المبسوط السرخسي ج 7
[ 1 ] (الجزء السابع من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (باب العتق في الظهار) (قال) رضى الله عنه ويجوز في كفارة الظهار عتق الرقبة العوراء عندنا ولا يجوز عند الشافعي رحمه الله تعالى لانها ناقصة بنقصان لا يرجى زواله فكانت كالعمياء وهو الاصل عنده أن كل عيب لا يرجى زواله يكون فاحشا يمنع جواز التكفير به وكل عيب يرجى زواله يكون يسيرا لا يمع جواز التكفير به كالحمى والشجة ونحوها والاصل عندنا قوله تعالى فتحرير رقبة فهو دليل على أن الواجب رقبة مطلقة والتقييد بصفة السلامة يكون زيادة والزيادة على النص نسخ ولكن مطلق الرقبة يقتضى قيامها من كل وجه والقائم من وجه دون وجه لا يكون مطلقا والعمياء مستهلكة من وجه لفوات منفعة الحس وهو البصر فان بقاء الآدمي بمنافعه معني ففوات منفعة الحس يكون استهلاكا من وجه وليس في العور فوات منفعة الحس وكذلك في قطع اليدين تفوت منفعة البطش وبقطع احدى اليدين لا تفوت وكذلك أشل اليدين لا يجزى لفوت منفعة الحس ومقطوع الرجلين أو أشلهما لا يجزى لفوات منفعة المشي ومقطوع أحد الرجلين يجزى لان منفعة المشى لا تفوت به وكذلك مقطوع اليد والرجل من خلاف لانه يتمكن من المشى بالعصا ومنفعة البطش باقية أيضا فلم تكن مستهلكة والمجنون والمعتوه لا يجزى لفوات العقل به وهو منفعة مقصودة والذى يجن ويفيق يجزى لان منفعة العقل غير فائتة بل هي قائمة تستتر تارة وتظهر أخرى والخرساء لا تجزى لان منفعة الكلام مقصودة والآدمي انما باين سائر الحيوانات بالبيان ففواتها يكون أستهلاكا من وجه وتجزى الرقبة الصغيرة لانها قائمة من كل وجه ولا يقال انها فائتة المنافع من البطش والمشى والعقل والكلام لانها عديمة المنافع إلى الاصابة عادة فلا يعد ذلك عيبا ولان مالا يخلو عنه أصل الفطرة السليمة لا يعد نقصانا فضلا عن الاستهلاك (قال) وتجزى الرقبة الكافرة في كفارة الظهار واليمين والافطار عندنا
[ 3 ] ولا تجزى عند الشافعي رضى الله عنه الا الرقبة المؤمنة لقوله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولا خبث أشد من الكفر وفى حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رجلا جاء إلى رسول الله ﷺ برقبة سوداء وقال على عتق رقبة أفتجزيني هذه فامتحنها بالايمان فوجدها مؤمنة فقال ﷺ أعتقها فانها مؤمنة فامتحانه اياها بالايمان دليل على ان الواجب لا يتأدى الا بالمؤمنة ولان هذا تحرير في تكفير فلا يجزى فيه غير المؤمنة ككفارة القتل وهذا لان الرقبة مطلقة هنا مقيدة بالايمان في القتل والمطلق محمول على المقيد لان القيد مسكوت عنه في المطلق وقياس المسكوت عنه على المنصوص صحيح ولان التعليق بالشرط يقتضى نفى الحكم عند عدمه في عين ما تعلق بالشرط وكذلك في نظائره استدلالا به والكفارات جنس واحد فالتقييد بشرط الايمان في بعضها يوجب نفى الجواز عند عدم الايمان في جميعها كالتقييد بشرط العدالة في بعض الشهادات أوجب نفى الجواز عند عدمها في الكل وكذلك التقييد بالتبليغ إلى الكعبة في هدي جزاء الصيد أوجب ذلك في جميع الهدايا (وحجتنا) في ذلك ظاهر الآية فالمنصوص اسم الرقبة وليس فيه ما ينبئ عن صفة الايمان والكفر فالتقييد بصفة الايمان يكون زيادة والزيادة على النص نسخ فلا يثبت بخبر الواحد ولا بالقياس ثم قياس المنصوص على المنصوص عندنا باطل لانه اعتقاد النقص فيما تولى الله بيانه وذلك لا يجوز وكذلك شروط الكفارات لا تثبت بالقياس كأصلها ولا يجوز دعوى التخصيص هنا لان التخصيص فيما له عموم والمطلق غير العام وامتناع جواز العمياء ونظائرها ليس بطريق التخصيص بل لكونها مستهلكة من وجه كما بينا منع ان التخصيص فيما له لفظ والصفة في الرقبة غير مذكورة ولا يقال بين صفة الكفر والايمان تضاد فإذا جوزنا المؤمنة انتفى جواز الكافرة لان جواز المؤمنة عندنا لانها رقبة لا بصفة الايمان ألا ترى أنا نجوز الصغيرة والكبيرة وبين الصفتين تضاد وكذلك نجوز الذكر والانثى وبين الصفتين تضاد ولكن الجواز باسم الرقبه فكان الوصف فيه غير معتبر فأما حمل المطلق على المقيد فالعراقيون من مشايخنا رحمهم الله يجوزون ذلك في حادثة واحدة كما في قوله ﷺ في خمس من الابل شاة مع قوله في خمس من الابل السائمة شاة ولكن الاصح أنه لا يجوز حمل المطلق على المقيد عندنا في حادثة ولا في حادثتين حتى جوز أبو حنيفة رحمه الله تعالى التيمم بجميع أجزاء الارض لقوله ﷺ
[ 4 ] جعلت لى الارض مسجدا وطهورا ولم يحمل هذا المطلق على المقيد وهو قوله ﷺ التراب طهور المسلم وهذا لان للمطلق حكما وهو الاطلاق وفى حمله على المقيد ابطال حكمه واليه أشار ابن عباس رضى الله تعالى عنه في قوله ابهموا ما أبهم الله وامتناع وجوب الزكاة في غير السائمة ليس لحمل المطلق على المقيد بل للنص الوارد بأن لا زكاة في العوامل واشتراط العدالة في الشهادات ليس لحمل المطلق على المقيد بل للنص الوارد بالتثبت في خبر الفاسق وكذلك وجوب التبليغ إلى الكعبة في جميع الهدايا للنص وهو قوله تعالى ثم محلها إلى البيت العتيق ولو جاز ذلك انما يجوز بعد ثبوت المساواة بين الحادثتين ولا مساواة بين كفارة القتل وبين سائر الكفارات فان القتل من أعظم الكبائر وفيه تفويت رقبة مؤمنة مخاطبة بالايمان بخلاف أسباب سائر الكفارات ففيها من التغليظ ما ليس في غيرها ولهذا لا يكون الاطعام بدلا عن الصيام في كفارة القتل بخلاف كفارة الظهار واشتراط صفة التتابع عندنا في الصوم في كفارة اليمين ليس بطريق حمل المطلق على المقيد بل بقراءة ابن مسعود رضى الله عنه وهى مشهورة وهى لازمة عليهم فانهم لا يشترطون صفة التتابع فيها لحمل المطلق على المفيد ولا معنى لقول من يقول لذلك المطلق أصلان أحدهما مقيد بالتفرق وهو صوم المتعة لان ذلك غير مقيد بالتفرق ولكن لا يجوز قبل يوم النحر لانه مضاف إلى وقت الرجوع بحرف إذا وهو قوله تعالى وسبعة إذا رجعتم فأما الحديث فقد ذكر في بعض الروايات أن الرجل قال علي عتق رقبة مؤمنة أو عرف رسول الله ﷺ بطريق الوحي أن عليه رقبة مؤمنة فلهذا امتحنها بالايمان مع أن في صحة ذلك الحديث كلاما فقد روي أن النبي ﷺ قال أين الله فأشارت إلى السماء ولا نظن برسول الله ﷺ أنه يطلب من أحد أن يثبت لله تعالى جهة ولا مكانا ولا حجة لهم في الآية لان الكفر خبث من حيث الاعتقاد والمصروف إلى الكفارة ليس هو الاعتقاد انما المصروف إلى الكفارة المالية ومن حيث المالية هو عيب يسير على شرف الزوال (قال) ويجزئ الاصم في جميع الكفارات استحسانا وفى القياس لا يجزئ وهو رواية في النوادر لان منفعة السمع مقصودة وبالصمم يفوت ذلك وجه الاستحسان أن بالصمم لا تفوت منفعة السمع أصلاحتي أنه يسمع إذا صاح انسان في اذنه وقبل الرواية التى قال لا يجوز محمول على صمم أصلى
[ 5 ] ولابد وان يكون معه الخرس فانه لم يسمع الكلام ليتكلم وهذا لا يجزى ومراده من الرواية التى قال يجزى إذا كان الصمم عارضا فلا يكون معه الخرس ويسمع عند المبالغة في رفع الصوت (قال) ويجزى الخصى ومقطوع الاذنين ومقطوع المذاكير عندنا ولا يجزئ عند زفر رحمه الله تعالى لانها مستهلكة من وجه بفوات منفعة مقصودة من الآدمى ولكنا نقول بعد قطع الاذنين الشاخصتين السمع باق وانما يفوت ما هو زينة وجمال فلا تصير الرقبة به مستهلكة كفوات شعر الحاجبين واللحية وفى الخصى ومقطوع المذاكير انما تفوت منفعة النسل وهو زائد على ما هو المطلوب من المماليك فاما إذا كان مقطوع اليد والرجل من جانب واحد لا يجزئ لان منفعة المشى فائتة فانه لا يتمكن من المشى بعصا وكذلك ان كان من كل يد ثلاثة أصابع مقطوعة لم يجز لفوات منفعة البطش وقطع أكثر الاصابع في هذا كقطع جميعها وان كان المقطوع من كل يدا صبعا أو أصبعين سوى الابهام يجزئ لان منفعة البطش باقية وان كان مقطوع الابهام كل يد فمنفعة البطش فائتة فلهذا لا يجزى وكذلك لا يجوز المفلوج اليابس الشق لفوات جنس المنفعة منه ولا يجوز عتق أم الولد في الكفارة لان المنصوص عليه الرقبة وذلك اسم للذات حقيقة وللذات المرقوق عرفا وقد دل على الرق قوله تعالى فتحرير رقبة فيقتضى قيام الرق مطلقا وبالاستيلاد يتمكن النقصان في الرق حتى لا يعود إلى الحالة الاولى حال ولان قوله تعالى فتحرير رقبة يقتضي انشاء العتق من كل وجه واعتاق أم الولد تعجيل لما صار مستحقا لها مؤجلا فلا يكون انشاء من كل وجه وولد أم الولد بمنزلة أمه والمدبر كذلك لان بالتدبير صار مستحقا له ولهذا لا يحتمل التدبير الفسخ ويثبت به استحقاق الولاء (قال) ولا يجزى اعتاق المكاتب إذا كان أدى شيئا من بدل الكتابة لانه عتق بعوض والكفارة به لا تتأدى قال ﷺ بشر أمتي بالسناء والتمكين ما لم يبتغوا بعمل الآخرة الدنيا ودليل ان المقبوض عوض أنه لو وجده زيوفارده واستبدل بالجياد ولان الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا في رقه بعد ادائه بعض البدل فكان على رضي الله عنه يقول يعتق بقدر ما أدى وابن مسعود رضى الله عنه يقول إذا أدى قيمة نفسه يعتق واختلاف الصحابة رضى الله عنهم في رقه شبهة مانعة من جواز التكفير به وقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يجوز لان رقه لم ينتقص بما أدى من البدل ولهذا احتمل عقد الكتابة الفسخ بعد استيفاء بعض البدل كما احتمل قبله فاما إذا اعتقه قبل ان
