة مالو أقامت البينة على أنها أم ولده وان لم يكن معها ولد عتقت من الثلث لان اقراره لها باستحقاق العتق بمنزلة تنجيز العتق ولو نجز عتقها كان من الثلث لان حق الورثة قد تعلق بها بمرضه توضيحه أنه إذا كان معها ولد فهو محتاج إلى إثبات نسب ولده منه كيلا يضيع نسله وحاجته مقدم على حق الورثة فانما صرفها مع ولدها إلى حاجته فكانت من جميع ماله وإذا لم يكن معها ولد فهو بكلامه ما صرفها إلى حاجته بل أقر بعتقها بعد موته فيكون معتبرا من ثلثه وإذا زوج أم ولده من رجل جاز النكاح لان الفراش الثابت له عليها سببه ملك اليمين وذلك غير ملزم للمولى فلا يمنع صحة تزوجيه اياها فإذا ولدت من الزوج فولدها بمنزلتها أما ثبوت النسب من الزوج فلانها ولدته على فراشه وأما ثبوت حق أمية الولد لهذا الولد فلانه جزء منها فانما ينفصل عنها بصفتها وكما أنها تعتق بالموت ولا تسعى لاحد فكذلك ولدها من غير المولى ألا ترى أن الولد لا ينفصل من الحر الاحرا وعلى المولى في جناية أم الولد قيمتها لا يلزمه أكثر من ذلك وان كثرت الجناية منها لانه بالاستيلاد السابق منع دفعها بالجناية على وجه لم يصر مختارا لانه ما كان يعلم انها تجنى ولو كانت محل الدفع لم يكن عليه الا دفعها بالجناية وان كثرت الجناية منها فكذلك لا يلزمه الاقيمة واحدة لانه ما منع الارقبة واحدة واما الدين الذى يلحقها بغصب أو استهلاك فانها تسعى فيه بالغا ما بلغ لان الدين ثابت في ذمتها ولو كانت محل البيع لكانت تباع فيه ويصرف كسبها ورقبتها
[ 152 ] إلى ديونها فإذا تعذر بيعها بالاستيلاد وجوب قضاء ديونها من كسبها بخلاف الجناية فانها تتباعد عن الجاني وتتعلق بأقرب الناس إليه ألا ترى أن دين المملوك يبقى في ذمته بعد بيعه ولا تبقى الجناية في رقبته بعد بيعه أو عتقه وولد أم الولد ثابت النسب من المولى ما لم ينفه لانها فراش له وقال عليه الصلاة والسلام الولد للفراش ولكن ينتفى عنه بمجرد النفى عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى ان لم يكن استبرأها بحيضة يلزمه نسب ولدها وليس له ان ينفيه وان كان قد استبرأها بحيضة بعد ما وطئها لا يلزمه نسب ولدها الا بالدعوة وحكمها وحكم الامة التى ليست بام ولد سواء عنده بناء على أصلين له احدهما انه لاعدة على أم الولد بعد العتق كالامة القنة وانما يلزمها الاستبراء بحيضة وقد بينا هذا في كتاب النكاح والثاني ان عنده الامة تصير فراشا بنفس الوطئ وقد بينا هذا أيضا فيما امليناه من شرح الدعوى فإذا صارت عنده فراشا بالوطئ لا يرتفع حكم هذا الفراش الا بالاستبراء فان جاءت بالولد قبل أن يستبرأها يلزمه النسب لوجود دليله شرعا فلا يملك نفيه كما لو قامت البينة به وان استبرأها بحيضة فقد انعدم حكم ذلك الفراش لان بسببها كان اشتغال رحمها بمائه بالوطئ وقد انعدم ذلك بالاستبراء فلا يلزمه النسب إلا بالدعوة وعندنا له على أم الولد فراش معتبر ولهذا لزمها ان تعتد بثلاث حيض بعد العتق فثبت النسب باعتبار الفراش ولكن هذا الفراش غير ملزم في حقه ولهذا يملك تزويجها من غيره فكما ينفرد بنقل الفراش إلى غيره ينفرد بنفي نسب الولد وانما يملك نفيه ما لم يقض به القاضى أو يتطاول ذلك فاما بعد قضاء القاضى فقد لزمه بالقضاء على وجه لا يملك ابطاله كذلك بعد التطاول لانه يوجد منه دليل الاقرار في هذه المدة من قبول التهنئة ونحوه فيكون كالتصريح بالاقرار واختلافهم في مدة التطاول قد سبق بيانه في باب اللعان من كتاب الطلاق فاما الامة والمدبرة فلا يلزمه ولدهما وان حصنهما وطلب ولدهما ما لم يقربه لان الفراش على المملوكة لا يثبت بالوطئ عندنا والنسب لا يثبت بدون الفراش الا أنه روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه إذا وطئها ولم يعزل عنها وحصنها فله أن يدعي نسب ولدها وليس له أن ينفيه فيما بينه وبين ربه لان الظاهر أنه منه والبناء علي الظاهر واجب فيما لا تعلم حقيقته فأما إذا عزل عنها أو لم يحصنها فله أن ينفيه لان هذا الظاهر يقابله ظاهر آخر وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه إذا وطئها ولم يستبرئها بعد ذلك حتى جاءت بالولد فعليه أن يدعيه سواء عزل عنها أولم يعزل
[ 153 ] حصنها أو لم يحصن تحسينا للظن بها وحملا لامرها على الصلاح ما لم يتبين خلافه ولان ما يظهر عقيب سببه يكون محالا به عليه حتى يتبين خلافه وعند محمد رحمه الله تعالى لا ينبغى له أن يدعى النسب إذا لم يعلم أنه منه ولكن ينبغى له أن يعتق الولد ويستمتع بها ويعتقها بعد موته لان استلحاق نسب ليس منه لا يحل شرعا فيحتاط من الجانبين وذلك في أن لا يدعى النسب ولكن يعتق الولد ويعتق الام بعد موته لاحتمال أن يكون منه ولا ينبغى له أن يزوج أم ولده حتى يستبرئها بحيضة لجواز أن تكون حاملا من المولى فلا يكون تزويجها صحيحا ولكن هذا التوهم يوجب الاحتياط ولا يبطل النكاح فإذا اشتراها فقد علم أنها ليست بحامل فيتزوجها بعد ذلك وان زوجها قبل الاستبراء فولدت لا قل من ستة أشهر فهو من المولى والنكاح فاسد لانا تيقنا أن العلوق سبق النكاح على فراش المولى وان زوجها وهى حامل ومن كان في بطنها ولد ثابت النسب من أحد لا يجوز تزويجها وان ولدته لاكثر من ستة أشهر فالنسب ثابت من الزوج لانها علقت على فراشه فان ادعاه المولى عتق باقراره ونسبه ثابت من الزوج وقد تقدم بيان هذا الفصل وإذا حرمت أم الولد على مولاها بوطئ ابنه اياها فان جاءت بولد بعد ذلك لاكثر من ستة أشهر لم يلزمه الا أن يدعيه وعند زفر رحمه الله تعالى ثبت النسب منه وله أن ينفيه لانه ما اعترض على فراش آخر فيكون النسب ثابتا منه بالفراش وثبوت الحرمة بهذا السبب كثبوتها بالحيض وذلك لا يقطع الفراش ولكنا نقول تحسين الظن بالمسلم واجب فلو أثبتنا النسب منه من غير دعوة لكان فيه حمل أمره على الفساد والحكم عليه بمباشرة الوطئ الحرام وذلك لا يجوز الا أن توجد الدعوى منه فحينئذ يحكم بذلك باقراره وان جاءت به لاكثر من سنتين وان جاءت به لاقل من سنتين وزعم أنه كان من علوق قبل الحرمة وجب قبول قوله في ذلك للاحتمال وإذا مات عن أم ولده أو أعتقها فعليها أن تعتد بثلاث حيض هكذا نقل عن على وابن مسعود رضى الله عنهما وقد بينا هذا في كتاب النكاح وكذلك ان كانت حرمت عليه قبل ذلك لانها بالحرمة ما صارت فراشا لغيره الا أن يثبت نسب الولد منه لتحسين الظن به لا لانعدام الفراش حتي إذا ادعى يثبت النسب منه فإذا أعتقها فقد زال الفراش إليها بالعتق في هذه الحالة فتلزمها العدة لهذا وإذا أعتق أم ولده فجاءت بولد ما بينها وبين سنتين من يوم أعتقها فنفاه فنفيه باطل لان فراشها قد
[ 154 ] تأكد بحريتها ألا ترى أنه لا يملك تزويجها من غيره ما لم تنقض عدتها فكانت كالمنكوحة في هذه الحالة والمعتدة من نكاح متى جاءت بولد لاقل من سنتين من وقت الفرقة ثبت النسب من الزوج على وجه لا يملك النفي فكذلك هنا وان أقرت بانقضاء عدتها بثلاث حيض ثم جاءت بولد لاقل من ستة أشهر ثبت النسب منه وان جاءت به لاكثر من ستة أشهر لا يثبت نسبه منه كما في المعتدة من نكاح وإذا تزوج أمة رجل فولدت ثم اشتراها أو ملكها بسبب آخر صارت أم ولد له عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا تصير أم ولد له وفي المغرور إذا ملك الجارية له وجهان احتج بقوله ﷺ أيما أمة ولدت من سيدها فشرط لثبوت حق العتق لها أن تلد من سيدها وهذه ولدت من زوجها لامن سيدها والمعني فيه أنها علقت برقيق فلا تكون أم ولد بذلك كما لو استولدها بالزنا ثم ملكها وتأثيره أن ثبوت حق أمية الولد إذا علقت من سيدها باعتبار أن الولد يعلق حر الاصل من الماءين وماؤها جزء منها فثبوت الحرية لذلك الجزء يوجب ثبوت الحرية لجميعها الا أن اتصال الولد بها بعرض الانفصال وجعل الولد كشخص على حدة في بعض الاحكام فلوجود حقيقة الاتصال أثبتنا حق العتق لما بقى منها ولكونه بعرض الانفصال وبمنزلة شخص على حدة في بعض الاحكام لا تثبت حقيقة الحرية لما بقي منها في الحال وهذا المعنى لا يوجد إذا علقت برقيق وحقها في أمية الولد ليس في معنى حق الولد في الحرية لان الولد انما يعتق عليه باعتبار الجزئية ولهذا لو كان الاستيلاد بالزنا فملكه يعتق عليه ولا يوجد ذلك المعني في حق الام وعلى هذا الطريق يقولون في المغرور أن الجارية تصير أم ولد له إذا ملكها لانها علقت بحر والطريق الآخر أن موجب الاستيلاد ثبوت حق العتق لها فإذا حصل قبل الملك لا يكون موجبا في الملك الذى يحدث بعده كالتدبير وحقيقة العتق وعلى هذا الطريق في المغرور يقولون لا تصير أم ولد له (وحجتنا) في ذلك أنه ملكها وله منها ولد ثابت النسب فتكون أم ولده كما لو استولدها في ملكه وتأثيره أن حق العتق ثبت لها بالاسيتلاد كما قال ﷺ أعتقها ولدها والملك في المحل شرط فإذا تقرر السبب قبل الملك توقف على وجود شرطه وهو الملك ألا ترى ان في حرية الولد لما تقرر السبب قبل الملك وهو النسب توقف على وجود شرطه وهو الملك حتي إذا ملكه يعتق فكذلك في الام لان حقها تابع لحق الولد بخلاف التدبير والعتق قبل الملك فان ذلك
[ 155 ] لغو شرعا فلا يظهر حكمه بعد الملك وهذا السبب متقرر شرعا توضيحه ان حق العتق لام الولد باعتبار انها منسوبة إليه بواسطة الولد فان للجزئية تأثيرا في النسبة والولد جزء منها فتصير هي منسوبة له باعتبار هذه الواسطة حتى يقال أم ولده وهذا متقرر حتى يثبت نسب الولد بنكاح كان أو بملك ولا معتبر بما قاله الخصم من حرية الماء الذى هو في حكم الجزء ولانه لو أعتق ما في بطن جاريته لم يثبت لها حق العتق ولا حقيقة العتق فلو كان ثبوت حق العتق لها باعتبار الاتصال والجزئية لثبت هنا لان الثابت لها باعتبار الجزئية من جنس ما هو ثابت للجزء والثابت للولد حرية الاصل على وجه لا يعقب الولاء والثابت لها حق العتق على وجه يثبت به الولاء ولا مشابهة بينهما فعرفنا ان الطريق فيه ما قلنا وهو ثبوت نسب الولد ويستوى ان كان النكاح بينهما ظاهرا أو أقر بذلك وأنكر مولاها ثم ملك لان المقر يعامل في حق نفسه كان ما أقر به حق فأما إذا استولدها بالزنا وأقر بذلك ثم ملكها في القياس تصير أم ولد له وهو قول زفر رحمه الله تعالى لانه أقر لها بحق العتق وللولد بحقيقة العتق ثم في حقيقة العتق للولد لا فرق بين ما إذا أقربه بالنكاح أو الزنا فكذلك في حق العتق لها ولكن استحسن علماؤنا رحمهم الله تعالى فقالوا انها لا تصير أم ولد له لان الموجب لحق العتق لها صيرورتها منسوبة إليه بواسطة الولد وهذا المعنى لا يوجد هنا لان نسب الولد بالزنا لا يثبت وهى لا تصير منسوبة إليه بدون هذه الواسطة فلهذا لا تكون أم ولد له فاما الولد يعتق عليه إذا ملكه لانه وان انعدم هذا المعنى في حق الولد فقد وجد معني آخر وهو الجزئية لان الجزئية لا تنعدم حقيقة بسبب ان الولد بالزنا والانسان كما لا يستديم الملك على نفسه لا يستديم الملك على جزئه فلهذا يعتق الولد إذا ملكه يقرره ان حال الام في حق أمية الولد كحال الاخ فانه ينسبه إلى أخيه بواسطة الاب ثم من ملك أخاه من الزنا لا يعتق الاخ لان الواسطة قد انعدمت حين لم يثبت النسب بالزنا فكذلك الواسطة هنا قد انعدمت حين لم يثبت نسب ولدها بالزنا فلهذا لا تصير أم ولد له ولو زوج أمته عبده فولدت فادعاه المولى بعتق الولد وتكون أمه بمنزلة أم الولد له وهنا نسب الولد غير ثابت من المولى ومع ذلك الجارية تكون أم ولد له وانما كان كذلك لاحتمال أن يكون الولد ثابت النسب من المولى يعلوق سبق النكاح والشبهة بعد النكاح الا أن هذا الاحتمال غير معتبر في حق النسب لثبوت نسبه من الزوج واستغنائه به عن النسب فبقى معتبرا في حق الام لانها محتاجة إلى
[ 156 ] حق أمية الولد بخلاف ما إذا أقر بالاستيلاد بالزنا لانه لااحتمال النسب هناك مع تصريحه بالزنا وإذا اشترى أمة لها ثلاثة أولاد فادعى أحدهم فان كانوا ولدوا في بطن واحد ثبت نسبهم جميعا منه لانهم في حكم النسب كشخص واحد فانهم خلقوا من ماء واحد وان كانوا في بطون مختلفة لم يثبت الانسب الذى ادعاه والباقيان رقيقان ويبيعهما ان شاء لانهم ولدوا في غير ملكه فتكون دعوته فيهم دعوة تحرير ودعوة التحرير بمنزلة الاعتاق ولو أعتق أحدهم لم يعتق الا ذاك فكذلك إذا ادعى نسب أحدهم ولو ولدوا في ملكه بأن ولدت أمة رجل ثلاثة أولاد في بطون مختلفة فان ادعى الاصغر فانه يثبت نسب الاصغر منه وله أن يبيع الآخرين بالاتفاق وان ادعي الاكبر ثبت نسب الاكبر منه والاوسط والاصغر بمنزلة الام ليس له أن يبيعهما ولا يثبت نسبهما منه الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول ثبت نسبهما منه لانه ثبت لها حق أمية الولد من حين علقت بالاكبر ونسب ولد أم الولد ثابت من المولى ما لم ينفه ولا يجوز أن يقال تخصيص الاكبر بالدعوة دليل النفي في حق الآخرين لان هذا مفهوم والمفهوم ليس بحجة عندنا ولكنا نقول يحق عليه شرعا الاقرار بنسب ولد هو منه ولما خص الاكبر بالدعوة بعد ما لزمه هذا شرعا كان هذا منه نفيا للآخرين وهذا نظير ما قيل السكوت لا يكون حجة ولكن السكوت بعد لزوم البيان يجعل دليل النفي فهذا مثله وكما أن دليل الدعوة كالتصريح فدليل النفى كالتصريح به ولو نفى الآخرين لم يثبت نسبهما وكانا عنده بمنزلة أمهما وكذلك لو اشترى ابن أم ولد له من غيره بأن استولد جارية بالنكاح ثم فارقها فزوجها المولى من غيره فولدت ثم اشترى الجارية مع الولدين فالجارية تكون أم ولد له وولده حر فأما ولدها من غيره فله أن يبيعه في قول علمائنا رحمهم الله تعالى ولا تصير بمنزلة الام وعلى قول زفر رحمه الله تعالى تصير بمنزلة الام ليس له أن يبيعه ويعتق بموته لانها ولدته بعد تمام سبب أمية الولد وهو نسب الولد فيكون حاله كحال أمه ألاتري أنها لو ولدته بعد ما ملكها من غيره كان الولد بمنزلة أمه فكذلك هنا (وحجتنا) أن السبب لا يوجب الحكم الا في محله والمحل ملكه فما لم يثبت الملك فيها لا يثبت لها حق أمية الولد بذلك النسب وكل ولد انفصل قبل ثبوت حق أمية الولد فيها لا يسرى حق أمية الولد إلى ذلك الولد لان السراية باعتبار الاتصال ألا ترى أنه لو أعتق أمته وقد ولدت قبل ذلك لم يعتق الولد فكذلك لا يسرى حق أمية الولد إلى
[ 157 ] الولد المنفصل قبل ثبوت الحق فيها بخلاف ما تلد بعد ثبوت الحق فيها وإذا ولدت أمة بين رجلين فادعاه أحدهما في صحته أو في مرضه فهو ابنه لانه يملك جزءا منها وقيام ملكه في جزء منها كقيام الملك في جميعها في صحة الدعوة فان اعتبار جانب ملكه يثبت النسب منه بالدعوة واعتبار جانب ملك شريكه يمنع من ذلك فيغلب المثبت للنسب احتياطا ألا ترى أنه يسقط الحد عنه بهذا الطريق ويجب العقر فكذلك يثبت النب منه بالدعوة لان الولد محتاج إلى النسب وبعضه ملكه فلا بد من اثبات نسب ذلك البعض منه بدعوته والنسب لا يتجزى في محل واحد والجارية أم ولد له لان نصيبه منها صار أم ولد والاستيلاد لا يحتمل التجزى في محل واحد لانه فرع النسب فيصير متملكا نصيب شريكه لضرورة عدم احتمال الاستيلاد للتجزى ويضمن نصف قيمتها لشريكه يوم وطئها فعلقت لان أمية الولد ثبت لها من وقت العلوق فيصير متملكا نصيب شريكه عليه من ذلك الوقت ولا يتملكها الا بعوض فلهذا يضمن قيمتها من ذلك الوقت وعلى نصف عقرها لان أصل الوطئ حصل منه ونصفها ملك لشريكه وقد سقط الحد بشبهة فيجب العقر وانما قلنا ذلك لان تملك نصيب الشريك هنا حكم الاستيلاد لا شرطه فان قيام ملكه في نصفها يكفي لصحة الاستيلاد وحكم الشئ يعقبه وليس عليه من قيمة الولد شئ لان الولد علق حر الاصل باعتبار قيام الملك له في نصفها وقت العلوق ولانه حين علق كان ماء مهينا لا قيمة له فلهذا لا يغرم من قيمة الولد للشريك شيئا وضمان نصف قيمتها عليه في حالتى اليسار والعسرة لانه ضمان التملك الا أنه روى المعلى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه إذا كان المستولد معسرا تؤمر هي بالسعاية في نصف قيمتها للشريك لان حق العتق قد ثبت لها فنصيب الشريك من وجه كانه احتبس عندها وكذلك ان ادعى أحدهما نسب الولد وأعتق الآخر الولد وخرج القول منهما معا فعتق الآخر باطل وكذلك ان ادعي أحدهما نسب الولد وأعتقها الآخر لان دعوى النسب تستند إلى وقت العلوق فيكون سابقا معني وان اقترن بالعتق صورة ولما ثبت به للولد حرية الاصل فاعتاق الآخر إياه باطل وكذلك الام لما صارت أم ولد لمدعى النسب من حين علقت فقد أعتقها الآخر وهو لا يملكها فلهذا كان العتق باطلا ودعوة الآخر أولى كافرا كان أو مسلما لان صحة دعوة النسب باعتبار ملكه وقت العلوق والمسلم والكافر في ذلك سواء فان كانت الجارية بين مسلم وذمى ومكاتب
[ 158 ] وعبد فولدت فادعوا جميعا فدعوة المسلم أولى عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى وهو رواية عن أبى يوسف دعوة المسلم والذمى سواء اما المكاتب والعبد فليس لهما حقيقة الملك ولا تعارض دعوتهما دعوة من له حقيقة الملك واما المسلم والذمى فزفر يقول لكل واحد منهما ملك في نصيبه على الحقيقة وصحة الدعوى باعتبار الملك فلا يترجح المسلم باسلامه بعد ما تساويا في السبب كما في سائر الدعاوى ولكنا نقول دعوة المسلم توجب الاسلام للولد ودعوة الكافر توجب الكفر له فيترجح الموجب للاسلام لانه أنفع للولد توضيحه أنه لابد من اعتبار دعوة المسلم والحكم باسلام الولد به وبعد ما حكم بذلك فقول الكافر على المسلم ليس بحجة فلهذا كانت دعوة المسلم أولى وان كان نصيبه أقل الانصباء لان صحة دعوته باعتبار أصل ملكه في جزء منها إذا لا معتبر بقدر الملك في تصحيح الدعوى وعليه ضمان حصة شركائه من قيمة الامة والعقر لما بينا وعلى كل واحد من الآخرين حصة شركائه من العقر لا قراره بالوطئ حين ادعى النسب الا أن العبد يؤخذ به بعد العتق لان وجوب هذا الدين لا بسبب التجارة فاقراره به صحيح في حقه فيؤاخذ به بعد العتق ولو كان مكان الحر المسلم مدبرا مسلما كان الولد ولد الذمي الحر لان الملك على الحقيقة له وليس لاحد من شركائه حقيقة الملك وقد بينا ان الدعوة بحقيقة الملك لا تعارضه الدعوة بحق الملك ثم في تصحيح دعوة الكافر هنا اثبات الحرية للولد وفيه منفعة ظاهرة له ولا يقال في تصحيح دعوة المملوك اثبات الاسلام للولد لان في الحال منفعته في الحرية فيما يرجع إلى أمور الدنيا أظهر وباعتبار المال إذا بلغ لا يمكنه أن يحصل الحرية لنفسه ويمكنه أن يكتسب سبب الاسلام لنفسه بأن يهديه الله تعالي فيسلم فلهذا رجحنا جانب الحرية وجعلنا الولد ولد الذمي الحر ولو لم يكن فيهم ذمى كان ابن المكاتب لان للمكاتب حق الملك في كسبه وليس للعبد والمدبر ذلك فلا تعارض دعوتهما دعوة المكاتب يقرره أن المكاتب له نوع مالكية فانه مالك يدا ولو رجحنا دعوته ثبت للولد مثل ذلك أيضا لانه يتكاتب عليه فلهذا رجحنا دعوته على دعوة المدبر والعبد ولو لم يكن فيهم مكاتب لم تجز دعوي المدبر والعبد لان كسبهما ملك المولى ودعوى النسب في ملك الغير لا يصح من الحر فكيف يصح من العبد وبنحوه علل فقال من قبل أن المولى لم يزوجهم ولو صدقهما المولى بالولد وقالا كنا وطئناها بغير نكاح لم يثبت النسب أيضا لما قلنا وذكر
[ 159 ] في كتاب الدعوى أن دعوة العبد المأذون نسب ولد جارية من كسبه تكون صحيحة كدعوة المكاتب لما للمأوذن من اليد في كسبه فقالوا تأويل ما ذكر هنا أن العبد إذا كان محجورا عليه فوهب له جارية وهو فارغ عن الدين حتى يكون كسبه خالص حق المولى وليس له فيه يد ولا ملك فحينئذ لا يثبت النسب منه إذا لم يدع شبهة وإذا ولدت الامة من الرجل ثم اشتراها هو وآخر فهى أم ولد له لان نصيبه منها صار أم ولد له والاستيلاد لا يحتمل التجزى فيثبت في نصيب شريكه أيضا ويضمن لصاحبه نصف قيمتها موسرا كان أو معسرا لان هذا ضمان التملك فالرضا لا يمنع وجوبه وكذلك ان ورثاها لان ضمان التملك لا يعتمد الصنع وبالارث انما ينعدم الصنع وهذا لان وجوب هذا الضمان باحتباس نصيب الشريك عند المستولد ملكا وهذا المعنى يتقرر في الميراث فان ورثا معها الولد وكان الشريك ذا رحم محرم من الولد عتق عليهما جميعا لان علة العتق وهو الملك والقرابة تم لكل واحد منهما في نصيبه وان كان الشريك أجنبيا عتق نصيب الاب وسعى للشريك في نصيبه لان وجوب ضمان العتق يعتمد الصنع والميراث يدخل في ملكه من غير صنع وكذلك ان اشتريا أو وهب لهما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان عرف الأجنبي أن شريكه أبوه أو لم يعرف وعندهما يضمن الاب نصيب الشريك ان كان موسرا وقد بينا هذا فيما سبق أمة بين رجلين قد ولدت من زوج حر فاشترى الزوج حصة أحدهم من الام والولد وهو موسر فهو ضامن لنصيب شريكه من الام لانه يملك نصيبه حين صارت أم ولد له وشريكه في الولد بالخيار ان شاء ضمنه وان شاء استسعاه وان شاء أعتقه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان بالشراء صار معتقا لنصيبه من الولد ولم يساعده الشريك على ذلك ولا رضى به ولو أن أمة غرت رجلا من نفسها فادعت أنها حرة فتزوجها وولدت له ولدا ثم استحقها رجل فانه يقضى له بها وبقيمة الولد والعقر على الواطئ هكذا روي عن عمر وعلى رضى الله عنهما وقد بينا أحكام ولد المغرور في كتاب النكاح والدعوى ثم إذا عتقت رجع عليها الاب بقيمة الولد لان ضمان الغرور كضمان الكفالة والمملوك انما يؤاخذ بضمان الكفالة بعد العتق فان اشترى أب الولد نصفها من مولاها صارت أم ولد له لان نسب ولدها ثبت منه ويضمن نصف قيمتها لمولاها لانه يملك النصف الباقي عليه بالاستيلاد وإذا ادعى رجلان ولد جارية بينهما فهو ابنهما يرثهما ويرثاه وحكم ثبوت النسب من رجلين قد بيناه بتمامه فيما أمليناه من
[ 160 ] شرح الدعوى ومقصوده هنا بيان حكم أمية الولد فنقول الجارية أم ولد لهما لثبوت سبب ولدها منهما والاستيلاد لا يحتمل الوصف بالتجزى في المحل ولكن إذا ثبت لا ثنين لا يظهر به حكم التجزي في المحل كملك القصاص لا يحتمل الوصف بالتجزى في المحل ثم يجوز أن يجب القصاص لاثنين على شخص واحد والعتق على قولهما لا يتجزى في المحل ثم إذا باشره رجلان كان كل واحد منهما معتقا للنصف فإذا ثبت أنها أم ولد لهما قلنا تخدم كل واحد منهما يوما كما كانت تفعله قبل هذا لانه لا تأثير للاستيلاد في ابطال ملك الخدمة وإذا مات أحدهما عتقت ولا ضمان للشريك في تركة الميت بالاتفاق لوجود الرضا منهما بعتقها عند الموت ولا سعاية عليها في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قول أبى يوسف ومحمد رضى الله تعالى عنهما تسعى في نصف قيمتها للشريك الحى فلو أعتقها أحدهما في حياته عتقت ولا ضمان على المعتق للشريك ولا سعاية عليها في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يضمن المعتق نصف قيمتها أم ولد لشريكه ان كان موسرا وتسعى في نصف قيمتها ان كان معسرا وأصل هذه المسألة أن رق أم الولد ليس بمال متقوم في قول أبى حنيفة رحمه الله وعلى قولهما هو مال متقوم وجه قولهما أنها مملوكة لمالك محترم فتكون مالا متقوما كالامة القنة ودليل الوصف أنه يملك استخدامها واستكسابها ووطأها بملك اليمين ولو قال كل مملوك حر تدخل أم الولد في ذلك وإذا ثبت بقاء ملك اليمين فصفة المالية والتقوم لا تنفصل عنه لان المملوكية في الآدمى ليس الا عبارة عن المالية والتقوم بكون المالك محترما ولان بالاستيلاد تعلق عتقها بموته فتكون مالا متقوما كالمدبرة الا أن المدبرة تسعى للغرماء والورثة وأم الولد لا تسعى لانها مصروفة إلى حاجته فان الاستيلاد من حوائجه كيلا يضيع ماؤه وحاجته مقدمة على حق الغرماء والورثة كحاجته إلى الجهاز والكفن بخلاف المدبرة فان التدبير ليس من أصول حوائجه وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المالية والتقوم انما يثبت بالاحراز ألا ترى أن الصيد قبل الاخراز لا يكون مالا متقوما بعد الاحراز يصير مالا متقوما والآدمي باعتبار الاصل ليس بمال لانه مخلوق ليكون مالكا للمال لا ليصير مالا ولكن متى صح احرازه على قصد التمول صار مالا متقوما ويثبت به ملك المتعة تبعا فإذا حصنها واستولدها فقد ظهر أن احرازه لها كان لملك المتعة لا لقصد التمول فصار في صفة المالية كأن الاحراز لم يوجد أصلا فلا يكون مالا متقوما وهذا لان ملك المتعة ينفصل عن ملك
[ 161 ] المالية الا ترى أن للزوج على المنكوحة ملك المتعة دون ملك المالية والدليل عليه من جهة الحكم أنا لا تسعى للغرماء والورثة وما كان مالا متقوما في حياته يتعلق به حق غرمائه وورثته وحاجته إلى النسب فنقول ليس من ضرورة ثبوت نسب الولد ثبوت حق أمية الولد لها حتى تجعل حاجته مسقطا حق الغرماء والورثة عنها فعرفنا أنها انما لا تسعى للغرماء والورثة لانه لم يبق فيها صفة المالية والتقوم بخلاف المدبرة فان احرازها للمالية حين لم يظهر منه قصد إلى احرازها لملك المتعة ولهذا تقومت في حق الغرماء والورثة إذا عرفنا هذا الاصل فنخرج المسائل عليه منها أنه لو مات أحدهما فلا سعاية عليها في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان نصيب الشريك منها ليس بمال متقوم فلا يلزمها بدله وإذا أبرئت عن السعاية عتقت لبراءتها عن السعاية وعندهما لما كان نصيب الشريك منها مالا متقوما وقد سلم لها بالعتق فعليها السعاية كما في الامة إذا أعتقها أحد الشريكين وهو معسر وكذلك لو أعتقها أحدهما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانها ليست بمال متقوم فلا يكون مضمونا على الشريك بالافساد ولا بالاتلاف وعندهما يضمن للشريك ان كان موسرا بمنزلة القنة ومنها أم الولد بين الشريكين جاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت النسب منه بالدعوة وعتق ولم يضمن لشريكه شيئا من قيمته ولا سعاية عليه في قول أبى حنيقة رحمه الله تعالى لان ولد أم الولد بمنزلة أمة فلا يكون مالا متقوما عنده وعندهما يضمن نصيب شريكه ان كان موسرا ويسعى له الولدان كان معسرا ومنها ان أم الولد لا تضمن بالغصب عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى حتى لو غصبها غاصب فماتت عنده لم يضمن شيئا لان ضمان الغصب يختص بما هو مال متقوم بخلاف ضمان القتل فان الحر يضمن بالقتل دون الغصب وعندهما أم الولد تضمن بالغصب لانها مال متقوم وذكر محمد في الرقبات ان عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى أم الولد تضمن بالغصب على نحو ما يضمن به الصبى الحر حتى لو ماتت حتف أنفسها لم يضمن الغاصب شيئا ولو قربها إلى مسبعة فافترسها السبع يضمن لان هذا ضمان الجناية لا ضمان الغصب ألا ترى أنه يضمن الصبى الحر بمثله والذى يوضح كلام أبى حنيفة أن الباقي للمولى على أم ولده ملك الخدمة والمنفعة والمتعة وملك المتعة لا يضمن بالاتلاف ولا بالغصب بخلاف المدبرة فالباقي عليها ملك المالية حتى يقضى دينه من ماليتها بعد موته والمال يضمن بالاتلاف ويدخل على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فصل أم ولد النصراني إذا أسلمت وفصل