[ 6 ] يؤدى شيئا جاز عن الكفارة عندنا استحسانا وفى القياس لا يجوز وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لان استحقاق العتق والولاء يثبت بعقد الكتابة فوق ما يثبت بالتدبير والاستيلاد ولهذا يصير أحق بمكاسبه ويعتبر الثلث والثلثان من مال الكتابة دون مالية الرقبة ويمتنع على المولى التصرفات فيه فاما ان يقول يتمكن بهذا السبب نقصان في رقه أو يكون كالزائل عن ملك المولى من وجه حتى لو أتلفه يضمن قيمته ولو وطئ مكاتبته يغرم العقر وثبوت حكم الزوال عن ملكه من وجه يكفى للمنع من التكفير ولانه في حق المولى كفائت المنفعة لانه صار أحق بمنافعه ومكاسبه أو لان العتق لما صار مستحقا بالكتابة فإذا أوقعه وقع من الوجه المستحق ولهذا يسلم له الاولاد والا كساب والعتق عند الكتابة لا تتأدى به الكفارة مع ان هذا من المولى اعتاق صورة نمأما في المعنى هو ابراء عن بدل الكتابة ولهذا يسقط مال الكتابة ويسلم له الاولاد والا كساب وهو كما لو أعتقه الوارث بعد موته لا يجزى عن كفارته بالاتفاق (وحجتنا) في ذلك ظاهر الآية ففيها أمر بتحرير الرقبة والتحرير تصيير شخص مرقوق حرا وقد حصل والرقبة اسم لذات مرقوق عرفا والمكاتب كذلك قال ﷺ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ولا يتمكن النقصان في رقه ولا يصير العتق مستحقا له بسبب الكتابة لان حكم العتق في الكتابة متعلق بشرط الاداء ولو علق عتقه بشرط آخر لم بثبت به الاستحقاق فكذلك بهذا الشرط بل أولى لان التعليق بسائر الشروط يمنع الفسخ وبهذا الشرط لا يمنع ولو تمكن نقصان في رقه لما تصور فسخه واعادته إلى الحالة الاولى لان نقصان الرق بثبوت الحرية من وجه وكما أن ثبوت الحرية من جميع الوجوه لا يحتمل الفسخ فكذلك ثبوته من وجه ولان الثابت بالكتابة انفكاك الحجر عنه في حق المكاتب وبذلك لا يتمكن النقصان في رقه كالاذن في التجارة الا أن ذلك فك بغير عوض فلا يكون لازما في حق المولى وهذا فك بعوض فيكون لازما ولكن مع هذا المنافع والمكاسب غير الرقبة فبالتصرف فيها لازما كان أو غير لازم لا يتمكن النقصان في الرق والملك كالاعارة مع الاجارة وبسبب اللزوم يمتنع على المولى التصرف فيه ويلزمه ضمن العقر والارش لان ذلك في حكم المكاسب والمنافع والمكاسب صارت مستحقة له ولكن بهذا الاستحقاق لا تصير الرقبة في حكم المستهلك وإذا ثبت أن العتق لا يصير مستحقا بهذا السبب ظهر ان اعتاق المولى اياه يكون تحريرا مبتدأ من كل وجه فيصير به ممتثلا للامر والدليل عليه انه يسقط به بدل الكتابة ولو كان هذا اعتاقا بجهة الكتابة
[ 7 ] لتقرر به البدل فان تسليم المعوض يوجب تقرير البدل ولا يجوز ان يكون اعتاقه ابراء لانه يحتمل التعليق بالشرط وإذا أعتق نصفه يعتق ذلك القدر والابراء عن نصف البدل لا يوجب عتق شئ منه فاما سلامة الاكساب والاولاد فلانه عتق وهو مكاتب لا لانه عتق بجهة الكتابة كما لو كاتب ام ولده ثم مات المولى عتقت يجهة الاستيلاد وسلم لها الاولاد والاكساب وهذا لان العتق في حق المكاتب واحد والاعتاق من المولى تختلف جهاته ففيما يرجع إلى حق المكاتب جعل هذا ذلك العتق لكونه متحدا وفى حق المولى يجعل اعتاقا بجهة الكفارة لانه قصد ذلك وهو كالمرأة إذا وهبت الصداق من الزوج ثم طلقها قبل الدخول لا يرجع عليها بشئ وتجعل هبتها في حق الزوج تحصيلا لمقصود الزوج عند الطلاق وفى حقها تجعل تمليكا بهبة مبتدأة (قال) فان أعتق عن ظهاره نصيبه من عبد بينه وبين غيره لم يجزه عن كفارته في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وان ضمن نصيب شريكه فاعتق ما بقى منه لان العتق عبده يتجزى فانما عتق نصيبه في الابتداء ونصف الرقبة ليس برقبة ثم يتمكن النقصان في حق النصف الآخر لانه يتعذر عليه استدامة الرق فيه وهذا النقصان في ملك الشريك غير مجز عن الكفارة وبالضمان انما يملك ما بقى منه فإذا أعتقه كان هذا في المعنى اعتاق عبد الا شيئا وعند الضمان انما يستحق عليه السعاية فيما ضمن لشريكه فاعتاقه يكون ابراء عن تلك السعاية فلا تتأدى به الكفارة فاما على قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى العتق لا يتجزي فان أعتق نصيبه عتق كله الا ان المعتق ان كان مؤسرا فهو ضامن لنصيب شريكه ولا سعاية على العبد فكان هذا اعتاقا بغير عوض فيجزى عن الكفارة وان كان معسرا فعلى العبد السعاية في نصيب شريكه فيكون هذا عتقا بعوض فلا تتأدى به الكفارة فأما إذا كان العبد كله له فاعتق نصفه عن كفارته عندهما يعتق كله بغير سعاية ويجوز عن الكفارة وعند أبى حنيفة رحمه الله يعتق نصفه ولا يجوز عن كفارته فان أعتق النصف الباقي بعد ذلك بنية الكفارة في القياس لا بجزيه لما بينا ان باعتاق النصف يتمكن النقصان في النصف الآخر كما في الفصل الاول وفى الاستحسان يجزى لان هذا النقصان بسبب العتق عن الكفارة فلا يمنع الجواز ومعنى هذا ان الرقبة كلها مملوكة له هنا فالنقصان في النصف الآخر انما يحصل في ملكه فيمكن تحريره عن الكفارة إذا أكمله ويجعل كأنه في المرة الاولى أعتق النصف وزيادة ثم أعتق ما بقى بخلاف المشترك وهذا
[ 8 ] نظير الاستحسان فيمن أضجع أضحيته ليذبحها فأصابت السكين عين الشاة لا يمنع جواز التضحية بها استحسانا لان حصول هذا العيب بسبب فعل التضحية (قال) ولا يجزيه العتق بما في البطن عن الكفارة وان ولدته لا قل من ستة أشهر لان الجنين بمنزلة جزء من الام في بعض الاحكام فلا يكون رقبة مطلقة لان الرقبة المطلقة ما يكون نفسا على حدة من كل وجه خصوصا في حكم العتق والجنين بمنزلة الجزء حتى يعتق بعتقها على وجه لا يجوز استثنائه كيدها ورجلها (قال) وان اشترى أباه ينوى به التعق عن ظهاره أجزأه استحسانا في قول علمائنا الثلاثة رضى الله عنهم وفى القياس لا يجزئ وهو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الاول وزفر والشافعي رحمهما الله تعالى وجه القياس أن الواجب عليه التحرير والشراء غير التحرير لان الشراء استجلاب للملك والعتق ابطال له فكانت المغايرة بينهما على سبيل المضادة ولان العتق بسبب القرابة صار مستحقا له عند دخوله في ملكه فلا تتأدي به الكفارة كما لو قال لعبد الغير ان اشتريتك فأنت حر ثم اشتراه ينوى به الكفارة وهذا لان عند وجود الشرط انما يعتق بالسبب الذي حصل الاستحقاق به وهو القرابة ولا يتصور اقتران نية الكفارة بذلك السبب والدليل على أن الاستحقاق بالقرابة أن أحد الشريكين في العبد إذا ادعى سببه يضمن لشريكه قيمة نصيبه كما لو أعتقه توضيحه أن أم هذا الولد استحقت حق العتق عند دخولها في ملكه وذلك مانع اعتاقها عن الكفارة حتى لو قال لها إذا اشتريتك فأنت حرة عن ظهارى لا يجزئه عن الظهار فالابن الذى استحق حقيقة العتق عند دخوله في ملكه أو الاب أولى أن لا يجوز اعتاقه عن الكفارة وهذا لان العتق مجازاة للابوة ومجازاة الابوة فرض فلا يتأدى به واجب آخر وصرف منفعة الكفارة إلى أبيه لا يجوز كالطعام والكسوة (وحجتنا) في ذلك ظاهر الآية ففيها أمر بالتحرير وهو تصيير شخص مرقوق حرا كالتسويد تصيير المحل أسود وقد وجد ذلك وهذا لان شراء القريب اعتاق قال ﷺ ان يجزى ولد والده الا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه أي بالشراء كما يقال أطعمه فأشبعه وسماه بالشراء مجازيا وانما يكون مجازيا بالاعتاق والدليل عليه أنه لو اشترى نصف قريبه يضمن لشريكه ان كان موسرا والضمان الذى يختلف باليسار والاعسار لا يكون الاعن اعتاق وهذا لانه بالشراء يصير متملكا والملك في القريب اكمال لعلة العتق فإذا صار مضافا إلى الشراء يكون به معتقا لان السبب الموجب للحكم بواسطة كالموجب بغير واسطة
[ 9 ] في كون الحكم مضافا إليه والدليل على اثبات هذه القاعدة ان عتق القريب يثبت بالقرابة والملك جميعا قال ﷺ من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر وهذا لان العتق صلة وللملك تأثير في استحقاق الصلة شرعا حتى تجب الزكاة باعتبار الملك صلة للفقراء كما أن للقرابة تأثيرا في استحقاق الصلة وكل واحد من الوصفين لكونه مؤثرا علة ومتى تعلق الحكم بعلة ذات وصفين فالحكم لآخرهما وجودا لان تمام العلة به وآخر الوصفين هنا الملك فيكون به معتقا ولهذا لو ادعي أحد الشريكين نسب نصيبه يضمن لشريكه لان آخر الوصفين وجود القرابة هنا فيصير به معتقا وهو كالشهادة على النسب بعد الموت يوجب ضمان الميراث عند الرجوع لان آخر الوصفين ما أثبته الشهود ولا يدخل على هذا شهادة الشاهد الثاني فانه لا يحال بالاتلاف عليها وان تمت الحجة بها لان الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء والقضاء يكون بهما معا وبهذا تبين فساد قولهم أن العتق مستحق بالقرابة لان الاستحقاق لا يثبت قبل كمال العلة ولانه لا يجبر على الشراء وهذا بخلاف المحلوف بعتقه لان الملك هناك شرط لا أثر له في استحقاق ذلك العتق فيكون معتقا بيمينه ولم تقترن نية الكفارة بها حتى لو اقترنت جاز وقولهم ان العتق بسبب الفرابة فرض قلنا انما يقع العتق بسبب القرابة ويكون مجازاة له إذا قصد ذلك فاما إذا قصد به الكفارة كان هذا في حقه اعتاقا عن الكفارة فهو بمنزلة من فرض عليه نفقة أخيه فصرف إليه زكاة ماله جاز ثم تسقط به النفقة حكما لحصول المقصود وهذا الفقه الذى أشرنا إليه في مسألة الكتابة ان في حق المعتق العتق واحد فيحصل مقصوده من أي وجه نواه المعتق ولكن في حق المعتق تكثر جهاته فيكون عما نوى ليصح قصده وليس هذا نظير أم الولد لان استحقاق العتق لها بالاستيلاد كما قال ﷺ أعتقها ولدها فيكون الملك فيها شرطا للعتق لا إكمالا للعلة ولا معنى لقولهم ان هذا صرف منفعة الكفارة إلى ابيه لانه لما جاز صرف هذه المنفعة إلى عبده جاز صرفها إلى أبيه بخلاف الاطعام والكسوة فصرفه إلى عبده لا يجوز فالى أبيه أولى وكذلك وان وهب له أبوه أو تصدق به عليه أو أوصى له به وهو ينوى عن كفارته فهو على الخلاف الذى بينا لان الملك بهذه الاسباب يحصل بصنعه وهو القبول فاما إذا ورث أباه ينوى به الكفارة لا يجزئه لان الميراث يدخل في ملكه من غير صنعه وبدون الصنع لا يكون محررا والتكفير انما يتأدى بالتحرير ولهذا لا يضمن لشريكه
[ 10 ] إذا ورث نصف قريبه وإذا قال فلان حر يوم اشتريه ثم اشتراه ونوى عن ظهاره لا يجزئه لانه انما يعتق عند الشراء بقوله حر ولم يقترن به نية الكفارة وان كان عنى بقوله هو حر يوم اشتريه عن ظهارى أجزأه لا قتران نية الكفارة بالاعتاق (قال) وان قال إذا اشتريته فهو حر ثم قال إذا اشتريته فهو حر من ظهارى فاشتراه لا يجزى عن الظهار لان التعليق الاول قد صح على وجه لا يملك ابطاله ولا تغييره فانما يحال بالعتق عند الشراء عليه لانه ترجح بالسبق ولم تقترن به نية الكفارة (قال) ولا يجزى ان يعتق عن ظهار واحد نصف رقبة ويصوم شهرا أو يطعم ثلاثين مسكينا لان نصف الرقبة ليس برقبة واكمال الاصل بالبدل غير ممكن فانهما لا يجتمعان فكيف يتحقق إكمال أحدهما بالآخر (قال قيل) ان أعتق نصف رقبتين بان كان بينه وبين شريكه عبدان (قلنا) لا يجوز أيضا لان نصف الرقبتين ليس برقبة والشركة في كل رقبة تمنع التكفير بها بخلاف الاضحية فان رجلين لو ذبحا شاتين بينهما عن أضحيتهما جاز لان الشركة لا تمنع التضحية كما في البدنة (قال) ولو أعتق عبدا عن ظهارين فله أن يجعله عن أيهما شاء ويجامع تلك المرأة وكذلك الصوم والاطعام وفى القياس لا يجوز وهو قول زفر لانعدام نية التعيين ولانه يصير معتقا عن كل ظهار نصف رقبة إذ ليس إحداهما بأولى من الاخرى فهو كما لو أعتق رقبة عن كفارة القتل والظهار ووجه الاستحسان ان نية التعيين في الجنس الواحد لغو غير مفيد فلا تعتبر بخلاف الجنسين ألا تري ان من كان عليه قضاء أيام من رمضان فنوى صوم القضاء جاز وان لم يعين صوم يوم الخميس أو الجمعة لان الجنس واحد بخلاف مالو كان عليه صوم القضاء والنذر فانه لابد فيه من التعيين لاختلاف الجنس (قال) ولو أعتق رجلا عنه بغير أمره لم يجزه عن ظهاره لان المعتق عن المعتق ونيته من غيره لغو لانه يعقب الولاء وليس لاحدان يلزم غيره ولاء بغير أمره فان كان بأمره فهو على وجهين إما ان يكون بجعل أو بغير جعل فان كان بجعل بان قال أعتق عبدك عن ظهارى على الف درهم فاعتقه جاز عن ظهاره استحسانا عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى ووجب المال عليه وفى القياس وهو قول زفر رحمه الله تعالى يعتق عن المعتق والولاء له ولا يجزئ عن ظهار الآمر ولا مال عليه لانه التمس منه محالا وهو أن يعتق ملك نفسه من غيره ولا عتق فيما لا يملكه ابن آدم فكان اعتاق زيد ملكه عن عمرو محالا ولا يجوز اضمار التمليك هنا لان الاضمار لتصحيح المصرح به لا لابطاله
[ 11 ] وإذا أضمرنا التمليك صار معتقا عن الآمر ملكه لاملك نفسه وهو خلاف ما صرح به ولكنا نقول معنى كلامه ملكني عبدك هذا بألف درهم ثم كن وكيلى في اعتاقه عن ظهارى لانه التمس منه اعتاقه عن ظهاره ولا وجه لتصحيح التماسه الا بهذا الاضمار وتصحيح كلام العاقل واجب بحسب الامكان فإذا أمكن تصحيحه بهذا الطريق يصحح لمعنى وهو أن الملك في المحل شرط العتق وشرط الشئ تبعه فيصير كالمذكور بذكر أصله كمن نذر صلاة تلزمه الطهارة ومن نذر اعتكافا يلزمه الصوم ويصير ذلك المذكور وعلى هذا لو قال بعت منك هذا العبد بكذا فقال المشترى هو حر يعتق من جهته ويصير القبول والتمليك ثابتا بمقتضى كلامه ومعنى قوله عبدك يعني العبد الذى هو ملك لك للحال لا عند مصادفة العتق اياه فمقصوده من هذا تعريف العبد لا اضافته إليه والخلاف ثابت فيما لو قال أعتق هذا العبد عني وأما إذا كان بغير جعل بأن قال أعتق عبدك عن ظهارى بغير شئ فأعتقه المأمور على قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى الولاء للمأمور ولا يجزئ عن ظهار الآمر وهو القياس وعلى قول أبى يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى الولاء للآمر ويجزئ عن ظهاره باعتبار اضمار التمليك كما في الاول وهذا لان الملك سواء حصل له بعوض أو بغير عوض يجوز عن كفارته إذا أعتقه ولا يجوز أن يقال الملك بطريق الهبة لا يحصل الا بالقبض لان القبض في باب الهبة كالقبول في البيع فكما سقط اعتبار القبول هناك لكون البيع في ضمن العتق فكذلك يسقط اعتبار القبض هنا أو يجعل القبض مدرجا في كلامه حكما كما يندرج القبول في كلامه أو يجعل العبد قابضا نفسه من المولى له كما لو قال أطعم عن ظهارى ستين مسكينا يجوز بغير بدل علي أن يقبض الفقير له ثم لنفسه والدليل عليه أنه لو قال أعتقه عني بالف ورطل من خمر فأعتقه جاز عن الآمر ويندرج البيع الفاسد هنا والملك بالبيع الفاسد لا يحصل الا بالقبض كما في الهبة وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى يقولان مستوهب أمر بالعتق قبل القبض فلا يجزى عنه كما لو استوهبه العبد نصا ثم قال قبل قبضه اعتقه وهذا لان القبض في باب الهبة شرط لوقوع الملك على وجه لا يجوز اسقاطه بحال فلا يسقط بالاندراج في العتق لان المسقط انما يعمل في محله لا في غير محله بخلاف القبول في البيع فانه يحتمل السقوط حتى لو قال بعت منك هذا الثوب بعشرة فاقطعه فقطعه صار متملكا وان لم يقبل وهذا لان الايجاب مع القبول قد يحتمل السقوط في البيع
[ 12 ] وهو عند التعاطى فمجرد القبول أولى أن يحتمل السقوط وبه فارق البيع الفاسد لان الفاسد في الحكم ملحق بالجائز والقبض هناك نظير القبول هنا في أنه يحتمل الاسقاط ولا يجوز أن يجعل القبض مدرجا في كلامه هنا لان القبض فعل والقول لا يتضمن الفعل انما يتضمن قولا مثله والقبول قول فيجوز أن يندرج في كلامه ولا يجوز أن يجعل العبد قابضا نفسه هنا لان الاعتاق ابطال للملك والمالية والعبد اثما يقبض ما يسلم له دون مالا يسلم له وبه فارق الطعام فان المسكين يقبض عين الطعام فيمكن أن يجعل قابضا للآمر أولا ثم لنفسه ولكن العبد ينتفع بهذا الاعتاق فمن هذا الوجه يندرج فيه أدنى القبض ولكن ادنى القبض يكفى في البيع الفاسد ولا يكفي في الهبة كالقبض مع الشيوع فيما يحتمل القسمة ومع الاتصال في الثمار على رؤس الاشجار يكفى لوقوع الملك في البيع الفاسد دون الهبة وبهذا يتضح الفرق بين هذه الفصول (قال) ولو أعتق المظاهر عبده على جعل لم يجز قل الجعل أو كثر لان التكفير بما يخلص لله تعالى وعمله في العتق بجعل لا يكون خالصا لله تعالى لانه قصد به العوض ولهذا قال ﷺ فيما يؤثر عن ربه عزوجل يقول الله تعالى انا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لى عملا واشرك فيه غيرى فهو كله لذلك الشريك وأنا منه برئ وان وهب له الجعل بعد ذلك لم يجزه عن الكفارة لان هذا إبراء عن الدين ولا مدخل للابراء عن الدين في الكفارات والله أعلم بالصواب (باب الصيام في الظهار) (قال) وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق عن ظهاره فعليه صيام شهرين متتابعين بالنص فان أفطر فيهما يوما لمرض أو لغيره فعليه استقبال الصيام لفوات صفة التتابع بفطره والواجب المقيد بوصف شرعا لا يتأدى بدونه وكذلك ان أيسر قبل ان يفرغ من الصوم انتقض صيامه وعليه العتق لانه قدر على الاصل قبل حصول المقصود بالبدل فان المقصود اسقاط الكفارة عنه وذلك لا يحصل قبل تمام الشهرين وهو كالمتيمم إذا وجد الماء قبل الفراغ من الصلاة والطارئ من اليسار قبل حصول المقصود كالمقترن بحالة الشروع في الصوم ومعنى قوله انتقض صومه في حكم جوازه عن الكفارة فاما أصل الصوم باق فيستحب اتمامه نفلا لان اليسار لا يمنع ابتداء الصوم انما يمنع التكفير به (قال) ولو صام شهرين أحدهما شهر
[ 13 ] رمضان لم يجزه عن الظهار لانه لم يشرع في شهر رمضان الاصوم واحد وهو الفرض فلا يصح التكفير به لان وجوب الكفارة في ذمته وما في الذمة انما يتأدى بما للمرء لا بما عليه وقد قررنا هذا في كتاب الصوم وبينا اختلاف أبى حنيفة رحمه الله تعالى مع صاحبيه رحمهما الله في المسافر وإذا لم يجز صومه في شهر رمضان عن الظهار فعليه أن يستقبل بعد يوم الفطر شهرين لانقطاع التتابع في حق صوم الكفارة وكذلك لو دخل صومه يوم النحر أو أيام التشريق فعليه استقبال الصوم صام في هذه الايام أولا لان الصوم في هذه الايام منهى عنه فلا يتأدى به الواجب في ذمته وينقطع التتابع بتخلل هذه الايام لانه يجد شهرين خاليين عن هذه الايام (قال) ولا يجزى الصوم لمن له خادم لانه واجد لما يتأدى به الاصل فلا يتأدى الواجب بالبدل بخلاف من له مسكن فقط لانه غير واجد لما هو الاصل وهو محتاج إلى المسكن فجعل ملكه فيه كالمعدوم لكونه مشغولا بحاجته وقد بينا في كتاب الزكاة ان ملك المسكن يزيد في حاجته والخادم كذلك الا انه عين المنصوص عليه فلا معتبر بالمعنى فيه وان كان له دراهم أو دنانير يجد بها رقبة لم يجز الصوم لقوله تعالى فمن لم يجد والواجد لثمن الرقبة كالواجد لعينها ألاتري ان في حكم التيمم الواجد لثمن الماء كالواجد لعينه وهذا لان الوجود عبارة عن التيسر دون الغنى وبملك الدراهم والدنانير يتيسر عليه تحصيل ما يعتق ويسار التيسر ينفي الشرط المنصوص وهو عدم الوجود (قال) وإذا ظاهر من أربع نسوة له فاعتق رقبة ليس له غيرها ثم صام أربعة أشهر متتابعة ثم مرض فاطعم ستين مسكينا ولم ينوفى ذلك واحدة بعينها أجزأه عنهن استحسانا لما بينا ان نية التمييز غير معتبرة في الجنس الواحد وقد أعتق حين وجد ثم صام حين لم يجد ما يعتق وذلك كفارته ثم أطعم حين لم يستطع الصوم وذلك كفارته لان المعتبر عدم الاستطاعة عند التكفير بالاطعام وذلك يتحقق بمرضه ولا يشترط استدامة العذر بعد التكفير ثم فيما أدى وفاء بالواجب عليه فيجزيه (قال) وإذا بانت من المظاهر امرأته ثم كفر عنها وهي تحت زوج أو مرتدة لاحقة بدار الحرب جازت الكفارة عنه لان الحرمة الثابتة بالظهار باقية بعد البينونة والكفارة واجبة بدليل أنه لو تزوجها لم يكن له أن يقربها حتى يكفر ولو سقطت لم يعد بالتزوج وإذا ثبت بقاء الواجب صح إسقاطه بادائه وان كانت لا تحل له للحال لكونها مرتدة أو ذات زوج وهذا لان اداء الكفارة يرفع الحرمة الثابتة بالظهار
[ 14 ] ولا يوجب حل المحل (قال) وإذا ارتد الزوج والعياذ بالله ثم اعتق عبدا له عن ظهاره ثم أسلم أجزى عنه وهذا بناء على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان الظهار يبقى بعد ردته عنده وطعن عيسى رحمه الله تعالى فقال هذا الجواب غلط لان الكفارة انما تتأدى بعتق هو قربة خالصة ولهذا لا يتأدى بالعتق بجعل والمرتد ليس من أهل القربة ولا تتأدى الكفارة الابنية العبادة والمرتد ليس من أهلها وما ذكره في الكتاب أصح لان تصرفات المرتد موقوفة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فانما ينفذ عتقه بعد اسلامه وكما توقف أصل عتقه توقف نيته فيصير بعد الاسلام كالمجدد لذلك كله ولا يبعدان يتوقف حكم النية كمن أبهم النية عند الاحرام تتوقف على ان يكون حجا أو عمرة لتعيينه في الثاني ويجعل عند التعيين كانه جدده وهذا لانه بعدما أسلم يبطل حكم ردته ولهذا يعاد إليه من أملاكه ما كان قائما بعينه في يد وارثه فكذلك يبطل ما ينبني على ردته وهو فساد نيته (قال) وان أكل في صوم الظهار ناسيا لصومه لم يضره وكذلك ان جامع غير التى ظاهر منها لان حرمة هذا الفعل عليه لاجل الصوم فيختلف بالنسيان والعمد بخلاف مالو جامع التى ظاهر منها عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فان حرمة ذلك الفعل ليس لاجل الصوم ألا ترى انه كان محرما قبل الشروع في الصوم فيستوى فيه النسيان والعمد ثم ان صام المظاهر شهرين بالاهلة أجزأه وان كان كل شهر تسعة وعشرين يوما وان صام لغير الاهلة ثم أفطر لتمام تسعة وخمسين يوما فعليه الاستقبال لان الاهلة أصل والايام بدل كما قال ﷺ صوموا لرؤيته فان غم عليكم الهلال فاكملوا شعبان ثلاثين يوما فعند وجود الاصل وهي الاهلة لا معتبر بالايام وعند عدم الاصل الاعتبار بالايام فلايتم الشهران الا بستين يوما فان صام خمسة عشرو يوما ثم صام شهرا بالاهلة تسعة وعشرين ثم خمسة عشر يوما اجزأه وهذا بناء على قولهما فاما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يجزيه وقد بينا هذا في حكم العدة ان عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان ابتداء الشهر بالايام يعتبر كله بالايام لانه ما لم يتم الشهر الاول لا يدخل الشهر الثاني وعندهما الاعتبار بالايام فيما تعذر عليه الاعتبار بالاهلة وهو الشهر الواحد فقط والله أعلم باب الاطعام في الظهار (قال) رضى الله عنه ويجزيه ان يدعو ستين مسكينا فيغديهم ويعشيهم وهو قول علمائنا ان