[ 162 ] المغرور بام الولد وسنبين عذر كل فصل في موضعه فان كانت أم ولد لرجل خالصة فاعتق نصفها عق جميعها ولا سعاية عليها اما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فلا سعاية عليها بحال وبراءتها عن السعاية توجب عتقها وعندهما هي كالامة القنة في هذا الحكم (قال) أمة بين رجلين ولدت ولدين في بطن واحد أو بطنين مختلفين فادعى أحدهما الولد الاكبر والآخر الاصغر معا فانا كان في بطن واحد فهما ابناهما جميعا لانهما خلقا من ماء واحد فدعوة كل واحد منهما لاحدهما تكون دعوة لهما وان كانا في بطنين فالاكبر ولد الذى ادعاه لانه ادعى نسب ولد جارية مشتركة بينهما وقد حصل العلوق في ملكهما فتستند دعوته إلى حالة العلوق وتصير الجارية أم ولد له ويضمن نصف عقرها ونصف قيمتها لمدعى الاصغر فأما الاصغر في القياس عبد لمدعى الاكبر بمنزلة أمه لا يثبت نسبه لمدعيه لان الجارية صارت أم ولد لمدعى الاكبر من حين علقت به فمدعى الاصغر ادعى نسب ولد أم ولد الغير فلا تصح دعوته ويضمن جميع العقر لا قراره بوطئ أم ولد الغير وقد سقط الحد عنه للشبهة وفي الاستحسان يثبت نسب الاصغر من مدعى الاصغر لانها حين علقت بالاصغر كانت مشتركة بينهما في الظاهر فيصير ذلك شبهة معتبرة في اثبات نسب الاصغر من مدعيه بالدعوة وقيام الملك له في نصفها ظاهرا عند ذلك بمنزلة المغرور ونسب ولد المغرور يكون ثابتا باعتبار الظاهر وان تبين الامر بخلافه ويضمن قيمته كاملة لشريكه اما على أصلهما فلا يشكل لان ولد أم الولد عندهما مال متقوم وقد تبين أن مدعى الاصغر أتلفه بالدعوة على مدعى الاكبر وانما الاشكال على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى والعذر أن يقول سقوط المالية والتقوم باعتبار ثبوت حق أمية الولد ولم يثبت في هذا الولد لانه انفصال من أمه قبل ثبوت حق أمية الولد فيها بدعوة مدعى الاكبر وما لم يثبت الحق في الام لا يسرى إلى الولد فلهذا ضمن قيمتها لشريكه أو عذره هنا نظير عذره في المغرور بأم ولد الغيران الولد يكون حرا بالقيمة لانه تعلق حر الاصل وثبوت أمية الولد فيه مبنى على ثبوت الرق فإذا لم يثبت الرق فيه أصلا لا يثبت حكم أمية الولد فيه وانما يضمن قيمته لانه منع حدوث الرق فيه بسبب الغرور فهذا مثله (قال) ويضمن العقر لشريكه وقال في موضع من كتاب الدعوي يضمن نصف العقر لشريكه وليس هذا باختلاف الرواية لكن مراده هنا بيان جميع ما يجب عليه ومراده ثم بيان حاصل ما يبقى عليه لانه قد وجب له على مدعى الاكبر نصف العقر فنصف
[ 163 ] العقر نصف العقر قصاص يبقى لمدعى الاكبر على مدعى الاصغر نصف العقر قال وكذلك لو كان مدعى الاكبر ذميا ومدعى الاصغر مسلما لان كل واحد منهما منفرد فيما ادعى والترجيح بالاسلام عند المزاحمة فأما عند عدم المزاحمة تصح دعوة الذمي كما تصح دعوة المسلم (قال) أمة بين رجلين فجاءت بولدين في بطن واحد أحدهما حى والاخر ميت فادعى احدهما الميت ونفى الحي لزمه الحى لانهما خلقا من ماء واحد ودعوته أحدهما بمنزلة دعوتهما فيثبت نسب الحى منه ولا يملك نفيه بعد ذلك (فان قيل) الميت ليس بمحل للدعوة بدليل أنه لو لم يكن معه ولد حى لا يثبت نسبه منه فاذالم تصادف دعوته محله كان لغوا (قلنا) انما لا تصح دعوته نسب الميت لانه غير مفيد وهذا المعنى ينعدم إذا كان معه في ذلك البطن ولد حى ولان معنى قوله هو ابني أي مخلوق من مائى حتى تصير الجارية أم ولد له فإذا كان هناك ولد حي فاقراره بأن الميت مخلوق من مائه اقرار بأن الحى مخلوق من مائه لانهما خلقا من ماء واحد فلهذا اثبتنا نسب الحى منه وكذلك لو ادعى كل واحد منهما الميت أو ادعى كل واحد منهما أحد الولدين ثبت نسب الحى منهما جميعا لما بيناه (قال) وإذا قال أحد الموليين إذا كان في بطنها غلام فهو مني وان كانت جارية فليست منى وقال الآخر ان كانت جارية فهى مني وان كان غلاما فليس مني والقول منهما معا فما ولدت من ولد في ذلك البطن فهو لهما جميعا لان أصل الدعوة من كل واحد منهما صحيح لما في بطنها والتقسيم الذى ذكراه باطل فانه رجم بالغيب وتقسيم فيما هو في الرحم ولا يعلم ما في الرحم الا الله تعالى فإذا لغى هذا التقسيم ثبت النسب منهما بالدعوة إذا كان القول منهما ما وان كان أحدهما سابقا فالولد ولده غلاما كان أو جارية لان أصل الدعوة منه قد صح والتقسيم بطل وقد صارت الجارية أم ولد له فالدعوة من الآخر حصل في غير الملك وفى ولد ثابت النسب من غيره فكان باطلا (قال) وان قال أحدهما ان كان في بطنها غلام فهو مني إلى سنتين وقال الآخر بعد ذلك بيوم ان كان في بطنها جارية فهى منى إلى سنتين فولدت غلامين بعد قولهما لتمام ستة أشهر منذ قالا ذلك لا يثبت النسب بتلك الدعوة فهما رقيقان لهما لانالم نتيقن بوجودهما في البطن وقت الدعوة وقول المدعيين إلى سنتين لغو لانه رجم بالغيب منهما فلا طريق لهما إلى معرفة مدة بقاء الولد في البطن وان جاءت بآخرهما لاقل من ستة أشهر من القول الاول وجاءت بالاول قبل ذلك بثلاثة أيام فهما ولدا الاول لانا تيقنا بوجودهما في
[ 164 ] البطن حين ادعى الاول فيثبت نسبهما منه وهذا لانهما خلقا من ماء واحد فمن ضرورة وجود أحدهما وقت دعوته وجود الآخر كذلك وان جاءت بالولد الاول لاقل من ستة أشهر من اقرار الثاني ولا كثر من ستة أشهر من اقرار الاول فهما ولدا الآخر لانالم نتيقن بوجودهما في البطن وقت دعوة الاول منهما فبطلت دعوته وتيقنا بوجودهما في البطن وقت دعوة الآخر فلهذا ثبت نسبهما من الآخر وصارت الجارية أم ولد له وما ولدت بعد هذا من ولد فهو يلزم الآخر الا أن ينفيه (قال) أمة بين رجلين ولدت من رجل قال زوجتمانيها فصدقه احدهما فيه وقال الآخر بل بعنا كها فان نصفها بمنزلة أم الولد لان مدعى البيع قد أقر بأن المستولد استولد ملك نفسه وانها صارت أم ولد له واقراره في نصيبه منها صحيح لانه مملوك له في الظاهر قال ونصفها رقيق للذى قال زوجناك لانه ينكر أمية الولد في نصيبه وقد بينا ان أحد الشريكين في الجارية إذا أقر انها أم ولد لشريكه لا يثبت حكم الاستيلاد بهذا الاقرار في نصيب شريكه إذا كذبه فكذلك إذا أقر أنها أم ولد لغيره (قال) ويعتق نصف الولد حصة الذى أقر البيع لانه أقر بحرية الولد واقراره في نصيب نفسه صحيح ويسعى الولد في نصف قيمته للذى أنكر البيع بمنزلة مالو شهد أحد الشريكين على صاحبه بالعتق الا أن هناك يسعى للشاهد عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانه يدعى السعاية وهنا لا يسعي الولد للمقر بالبيع لانه يتبرأ من السعاية ويزعم أن الولد حر الاصل ثم يكون على الواطئ العقر لهما نصفه للمقر بالنكاح ياخذه بحساب المهر لتصادقهما عليه ونصفه لمدعى البيع ياخذه من الوجه الذى ادعى لانهما يتصادقان على وجوب هذا المقدار له وان اختلفا في جهته فان الزوج يقول هو مهر ومدعى البيع يقول هو ثمن والاختلاف في السبب بعد الاتفاق على وجوب أصل المال لايمنع من الاستيفاء فلهذا يستوفيه من الوجه الذى يدعيه فأما إذا مات أب الولد سعت الجارية في نصف قيمتها للمقر بالنكاح لان مدعي البيع يزعم أنها أم ولد لاب الولد وانها عتقت بموته ولا سعاية عليها فيعتبر زعمه في نصيبه ولا يعتبر في نصيب شريكه فتسعى في نصف قيمتها لمدعى النكاح وهذا عندهم جميعا لان أمية الولد لم تثبت في هذا النصف على ما بينا (قال) ولو كان الاب ادعى الشراء كانت أم ولد له ويضمن نصف الثمن للذى صدقه بالبيع لان نصيبه منها صار ملكا لاب الولد لتصادقهما على البيع والشراء فيصير الكل أم
[ 165 ] ولد له ويضمن نصف قيمتها ونصف عقرها للذى كذبه لان البيع في نصيبه لم يثبت فهي كأمة مشتركة بين أثنين يستولدها أحدهما (قال) ولو كانت الجارية مجهولة لا تعرف لمن كانت فقال أب الولد زوجتماني وقالا بعناكها فهى أم ولد له وابنها حر لانها في الظاهر مملوكته فصارت أم ولد وكان ولدها حرا باعتبار الظاهر ولا يصدق هو في الاقرار أنها لغيره فيما يرجع إلى ابطال حقها ويكون على الواطئ القيمة لهما لان اقراره صحيح في حق نفسه وقد زعم أنها مملوكة لهما في يده وقد تعذر عليه ردها عليهما فيغرم قيمتها لهذا ولا يسقط حقهما عن هذه القيمة اقرارهما بالبيع لان البيع لم يثبت حين كذبهما ولان تعذر الاسترداد لم يكن باقرارهما بالبيع ألا ترى أنهما وان جحدا البيع والنكاح جميعا لم يكن لهما حق الاسترداد ثم قال في نسخ أبى سليمان رحمه الله وكذلك لو كانت معروفة بأنها لهما وهذا غلط والصواب ما ذكر في نسخ أبى حفص رضى الله عنه ونوادر هشام قال ولو كانت معروفة بأنها لهما كان عليه العقر وهذا لان تعذر الاسترداد هنا باقرارهما بالبيع ألا ترى انهما لو أنكر البيع والتزويج كانت أمة قنة لهما فيكون اقرارهما بالبيع مانعا لهما من الاسترداد فلهذا لم يكن لهما أن يضمناه قيمتها وانما وجب عليه العقر لاقراره بالوطئ في ملك الغير وقد سقط الحد عنه بدعوى النكاح فيلزمه العقر (قال) وإذا ادعى الواطئ الهبة وادعيا هما بالبيع والجارية مجهولة لا يدرى لمن كانت فهى أم ولد له باعتبار الظاهر لما بينا وعليه قيمتها لهما لان الهبة لم تثبت لانكارهما والبيع لم يثبت بانكاره الا ان تعذر الاسترداد ما كان باقرارهما بالبيع على ما بينا بل باستهلاكه جارية زعم أنها لهما فيضمن قيمتها لهما (قال) وان قالا غصبتها وقال صدقتما وهي مجهولة لم يصدق عليها بعد الذى دخلها من العتق باعتبار الظاهر وعليه قيمتها لانه أقر بغصبها منهما وقد تعذر ردها عليهما بما ثبت فيها من أمية الولد (قال) وان صدقتهم بذلك صدقت وكانت أمة لهما لان الحق لها فان تصادقوا على شئ ثبت ذلك تصادقهم وفي رواية أبى حفص وهشام رضى الله عنهما قال لا تصدق بعد العتق لانها صارت أم ولد لمن هي في يديه باعتبار الظاهر وكما لا يقبل قولها في ابطال حقيقة العتق بعد ما حكم بثبوته فكذلك لا يقبل قولها في ابطال حق العتق لما في ذلك من حق الشرع (قال) ولو كانت لهما بينة عليها اخذاها وولدها رقيق لهما لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فظهر أنه غاصب زني بجارية مغصوبة فعليه الحد ان لم يدع الشبهة وان ادعى بيعا أو هبة أو
[ 166 ] نكاحا سقط الحد عنه لتمكن الشبهة فقد آل الامر إلى الخصومة والاستحلاف والحد بمثله يسقط ولكن لا يثبت النسب لان بمجرد دعواه لم يثبت له في هذا المحل ملك ولا حق ملك وثبوت النسب ينبني على ذلك (قال) وان ملكها يوما مع ولدها كانت أم ولد له وكان الولد ولده لان اقراره صحيح في حق نفسه وانما لم يصح لقيام حق الغير في المحل فإذا زال بملكه اياها كان كالمجدد للاقرار في هذه الحالة فيثبت نسب الولد منه لانه ادعاه بسبب صحيح محتمل فيكون الولد حرا والجارية أم ولده والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب مكاتبة أم الولد) (قال) رضى الله عنه وإذا كاتب الرجل أم ولده على خدمتها أو على رقبتها فذلك جائز لانها مملوكة له وعقد الكتابة يرد على المملوك ليتوصل به إلى ملك اليد والمكاسب في الحال والحرية في ثانى الحال وحاجة أم الولد إلى هذا كحاجة غيرها توضيحه أن موجب الكتابة مالكية اليد في المنافع والمكاسب للمكاتب وأم الولد مملوكة للمولى يدا وكسبا فيصح منه اثبات هذه المالكية لها بالبدل ثم كل ما يصلح عوض في كتابة القن يصلح عوضا في كتابة أم الولد فإذا أدت المكاتبة عتقت لفراغ ذمتها عن بدل الكتابة وان مات المولي قبل أن تؤدى عتقت لان حكم الاستيلاد باق بعد الكتابة ومن حكم الاستيلاد عتقها بعد موته (قال) ولا شئ عليها من البدل لانها كانت تؤدي لتعتق وقد عتقت فصارت مستغنية عن أداء البدل كما لو أعتقها في حال حياته ويسلم الكسب لها لانها عتقت وهى مكاتبة وبالعتق تتأكد المالكية الثابتة لها بالكتابة (قال) وان باعها نفسها أو أعتقها على مال فقبلت فهى حرة والمال دين عليها لان أقل درجاتها ان يكون للمولى عليها ملك المتعة واسقاطه الملك ببدل عليها صحيح كالطلاق بجعل والمال دين عليها لانها التزمته بقبولها فان مات المولى لم يسقط ذلك الدين عنها لان حكم الاستيلاد بطل بعتقها في حياته وانما المال دين عليها وليس للاستيلاد تأثير في الابراء عن الدين (قال) وان كاتب أم ولده فجاءت بولد بعد الكتابة لاكثر من ستة أشهر ثم مات المولى قبل أن يقربه لا يلزمه النسب لانها بالكتابة حرمت عليه حتى يمنع من وطئها ولو وطئها يغرم عقرا خارجا من ملكه والفراش ينعدم
[ 167 ] بمثل هذه الحرمة فإذا جاءت بالولد لمدة يتوهم أن تكون من علوق حادث بعد الكتابة لم يثبت النسب وان جاءت به لاقل من ستة أشهر فهو ثابت النسب من المولى لتيقننا انها علقت به قبل الكتابة وهو حر وقد عتقت هي أيضا بموت المولى (قال) وان كان حيا فادعاه فهو ابنه وان جاءت به لاكثر من سنتين لانها ما صارت فراشا لغيره وحرمتها على المولى إذا كانت بسبب لا تزيل ملكه عنها ولا تجعلها فراشا لغيره يمنع ثبوت النسب منه قبل الدعوة ولا يمنع ثبوت النسب منه بعد الدعوة كما لو حرمت بجماع ابن المولى إياها ولا ناقبل الدعوة انما لا تثبت النسب منه تحرزا عن الحكم عليه بارتكاب الحرام ووجوب العقر ويسقط اعتبار هذا التحرز إذا أقر هو بالولد فان جنت في كتابتها جناية سعت فيها لان موجب جنايتها كان على المولى قبل الكتابة لان كسبها للمولى وقد زال ذلك بالكتابة فانها صارت أحق بكسبها أو كان موجب جنايتها على المولى لانه بالاستيلاد كان مانعا دفعها بالجناية وقد انعدم هذا المعني بالكتابة لان المكاتبة ليست بمحل للدفع فهى والقنة إذا كوتبت سواء (قال) وان جنى عليها كان الارش لها لان ارش الجناية بمنزلة الكسب وهى أحق بمكاسبها (قال) وان ماتت وتركت ولدا ولدته في المكاتبة من غير المولى سعى فيما على أمه لانه انفصل عنها وهى مكاتبة فيكون حكمه حكمها باعتبار أنه جزء من اجزائها وقد كانت في حياتها تسعى على النجوم لحاجتها إلى تحصيل العتق لنفسها بالاداء وحاجة هذا الجزء إلى ذلك كحاجتها فتبقى الكتابة ببقاء هذا الجزء (قال) ولو اشترت ابنا لها عبدا لم يكن لها أن تبيعه لانه صار داخلا في كتابتها فان بالكتابة ثبت لها نوع مالكية فإذا كان لها نوع مالكية ثبت مثل ذلك لولدها وقد بينا أن من يكاتب عليها يكون مملوكا للمولى حتى إذا أعتقه نفذ عتقه فيه وابنها وأبواها في ذلك سواء الا أنها إذا ماتت عن هذا لابن المشترى فعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يسعى على هذه النجوم كالابن المولود في الكتابة وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى في القياسن يباع هذا الولد في الكتابة لانه انفصل عنها قبل ثبوت أمية الولد فيها فلم يثبت حق أمية الولد لهذا الولد وان ملكته فيباع بعد موتها في المكاتبة كسائر أكسابها بخلاف المولود في الكتابة فانه بمنزلتها لانه انفصل منها وهى أم ولد مكاتبة وفى الاستحسان ان جاء بالمكاتبة حالا قبل منه ولم يبع فيها لانه في الحقيقة جزء منها فيقوم مقامها في أداء الكتابة الا أنه ليس بجزء من مكاتبة فلا يبقى الاجل
[ 168 ] ببقائه ولكن يأتي بالمال حالا فيكون مقبولا منه لما فيه من حصول مقصود المولى بخلاف المولود في الكتابة لانه جزء من المكاتبة يقرره أن السراية من الاصل إلى الجزء المتصل دون المنفصل فيثبت حقيقة سراية العقد إلى الولد المولود في الكتابة فيسعي على النجوم ولا يثبت حقيقة سراية العقد إلى الولد المشترى فلا يثبت النجوم في حقه ولكن فيما هو المقصود وهو تحصيل العتق بالاداء حكم هذا الجزء وحكم الاصل سواء فإذا جاء بالمال حالا يقبل منه (قال) ولو كانت اشترت أباها أو أمها فانه يؤخذ فيهما بالقياس بعد موتها فيباعان في المكاتبة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان الاب والام ليسا بجزء من الولد وامتناع بيعهما عليها في حياتها كان لما لهما من الحق في كسبها وقد انعدم هذا المعنى بموتها لان حاجتها مقدمة على حاجة أبويها فلهذا يباعان في مكاتبتها بخلاف الولد فانه جزء منها فيجعل بقاء هذا الجزء كبقائها فيما هو المقصود وقد بينا اختلافهم في غير الوالدين والمولودين من القرابات أنه هل يمتنع عليها بيعهم الا أن الحاكم الجليل رضي الله عنه ذكر فيما سبق أن القياس والاستحسان عند أبى حنيفة رحمه الله في الاخوة وغيرهم وقد نص هنا في الاصل أن القياس والاستسحان في الاب والام في القياس لها أن تبيعهما لانهما لا يتبعانها فلا يمكن اثبات حكم الكتابة فيهما بطريق التبعية ولهذا يمتنع بيعهما بعد موتها وفى الاستحسان يمتنع عليها بيعهما لان حق الوالدين يثبت في الكسب ولها كسب على ما قررنا وهذا هو الاصح (قال) وإذا أسلمت أم ولد النصراني قومت قيمة عدل فبيعت بقيمتها لانه تعذر ابقاؤها في ملك المولى ويده بعد اسلامها واصراره على الكفر فتخرج إلى الحرية بالسعاية كما بينا في معتق البعض وهذا لان ملك الذمي محترم فلا يمكن ازالته مجانا وهو اشكال لهما على أبى حنيفة رحمه الله تعالى في أن رق أم الولد مال متقوم وان وراء ملك المتعة عليها شئ آخرفان ملكه المتعة في هذه الحالة يزال من غير بدل كما لو أسلمت أمرأته وأبى أن يسلم والعذر لابي حنيفة رحمه الله تعالى من وجهين (أحدهما) أن الذمي يعتقد فيها المالية والتقوم ويحرزها لذلك لانه معتقد جواز بيعها وانما يبني في حقهم الحكم على اعتقادهم كما في مالية الخمر (والثاني) أن ملكه فيها محترم وان لم يكن مالا متقوما وقد احتبس عندها لمعني من جهتها فيكون مضمونا عليها عند الاحتباس وان لم يكن مالا متلوما كالقصاص فانه ليس بمال متقوم ثم إذا احتبس نصيب أحد الشريكين عند القاتل بعفو الآخر يلزمه بدله ولم يبين مقدار قيمتها وهى أم ولد
[ 169 ] وهذا مشكل فانها لو كانت بحيث تباع فلا نقصان في قيمتها ولكن قيل قيمة المدبرة قدر ثلثي قيمتها قنة وقيمة أم الولد قدر ثلث قيمتها قنة لان للمالك في مملوكه ثلاث منافع الاستخدام والاسترباح بالبيع وقضاء ديونه من ماليته بعده فبالتدبير ينعدم أحد هذه المعاني وهو الاسترباح ويبقى منفعتان وبالاستيلاد ينعدم اثنان ويبقى واحد فتتوزع القيمة على ذلك ثم لا تعتق ما لم تؤد السعاية عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى تعتق في الحال والسعاية دين عليها لان ازالة ذل الكافر عن المسلم واجب وفى استدامة الملك عليها ذل ولكنا نقول الذل في الاستخدام قهرا بملك اليمين وذلك يزول بالاستسعاء لانها تصير بمنزلة المكاتبة أحق بنفسها ومكاسبها فالمقصود يحصل بهذا ودفع الضرر عن الذمي واجب ولو قلنا يزول ملكه عنها في الحال ببدل في ذمة مفلسة والمال في ذمة المفلس تاو لادى إلى الاضرار به وكان هذا في الحكم بمنزلة ازالتها عن ملكه بغير بدل ولهذا لا تعتق ما لم تؤد السعاية وليس لها ان تعجز نفسها الا أن يسلم المولى وان مات المولى أعتقت وسقط عنها السعاية وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى تخارج معني هذا انها تخرج من يد المولى وتؤمر بأن تكتسب وتنفق على نفسها إلى أن يموت المولى فحينئذ تعتق فانه لا يرى السعاية على المملوك بحال فجعل طريق ازالة الذل اخراجها من يد المولى كما قلنا ولو ولدت لاكثر من ستة أشهر منذ صارت مستسعاة لم يثبت نسبه من المولى لانها في حكم المكاتبة ولو ماتت كان على هذا الولدان يسعى فيما على أمه بمنزلة المولود في الكتابة (قال) وإذا اختلف المولى وأم الولد في المكاتبة فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى يتخالفان وتنفسخ المكاتبة بعد التحالف وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لان الكتابة في معني البيع من حيث أنه لا يصح الا بتسمية البدل وأنه يحتمل الفسخ بعد تمامه ثم رجع فقال يكون القول قولها ولا يتحالفان لان حكم التحالف في البيع ثابت أيضا بخلاف القياس فلا يلحق به ما ليس في معناه من كل وجه والكتابة ليس في معنى البيع اما من حيث الصورة فالبيع مشروع للاسترباح مبنى على الضيق والمماكسة والكتابة للارقاء مبنى على التوسع ومن حيث المعنى الكتابة بعد تمامها بأداء البدل لا تحتمل الفسخ بخلاف البيع وفي الحال موجب العقد اثبات صفة المالكية يدا في المنافع والمكاسب فما مضى منه فائت لا يتحقق رده فعرفنا أنه ليس في معنى المنصوص من كل وجه فلو ألحق به بالمشاركة في بعض الاوصاف كان قياسا والثابت
[ 170 ] بخلاف القياس لا يمكن اثباته بطريق المقايسة توضيحه أن البيع لازم من الجانبين فكان المصير إلى التحالف فيه مفيدا حتى إذا نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه وفى الكتابة هذا لا يتحقق فانها لو نكلت لا يلزمها شئ وكان لها أن تعجز نفسها فإذا انعدم التحالف وجب اعتبار الدعوى والانكار فيكون القول قولها مع يمينها لانكارها الزيادة وان أقاما البينة فالبينة بينة المولى لانه يثبت الزيادة ببينته الا أنها ان ادعت مقدار ما أقامت البينة عليه تعتق لانها أثبتت الحرية لنفسها عند أداء هذا المقدار فوجب قبول بينتها على ذلك بمنزلة مالو كاتبها على ألف درهم على أنها متى أدت خمسمائة عتقت وهذا لانه لا يبعد أن يكون عليها بدل الكتابة بعد عتقها كما لو أدت الكتابة بمال مستحق تعتق وبدل الكتابة عليها بحاله (قال) وإذا كاتب أم ولده على ألف درهم أو أمته على ألف درهم على ان يرد عليها وصيفا وسطا فالكتابة باطلة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى تجوز الكتابة وتقسم الالف على قيمتها وعلى قيمة وصيف وسط فتكون مكاتبة بما يخصها ولا خلاف أن العقد في الوصيف باطل لانها تكون مشترية للوصيف من مولاها وشراء الحيوان بغير عينه باطل ثم وجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى أن الالف مذكور بمقابلة شيئين فيقسم عليهما بالقيمة وامتناع ثبوت حكم العقد في احدهما لا يمنع ثبوته في الآخر كما لو كان الوصيف بعينه فاستحقه انسان يكون العقد صحيحا في حقها بما يخصها من البدل ولا يجوز ابطال هذا العقد لمعنى الجهالة في بدل الكتابة لان هذه الجهالة باعتبار ذكر الوصيف وهو يمنع صحة الكتابة كما لو كاتبها على وصيف وسط لان هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لان قيمة الوصيف الوسط معلوم فإذا قسم الالف على قيمتها وقيمة وصيف وسط تتبين حصتها على وجه لا يبقى بينهما منازعة وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى يقولان الحيوان بغير عينه ليس بمحل للبيع أصلا وانقسام البدل من حكم الدخول في العقد فإذا لم يدخل الوصيف في العقد كان هذا كتابة بالحصة ابتداء والكتابة بالحصة لا تصح كما لو كاتبها على ما يخصها من الالف إذا قسم على قيمتها وقيمة عبد آخر والدليل عليه أنه لو خاطب عبدين بالكتابة بألف فقبل أحدهما دون الآخر لم يكن صحيحا لانه لو صح كان بحصته من الالف حتي لو كان سمي بمقابلة كل واحد منهما شيئا معلوما صح القبول من أحدهما وهذا لان الكتابة في الحاجة الي تسمية البدل وفسادها بالشروط التى نتمكن في
[ 171 ] صلب العقد بمنزلة البيع والبيع بمثل هذه الجهالة يبطل فكذا الكتابة وليس هذا بمنزلة الكتابة على وصيف فان بالاجماع لو تزوج امرأة على وصيف صحت التسمية ولو تزوجها على ما يخصها من الالف إذا قسم على مهر فلانة لا تصح التسمية وكان لها مهر مثلها ثم المعنى أن تعين صفة النبطية في الوصيف باعتبار استحقاقه بعقد المعاوضة وذلك يتحقق إذا سمي الوصيف بدلا في الكتابة ولا يتحقق هنا لما لم يصر الوصيف مستحقا بالعقد (قال) ولو ضمن رجل لرجل عن أم ولده المكاتبة فهو باطل كما في القنة فانه ليس لها ذمة صحيحة في حق المولى ما لم تعتق فلا يكون مال الكتابة دينا متقررا عليه (قال) واذ أسلمت أم ولد النصراني فكاتبها بأكثر من قيمتها جازت الكتابة لان المقصود يحصل بهذا العقد وهو اخراجها من يد الكافر (فان قيل) البدل المستحق عليها يقدر بالقيمة شرعا فينبغي أن لا تجوز الزيادة على ذلك كما بينا في معتق البعض (قلنا) هنا ما تعذر على المولى استدامة الملك فيها فانه لو أسلم كان له أن يستديم ملكه فيها فعرفنا ان استحقاق الازالة ببدل مقدر لم يتقرر هنا بخلاف معتق البعض فان عجزت هنا ردت في الرق وتسعى في قيمتها لان اظهار العجز هنا مفيد بخلاف ما إذا كانت مستسعاة في قيمتها (قال) مسلم تزوج أم ولد ذمى فولدت له سعى الولد في قيمة نفسه لانه مسلم باسلام أبيه وهو بمنزلة الام مملوك للمولى الذمي فيجب ازالته عن ملكه بالاستسعاء وكذلك لو كان الزوج كافرا فأسلم لان الولد ما دام صغيرا فانه يصير مسلما باسلام أبيه (قال) مكاتب ذمى اشترى أمة مسلمة فأولدها كانت على حالها لانه يتعذر عليه بيعها وثبت لها نوع حق تبعا لما ثبت من حق الولد فان عتق المكاتب بالاداء تم ملكه فيها وصارت أم ولد للذمي فتسعى في قيمتها فان عجز فرد رقيقا أجبر المولى على بيعها لان الملك تقرر فيها للمولى فلم تصر أم ولد ولكن المولى كافر وهي مسلمة فيجبر على بيعها (قال) حربى خرج إلى دارنا مستأمنا ومعه أم ولده لم يكن له أن يبيعها لان حق أمية الولد تبع لحق الولد في النسب والنسب يثبت في دار الحرب كما يثبت في دارنا فكذلك ما ينبنى عليه من أمية الولد لها وكما لا يمكن من بيع ابنه في دار الاسلام فكذلك لا يمكن من بيع أم ولده ولو أسلمت سعت في قيمتها لان ملك المستأمن محترم كملك الذمي فيتعذر ازالة ملكه عنها مجانا فلهذا سعت في قيمتها والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
[ 172 ] (باب دعوى الرجل رق الغلام في يده) (قال) رضى الله عنه غلام صغير لا ينطق في يد رجل فقال هذا عبدى فهو كما قال إذا لم يعرف خلافه لانه لايد له في نفسه ولا قول فيتقرر قول ذى اليد عليه وما في يده مملوك له باعتبار الظاهر فإذا ادعي ما يشهد له الظاهر به كان القول فيه قوله كما لو كان في يده دابة أو ثوب فقال هذا لى (قال) وان أدرك الصغير فقال أنا حر الاصل فعليه البينة لانه يدعي ابطال ملك ثبت عليه لذى اليد بدليل شرعى فلا يقبل ذلك منه الا بحجة (قال) وان كان حين ادعاه الذي في يده يعبر عن نفسه فقال أنا حر فالقول قول لانه في يد نفسه وله قول معتبر شرعا فلا تتقرر عليه يد ذى اليد مع ذلك بل يد نفسه تكون دافعة ليد ذى اليد لانها أقرب إليه فكان القول قوله في حريته لتمسكه بما هو الاصل وكذلك لو قال الغلام أنا لقيط لان اللقيط حر باعتبار الاصل والدار فهو كقوله أنا حر فان أقام الذى في يده البينة أنه عبده وأقام الغلام البينة أنه حر أخذت بينة الغلام لانه يثبت حرية الاصل ببينته وبينة الملك لا تعارض بينة الحرية من وجهين (أحدهما) أن الحرية لا تحتمل النقض والفسخ والملك يحتمل الابطال (والثاني) أن الاثبات في بينة الحرية أكثر لانه يتعلق بالحرية أحكام متعدية إلى الناس كافة ولان في بينته ما يدفع بينة ذى اليد وليس في بينته ذى اليد ما يدفع بينته فان الحرية تتحقق بعد الملك وان قال الذى في يده هذا عبدى وقال الغلام أنا عبد فلان فهو عبد الذى في يديه لانه لما أقر بالرق على نفسه لم يبق له يد ولا قول معتبر في نفسه بل تتقرر يد ذى اليد عليه فالقول قوله انه ملكه بخلاف الاول فان هناك هو ينكر رقه أصلا وقوله في دفع الرق عن نفسه مقبول وفي تعيين مالكه غير مقبول لانه يحول به ملكا ثابتا لذى اليد إلى غيره وكذلك لو كان في يدي رجلين يدعى كل واحد منهما انه له فقال هو أنا عبد أحدهما لانه لما أقر بالرق على نفسه تقررت يدهما عليه وان كان لا ينطق فأقام أحدهما البينة انه عبده وأقام الآخر البينة انه ابنه من أم ولده قضى به للذى ادعاه لان في بينته زيادة اثبات النسب والحرية للولد فتترجح بذلك فان أقام كل واحد منهما البينة أنه عبده ولد عبده ووقتت احدى البينتين وقتا قبل وقت الاخرى قضى به للاول إذا كان بذلك الميلاد معناه إذا كان سن الغلام موافقا للوقت الاول فقد ظهر علامة الصدق في شهادة
[ 173 ] شهوده وعلامة الكذب في شهادة شهود الآخر وان علم أنه على غير ذلك الميلاد قضى به للآخر لان علامة الكذب ظهرت في شهادة أسبق التاريخين وذلك مانع من العمل بها فان كان يشك فيه قضى به بينهما لاستواء الحجتين فان كان كل واحد منهما أثبت الملك لنفسه من حين ولد لان الملك لا يسبق الولادة ولا يعتبر سبق التاريخ مع ذلك ولكن لما كان كل واحد من الامرين محتملا قضى به بينهما وقيل هذا قولهما فأما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ينبغي أن يقضى به لصاحب الوقت الاول لانهما استويا في معني الاحتمال وصاحب أسبق التاريخين أثبت الملك لنفسه في وقت لا ينازعه فيه أحد فيجب القضاء بالملك له ثم لا يستحق عليه بعد ذلك الا بسبب من جهته وان لم توقت واحدة منهما وقتا غير أن احدى البينتين شهدت أن هذا المولى أعتق أمه قبل أن تلده أو دبرها أو أعتق الغلام وأمه حامل به أو دبره قضى به لصاحب العتق لانه في بينته زيادة اثبات الحرية للغلام اما مقصودا أو تبعا لامه ولان العتق قبض من المعتق فباثباته العتق أو التدبير يثبت أن اليد له وبينة ذى اليد تترجح في اثبات الملك من وقت الولادة ألا ترى أنه لو كان في يد غيرهما فأقام كل واحد منهما البينة أنه عبده غيره أن احدى البينتين شهدوا أنه دبره أو أعتقه البتة يقضى به له لانه بالتدبير والعتق يستحق الولاء والولاء كالنسب ولو كان في احدى البينتين زيادة اثبات النسب ترجحت بذلك فكذلك الولاء (قال) صبى في يدى رجلين ادعى أحدهما أنه ابنه والآخر أنه عبده فهو حر وابن الذى ادعاه لانه يقر له بالنسب والحرية واقراره فيما في يده صحيح وثبوت النسب والحرية في البعض ينفى الرق فيما بقى منه وان كان في في أيديهما يتجاذبانه فمات من عملهما بعد هذه المقالة فالدية على عاقلتهما لانهما قتلاه خطأ بعد ما حكم بحريته ونسبه لمدعى البنوة ويكون ذلك لاقرب الناس منه بعد الذى ادعي أنه ابنه لانه قاتل فيكون محروما عن الميراث وإذا صار محروما كان كالميت وإذا ادعى كل واحد منهما أنه عبده ولد عنده من هذه الامة لامة واحدة والامة في يد أحدهما وهي مقرة بالملك له فالامة لمن هي في يده والولد بينهما لان الاستحقاق باعتبار اليد وقد اختص أحدهما باليد في الامة واستويا في اليد في الولد (فان قيل) لما ثبت الملك في الامة لاحدهما والولد يتبع الام في الملك فينبغي ان يقضى بالولد له (قلنا) ثبوت الملك له في الامة باعتبار يده واليد حجة دافعة للاستحقاق لا موجبة له فلا يستحق به ما في يد الآخر من الولد وعلى هذا لو كان