[ 15 ] الاطعام في الكفارات يتأدى بالتمكين من الطعام وعند الشافعي لا يتأدى الا بالتمليك من الفقير وكان أحمد بن سهل رضى الله تعالى عنه يقول لا يتأدى بالتمليك وانما يتأدى بالتمكين فقط لظاهر قوله تعالى فاطعام ستين مسكينا والاطعام فعل متعد ولازمه طعم يطعم وذلك الاكل دون الملك ففي التمليك لا يوجد الاطعام وانما يوجد ذلك في التمكين لانه لا يتم ذلك الا بان يطعم المسكين والكلام محمول على حقيقته والشافعي رحمه الله يقول الاطعام يذكر للتمليك عرفا يقول الرجل لغيره أطعمنك هذا الطعام أي ملكتك والمقصود سدخلة المسكين واغناؤه وذلك يحصل بالتمليك دون التمكين فإذا لم يتم المقصود بالتمكين لا يتأدى الواجب كما في الزكاة وصدقة الفطر وقاس بالكسوة فانه لو أعار المساكين ثيابا فلبسوا بنية الكفارة لا يجوز فكذلك الاطعام والجامع انه أحد أنواع التكفير (وحجتنا) في ذلك ان المنصوص عليه الاطعام وحقيقة ذلك في التمكين والمقصود به سد الخلة وفى التمليك تمام ذلك فيتأدى الواجب بكل واحد منهما أما بالتمليك فلان الاكل الذى هو المنصوص جزء مما هو المقصود بالتمليك لانه إذا ملك فاما ان يأكل أو يصرف إلى حاجة أخرى فيقام هذا التمليك مقام ما هو المنصوص عليه لهذا المعنى ويتأدي بالتمكين لمراعاة عين النص والدليل عليه انه يشبهه بطعام الاهل فقال من أوسط ما تطعمون أهليكم وذلك يتأدى بالتمليك تارة وبالتمكين أخرى فكذا هذا لان حكم المشبه حكم المشبه به وليس بهذا كالسكوة لان الكسوة بكسر الكاف عين الثوب فأما الفعل بفتح الكاف كسوة وهو الالباس فثبت بالنص أن التكفير بعين الثوب لا بمنافعه والاعارة والالباس تصرف في المنفعة فلا يتأدى به الواجب فأما في التمكين من الطعام المسكين طاعم للعين وبالتميكن يحصل الاطعام حقيقة وهذا بخلاف الزكاة فالواجب هناك فعل الايتاء بالنص وفى صدقة الفطر الواجب فعل الاداء وذلك لا يحصل بالتمكين بدون التمليك وبمعرفة حدود كلام صاحب الشرع يحسن فقه الرجل ثم المعتبر في التمكين أكلتان مشبعتان اما الغداء والعشاء واما غداآن أو عشاآن لكل مسكين فان المعتبر حاجة اليوم وذلك بالغداء والعشاء عادة ويستوى في خبز البر أن يكون مأدوما أو غير مأدوم وفي الكتاب أطلق الخبز ومراده خبز البر وقد فسره في الزيادات وهذا لان المسكين يستوفى منه حاجته وان لم يكن مأدوما بخلاف خبز الشعير فانه لا يستوفي منه تمام حاجته الا إذا كان مأدوما وكذلك لو غداهم وعشاهم بسويق وتمر
[ 16 ] قالوا وهذا في ديارهم فانهم يكتفون بذلك عادة ويستوفون منه حاجتهم فأما في ديارنا لابد من الخبز وهذا كله بمنزلة طعام الاهل ويعتبر فيه الاكلتان المشبعتان مما يكون معتادا في كل موضع فقد قالت الصحابة رضوان الله عليهم أعلى ما يطعم الرجل أهله الخبز واللحم وأوسط ما يطعم الرجل أهله الخبز واللبن وأدني ما يطعم الرجل أهله الخبز والملح (قال) وان اختار التمليك أعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير لا يجزئه دون ذلك عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لكل مسكين مد من بر لحديث الاعرابي في كفارة الفطر فان النبي ﷺ أعطاه خمسة عشر صاعا وقال فرقها على ستين مسكينا ولكنا نستدل بحديث أوس بن الصامت وسلمة بن صخر البياضى رضى الله عنهما فقد ذكر في الحديثين اطعام ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع من بر وحديث علي وعائشة رضى الله عنهما قالا لكل مسكين مدان من بر وعن عمر وابن عباس رضى الله عنهما لكل مسكين نصف صاع من حنطة ولان المعتبر حاجة اليوم لكل مسكين فيكون نظير صدقة الفطر ولا يتأدى ذلك بالمد بل بما قلنا فكذلك هذا وذكر في بعض الروايات في حديث الاعرابي فرقها ومثلها معها ثم هذا الاستدلال من الشافعي رحمه الله تعالى لا يستقيم لان الصاع لا يتقدر بأربعة امناء عنده وان أعطى قيمة الطعام كل مسكين أجزأه لحصول المقصود وهو سد الخلة وهو عندنا وقد بيناه في الزكاة (قال) وان أعطى من صنف من ذلك أقل مما سميناه وهو يساوى كمال الواجب من جنس آخر لم يجزه الاعن مقداره معناه إذا أعطى كل مسكين مدا من بر يساوى صاعا من شعير أو نصف صاع من تمر يساوى نصف صاع من حنطة وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يجزئه لان المقصود يحصل بالمؤدى وهو كاعطاء القيمة ألا ترى أنه لو كسا عشرة مساكين ثوبا واحد في كفارة جاز عن الطعام إذا كانت قيمة نصيب كل واحد منهم مثل قيمة الطعام ولكنا نقول المؤدى عين المنصوص ولا معتبر بالمعنى في المنصوص بل يعتبر عين النص بخلاف الكسوة فالمنصوص عليه ما يحصل به الاكتساء وبعشر الثوب لا يحصل ذلك لكل مسكين فلم يكن المؤدى منصوصا عليه فيعتبر المعنى فيه توضيحه ان في اقامة صنف مقام صنف ابطال التقدير المنصوص عليه في كل صنف وكل تعليل يتضمن ابطال النص فهو باطل وليس في الكسوة تقدير منصوص عليه فاقامته مقام الطعام لا يؤدى إلى ابطال التقدير المنصوص
[ 17 ] عليه ولان المقصود بالكسوة غير المقصود بالطعام فللمغايرة يجوز اقامة أحدهما مقام الآخر والمقصود بأصناف الطعام واحد فاعتبار عين المؤدى فيه أولى فإذا كان المؤدى لكل مسكين مدا من بركه عليه ان يعيد على كل واحد منهم بمد آخر ليصل إلى كل واحد منهم ما قدر نصا (قال) وان لم يجدهم استقبل الطعام ولا يجزئه أن يطعم ستين مسكينا آخرين مدا مدا لان الواجب عليه ايصال نصف صاع إلى كل مسكين ليحصل به سد الخلة وزوال الحاجة في يومه وذلك لا يحصل بصرف نصف الوظيفة إلى كل مسكين (قال) ولو أعطى كل مسكين مدار من بر ومدين من شعير أو تمر اجزأه لان كل واحد منهما أصل والمقصود يحصل بأداء نصف الواجب من كل صنف وهو زوال حاجته في يومه ولو أطعم الطعام كله مسكينا واحدا لم يجزه في دفعة واحدة لان الواجب تفريق الفعل بالنص فإذا جمع لا يجزيه الا عن واحد كالحاج إذا رمى الحصيات السبع دفعة واحدة ولو أعطاه في ستين يوما أجزأه عندنا ولا يجزئه عند الشافعي رحمه الله تعالى لان الواجب عليه بالنص اطعام ستين مسكينا والمسكين الواحد بتكرر الايام لا يصير ستين مسكينا فلا يتأدى الواجب بالصرف إليه وشبه هذا بالشهادة فان الشاهد الواحد وان كرر شاهدته في مجلسين لا يصير في معني شاهدين ولكنا نقول فيما هو المقصود المسكين الواحد بتجدد الايام في معنى المساكين لان المقصود سد الخلة وذلك يتجدد له بتجدد الايام فكان هو في اليوم الثاني في المعني مسكينا آخر لتجدد سبب الاستحقاق له ولان الاطعام يقتضى طعاما لا محالة فمعنى الآية فاطعام طعام ستين مسكينا وقد أدى ذلك وبه فارق الشهادة لان المقصود طمأنينة القلب هناك وبتكرار الواحد شهادته لا يحصل هذا المقصود ولم يذكر مالو فرق الفعل في يوم واحد ولا اشكال في طعام الاباحة أنه لا يجوز الا بتجدد الايام لان الواحد لا يستوفى في يوم واحد طعام ستين مسكينا فأما في التمليك فقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى يجوز لان التمليك أقيم مقام حقيقة الاطعام والحاجة بطريق التمليك ليس لها نهاية فإذا فرق الدفعات جاز ذلك في يوم واحد كما في الايام واستدلوا على هذا بما ذكر في كتاب الايمان أنه لو كسا مسكينا واحدا في عشرة أيام كسوة عشرة مساكين أجزأه لتفرق الفعل وان انعدام تجدد الحاجة في كل يوم والدليل عليه أنه بعد ما أخذ وظيفته في ذلك اليوم لو صرف إليه رجل آخر طعام مسكين عن كفارته يجوز ذلك فكذلك إذا صرف إليه ذلك الرجل طعام مسكين آخر وبعضهم
[ 18 ] قالوا لا يجوز لان المعتبر سد الخلة ولهذا لا يجوز صرفه إلى الغنى لانه طاعم بملكه واطعام الطاعم لا يتحقق كما أن التمليك من المالك لا يتحقق وبعدما استوفي وظيفته في هذا اليوم لا يحصل سد خلته بصرف وظيفة أخرى في هذا اليوم إليه بخلاف كفارة أخرى لان المستوفى في حكم تلك الكفارة كالمعدوم ولا يتمكن أن يجعل مثله في حق هذه الكفارة وبخلاف الثوب لان تجدد الحاجة إليه يختلف باختلاف أحوال الناس فيه فلا يمكن تعليق الحكم بعينه لتعذر الوقوف عليه فيقام تجدد الايام فيه مقام تجدد الحاجة تيسيرا (قال) ولو أطعم سنين مسكينا كل مسكين صاعا من حنطة من ظهارين في امرأة واحدة أو امرأتين لم يجز الا من احدهما في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ويجزئه في قول محمد رحمه الله تعالى لان في المؤدى وفاء بوظيفة الكفارتين والمصروف إليه محل الكفارتين فيجزئه كما لو أعطى عن كفارة نصف صاع على حدة لكل مسكين والدليل عليه لو كانت الكفارتان من جنسين إحداهما كفارة الظهار والاخرى كفارة الفطر أجزأ عنهما بالنية بالاجماع فكذلك إذا كانتا من جنس واحد وهما يقولان زاد في الوظيفة ونقص عن المحل فلا يجزئه الا بقدر المحل كما لو أعطى ثلاثين مسكينا في كفارة واحدة كل مسكين صاعا وبيان ذلك أن الواجب عليه في كل كفارة طعام ستين مسكينا فمحل اطعام الظهارين مائة وعشرون مسكينا وقد نقص عن المحل وزاد في الواجب لان الواجب لكل مسكين نصف صاع وقد أدى صاعا وحقيقة المعنى فيه ان في الجنس الواحد كما لا تعتبر نيته في التمييز لا تعتبر نيته في العدد فنيته عن ظهارين وعن ظهار واحد سواء بخلاف ما إذا كانتا من جنسين لان نية التعيين معتبرة عند اختلاف الجنس فكذلك تعتبر نيته عن الكفارتين ليكون عن كل واحدة منهما نصف المؤدى (قال) ولا يجزئه أن يعطى من هذه الكفارة من لا يجزئه أن يعطيه من زكاة المال وقد بينا ذلك في كتاب الزكاة الا فقراء أهل الذمة فانه يعطيهم من هذه الكفارة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفقراء الاسلام أحب الينا ولا يجزيه أن يعطى فقراء أهل الحرب وان كانوا مستأمنين في دارنا وقد بينا هذا الفصل بتمامه في صدقه الفطر وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان ما أوجبه على نفسه بنذره يجوز صرفه إلى فقراء أهل الذمة فاما ما أوجبه لله تعالى عليه لا يصرفه الا إلى فقراء المسلمين كالزكاة وهذه الرواية مخالفة للرواية المشهورة عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى (قال) فان أعتق عبدا حربيا في دار الحرب لم يجزه عن