[ 174 ] الصبي في يد أحدهما والام في يد الآخر فلكل واحد منهما ما في يده على ما بينا قال أرأيت لو كانت جدته في يد الآخر أكان يدفع إلى الصبى من كانت جدته في يده هذا بعيد (قال) وإذا كان الصبى في يد رجل فاعتقه ثم جاء آخر يدعى أنه عبده ويقيم البينة على ذلك فانه يقضى به لان اليد لا تعارض البينة بل تبين بهذه البينة ان ذا اليدأعتق ملك غيره الا أن يقيم المعتق البينة انه كان له ولد عنده أو أعتقه فحينئذ تترجح بينته لما قلنا (قال) وإذا كان العبد في يد رجل فدبره أو أعتقه ثم أقام الآخر البينة أنه له وأقام ذو اليد البينة أنه له أعتقه أو دبره فهو أولى لانه يثبت زيادة العتق واستحقاق الولاء ولان حجة ذى اليد في الحقيقة للعبد فانه يثبت به حريته وولاءه والولاء كالنسب فكأنه هو الذى يقيم البينة على ذلك (قال) وإذا كان الصبى في يد رجل فباعه من رجل ثم ادعى أنه كان دبره أو أعتقه قبل البيع لم يصدق على ذلك لانه متناقض في دعواه ولانه يسعى في نقض ماقدتم به وهو البيع كذلك لوادعى أنه ابنه ولم يكن العلوق به في ملكه لان هذا دعوة التحرير ودعوة التحرير لا تصح كالاعتاق من غير الملك الا أن يكون العلوق به في ملكه فيصدق على النسب حينئذ فيفسخ البيع فيه لان حق استحقاق النسب يثبت له بالعلوق في ملكه ولم يبطل ذلك بالبيع لان البيع دونه في احتمال النقض وهذه زفرية موضعها كتاب البيوع والدعوى وان لم يكن شئ من ذلك ولكن الصبى أدرك فاقام البينة أنه حر عتق ولا شئ عليه لانه أثبت حريته بالحجة وانما يرجع المشترى بالثمن على البائع فان كان كبيرا مقرا بالملك وأمر المشترى أن يشتريه وأخبره أنه عبد للبائع فاشتراه ثم أقام البينة انه حر عتق لانا قد بينا أن التناقض لا يمنعه من اثبات حرية الاصل بالبينة كما لا يمنعه من اثبات النسب لان حرية الاصل لاناقض لها فان لم يقدر المشترى على الذى باعه كان له أن يرجع على العبد بالثمن الذى أداه إلى البائع لانه مغرور من جهته حين أقر بالملك وأمره أن يشتريه وصحة البيع كان بقوله فانه لو قال أنا حرما كان يشتريه أحد ولا يصح البيع فيه والغرور متى تمكن في عقد المعاوضة فهو مثبت حق الرجوع للمغرور على الغار وصار كأنه التزام للمشترى سلامة نفسه أو رد الثمن عليه الا أن البائع إذا كان حاضرا فرجوعه على البائع لانه هو الذى قبض الثمن حقيقة والمشترى سلمه إليه مختارا فإذا تعذر الرجوع عليه بعينه كان له أن يرجع على البعد ليندفع الضرر عنه ثم يرجع العبد بذلك على البائع لانه يقوم مقام المشترى
[ 175 ] في الرجوع عليه حين ضمن له بالثمن وان كان المشترى أقر بحريته عتق باقراره وولاؤه موقوف ولا يرجع بالثمن على البائع ولا على العبد لان اقراره ليس بحجة عليهما والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب مالا يثبت النسب فيه من أم الولد) (قال) رضى الله عنه وإذا زوج الرجل أمته من عبده فولدت ولدا فادعاه المولى لم يثبت نسبه منه لان نسبه ثابت من العبد بالفراش فلا يثبت من غيره ولكنه يعتق عليه وتصير الجارية أم ولدله لما ذكرنا قبل هذا وإذا استولد الرجل جارية غيره وادعي شبهة بشراء أو غيره وكذبه مولاها لم يثبت نسبه لان بمجرد دعواه لم يثبت له شبهة في المحل في حق مولاها حين عارضه بالتكذيب وثبوت النسب ينبني على وجود الشبهة في المحل فان ملكه يوما ثبت نسبه منه لان الشبهة في المحل في حقه تثبت بقوله فان خبره محمول على الصدق في حقه الا أنه امتنع العمل به للمعارضة من مولاها وحق المعارضة كان له باعتبار ملكه فإذا زال ذلك سقطت معارضته وخلص الحق للمدعى حين ملكه فيثبت النسب منه كما لو وجد الاقرار في الحال وان أعتقه مالكه فهو مولاه ولا يثبت نسبه من المدعى الا أن يصدقه الغلام فحينئذ يثبت النسب منه لان الحق في نسبه خلص له وقد تقرر بالتصديق منه وليس في ثبوت نسبه تعرض للولاء الثابت للمولى إذ لا منافاة بينهما (فان قيل) قبل العتق ليس في اثبات النسب أيضا تعرض للملك الثابت للمولى (قلنا) نعم ولكن النسب لا يثبت الا بحجة ومجرد الدعوى مع قيام المعارضة لا يكون حجة فأما دعواه عند تصديق الغلام بنفوذ العتق يكون حجة (قال) وإذا استولد الاب جارية ولده غصبا والولد صغير أو كبير مسلم أو ذمى أو مستأمن أو مرتد وقد علم الاب أنها عليه حرام وادعاه بعد الولادة ثبت نسبه منه كذبه الولد في ذلك أو صدقه وهو ضامن لقيمتها وهى أم ولدله ولا عقر عليه أما سقوط الحد عنه مع العلم بالحرمة فللتأويل الثابت له في مال الولد بظاهر قوله ﷺ أنت ومالك لابيك وأما ثبوت النسب منه فلان حق التملك له في مال ولده عند حاجته ثابت الا أن ما كان من أصول الحوائج كالنفقة يتملك بغير عوض وفيما دون ذلك يتملك بعوض وهو محتاج هنا إلى صيانة مائه عن الضياع فيتملكها بضمان القيمة سابقا على الاستيلاد وقد بينا
[ 176 ] فروع هذه المسألة فيما أمليناه من شرح الدعوى والفرق بينهما إذا كان الولد كافرا والوالد مسلما أو على عكس ذلك وما استقر عليه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان حكمه كحكم المغرور وبينا في كتاب النكاح أيضا ان الاب لو كان تزوجها باذنه أو بغير اذنه بنكاح صحيح أو فاسد والاب حر أو عبد لم تصر أم ولدله لانه مستغن عن تملكها في ثبوت نسب ولده فان شبهة النكاح تكفي لذلك وفي الكتاب قال هذا والاول سواء في القياس يعنى لا يتملكها ولكن يثبت النسب باعتبار الغرور كما استقر عليه قول أبي يوسف غير أنى أخذت في الاول بالاستحسان يعنى أن تملكها عليه بضمان القيمة بهذا السبب نوع استحسان لتحقق صيانة مائه ولا ثبات حرية الاصل للولد وحق أمية الولد لها (قال) ولو ولدت أمة الرجل ولدا وأدعاه المولى وأبوه معا فالمولى أحق به لان صحة دعوته باعتبار حقيقة الملك وصحة دعوة الاب باعتبار تأويل الملك وتأويل الملك لا يعارض حقيقة الملك ثم دعوة الولد تمنع الاب من ان يتملك الجارية بدعوته وبدون هذا الشرط لا يصح استيلاده ولا يثبت النسب منه (قال) وإذا وطئ الرجل أمة لمكاتبه فولدت ولدا فادعاه وصدقه المكاتب فهو ولده بالقيمة وعليه العقر لان له حق التملك في كسب العبد المكاتب وذلك بمنزلة المغرور أو أقوى منه فكما يثبت النسب هناك ويكون الولد حرا بالقيمة وعليه العقر فكذلك هنا الا أنه اعتبر تصديق المكاتب لان المولى حجر على نفسه التصرف في كسب المكاتب والدعوة تصرف فلا ينفذ الا بتصديق المكاتب بخلاف الاب فانه ما حجر على نفسه التصرف في مال الولد عند الحاجة فلا يحتاج إلى تصديق الولد ثم عند التصديق في المكاتب لا تصير الجارية أم ولد له لان حق الملك ثابت له في كسبه وذلك كاف لاثبات نسب الولد ألا ترى أن بعجزه ينقلب حقيقة ملك فلا حاجة به إلى التملك وليس للاب في مال الولد ملك ولا حق ملك ولا يمكن اثبات النسب منه الا باعتبار تملك الجارية يوضحه أنه ليس للمولى حق التملك في كسب المكاتب عند الحاجة وللاب ذلك في ملك الولد فإذا ملك المولى الجارية يوما من الدهر صارت أم ولدله لانه ملكها وله منها ولد ثابت النسب وان كذبه المكاتب ثم ملكه يوما ثبت نسبه منه لان حق الملك له في المحل كان مثبتا للنسب منه عند صحة دعوته الا أن بمعارضة المكاتب اياه بالتكذيب امتنع صحة دعوته وقد زالت هذه المعارضة حين ملكه (قال) وان وطئ مكاتبة مكاتبة فولدت ولدا فادعاه وصدقته المكاتبة
[ 177 ] الاخيرة فهو ابنه لانها بعقد الكتابة صارت أحق بنفسها وولدها فتصديقها في هذه الحالة كتصديق المكاتب حين كانت أمة له فيثبت النسب وعليه العقر لها لانه وطئها بعد ما صارت أحق بنفسها والغلام بمنزلة أمه داخل في كتابتها بخلاف الاول فالغلام هناك حر بالقيمة لان سبب بعدها من المولى هناك واحد وقد تعدد هنا سبب بعدها من المولى فان الكتابة الثانية توجب بعدها من المولى كالاولى فيمنع تعدد أسباب البعد ثبوت الحرية للولد توضيحه أنه لو جعل الولد هنا حرا كان حرا بغير قيمة لانه لا يمكن ايجاب القيمة للام فانها تسعى لتحصيل الحرية لنفسها وولدها ولا يمكن ايجاب القيمة هنا للمكاتب لانه لاحق له في نفسها ولا في ولدها بعد ما كاتبها ولا يمكن اثبات الحرية بغير قيمة لانها ربما تعجز فتخلص للمكاتب وحقه فيها وفي ولدها مرعى فلهذا لا يحكم بحرية الولد هنا وفى الاول اثبات الحرية بالقيمة ممكن فلهذا أثبتناه فان عجزت هي أخذ المولى الولد بالقيمة لان الكتابة الثانية انفسخت فكأنها لم تكن وان كانت كذبته لم يثبت النسب منه وان عجزت لانعدام الدليل الموجب لصحة الدعوى وهو التصديق ممن الحق له الا أن يملكه فحينئذ يثبت النسب منه لان الحق خلص له فكأنه جدد الدعوة الآن (قال) وان ادعى ولد جارية امرأته أو أحد أبويه لم يثبت النسب منه بحال لان ثبوت النسب باعتبار الشبهة في المحل وقد انعدم الا أنه إذا قال ظنت أنها تحل لى يدرأ عنه الحد وان قال علمت بالحرمة يلزمه الحد لان الشبهة من حيث الاشتباه وهو انه ظن بعض ما يظن مثله فانه قال لما كانت المرأة حلالا لى فكذلك جاريتها ولما كانت جارية الاب حلالا له فكذلك لى لانى جزء منه وشبهة الاشتباه معتبرة في اسقاط العقوبة في حق من تشتبه عليه ولكن لا يعتبر في اثبات النسب فإذا ملكه يوما عتق ولم يثبت نسبه منه وان ملك أمه لم تصر أم ولد له لمنزلة مالو استولد جارية الغير بالزنا الا أن يدعى شبهة نكاح فحينئذ إذا ملكها مع الولد يثبت النسب منه وتصير أم ولدله (قال) وإذا وطئ الرجل جارية رجل فقال احلها لى والولد ولدى وصدقه المولى في الاحلال وكذبه في الولد لا يثبت النسب منه لان الاحلال ليس بنكاح ولا ملك يمين فلا يثبت به شبهة في حق المحل في حق مولاها ويكون تكذيبه اياه في الدعوة معارضا مانعا من صحة دعوته فلا يثبت نسبه منه وان ملكه يوما ثبت نسبه منه بسقوط المعارضة بالدعوة وهو بناء على
[ 178 ] الاستحسان الذى بيناه في كتاب الدعوي أن المولى إذا صدقه في الاحلال والدعوة جميعا يثبت النسب منه استحسانا لان التزويج ليس بموجب للزوج الا ملك الحل والتمكن من الوطئ شرعا والاحلال تمكين من ذلك حسا وفى غير هذا المحل من الطعام غيره الاحلال يكون مثبتا حل التناول فيصير ذلك شبهة في اثبات النسب ولكنها شبهة ضعيفة جدا فلا بد من أن ينضم إليه التصديق من المولى بأن الولد ولده أو خلوص الملك في الولد للمدعى فان ذلك أقوى من تصديق المولى فلهذا ثبت نسبه منه وان ملك أمه كانت أم ولد له وكذلك عند تصديق المولى يثبت النسب منه وهو عبد لمولاه وكذلك الجواب في جارية الزوجة والابوين إذا ادعى أن مولاها أحلها لى الا أن هناك متى ثبت النسب بالتصديق عتق لقرابته من المولى أبا كان أو أما (قال) وإذا كانت الامة وولدها في يد رجل فادعاها رجلان كل واحد منهما يقيم البينة أنه اشتراها منه ونقد الثمن وقبضها فولدت له هذا الولد فان علم الاول منهما فالجارية وولدها له لانه أثبت الحق لنفسه في وقت لا ينازعه أحد فيه وان لم يعلم فالجارية أم ولد لهما والولد ولدهما لتحقق المساواة بينهما في سبب الملك وفي نسب الولد وفى حق أمية الولد للام وان كانت في يدى أحدهما فهو أحق بها لان شراءه متأيد بالقبض وشراء الآخر متجرد عن القبض وعند تعارض البينتين يترجح القابض منهما الا أن يقيم الآخر البينة انه الاول فحينئذ يكون أسبق التاريخين أولى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب المدبر) (قال) رضى الله عنه اعلم بأن التدبير عبارة عن العتق الموقع في المملوك بعد موت المالك عن دبر منه مأخوذ من قول رسول الله ﷺ في أم الولد فهي معتقة عن دبر منه وصورة المدبر أن يتعلق عتقه بمطلق موت المولى كما يتعلق عتق أم الولد به ولهذا قال ابن مسعود رضى الله عنه إن المدبر يعتق من جميع المال كأم الولد وهو قول حماد رضى الله تعالى عنه واحدي الروايتين عن إبراهيم رحمه الله تعالى ولكنا لا نأخذ بهذا وانما نأخذ بقول على وسعيد بن المسيب والحسن وشريح وابن سيرين رضوان الله عليهم أجمعين أنه يعتق من الثلث لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم جعل المدبر
[ 179 ] من الثلث ولان التدبير خلافة بعد الموت فيتقدر بقدر حقه بعد الموت وحق المولى بعد الموت في ثلث ماله فيعتبر خلافته في هذا المقدار فيكون من ثلثه كسائر الوصايا وفى أم الولد انما يعتق من جميع المال لسقوط قيمة ماليتها على ما قررنا أن الاحراز بعد الاستيلاد لقصد ملك المتعة لا لقصد المالية وبدون الاحراز لا تثبت المالية والتقوم وهذا المعنى لا يتقرر بالتدبير فان التدبير ليس بقصد إلى الاحراز لملك المتعة فيبقى الاحراز بعده للتمول واذ بقى مالا متقوما كان معتبرا من ثلثه وعلى هذا قال علماؤنا رحمهم الله تعالى انه لا يجوز بيع المدبر وقال الشافعي رحمه الله تعالى يجوز بيعه لحديث عطاء أن رجلا دبر عبدا له ثم احتاج إلى ثمنه فباعه رسول الله صلي الله عليه وسلم من رجل يقال له نعيم بن النحام بثلثمائة درهم وعن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها دبرت أمة لها فسحرتها وعلمت بذلك فقالت ما حملك على ما صنعت فقالت حبى العتاق فباعتها من أسوأ الناس ملكة والمعنى فيه أن التدبير تعليق العتق بالشرط وذلك لا يمنع جواز البيع كما لو علقه بشرط آخر من دخول الدار أو مجئ رأس الشهر والتدبير وصية حتى يعتبر من ثلث المال بعد الموت والوصية لا تمنع الموصى من التصرف بالبيع وغيره كما لو أوصى برقبته لانسان وهذا لان الوصية ايجاب بعد الموت فتمنع الاضافة بثبوت حكم الوجوب في الحال (وحجتنا) حديث نافع عن ابن عمر رحمه الله تعالى أن النبي ﷺ قال لا يباع المدبر ولا يوهب وهو حر من الثلث وتأويل حديث عطاء ما نقل عن أبى جعفر محمد بن على رحمه الله تعالى أن النبي ﷺ قال انما باع خدمة المدبر لا رقبته يعني به أنه أجره والاجارة تسمى بيعا بلغة أهل المدينة أو يحتمل أنه كان مدبرا مقيدا أو كان في وقت كان بيع الحر جائزا على ما روي عن النبي ﷺ أنه باع رجلا يقال له سرق في دينه ثم انتسخ ذلك الحكم وعن زيد بن ثابت وابن عمر رضي الله تعالى عنهما قالا لا يباع المدبر وما نقل عن عائشة رضى الله تعالى عنها محمول على المدبر المقيد ليكون جمعا بينهما والمعني فيه أنه مملوك تعلق عتقه بمطلق موت سيده فلا يجوز بيعه كام الولد ودليل الوصف ان التعلق حكم التعليق وانما يتعلق بمابه علق السيد وهو انما علقه بمطلق الموت وتأثيره ان الموت كائن لا محالة وهو سبب للخلافة ألا ترى أن الوارث يخلف المورث في تركته بعد موته فهو بهذا التعليق يكون مثبتا للمملوك في الحال الخلافة في رقبته بعد موته فيكون ايجابا في ثانى الحال باعتبار وجود سببه على وجه يصير محجورا
[ 180 ] عن ابطاله كما ان الموت لما كان موجبا الخلافة للوارث في تركته وسببه المرض ثبت نوع حق لهم بهذا السبب على وجه يصير المريض محجورا عن التبرع وهذه الخلافة في العتق الذى لا يحتمل الابطال بعد ثبوته فيتقوى هذا السبب من وجهين أحدهما أن المتعلق به مما لا يحتمل الابطال والثانى ان التعليق بما هو كائن لا محالة وهو موجب للخلافة ولهذه القوة قلنا لا يحتمل الابطال والفسخ بالرجوع عنه بخلاف ما يقوله الشافعي رحمه الله تعالى في بعض أقاويله وهو ضعيف جدا بأن تعليق العتق بسائر الشروط يحتمل الفسخ فهذا الشرط أولى ولهذه القوة يجب حق الحرية له في الحال على وجه يمنع بيعه ويثبت استحقاق الولاء للمولى على وجه لا يجوز ابطاله بخلاف التعليق بسائر الشروط فان دخول الدار ونحو ذلك ليس بكائن لا محالة والتدبير المقيد وهو قوله ان مت من مرضى هذا ليس بكائن لا محالة أيضا والتعليق بمجئ رأس الشهر فان ذلك ليس بسبب موجب للخلافة وكذلك الوصية برقبته لغيره فان ذلك تمليك يحتمل الابطال بعد ثبوته فلا يجب به الحق بنفسه وتقرر بهذا التحقيق ان المدبر في معني أم الولد الا ان هناك معنيين تعلق بأحدهما وجوب حق الحرية في الحال وبالآخر سقوط المالية والتقوم ثم وجد أحد المعنيين ههنا دون الآخر فيتعدى بذلك المعنى حكم ثبوت حق الحرية إلى المدبر ولا يتعدى حكم سقوط المالية والتقوم لانعدام معناه هنا فلهذا كان معتبرا من الثلث على هذا نقول ولد المدبرة يكون مدبرا لانه وجب حق الحرية لها في الحال فيسرى إلى الولد كالاستيلاد وهو دليلنا على الشافعي وبعض أصحابه يمنعون سرايته إلى الولد وهو ضعيف جدا لانه مخالف لقول الصحابة والتابعين وقد قال ابن مسعود رضى الله عنه ولد المدبرة مثل أمه وخوصم إلى عثمان رضى الله عنه في أولاد مدبرة فقضى بأن ما ولدته قبل التدبير عبد يباع وما ولدته بعد التدبير فهو مثلها لا يباع وعن شريح وسعيد بن المسيب وقتادة وجماعة منهم رضوان الله عليهم أجمعين انهم قالوا ولد المدبرة مدبر إذا عرفنا هذا فنقول رجل قال لمملوكه أنت حر بعد موتي أو إذا مت أو ان مت أو متى مت أو إذا حدث بى حدث فهذا كله واحد وهو مدبر لانه علق عتقه بمطلق موته فانه وان أطلق الحدث فالمراد به الموت عادة وكذلك لو قال أنت حر يوم أموت لانه قرن باليوم مالا يمتد ولا يختص بأحد الوقتين فيكون عبارة عن الوقت فكأنه قال أنت حر وقت موتى فان نوى باليوم النهار دون الليل صحت
[ 181 ] نيته لانه نوى حقيقة كلامه ثم لا يكون مدبرا لانه علق عتقه بما ليس بكائن لا محالة وهو موته بالنهار وربما يموت بالليل فلهذا لا يكون مدبرا ولو قال ان حدث بى حدث في مرضى هذا أو سفري هذا فأنت حرلم يكن مدبرا وله أن يبيعه لانه علق عتقه بما ليس بكائن لا محالة فربما يرجع من ذلك السفر ويبرأ من ذلك المرض وفقه هذا الكلام اتا انما نوجب حق الحرية بالتدبير في الحال بناء على قصده القربة بطريق الخلافة وهذا القصد منه ينعدم إذا علقه بموت بصفة لان القصد إلى القربة لا يختلف بالموت من ذلك المرض أو من غيره فلا نعدام هذا القصد لم يكن مدبرا بخلاف ما إذا علقه بمطلق الموت فان القصد إلى ايجاب القربة هنا متحقق حين علقه بما هو كائن لا محالة ولكن ان مات كما قال عتق من ثلثه لان التعليق بالشرط صحيح مع انعدام القصد إلى ايجاب القربة وإذا وجد الشرط عتق من ثلثه وان برئ من مرضه أو رجع من سفره ثم مات لم يعتق لان الشرط الذي علق عتقه به قد انعدم وإذا قال أنت حر بعد موت فلان لم يكن مدبرا لان موت فلان ليس بسبب للخلافة في حق هذا المولى ووجوب حق العتق باعتبار معنى الخلافة فإذا لم يوجد ذلك لم يكن مدبرا والى هذا أشار فقال ألا ترى أن فلانا لو مات والمولى حي عتق العبد ولا خلافة قبل موته ولو مات المولى وذلك الرجل حى صار العبد ميراثا للورثة فكيف يكون مدبرا وتجرى فيه سهام الورثة وكذلك ان قال أنت حر بعد موتي وموت فلان أو بعد موت فلان وموتى فهذا لا يكون مدبرا لانه ما تعلق عتقه بمطلق موت المولى فحسب وانما تعلق بموتين فان مات المولى قبل فلان لم يعتق لان الشرط لم يتم وصار ميراثا للورثة فكان لهم أن يبيعوه وان مات فلان قبل المولى فحينئذ يصير مدبرا عندنا وليس له أن يبيعه وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لا يكون مدبرا لانه ما تعلق عتقه بموت المولى فحسب انما تعلق بموتين كما علقه المولى فكان موت المولى بعد موت فلان متمما للشرط لا انه كمال الشرط وهذا على أصل زفر رحمه الله تعالى مستقيم فانه جعل كل جزء من الشرط معتبرا حتى اعتبر وجود الملك عند وجود بعض الشرط على ما بينا في الطلاق ولكنا نقول بعد موت فلان تعلق عتقه بمطلق موت المولى حتى أنه متى مات عتق وصورة المدبر هذا فكان مدبرا كما لو قال له إذا كلمت فلانا فأنت حر بعد موتى فكلمه أو قال أنت حر بعد كلامك فلانا وبعد موتى فإذا كلم فلانا كان مدبرا فكذلك هنا قال وان قال انت حر بعد موتى ان شئت لم يصر مدبرا
[ 182 ] لانه ما تعلق عتقه بمطلق موت المولى بل به ومشيئته ثم قول المولى ان شئت محتمل يجوز ان يكون مراده المشيئة في الحال ويجوز ان يكون مراده المشيئة بعد الموت فينوي في ذلك فان نوى بالمشيئة الساعة فشاء العبد فهو حر بعد موته من الثلث لان شرط المشيئة لما وجد من العبد في المجلس يصير عتقه متعلقا بمطلق موت المولى بعده فيكون مدبرا وان كان نوى بالمشيئة بعد الموت فإذا مات المولى فشاء العبد عند موته فهو حر من ثلثه لوجود الشرط لا باعتبار التدبير وكان أبو بكر الرازي رحمه الله يقول الصحيح أن لا يعتق هنا ما لم يعتقه الوارث أو الوصي لانه لما لم يعتق بنفس الموت صار ميراثا فلا يعتق بعد ذلك الاباعتاق منهم ويكون هذا وصية يحتاج إلى تنفيذها كما لو قال أعتقوه بعد موتى ان شاء وجعل هذا نظير مالو قال له أنت حر بعد موتى بشهر فانه لا يعتق الاباعتاق من الوارث أو الوصي بعد شهر هكذا ذكره ابن سماعة في نوادره ثم في ظاهر الجواب يعتبر وجود المشيئة من العبد في المجلس بعد موت المولى كما يتقيد بهذا للفظ مشيئته بالمجلس في حال حياته وعن أبى يوسف رحمه الله أنه لا يتوقت بالمجلس لان هذا في معني الوصية ولا يشترط في لزوم الوصية القبول في المجلس بعد الموت ولو قال أنت حر بعد موتى بيوم لم يكن مدبرا وله أن يبيعه لان عتقه ما تعلق بمطلق الموت بل يمضى يوم بعده فان مات لم يعتق في الوقت الذى سمى حتي يعتقه الورثة وهذا يؤيد ما ذكره أبو بكر الرازي وقد بينا المعنى فيه ومن أصحابنا من فرق بين هذا وبين الاول فقال لما أخر العتق عن موته بزمان ممتد في يوم أو شهر وملك الوارث يتقرر في ذلك الزمان عرفنا ان مراده الامر باعتاقه فلا يعتق ما لم يعتقه واما في مسألة المشيئة تتصل مشيئة العبد بموت المولى قبل تقرر الملك للوارث فيعتق باعتاق المولى ولا تقع الحاجة إلى اعتاق الوارث إياه وكذلك لو قال كل مملوك لى فهو حر بعد موتي بيوم فهذا وما أوجب للمملوك بعينه سواء لما بينا ولو قال كل مملوك لى فهو حربعد موتى فما كان في ملكه حين قال هذه المقالة فهو مدبر لانه تعلق عتقه بموت المولى وما دخل في ملكه بعد ذلك لم يصر مدبرا ولكن ان مات وهو في ملكه عتق من ثلثه مع المدبرين وهذا قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبى يوسف رحمه الله لا يتناول هذا اللفظ ما يستحدث الملك فيه وكذلك لو قال كل مملوك أملكه فهو حربعد موتى أو كل مملوك أملكه إذا مت فهو حر فأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول التعليق معتبر بالتنجيز ولو نجز العتق بهذا اللفظ لم يتناول العتق الاما هو مملوك له في الحال فكذلك إذا علق بالموت
[ 183 ] وهذا في قوله كل مملوك لى ظاهر لانه سمى ما هو مضاف إليه في الحال وكذلك في قوله كل مملوك أملكه فان أهل اللغة يقولون المراد بهذا اللفظ الحال وإذا أريد به الاستقبال يقيد بالسين أو سوف فيقال سأملكه أو سوف أملكه والدليل عليه أن ما يستحدث الملك فيه لا يصير مدبرا بالاتفاق ولو تناوله هذا اللفظ لصار مدبرا كالموجود في ملكه وهما يقولان علق عتق ما يمكنه فيتناول ما مملوك له عند الموت والذى استحدث الملك فيه مملوك له عند الموت كالموجود في ملكه وهذا لان الاضافة إلى ما بعد الموت وصية وفى الوصية إذا لم يوجد التعيين من الموصى عند الايصاء يعتبر وجوده عند الموت كما لو أوصى بثلث ماله لانسان يتناول هذا ما يكون ماله عند الموت فهذا مثله الا أن التدبير ايجاب العتق كما قررنا فلا يصح الا بالملك أو مضافا إلى الملك ففي حق الموجودين في ملكه وجد الملك فيصح ايجاب حق العتق لهم وفى حق الذين يستحدث الملك فيهم لم يوجد الايجاب في الملك ولا الاضافة إلى الملك انما وجدت الاضافة إلى الموت فلم يوجد لهم حق العتق بنفس الملك لانه لا يدرى بقاؤهم في ملكه إلى وقت الموت وباعتبار ذلك يتناولهم كلامه فلهذا كان له أن يبيعهم وإذا لم يبعهم حتي مات فقد تناولهم وصيته فيعتقون من الثلث لهذا (قال) وللمولى أن يؤاجر المدبرة ويستغلها ويطأها ويزوجها ومهرها له كأم الولد لانهما باقيتان على ملكه بعد ما ثبت لهما حق العتق وانما يمنع من التصرف المبطل لحقهما دون التصرف الذى لا يبطل حقهما كمن زوج أمته من رجل له أن يبيعها لانه غير مبطل لحق الزوج وليس له أن يطأها ولا يزوجها من غيره فهنا الهبة والبيع مبطل لحقهما فيمنع المولى من ذلك وسائر التصرفات ليس بمبطل لحقهما فلا يمنع منه وليس له أن يرهنهما لان موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء من المالية ولا مالية في أم الولد واستيفاء الدين من مالية المدبر غير ممكن لان استيفاء الدين من المالية يكون بطريق البيع وهى ليست بمحل للبيع (قال) وجناية المدبر علي مولاه فيما بينه وبين قيمته لان بالتدبير السابق منع الدفع على وجه لم يصر مختارا للفداء وليس عليه في جنايته الاقيمة واحدة وان كان بعضها بمباشرة وبعضها يتسبب لانه ما منع الارقبة واحدة وأما غرم المستهلكات فدين في رقبته ويسعى فيه وقد بينا نظيره في أم الولد وفى الجناية على المدبر ما في الجناية على المماليك لانه مملوك بعد التدبير (قال) وإذا قال لعبده أنت مدبر أو قال قددبرتك فهو كما قال لان هذا اللفظ صريح فلا فرق
[ 184 ] بين أن يذكره بصيغة الانشاء أو بصيغة الوصف (قال) أرأيت لو كان أعجميا لا يفصح بالتدبير فقال هذه المقالة أما يكون مدبرا فهذه إشارة إلى أن هذا اللفظ لكثرة الاستعمال في حكم المعلوم لكل واحد وروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى أنه إذا قال أنت مدبر بعد موتى فهو مدبر في الحال وجعل هذا وقوله أنت حربعد موتى سواء لكثرة استعمال هذا اللفظ لهذا المقصود (قال) وتدبير الصبى والمجنون باطل اطلقا أو اضافا إلى ما بعد البلوغ والا فاقة لان حقيقة الاعتاق منهما باطلة فايجاب حق الحرية بالقول كذلك وللشافعي رضى الله عنه قول أن تدبير الصبي صحيح لان التدبير عنده وصية وهو يجوز وصية الصبي بما هو قربة لان نفوذه يكون بعد وقوع الاستغناء له فيه وفي حديث شريح رضى الله عنه أنه جوز وصية غلام يفع وهذا ضعيف لان الوصية تبرع وقول الصبي في الصبي في التبرعات هدر وقد تناقض مذهب الشافعي رضى الله عنه في هذا فانه لا يصحح اسلامه وقبوله الهبة والصدقة مع أن ذلك محض منفعة له فأما السكران والمكره فتدبيرهما جائز عندنا كاعتافهما وأما المكاتب فاعتاقه وتدبيره باطل لان نفوذهما يستدعي حقيقة الملك في المحل وليس للمكاتب حقيقة الملك في كسبه (قال) وإذا قال العبد أو المكاتب إذا عتقت فكل مملوك أملكه بعد ما أعتق فهو حرثم عتق فملك مملوكا فهو حرلانه مخاطب له قول ملزم في حق نفسه وقد صرح باضافة العتق إلى ما بعد حقيقة الملك له فتصح اضافته ويكون عند وجود الملك كالمنجز له (قال) ولو قال كل مملوك أملكه فيما أستقبل أو إلى خمسين سنة فهو حر فعتق ثم ملك مملوكا لم يعتق في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يعتق لان له في المستقبل نوعي ملك ملك لا يقبل العتق وهو حال قيام الكتابة وملك يقبل العتق وهو ما بعد عتقه فينصرف مطلق لفظه اليهما ويصير كالمنجز عند وجود حقيقة الملك كما في المسألة الاولى وقاسا هذا بالحر إذا قال كل مملوك اشتريه فهو حرفانه يتناول ما يشتريه لنفسه لاما يشتريه لغيره حتى يعتق ما يشتريه لنفسه وأبو حنيفة رحمه الله يقول ملكه في حال قيام الكتابة ملك مجاز وبعد العتق حقيقة ولا يراد باللفظ الواحد الحقيقة والمجاز جميعا لان المجاز مستعار والحقيقة غير مستعارة وكما لا يتصور أن يكون الثوب الواحد على انسان ملكا وعارية في حالة واحدة فكذلك لا يتصور الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد والمجاز هنا مراد بالاتفاق حتى لو قال إذا ملكت مملوكا فيما استقبل فملك في حال قيام الكتابة ينحل يمينه به
[ 185 ] فإذا صار المجاز من مرادا تنحى الحقيقة وهذا المجاز مستعمل ورد الشرع به في قوله من باع عبدا وله مال وهذا بخلاف الشراء فان الشراء للغير ليس بمجاز بل هو حقيقة كالشراء لنفسه فيما يرجع إلى أحكام العقد ولان الاعتاق يستدعى أهلية المعتق والمحلية في المعتق ثم لو انعدمت المحلية لم يصح الايجاب الا مضافا إلى الملك أو سببه فكذلك إذا انعدمت الاهلية في الحال لا يصح الايجاب الا مضافا إلى حالة الاهلية صريحا وهو ما بعد العتق فإذا لم يوجد ذلك في الفصل الثاني لم يكن كلامه ايجابا للعتق (قال) وإذا قال لامة الغير إذا ملكتك فأنت مدبرة فولدت له ولدا ثم اشتراها فالام مدبرة دون الولد وكذلك العتق المنجز لان العتق والتدبير انما يصل اليهما بعد الملك وقد انفصل الولد قبل ذلك ولا سراية إلى المنفصل (قال) ولو قال لرجل دبر عبدى فأعتقه فهو باطل لانه خالف ما أمره به فكان مبتدئا لا ممتثلا (قال) ولو قال لصبى أو مجنون دبر عبدى ان شئت فدبره جاز وهذا على المجلس لتصريحه بالمشيئة وقد تقدم نظيره في العتق والطلاق (قال) وان جعل أمر عبده في التدبير إلى رجلين فدبره أحدهما لا يجوز لانه ملكهما هذا التصرف فلا ينفرد به أحدهما بخلاف مالو قال دبرا عبدى هذا فدبره أحدهما جاز لانه جعلهما معبرين عنه وعبارة الواحد وعبارة المثنى سواء ألا ترى أن له أن ينهاهما قبل أن يدبراه في هذا الفصل وليس له ذلك في الفصل الاول (قال) وإذا اختلف المولى والمدبرة في ولدها فقال المولى ولدتيه قبل التدبير وقالت هي ولدته بعد التدبير فالقول قول المولي لانها تدعى حق العتق لولدها ولو ادعت ذلك لنفسها كان القول قول المولى إذا أنكر فكذلك إذا ادعت لولدها فالقول قول المولى مع يمينه والبينة بينة المدبرة لما فيها من زيادة اثبات حق العتق لها (قال) وعتق المدبر محسوب من ثلث المال بعد الدين حتى إذا كان عليه دين يحيط بماله فعلي المدبر السعاية في قيمته لانه وجب عليه رد رقبته والعتق لا يمكن رده فكان الرد بايجاب السعاية وان لم يكن عليه دين فهو حر من ثلث ماله يوم يموت المولى ويستوى ان كان دبره في صحته أو في مرضه لان زوال المالية بالعتق بعد الموت بالتدبير السابق فلهذا اعتبر من ثلث ماله يوم يموت (قال) ولو دبر عبده ثم جن ثم مات فهو حر من ثلثه لان التدبير قد صح في حال قيام عقله فلا يبطل بجنونه وكذلك لو قال يوم أدخل الدار فعبدي هذا مدبر ثم جن فدخل الدار فهو مدبر بالكلام السابق لان ذلك قد صح منه في حال افاقته وذكر في اختلاف زفر
[ 186 ] ويعقوب رحمهما الله تعالى إذا قال لعبده إذا مت أو قتلت فأنت حر على قول زفر رحمه الله تعالى يكون مدبرا لان عتقه تعلق بمطلق موت المولى حتى يعتق إذا مات على أي وجه مات وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يكون مدبرا لانه علق بأحد الشيئين الموت أو القتل فان كان موتا فالموت ليس بقتل وتعليقه بأحد شيئين يمنع أن يكون عزيمة في أحدهما خاصة فلا يصير مدبرا حتى يجوز بيعه وروي الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه إذا قال لعبده إذا مت وغسلت فأنت حر لا يكون مدبرا لانه علقه بالموت وبشئ آخر بعده ثم إذا مات ففى القياس لا يعتق وان غسل لانه لما لم يعتق بنفس الموت انتقل إلى الوارث فهو كقوله ان مت ودخلت الدار فأنت حر وفى الاستحسان يعتق لانه يغسل عقيب موته قبل أن يتقرر ملك الوارث فيه فهو نظير تعليقه بموت بصفة فإذا وجد ذلك يعتق من ثلثه بخلاف دخول الدار فذلك لا يتصل بالموت فيتقرر ملك الوارث فيه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب تدبير العبد بين اثنين) (قال) رضى الله عنه عبد بين اثنين دبره أحدهما فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى يتدبر نصيبه خاصة لان التدبير يحتمل التجزى عنده ثم ان كان المدبر موسرا فللآخر خمس خيارات ان شاء دبر نصيبه لقيام ملكه في نصيبه وإذا فعل ذلك صار مدبرا بينهما وان شاء أعتق نصيبه لقيام ملكه في نصيبه أيضا وان شاء استسعى لان نصيبه صار كالمحتبس عند المدبر حيث تعذر عليه التصرف في نصيبه بالبيع وغيره وان شاء ضمن صاحبه لانه أفسد عليه نصيبه وهو موسر كما لو أعتقه وان شاء تركه على حاله لان الملك للمدبر باق في نصيبه فيتمكن الشريك من استدامة الملك في نصيبه أيضا بخلاف ما بعد عتق أحد الشريكين وان كان المدبر معسرا فليس للساكت حق التضمين وله الخيار بين الاشياء الاربعة كما قلنا فان أعتق الساكت نصبه وهو موسر فللمدبر الخيار ان شاء ضمنه نصف قيمته مدبرا وان شاء استسعى الغلام في ذلك وان شاء أعتق لانه بعد التدبير كان متمكنا من استدامة الملك في نصيبه وقد أفسد عليه صاحبه ذلك باعتاق نصيبه فله أن يضمنه ان كان موسرا ويرجع هو بما ضمن على الغلام وأى ذلك اختار فالولاء بينهما لانه بالتدبير
[ 187 ] السابق استحق ولاء نصيبه على وجه لا يحتمل الابطال فهو وان ضمن شريكه بعد ذلك لم يتحول الملك في نصيبه إلى الشريك لان المدبر لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك ورجوع الضامن على الغلام باعتبار انه يقوم مقام من ضمنه لا باعتبار أنه يصير مالكا ولهذا كان الولاء بينهما وان لم يعتقه الثاني ولكن ضمن المدبر قيمة نصيبه صار الغلام كله للمدبر لان نصيب الشريك غير مدبر قيملكه بالضمان ويكون حاله كحال من دبر نصف عبده فهو مملوك له نصفه مدبر ونصفه غير مدبر وان لم يضمنه ولكن استسعاه فادى إليه السعاية عتق نصيبه حكما باداء السعاية فيكون المدبر بالخيار ان شاء أعتق نصيبه وان شاء استسعى في قيمة نصيبه وليس له أن يضمن شريكه بخلاف ما لو أعتقه لا الاستسعاء كان بسبب التدبير الموجود منه فهذا عتق حصل بسبب رضى المدبر به فلهذا لا يضمنه بهذا السبب وإذا أعتقه ابتداء فلم يكن ذلك العتق بسبب التدبير الموجود في المدبر فله أن يضمنه ان شاء وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وأما عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا دبره أحدهما كان مدبرا كله ويضمن نصف قيمته لشريكه موسرا كان أو معسرا لان التدبير عندهما لا يتجزى فيصير المدبر متملكا نصيب شريكه وروى المعلى عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أن المدبر إذا كان معسرا فالمدبر يسعى في نصف قيمته سعاية ملك لا سعاية ضمان وفى هذا أشار إلى الفرق بين التدبير والاستيلاد كما روينا في نظير هذا عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أن السعاية على أم الولد سعاية ضمان لانه لا يلزمها السعاية في ديون مولاها وأما السعاية على المدبر سعاية ملك على معنى أن كسبه مملوك للمولى فيكون مصروفا إلى دينه ألا ترى ان عليه السعاية في دين مولاه بعد الموت وليس ذلك على أم الولد قال ابن أبى ليلى إذا دبر أحدما كان للآخر بيع حصته منه لانه لما ملك الآخر استدامة الملك في نصيبه غير مدبر عرفنا أن التدبير لم يؤثر في نصيبه فكان له أن يبيعه ولكنا نقول بالتدبير يجب حق العتق في بعضه في الحال وذلك مانع من بيعه كحقيقة العتق وقال ابن أبى ليلى أيضا إذا دبر أحدهما ثم أعتق الآخر فالتدبير باطل والعتق جائز وهو بناء على أصله أن العتق لا يتجزأ فيبطل به تدبير المدبر فيضمن المعق للمدبر ان كان موسرا ولكنا نقول المدبر استحق ولاء نصيبه على وجه لا يحتمل الابطال فلا يبطل ذلك باعتاق الآخر (قال) أمة بين رجلين قالا جميعا لها أنت حرة بعد موتنا لم تصر مدبرة لان عتق نصيب كل واحد منهما ما تعلق بمطلق موته
[ 188 ] بل تعلق بموتهما فكان هذا بمنزلة مالو قال كل واحد منهما أنت حربعد موتى وموت فلان فلا يكون مدبرا ولكن إذا مات أحدهما صار نصيب الآخر مدبرا لانه يتعلق عتق نصيبه بمطلق موته الآن ونصيب الذى مات صار ميراثا لورثته لان شرط عتقه لم يتم بموته ثم الورثة بالخيار ان كان الشريك موسرا بين الاشياء الخمسة على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى بمنزلة مالو أنشأ تدبير نصيبه في الحال (فان قيل) كيف يكون ضامنا وانما تدبر نصيبه بسبب كان ساعده عليه الميت وورثته في ذلك خلفاؤه (قلنا) نعم الورثة خلفاؤه فيما كان ثابتا في حقه والتدبير لم يكن ثابتا في نصيب واحد منهما قبل الموت وانما يثبت في نصيب الحى يعد ما انتقل الملك في نصيب الميت إلى ورثته فلهذا كان لهم أن يضمنوه (قال) مدبرة بين رجلين مات أحدهما عتق نصيبه منها وسعت للآخر في قيمة نصيبه ولاضمان له في تركة الميت لان المعتق حصل بسبب التدبير الذى رضيا به الا أن نصيبه بعد التدبير بقى مالا متقوما وقد احتبس عندها فتسعى له (قال) فان مات الآخر قبل أن تسعى له عتق نصيبه أيضا ان خرج من ثلثه وسقط عنه السعاية عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان نصيبه كان ثابتا على ملكه ما لم تؤد السعاية فتعتق بموته من ثلثه وعندهما لا يسقط عنها السعاية لان عندهما العتق لا يتجزى فقد عتق كلها بموت الاول والسعاية دين عليها فلا يسقط ذلك بموت المولى (قال) مدبرة بين رجلين ولدت ولدا فادعى أحدهما الولد ففي القياس لا يثبت نسبه منه لان نصيب الشريك من الولد مدبر وبالتدبير يجب حق العتق فلا يملك الآخر ابطاله بالدعوة ولانه تعذر اثبات الاستيلاد في نصيب الشريك لان نصيبه مدبر لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك ولكنه استحسن فقال يثبت نسبه منه لان قيام ملكه في النصف كاف لصحة دعوته والولد محتاج إلى النسب ويكون عليه نصف العقر ونصف قيمته مدبرا بخلاف الامة القنة فان هناك المستولد يصير متملكا نصيب شريكه منها من وقت العلوق فيعلق الولد حر الاصل فلهذا لا يضمن قيمة الولد وهنا لا يصير متملكا نصيب شريكه منها لانها مدبرة فيصير الولد مقصودا بالاتلاف فيضمن قيمة نصيب شريكه منه مدبرا وكذلك لو ادعاه وهى حبلى فولدت كان القول فيه كذلك لان الجنين في البطن محل للعتق واستحقاق النسب بالدعوة فهو كالمنفصل فان ولدته بعد ذلك ميتا فلا ضمان عليه فيه لانه لم تعرف حياته واتلاف صاحب الدعوة نصيب شريكه فلا يكون ضامنا وان ضرب
[ 189 ] انسان بطنها فألقت جنينا ميتا بعد الدعوة لاقل من ستة أشهر فعلى الجاني نصف عشر قيمته في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان كان غلاما وعشر قيمتها ان كانت جارية لابي الولد لان النسب يثبت منه بالدعوة فلم يعتق نصيب الشريك منه وأرش الجنين المملوك هذا المقدار وعلى أب الولد نصف عشر قيمتها ان كانت جارية لشريكه وان كان غلاما فربع عشر قيمته لان حصة نصيبه من الارش هذا وباعتبار سلامة الارش لاب الولد يجب عليه الضمان إذا لا دليل على حياته الا ذلك فيتقدر الضمان بقدره لهذا وعليه نصف العقر لا قراره بوطئها والمدبرة على حالها في خدمتها لهما فان ولدت ولدا آخر فادعاه أب الولد أيضا فهو أبنه لما قلنا وعليه نصف قيمته مدبرا لاتلافه نصيب الشريك فيه مقصودا بالدعوة وعليه نصف العقر أيضا من قبل الوطئ الثاني لان نصيب الشريك منها باق على ملكه فوطؤه في ذلك القدر حصل في غير ملكه وولاء الولد بينهما لان الولد انفصل مدبرا بينهما فاستحق كل واحد منهما ولاء نصيبه حتي انه ان جنى جناية كانت على عاقلتهما باعتبار الولاء الثابت لهما إذا لا منافاة بين النسب والولاء ولو ولدت آخر بعد ذلك فادعاه الشريك الآخر كان ابنه لقيام الملك له في نصفه وحاجته إلى النسب فان نسب الولد الثاني لا يثبت من المدعى الاول قبل الدعوة لانها ما صارت فراشا له ووطؤها حرام عليه لاجل الشركة فلهذا يثبت نسبه من الآخر وكان ضامنا لنصف العقر ونصف قيمته مدبرا وجوابه في ضمان نصف العقر قولهم جميعا فاما في ضمان نصف القيمة فهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لان نصيب المدعى الاول من الولد بمنزلة نصيبه من الام أم الولد ولاقيمة لرق أم الولد عند أبى حنيفة رحمه الله فلهذا لا يضمن الشريك بالدعوة له شيئا من قيمة الولد عنده ثم الجارية صارت أم ولد بينهما لان كل واحد منهما استولدها فصح استيلادها في نصيبه منها فإذا مات أحدهما عتقت ولا سعاية عليها للحى في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما تسعى له في نصف قيمتها وقد تقدم بيان هذا (قال) مدبرة بين اثنين ولدت ولدا فادعاه أحدهما ثم مات الآخر عتق نصيبه منها من ثلثه بالتدبير وعتق نصيب أب الولد من غير سعاية في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان نصيبه صار أم ولد ولاسعاية على أم الولد عنده وان مات أب الولد عتق نصيبه من جميع المال بالاستيلاد وسعت للآخر في نصف قيمتها مدبرة لان نصيب الآخر مدبر وليس بام الولد والمدبر يلزمه السعاية وبهذه المسألة يتبين
[ 190 ] ان الاستيلاد يحتمل التجزى عند أبى حنيفة رحمه الله (قال) مدبرة بين رجلين جاءت بولد فشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه ادعاه وأنكراه فالغلام حرلانهما تصادقا على أنه حر والحق لهما لا يعدوهما ولا سعاية عليه لان كل واحد منهما يتبرأ من سعايته ويزعم أنه حر الاصل والجارية بينهما تخدمهما على حالها لانها كانت مدبرة بينهما وبقيت كذلك بعد اقرارهما فان مات أحدهما عتق نصيبه من ثلث ماله بالتدبير وسعت في نصيب الآخر لان الاستيلاد لم يثبت بشهادة الذي مات في نصيب الحى فانه كان منكرا لذلك وهذا بخلاف ما إذا كانت أمه غير مدبرة فان بعد موت أحدهما لاتسعى للآخر لان الآخر يتبرأ من سعايتها ويزعم انها أم ولد للشريك الميت قد عتقت بموته وحقه في الضمان قبله فلهذا لا يستسعيها هناك (قال) جارية بين رجلين شهد أحدهما على صاحبه أنه دبرها وأنكر الآخر ذلك فقد دخلها بشهادته شئ حتى لا تباع ولا توهب ولا تمهر لان شهادة الشاهد في حقه يجعل كانه حق ولو كان التدبير من أحدهما معلوما لم يمكن بيعها بعد ذلك فكذلك إذا شهد به أحدهما وهو وشهادته عليه بالعتق سواء في هذا الحكم فان مات الشاهد فهي بين ورثته وبين المشهود عليه كما كانت لان نصيب الشاهد ليس بمدبر على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى باتفاقهما فيخلفه ورثته فيه بعد موته فان مات المشهود عليه عتقت وسعت في جميع قيمتها لان الشاهد مقر بعتق نصيب الشمهود عليه عند موته فيفسد رقها بزعمه ثم ورثة المشهود عليه يقولون الشاهد كاذب وقد تعذر استدامة الملك فيها عليه (قلنا) له أن يستسعيها في قيمة نصيبها والشاهد يقول عتق نصيب شريكي بموته ولى حق استسعائها في نصيبي فلهذا سعت في جميع قيمتها بينهما وان شهد كل واحد منهما على صاحبه بالتدبير فهى بينهما كالمدبرة لاعتبار زعم كل واحد منهما في حقه وايهما مات سعت في جميع قيمتها لورثته وللحي لما بينا ان كل واحد منهما يدعى السعاية ويزعم أن نصيب شريكه عتق بموته أو باقرار شريكه (قال) وإذا عتق أحد الشريكين العبد ثم دبره الآخر فتدبيره صحيح في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان نصيبه باق على ملكه وتدبيره يكون ابراء للمعتق عن الضمان واختيارا للسعاية فيسعى له الغلام في نصف قيمته مدبرا لان قدر نقصان التدبير حصل بمباشرته واكتسابه سبب استحقاق الولاء فلهذا يسعى له في نصف قيمته مدبرا (قال) عبد بين ثلاثة نفر دبر أحدهم نصيبه ثم أعتق الآخر نصف نصيبه وهو غنى فقد ابرأ المدبر عن الضمان لانه
[ 191 ] لو أعتق جميع نصيبه كان مبريا له عن الضمان فكذلك إذا أعتق البعض إذ ليس له حق التضمين في بعض نصيبه دون البعض ثم يسعي له العبد فيما بقى من نصيبه لان نصيبه بمنزلة عبد كامل ومن أعتق بعض عبده فله أن يستسعيه فيما بقي عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى قال فيضمنه المدبر ان شاء ثلث قيمته مدبرا وان شاء استسعى الغلام فيه لانه تعذر عليه استدامة الملك في نصيبه باعتاق المعتق بعض نصيبه فهو كما لو تعذر عليه استدامة الملك فيه باعتاق المعتق جميع نصيبه واما الثالث فله ان يضمن المدبر ان كان موسرا وليس له أن يضمن الثاني لان المدبر بالتدبير السابق قد اكتسب سبب الضمان للثالث على نفسه وصار نصيبه بحيث لا يحتمل الانتقال الا إليه بالضمان والسبب الموجود منه لا يحتمل الابطال لانه يثبت به استحقاق العتق والولاء فلا يبطل ذلك الحكم باعتاق الثاني فلهذا لا يكون له أن يضمن الثاني ولكن يضمن المدبر ويرجع به المدبر على العبد فيستسعيه في ذلك كا يستسعيه في نصيب نفسه لانه تملك على الثالث نصيبه بالضمان (قال) ولو لم يعتق الثاني حتى ضمن الثالث المدبر نصيبه ثم أعتقه الثاني وهو موسر كان للمدبر أن يضمنه ثلثى قيمته ثلث مدبر وثلث غير مدبر لانه بالضمان يملك نصيب الثالث غير مدبر ثم صنع المعتق في الاعتاق وجد بعد ذلك فله أن يضمنه باعتبار هذا الصنع قيمه جميع نصيبه كل ثلث بصفته بخلاف ما سبق فان صنع المعتق هناك وجد قبل أن يتملك المدبر نصيب شريكه بالضمان فلهذا لا يكون له أن يضمنه قيمة نصيب الثالث باعتبار ذلك الصنع ثم يرجع المعتق على العبد بما ضمنه للمدبر وذلك ثلثا قيمته وثلث الولاء للمعتق بقدر نصيبه الذى أعتق وثلثا الولاء للمدبر أما مقدار نصيبه وهو الثلث فلا اشكال فيه لانه استحق ولاءه بالتدبير وأما نصيب الثالث فلانه كان لا يحتمل الانتقال الا إليه وبعد النقل إليه لم ينتقل إلى المعتق وان ضمنه ألا ترى أنه لم يكن للثالث حق تضمين المعتق ولو كان يجوز نقل هذا النصيب إليه بحال لكان له أن يضمنه وإذا ظهر أنه غير محتمل للانتقال إليه فانما عتق على ملك المدبر فلهذا كان له ولا الثلثين ألا ترى أنه لو كان بين اثنين فدبر أحدهما ثلث نصيبه وأعتق الآخر نصيبه كله وهو موسر كان للمدبر أن يضمن المعتق قيمته نصيبه وهو نصف قيمة العبد ثلثه مدبر وثلثاه غير مدبر ويرجع به المعتق على العبد والولاء بينهما نصفان لان حصة المدبر قد دخلها عتق حين دبر بعضه فلا ينتقل شئ من نصيبه إلى المعتق بالضمان فكذلك ما سبق وإذا قال ان ملكت شيئا من هذا العبد
[ 192 ] فهو حر بعد موتي ثم ملكه مع آخر صار نصيبه منه مدبرا لان المتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولم يكن لشريكه أن يضمنه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى والتدبير في هذا وتنجيز العتق سواء وهذا فرع ما تقدم من اختلافهم في رجلين اشتريا عبدا وهو قريب أحدهما كان أبو بكر الرازي يقول هذا غلط فان الملك هنا شرط العتقن لا علته ومباشرة أحد الشريكين للشرط لا يسقط حقه في الضمان كما في مسألة ضرب السوط فمعاونته على تحصيل الشرط أو رضاه به كيف يكون مسقطا ولكنا نقول ما ذكره في الكتاب صحيح وهذا شرط في معني السبب لانه مصحح للتعليق فان التعليق في غيره الملك لا يصح الا مضافا إلى الملك ألا ترى أنه لو علق عتق هذا المملوك أو تدبيره بشرط آخر كان باطلا وإذا كان مصححا لما هو السبب كان في معنى المتمم للسبب فمعاونته اياه عليه يكون مسقطا حقه في الضمان بخلاف ضرب السوط (فان قيل) كان ينبغى أن يقال إذا قال لعبد الغير إذا ملكتك فأنت حرثم اشتراه بنية الكفارة أن يجوز عن الكفارة كما لو اشترى قريبه وبالاتفاق لا يجوز (قلنا) هذا الشرط مصحح لليمين ولكنه غير موجب للعتق بل الموجب للعتق هو اليمين ولا بد من أن تقترن نية الكفارة بالسبب الموجب للعتق فأما الرضا بما يصحح ليمين كالرضا باليمين في اسقاط حقه في التضمين وأشار في الكتاب إلى علة أخرى فقال لانهما يملكاه جميعا معناه أن وجوب الضمان يعتمد الصنع وصنعه اتصل بالمملوك قبل ملك الشريك لان صنعه الشراء والملك حكم الشراء والحكم يعقب السبب فلا يكون له أن يضمنه بصنع سبق ملكه كمن قطع يد عبد انسان ثم باعه مولاه فسرى إلى النفس عند المشترى ليس للمشترى أن يضمن القاطع شيئا لهذا المعنى وهذا الطريق يستقيم هنا وفى مسألة شراء القريب أيضا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب تدبير ما في البطن (قال) رضى الله عنه أمة بين رجلين دبر أحدهما ما في بطنها جاز كما لو أعتق ما في بطنها فان ولدت لاقل من ستة أشهر بعد هذا القول فهو مدبر والشريك فيه بالخيار بين التدبير والتضمين والاستسعاء لانا تيقنا أنه كان موجودا في البطن وقت التدبير فهو كالمنفصل وان ولدته لا كثر من ستة أشهر لم يعمل فيه التدبير لانا لم نتيقن بوجوده
[ 193 ] حين دبر لعلها حبلت به بعد ذلك ومع الشك لا يثبت التدبير ولو قال أحدهما ما في بطنك حر بعد موتى وقال الآخر أنت حرة بعد موتى فولدت لاقل من ستة أشهر بعد النطق الاول فالولد مدبر بينهما لانا علمنا أنه كان موجودا حين دبره الاول فتدبر نصيبه بتدبيره ونصيب الشريك بتدبيره حصته من الام فلهذا كان الولد مدبرا بينما وحصة الذى دبر الام مدبر مع الام وشريكه فيها بالخيار وان ولدته لاكثر من ستة أشهر فالولد مدبر للذى دبر الام لانا لم نتيقن بوجوده عند تدبير الاول فانما يثبت فيه حكم التدبير بطريق التبعية للام من جهة الذى دبر الام وثبوت حكم التبعية باعتبار أنه كالجزء من وجه وفى هذا لا ينفصل بعضه عن بعض فلهذا كان الولد كله مدبرا للذى دبر الام بخلاف الاول فان نصيب الشريك من الولد هناك صار مقصودا ينفرد التدبير من جهته فيه ثم نصف الام مدبر للذى دبرها والآخر بالخيار ان شاء ضمن شريكه نصف قيمة الام ان كان موسرا والولد للمدبر بغير ضمان لان الضمان انما لزمه من حين دبر وعلوق الولد بعد ذلك فلا يثبت فيه حق الشريك ألا ترى أنها لو ازدادت في بدنها لم يكن للشريك الآخر تضمين نصف القيمة الا وقت التدبير فكذلك إذا كانت الزيادة منفصلة لانها صارت في حكم المستسعاة حتى ثبت له حق ان يستعيها في نصف قيمتها بذلك التدبير والمستسعاة كالمكاتبة تكون أحق بولدها فلهذا لم يجب على المدبر شئ من ضمان قيمة الولد وان شاء الشريك استسعاها في نصف قيمتها ولا يسعى الابن في شئ لما بينا ان المستسعاة كالمكاتبة فلا يثبت لمولاها فيما يحدث لها من الولاء بعد ذلك حق يمكنه من استسعائه الولد فان دبر أحدهما ما في بطنها ثم أعتق الآخر نصيبه البتة ثم ولدت بعد ذلك بشهر فالمدبر بالخيار ان شاء أعتق حصته من الولد وان شاء استسعى وان شاء ضمن المعتق ان كان موسرا ويرجع الذى ضمن به على الولد لانا تيقنا أنه كان موجودا في البطن عند تصرفهما فيكون حكم هذا وحكم مالو كان تصرفهما في الولد بعد الانفصال سواء (قال) وإذا دبر الرجل ما في بطن جاريته لم يكن له أن يبيعها ولا يهبها ولا يمهرها وقد ذكر في كتاب الهبة إذا أعتق ما في بطن أمته ثم وهبها جازت الهبة بخلاف مالو باعها وقيل في المسألة روايتان وجه هذه الرواية ان ما في البطن صار بحيث لا يحتمل التمليك فتمليكها دون مافى بطهنا بالهبة لا يتحقق فلهذا لا يجوز هبتها ووجه تلك الرواية ان ما في البطن يصير مستثني
[ 194 ] ويجعل كأنه استثناه نصا والهبة لا تبطل في الجارية باستثناء ما في البطن نصا بخلاف البيع والاصح هو الفرق بين التدبير والعتق فنقول بعد ما أعتق ما في بطنها لو وهب الام جاز كما ذكر هناك وبعد ما دبر ما في البطن لو وهب الام لا يجوز كما ذكر هنا والفرق أن بالتدبير لا يزول ملكه عما في البطن فإذا وهب الام بعد التدبير فالموهوب متصل بما ليس بموهوب من ملك الواهب فيكون في معنى هبة المشاع فيما يحتمل القسمة وأما بعد العتق ما في البطن غير مملوك فالموهوب غير متصل بما ليس بموهوب من ملك الواهب فهو كما لو وهب دارا فيها ابن الواهب وسلمها إلى الموهوب له تتم الهبة فان ولدته لاقل من ستة أشهر قالولد مدبر وان ولدته لاكثر من ستة أشهر كان رقيقا لانا لم نتيقن بوجوده في البطن وقت التدبير وان ولدت ولدين أحدهما لاقل من ستة أشهر بيوم والآخر لاكثر من ستة أشهر بيوم فهما مدبران لانا تيقنا بوجود الاول منهما وقت التدبير وهما توأم خلقا من ماء واحد فمن ضرورة وجود احدهما من ذلك الوقت وجود الآخر (قال) ولو دبر مافى بطن أمته ثم كاتبها جازت الكتابة لان الكتابة تعقد للعتق وثبوت حق العتق في الولد لا يمنع عقد العتق في الام وان وضعت بعد هذا القول لاقل من ستة أشهر كان التدبير في الولد صحيحا ولكن يثبت أيضا الولد حكم الكتابة تبعا للام فإذا أدت عتقا جميعا وان مات المولى قبل أن تؤدى عتق الولد بالتدبير من الثلث وعلى الام السعاية في المكاتبة على حالها وان لم يمت المولى حتى ماتت الام فعلى الولد أن يسعى فيما على أمه لانه ولد مولود في الكتابة فان مات المولى فالولد بالخيار لانه تلقاه جهتا حرية أحدهما بالتدبير والآخر بأداء كتابة الام فيختار أنفع الوجهين له وان كان يخرج من ثلث مال الميت عتق ولا شئ عليه لان مقصوده قد حصل (قال) ولو قال لامته ولدك الذى في بطنك ولد مدبرة أو ولد حرة وهو لا يريد بهذا عتقا لم تعتق لان هذا تشبيه وليس بتحقيق فكأنه قال لها أنت مثل الحرة أو المدبرة وقد بينا هذا فيما سبق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصوب واليه المرجع والمآب باب مكاتبة المدبر (قال) رضى الله عنه وإذا كاتب الرجل مدبره ثم مات وهو يخرج من ثلثه عتق بالتدبير
[ 195 ] وسقطت عنه المكاتبة لوقوع الاستغناء له عن أداء المال وهو بمنزلة مالو أعتق المولى مكاتبه وان لم يكن له مال غيره فانما يعتق ثلثه بالتدبير ثم لا يسقط عنه شئ من بدل الكتابة في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله يسقط عنه ثلث الكتابة لانه عتق ثلثه بالتدبير ولو عتق كله سقط عنه جميع بدل الكتابة فكذلك إذا عتق ثلثه يسقط عنه ثلث بدل الكتابة اعتبارا للجزء بالكل قياسا على ما إذا كاتبه أو لاثم دبره ثم مات ولا مال له سواه فانه يسقط عنه ثلث بدل الكتابة لما عتق عليه ثلثه بالتدبير فكذلك إذا سبق التدبير الكتابة ولا معني لقول من يقول إن المستحق بالتدبير لا يرد عليه عقد الكتابة لانه لو ادى جميع بدل الكتابة في حياته يعتق كله ولو كان المستحق بالتدبير لم يرد عليه الكتابة لما عتق بالاداء ولان استحقاق المدبر ثلثه بالتدبير كاستحقاق أم الولد جميعها بالاستيلاد ثم لو كاتب أم ولده صحت الكتابة ووجب المال فعرفنا أن هذا الاستحقاق لا يمنع ورود عقد الكتابة عليه ولابي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى طريقان أحدهما أن بدل الكتابة بمقابلة ما وراء المستحق بالتدبير لان موجب الكتابة ثبوت ما لم يكن ثابتا في المكاتب والبدل بمقابلة ذلك لا بمقابلة ما هو ثابت وقد بينا ان التدبير يوجب استحقاق شئ له فلا يتصور استحقاق ذلك بالكتابة ليكون البدل بمقابلته بل بمقابلة ما وراء ذلك بمنزلة مالو طلق امرأته اثنين ثم طلقها ثلاثا بألف كان الالف كلها بازاء التطليقة الثالثة ألا ترى أنه لو استحق جميع نفسه بالتدبير بأن خرج من الثلث بطلت الكتابة وكذلك في أم الولد إذا مات المولى حتى تقرر استحقاقها في جميع نفسها بطلت الكتابة فاما قبل الموت الكتابة صحيحة لان الاستحقاق غير متقرر لجواز أن يموتا قبل المولى وإذا ثبت أن بدل الكتابة بمقابلة ما وراء المستحق بالتدبير وشئ من ذلك لم يسلم للعبد بموت المولى فلا يسقط شئ عنه من بدل الكتابة وهذا بخلاف مالو كاتبه أو لا ثم دبره لان بدل الكتابة هناك بمقابلة جميع الرقبة فانه لم يكن مستحقا لشئ من رقبته عند الكتابة فإذا عتق بعض الرقبة بعد ذلك بالتدبير سقط حصته من بدل الكتابة والطريق الآخر ان التدبير الآخر وصية بالرقبة له والوصية بالعين لا تنفذ من مال آخر بحال كما لو أوصى بعبده لانسان ثم باعه أو قتل لا تنفذ الوصية من قيمته ولا من ثمنه فلو اسقطنا شيئا من بدل الكتابة كان فيه تنفيذ وصيته من غير ما أوصى له به وذلك لا يجوز بخلاف مالو كاتبه أولا ثم دبره لان عند التدبير هناك