[ 19 ] الظهار لانه معتق بلسانه مسترق بيده وهو محل للاسترقاق فلا ينفذ عتقه فان أعتقه في دار الاسلام أجزأه لان عتقه ينفذ في دار الاسلام وهو ذمي تبع لمولاه ألا ترى أنه لا يمكن من الرجوع إلى دار الحرب فهو كاعتاق الذمي وقد بيناه ولم يذكر اعناق العبد المرتد عن ظهاره وقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان المرتدة تجزى بخلاف المرتد لان المرتد مشرف على الهلاك فانه يقتل بخلاف المرتدة وذكر الكرخي في المختصر أنه لو أعتق عبدا حلال الدم عن الظهار أجزأه لان العتق يتحقق فيه وما عليه حق مستحق فلا يمنع جواز التكفير به كما لو كان مديونا أو مرهونا (قال) ولو أعتق المديون جاز عن الكفارة وان كان عليه السعاية في الدين وكذلك لو أعتق المرهون جاز عن الكفارة وان كان الراهن معسرا وسعى العبد في الدين لان تلك السعاية ليست في بدل رقبته حتى يرجع به على الراهن إذا أيسر فلا يكون هذا عتقا بجعل بخلاف المريض مرض الموت إذا أعتق عبدا عن ظهاره ولا مال له سواه لانه يسعى في ثلثى قيمته للورثة وتلك السعاية بدل رقبته فيكون ذلك في معنى عتق بجعل (قال) ولو تصدق عنه رجل بغير أمره لم يجزه لان أحدا لا يملك أن يدخل الشئ في ملك غيره بغير رضاه وبدون ملكه لاتتأدى كفارته ولو تصدق عنه بأمره أجزأه وقد بينا الفرق بينه وبين العتق وقررنا طريق الحق أنه يجعل المسكين نائبا في القبض له أولاثم لنفسه وان صام عنه بأمره أو بغير أمره لا يجزئه لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنه لا يصوم أحد عن أحد وقد بينا هذا في كتاب الصوم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب الايلاء) (قال) رضى الله تعالى عنه الايلاء في اللغة هو اليمين قال القائل قليل الالايا حافظ ليمينه وان بدرت منه الالية برت وفى الشريعة عبارة عن يمين يمنع جماع المنكوحة هكذا نقل عن إبراهيم رحمه الله وقد كان الايلاء طلاقا في الجاهلية فجعله الشرع طلاقا مؤجلا بقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر وإذا حلف الرجل لا يجامع امرأته أبدا أولم يقل أبدا فهو مول لان مطلق اللفظ فيما يتأبد يقتضى التأبيد وبعد ما صار موليا ان جامعها قبل تمام أربعة أشهر فعليه كفارة
[ 20 ] الميين لوجود شرط الحنث وقد سقط الايلاء لان ثبوت حكم الايلاء بقصده الاضرار والتعنت بمنع حقها بالجماع وقد زال ذلك حين أوفاها حقها وهو الفئ المذكور في قوله تعالى فان فاؤا فان الله غفور رحيم لان الفئ عبارة عن الرجوع يقال فاء الظل إذا رجع وقد رجع عما قصد من الاضرار حين جامعها ولهذا قال بعض الناس ليس عليه كفارة لان الله تعالى وعده بالرحمة والمغفرة بقوله تعالى فان فاؤا فان الله غفور رحيم ولكنا نقول حكم الكفارة عند الحنث ثابت بقوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته الآية وان مضت المدة قبل أن يفئ إليها طلقت تطليقة بائنة عندنا وكان معنى الايلاء ان مضت أربعة أشهر ولم اجامعك فيها فانت طالق تطليقة بائنة هكذا نقل عن على وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعائشة رضوان الله عليهم أجمعين قالوا عزيمة الطلاق مضى المدة وعند الشافعي لا يقع الطلاق بمضي المدة ولكنه يوقف بعد المدة حتى يفئ إليها أو يفارقها فان أبى ان يفعل فرق القاضى بينهما وكان تفريقه تطليقة بائنة والكلام في فصلين (أحدهما) ان عنده الفئ بعد مضي المدة لان الله تعالى قال للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فبين ان هذه المدة للزوج لا عليه وانما تكون المدة له إذا كان الامر موسعا عليه والتضييق بعده فاما إذا كان مطالبا بالجماع في المدة فلا تكون المدة له ثم قال الله تعالى فان فاؤوا وحرف الفاء للتعقيب عرفنا ان الفئ الذى يؤمر به الزوج بعد مضى المدة وعندنا الفئ في المدة بقراءة ابن مسعود رضى الله عنه فان فاؤا فيهن وقراءته لا تتخلف عن سماعه من رسول الله ﷺ والتقسيم في قوله تعالى وان عزموا الطلاق دليل على ان الفئ في المدة وعزيمة الطلاق بعده كما في قوله تعالى فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف والامساك بالمعروف بالمجامعة في المدة والتسريح بالاحسان بتركها حتى تبين بمضي المدة وهذا التربص مشروع للزوج لان الايلاء كان طلاقا معجلا فجعل الشرع للزوج فيه مدة أربعة أشهر حتى مكنه من التدارك في المدة وجعل الطلاق مؤخرا إلى ما بعد المدة (والفصل الثاني) أن الفرقة عنده لا تقع الا بتفريق القاضى بينهما أو بايقاع الزوج الطلاق لان الله تعالى قال فان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم وهو إشارة إلى ان عزيمة الطلاق بما هو مسموع وذلك بايقاع الطلاق أو تفريق القاضى والمعنى فيه أن التفريق بينهما لدفع الضرر عنها عند فوت الامساك بالمعروف فلا يقع الا بتفريق القاضى كفرقه العنين فان بعد مضى المدة
[ 21 ] هناك لا تقع الفرقة الا بتفريق القاضي بل أولى لان الزوج هناك معذور وهنا هو ظالم متعنت والقاضي منصوب لازالة الظلم فيأمره أن يوفيها حقها أو يفارقها فان أبى ناب عنه في ايقاع الطلاق وهو نظير التفريق بسببب العجز عن النفقة على قوله (وحجتنا) في ذلك قوله تعالى وان عزموا الطلاق فذكر عزيمة الطلاق بعد ذكر المدة فهو إشارة إلى أن ترك الفئ في المدة عزيمة الطلاق عند مضي المدة وقد روى ان رسول الله ﷺ قال عزيمة الطلاق مضى أربعة أشهر وقد أضاف إلى الزوج فدل أن الطلاق يتم به من غير حاجة إلى قضاء القاضي ومعنى قوله تعالى فان الله سميع عليم سميع لايلائه عليم بقصده الاضرار ولان هذه المدة مدة تربص بعد ما أظهر الزوج من نفسه انه غير مريد لها فتبين بمضيها كمدة العدة بعد الطلاق الرجعى ولا فرق لان هناك الزوج بالطلاق يظهر كراهية صحبتها فيصير في المعنى كأنه علق البينونة بمضي المدة قبل أن يراجعها وهنا هو بيمينه يظهر كراهيتها فيصير كأنه علق البينونة بمضي الوقت قبل أن يفئ إليها ولهذا جعلنا الواقعة تطليقة بائنة لان المقصود دفع ضرر التعليق عنها وذلك لا يحصل بالتطليقة الرجعية ولكن العدة هنا تجب هنا بعد وقوع الطلاق بمضي المدة لان وقوع الطلاق بعده وهناك الطلاق كان واقعا فجعلنا الاقراء محسوبة من العدة وكذلك لو حلف لا يقربها أبدا لان القربان متى ذكر مضافا إلى النساء فالمراد به الجماع وان قال الزوج لم أعن الجماع لم يصدق في القضاء لانه قصد تغيير اللفظ عن الظاهر المتعارف فلا يصدق في القضاء هنا ولا في الفصل الاول ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لان حقيقة معنى الجماع هو الاجتماع ففيما نوى به مما سوى الجماع هو محتمل فيدين فيما بينه وبين الله تعالى وان حلف لا يدخل عليها وقال لم أعن الجماع فهو مصدق في القضاء لان الدخول عليها لفظ مشترك يستعمل في الجماع ولزيارة وغير ذلك فالمنوى غير مخالف للظاهر وحرف الصلة يدل عليه وهو على فانه إذا كان المراد الجماع يقال دخل بها وكذلك لو حلف ليغيظنها أو ليسوءنها أو لا يجمع رأسه ورأسها شئ أو لا يمسها وفي نسخ أبى سليمان أو لا يلامسها فهذه الالفاظ تطلق في الجماع وغير الجماع فان نوى بها الجماع كان موليا وان نوى غير الجماع لم يكن موليا لان المولى من لا يتمكن من الجماع في المدة الا بشئ يلزمه حتى يتحقق اضراره بمنع حقها في الجماع وان حلف لا يمس جلده جلدها وعنى به حقيقة المس فالحنث هنا يحصل بدون الجماع
[ 22 ] فلا يكون ايلاء ويمكنه أن يجامعها من غير أن يلزمه شئ بان يلف آلته في حريره ثم يدسه فيها وقال في رواية أبى حفص رحمه الله تعالى إذا حلف لا يأتيها وعنى الجماع فهو مول وان قال لم أعن الجماع صدق في القضاء مع يمينه لان الاتيان قد يراد به الجماع ويراد به الزيارة أو الضرب فكان اللفظ محتملا والمحتمل لا يوجب شيئا بدون النية وكذلك لو حلف لا يغشاها فهو مدين في القضاء لان الغشيان يراد به الجماع قال الله تعالى فلما تغشاها ويراد به غير الجماع قال الله تعالى وإذا غشيهم موج وكذلك لو حلف لا يقرب فراشها فلفظ القرب اضافه إلى فراشها لا إليها ولذلك يحتمل الجماع وغيره فان عني الجماع فهو مول والا فليس بمول لانه يتمكن من ان يجامعها من غير حنث إما على الارض أن بان تدخل هي فراشه من غير أن يقرب هو فراشها وان حلف لا يباضعها فهو مول ولا يصدق في القضاء لان ظاهر اللفظ للجماع فان المباضعة ادخال البضع في البضع فلا يصدق في صرف اللفظ عن ظاهره وكذلك لو حلف لا يغتسل منها من جنابة لان الاغتسال منها انما يكون بالجماع في الفرج خاصة فأما بالجماع فيما دون الفرج يكون اغتسالا من الانزال لامنها وإذا كان ظاهر لفظه للجماع في الفرج لم يصدق في صرف اللفظ عن ظاهره وكان موليا بمنعه حقها بيمينه فان حقها في الجماع في الفرج لا فيها دونه (قال) وإذا حلف لا يقربها أقل من أربعة أشهر لم يكن موليا عندنا وقال ابن أبى ليلى هو مول ان تركها أربعة أشهر بانت بالتطليقة وهكذا كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول في الابتداء فلما بلغه فتوى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما لا ايلاء فيما دون أربعة أشهر رجع عن قوله وابن أبى ليلى استدل بظاهر الآية قال الله تعالى للذين يؤلون من نسائهم والايلاء هو اليمين فتقييد اليمين بمدة أربعة أشهر يكون زيادة ولكنا نقول المولى من لا يملك قربان امرأته في المدة الا بشئ يلزمه وإذا عقد يمينه على شهر فهو يتمكن من قربانها بعد مضى الشهر من غير أن يلزمه شئ فلم يكن موليا كما في ترك مجامعتها مدة بغير يمين (قال) وكل ما حلف به على أربعة أشهر أو أكثر أن لا يقربها مما يكون به حالفا فهو مول عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا عقد يمينه على أربعة أشهر لم يكن موليا بناء على الاصل الذى بينا أن تضييق الامر عنده بعد مضي المدة فإذا كانت المدة أربعة أشهر ينتهى اليمين بمضيها فلا يمكن تضييق الامر عليه بعد ذلك لانه يتمكن من قربانها من غير أن يلزمه شئ وإذا كانت المدة أ كثر