[ 196 ] حقه أحد الشيئين اما بدل الكتابة ان أدى أو مالية الرقبة ان عجز فيكون موصيا له بما هو حقه فلهذا ينفذ من بدل الكتابة إذا عرفنا هذا فتخريج المسألة على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فيما إذا دبره أو لاثم كاتبه أنه يتخير بعد موت المولى ان شاء سعى في جميع بدل الكتابة وان شاء سعى في ثلثي قيمته بالتدبير أو بالكتابة لان عنده العتق يتجزى وقد تلقاه جهنا حرية اما السعاية في ثلثى قيمته بالتدبير أو في بدل الكتابة بجهة العقد فيختار أي الوجهين شاء وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يسعي في الاقل منهما بغير خيار لان العتق عنده لا يتجزأ فقد عتق كله والمال عليه فلا يلزمه الا أقل المالين وعند محمد رحمه الله تعالى يسعى في الاقل من ثلثى قيمته ومن ثلثى بدل الكتابة لان ثلث بدل الكتابة قد سقط ولا يتجدد لان العتق عنده لا يتجرأ ولو كان كاتبه أو لا ثم دبره ثم مات المولى فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يتخير بين أن يسعى في ثلثى قيمته أو ثلثى بدل الكتابة لما بينا أنه تلقاه جهتا حرية وربما يكون التخيير مفيدا لمنفعة له في احدهما دون الاخر وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يسعى في أقل المالين بلا خيار لان العتق عندهما لا يتجزأ (قال) وإذا كاتب مدبرته فولدت ولدا ثم ماتت يسعي الولد فيما عليها لانه مولود في كتابتها فيبقى عقد الكتابة ببقائه لانه جزء منها فان كانا ولدين فأدى أحدهما المال كله من سعايته لم يرجع على صاحبه بشئ لانه ما أدى عن صاحبه شيئا وانما أدى عن الام فان بدل الكتابة عليها ولان كسب كل واحد منهما للام ألا ترى أنها في حياتها كانت أحق بكسب كل واحد منهما لتستعين به في اداء الكتابة فكان اداء أحدهما من كسبه بمنزلة الاداء من مال الام وكذلك ان كاتب مدبرين له جميعا وكل واحد منهما كفيل عن الآخر ثم مات وترك احدهما ولدا ولد له في مكاتبته من أمته فعليه أن يسعى في جميع الكتابة لانه قائم مقام أبيه وانما يسعى لتحصيل العتق لابيه ولنفسه ولا يحصل العتق لا بيه الا بأداء جميع بدل الكتابة فلهذا كان عليه السعاية في جميع بدل الكتابة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب الشهادة على التدبير) (قال) رضى الله عنه إذا شهد شاهد أنه دبر عبده وشهد آخر أنه أعتق فالشهادة باطلة لانهما اختلفا في المشهود به لفظا ولا يتمكن القاضى من القضاء بشئ إذ ليس على واحد
[ 197 ] من الامرين شهادة شاهدين وكذلك ان شهدا بالتدبير واختلفا في شرطه قال احدهما اعتقه بعد موته وموت فلان وقال الآخر بعد موته خاصة لان اختلافهما في الشرط اختلاف في المشهود به على وجه يتعذر على القاضى القضاء بشئ وكذلك لو شهد احدهما أنه دبر أحد عبديه والآخر أنه دبر هذا بعينه وان شهدا أنه دبر أحد عبديه بغير عينه فالشهادة باطلة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى كما بيناه في العتق البات فان مات المولى قبل أن يترافعوا إلى القاضى ثم شهدا بعد موته استحب أن أجيز شهادتهما لان العتق يتنجز فيهما بالموت ولان في الوصية معنى حق الموصى وذكر بعد هذا الموضع في نظير هذه المسألة أن الشهود قالوا كان ذلك في المرض وفى حكم قبول الشهادة سواء قالوا ذلك أولم يقولوا فالشهادة مقبولة وانما ذكر هذا القيد لمقصود آخر وان كانا شهدا بذلك في حياته فأبطلها القاضى لم يقبلها بعد ذلك لانه اتصل الحكم برد هذه الشهادة وكل شهادة حكم القاضي بردها لا يقبلها بعد ذلك (قال) وان شهدا أنه قال هذا حر بعد موتى لابل هذا عتقا جميعا من ثلثه لان كلمة لابل لاستدراك الغلط بالرجوع عن الاول واقامة الثاني مقامه ولا يصح رجوعه عن تدبير الاول ويصح تدبيره في الثاني فكانا شاهدين لكل واحد منهما بالتدبير بعينه وكذلك ان شهدا أنه قال هذا حر البتة لابل هذا مدبر لانهما شهدا للاول بعينه بالحرية وللثاني بعينه بالتدبير ولو شهدا أنه قال هذا حر أو هذا مدبر لم تجز شهادتهما في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانهما ما شهدا للمعين بشئ فان حرف أو بين الكلامين يخرج كلامه من أن يكون عزيمة في واحد منهما والشهادة لغير المعين بالعتق أو التدبير غير مقبولة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولو شهدا أنه قال هذا مدبر أو هذا جازت الشهادة للاول وحده عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان هذا اللفظ لو سمعناه من المولى ثبت به التدبير للاول ويخير المولى في الباقين فكانا شاهدين للاول بعينه وهو مدع لذلك فيجوز شهادتهما له ولا يجوز لاحد الآخرين بغير عينه وهما كلامان ينفصل احدهما عن الآخر فبطلان أحدهما لا يبطل العمل بالآخر ولو شهدا أنه قال أحد هذين العبدين مدبر لا بل هذا لاحدهما بعينه صار الذى عينه مدبرا لانهما شهدا له بعينه بالتدبير ويحلف للآخر بالله ما عناه بأول كلامه فإذا حلف كان عبدا له على حاله ولو اختلف المولى والمدبرة في ولدها أنها ولدته قبل التدبير أو بعده قد بينا أن القول في ذلك قول المولى مع يمينه ويحلف على العلم لانه استحلاف على
[ 198 ] فعلها وهو ما ادعت من ولادتها بعد التدبير وإذا شهدا انه دبر أحد عبديه ثم شهدا أنه أعتق أحدهما في صحته ولا مال له غيرهما فشادتهما باطلة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى في العتق والتدبير جميعا في القياس لانهما لم يعينا المشهود له ولكني أستحسن أن أجيزها في التدبير لانها وصية فيعتق من كل واحد منهما ثلثه ويسعى في ثلثى قيمته وفى هذا بيان أن طريق الاستحسان لابي حنيفة رحمه الله تعالى ما بينا أن في الوصية حق الموصى دون تنجيز العتق فيهما بالموت فان العتق في الصحة والتدبير في ذلك سواء وان شهدا أنه دبر هذا بعينه وأعتق احدهما البتة في صحته كانت شهادتهما في العتق البات باطلة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانهما شهدا به لغير المدعى المعين إذا المدبر والقن في المحلية للعتق البات سواء حتى لو أقر الورثة بذلك ولا مال للميت غيرهما عتق من كل واحد منهما نصفه من جميع المال لان الحرية في الصحة تثبت لاحدهما فيشيع العتق فيهما بموت المولى قبل البيان فيعتق من كل واحد منهما نصفه ويعتق من المدبر ثلث ما بقى منه وهو ثلث رقبته فكان السالم له خمسة أسداس رقبته ويسعى في سدس قيمته والآخر يسعى في نصف قيمته وان أقروا أن العتق البات كان في المرض يعتبر من الثلث وانما سلم للآخر نصف رقبته فيضرب هو في الثلث بنصف رقبته والمدبر بجميع رقبته فيصير الثلث بينهما أثلاثا والمال على تسعة إلا أن المال رقبتهما ولو جعلنا كل رقبة أربعة ونصفا لانكسر بالانصاف فيضعف ونجعله من ثمانية عشر كل رقبة على تسعة وقد كان للمدبر سهمان فبالتضعيف صار أربعة فلهذا سلم له أربعة اتساعه ويسعى في خمسة اتساعه وللقن نصف ذلك سهمان ويسعى في سبعة اتساعه فيستقيم الثلث والثلثان ان كانت قيمتهما سواء (فان قيل) لماذا لم يجعل العتق في المرض للقن كله ليكون كلامه محمولا على الصحة فان المدبر موصى له بجميع رقبته والعتق في المرض وصية فما يصرف إليه من ذلك يكون لغوا (قلنا) انما لم يجعل هكذا لان المدبر محل للعتق في المرض والصحة جميعا وبقاء المحلية فيه يمنع تعين الآخر للعتق البات فلابد من اعتبار الاحوال فيه فيعتق في حال دون حال فيعتق نصفه فلهذا ضرب في الثلث بنصف رقبته والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب واليه المرجع والمآب
[ 199 ] (باب المكاتب إذا دبره مولاه) (قال) رضى الله تعالى عنه رجل دبره مكاتبا له فهو بالخيار ان شاء نقض الكتابة وكان مدبرا له وان شاء مضى على المكاتبة لانه تلقاه جهتا حرية أحدهما عاجل ببدل والآخر آجل بغير بدل فله أن يميل إلى أي الجانبين شاء وعقد الكتابة غير لازم في حق العبد لتمكنه من أن يعجز نفسه فلهذا كان له الخيار وان مات المولى ولا مال له غيره يسعى في الاقل من ثلثي قيمته ومن ثلثي المكاتبة وقد بينا أن قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى تخييره في ذلك ولو لم يعلم المكاتب بالتدبير حتى أدى المكاتبة كلها فقد عتق بالاداء والمال سالم للمولى ولاخيار له بعد ذلك لان التدبير قد بطل بعتقه ولو ادي البعض ثم علم كان له الخيار لبقاء الرق فيه وإذا اختار التدبير فما أخذه المولى حلال له لانه كسب عبده (قال) ولو كاتب عبدين مكاتبة واحدة على ألف درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه ثم دبر أحدهما ثم مات المولى وله مال كثير عتق المدبر من ثلثه وسقطت حصته من المكاتبة لوقوع الاستغناء له عن أدائها كما لو أعتقه المولى في حياته وأخذ الورثة بحصة الآخر أيهما شاؤا لان المكاتب الثاني أصيل في حصته والمدبر كان كفيلا مطالبا فلا تسقط عنه تلك المطالبة بعتقه فان أداها المدبر رجع بها عليه كما لو أداها قبل عتقه بل أولى لان هناك هو منتفع بالاداء لانه يعتق بذلك والآن لا منفعة له في الاداء بل انما أداها بحكم الكفالة المحضة وان لم يكن له مال غيرهما عتق المدبر بالتدبير من الثلث وسعى فيما يجب عليه فان كانت قيمة كل واحد منهما ثلثمائة ومكاتبتهما ألف بطل حصة المدبر من المكاتبة واعتبر قيمته ثلثمائة لانه أقل والمتيقن من حق المولى هو الاقل فعرفنا أن المال ثلثمائة قيمة المدبر وخمسمائة حصة الآخر من المكاتبة وذلك ثمانمائه ثلثه وذلك مائتان وستة وستون وثلثا درهم يسلم للمدبر من قيمته ويسعى فيما بقى وهو أربعمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ثم يؤخذ المدبر بما بقى على المكاتب لانه كفيل به ولا يؤخذ المكاتب بما على المدبر لانه قد خرج من المكاتبة ولزمته السعاية من قبل التدبير والمكاتب لم يكن كفيلا عنه بذلك فان كانت قيمة كل واحد منهما ألف درهم ومكاتبتهما على ألف درهم فاختار المدبر أن يسعى في الكتابة فله ذلك لان ذلك ربما ينفعه عسى يكون بدل الكتابة منجما مؤجلا وإذا اختار ذلك يسقط ثلث المكاتبة
[ 200 ] لانه عتق ثلثا رقبته بالتدبير والوصية كانت له بما هو حق المولى فلهذا يسقط ثلث المكاتبة ويبقى للورثة ثلثا المكاتبة عليهما يأخذون بذلك أيهما شاؤا فان أدى المدبر رجع على الآخر بثلاثة أرباع ذلك مقدار حصته وهو خمسمائة وان أدى المكاتب رجع على المدبر بربع ذلك وهو مقدار ما بقى من حصته وإذا كان المكاتب بين اثنين فدبره أحدهما فاختار المكاتب أن يسعى فهو على حاله وسعايته لان التدبير لا ينافى الكتابة ابتداء وبقاء والمدبر غير مفسد على شريكه شيئا ما بقيت الكتابة فان عجز فالذي لم يدبر بالخيار لان عمل تدبيره في الافساد قد ظهر بعد العجز فكان حكم هذا كحكم عبد بين اثنين دبره أحدهما وقد بيناه رجل قال لامتين إذا ملكتكما فأنتما حرتان بعد موتى فاشترى إحداهما فولدت عنده ثم اشترى الاخرى فقد صارتا مدبرتين لان الشرط ملكهما فانما تم عند شراء الثانية وولد الاولى رقيق يباع لانه انفصل عنها قبل ثبوت حكم التدبير فيها فان المتعلق بالشرط لا يصل إلى المحل الا بعد وجود كمال الشرط (قال) وإذا أسلم مدبر ذمي قضى عليه بالسعاية في قيمته وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجبر على بيعه لان المدبر عنده محل للبيع وعندنا هو كأم الولد وقد بينا هذا الحكم في أم الولد فان أدى السعاية عتق وان مات المولى قبل أن يؤدي وهو يخرج من ثلثه عتق بالتدبير وسقطت عنه السعاية لحصول المقصود بدونه وكذلك ان صالحه المولى على قيمته من غير محاكمة فهذا واستسعاء القاضى سواء لان السبب الموجب للاستسعاء قائم بعد عجزه الا أنه ان كان في مال الصلح فضل على قيمته يبطل القاضى ذلك الفضل عنه إذا عجز ويجبره على أن يسعى في قيمته (قال) وإذا دبر الحربى عبده في دار الحرب فهو باطل كما لو أعتقه في دار الحرب لان ثبوت حق العتق بالتدبير من أحكام الاسلام وأحكام الاسلام لا تجرى عليهم في دار الحرب فان خرجا بأمان فأسلم العبد أجبر على بيعه لان تدبيره في دار الحرب كان لغوا وان دبره بعد ما خرجا بأمان فتدبيره جائز لان حكم الاسلام يجرى عليهما في دارنا فيما يرجع إلى المعاملات فان أسلم هذا المدبر قضى عليه بالسعاية في قيمته لان ملك المستأمن محترم بالامان وبيعه بسبب التدبير متعذر فان لحق المولى بدار الحرب وهو يسعى ثم قتل المولى أو ظهر على الدار أو أسر عتق العبد وبطلت عنه السعاية اما إذا قتل المولى فلوجود شرط العتق بالتدبير وان أسر فلان ملكه عنه قد بطل لان الرقيق ليس من أهل ملك المال والمدبر ليس يحتمل النقل من ملك الي ملك والمملوك
[ 201 ] متى زال عن ملك المولى لا إلى أحد كان حرا وان ظهر على الدار لم يبق لملكه حرمة والسعاية كانت لحرمة ملكه فإذا لم يبق ذلك عتق وبطلت عنه السعاية (قال) ولو كان خرج بام ولد له ثم أسلمت قضى عليها بالسعاية لان الاستيلاد في دار الحرب صحيح تبعا للنسب فان قضى عليها بالسعاية ثم أسلم المولى فان أدت السعاية عتقت وان عجزت ردت أم ولدله لان المانع من استدامة ملكه فيها قد ارتفع باسلامه فلو أسلمت وباعها من نفسها بمال قليل أو كثير جاز وكانت حرة بالقبول والمال دين عليها وان مات المولى قبل أن يسلم أو بعد ما أسلم فالمال دين عليها على حاله لانها عتقت بالقبول فموت المولى وحياته بعد ذلك سواء (قال) وإذا دبر المرتد عبده فهو موقوف في قول أبى حنيفة رحمه الله كسائر تصرفاته فان مات أو قتل أو لحق بدار الحرب فتدبيره باطل والعبد رقيق للورثة وان أسلم ورجع إلى دارنا ووجد العبد في يد الورثة فأخذ فهو مدبر على حاله لانه يعود إلى قديم ملكه بالاخذ فينفذ ذلك التدبير منه بمنزلة مالو أسلم قبل اللحاق بالدار لان التدبير في حقه كان صحيحا لانه بالردة لم يخرج من أن يكون مخاطبا وأصل ملكه باق بعد الردة وانما كان التوقف لحق الورثة وقد سقط حقهم حين عاد مسلما وكذلك ان كان القاضى قضى به للورثة وباعوه فبيعهم جائز لان التدبير كان صحيحا في حقه فانه كان مالكا له يومئذ فمتى حصل الملك له بأى وجه حصل كان مدبرا وان استولد في ردته فهي أم ولد له وان أسلم أو قتل أو لحق بدار الحرب لان ثبوت أمية الولد لها باعتبار نسب الولد ولا حجر على المرتد عن ذلك لانه لاحق للورثة فيه ولان ملكه في كسبه أظهر من ملك الاب في مال ولده فإذا كان يصح الاستيلاد من الاب فمن المرتد لان يصح أولى وعلي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى التدبير منه صحيح كالاستيلاد فإذا لحق بدار الحرب أعتقه القاضى من ثلثه كما يعتق المدبر الذى دبره في حال اسلامه بناء على مذهبهما في نفوذ تصرفات المرتد وتمام بيانه في السير (قال) وإذا دبر المسلم عبده ثم ارتد العبد ولحق بدار الحرب أو اشتراه أهل الحرب فأصابه المسلمون فاسلم رد إلى مولاه مدبرا على حاله لانه ثبت فيه حق الحرية بالتدبير فلا يبطل بردته ولحاقه كما لا تبطل حقيقة العتق والمدبر ليس بمحل للتملك بالاستيلاد فلم يملكه أهل الحرب ولا المسلمون للولاء المستحق عليه لمولاه ولهذا رد إلى مولاه مدبرا على حاله والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
[ 202 ] (باب الامة الحامل إذا بيعت) (قال) رضى الله عنه رجل باع أمة وسلمها أولم يسلمها حتى ولدت ولدا فادعياه جميعا فنقول إذا كان البائع سبق بالدعوة فان جاءت به لاقل من ستة أشهر من وقت البيع ثبت النسب منه استحسانا وفى القياس لا يثبت وهو قول زفر رحمه الله تعالى لانه مناقض في كلامه ساع في نقض ما قدتم به ولكنا نقول تيقنا أن العلوق كان في ملكه وبحصول العلوق في ملكه ثبت له حق استلحاق النسب فلا يبطل ذلك ببيعه لان حق استلحاق النسب لا يحتمل الابطال كالنسب ولان البيع دونه في احتمال النقض والابطال والضعيف لا يبطل القوى وان جاءت به لا كثر من ستة أشهر لم يصدق البائع لانالم نتيقن بحصول العلوق في ملكه وان كان المشترى سبق بالدعوة ثبت النسب منه سواء جاءت به لاقل من ستة أشهر أو لاكثر من ستة أشهر لان دعوته حصلت في ملكه ثم لا تصح دعوة البائع بعد ذلك لاستغناء الولد عنه لثبوت نسبه من المشترى ولان ثبوت النسب أقوى من حق الاستلحاق والضعيف لا يبقى بطريان القوى وإذا ادعياه معا فان كانت ولدت لاقل من ستة أشهر فهو ابن البائع عندنا وعند إبراهيم النخعي هو ابن المشترى لان له حقيقة الملك وقت الدعوة فيترجح بذلك ولكنا نقول دعوة البائع أسبق معنى لانه يستند إلى حالة العلوق فان أصل العلوق كان في ملكه فكانت الجارية أم ولد له والبيع باطل فان جاءت به لستة أشهر فدعوة المشترى أولى لانالم نتيقن بحصول العلوق في ملكه وقد بينا هذه الفصول فيما أمليناه من شرح الدعوى وان ولدت ولدين أحدهما لاقل من ستة أشهر والآخر لستة أشهر فالدعوة دعوة البائع لانهما توأم وقد تيقنا بحصول الاول منهما في ملكه فيتبع الشك اليقين ويجعل كأنها ولدتهما لاقل من ستة أشهر وان كان المشترى أعتق الام قبل الدعوة لم ترد رقيقة لان العتق نفذ فيها لقيام ملك المشترى فيها وقت الاعتاق فخرجت من أن تكون محلا لنقض البيع فيها ولانا لو نقضنا البيع والعتق كانت أم ولد للبائع فيطأها بالملك بعد ما حكمنا بحريتها وذلك لا يجوز الا أن الولد محتاج إلى النسب بعد عتقها وحق الاستلحاق الذى كان للبائع في الولد باق فلهذا يثبت النسب منه وينقض البيع فيه بحصته من الثمن لان الولد صار مقصودا بالاسترداد فيكون له حصة من الثمن يرده البائع على
[ 203 ] المشترى وليس من ضرورة ثبوت نسب الولد ثبوت أمية الولد في الام كما في ولد المغرور وان كان أعتق المشترى الولد قبل الدعوة فدعوة البائع باطل لان الولاء قد ثبت للمشترى وهو أقوى من حق الاستلحاق الذى كان للبائع فلا يبقى الضعيف بعد طريان القوى ولا تصير الام أم ولد للبائع لان حقها تبع لحق الولد في النسب ولم يصدق البائع فيما هو الاصل فكذلك في التبع وكذلك ان لم يعتقه ولكنه مات ثم ادعاه البائع لانه بالموت قد استغنى عن النسب وخرج من أن يكون محلا لثبوت نسبه ابتداء وإذا كان للولد ولد حى لم تجز دعوة البائع أيضا بخلاف ولد الملاعنة فان هناك النسب كان ثابتا استتر باللعان فيبقى بعد موته ببقاء ولد يخلفه حتى يظهر بدعوته وهنا النسب لم يكن ثابتا أصلا ولا يمكن اثباته بعد موته ابتداء فلهذا لا يعتبر بقاء ولد الولد في تصحيح دعوته وقد قررنا هذا الفرق في الدعوى (قال) وإذا باع أمته فولدت بعد البيع لا كثر من ستة أشهر فادعاه البائع وصدقه المشترى ثبت النسب منه وفسخ البيع لان المانع من صحة دعوته حق المشترى ولانهما تصادقا على ان العلوق كان قبل البيع والحق لا يعدوهما فإذا تصادقا على شئ ثبت ما تصادقا عليه وان لم تلد حتى باعها المشترى وتناسخها رجال ثم ولدت لاقل من ستة أشهر من وقت البيع الاول فادعوه جميعا فهو ابن البائع الاول لان أصل العلوق كان في ملكه فتكون دعوته في المعني أسبق وتفسخ البيوع كلها لان البيوع في احتمال الفسخ كبيع واحد فلا يبطل بذلك حق الاستلحاق الذي كان للبائع الاول وكذلك لو باع ولدا ولد عنده ثم ادعاه لان أصل العلوق والولادة كان في ملكه فحق استلحاق النسب له في هذا الفصل أظهر والتناقض لا يمنعه من الدعوى لخفاء أمر العلوق فقد يشتبه عليه في الابتداء فيظن أن الولد ليس منه ثم يعلم أنه منه فيتدارك ذلك بالدعوة (قال) وإذا كان في يدى رجل صبي لا ينطق ولد عنده أولم يولد عنده فزعم أنه عبده وأعتقه ثم زعم أنه ابنه لم يصدق في القياس للتنافض وصدق في الاستحسان لخفاء أمر العلوق على ما بينا ولانه يقر له بالنسب في حال حاجته إلى النسب وهو في يده بعد العتق ولو كان لقيطا في يده فادعى نسبه ثبت نسبه منه فهنا اولى ولو كان عبدا كبيرا فاعتقه ثم ادعاه ومثله يولد لمثله ثم صدقه الغلام ثبت نسبه منه وان كذبه لم يثبت لانه في يد نفسه وهو معبر عن نفسه فتتوقف صحة دعوة نسبه على تصديقه بخلاف ما قبل العتق فانه في يد مولاه باعتبار ملكه ولا قول له في نفسه فكان
[ 204 ] مصدقا في دعوة نسبه من غير تصديقه (قال) وانما استحسن في الصغير كما استحسن في المدبرة بين اثنين جاءت بولد فادعاه أحدهما أن نسبه يثبت منه وهو ضامن لنصف قيمته مدبرا ونصف عقر أمه فكأنه أشار إلى أن بالعتق يثبت الولاء له والولاء لا يحتمل النقض فيبطل حق استلحاق النسب في القياس كما في ولد المدبرة بينهما لما ثبت نصف الولاء لشريكه لم تصدق في الدعوة في القياس ولكنه استحسن فقال لا منافاة بين ثبوت النسب منه وبين الولاء للشريك وفى اثبات النسب منفعة للصغير فلهذا ثبت النسب منه في الفصلين جميعا ثم قال هنا وولاء الولد بينه وبين شريكه وبنحوه أجاب في كتاب الدعوى وقال في كتاب الولاء نصف ولاء الولد للشريك والنصف الآخر بمنزلة الاب ومعنى هذا أيضا أن الولاء في النصف الآخر للاب ولكن لا يظهر في حقه بعد ثبوت النسب الاعند جناية الولد وقد بينا هذا فيما سبق وأما الام فتصيب الاب منها أم ولد ونصيب الشريك منها مدبر لانه غير محتمل للانتقال إليه بعد التدبير وانما يصير الكل أم ولدله إذا لم يملك نصيب شريكه بالضمان فأما إذا تعذر تملكه عليه اقتصر الاستيلاد على نصيبه ولو كان عبدا كبيرا بينهما ثم دبراه ثم ادعاه احدهما ثبت النسب منه لان بالتدبير لم يزل ملكهما ولم يظهر للعبد يد في نفسه ولا حاجة إلى تصديقه ولكن يثبت النسب من أحدهما بالدعوة استحسانا كما قبل التدبير والولا بينهما كأنهما بالتدبير استحقا ولاءه ولا منافاة بين الولاء والنسب (قال) وإذا ولدت ولدين في بطن واحد فباع المولى احدهما مع الام فادعاه المشترى ثبت نسبهما منه لانهما توأم والذى في يد البائع عبد له لان دعوة المشترى دعوة التحرير فان أصل العلوق لم يكن في ملكه فهو بمنزلة الاعتاق والتوأم ينفصل أحدهما عن الآخر في الاعتاق فان لم يدع المشترى ولكنه اعتقه مع الام ثم ادعى البائع الذى عنده ثبت نسبهما جميعا منه لما قلنا وثبت حرية الاصل للولد الذى عند البائع لان أصل العلوق كان في ملكه والتوأم لا ينفصل احدهما عن الآخر في حرية الاصل فمن ضرورة ثبوته لاحدهما ثبوته للآخر ومن ضرورة الحكم بحرية الاصل للولد الذى عند المشترى الحكم ببطلان عتقه لان حر الاصل لا يعتق ولكن ليس من ضرورة ذلك بطلان عتق الام إذ الاستيلاد ليس من ضرورة نسب الولد فلهذا رد البائع حصة الابن على المشترى من الثمن ولا يرد حصة الام ولانا لو نقضنا عتقه في الولد انما تنقضه لاثبات ما هو اقوى منه وهو حرية
[ 205 ] الاصل ولو نقضنا عتقه في الام نقضه لما هو أضعف وهو حق أمية الولد ويؤدي إلى أن توطأ بملك اليمين بعد الحكم بحريتها وذلك لا يجوز (قال) وإذا باع أمه حاملا فخاف المشترى أن يدعى البائع ولدها فأراد أن يتحرز منه فانه يشهد عليه أن هذا الحبل من عبد كان له قد زوجها منه فإذا أقر البائع بهذا لم يستطع أن يدعيه أبدا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يستطيع أن يدعيه ان أنكر العبد الولد لان اقراره بنسب الولد للعبد يبطل بتكذيب العبد وإذا بطل الاقرار صار كالمعدوم من الاصل وشبها هذا بالولاء فان الولاء بمنزلة النسب ثم لوادعى المشترى للعبد أن البائع أعتقه فكذبه البائع كان له أن يدعى ولاءه لنفسه بعد ذلك لبطلان اقراره بتكذيب البائع وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول اقراره تضمن حكمين انتفاء النسب عنه وثبوته من العبد فبانكار العبد يبطل اقراره بالحكم الذى يتصل به وهو ثبوت نسبه منه ولا يبطل في الحكم الآخر وهو انتفاؤه من المقر لان أحد الحكمين ينفصل عن الآخر ألا ترى أن ولد الملاعنة يقطع نسبه عن الملاعن ولا يكون لاحد فيه حق دعوة النسب لان في اثبات النسب منه بالفراش حكم بنفيه عن غيره فبعد ذلك وان أبطلنا باللعان حكم اثبات النسب من الملاعن يبقى معتبرا في الحكم الآخر وليس النسب كالولاء لانه أثر من آثار الملك فيتصور فيه الانتقال من شخص إلى شخص بخلاف النسب وتمام بيان هذا الفرق في البيوع (قال) أمة بين رجلين باعها أحدهما من صاحبه فولدت لاقل من ستة أشهر فادعياه معا فهو ولدهما ويبطل البيع لان العلوق أصله كان في ملكهما فاستويا في استلحاق النسب وإذا جاز ابطال البيع في جميعها بدعوة الولد ففي نصفها أولى وان ادعاه البائع وأعتقه المشترى معا كانت الدعوة أحق لانه يستند إلى حالة العلوق فقيام ملكه في نصفها وقت العلوق كقيام ملكه في جميعها في ثبوت حرية الاصل وإذا كانت الدعوة أسبق وثبت بها حرية الاصل للولد كان اعتاق المشترى فيه باطلا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب واليه المرجع والمآب (باب المكاتب) (قال) رضى الله عنه اختلف الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في وقت عتق المكاتب
[ 206 ] فكان ابن عباس رضى الله عنه يقول كما أخذ الصحيفة من مولاه يعتق يعنى بنفس العقد لان الصحيفة عند ذلك تكتب وكانه جعل الكتابة واردا على الرقبة كالعتق بجعل يعتق بالقبول وهو غريم للمولى فيما عليه من بدل الكتابة وكان ابن مسعود رضى الله عنه يقول إذا أدى قيمة نفسه عتق وهو غريم للمولى في الفضل فكأنه اعتبر وصول قدر مالية الرقبة إلى المولى ليندفع به الضرر عنه وكان على رضى الله عنه يقول يعتق بقدر ما أدى فكأنه يعتبر البعض بالكل وهو بناء على قوله يعتق الرجل من عبده ما شاء وكان زيد بن ثابت رضى الله عنه يقول هو عبد ما بقى عليه درهم وبه أخذ جمهور الفقهاء وقالوا لا يعتق ما لم يؤد جميع البدل والدليل عليه الحديث الذى بدأ به الكتاب ورواه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله ﷺ قال من كاتب عبده على مائة أوقية فاداها الا عشر اواقى فهو رقيق والاوقية أربعون درهما وفى هذا دليل على أنه لم يعتق شئ منه الا باداء جميع البدل وهذا لان موجب العقد مالكية اليد في حق المكاسب والمنافع للمكاتب فانه كان مملوكا يدا ورقبة فهو بعقد الكتابة يثبت له مالكية اليد لان مالكية اليد من كرامات بنى آدم وهو مع الرق أهل لبعض الكرامات ألا ترى أنه أهل لمالكية النكاح ومالكية اليد تنفصل عن مالكية الرقبة الا ترى ان الراهن يثبت للمرتهن ملك اليد وان الغاصب يضمن بتفويت اليد فكذلك بالكتابة يثبت له مالكية اليد فاما العتق متعلق بشرط الاداء والشرط يقابل المشروط جملة ولا يقابله جزءا فجزءا لان ثبوت الحكم عند وجود الشرط نظير ثبوت الحكم بالعلة فلهذا لا يعتق شئ منه ما لم يؤد جميع البدل وفى هذا الحديث دليل أيضا على أنه لا يستحق على المولى حط شئ من بدل الكتابة عنه وان كان يستحب له ذلك ما رواه عن على رضي الله عنه في قوله وأتوهم من مال الله الذى آتاكم قال ربع المكاتبة وعن ابن عمر رضى الله عنه أنه حط عن مكاتب له أول نجم حل عليه وقرأ هذه الآية ولكن الامر قد يكون بمعني الندب فبالحديث المرفوع تبين أن المراد الندب دون الحتم وهو مذهبنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى يستحق عليه حط ربع البدل وهو قول عثمان رضى الله عنه الظاهر الآية فان مطلق الامر للوجوب لان هذا عقد ارفاق يجرى بين المولى وعبده ولا يقصد المولى به التجارة وانما يقصد ايصاله به إلى العتق فيكون ارفاقا ويستحق بكل عقد ما كان العقد مشروعا لا جله فإذا كان هذا العقد مشروعا
[ 207 ] للارفاق ينبغى أن يستحق ما هو محض الارفاق وهو حط بعض البدل (وحجتنا) فيه ان العقد يوجب البدل فلا يجوز ان يكون موجبا لاسقاط البدل إذا الشئ لا يتضمن ضده والقياس لنا فانه عقد معاوضة فلا يستحق به حط شئ من البدل كسائر المعاوضات إذ يعتبر أحد العوضين بالآخر فالمراد بالآية الندب دون الحتم فانه معطوف على الامر المذكور في قوله فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا فذلك ندب وليس بحتم إذا لا يجب عليه ان يكاتب عبده وان علم ان فيه خيرا فكذلك قوله وأتوهم لان حكم المعطوف حكم المعطوف عليه وذكر الكلبي ان المراد به دفع الصدقة إلى المكاتبين فيكون هذا خطابا للناس بصرف الصدقة إلى المكاتبين ليستعينوا بذلك على اداء المكاتبة كما قال في بيان مصارف الصدقات وفي الرقاب والمراد المكاتبون والدليل عليه انه قال من مال الله والمال المضاف إلى الله تعالي مطلقا هو الصدقة ثم ذكر عن ابن عمر رضى الله عنه ان مكاتبا له عجز فكسر مكاتبته فرده في الرق ففى هذا دليل على ان الكتابة تحتمل الفسخ وفيه دليل على ان المكاتب إذا كسر نجما فللمولى ان يفسخ الكتابة ويرده في الرق وهو قول أبى حنيفة ومحمد لانه قد تغير عليه شرط عقده وذلك يثبت للعاقد حق الفسخ في العقود المحتملة للفسخ وقال أبو يوسف رحمه الله لايرد في الرق ما لم يكسر نجمين وهو قول على رضي الله عنه قال إذا اجتمع على المكاتب نجمان فدخلا رد في الرق وكان هذا استحسان من أبى يوسف رحمه الله تعالى لان العقد مبني على الارفاق وفى رده في الرق عند كسره نجما واحدا تضييق عليه فلمعنى التوسع والارفاق شرط أن يتوالى عليه نجمان وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله قال هذا إذا كانت النجوم مستوية فان كانت متفاوتة فكسر نجما واحدا يرد في الرق لانه لما عجز عن أداء الاقل فالظاهر أنه عن أداء عن الاكثر أعجز وفي حديث على وابن عمر رضى الله عنهم دليل على أن للمولى أن يفسخ الكتابة عند عجز المكاتب من غير أن يحتاج فيه إلى المرافعة إلى القاضى فيكون حجة على ابن أبي ليلى لانه يقول لا يرد في الرق الا بقضاء القاضي فان العجز لا يتحقق بدون القضاء فان المال غاد ورائح وجعل هذا العجز نظير عجز العنين عن الوصول إلى امرأته ثم الفرقة هناك لا تكون الا بقضاء القاضى ولكنا نقول العقد تم بتراضيهما والمولى ما رضى بلزوم هذا العقد الا بشرط فإذا فات عليه ذلك الشرط يتمكن من فسخه لانعدام رضاه به بخلاف النكاح فانه لا يعتمد تمام الرضا وبخلاف الرد بالعيب قبل القبض لان المشترى ينفرد بالرد بالعيب قبل القبض