[ 23 ] من أربعة أشهر فتضييق الامر عليه بعد مضى المدة ممكن وعندنا مجرد مضى المدة عزيمة الطلاق فإذا كانت المدة أربعة أشهر يتم معني الايلاء به وتقع الفرقة بمضيه ثم اليمين نوعان أحدهما ما يقصد به تعظيم المقسم به والثانى الشرط والجزاء والاول يعرفه أهل اللغة فاما الشرط والجزاء يمين عند الفقهاء ولا يعرفه أهل اللغة وبكل واحد من النوعين يثبت حكم الايلاء فإذا قال أحلف أو أحلف بالله لا أقربك فهو مول عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى في قوله أحلف بالله كذلك فاما في قوله أحلف عنده لا يكون يمينا ولكنه وهدأن يحلف بهذا اللفظ (ولكنا) نستدل بقوله تعالى يحلفون لكم لترضوا عنهم وقال الله تعالى يحلفون بالله لكم ليرضوكم فدل ان كل واحد منهما يمين سواء ذكر قوله بالله أو أطلق لان الحلف في الظاهر يكون بالله وكذلك لو قال أشهد أو أشهد بالله فعند زفر رحمه الله تعالى قوله أشهد لا يكون يمينا بل يكون هذا اللفظ للشهادة فإذا قال بالله كان يمينا ولكنا نقول كل واحد من اللفظين يمين سواء ذكر قوله بالله أو أطلق قال الله تعالى قالوا نشهد انك لرسول الله إلى قوله اتخذوا ايمانهم جنة فقد سمى شهادتهم يمينا وقال الله تعالى أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين واللعان يمين قال ﷺ لولا الايمان التي سبقت لكان لى ولها شأن ولان قوله الشاهد بين يدى القاضى أشهد في معنى اليمين ولهذا عظم الوزر في شهادة الزور لانه بمعنى اليمين الغموس وكذلك قوله أقسم أو أقسم بالله فعند زفر رحمه الله تعالى قوله أقسم لا يكون يمينا كقوله أحلف ولكنا نستدل بقوله تعالى إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون والاستثناء في اليمين وقال الله تعالى واقسموا بالله جهد ايمانهم وكذلك لو قال اعزم أو اعزم بالله فان العزم آكد ما يكون من العهد وذلك يكون باليمين وكذلك لو قال على نذر أو نذر لله قال ﷺ النذر يمين وكفارته كفارة اليمين وكذلك لو قال عهد الله على فالعهد يمين قال الله تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم معناه إذا حلفتم بدليل قوله تعالى ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وكذلك قوله على ذمة الله لان الذمة عبارة عن العهد قال الله تعالى لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة وقال ﷺ إذا أرادوكم أن تعطوهم ذمة الله فلا تعطوهم وأهل الذمة هم أهل العهد وكذلك لو قال هو يهودى أو نصراني أو مجوسي أو برئ من الاسلام ان قربتك فهو مول وعند الشافعي رضى الله عنه لا يكون موليا بهذه الالفاظ لانه لا يلزمه عين ما التزم عند الفربان فلا يلزمه غيره كما
[ 24 ] لو قال هو مستحل الميتة ان قربتك ومذهبنا مروى عن ابن عباس رضي الله عنه وهو بناء على مسألة تحريم الحلال فان تحريم الحلال عندنا يمين فتحليل الحرام كذلك وتحريم الكفر بانة مصمتة فاستحلالها يمين لما علقه بالقربان بخلاف استحلال الميتة فان حرمتها ليست بباتة ولكنها تنكشف عند الضرورة وسنقرر هذا الفصل في كتاب الايمان ان شاء الله تعالى وكذلك وقوله وعظمة الله أو وعزة الله أو وقدرة الله فهذا وقوله والله سواء لان معني كلامه والله العظيم والله العزيز والله القادر وسنقرر حكم اليمين بصفات الله تعالى وكذلك ان حلف على ذلك بعتق أو طلاق فهو مول لانه لا يتمكن من قربانها في المدة لا بشئ يلزمه ولان الشرط والجزاء يمين قال ﷺ من حلف بطلاق أو عتاق فقد سماه حالفا وكذلك ان حلف على ذلك بحج أو هدى أو عمرة أو صوم جعل لله عليه ان قربها لانه يتحقق بهذا منع القربان حين علق بالقربان ما يكون ممتنعا من التزامه عادة وتلحقه مشقة في أدائه وإذا قال والقرآن لا أقربك لا يكون موليا لان الناس لم يتعارفوا الحلف بالقرآن والمعتبر في الايمان العرف فكل لفظ لم يكن الحلف به متعارفا لا يكون يمينا وهذا اللفظ انما يذكر في الكتاب خاصة وقد طعن عليه بعض الناس فقالوا القرآن كلام الله تعالى والكلام صفة المتكلم فلماذا لم يجعل الحلف بهذه الصفة يمينا ولكنا نقول كلام الله تعالى صفته ولكن الحلف به غير متعارف فكان هذا بمنزلة قوله وعلم الله على ما نبينه في الايمان وعلى هذا لخلاف ما لو قال هو برئ من القرآن ان قربتك فهو مول لان البراءة من القرآن كفر فهو بمنزلة قوله هو برئ من الاسلام ان قربتك وان قال والكعبة أو الصلاة أو الزكاة لا أقربك أو حلف على ذلك بشئ من طاعة الله أو بشئ من الحدود لا يكون موليا لانه حلف بغير الله وهو منهي عنه ألا ترى أن رسول الله ﷺ لما سمع عمر رضى الله تعالى عنه يقول وأبى قال رسول الله ﷺ لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت فمن كان حالفا فليحلف بالله أو فليذر فدل أن الحلف بغير الله لا يكون يمينا شرعا وان قال بالله لا أقربك فهو مول وحروف اليمين ثلاثة الباء والواو والتاء فأعمها الباء حتى تدخل في اسم الله وفى غير اسم الله تعالى وفي المضمر والمظهر والواو أخص منها فانها تدخل في المظهر دون المضمر ولكنها تدخل في اسم الله وفي غير اسم الله تعالى والتاء أخص منها فانها لا تدخل الا في اسم الله تعالى مظهرا قال الله تعالى وتالله لاكيدن أصنامكم وكذلك لو قال وأيم الله أو
[ 25 ] لعمرو الله لان الناس تعارفوا الخلف بهذه الالفاظ وقيل معنى قوله وأيم الله أي وأيمن الله فيكون جمع اليمين ولعمرو الله أي والله الباقي وفى قوله لعمرك دليل على أن هذا اللفظ يمين وان قال الله لا أقربك فهو مول أيضا والكسرة في الهاء دليل على محذوف وهو القسم ولا يصدق في الحكم أنه لم يرد به الايلاء لانه خلاف الظاهر وان قال قولا لا يقربها ولم يحلف لا يلزمه شئ هكذا نقل عن عائشة رضى الله تعالى عنها ولان الله تعالى قال للذين يؤلون من نسائهم والايلاء يمين فبدون يمينه كان كلامه وعدا والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم فهو يتمكن من قربانها من غير أن يلزمه شئ وان حلف لا يقربها في مكان كذا أو في مصر كذا أوقال في أرض العراق لم يكن موليا عندنا وقال ابن أبى ليلى هو مول لانه قصد الاضرار والتعنت بيمينه فلزمه حكم الايلاء ولكنا نقول اليمين إذا وقتت بمكان توقتت به فهو يتمكن من قربانها في غير ذلك المكان في المدة من غير أن يلزمه شئ فلا يتحقق به منع حقها في الجماع (قال) ولو حلف لا يقربها وهى حائض لم يكن موليا لانه حلف على أقل من أربعة أشهر فان الحيض لا يمتد إلى أربعة أشهر ولانه لاحظ لها في الجماع في حالة الحيض فلا يكون مانعا حقها بهذه اليمين فان قيل فعلى هذا لو حلف على أربعة أشهر ينبغى ان لا تعتبر مدة الحيض فيبقى يمينه على أقل من أربعة أشهر قلنا هذا ان لو كانت هذه المدة ثابتة بالمعنى وثبوتها بالنص فلا يجوز الزيادة عليها بالرأى وان حلف لا يقربها حتى يقدم فلان أو حتى يفعل هو شيئا يقدر على فعله قبل مضى أربعة أشهر فليس بمول لانه يقدر على ان يجامعها بعد وجود ما جعله غاية قبل مضى أربعة أشهر وان تأخر ذلك أربعة أشهر لم يضره لانه بأصل اليمين لم يكن موليا فلا يصير موليا بترك المجامعة بعد ذلك كما لو ترك المجامعة بغير يمين وان حلف لا يقربها حتى يفعل شيئا يعلم أنه لا يقدر عليه فهو مول معناه حتى يمس السماء أو يحول هذا الحجر ذهبا لانه اذالم يكن في مقدوره ذلك الفعل كان مقصوده من جعله غاية تحقيق معنى التأبيد وعلى هذا لو قال والله لا أقربك حتى تخرج الدابة أو الدجال أو حتى تطلع الشمس من مغربها فهو مول استحسانا وفي القياس ليس بمول لانه ما جعله غاية يتوهم وجوده قبل مضى أربعة أشهر ولكنا نقول مقصود الزوج بهذا المبالغة في النفي لا التوقيت فيتحقق به معنى الايلاء (قال) وإذا حلف لا يقربها سنة الا يوما لم يكن موليا عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى هو مول لان اليوم المستثني من آخر
[ 26 ] السنة كما في الاجارة والآجال وهو لا يملك قربانها في المدة الا بكفارة تلزمه والدليل عليه أنه لو قال سنة بنقصان يوم كان موليا فكذلك إذا قال الا يوما ولكنا نقول استثني يوما منكرا فما من يوم بعد يمينه الا ويمكنه أن يجعله اليوم المستثنى فيقربها من غير ان يلزمه شئ والذى قال ان اليوم من آخر السنة غير صحيح لان المستثنى منكر فلو جعلناه من آخر السنة لم يكن منكرا وتغيير كلامه من غير حاجة لا يجوز وفى الآجال والاجارة دعت الحاجة إلى ذلك لانا لو جعلنا اليوم منكرا فيهما لم يصح العقد للجهالة ولا يحصل المقصود وهو تأخر المطالبة والتمكن من استيفاء المنفعة وهنا لا حاجة لان الجهالة لا تمنع انعقاد اليمين فلهذا جعلنا اليوم المستثنى منكرا كما نكره بخلاف قوله بنقصان يوم لان النقصان لا يكون الا من آخر المدة وذلك تنصيص على ان يكون المستثني آخر يوم من السنة فإذا ثبت انه ليس بمول عندنا قلنا إذا قربها في يوم فهذا اليوم هو اليوم المستثنى فلا يكون موليا حتى يمضى ذلك اليوم ثم ينظر بعد مضيه فان كان الباقي من السنة أربعة أشهر أو أكثر فهو مول وان كان الباقي دون أربعة أشهر فليس بمول لان الاستثناء قد ارتفع وصارت اليمين مطلقة في بقية المدة وكذلك لو قال والله لا أقربك سنة الامرة لم يكن موليا لانه متمكن من قربانها بسبب الاستثناء من غير ان يلزمه شئ فإذا قربها مرة ارتفع استثناء وصارت اليمين مطلقة فان بقي بعد فراغه من الجماع من السنة أربعة أشهر أو أكثر فهو مول وان كان الباقي دون ذلك لم يكن موليا فان وصل قوله ان شاء الله بيمينه لم يكن موليا لان الاستثناء يخرج الكلام من ان يكون عزيمة وهو مروى عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وأن اشترط مشيئتها ومشيئة فلان فهو على المجلس وقد بينا نظيره في الظهار (قال) وإذا قال لامرأته أنا منك مول وعني الايجاب فهو مول كما في قوله أنا منك مظاهر لانه أضاف لفظه إلى محله فان الرجل يكون موليا من امرأته وان قال عنيت الخبر بالكذب لم يدين في في القضاء لان ظاهر كلامه ايجاب وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى لان صيغة الايجاب والاخبار في الايلاء واحد والمخبر عنه إذا كان كذبا فبالاخبار لا يصير صدقا (قال) وإذا حلف على أربع نسوة لا يقربهن فهو مول منهن ان تركهن أربعة أشهر بن بالايلاء عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى لا يكون موليا حتى يقرب ثلاثا منهم فحينئذ يكون موليا من الرابعة لانه يملك قربان كل واحدة منهن من غير أن يلزمه شئ فلم يكن موليا حتى يقرب ثلاثا منهن فحينئذ لا يملك