[ 208 ] لفوات شرطه وهو أصل لنا فأما بعد القبض فقد قامت الدلالة لنا على تمام الصفقة بالقبض وبعد تمام الصفقة لا ينفرد بالفسخ لحاجته إلى نقض القبض التام ونقل الضمان إلى البائع ثم اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في المكاتب إذا مات وترك وفاء بمكاتبته قال على وابن مسعود رضى الله عنهما يؤدى كتابته ويحكم بحريته حتى يكون ما بقى ميراثا لورثته وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله تعالى وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه تنفسخ الكتابة بموته والمال كله للمولى وبه أخذ الشافعي رحمه الله تعالى واحتج فيه وقال المعقود عليه فات بموته قبل سلامته وذلك موجب انفساخ العقد كهلاك البيع قبل القبض وهذا لان المعقود عليه هو الرقبة فان العقد يضاف إليه والدليل عليه أن عند فساد العقد يرجع إلى قيمة الرقبة والرجوع عند فساد العقد إلى قيمة المعقود عليه ولانه لو بقى لبقى ليعتق بوصول بدل الكتابة إلى المولى والميت ليس بمحل للعتق ابتداء لما في العتق من احداث قوة المالكية وذلك لا يتصور في الميت ولا يجوز أن يستند العتق إلى حال حياته لان المتعلق بالشرط لا يسبق الشرط وفي اسناده إلى حال حياته اثبات العتق قبل وجود الشرط وهو الاداء وهذا بخلاف ما إذا مات المولى لان المولى ليس بمعقود عليه بل هو عاقد والعقد يبطل بهلاك المعقود عليه لا بموت العاقد ولانه لو بقى العقد بعد موت المولى يعتق بالاداء إلى الورثة وصار المولى معتقا له ويجوز أن يكون الميت معتقا ولا يجوز أن يكون معتقا ألا ترى أنه لو قال لعبده أنت حر بعد موتي كان صحيحا ولو قال بعد موتك كان لغوا وكذلك لو أوصى بأن يعتق عبده بعد موته كان صحيحا فإذا أعتق كان المولى هو المعتق حتى يكون الولاء له والفقه في الكل أنه يبقى ملكه بعد موته حكما لحاجته كما في القدر المشغول بالدين فإذا بقى ملكه صار معتقا ولكن لا يجوز أن يبقى مملوكا بعد موته حكما لان ابقاء المالكية لمعنى الكرامة وليس في ابقاء المملوكية بعد الموت معنى الكرامة له وإذا لم تبق المملوكية لا يتصور أن يكون معتقا بعد موته (وحجتنا) فيه أنه عقد معاوضة لا ينفسخ بموت أحد المتعاقدين فلا ينفسخ بموت الآخر كعقد البيع وهذا لان قضية مطلق المعاوضة التسوية بين المتعاقدين والخصم لا ينازع في هذا ولكنه يدعى أن في موت المكاتب فوات المعقود عليه وليس كذلك فان المعقود عليه ما يسلم للعاقد بمطلق العقد والرقبة لا تسلم له بمطلق العقد انما السالم له مالكية اليد وهو المعقود عليه وقد سلم بنفس العقد واضافة العقد إلى الرقبة لا يدل على أن المعقود
[ 209 ] عليه هو الرقبة كما تضاف الاجارة إلى الدار والمعقود عليه المنفعة والرجوع عند الفساد بقيمة الرقبة ليس لان المعقود عليه هو الرقبة ولكن لان ما هو المعقود عليه لا يتقوم بنفسه وهو مالكية اليد فيصار إلى قيمة أقرب الاشياء إليه كما في الخلع يصار إلى رد المقبوض عند فساد التسمية لان ما هو المعقود عليه غير متقوم ثم إذا جاز ان بجعل المولى بعد الموت كالحى حكما حتى يصير معتقا فكذلك يجوز ان يبقى المكاتب حيا حكما حق يؤدى كتابته فيصير حرا وهذا لان المملوكية أليق بحال الميت من الماليكة لان المملوكية عبارة عن الضعف والمالكية ضرب قوة والضعف بحال الميت اليق من القوة والدليل على جواز ابقاء المملوكية بعد موته لحاجته ان كفن العبد بعد موته على مولاه ولا سبب لاستحقاقه عليه سوى المملوكية والاصح ان نقول نحن انما تبقي المالكية بعد موت المكاتب لما بينا ان بعقد الكتابة يثبت له مالكية اليد في مكاسبه وبه يتمكن من اداء الكتابة فتبقى تلك المالكية بعد موته لان حاجته إلى تحصيل الحرية لنفسه فوق حاجة مولاه إلى الولاء فإذا جاز بقاء المالكية بعد موت المولى لحاجته إلى الولاء يبقى بعد موت العبد صفة المملوكية لحاجته إلى الحرية ثم بقاء صفة المملوكية يكون تبعا لا مقصودا ومن أصحابنا من يقول لا نجعله حرا بعد الموت ولكنا نسند حريته إلى حال حياته لان بدل الكتابة كان في ذمته والدين بالموت يتحول من الذمة إلى التركة لان الذمة لا تبقى محلا صالحا للدين بعد الموت ولهذا حل الاجل بالموت فإذا تحول بدل الكتابة إلى التركة فرغت الذمة منه وفراغ ذمة المكاتب موجب حريته الا أنه لا يجوز الحكم بحريته ما لم يصل المال إلى المولى فإذا وصل المال إليه حكم بحريته في آخر جزء من اجزاء حياته (فان قيل) لو قذفه قاذف بعد اداء بدل الكتابة فانه لا يحد قاذفه عندكم ولو حكم بحريته في حال حياته لحد قاذفه (قلنا) هذا شئ نثبته حكما للاستحقاق الثابت بالكتابة ولتحقق الضرورة فيه والثابت بالضرورة لا يعلم موضعها فلا يظهر به حريته مطلقا في حالة الحياة ولا يصير محصنا باعتبار حرية ثبتت بطريق الضرورة والحد لا يجب بقذف غير المحصن مع ان الحدود تندرئ بالشبهات والحرية تثبت مع الشبهة وكذلك الميراث فانه يثبت مع الشبهات ومن ضرورة الحكم بموته حرا أن يكون ما بقى من كسبه ميراثا لورثته (قال) وإذا اشترط الرجل على مكاتبه أن لا يخرج من الكوفة الا باذنه كان هذا الشرط باطلا لانه خلاف موجب العقد فان مالكية اليد تثبت له حق الاستبداد بالخروج إلى حيث
[ 210 ] شاء والمقصود بالعقد تمكنه من ابتغاء المال وذلك بالضرب في الارض قال الله تعالى وآخرون يضربون في الارض الآية فكل شرط يمنعه من ذلك فهو خلاف موجب العقد والمقصود به فكان باطلا وعند سفيان الثوري رضى الله عنه يصح هذا الشرط لانه مفيد كالمودع إذا قال للمودع أحفظها في بيتك دون بيت غيرك صح كذا هذا وان لم يصح هذا الشرط عندنا لا يبطل العقد بهذا الشرط لان هذا الشرط وراء ما يتم به العقد والشرط الفاسد في الكتابة لا يفسد العقد إذا لم يكن متمكنا في صلبه وانما يفسد إذا تمكن في صلبه لمعنى وهو ان الكتابة تشبه البيع من وجه وهو أنها تحتمل الفسخ في الابتداء وتشبه النكاح من وجه وهو انها لا تحتمل الفسخ بعد تمام المقصود بالاداء فيوفر حظها عليهما فلشبهها بالبيع تبطل بالشرط الفاسد إذا تمكن في صلبها ولشبهها بالنكاح لا تبطل بالشرط الفاسد إذا لم يتمكن في صلبها ولان هذا العقد مع احتماله الفسخ مبني على التوسع فلتحقق معنى التوسع قلنا الشرط إذا لم يتمكن في صلبه يكون لغوا بخلاف البيع فانه مبنى على الضيق ولمعني التوسع قلنا يثبت الحيوان دينا في الذمة في هذا العقد وكل ما يصلح مسمى في النكاح يصلح مسمى في الكتابة وقد قررنا هذا في النكاح (قال) وان أخذ كفيلا بالمكاتبة عن المكاتب لم يجز عندنا وقال ابن أبى ليلى يجوز لانه دين مطلوب في نفسه وهو كالدين الثابت في ذمة حر من صداق أو غيره ولكنا نقول المكاتب عبد له وليس للعبد ذمة قوية في وجوب الدين عليها للمولى ولانه يملك أن يعجز نفسه فتبرأ ذمته بذلك ولا يمكن اثباته بهذه الصفة في ذمة الكفيل ولا يجوز أن يثبت في ذمة الكفيل أقوى مما هو ثابت في ذمة الاصيل (قال) وان كاتب عبدين له وجعل نجومهما واحدة وكل واحد منهما كفيلا عن صاحبه فهذا في القياس لا يجوز لانه كفالة ببدل الكتابة من كل واحد منهما ولانه كفالة من المكاتب والمكاتب ليس بأهل للكفالة ولكنا نجوز هذا العقد استحسانا لكونه متعارفا فيما بين الناس محتاجا إليه في تحصيل هذا الارفاق وقد يكون اعتماد المولى على أحدهما دون الآخر ولانه بهذا العقد يجعلهما كسشخص واحد ولهذا إذا قبل أحدهما دون الآخر لم يجز فكأنه شرط جميع المال على كل واحد وعلق به عتق صاحبه ولهذا قال علماؤنا رحمهم الله تعالى لا يعتق واحد منهما الا بأداء جميع المال وعلى قول زفر رحمه الله تعالى إذا أدى أحدهما حصته من المال يعتق لان العقد لما صح ثبت موجبه وهو انقسام البدل عليهما باعتبار قيمتهما فإذا أدى أحدهما
[ 211 ] حصته من المال فقد برئت ذمته عما عليه وانما يبقى مطلوبا بما على صاحبه بطريق الكفالة وهذا لا يمنع ثبوت الحرية فيه ولكنا نقول شرط المولى ومقصوده معتبر وقد شرط أن أن لا يعتق واحد منهما ما لم يصل إليه جميع المال فلمراعاة شرطه قلنا له أن يطالب أيهما شاء بجميع المال ولا يعتق واحد منهما ما لم يصل إليه جميع المال ثم ذكر في الكتاب الذى يكتبه المولى لهما وليس لهما ان يتزوجا الا بأذن فلان مولاهما وانما يكتب هذا للتوثق فان من العلماء من يقول للمكاتب أن يتزوج بغير اذن مولاه لتحقيق ثبوت مالكية اليد له وعندنا لا يملك لانه عبد ما بقى عليه شئ من البدل فللتحرز عن قول هذا القائل يشترط ذلك في الكتاب (قال) وإذا كاتب عبده على ألف درهم وعلى وصيف فهو جائز لان جهالة الصفة بعد اعلام الجنس لا يمنع صحة التسمية في عقد الكتابة كما لا يمنع ذلك في النكاح (قال) وان كاتبه على ألف درهم واشترط خدمته مدة معلومة فهو جائز لان المسمى من الخدمة يصير معلوما بيان المدة حتى يصح استحقاقه بعقد الاجارة فكذلك يصح تسميته في الكتابة وهذا لان المكاتب يكون أحق بكسبه ومنافعه فكما يجوز أن يشترط عليه مالا معلوما يوفيه من كسبه فكذلك يجوز أن يشترط عليه خدمة معلومة يوفيها من منافعه وان اشترط عليه خدمة مجهولة بغير ذكر الوقت أو شرط على المكاتبة أن تخدمه أبدا أو يجامعها أبدا فالكتابة فاسدة لان ما شرط مع الالف مجهول جهالة متفاحشة والمجهول إذا ضم إلى المعلوم يصير الكل مجهولا وهذا المفسد يتمكن فيما هو من صلب العقد وهو البدل فيفسد به العقد ولانه في معنى استثناء موجب العقد لانه موجب العقد اثبات مالكية اليد له حتى يصير أحق بمنافعه ومكاسبه واشترط الخدمة عليه أبدا يمنع من ذلك وكذلك اشتراط الوطئ عليه بنفسه واستثناء موجب العقد يكون مفسدا للعقد يقول فان أدى الالف عتق قال بشر المريسى هذا غلط لان العتق لا ينزل الابعد اداء جميع المشروط عليه وقد شرط المولى عليه مع الالف شيئا آخر فكيف يعتق بأداء الالف ولكنا نقول ما ذكر في الكتاب صحيح واشتراط الخدمة والوطئ عليها ليس بطريق البدل لما أوجبه له بل باعتبار ابقاء ملك نفسه في الخدمة والوطئ كما كان من قبل فلا يكون استثناء لموجب العقد فأما البدل المشروط عليه هو الالف فإذا أداه يعتق ويستوى في ظاهر الرواية ان كان قال له إذا أديتها إلى فأنت حر أولم يقل وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا يعتق الا أن يكون قال له ان أديتها إلى فأنت
[ 212 ] حرلان العتق عند فساد العقد باعتبار الشرط فما لم ينص على الشرط لا يعتق ووجه ظاهر الرواية أن العقد منعقد مع الفساد لان تأثير الفساد في تغيير وصف العقد فلا يعدم أصله وإذا بقى العقد كان العتق عند الاداء بحكم العقد فلا يعتبر فيه التصريح بالتعليق بالشرط كما في البيع الفاسد يثبت الملك عند القبض بحكم العقد ثم كان أبو حنيفة رحه الله تعالى يقول أولا عليه أن يؤدى الفضل على الالف إلى مكاتبة مثله لانه شرط مع الالف لنفسه منفعة فإذا لم ينل ذلك كان عليه مكاتبة مثله كما لو تزوج على ألف وكرامتها ودخل بها كان لها تمام مهر مثلها ثم رجع فقال عليه فضل قيمة نفسه وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لما بينا أن الرقبة هنا أقرب الاشياء إلى المعقود عليه في الاعتبار عند فساد العقد فيلزمه تمام قيمة نفسه كما في البيع إذا تعذر على المشترى الرد بسبب الفساد يلزمه قيمة المبيع ولهذا قال زفر رحمه الله تعالى إذا كانت قيمته دون الالف له أن يسترد من المولى ما زاد على قيمته من الالف كما في البيع ولكنا نقول ليس له أن يسترد شيئا من الالف لان المولى ما رضى بعتقه بحكم العقد الا بعد سلامة جميع الالف له واعتبار القيمة لدفع الضرر عن المولى فإذا كان يؤل إلى الاضرار به سقط اعتباره (قال) وشراء المكاتب من مولاه وبيعه جائز وما استهلك كل واحد منهما لصاحبه فهو دين عليه لانه صار بمنزلة الحر يدا فيما يرجع إلى المكاسب فاختص بملك التصرف في مكاسبه فكان حال المولي في كسبه كحال أجنبي آخر ثم قد بينا أن الولد المولود في الكتابة يسعى على النجوم بعد الموت عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى بخلاف المشترى وعندهما كل من تكاتب عليه يقوم مقامه بعد الموت في السعاية على النجوم ثم كل من دخل في كتابته إذا أعتقه مولاه ينفذ عتقه فيه عندنا كما في رقبة المكاتب لان من تكاتب عليه كا تبعا له في العقد ولهذا لا يكون عليه شئ من البدل والاصل مملوك له فكذا ما يتبعه وزفر يقول لا ينفذ عتقه فيهم لان المكاتب أحق بكسبهم ليستعين به على أداء المكاتبة وفي تنفيذ عتق المولى فيهم ابطال حقه عن كسبهم وليس للمولى على المكاتب هذه الولاية ولكنا نقول ينفذ عتقه لمصادفته ملكه ثم يبطل حق المكاتب من كسبه حكما لثبوت حريته لا أن يكون بتصرف المولى وقصده (قال) وإذا اشترى المكاتب امرأته فهما على النكاح لان حقيقة الملك في رقبتها لا يثبت للمكاتب لقيام الرق المنافى فيه انما يثبت له حكم اليد وبملك اليد لا يبطل النكاح وله أن يبيعها ما لم تلد منه لان النكاح ليس بسبب
[ 213 ] لا ستحقاق الصلة فلا يمتنع عليه البيع بسببه فان ولدت منه فقد امتنع بيعها تبعا لثبوت حق الولد وكذلك المكاتبة تشترى زوجها فله أن يطأها بالنكاح لانها لم تملك رقبته حقيقة (قال) ولا تجوز شهادته ولا هبته ولا صدقته له ولا عتقه لبقاء الرق فيه وهو مناف لولاية الشهادة والتميك حقيقة وباعتباره يصح التبرعات وكذلك لو باع عبدا له من نفسه أو اعتقه على مال فهو والعتق بغير جعل سواء في انه لا ينفذ الا من المالك حقيقة وليس للمكاتب ملك على الحقيقة (قال) وان كاتب عبداله ففى القياس لا يجوز أيضا وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله لان مآل هذا العقد عتق والمكاتب ليس من أهله ولانه منفك الحجر عنه في التجارات ليكتسب المال بها فيؤدى الكتابة والكتابة ليست من عقود التجارة ولانه يثبت بهذا العقد استحقاق الولاء عند تمامه بالاداء والمكاتب ليس من أهل ولكنا نقول الكتابة من عقود اكتساب المال وقد ثبت له مالكية اليد فيما يرجع إلى اكتساب المال ألا ترى أنه يزوج أمته وان لم يكن ذلك تجارة فكذلك يكاتب وربما تكون الكتابة أنفع له من البيع لان البيع يزيل ملكه بنفسه والكتابة لا تزيل ملكه عن المملوك الا بعد وصول المال إليه فكان فهذا أنفع له ولانه يسوى غيره بنفسه في حق نفسه فانه يوجب لمملوكه مثل ما هو ثابت له وذلك صحيح منه كما يصح من الحر اعتاق مملوكه بخلاف العتق بمال فان هناك يوجب لغيره فوق ماله وهو حقيقة العتق بنفس القبول فلهذا لا يصح منه (قال) ولا يجوز كفالة المكاتب لانه تبرع وليس من عقود اكتساب المال في شئ وليس له أن يشارك مفاوضة لان المفاوضة تتضمن الكفالة العامة ولا يجوز نكاحه ولا وصيته لان الوصية تبرع بعد الموت فيعتبر تبرعه في حياته والاستبداد بالنكاح في حق نفسه يعتمد الولاية والرق ينفى الولاية ولان التزوج ليس من عقود اكتساب المال في حقه (قال) وإذا سرق المكاتب أو سرق منه يجب القطع لانه مخاطب تتم منه جناية السرقة وحقه في كسبه كملك الحر في ماله فيقطع السارق منه وكذلك هو في حق الشفعة فيما يستحقه أو يستحق عليه كالحر (قال) وليس له أن يبيع ما اشتراه من مولاه مرابحة الا أن يبين وكذلك مولاه فيما اشتري منه لان كل واحد منهما يسامح صاحبه في المعاملة لعلمه أن ذلك لا يبعد منه ولان للمولى حق الملك في كسب المكاتب فما يغرمه للمكاتب بالشراء لايتم خروج ولا يبيعه مرابحة الا على أقل الشيئين لان ذلك القدر يتيقن بخروجه عن ملكه وبعد البيان تنتفى التهمة والغرور ولو اشترى من
[ 214 ] مكاتبه درهما بدرهمين لم يجز لان هذا صريح الربا والمكاتب في كسبه بمنزلة الحر يدا كما قررنا فصريح الربا يجرى بينه وبين المولى باعتبار هذا المعني احتياطا (قال) وإذا أخذ بالمكاتبة رهنا فيه وفاء بها فهلك الرهن عتق العبد لان عقد الرهن يثبت يد الاستيفاء على أن يتم ذلك الاستيفاء بهلاك الرهن ودين الكتابة في حكم الاستيفاء كسائر الديون وإذا صار مستوفى بهلاك الرهن عتق المكاتب كما لو استوفاه حقيقة (قال) ولو كاتبه على وصيف فأتاه المكاتب بأربعين دينارا ثمن الوصيف أجبر المولى على قبولها لما بينا في كتاب النكاح أن الحيوان في العقود المبنية على التوسع يثبت دينا في الذمة على أن يكون الحق مترددا بينه وبين قيمة الوصيف وان قيمة الوصيف عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى أربعون دينارا (قال) وإذا كاتب على خمر أو خنزير أن ما اشبه ذلك مما لا يحل فالكتابة فاسدة لان المسمى ليس بمال متقوم في حق المسلمين فلا يصير مستحقا للمولى بالتسمية فان اداه قبل أن يترافعا إلى القاضى وقد قال له أنت حر إذا أديته أو لم يقل فانه يعتق وقد بينا هذا فيما سبق أن مع فساد العقد العقد منعقد فيعتق بالاداء وعليه قيمة نفسه لان العقد فاسد فيلزمه رد رقبته لاجل الفساد وقد تعذر رده بنفوذ العتق فيه فيلزمه قيمته كالمشترى شراء فاسدا إذا أعتق المبيع بعد القبض وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى أن عند زفر رحمه الله تعالى لا يعتق الا بأداء قيمة نفسه لان البدل في الكتابة الفاسدة هو القيمة وانما يعتق بأداء البدل وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى أيهما أدى المشروط أو قيمة نفسه فانه يعتق لان البدل صورة هو المشروط والعتق معلق بأدائه ومن حيث المعني البدل القيمة فأيهما أدى يعتق وبدل الكتابة في جواز الاستبدال به بمنزلة المهر والثمن (قال) وان جاء المكاتب بالمال قبل محل الاجل فأبي المولى أن يقبله أجبر على أخذه لان الاجل حق المكاتب فإذا أسقطه يسقط وان صالحه المولى على أن يعجل بعض المكاتبة قبل محلها ليحط ما بقى فهذا جائز بينهما وان كان لا يجوز مثله بين الحرين لان الصحابة رضوان الله عليهم مختلفون في جواز هذا التصرف بين الحرين على ما نبينه في كتاب الصلح فعرفنا أنه ليس بصريح الربا فلا يجرى بين المكاتب ومولاه لانه عبده بخلاف بيع الدرهم بالدرهمين على ما بينا وإذا كاتبه على ألف درهم وعلى عبد مثله يعمل عمله وهو خياط أو شبه ذلك فهو جائز لان المسمى معلوم الجنس وان كان مجهول الوصف ألا ترى أنه لو كاتبه على عبد خياط أجرت ذلك
[ 215 ] استحسانا ومراده القياس والاستحسان عند ترك بيان الوصف في بدل الكتابة بعد اعلام الجنس فان في القياس الكتابة كالبيع حتى لا تصح الا بتسمية البدل وفي الاستحسان هي كالنكاح من حيث أنه مبني على التوسع بالبدل فان المقصود به الارفاق دون المال وعلى هذا يثبت فيه الآجال المجهولة المستدركة كالحصاد والدياس والعطاء كما يثبت في الصداق ويحل عليه المال في ذلك الوقت حتى إذا تأخر العطاء حل عليه إذا دخل أجل العطاء في مثل الوقت الذى كان يخرج فيه لان المقصود بيان الوصف لاحقيقة فعل العطاء وان كاتب عبده على قيمته فهو فاسد لان المسمى مجهول الجنس والوصف ولان هذا تفسير الكتابة الفاسدة ولو كاتبه على عبد فلان هذا أو دابة فلان هذه لا يجوز لان القدرة على تسليم المسمى معتبر لصحة الكتابة فانه لا يصح منه التزام التسليم فيما لا يقدر على تسليمه وهذا بخلاف النكاح فان تسمية ملك الغير صحيح هناك لان الشرط كون المسمى مالا متقوما والقدرة على تسليمه ليس بشرط لصحة التسمية كما أنه ليس بشرط فيما يقابله ثم في الكتابة على الاعيان روايتان على ما نذكره في كتاب المكاتب (قال) وان كاتبه على وصيف أبيض فصالحه من ذلك على وصيفين ابيضين أو حبشيين يدا بيد فهو جائز لان الحيوان ليس بمال الربا فمبادلة الواحد منه بالمثنى يدا بيد صحيح ولايجوز نسيئة لان الحيوان لا يثبت في الذمة بدلا عما هو مال والاصل فيه قوله ﷺ لا بأس ببيع النجيبة بالابل والفرس بالافراس بعد أن يكون يدا بيد ولا خير فيه نسيئة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب واليه المرجع والمآب. (باب موت المكاتب) (قال) رضى الله عنه وإذا مات المكاتب عن مال وعليه دين وجناية وله أولاد أحرار من امرأة حرة وأولاد ولدوا في المكاتبة من أمته وأولاد اشتراهم بدئ بالدين ثم بالجناية ثم بالكتابة لان الحقوق متى اجتمعت في المعين وتفاوتت في القوة يبدأ بالاقوى فالاقوى كما يبدأ في التركة بالجهاز ثم بالدين ثم بالوصية وأصله قوله تعالى ويؤت كل ذى فضل فضله والدين أقوى من الجناية لانه كان مالا متقررا في ذمته في حياته والجناية لا تتعلق بذمته الا بقضاء القاضى أو بفوت الدفع بموته والمال خلف عن ذمته في ثبوت الحق فيه فما كان
[ 216 ] أسبق تعلقا بذمته وكان متقررا في نفسه فهو أقوى ثم الجناية أقوى من الكتابة لان الكتابة ليست بدين متقرر فانه يتمكن من اسقاطها عن نفسه بان يعجز نفسه والضعيف لا يزاحم القوى فلهذا قدمت الجناية ثم بعدها الكتابة وإذا أديت الكتابة حكم بحريته في حال حياته وحرية كل من كان تبعا له في الكتابة فلهذا كان الباقي ميراثا لجميع أولاده وكذلك ان كان له ابن مكاتب لانه إذا ضم إليه في عقد الكتابة فهما كشخص واحد لا يعتق احدهما بحكم الكتابة قبل صاحبه فتسند حرية هذا الابن إلى الوقت الذى أستند حرية أبيه وان كان مكاتبا على حدة لم يرث منه شيئا إذا أدى مكاتبته بعد موت أبيه وان كان قبل اداء مكاتبة أبيه لان اسناد الحرية في الاب لاجل الضرورة ولا يوجد ذلك في حق الابن إذا كان مكاتبا على حدة بل تقتصر حريته على وقت الاداء فيكون هو رقيقا عند موت أبيه فلا يرث منه شيئا وان كان عليه مهر لا مرأة حرة تزوجها بغير اذن مولاه كان دينها بعد قضاء بدل الكتابة لان مهرها متأخر إلى ما بعد العتق فان سببه لم يظهر في حق المولى لانه ممنوع من النكاح بغير اذن المولى والمرأة راضية بتأخير حقها حين زوجته نفسها بغير اذن المولى فما لم يسقط حق المولى عن كسبه لا يظهر المهر فلهذا كان بعد دين الكتابة بخلاف الجناية فهي ظاهرة في حق المولى ولم يوجد من المجني عليه الرضا بتأخير حقه وان لم يترك شيئا يسعى ولده الذين ولدوا في المكاتبة فيها حتى يؤدوها لانه مات عمن يؤدى بدل الكتابة فيجعل كموته عما يؤدى به بدل الكتابة وهو المال فإذا أدوا عتق كل من كان تبعا له في المكاتبة وقد بينا ان النجوم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يبقى الاباعتبار الاولاد الذين ولدوا في المكاتبة وعندهما يبقى ببقاء كل من كان داخلا في كتابته حتى اذالم يكن له الا الاولاد الذين اشتراهم فانهم يباعون عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى إذا لم يؤدوا المال حالا ويكون ثمنهم تركة له تؤدى منه كتابته وان كان معهم ولد مولود في الكتابة لم يبع هؤلاء لقاء النجوم باعتباره يسعون به فان حل على الولد المولود في الكتابة أول نجم ولم يكن له مال حاضر ولا غائب ينتظر ردوا جميعا في الرق لانه قائم مقام أبيه ولو كسر أبوه نجمارد في الرق فكذلك هو ان كانوا جماعة بعضهم غائب وعجز الشاهد لم يرد في الرق حتى يحضر الغائب لان الذى عجز جعل كالمعدوم فيبقى النجوم ببقاء الغائب ولا يظهر عجزه عن الاداء ما لم يحضر ولان كل ولد مولود في الكتابة قائم مقام أبيه ألاتري أنهم يعتقون باداء أحدهم
[ 217 ] سواء أدى الغائب أو الشاهد فما لم يتحقق عجز هم لا تنفسخ الكتابة وإذا مات المكاتب وله ديون على الناس وترك ولدا حرا فهو مولى لموالى الام ما لم يخرج الدين فيؤدى الكتابة أما بقاء الكتابة فلماله المنتظر لان الدين مال باعتبار ماله ولكن لا يحكم بعتقه ما لم يؤد الكتابة وما لم يحكم بعتقه لا يظهر لولده ولاء في جانب أبيه فيكون مولى لموالي الام فإذا أديت ظهر له ولاء في جانب أبيه فينجر ولاؤه إلى موالى الاب لان الولاء كالنسب ولا يرجع موالى الام بما عقلوا من جنايته في حياة المكاتب على موالى الاب لانه انما يحكم بعتق الاب في آخر جزء من أجزاء حياته ولا يستند عتقه إلى أول عقد الكتابة فكان موالى الام عند جنايته مواليه على الحقيقة فلهذا لا يرجعون بما عقلوا على موالى الاب ويرجعون بما عقلوا من جنايته بعد موت الاب قبل أداء كتابته لما بينا أن عتق الاب يستند إلى حال حياته فتبين أن ولاءه كان لموالى الاب من ذلك الوقت وموالى الام كانوا مجبرين على الاداء فيرجعون بما أدوا كالملاعن إذا كذب نفسه بعد ما جنى الولد وعقل جنايته قوم أمه رجعوا به على قوم الاب لانه تبين ثبوت نسبه من ذلك الوقت وإذا مات الولد بعد موت المكاتب قبل خروج الدين فاختصم موالى الاب وموالى الام في ميراثه قضى به لموالى الام لانه لم يظهر ولاء في جانب الاب بعد وإذا قضى بذلك بطلت المكاتبة لان ولاءه لموالى الام وقد تقرر عند موته بحكم الحاكم ومن ضرورة بطلان الكتابة إذ لو لم تبطل لكان يؤدى كتابته وتبين به ان ولاءه لقوم الاب فيبطل به حكم الحاكم وذلك ممتنع ولانه لما لم يكن بدمن ابطال أحدهما بالآخر فابطال الكتابة التى اختلفت الصحابة رضوان الله عليهم في بقائها أولى من ابطال حكم الحاكم ولان السبب المبطل للكتابة هو عجزه عن الاداء بعد حل المال عليه ظاهر والمنفى وهو قدرته بخروج الدين موهوم والظاهر إذا تأيد بحكم الحاكم لا يعتبر الموهوم في مقابلته فان خرج الدين بعد ذلك كان للمولى لانه كسب عبده وان كان للمكاتب ولد ولدوا في الكتابة فقد بقى النجوم ببقائهم فمتي ما خرج دين المكاتب أديت المكاتبة وجر ولاء الولد وولد الولد لانه حكم بحريته مستندا إلى حال حياته وكان ما بقى ميراثا وإذا مات المكاتب عن ولد حر فجاء رجل بوديعة فقال هذه للمكاتب فانه يؤدى منه المكاتبة وتبين بهذه المسألة أن بموته عاجزا لا تنفسخ الكتابة ما لم يقض القاضى بفسخه لجواز أن يظهر له مال أو يتبرع انسان
[ 218 ] بأداء بدل الكتابة عنه وهكذا فسره ابن سماعة رضى الله تعالى عنه في نوادره ثم اقرار الرجل بالوديعة للمكاتب صحيح في حقه فيؤدي منه الكتابة ولكن لا يصدق على جر الولاء لان اقراره ليس بحجة في حق موالى الام ولانه متهم بالقصد إلى ابطال حقهم في جر ولاء الولد (قال) أرأيت لو قال المولى نفسه هذه وديعة عندي للمكاتب أو أقر له بدين مثل الكتابة أو قال قد كنت استوفيت الكتابة قبل موته أكان يصدق في جر ولاء الولد إليه فكذلك غيره وبهذا تبين انه ان تبرع انسان عنه بقضاء الدين بعد موته لا يحكم بحريته بخلاف ما ذكره ان سماعة في نوادره وهذا لان ذمته بالموت تخرج من أن تكون محلا صالحا لبدل الكتابة فلا بد من خلف يبقى باعتباره والخلف ماله دون أموال الناس عادة فإذا ظهر له مال فقد علمنا بوجود الخلف وإذا تبرع انسان بالاداء فلا يتبين به وجود الخلف وقت موته فلهذالا يحكم بعتقه في حق موالى الام ويجعل المقر بالوديعة كالمتبرع بالاداء في حقهم وإذا ترك المكاتب أم ولد ليس معها ولد بيعت في المكاتبة وان كان معها ولد سعت فيها على الاجل الذى كان للمكاتب صغيرا كان ولدها أو كبيرا وان كان ترك مالالم يؤخر إلى أجله وصار حالا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى حال أم الولد بغير الولد كحالها مع الولد في جميع ذلك حتى يسعى فيها على الاجل وهذا بناء على ان عندهما يمتنع على المكاتب بيع أم ولده إذا ملكها سواء كان معها ولد أو لم يكن لان ثبوت حقها باعتبار نسب الولد ونسب الولد ثابت منه سواء ملك الولد معها أولم يملك ألا ترى ان الحر إذا ملك جارية قد ولدت منه تصير أم ولدله سواء ملك الولد معها أو لم يملك فكذلك المكاتب ولما كان في حال حياته لا يختلف حالها بين ان يكون معها ولد أولا يكون فكذلك بعد موته واما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى إذا ملكها في حال حياته مع الولد يمتنع بيعها وإذا ملكها بدون الولد لا يمتنع عليه بيعها لان حقها تابع لحق الولد وثبوت التبع بثبوت الاصل فإذا لم يثبت الاصل لا يثبت التبع وهذا لان حقيقة أمية الولد لا يثبت لها في حال الكتابة ألا ترى أنه لو عجز المكاتب كانت هي أمة قنة للمولى بخلاف الحر فان حقيقة أمية الولد يثبت لها وبدخولها في ملك المكاتب لا تصير داخلة في كتابته تبعا بدليل أنها لا تعتق بعتقه فعرفنا ان امتناع البيع انما يثبت فيها تبعا لثبوته في الولد فإذا لم يثبت في الولد بأن لم يملك الولد معها لا يثبت فيها وإذا ثبت هذا في حياته فكذلك بعد