[ 27 ] قربان الرابعة الا بكفارة تلزمه لانه يتم شرط الحنث بقربانها فيكون موليا منها ويكون معني كلامه ان قربت ثلاثا منكن فوالله لا أقرب الرابعة (وجه قولنا) أنه مضار متعنت في حق كل واحد منهن بمنع حقها من الجماع فيكون موليا من كل واحدة منهن كما لو عقد يمينه على كل واحدة منهن على الانفراد الا أنه لا يلزمه الكفارة بقربان بعضهن لان الكفارة موجب الحنث فلا تجب ما لم بتم شرط الحنث ولكن عند تمام الشرط لا يكون وجوب الكفارة بقربان الآخرة فقط بل بقربانهن جميعا فأما وقوع الطلاق باعتبار البر وذلك يتحقق في كل واحدة منهن فهذا بن بمضي المدة بخلاف مالو قال ان قربت ثلاثا منكن فو الله لا أقرب الرابعة لان هناك ما عقد اليمين في الحال بل علفه بشرط فلا ينعقد يمينه قبل وجود الشرط فان جامع بعضهن في الاربعة الاشهر سقط عمن جامع منهن لانه قد فاء إليها في المدة ولا كفارة عليه لعدم تمام شرط الحنث فإذا تمت أربعة أشهر بانت التى لم يجامعها لان الفئ في حقها لم يوجد فبقى حكم الايلاء في حقها فتبين بمضي المدة ولو لم يجامع شيئا منهن ولكن طلق احداهن ثلاثا كان موليا على حاله لان شرط حنثه منتظر ان جامعهن حنث إذ ليس في يمينه تقييد الجماع بما قبل الطلاق وان لم يطلق ولكن ماتت احداهن بطل الايلاء عنهن لان شرط حنثه قد فات لانه لا يحنث بجماع من بقى بعد هذا ولا بجماع الميتة واليمين لا يبقى بعد فوات شرط الحنث فلهذا لا يبطل الايلاء عنهن (قال) وان حلف لا يقرب واحدة منهن فهو مول منهن فان مضت الاربعة الاشهر بن جميعا وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وعند محمد رضى الله تعالى عنه يكون موليا من واحدة منهن حتى إذا مضت المدة طلقت واحدة منهن بغير عينها لانه منع نفسه عن قربان واحدة منهن ألا ترى أنه لو قرب واحدة منهن يلزمه الكفارة وحكم الطلاق ينبني على المنع من القربان فعند مضى المدة يقع الطلاق على احداهن بغير عينها كما لو قال والله لا أقرب احداكن ووجه ظاهر الرواية أنه ذكر الواحدة منكرا في موضع النفي لان القربان منفى والنكرة في موضع النفى تعم بخلاف النكرة في موضع الاثبات فان الرجل إذا قال رأيت اليوم رجلا يقتضى رؤية رجل واحد ولو قال ما رأيت اليوم رجلا يقتضى نفى رؤية جميع الرجال وهذا لان معنى التنكير في محل الفى لا يتحقق الا بالتعميم ففيما ينبنى على نفى القربان وهو وقوع الطلاق عند مضي المدة يتناولهن كلامه جميعا وفيما ينبنى على وجود القربان وهي الكفارة
[ 28 ] يتناول كلامه احداهن فلهذا إذا قرب واحدة منهن لزمته الكفارة وسقط الايلاء عنهن لان اليمين لم يبق بعد تمام الشرط وهذا بخلاف قوله احداكن فان معنى التعميم هناك لا يتحقق ألا ترى انه لو قرن بكلامه حرف كل بان قال كل احداكن لا يتناولهن جميعا وهنا لو قرن بكلامه حرف كل فقال كل واحدة منكن تناولهن جميعا فكذلك بسبب التنكير وان كان نوى واحدة بعينها دون غيرها فهو مول منها خاصة فيما بينه وبين الله تعالى لان مانواه محتمل ألا ترى انه لو طلق واحدة منهن ونوى واحدة بعينها صحت نيته فكذلك في الايلاء ولكن لا يصدق في القضاء لانه خلاف الظاهر (قال) وإذا آلى من واحدة لم يسمها ولم ينوها فهو بالخيار يوقع الطلاق على أيتهن شاء فتبين به وحدها ولو أراد التعيين قبل مضى المدة لم يملك لان فيه تغيير حكم اليمين فانه قبل التعيين يحنث بقربان واحدة أيتهن قرب وبعد التعيين لا يحنث بقربان البواقى وكما لا يملك ابطال حكم اليمين لا يملك تغييره فاما بعد وقوع الطلاق بمضي المدة ملك تعيين الطلاق لانه ليس في هذا تغيير حكم اليمين ولكنه تعيين الطلاق المبهم وذلك إلى الزوج ثم إذا عين الطلاق في احداهن لا يتعين يمينه فيها الافى رواية عن أبى يوسف وقد بينا هذا فيما أمليناه في شرح الجامع (قال) وإذا آلى الرجل من امرأته وبينه وبينها مسيرة أربعة أشهر أو أكثر أجزأه ان فاء بقلبه ولسانه والحاصل أن العاجز عن الجماع في المدة يكون فيئه باللسان عندنا وذلك مروي عن على وابن مسعود رضى الله عنهما وعند الشافعي رحمه الله تعالى الفئ باللسان ليس بشئ لان المتعلق بالفئ حكمان وجوب الكفارة وامتناع حكم الفرقة ثم الفئ باللسان لا يعتبر في حق أحد الحكمين وهو الكفارة فكذلك في الحكم الآخر ولكنا نقول الكفارة تجب بالحنث والحنث لا يتحقق في الفئ باللسان فأما وقوع الطلاق عند مضي المدة باعتبار معنى الاضرار والتعنت وذلك ينعدم في الفئ باللسان عند العجز عن الفئ بالجماع فكان الفئ بالجماع أصلا وباللسان بدلا عنه لان الفئ عبارة عن الرجوع وإذا كان قادرا على الجماع فانما قصد الاضرار والتعنت بمنع ففيئه بالرجوع عن ذلك بأن يجامعها وإذا كان عاجزا عن الجماع لم يكن قصده الاضرار بايحاشها بلسانه ففيئه بالرجوع عن ذلك بأن يرضيها بلسانه لان التوبة بحسب الجناية ثم العجز عن الجماع تارة يكون ببعد المسافة وتارة بالمرض فإذا كان بينه وبينها أربعة أشهر أو أكثر
[ 29 ] فهو عاجز عن جماعها في المدة فيكون فيئه بقلبه ولسانه وان كان بينهما أقل من أربعة أشهر فهو قادر على الجماع فلا يكون فيئه الا بالجماع لان حكم البدل انما يعتبر عند العجز عن الاصل وكذلك ان كان مريضا حين آلى ففيئه الرضا بالقلب واللسان ان تمت أربعة أشهر وهو مريض لانه عاجز عن الجماع لمرضه وكذلك ان اتصل مرضه بالايلاء فان كان صحيحا حين آلى وبقى صحيحا بعد ايلائه مقدار ما يستطيع فيه أن يجامعها ثم مرض بعد ذلك لم يكن فيئه الا بالجماع وقال زفر فيئه باللسان لتحقق عجزه عن الجماع والمعتبر عنده آخر المدة كما لو كان واجدا للماء في أول الوقت فلم يتوضأ حتى عدم الماء جاز له التيمم ولكنا نقول لما تمكن من جماعها فقد تحقق منه الاضرار والتعنت بمنع حقها في الجماع فلا يكون رجوعه الا بايفاء حقها في الجماع فاما إذا كان مريضا حين آلى ثم صح قبل تمام أربعة أشهر لم يكن فيئه الا بالجماع ويستوى ان كان فاء إليها في مرضه أولم يفئ لانه قدر على الاصل قبل حصول المقصود بالبدل فان تمام المقصود بمضي المدة وسقط اعتبار حكم البدل بهذه القدرة كالمتيمم إذا وجد الماء قبل الفراغ من الصلاة وكذلك ان كانت المرأة مريضة أو صغيرة لا تجامع ففيئه الرضا باللسان وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى ان الزوج إذا كان مريضا حين آلى ثم مرضت المرأة ثم صح الزوج قبل مضى أربعة أشهر ففيئه الرضا باللسان عند زفر رحمه الله تعالى لان تأثير مرضها في المنع من الجماع كتأثير مرضه وعلى قول أبى يوسف لا يكون فيئه الا بالجماع لان العجز الذى كان لاجله فيئه الرضا باللسان قد زال قبل تمام المدة فكان ذلك كالمعدوم أصلا ولو كانا محرمين بالحج أو احدهما فآلى وقت اداء الحج أربعة أشهر أو أكثر لم يكن فيئه الا بالجماع في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لانه متمكن من ذلك وان كان حراما وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى فيئه الرضا باللسان لانه ممنوع من جماعها في المدة شرعا فهو كما لو كان ممنوعا منها حساببعد المسافة ألا ترى أنه لو خلى بأمرأته واحدهما محرم بالحج لم تصح الخلوة كما لو كان بينهما ثالث ومتي وطئها بعد الفئ باللسان فعليه كفارة اليمين لان الفئ باللسان يمنع وقع الطلاق ولا يرتفع اليمين فيتحقق شرط الحنث متى جامعها (قال) وايلاء النائم والصبى والمجنون والمعتوه الذى يهذى باطل بمنزلة طلاق هولاء وهذا لان اليمين من هؤلاء لا ينعقد فان قولهم غير معتبر في اللزوم (قال) وإذا آلى الرجل من امرأته أنه لا يقربها أبدا ثم طلقها ثلاثا بطل الايلاء عندنا خلافا لزفر لان الايلاء طلاق مؤجل فانما ينعقد على
[ 30 ] التطليقات المملوكة ولم يبق شئ منها بعد وقوع الثلاث عليها وكذلك لو بانت بالايلاء ثلاث مرات ثم تزوجها بعد زوج لم يكن موليا الا على قول زفر وان قربها كفر يمينه لان الايلاء وان لم يبق في حكم الطلاق لنفاذ ملك الطلاق فقد بقيت اليمين فإذا قربها تم شرط الحنث وليس من ضرورة بقاء اليمين حكم الايلاء كما لو قال لاجنبية والله لا أقربك ثم تزوجها لم يكن موليا وان قربها كفر يمينه وان كان طلقها تطليقة بائنة فان تمت الاربعة الاشهر وهى في العدة وقعت عليها تطليقة بالايلاء وان لم تكن في العدة لم يقع عليها شئ لان المولى في المعنى كالمعلق تطليقة بائنة بمضي الاربعة الاشهر قبل أن يفئ إليها وقد صح ذلك في الملك فلا يبطل بالبينونة ولكن الطلاق لا يقع عليها الا في العدة فإذا تمت العدة وهى محل لوقوع الطلاق عليها طلقت وان لم تكن محلابان كانت منقضية العدة لم تطلق فان تزوجها بعد انقضاء عدتها فهو مول منها وتستأنف شهور الايلاء من حين تزوجها ولا يحتسب بما مضى منها قبل ذلك لان ابتداء مدة الايلاء لا تنعقد بعد انقضاء العدة إذا ليس له على المحل ملك ولا يد فانما يكون ابتداء المدة من حين تزوجها ولو كان تزوجها في العدة يحتسب بما مضى منها لانها ما بقيت في العدة فهي محل لوقوع الطلاق عليها فيبقى حكم المدة أرأيت لو تزوجت بزوج آخر أكان يبقى حكم مدة الايلاء وكذلك بعد ما حلت للازواج بانقضاء مدة العدة (قال) ولو طلق امرأته تطليقة بائنة ثم آلى منها لم يكن موليا وان انعقدت يمينه لان معنى الايلاء بمنع حقها في الجماع ولا حق لها في الجماع بعد ما بانت ولان المقصود بالايلاء ازالة ظلم التعليق عنها وذلك لا يتحقق بعد البينونة وإذا لم يكن كلامه في الاصل ايلاء لا يصير ايلاء وان تزوجها كما في الاجنبية بخلاف ما سبق لان أصل كلامه هناك كان ايلاء صحيحا فلا يبطل بالبينونة وانقضاء العدة وان بطلت المدة لخروجها من أن تكون محلا لطلاقه فإذا تزوجها لم يكن موليا منها ولم يذكر في الكتاب فصلا آخر وهو انه إذا آلى من امرأته فبانت بمضي أربعة أشهر هل تنعقد مدة أخرى قبل أن يتزوجها أم لا وكان أبو سهل رحمه الله يقول تنعقد حتى إذا تمت أربعة أشهر قبل انقضاء عدتها وقعت تطليقة أخرى وكذلك الثالثة قال لان معنى الايلاء كلما مضت أربعة أشهر ولم أقربك فيهن فأنت طالق تطليقة بائن ولو صرح بهذا كان الحكم ما بينا وفقهه أن انعقاد المدة من حكم بقاء اليمين هنا وابتداء اليمين لا ينعقد ايلاء بعد البينونة ولكنها تبقى بعد البينونة ألا ترى أنه لو تمت أربعة أشهر وهو مجنون