[ 219 ] الموت والولد المولود في الكتابة هو الاصل في بقاء الاجل بوجوده فإذا كان معها الولد يثبت الاجل في حقها تبعا ويسعى على النجوم وإذا لم يكن معها الولد لا يثبت الاجل في حقها فتباع في المكاتبة ثم الولد خلف عن المال لان المال كسب المكاتب حقيقة فأما كسب الولد فهو قائم مقام كسب المكاتب في أداء البدل منه فلهذا كان المعتبر هو المال إذا خلف مالا وباعتبار المال لا يبقى الاجل فيصير حالا وجد الولد أولم يوجد وهذا لانه لا منفعة للميت ولا لولده في ابقاء الاجل إذا ترك وفاء وينتفعون ببقاء الاجل إذا لم يترك وفاء ليكتسب ولده فيؤدى وإذا ترك المكاتب ولدين ولداله في المكاتبة وعليه دين ومكاتبة سعيا في جميع ذلك لقيامهما مقام الاب وأيهما أداه لم يرجع على صاحبه بشئ لان كسبه لابيه ما لم يحكم بعتقه فيجعل اداؤه من كسبه كادائه من مال أبيه وأيهما أعتقه المولى عتق كما لو أعتقه في حياة أبيه وعلى الآخر أن يسعى في جميع المكاتبة التى بقيت على الاب لان الولد الذى عتق قد استغنى عن أداء بدل الكتابة فيجعل كالمعدوم والآخر محتاج إلى بدل الكتابة فكان المكاتب لم يخلف الا إياه فيسعى في جميع المكاتبة وللغرماء أن يأخذوا أيهما شاؤا بجميع الدين لانهما جميعا مال الميت وقد تعلق حق الغرماء بكل واحد منهما ألا ترى أنهما لو عجزا جميعا بدئ بقضاء الدين منهما واعتاق المولى أحدهما معتبر في اسقاط حقه عنه غير معتبر في اسقاط حق الغرماء عن كسبه فلهذا كان لهم أن يأخذوا أيهما شاؤا بجميع الدين ولا يرجع الذى يؤدى منهما على صاحبه لان أداءه من مال الميت حكما فكأنه أدى من مال الميت حقيقة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب جناية رقيق المكاتب وولده) (قال) رضى الله عنه وإذا قتل عبد المكاتب رجلا خطأ قيل للمكاتب ادفعه أو افده بالدية لانه أحق بكسبه مستبد بالتصرف فيه كالحر ألا ترى أنه ملك بيعه فكذلك يخاطب بدفعه بالجناية بخلاف نفسه وولده الذين لا يستطيع بيعهم فانهم داخلون في كتابته فلا يمكنه دفعهم بالجناية كما لا يمكنه بيعهم ولان من دخل في كتابته فهو ملك لمولاه كنفسه وإذا قتل عبده رجلا عمدا فله ان يصالح عنه لانه مستبد بالتصرف فيه فله ان يصالح عن جنايته على مال يؤديه لتسلم له نفسه كما للحر ذلك في ملكه ثم يؤخذ به وان عجز لانه مال
[ 220 ] التزمه بتصرف مملوك به بسبب عقد الكتابة فيؤخذ له بعد العجز بمنزلة ما يلتزمه بالشراء وان جنت أمته جناية خطأ فباعها أو وطئها فولدت منه وهو يعلم بالجناية فهذا منه اختيار وعليه الارش لانه منع الدفع بالبيع والاستيلاد ومن خوطب بالدفع أو الفداء إذا امتنع من الدفع بعد العلم كان مختارا للفداء بعد العلم كالحروان قتله عبد له عمدا فالعبد في قتل مولاه عمدا كأجنبي آخر في وجوب القصاص عليه كالحر إذا قتله عبده فالمكاتب مثله ثم المكاتب إذا قتل عمدا فهو على ثلاثة أوجه ان لم يترك وفاء فالقصاص واجب للمولى لانه عبده حين مات عاجزا فله ان يستوفى القصاص من قاتله وان ترك وفاء وله وارث سوى المولى فلا قصاص على القاتل لاشتباه من يستوفيه فان على قول على وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهما يموت حرا فيكون استيفاء القصاص لوارثه وعلى قول زيد رضى الله عنه يموت عبدا فيكون حق استيفاء القصاص للمولى واختلاف الصحابة رضى الله عنهم يمكن شبهة معتبرة ومع انعدام المستوفى لا يجب القصاص لان الوجوب في القصاص غير مقصود بنفسه بل المقصود الاستيفاء لان الزجر يحصل به وكذلك لو اجتمعا لم يكن لهما استيفاء القصاص لان بأصل الفعل لم يجب القصاص لاشتباء المستوفى فلا يجب بعد ذلك بتراضيهما وان قتل ولا وارث له سوى المولى فعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يجب القصاص لمولاه وعند محمد رحمه الله تعالى لا يجب لان سبب ثبوت حق الاستيفاء له مشتبه فان الكتابة ان انفسخت كما قال زيد رضى الله عنه فانما يستوفيه بالملك وان بقيت كما قال على وعبد الله رضى الله عنهما فانما يستوفيه بالارث بالولاء واشتباه السبب معتبر فيما يندرئ بالشبهات كاشتباه المستوفى ألا ترى أن أمة انسان إذا كانت في يد غيره فقال ذو اليد زوجتنيها بكذا وقال المولى بل بعتها منك بكذا لم يحل له له أن يطأها لاختلافهما في سبب ثبوت حل الوطئ له وان اتفقا على ان الوطئ له حلال ولكن من قبل ان حل الوطئ لا يثبت مع الشبهات فاشتباه السبب يكون مانعا من ثبوته وهما يقولان تيقنا بثبوت حق استيفاء القصاص للمولى فيجب القصاص ويتمكن من استيفائه كما لو قتل عاجزا وهذا لان الاسباب غير مطلوبة لا عيانها بل لاحكامها ألا ترى أن من قال لغيره لى عليك ألف درهم غصبا وقال الآخر بل قرضا وجب المال ولا ينظر لاختلافهما في السبب لما اتفقا على وجوب المال فكذا هنا لا يعتبر الاشتباه في السبب بعد ماتعين المولى مستوفيا بأى السببين كان بخلاف
[ 221 ] ما إذا ترك وارثا لان المولى هناك لم يتعين مستوفيا مع اشتباه المستوفى لتعذر الاستيفاء وبخلاف مسألة الوطئ لانالم نتيقن هناك بثبوت الحل له لجواز أن يكون كل واحد منهما كاذبا فيما يدعى من السبب ولان السبب هناك حكمي ولا يثبت واحد من السببين بقول أحد الخصمين مع تكذيب صاحبه وبدون ثبوت سبب الحل لا يثبت الحل وهنا السبب الموجب للقود وهو العمد المحض متيقن به وثبوت حق استيفاء المولى متيقن به أيضا اما باعتبار الملك أو الولاء فلهذا يمكن من الاستيفاء وإذا استهلك عبد المكاتب مالا فهو دين في عنقه يباع فيه لظهور سببه في حق المكاتب وان جنى عبده ثم عتق المكاتب فهو على خياره لانه انما كان مخيرا بين الدفع والفداء باعتبار ملكه وقد تقرر ملكه بالعتق وان عجز فالخيار إلى المولى لان الملك بعجزه تقرر للمولى فيتخير بين الدفع والفداء كما يخير الوارث بعد موت المورث في جناية عبد الحر وان كان العبد وامرأته مكاتبين مكاتبة واحدة فولدت ولدا فقتله المولى وقيمته أكثر من الكتابة فقيمته على مولاه في ثلاث سنين لان ولدهما مملوك للمولى فلا يجب عليه القصاص بقتله ولكنه داخل في الكتابة فعلى المولى قيمته بقتله كما يلزمه الدية لو قتل المكاتب فالمال بنفس القتل يجب مؤجلا في ثلاث سنين وان كانت الكتابة قد حلت قاصهم بها لان القيمة واجبة للام فان الولد داخل في كتابتها حتى يكون كسبه لها فكذلك بدل نفسه وقد بينا أن الولد جزء من أجزاء الام يتبعها في الرق والحرية فكذلك في الكتابة وقد كان للمولى أن يطالب الام بجميع الكتابة ومتى التقى الدينان تقاصا إذا استويا لانه لا فائدة في الاسيتفاء ثم على المولى أداء فضل القيمة إلى الام لان المقاصة انما وقعت بقدر بدل الكتابة ورجعت الام على الاب بما أدت عنه من ذلك لانها صارت قاضية بدل الكتابة بالمقاصة فكأنها أدت بنفسها فترجع على الاب بحصته وان كانت المكاتبة لم تحل أدى المولى القيمة إلى الام لان المقاصة لا تقع بين الحال والمؤجل فيستوفى منه ماحل وهو القيمة لتستعين به في مكاتبتها إذا حلت وان كان الابن مكاتبا معها فقتله المولى ثم حلت القيمة أقتص منها بقدر الكتابة ان كانت المكاتبة حلت أو لم تحل لان الولد المقتول هنا مقصود بالكتابة وقد كان مطالبا بجميع البدل عند حله والاجل لا يبقى في حقه بعد موته إذا ترك وفاء فإذا حلت القيمة قد تحقق الوفاء فصار قصاصا ببدل الكتابة حلت أو لم تحل ويؤدى المولى إلى الورثة فضل القيمة والاب والام حصتهما من المكاتبة لان الابن
[ 222 ] لو ادى جميع البدل في حياته رجع عليها بحصتها منها فكذلك إذا صار مؤديا ببدل نفسه بعد موته ثم يقسم ذلك كله بين ورثة الابن على فرائض الله تعالى ويرث أبواه معهم لان عتقه أستند إلى حال حياته وكذلك عتقهما لاتحاد العقد في حقهم (فان قيل) فلماذا لا يجب على المولى الدية (قلنا) لما بينا أن استناد الحرية إلى حال الحياة لاجل الضرورة وليس من ضرورته وجوب الدية فكم من قتيل حر لا تجب ديته ولان الاستناد فيما هو من حكم عقد الكتابة ووجوب الدية ليس من حكم عقد الكتابة في شئ ولان المولى انما يضمن جنايته ولا يستند العتق إلى وقت جنايته انما يستند إلى آخر جزء من أجزاء حياته بعد الجناية ولو أعتق المولى أم ولد لمكاتبه لم يجز عتقه بخلاف ما إذا أعتق ولدها لان الولد داخل في كتابته حتى يعتق بعتقه فيكون مملوك كاللمولى فأما أم الولد غير داخلة في كتابته حتي لا تعتق بعتقه فلا نكون مملوكة للمولى توضيحه أن في اعتاق الولد تحصيل مقصود المكاتب فأما في اعتاق أم الولد تفويت مقصود المكاتب لان المكاتب لو عتق كانت أم ولد له يطأها ويستمتع بها وفى العتق تفويت هذا المقصود عليه فلا يملكه المولى ولو ملك المكاتب أب مولاه أو ابنه لم يعتق لان المولى لو أعتق رقيق المكاتب لا ينفذ عتقه فعرفنا أنه لا يملكهم فلا يعتقون عليه ولا يمتنع بيعهم أيضا بخلاف ما إذا ملك أب نفسه أو ابن نفسه وكان ينبغى أن يمتنع بيعهم لان للمولى في كسب المكاتب حق الملك كما للمكاتب ولكن قال البيع من التصرف وفى حكم التصرف المولى من كسب المكاتب أجنبي والمكاتب بمنزلة الحر توضيحه أن عتق أب المكاتب وابنه من مقصود المكاتب وكسبه محل لما هو من مقاصده فكان في ادخالهم في كتابته ليعتقوا بعتقه معني تحصيل مقصوده وعتق أب المولى وابن المولى ليس بمقصود للمكاتب فلم يكن في ادخالهم في كتابته تحصيل مقصوده فلهذا لا يتكاتبون عليه وإذا جنى المكاتب جناية خطأ فانه يسعى في الاقل من قيمته ومن أرش الجناية لان دفعه متعذر بسبب الكتابة وهو أحق بكسبه وموجب الجناية عند تعذر الدفع على من يكون الكسب له فالواجب هو الاقل من القيمة ومن أرش الجناية ألا ترى أن في جناية المدبر وأم الولد يجب على المولى الاقل من قيمتها ومن أرش الجناية لانه أحق بكسبهما فان جنى جناية أخرى بعد ما حكم عليه بالاقل في الجناية الاولى يلزمه بالجناية الثانية أيضا الاقل من قيمته ومن أرش الجناية لان موجب الجناية الاولى صار دينا في ذمته
[ 223 ] فتتعلق الجناية الثانية برقبته ويلزمه الاقل كالجناية الاولى وان كانت الجناية الثانية قبل أن يحكم عليه بموجب الجناية الاولى فليس عليه الا قيمة واحدة عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى عليه لولى كل جناية قيمة على حدة لان من أصله أن جنايته لا تتعلق برقبته بل موجبه القيمة ابتداء لان الدفع متعذر فكان القضاء وغير القضاء فيه سواء يجب عليه قيمة باعتبار كل جناية لكونه أحق بكسبه عند كل جناية وعندنا تتعلق جناية المكاتب برقبته لان الدفع موهوم فانه ان عجز انفسخت الكتابة ودفع بالجناية فانما يتحول إلى القيمة بقضاء القاضى فإذا اجتمعت الجنايات في رقبته قبل قضاء القاضى لم يلزمه الاقيمة واحدة لانه لو أمكن دفعه لم يكن حقهم الا في رقبة واحدة بخلاف ما إذا قضى القاضي بالاولى لانه تحول إلى القيمة دينا في ذمته بقضاء القاضى ثم تعلقت الجناية الثانية برقبته حتى يدفع بها إذا عجز فلهذا يقضى له بقيمة أخرى ولو قتل رجلا عمدا هو أو ابن له في ملكه ثم صالح في ذمته على مال جاز الصلح لان من دخل في كتابته تبع له وله أن يصالح عن جناية نفسه فكذلك عن جناية من دخل في كتابته لانه أحق بكسبه فان عجز فرد في الرق فان كان أعطى المال لم يكن له حق الاسترداد وان لم يكن أدى المال لم يؤخذ بالمال حتى يعتق في قول أبى حنيفة رحمه الله وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يؤخذ بالمال في الحال فيباع فيه وأصل المسألة في المكاتب إذا أقر بجناية الخطأ فقضى عليه بالقيمة ثم عجز لم يؤخذ به الابعد العتق في قول أبي حنيفة لان وجوب هذا المال بقوله واقراره فيما ليس من التجارة يكون ملزما إياه بعد العتق لابعد العجز قبل العتق لان بعد العجز الحق في ماليته لمولاه واقراره ليس بصحيح في حق المولى كما لو أقر بالجناية بعد العجز فكذلك في الصلح لان دم العمد ليس بمال فهو بهذا الصلح يلتزم مالا لا بازاء ما فهو وما يقربه سواء وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كل واحد من المالين ثابت في ذمته وهو مطالب بهما في حال قيام الكتابة فيبقى في ذمته بعد العجز فيباع فيه كسائر الديون وتمام بيان هذه المسائل في الديات وإذا حفر المكاتب بئرا في الطريق فوقع فيها انسان فعليه أن يسعى في قيمته يوم حفر لانه جان بطريق التسبب بالحفر في الطريق فيجعل كجنايته مباشرة وإذا وقع فيها آخر بعد ما قضى للاول شركه في تلك القيمة لان الموجود من المكاتب جناية واحدة وهو الحفر فلا يلزمه به أكثر من قيمة واحدة ولكن الثاني يشارك الاول في تلك القيمة بخلاف جنايته بالمباشرة فان الثانية غير الاولي
[ 224 ] ولو سقط حائط له مائل قد شهد فيه على انسان فقتله فعليه أن يسعى في قيمته لانه متمكن من هدم الحائط المائل فإذا تركه بعد ما أشهد عليه جعل كالدافع له على من سقط الحائط عليه فلزمه قيمته وان وجد في داره قتيل أخذ بقيمته يوم وجد القتيل فيها لان التدبير في داره إليه فيكون كالحر في ذلك ولو وجد القتيل في دار الحر جعل كالقاتل له في وجوب البدل فكذلك المكاتب الا أن تكون قيمة المكاتب أكثر من الدية فينقص حينئذ عشرة دراهم من الدية لان وجوب القيمة عليه إذا كانت الجناية منه معتبر بوجوب القيمة إذا كانت الجناية عليه والجناية على المكاتب لا توجب من قيمته الا عن الف الا عشرة دراهم لانه عبد ما بقى عليه درهم فكذلك القيمة الواجبة بالجناية منه فان جنى جناية ثم عجز فان كان قد قضي عليه بالسعاية فهو دين عليه يباع بها لان سببه ظاهر في حق المولى وقد صار دينا في ذمته بالقضاء وان لم يقض بها عليه خير المولى بين الدفع والفداء الا على قول زفر رحمه الله فانه يقول الوجب قيمته يباع فيه بناء على أصله الذى قلنا أن موجب جنايته القيمة ابتداء وقد ذكر في كتاب الجنايات أن أبا يوسف رحمه الله كان يقول بهذا مرة ثم رجع عنه فقال يخير المولى كما هو مذهبهما لان موجب جنايته في رقبته لتوهم امكان الدفع بعد العجز وانما يتحول إلى الذمة بقضاء القاضى فإذا عجز قبل القضاء بقيت الجناية في رقبته فكأنه جني ابتداء بعد العجز فيخاطب المولى بالدفع أو الفداء وان جنى عليه فالواجب ارش المماليك لانه عبد وذلك للمكاتب بمنزلة كسبه لانه صار أحق بنفسه وان قتل رجلا عمدا فعليه القود لقوله ﷺ العمد قود والرقيق في حكم القود والحر سواء وان قتل ابن المكاتب أو عبده فلا قود على القاتل أما الابن فلانه من وجه مملوك للمولى حتى لو أعتقه ينفذ عتقه ومن وجه هو مملوك للمكاتب حتى يكون أحق بكسبه فاشتبه من يجب القصاص له وذلك مانع من وجوب القصاص وأما عبده فلان للمولى فيه حتى الملك ألا ترى ان بعجزه يتم فيه ملك المولى ومن وجه هو ملك المكاتب حتى يتم ملكه فيه إذا أعتق فيشتبه من له القصاص ولان المكاتب انما صار أحق بكسبه ليؤدي بدل الكتابة والقصاص ليس من ذلك في شئ والمولى ممنوع من كسبه فلا يمكن ايجاب القصاص له أيضا ومع الاشتباه لم يجب القصاص وان اجتمعا على ذلك لم يقتص أيضا لانه لم يجب بأصل الفعل فلا يجب باتفاقهما بعد ذلك ولكن على القاتل القيمة لما تعذر ايجاب القصاص وهو المكاتب بمنزلة سائر اكسانه وان عفوا
[ 225 ] فعفوهما باطل أنما المولى فلانه لم يجب له شئ وأما المكاتب فلان العفو تبرع منه فلا يصح كالابراء عن الديون وان قتل المولى مكاتبه خطأ أو عمدا وقد نرك وفاء فعليه قيمته تقضى به كتابته وكذلك لو قتل ابنه لان المكاتب كان أحق بكسبه وبنفسه فلما جعل المولى كالأجنبي فيما يجب باتلاف كسبه فكذلك فيما يجب باتلاف نفسه وان أقر المكاتب بجناية خطأ أو عمدا لا قصاص فيه فاقراره جائز مادام مكاتبا لان موجب جنايته في كسبه واقراره في كسبه صحيح وان عجز ورد في الرق بطلت عنه قضى به عليه أولم يقض وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وذكر في كتاب الجنايات ان أبا يوسف ومحمدا رحمهما الله تعالى قالا يؤخذ بما قضى عليه منها خاصة وما أداه قبل العجز لم يسترده عندهم جميعا وقد بينا هذا ولا يلزم المكاتب مهر من نكاح بغير اذن مولاه حتى يعتق ويلزمه ذلك في في الشراء عند الاستحقاق يعنى إذا اشترى جارية فوطئها ثم استحقت يغرم عقرها في الحال لان سقوط الحد هناك كان بسبب الشراء وهو عقد تجارة فما يجب باعتباره من المضان يكون ضمان التجارة فيؤاخذ به في الحال وفى النكاح سقوط الحد عنه ووجوب المهر كان بسبب النكاح وهو ليس بتجارة فما يجب بسببه لا يكون من جنس ضمان التجارة فلا يؤاخذ به حتى يعتق توضيح الفرق أنه صار منفك الحجر عنه في الشراء ففي الضمان الواجب بسببه يلتحق بالحر ولم يصر منفك الحجر عنه من نكاح نفسه ففيما يجب بسببه هو كالعبد المحجور ولا يتزوج المكاتب بغير اذن مولاه لان انفكاك الحجر عنه في عقود الاكتساب وليس في التزوج اكتساب المال بل فيه التزام المهر والنفقة ولان حكم المالكية انما يثبت له يدا ليتمكن من اداء بدل الكتابة فكل عقد لا يوصله إلى ذلك لا يثبت له حكم المالكية في ذلك بل يكون هو كالعبد لا يتزوج الا باذن مولاه وكذلك لا يزوج عبده لانه تعيب للعبد وليس باكتساب للمال وكذلك لا يزوج ابنه لان الرق الباقي فيه مخرج له من أهلية الولاية بالقرابة وسبب الملك في ابنه أبعد عنه من عبده لما بينا ان من دخل في كتابته فهو مملوك لمولاه ولهذا لا يزوج ابنته أيضا لانها لما دخلت في كتابته صارت مملوكة لمولاه بمنزلة نفسه ولا يزوجها بدون اذن مولاها وله ان يزوج أمته لان تزويج الامة اكتساب في حقه فانه يكتسب به المهر ويسقط عن نفسه نفقتها وهو منفك الحجر عنه في عقود الاكتساب (فان قيل) هذا موجود في حق ابنته قلنا نعم ولكن ابنته مملوكة للمولى
[ 226 ] وأمته ليست بمملوكة للمولى حتى ينفذ عتق المولى في ابنته دون أمته ولو عجز وقد حاضت ابنته حيضة لا يجب علي المولى فيها استبراء جديد ويلزمه ذلك في أمته ومكاتبته كانه تزوجها برضاها بدون اذن المولى لان بكتابتها ثبت لها الحق في نفسها دون اذن المولى وانما يعتبر رضاها في تزويجها ولا يعتبر رضا المولى ولا تتزوج المكاتبة بغير اذن مولاها وكان ينبغى أن يملك ذلك لانه اكتساب للمهر في حقها ولكن رقبتها باقية على ملك المولى فيمنع ذلك ثبوت ولاية الاستبداد لها بالتزوج لان فيه تعييب رقبتها فان النكاح عيب فيها وربما تعجز فيبقى هذا العيب في ملك المولى توضيحه أن النكاح غير مشروع في الاصل لاكتساب المال بل للتحصين والنفقة وانفكاك الحجر بسبب الكتابة في عقود اكتساب المال فإذا كان مقصودها من تزويج نفسها شيئا آخر سوى المال لم يكن هذا العقد مما يتناوله الفك الثابت بالكتابة فان تزوجت بغير اذن مولاها فلم يفرق بينهما حتى عتقت جاز النكاح ولا خيار لها لان المانع حق المولى وقد سقط بالعتق ونفوذ العقد كان بعد العتق وفي مثله لا يثبت الخيار لها وإذا وقع المكاتب على بكر فاقتضها كان عليه الحد لوجود الزنا المحض منه وهو مخاطب فان دخل في ذلك وجه شبهة ولم تطاوعه المرأة كان عليه المهر لان هذا الفعل لا ينفك عن عقوبة أو غرامة إذا حصل في غير الملك وقد سقطت العقوبة فوجب المهر الا أنها إذا طاوعته فقد رضيت بتأخير حقها فيتأخر إلى ما بعد العتق وإذا تطاوعه فمل ترض بتأخير حقها فيلزمه ذلك في الحال كما لو جنى عليها كان مؤاخذا بالارش في الحال فان قال تزوجتها فصدقته فانما عليه المهر إذا عتق لوجود الرضا منها بتأخير حقها وان قال اشتريتها أو وهبت لى أخذ بالمهر في المكاتبة لما بينا أن في الشراء الواجب من جنس ضمان التجارة وكذلك في الهبة لانه انما سقط الحد عنه بسبب موجب للمال فهو نظير الشراء وهذا لان بعد الملك لاحق لاحد سواه فلا يعتبر فعل الغير في الرضا بالتأخير بخلاف التزويج فانه لا يسقط به حقها من نفسها فيعتبر رضاها وتمكينها من تأخير حقها ولا يجوز هبة المكاتب ولا صدقته وقال ابن أبى ليلى يتوقف عتقه وهبته وصدقته على سقوط حق المولى بعتق المكاتب فإذا عتق نفذ ذلك كله لانه أحق بكسبه في الحال ولكن فيه حق المولى على أن يصير مملوكا إذا عجز فيمتنع نفوذ هذه التصرفات
[ 227 ] منه في الحال لمراعاة حق المولى فإذا سقط حق المولي بالعتق فقد زال المانع فينفذ تصرفه كالوارث إذا أعتق عبدا من التركة المستغرقة بالدين ثم سقط الدين ولكنا نقول هو ليس بأهل للتبرعات لكونه عبدا ولان صحة التبرعات باعتبار حقيقة الملك وهو ليس من أهله ولا يتوقف التصرف إذا صدر من غير أهل فهو كالصبى إذا أعتق أو وهب ثم بلغ لم ينفد ذلك منه ولان بالعتق يتم ملكه في الكسب مقصورا على الحال فلا ينفد التبرع السابق عليه منه ألا ترى أن المولى لو كان هو الذى أعتق عبده أو وهب كسبه ثم عجز المكاتب حتي ملك المولى لم ينفذ ذلك التصرف منه فهذا مثله ولا يجوز وصية المكاتب وان ترك وفاء لانه تبرع بعد الموت فيكون كتبرعه في حياته (فان قيل) أليس أنه إذا أديت كتابته يحكم بموته حرا ولو عتق في حال حياته وجب تنفيذ وصيته بمال مرسل بعد موته من ثلثه فكذلك إذا أديت كتابته (قلنا) قد بينا أن استناد حريته في حكم الكتابة للضرورة ووصيته ليست من ذلك في شئ ولان حريته انما تستند إلى آخر جزء من أجزاء حياته وتلك الحالة للطافتها لا تتسع للوصية ولا يجوز اقراضه ولا كفالته لانه تبرع الا أن كفالته ككفالة العبد المحجور عليه تظهر في حقه بعد العتق واستقراضه جائز لانه تبرع عليه وهو من أهله بمنزلة قبول الهبة والصدقة ويجوز بيعه وشراؤه بالمحاباة لانه من التجارة وقد يفعله التاجر لاظهار المسامحة حتى يميل الناس إليه أو يحابى في تصرف ليتوصل به إلى تصرف آخر هو أنفع له وكذلك ان حط شيئا بعد البيع بعيب ادعى عليه أو زاد في ثمنه شيئا اشتراه فهذا من صنع التجارة والمكاتب فيما هو من التجارة بمنزلة الحر وان أعار دابة أو أهدى هدية أو دعا إلى طعام فلا بأس بذلك وهذا استحسان فأما في القياس هذا كله تبرع والمكاتب ليس من أهل التبرع ولكنه استحسن فقال هذا من صنع التجارة فانه لا يجد بدا من ايجاد الدعوة للمهاجرين أو الاهداء إليهم أو اعارة مسكن أو غير ذلك منهم إذا أتوه من بلدة أخرى وإذا لم يفعل ذلك تفرقوا عنه فلكونه من توابع التجارة قلنا يملكه استحسانا وليس له أن يكسو الثوب لان ذلك تمليك لعين الثوب بطريق التبرع والتاجر لا يحتاج إلى ذلك عادة وكذلك لا يعطى درهما فصاعدا لانه تبرع بتمليك العين بخلاف المنفعة فالتجار يتوسعون في المنافغ مالا يتوسعون في الاعيان ففى هذا إشارة إلى أن له أن يعطى دون الدرهم لانه
[ 228 ] قد يحتاج إلى ذلك عادة فان مجاهره إذا شرب الماء من سقاء على باب حانوته لا يجد بدا من اعطاء فلس لاجله وما دون الدرهم قليل يتوسع فيه الناس فلهذا يملكه استحسانا والله سبحان وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب مكاتبة المكاتب) (قال) رضي الله عنه وقد بينا أن للمكاتب أن يكاتب استحسانا فان أدى الثاني قبل الاول كان ولاؤه لمولى الاول لان الاول صار معتقا فيخلفه مولاه لان الاعتاق يعقب الولاء وهو ليس بأهل للولاء لانه رقيق بعد فيخلفه فيه أقرب الناس إليه وهو مولاه كالعبد المأذون إذا اشترى شيئا يملكه مولاه بهذا الطريق وهو أن الشراء موجب للملك فإذا لم يكن المشتري من أهل الملك خلفه في الملك أقرب الناس إليه وهو المولى فان عتق الاول بعد ذلك لم يرجع إليه كما لا يرجع الملك في كسب العبد إليه بعد ما يعتقه مولاه وان سبق الاول بالاداء ثم أدى الثاني فولاؤه للاول لان الولاء يعقب العتق وانما عتق الثاني بعد ماتم الملك للاول في رقبته وهو من أهل الولاء لحريته فان قتل المولى مكاتب مكاتبه وقيمته ألف ومكاتبه خمسمائة وقد بقي على الاول من مكاتبته مائة فعلى المولى قيمته ألف درهم في ثلاث سنين يقتص من ذلك المائة التى بقيت من مكاتبة الاول إذا كانت قد حلت وحل ما على المولى من القيمة فيعتق المكاتب الاول وقد صار مستوفيا من الثاني لانه من مكاتبته ثم يعطيه المولى اربعمائة تمام مكاتبة الثاني والخمسمائة الباقية ميراث للمولى فان لم يكن للثاني وارث فهو لاقرب الناس من المولى من العصبة لان عتقه يستند إلى حال حياته والاول في ذلك الوقت كان مكاتبا فيكون ولاء الثاني للمولى الا ان المولى قاتل ولا ميراث للقاتل فكان ذلك لا قرب عصبة له وان كانت مكاتبته ألفا ولم يحل على المكاتب الاول شئ من نجومه فان المولى يؤدى جميع القيمة إلى المكاتب الاول في ثلاث سنين لان الثاني مات عن وفاء فان في قيمته وفاء بمكاتبته فيستوفى الاول مكاتبته من قيمته ويحكم بحريته ولو لم يقتله المولى ولكن قتله المكاتب الاول وقيمة القاتل أكثر فعليه قيمة المقتول يستوفى من ذلك كتابته وان فضل من قيمته شئ أداه إلى المولى لان ولاءه للمولى حين عتق قبل الاول فيكون
[ 229 ] ما فضل ميراثا مكاتب كاتب عبدا ثم مات الاول عن ابن حر ولم يترك الا ما على الآخر ثم مات الآخر عن ابن ولدله في المكاتبة فعليه أن يسعى فيما على ابنه فيؤدى ذلك إلى المولى من مكاتبة الاول لان عقد كتابة الاول باق ببقاء دينه على المكاتب الثاني فيؤدى منه مكاتبته وما فضل عنها فهو ميراث لابن الاول عن أبيه لانه حكم بحريته قبل موته وولاء الابن الآخر لابن الاول لان عتقن كل واحد من المكاتبين يستند إلى آخر جزء من أجزاء حياته فانما حكم بحرية الثاني بعد الحكم بحرية الاول فيكون ولاؤه وولاء ولده للمكاتب الاول يخلفه فيه ابنه مكاتب اشترى امرأته ولم تكن ولدت منه ثم كاتبها فذلك جائز وما ولدت بعد الكتابة فهو معها في الكتابة لانه جزء منها وقد صارت هي أحق بنفسها وولدها بعقد الكتابة فان مات المكاتب عن وفاء عتقت هي وأولادها لان كتابة الاول لما أديت فقد حكم بعتقه وصارت المكاتبة أم ولدله فتعتق بالاستيلاد هي وأولادها وأخذ أولادها ما بقى من ميراثه بعد أداء كتابته لانهم عتقوا في حال حياته حين تم ملكه فيهم وهم أولاده فان لم يترك وفاء فالمرأة وولدها بالخيار ان شاؤا سعوا فيما بقى على الاول ليعتقوا بعتق الاول وان شاؤا سعوا فيما بقى على الام لانهم يستفيدون العتق باداء ذلك كما لو أدوا إلى المكاتب في حياته ويسعون في الاقل من ذلك لان العبد انما يتخير بين شيئين لرفق له في احدهما والرفق في اختيار الاقل دون الاكثر وليس للمكاتب أن يكاتب ولده ولا والديه لانهم دخلوا في كتابته تبعا والمكاتب لا يكاتب ولانهم بمنزلة مملوكين للمولى حتى لا يبيعهم وكما لا يكاتب نفسه فكذلك لا يكاتبهم ولا يجوز له أن يكاتب من لا يجوز له بيعه الا أم ولده لان أم الولد وان امتنع بيعها تبعا لولدها فلم تدخل في مكاتبته حتى لا تعتق بعتقه قبل موته ولانها لم تصر مملوكة للمولى حتى لا ينفذ عتقه فيها والمكاتبة أحق بكسبها فإذا كاتبها يحصل له ما هو المقصود بعقد الكتابة لانها تصير أحق بمكاسبها وإذا كاتب المكاتب امرأته ولم تلد منه ثم ولدت بعد الكتابة ثم ماتت المرأة ولم تترك وفاء فالابن بالخيار ان شاء سعى فيما بقى على أمه ليعتق بأداه وان شاء عجز نفسه فيكون بمنزلة أبيه لانه تلقاه جهتا حرية أحدهما ببدل يؤديه والآخر بغير بدل عليه وهو التبعية لا بيه فيميل إلى أيهما شاء وإذا كاتب المكاتب عبدا له ولد عنده في مكاتبته ثم أدعاه يثبت النسب منه لان أصل العلوق كان في حكم ملكه ثم الاين بالخيار بين المضى على الكتابة وبين العجز لما بينا (فان قيل)
[ 230 ] لما كان لا يكاتبه ابتداء بعد ثبوت نسبه منه فينبغي أن لا تبقى مكاتبته أيضا (قلنا) مثله لا يمتنع ألا ترى أنه لا يتزوج المكاتب أمته ثم يشتري امرأته فيبقى النكاح وهذا لانه يصدق في دعوى النسب لما فيه من المنفعة للولد ولا يصدق في ابطال ما ثبت له من الحق في كسبه بعقد الكتابة ولهذا يخير الولد وإذا كاتب المكاتب عبدا له على نفسه وماله أو على نفسه وابنه فهو جائز لان المكاتب مالك لعقد الكتابة في مكاسبه بمنزلة الحر والكتابة من الحر صحيحة بهذه الصفة فكذلك من المكاتب وإذا مات المولى عن ابن وابنة وله مكاتب فاعتقه أحدهما فعتقه باطل لان المكاتب لا يورث كما لا يملك بسائر أسباب الملك مع قيام الكتابة ولان المولى استحق ولاءه بعقد الكتابة ففي جعل رقبته ميراثا ابطال هذا الاستحقاق على المولى فالمعتق منهما أضاف التصرف إلى مالا يملكه فلا ينفد منه ولا يسقط به حصته من البدل أيضا لانه أضاف التصرف إلى مالا يملكه فلا يظهر حكمه فيما يملكه كاحد الشريكين في العبد إذا أعتق نصيب شريكه يكون لغوا منه ولا يفسد الرق في نصيبه وإذا أعتق المكاتب جميع الورثة في القياس لا ينفذ أيضا ولا يسقط حقهم في بدل الكتابة لا ضافتهم التصرف إلى ما ليس بملك لهم وفى الاستحسان يعتق ويجعل هذا بمنزلة الاقرار منهم باستيفاء بدل الكتابة ومعنى هذا ان المكاتب انما يعتق بعد موت المولى بايفاء جميع بدل الكتابة فقولهم هو حر يكون اقرارا منهم بما تحصل به الحرية له وهو إيفاء بدل الكتابة بخلاف ما إذا قال ذلك بعضهم لانه لا يعتق شئ منه بايفاء نصيب أحدهم من بدل الكتابة فلا يتضمن كلامه الاقرار باستيفاء نصيبه توضيحه ان عتق جميع المكاتب مسقط لبدل الكتابة عنه فيمكن أعمال كلامهم بطريق المجاز وهو ان يكون اسقاطا منهم لبدل الكتابة ومتي تعذر العمل بحقيقة الكلام يعمل بمجازه إذا أمكن بخلاف ما إذا أعتق أحدهم لان عتق البعض ليس بمسقط عنه شيئا من بدل الكتابة على مابينا إذا أعتق نصفه بالتدبير بموت المولى لا يسقط عنه شئ من بدل الكتابة بخلاف ما إذا أعتقه كله فقد تعذر العمل بحقيقة كلامه ومجازه في ملكه فلهذا كان لغوا ثم ولاؤه للابن دون الابنة لما بينا ان المولى استحق ولاءه وانما عتق على ملكه فيخلفه ابنه في ولائه لانه عصبته وان وهب له احدهما نصيبه من المال فذلك جائز لان المال صار ميراثا لهما فانما أضاف الواهب تصرفه إلى ملكه ولا يعتق شئ منه لانه سقط عنه بعض البدل ولا موجب لذلك في العتق كما لو أوفى بعض البدل فان عجز فرد
[ 231 ] في الرق فنصيب الواهب من الرقبة ملك له لان الكتابة انفسخت بالعجز وصارت الرقبة ميراثا لهما وليس لهبة بدل الكتابة تأثير في انتقال ملكه عن الرقبة ولانه تبين أن ميراثهم كان هو الرقبة دون المال فكان هبته لنصيبه من المال لغوا وهذا بخلاف ما إذا كاتب رجلان عبدا لهما ثم وهب احدهما نصيبه من البدل فان هناك يعتق نصيبه لانه ملك لنصيبه حتى يملك اعتاقه فيجعل هبته لنصيبه من البدل كاعتاقه وهنا أحد الوارثين لا يملك اعتاقه فلهذا لا يعتق شئ منه بهبة نصيبه من المال منه وان وهب منه جميع الورثة المال عتق استحسانا كما لو أعتقه جميع الورثة وهذا أظهر لان ذمته برئت عن جميع المال حين وهبوه له وبراءة ذمة المكاتب توجب حريته وإذا أدى المكاتب مكاتبته إلى الورثة دون الوصي وعلى الميت دين يحيط بذلك أولا يحيط لم يعتق لانه لاحق للورثة في قبض بدل الكتابة منه مادام على الميت دين فاداؤه إليهم في هذه الحالة كادائه إليهم قبل موت المولى وان أداها إلى الوصي عتق كان عليه دين أولم يكن وصل ذلك إلى الغريم والوارث أو لم يصل لان الوصي قائم مقام الموصى والاداء إليه كأداء إلى الموصى وكذلك ان كانت الورثة حين قبضوا منه دفعوه إلى الوصي فهو كدفع المكاتب بنفسه إلى الوصي وإذا أداها الي بعض الورثة ولا دين على الميت لم يعتق الا أن يوصل الوارث إلى الآخرين انصباءهم ان كانوا كبارا أو إلى الوصي نصيب الصغير فحينئذ يعتق لان حق القبض لكل واحد منهم في نصيبه ولا ولاية للقابض على الآخرين فلا يعتق بقبضه ما لم يوصل إليهم انصباءهم ولهم الخياران شاؤا اتبعوا المكاتب بحصصهم وان وان شاؤا اتبعوا الوارث القابض بمنزلة سائر الديون إذا قضاها الغريم بعض الورثة ولا يعتق المكاتب حتى يقع في يد كل انسان نصيبه لانه لا يستفيد البراءة الا بذلك ولو أدى المكاتبة إلى الورثة وهم صغار فذلك باطل لانه لا يستفيد البراءة بقبضهم فان قبض الصبى دينه من غريمه باطل فما لم يصل إلى وصيه لا يعتق وان كان على الميت دين يحيط بالمكاتبة فأعطاها المكاتب إلى الغرماء فذلك جائز إذا أخذ كل ذى حق حقه منها لانه أوصل الحق إلى مستحقه ألا ترى انه لو لم يكن عليه دين فأعطاها الورثة وهم كبار فاقتسموها بينهم بالحصص كان ذلك جائزا فكذلك الغرماء وإذا أوصى بما على مكاتبه لرجل وهو يخرج من الثلث فأداها إلى الموصي له جاز لانه تعين مستحقا لما عليه بايجاب الموصى له وكذلك إذا أداها إلى الوصي لانه قائم مقام الموصى فيما هو من حقه وتنفيذ الوصية من حقه فكان للوصي
[ 232 ] أن يقبض لينفذ الوصية فيه فلهذا عتق المكاتب بالدفع إليه وصل إلى الموصى له أو لم يصل وان أداها إلى الوارث لم يعتق حتى يصل إلى الموصى له لانه لا حق للوارث في هذا المال وكذلك لو كان أوصى بثلث ماله لم يعتق المكاتب بالاداء إلى الوارث حتى يصل الثلث إلى الموصى له والله أعلم بالصواب (باب المكاتبة من المريض والمرتد) (قال) وإذا كاتب الرجل عبده في مرضه على مكاتبة مثله ولا مال له غيره ثم مات المولى فانه يقال للمكاتب عجل الثلثين من المكاتبة والثلث عليك إلى الاجل فان لم يعجل رد رقيقا لان التأجيل تبرع منه والتبرع في مرضه بالتأخير كتبرعه بالاسقاط فلا يصح الا في ثلثه بخلاف ماذا كاتبه في صحته لان تأجيله هناك صحيح مطلقا لكونه مالكا للتبرع بالاسقاط في صحته ولا يبطل الاجل بموت المولى لانه حق المكاتب وان كان كاتبه على أكثر من قيمته أضعافا فكذلك الجواب في قول أبى يوسف وهو قول أبى حنيفة وفى قول محمد رضوان الله عليهم أجمعين تأجيله فيما زاد على مقدار قيمته صحيح وكذلك في قدر ثلث قيمته وانما يلزمه أن يجعل قدر ثلثي قيمته لان ما زاد على قدر قيمته فقد كان للمريض أن لا يتملكه أصلا ولا يثبت حق ورثته فيه بأن يكاتبه على قيمته فإذا تملكه مؤجلا صح تأجيله مطلقا كالمريضة إذا زوجت نفسها بمهر مؤجل صح تأجيلها في ذلك لان لها ان لا تتملك ذلك أصلا بأن لا تزوج نفسها أصلا وهما يقولان جميع البدل مسمى في الكتابة بمقابلة ما هو حق للمولى في رقبته فلا يصح التأخير الا في ثلثه كما لو كاتبه على قيمته وهذا لان حق المولى في مالية الرقبة وقد تعلق به حق الورثة في ذلك فكان جميع البدل بمقابلة ما تعلق به حق الورثة فلهذا لا يصح التأجيل الافي ثلثه بخلاف المهر فانه بدل عمالا حق للوارث فيه وانما يثبت حق الوارث فيه ابتداء فإذا كان مؤجلا لم يثبت حقهم الا بتلك الصفة ولو كاتبه في مرضه على مكاتبة مثله ثم أقر باستيفائها لم يصدق الا من الثلث لان ما باشره في المرض من المكاتبة والاقرار بالاستيفاء بمنزلة الاعتاق ولانه يتمكن تهمة المواضعة من حيث أنه لما علم انه لو أعتقه كان من ثلثه واضعه على هذا ليحصل مقصوده بهذا الطريق فلا يصدق في حق الورثة ولكن ان كان عليه دين يحيط بما له لا يصدق في شئ الا أن
[ 233 ] العبد يعتق ويؤخذ بالكتابة كما لو أعتقه وان لم يكن عليه دين وهو يخرج من ثلث ماله فهو حر ولا شئ عليه وان لم يكن له مال سواه فعليه السعاية في الثلثين في المكاتبة للورثة الا أن تكون قيمته أقل فحينئذ يسعى في ثلثي قيمته لان تهمة المواضعة انما تمكنت في مقدار القيمة ولا تتمكن في الزيادة على ذلك فيصح اقراره باستيفائه ويجعل هذا واعتاقه في مرضه ابتداء سواء وكذلك لو أقر انه كان كاتبه في صحته واستوفى لان اقراره لا يصح في المرض الا بما يملك انشاءه وتتمكن فيه تهمة المواضعة كما بينا وان كاتبه في صحته ثم أقر في مرضه بالاستيفاء صدق في ذلك لان تهمة المواضعة هنا منتفية حين باشر العقد في صحته لتمكنه من اعتاقه يومئذ ثم المكاتب يستحق براءة ذمته عند اقراره بالاستيفاء فلا يبطل ذلك الاستحقاق بمرضه بخلاف ما إذا كاتبه في مرضه ألا ترى أنه لو باعه في صحته من انسان ثم أقر في مرضه باستيفاء الثمن كان مصدقا في حق غرماء الصحة بخلاف مالو كان باعه في مرضه ولو أن مكاتبا أقر عند موته أنه كاتب عبده فلانا واستوفى مكاتبته لم يجز قوله لان هذا بمنزلة الاعتاق والمكاتب لا يملك ذلك أصلا ولان هذا من الحر صحيح من ثلثه وليس للمكاتب ثلث فلهذا كان على الآخر أن يسعى في جميع المكاتبة وكذلك لو كاتبه في مرضه بأقل من قيمته لم يجز لان محاباته وصية والوصية من المكاتب باطلة ولو كاتبه على مكاتبة مثله أمر الآخر أن يعجل مكاتبته كلها والارد في الرق لان تأجيله تبرع منه والمكاتب المريض ليس من أهله فان برأ من مرضه صح ذلك منه لان المرض إذا تعقبه برء فهو كحالة الصحة ولو أوصى رجل فقال كاتبوا عبدى على كذا إلى أجل كذا ان حدث بى الموت وذلك كتابة مثله أجزت ذلك ان كان يخرج من الثلث كما لو باشره بنفسه لانه أوصى بما هو من حاجته وقصد به استحقاق ولاية فهو كما لو أوصى بعتقه وان لم يكن له مال غيره عرضت عليه أن يعجل الثلثين ويؤخر الثلث ان قبل الكتابة كما لو باشره في حياته فان أبى لم يكاتب لان عقد الكتابة لم يتم بدون رضاه وكذلك ان حط عنه منها شيئا يكون أكثر من الثلث ولو كان مكاتب أوصى بهذا في عبده لم يجز لانه وصية ولا يجوز للمكاتب ان يوصي بشئ وان ترك وفاء ولو كاتب رجل عبده في مرضه ولامال له غيره فأجاز الورثة في حياته فلهم أن يمتنعوا من الاجازة بعد موته كما في سائر الوصايا وهذا لانهم أجازوا قبل تقرر حقهم لان حقهم انما يثبت في الحقيقة بعد موت المولى ولان اجازتهم في الحياة للاستحياء منه فلا
[ 234 ] يكون ذلك دليل الرضا منهم وانما دليل الرضا الاجازة بعد الموت (قال) وان كاتب المرتد عبده فكتابته موقوفة ان أسلم جاز وان قتل على ردته أو مات أو لحق بدار الحرب بطلت في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كتابته جائزة الا ان عند أبى يوسف رحمه الله تعالى تجوز جوازها من الاصحاء وعند محمد رحمه الله تعالى من المريض حتى تعتبر من ثلثه وهو بمنزلة اختلافهم في سائر تصرفات المرتد وإذا قسم القاضى مال المرتد بين ورثته ثم كاتب الوارث عبدا من تركته ثم تاب المرتد ورجع فوجد المكاتب فهو مكاتب له يؤدى إليه ويعتق وولاؤه له كانه هو الذى كاتبه وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لاسبيل له عليه لان الوراث بتصرفه استحق ولاءه فكأنه أعتقه ولان المكاتب غير محتمل للنقل من ملك إلى ملك فلا يعود إليه من ملك الوارث كالمدبر وأم الولد ولكنا نقول استحقاق العتق لا يثبت بنفس الكتابة ولهذا كان محتملا للفسخ والمرتد إذا تاب لا يتملك ماله على الوارث ولكنه يعود إلى قديم ملكه كما كان وعقد الكتابة لا يمنع ذلك الا ترى ان المكاتب إذا كاتب عبدا له ثم عجز الاول كان الثاني مكاتبا للمولى ويجعل كان الاول كان نائبا عن المولى في مكاتبته فكذلك هنا يجعل الوارث كالنائب عنه في مكاتبته وكتابة المرتدة وعتقها وبيعها جائز كما يكون في الاسلام لان نفسها تتوقف بالردة حتى لا تقتل فكذلك ملكها بخلاف المرتد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وان كاتبت على خمر أو خنزيرفانى ابطل ذلك ولا أجيز عليها الاما يجوز منها قبل الردة لانها مجبرة على الاسلام فكان حكم الاسلام باقيا في حقها وإذا ارتد العبد والمولى مسلم فكاتبه جاز لان المانع من نفوذ تصرف المرتد توقف ملكه على حق ورثته وذلك لا يوجد في العبد ولانه محض منفعة في حقه بمنزلة قبول الهبة فان قتل وترك مالا أخذت الكتابة من ماله والباقى ميراث لورثته لانه حكم بحريته مستندا إلى حال حياته والمرتد الحر يرثه الورثة المسلمون وكذلك لو ترك ولدا ولد له في المكاتبة يسعى فيما عليه لان موته عمن يؤدى بدل الكتابة كموته عما يؤدى به بدل الكتابة وإذا ارتد المكاتب ولحق بدار الحرب واكتسب مالا فأخذ أسيرا فابي أن يسلم فانه يقتل ويستوفى مولاه من كسبه مكاتبته والباقى ميراث استحسانا وكان القياس ان يكون كله لمولاه ان كان عبدا وان كان حرا فهو فئ لانه كسب ردته وابو حنيفة رحمه الله لا يقول بتوريث كسب الردة عن المرتد إذا كان حرا ولكن يجعل ذلك فيئا للمسلمين
[ 235 ] فكذلك في المكاتب ولكنه استحسن هنا فقال في كسب المكاتب حق لمولاه على معنى أنه متى عجز كان كسبه لمولاه والمولى مسلم فقيام حقه يمنع من أن يكون كسبه فيئا فلهذا يجعل هذا وما اكتسبه في حالة الاسلام سواء يؤدى منه بدل كتابته ويكون الباقي ميراثا لورثته وإذا لحق المكاتب بدار الحرب مرتدا وخلف في دار الاسلام ابنا له ولد في كتابته فلا سبيل على ابنه حتى ينظر ما يصنع المكاتب فان مات أو قتل عن وفاء أديت كتابته والباقى ميراث لابنه وان لم يترك وفاء سعى الابن فيما على أبيه وكذلك لو لم يترك في دار الاسلام ولدا ولكنه خلف مالا لم اقسم ماله حتى أنظر ما يصنع وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يؤدى مكاتبته من ماله ويجعل الباقي ميراثا لورثته لان لحوقه بدار الحرب كموته ألا ترى أن في حق الحر يجعل هذا كالموت في قسمة ماله بين ورثته فكذلك في حق المكاتب ولكنا نقول لحوقه بدار الحرب ليس بموت بعينه ولكن باعتبار أنه يصير حريبا وأهل الحرب في حق المسلمين كالموتى يجعل ميتا حكما وهذا لا يوجد في حق المكاتب لان ملك المولى في رقبته باق وقيام ملك المسلم في رقبة العبد يمنعه من أن يصير حربيا فإذا لم يصر حربيا كان هو بمنزلة المتردد في دار الاسلام والحكم فيه إذا كان مترددا في دار الاسلام ما بينا فكذلك بعد لحاقه ولو لم يلتحق بدار الحرب ولكن أهل الحرب اسروه فباعوه من رجل فاعتقه فذلك باطل لانهم بالاسر ما ملكوه فان المكاتب لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك واما يملك بالاستيلاء ما يحتمل النقل من ملك إلى ملك وإذا لم يملكوه بالاسر لا يملكه المشترى منهم فكان اعتاقه اياه باطلا وان كان المشترى اشتراه بأمره رجع عليه بالثمن لانه مكاتب على حاله فيصح أمره المشترى بشرائه في كسبه كما يصح أمر الحر الاسير بذلك فيرجع عليه بما أدى لانه أدى مال نفسه في تخليصه بأمره وان كان أصابه المسلمون في غنيمة أخذه مولاه بغير شئ قبل القسمة وبعدها وهو مكاتب على حاله لان الكفار لم يملكوه بالاسر فلا يملكه المسلمون أيضا وكذلك الجواب في أم الولد والمدبر وان كاتب الحربى المستأمن عبدا في دار الاسلام فهو جائز كم لو أعتقه بمال أو بغير مال فان مات عن مال أديت كتابته والباقى ميراث للحربى ان جاء بالعبد من دار الحرب لانه مولاه وهو حربى مثله ألا ترى أنه كان متمكنا من الرجوع إلى دار الحرب والحربي يرث الحربى وان كان اشتراه في دار الاسلام وهو مسلم أو كافر كان الباقي لبيت المال لان الحربى لا يرث المسلم ولا المعاهد
[ 236 ] والعبد الكافر الذى اشتراه في دار الاسلام بمنزلة المعاهد حتى لو عتق كان معاهدا لا يترك ليرجع إلى دار الحرب ولا يرثه الحربى بخلاف العبد الحربى فانه لو عتق فهو حربى على حاله فيرثه الحربى فان لحق الحربى بدار الحرب فالمكاتب مكاتب على حاله لان حكم الامان باق فيما خلفه في دار الاسلام فان بعث بما عليه إليه عتق لبراءة ذمته وان ظهر المسلمون على الدار فقتل الحربى أو أسر عتق المكاتب لبراءة ذمته عن بدل الكتابة فانه لم يبق للمولى ولا لورثته حق مرعى بعد ما قتل أو أسر ولم يخلفه السابى في ملك بدل الكتابة لان الدين في الذمة لا يتصور ورود القهر عليه والملك للسابى بطريق القهر ولان يد المكاتب فيما في ذمته أسبق فيملك ما في ذمته وتسقط عنه المكاتبة فلذا عتق وكذلك ان أسر من غير أن يظهروا على الدار لان نفسه بالاسر قد تبدل وخرج من أن يكون أهلا لملك المال ولم يخلفه وارثه في ذلك لبقائه حيا في حق ورثته فاما إذا قتل ولم يظهر المسلمون على الدار فالكتابة دين عليه يؤديه إلى ورثة مولاه لانهم يخلفونه فيما كان لمولاه حين لم يقع الظهور عليهم وكما وجب عليه مراعاة الامان فيما خلفه في دار الاسلام لحقه فكذلك يجب مراعاته لحق ورثته حربي كاتب عبده في دار الحرب ثم أسلما جميعا أو صارا ذمة أجزت ذلك لان الكتابة تعتمد التراضي كالبيع والشراء فكما يبقى بيعهم وشراؤهم بعد اسلامهم فكذلك الكتابة فان خرجا مستأمنين والعبد في يديه على حاله فخاصمه في المكاتبة أبطلتها كما ابطل العتق والتدبير في دار الحرب منهم إذا خرجوا بأمان ألا ترى أن رجلا منهم لو قهر رجلا فاسراه ثم خرج الينا وهو في يديه كان له أن يبيعه فكذلك المكاتب لانه في حكم القاهر لمولاه فيما في ذمته فلهذا بطلت المكاتبة وان كان المولى قاهرا حين أخرجه إلى دار الاسلام فهو عبده كما لو كان أعتقه ثم قهره هو أو غيره وأخرجه إلى دار الاسلام كان عبدا له ولو كاتبه ثم خرج العبد مسلما عتق وبطلت عنه الكتابة لانه قهر لمولاه حين أحرز نفسه بدار الاسلام مسلما أو ذميا ولو فعل ذلك وهو بعد ملك نفسه حتى يعتق فكذلك إذا فعله وهو مكاتب يملك ما في ذمته فيسقط عنه ويكون حرا مسلم تاجر في دار الحرب كاتب عبده أو أعتقه أو دبره كان جائزا استحسانا وفى القياس لا يجوز شئ من ذلك منه لانه فعله حيث لا يجرى حكم المسلمين وتنفيذ هذه التصرفات من أحكام المسلمين ووجه الاستحسان انه مسلم ملتزم لاحكام الاسلام وان كان في دار الحرب وكذلك العبد مسلم ليس بمحل الاسترقاق بعد
[ 237 ] حق العتق أو حقيقته فوجود هذا التصرف منهما في دار الحرب كوجوده في دار الاسلام وكذلك لو كان العبد كافرا قد اشتراه في دار الاسلام لان الذمي في أنه ليس بمحل الاسترقاق كالمسلم فان كان العبد كافرا قد اشتراه في دار الحرب وكاتبه فأدى وعتق ثم أسلم أجزته على المسلم استحسانا وفى القياس هو عبد له لانه معتق له بالكتابة واستيفاء البدل فكأنه أعتقه قصدا وقد بينا ان اعتاق المسلم العبد الحربى في دار الحرب لا يجوز لان غرضه الاسترقاق فلا ينفذ العتق فيه من المسلم كما لا ينفذ من الحربى وللاستحسان فيه وجهان أحدهما أن المسلم ضمن له ترك التعرض له بعد ما يؤدى بدل الكتابة إليه فعليه الوفاء بما ضمن لان التحرز عن الغدر واجب على المسلم في دار الحرب ألا ترى أنه لا يحل له أن يأخذ شيئا من أموالهم سرا فللوفاء بما ضمن جعلناه حرا والثانى أن المسلم انما يتملك بالقهر إذا أحرزه بدار الاسلام وذلك لا يوجد منه هنا لان دار الحرب ليس بدار له فلا يتملكه قبل الاسلام وبعد الاسلام يستحيل أن يتملك الحر المسلم بالقهر وعلى هذا الطريق الاستحسان في الكتابة والعتق جميعا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب المكاتبة تلد من مولاها) (قال) رضي الله تعالى عنه وإذا ولدت المكاتبة من مولاها خيرت فان شاءت أبطلت الكتابة وكانت أم ولدله وان شاءت مضت وأخذت العقر لانه تلقاها جهتا حرية أحدهما عاجل ببدل والآخر آجل بغير بدل فتختار أيهما شاءت ونسب ولدها ثابت من المولى بالدعوة وهو حر لان المولى مالك للاعتاق في ولدها وان اختارت المضى على الكتابة أخذت العقر من مولاها لاقراره بوطئها ثم ان مات المولى عتقت بالاستيلاد وسقط عنها بدل الكتابة وان ماتت هي وتركت مالا يؤدى مكاتبتها منه وما بقى ميراث لابنها وان لم تترك مالا فلا سعاية على هذا الولد لانه حر وانما السعاية على ولد هو تبع لها في الكتابة حتى إذا كانت ولدت ولدا آخر فنفاه المولى أولم يدعه فان نسبه لا يثبت منه لانها مكاتبة لا يحل للمولى وطؤها فلا يثبت النسب منه الا بالدعوة وإذا ماتت سعى هذا الولد فيما بقى عليها فان مات المولى بعد ذلك عتق الولد وبطلت عنه السعاية لانه بمنزلة أم الولد كامه فيعتق بموت المولى فان ادعى المولى حبل مكاتبته فضرب انسان بطنها بعد ذلك بيوم فالقت جنينا ميتا فان في
[ 238 ] الولد غرة لابيه لانه عتق بدعوته كما لو ادعاه بعد الانفصال وبدل الجنين الحر الغرة وكان ميراثا لابيه لان الام مكاتبة بعد فلا ترث شيئا ولكنها تأخذ العقر من المولى إذا اختارت المضي على المكاتبة وإذا ولدت المكاتبة من المولى ومضت على الكتابة ثم ولدت ولدا آخر لم يلزم المولى الا أن يدعى لانها محرمة عليه باعتبار بقاء الكتابة فلا يلزمه نسب ولدها الا بالدعوة فان كان الولد بنتا فولدت هذه الابنة بنتا ثم أعتق المولى الابنة السفلى عتقت هي وحدها لانها داخلة في كتابة الجدة ومملوكة للمولى فتعتق باعتاقه اياها وان أعتق الابنة الاولى عتقت هي والابنة السفلى في قول أبى حنيفة وعلى قول أبى يوسف ومحمد رضوان الله عليهم أجمعين لا تعتق السفلى ولكنها تكون مع الجدة على حالها لان السفلي تبع للجدة في الكتابة بمنزلة ولد آخر لها ولو كان لها ولدان فاعتق المولى أحدهما لم يعتق الآخر والدليل على هذا ان الجدة لو ماتت كان على العليا والسفلى السعاية فيما عليها من بدل الكتابة وإذا ادت السعاية إحداهما لم ترجع على الاخرى بشئ وان الجدة في حال حياتها أحق بكسبها لتستعين به على مكاتبتها وهذا لان العليا تبع ولا تبع للتبع فعرفنا انهما في الحكم بمنزلة الولدين من الجدة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول مع هذا السفلى جزء من العليا كما ان العليا جزء من الجدة ثم لو أعتق المولى الجدة عتقت العليا فكذلك إذا أعتق العليا عتقت السفلى والسفلى تبع للجدة كما قالا ولكن بواسطة العليا ولا تتحقق هذه الواسطة الا بعد جعل السفلى تبعا للعليا ولو أعتق العليا قبل انفصال السفلى منها عتقت السفلى بلا شك فكذلك بعد الانفصال لان معني التبعية بالانفصال لا ينقطع لبقاء عقد الكتابة وإذا ولدت المكاتبة من مولاها ثم أقر المولى أنها أمة لفلان لم يصدق وان صدقته في ذلك لان حق أمية الولد قد ثبت لها واستحق المولى ولاءها فلا يصدقان على إبطاله فان قال المدعى بعتك بألف درهم ولم تنقد الثمن وقال المولى زوجتني والامة معروفة للمدعى فعلى المولى المهر يستوفيه المدعي قصاصا من الثمن لانهما يتصادقان على وجوبه عليه وان اختلفا في سببه وليس عليه قيمة في الام ولا في الولد لان تعذر استردادها كان باقرار المدعى ببيعها منه الا تري أنه لو أنكر ذلك تمكن من استردادها لكونها معروفة انها له وان لم تكن معروفة انها للمدعى ضمن له القيمة لان تعذر استردادها لم يكن باقراره بالبيع ولكن كان بالاستيلاد الموجود من المستولد ألا ترى أنه وان أنكر البيع لم يتمكن من استردادها وقد أقر المستولد انها ملك المقر له
[ 239 ] احتبست عنده فيضمن قيمتها له بعد أن يحلف بالله ما اشتريتها منه بما يدعى من الثمن لانه لو أقر بالشراء لزمه الثمن فإذا أنكر يحلف على ذلك والله أعلم (باب الايمان في العتق) (قال) وإذا قال الرجل لعبده ان بعتك فأنت حر فباعه لم يعتق لان أوان نزول العتق المتعلق بالشرط بعد وجود الشرط وبعد البيع هو ليس بمملوك له فلا يعتق الا أن يكون البيع فاسدا فيعتق لان بعد وجود الشرط هو باق على ملكه فان البيع الفاسد لا يزيل الملك بنفسه الا أن يكون سلمه إلى المشترى قبل البيع فحينئذ يزول ملكه بنفس البيع فلا يعتق ولو قال إذا دخلت الدار فأنت حر فباعه فدخل الدارلم يعتق الا على قول ابن أبى ليلى رحمه الله فانه يقول يعتق ويبطل البيع وكذلك مذهبه في الفصل الاول لان التعليق قد صح في الملك فينزل العتق من جهته عند وجود الشرط ولا يعتبر قيام ملكه في المحل عند ذلك كما لا يعتبر قيام الاهلية في المولى حتى لو جن ثم دخل الدار عتق ولكنا نقول المتعلق بالشرط انما يصل إلى المحل عند وجود الشرط فلا بد من قيام ملكه في ذلك الوقت ليعتق من جهته والاهلية انما يحتاج إليها لصحة التكلم وتكلمه عند التعليق لا عند وجود الشرط فيستقيم أن يجعل عند وجود الشرط كالمنجز للعتق بذلك الكلام الذى صح منه فان اشتراه بعد هذا فدخل الدار لم يعتق أيضا لان يمينه انحلت بوجود الشرط في غير الملك اذ ليس من ضرورة انحلال اليمين نزول الجزاء وان لم يدخل الدار بعد البيع حتى اشتراه فدخل عتق عندنا لبقاء اليمين إلى وقت وجود الشرط في ملكه ولا يعتق عند الشافعي رحمه الله لبطلان اليمين بزوال الملك فان اليمين كما لا ينعقد عنده الا في الملك لا يبقى بعد زوال الملك فان قال إذا دخلت هاتين الدارين فأنت حرفباعه فدخل احداهما ثم اشتراه فدخل الاخرى عتق لوجود الملك عند تمام الشرط وعند زفر رحمه الله لا يعتق لانه يعتبر قيام الملك عند وجود نفس الشرط كما يعتبره عند تمام الشرط وقد بينا هذا في الطلاق فان دخل احداهما قبل البيع ثم باعه فدخل الاخرى لم يعتق لان الشرط قد تم في غير ملكه وأوان نزول الجزاء ما بعد تمام الشرط ولو قال له إذا دخلت هذه الدار فأنت حر إذا كلمت فلانا فباعه ثم دخل الدار ثم اشتراه فكلم فلانا لم يعتق لانه جعل شرط العتق الكلام وعلق ذلك اليمين بدخول الدار
[ 240 ] والمتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز فيصير عند دخول الدار كأنه قال له أنت حر إذا كلمت فلانا ولو قال ذلك لم يصح لانه ليس في ملكه عند دخول الدار فلهذا لا يعتق وان كلم فلانا في ملكه بخلاف الاول فان هناك عقد اليمين في الحال وجعل دخول الدارين شرطا للعتق وقد وجد الملك عند التعليق وعند تمام الشرط فلهذا يعتق ولو قال إذا دخلت الدار فأنت حر بعد موتى فباعه فدخل الدار ثم اشتراه لم يعتق ان مات لانه علق التدبير بدخول الدار فيصير كالمنجز له عند الدخول والتدبير لا يصح الا في الملك أو مضافا إلى الملك فإذا لم يكن في ملكه عند دخول الدار لم يصر مدبرا فلا يعتق بموته ولو قال ان دخلت دار فلان فأنت حر فشهد فلان وآخر أنه قد دخل الدار فهو حر لان الدخول فعل العبد وصاحب الدار في شهادته على فعل العبد كغيره فيثبت الشرط بشهادتهما ولو قال ان كلمت فلانا فأنت حر فشهد فلان وآخر أنه قد كلمه لم يعتق لان كلام فلان قوله باللسان والانسان لا يصلح أن يكون شاهدا على فعل نفسه فلم يبق على الشرط الاشاهد واحد وبالشاهد الواحد لا يثبت الشرط فان شهدا بنا فلان أنه قد كلم أباهما فان جحد الاب ذلك جازت شادتهما لانهما يشهدان على أبيهما بالكلام وعلى المولى بوجود الشرط وان كان أبوهما يدعى ذلك فشهادتهما باطلة في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى جائزه في قول محمد رحمه الله تعالى لانه لا منفعة في الشمهود به لابيهما ومحمد رحمه الله تعالى يعتبر المنفعة للتمهة وأبو يوسف رحمه الله تعالى يعتبر الدعوة والانكار لانهما يشهدان لابيهما ويظهران صدقه فيما يدعى وقد تقدم بيان هذه المسألة في كتاب النكاح وإذا خلف الرجل بعتق عبد بينه وبين آخر لا يدخل دارا ثم اشترى نصيب الآخر فدخل الدار عتق النصف الاول خاصة لان تعليقه في ذلك النصف صحيح لوجود الملك وقت التعليق فيصير كالمنجز للعتق في ذلك النصف عند وجود الشرط ومن أصل أبى حنيفة أن من أعتق نصف عبده يسعى العبد في النصف الآخر وعندهما يعتق كله فهذا مثله (قال) ولو كان باع النصف الاول ثم اشترى نصف شريكه ثم دخل الدار لم يعتق لان الشرط وجد بعد زوال ملكه يما صح فيه التعليق وهو النصف الاول ولم يكن التعليق صحيحا في النصف الذى استحدث الملك فيه بعد التعليق فلهذا لا يعتق ولو جمع بين عبده وبين ما لا يقع عليه العتق من ميت أو اسطوانة أو حمار فقال أحدكما حر أو قال هذا حر أو هذا عتق عبده في قول أبى حنيفة
[ 241 ]
رضى الله عنه وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يعتق الا أن يعنيه لان ما عين عبده في كلامه بل ردد الكلام بينه وبين غيره فلا يتعين عبده الابنية كما لو جمع بين عبده وعبد غيره فقال أحدكما حر ولانه لما ضم إليه مالا يتحقق فيه العتق صار تقدير الكلام كانه قال لعبده أنت حر أو لا ولو قال ذلك لم يعتق بدون النية وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول وصف أحدهما بالحرية والعبد محل لهذا الوصف دون الاسطوانة والحمار فيتعين لذلك ويلغو ضم الاسطوانة إليه كما لو أوصى بثلث ماله لحى وميت كانت الوصية كلها للحى ولان كلامه ايجاب للعتق فيتعين له المحل الذى يصلح لايجاب العتق فيه وهو الحى دون الميت والاسطوانة وهذا لان كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن بخلاف عبد الغير