[ 31 ] ثم زوجها وليه منه انعقدت مدة الايلاء وان كان ابتداء اليمين من المجنون لا يصح وكان الكرخي رضي الله عنه يقول لا تنعقد المدة الثانية ما لم يتزوجها وهذا هو الاصح لان في انعقاد المدة ابتداء لابد من اعتبار معنى الاضرار وذلك لا يتقرر بعد البينونة ما لم يتزوجها لانه لاحق لها في الجماع فلهذا لم تنعقد المدة ما لم يتزوجها (قال) ولو آلى من أمته أو أم ولده لا يكون موليا لقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر وهذه ليست من نسائه ولان الايلاء طلاق مؤجل والمملوكة ليست بمحل للطلاق ولان حكم الايلاء منع القربان المستحق والامة لا تستحق ذلك على المولى وكذلك لوآلى من أجنبية فهو باطل لهذه المعاني بخلاف مالو قال ان تزوجتك فوالله لا أقربك فتزوجها كان موليا لانه علق الايلاء بالتزوج والمعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز وان حلف لا يقرب امرأته الافى أرض كذا وبينه وبين تلك الارض أربعة أشهر فهو مول لانه لا يملك قربانها في المدة الا بحنث يلزمه فان المستثنى مكان لا يصل إليه في المدة فلهذا كان موليا (قال) ولو آلى من امرأته وهو في سجن أو حبس لم يكن له فئ الا الجماع لانه ان كان لا يقدر ان يخرج الهيا فهى تقدر على ان تدخل إليه ليجامعها فان السجن موضع للجماعة ومع القدرة على الاصل لا عبرة للبدل (قال) وان اصاب المولى من امرأته ما دون الجماع في الفرج لم يكن ذلك فيئا لان حقها في الجماع في الفرج فلا يتأدى بما دونه والفئ ما فيه ايفاء حقها وان ادعى أنه قد جامعها فان ادعى في الاربعة الاشهر فالقول قوله وان ادعى ذلك بعد مضى المدة لم يقبل قوله بناء على الاصل المعروف أنه متى أقر بما يملك انشاءه لا يكون متهما فلو أقام شاهدين على مقالته في الاربعة الاشهر أنه قد جامعها فهى امرأته لان الثابت من اقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة وهى من أعجب المسائل ان لا يقبل افراره بعد مضى المدة ثم يتمكن من اثباته بالبينة وكذلك ان صدقته المرأة فالحق لهما لا يعدوهما غير أنه لا يسعها ان تقيم معه إذا كانت تعلم كذبه لان القاضي لو علم بذلك فرق بينهما فإذا علمت هي عليها أن تمنع نفسها منه بأن تهرب أو تفتدي بمالها الا أن يتزوجها نكاحا جديدا (قال) ولو آلى منها بعد ما طلقها تطليقة رجعية فهو مول لان جماعها له حلال فان انقضت العدة سقط حكم الايلاء لخروجها من أن تكون محلا لطلاقه فإذا تزوجها يستقبل مدة الايلاء من حين تزوجها وقد بيناه (قال) واذ آلى الرجل ثلاث مرات في مجلس واحد فان كان مراده تكرار
[ 32 ] يمين واحدة فعليه كفارة واحدة إذا قربها ولا يقع بمضي المدة الا تطليقة واحدة ان لم يقربها لان الكلام لو أحد قد يكرر ولا يراد حكمه بالتكرار وان كان مراده التغليظ والتجديد فان قربها فعليه ثلاث كفارات لان معني التغليظ تجدد عقد اليمين فكان حالفا بثلاثة أيمان وبالقربان مرة يتم شرط الحنث في الايمان كلها وان لم يقربها حتى مضت المدة ففى القياس تطلق ثلاثا يتبع بعضها بعضها وهو قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى حتى اذالم يدخل بها لا يقع الا واحدة وفى الاستحسان وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى تبين بتطليقة واحدة سواء دخل بها أولم يدخل بها وجه القياس ان ابتداء مدة الايلاء من الوقت المتصل بعقد اليمين وفى الايلاء المعتبر أول المدة فقد انعقدت باعتبار كل يمين مدة فيقع عند تمام كل مدة تطليقة حتى تبين بثلاث تطليقات كما لو كانت الايمان في مجالس مختلفة وهذا لانه يتأخر انعقاد المدة بعد اليمين إلى حال افتراقهما بدليل أنه لو حلف بيمين واحدة ثم بقيا في المجلس يوما أو أكثر فتمت المدة من حين حلف بانت بتطليقة فعرفنا أن المجلس والمجالس في هذا الحكم سواء كما في حكم الحنث وهو الكفارة ووجه الاستحسان أن المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة ويجعلها كالموجود جملة بدليل القبول مع الايجاب إذا وجدا في المجلس يجعل كأنهما وجدا معا وكذلك المرأة لو قالت لزوجها طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة وواحدة وواحدة في مجلس واحد جعل كانه أوقع الثلاث جملة حتى يستحق جميع الالف فإذا ثبت هذا قلنا حالة المجلس كحالة واحدة ولا ينعقد في حالة واحدة الا مدة واحدة في حكم الطلاق وان تعددت الايمان كما لو قال إذا جاء غد فوالله لا أقربك ثم قال ذلك ثانيا وثالثا ثم جاء الغد تنعقد ثلاثة ايمان في حكم الكفارة ومدة واحدة في حكم الطلاق وبهذا تبين ان أحد الحكمين غير معتبر بالآخر وعلى عكس هذا لو قال كلما دخلت الدار فوالله لا أقربك فدخل الدار ثلاث مرات في ثلاثة أيام تنعقد ثلاث ايلاآت في حكم الطلاق ولو قربها لم يلزمه الاكفارة واحدة وهذا بخلاف مااذا كانت الايمان في مجالس متفرقة لانه لم يوجد هناك ما يجمع الاحوال فاعتبرنا كل حالة على حدة فانعقدت مدة جديدة لتجدد اليمين في كل حالة (قال) ولو قال لها ان قربتك فعلى يمين أو على كفارة يمين فهو مول لان معنى قوله فعلى يمين كفارة يمين فان موجب اليمين الكفارة عند الحنث فقد صارت بحيث لا يملك قربانها في المدة الا بكفارة تلزمه (قال) وايلاء الحرة
[ 33 ] أربعة أشهر تحت حركانت أو تحت عبد لقوله تعالى تربص أربعة أشهر والذين يتناول الاحرار والعبيد وايلاء الامة شهران عندنا وعلى قول الشافعي أربعة أشهر لظاهر الآية وهو بناء على أصله ان المدة فسحة للزوج لا عليه فلا يتغير ذلك برقها ولا بحربتها ولكنا نقول مدة الايلاء مذكورة في القرآن بلفظ التربص وهو مختص بالنكاح فيتنصف بالرق كمدة العدة وفي العدة معنى الفسحة للزوج خصوصا من عدة في طلاق رجعى ثم تنصف برقها (قال) والمريض الذى يهذى في الايلاء كالنائم لانه بمنزلة المغمى عليه في هذه الحالة (قال) وايلاء الاخرس جائز لما بينا ان الكنية والاشارة منه إذا كانت تعرف بمنزلة عبارة الناطق (قال) وان قال ان قربتك فأنت على كظهر أمي فهو مول لانه لا يملك قربانها في المدة الا بظهار يلزمه وكذلك ان قال ان قربتك فانت على حرام وهو ينوى الطلاق بذلك فهو مول لانه لا يملك قربانها في المدة الا بطلاق يلزمه وان كان ينوى اليمين فهو مول أيضا في قول أبى حنيفة رحمه الله ولا يكون موليا في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ما لم يقربها لان قوله أنت على حرام عند ارادة اليمين بمنزلة قوله والله لا أقربك حتى لو أرسله كان به موليا في الحال فإذا علقه بالقربان لا يصير به موليا الابعد القربان كما لو قال ان قربتك فو الله لا أقربك وأبو حنيفة رحمه الله تعالي يقول صار ممنوعا عن قربانها في المدة حين علق بالقربان حرمتها عليه فيكون موليا في الحال كما لو قال ان قربتك فأنت على كظهر أمي لان الظهار موجبه التحريم إلى وقت الكفارة ولو قال لها أنت على كالميتة أو كالدم يعنى التحريم فهو مول لانه شبهها بمحرمة العين فهو بمنزلة قوله أنت على حرام (قال) ولو قال أنت على كامرأة فلان وقد كان فلان آلى من امرأته ينوى الايلاء كان موليا لانه شبهها بامرأة فلان وقد يكون التشبيه في وصف خاص فإذا نوى التحريم أو الايلاء فقد نوى ما يحتمله كلامه فيكون موليا وان لم ينو ذلك فليس بشئ (قال) وان آلى من امرأته ثم قال لامرأة له أخرى قد اشركتك في ايلاء هذه كان باطلا لان الاشراك يغير حكم يمينه فان قبل الاشراك كان يحنث بقربان الاولى وبعد الاشراك لا يحنث بقربان الاولى ما لم يقربهما كما لو قال والله لا أقربكما وهو لا يملك تغيير حكم اليمين مع بقائه ولو صح منه هذا الاشراك لكان يشرك أجنبية مع امرأته ثم يقرب امرأته بعد ذلك فلا يلزمه شئ وبهذا فارق الظهار لان اشراك الثانية لا يغير حكم الظهار في الاولى وكذلك لو قال في
[ 34 ] الايلاء للمرأة الثانية أنت على مثل هذه ينوى الايلاء فيها فبهذا لا يتغير حكم الايلاء في حق الاولى ويصح منه عقد الايلاء في حق الثانية بهذا اللفظ (قال) وإذا آلى من امرأته وهي أمة ثم أعتقت قبل انقضاء شهرين لم تطلق حتى تستكمل أربعة أشهر من حين آلى لان مدة الايلاء نظير مدة العدة من طلاق رجعى من حيث أن ملك النكاح لا يرتفع مع بقائها والمعتقة بعد الطلاق هناك قبل انقضاء العدة بمنزلة الحرة عند الطلاق وكذلك هنا وهذا لان ملك النكاح ثم عليها لما تم حلها بالعتق ولا يزول الملك التام الا بمدة تامة (قال) ولو طلقها زوجها في الشهرين تطليقة بائنة ثم أعتقت فيهما كانت عدتها للطلاق عدة الامة لانها انما أعتقت بعد البينونة ومدة ايلائها مدة الحرة لانها أعتقت قبل تمام مدة الايلاء فكان في حكم الايلاء هذا وما لو كانت حرة حين آلى منها سواء وقد طعن بعضهم في الجواب فقالوا لم يتم ملكه عليها بهذا العتق لانها عتقت بعدن البينونة فينبغي أن تكون مدة ايلائها شهرين كما في حكم العدة ولكنا نقول الطلاق الواقع ليس من حكم الايلاء في شئ فالبائن والرجعى فيه سواء ولو كان رجعيا صارت مدة أيلائها بالعتق أربعة أشهر بالنص فكذلك إذا كانت بائنة بخلاف العدة لانها تعقب الطلاق فيعتبر فيها صفة الطلاق ولان في زيادة مدة العدة بالعتق اضرارا بها لانها تمنع من الازواج في العدة وليس في زيادة مدة الايلاء بالعتق اضرار بها فلهذا كان المعتبر حصول العتق مع بقاء المدة (قال) وان حلف لا يقرب امرأته وامرأة أجنبية معها حرة أو أمة لم يكن موليا من امرأته لانه يملك قربانها من غير أن يلزمه شئ وهو ليس بمول في حق الاجنبية فلا يعتبر قربان الاجنبية في حكم الايلاء من امرأته وان اعتبر حال امرأته وحدها وهو يملك قربانها من غير أن يلزمه شئ لم يكن موليا منها بخلاف مالو قال لامرأتين له لا أقربكما لانهما مستويتان في حكم الايلاء هناك فيجعلان كشخص واحد لا يملك قربانهما الا بكفارة تلزمه فكان موليا منهما بقول فان جامع الاجنبية صار موليا من امرأته من الساعة التى جامع فيها تلك لانه صار بحال لا يملك قربانها الا بكفارة تلزمه فيتحقق معنى الاضرار والتعنت في حقها الآن فيكون موليا منها وهو بمنزلة مالو قال والله لا أقربك إذا أتيت مكان كذا لا يكون موليا ما لم يأت ذلك المكان أو هو بمنزلة مالو قال لامرأته والله لا أقربك إذا جاءت هذه الاجنبية فإذا جامعها كان موليا من امرأته (قال) وان آلى من امرأته ثم ارتدت ولحقت بدار الحرب ثم سبيت فأسلمت ثم تزوجها فهو مول منها ان مضي شهران من يوم
[ 35 ] تزوجها بانت بالايلاء لان اليمين لا يبطل بلحاقها فان شرط الحنث منتظر بعد وأصل كلامه كان ايلاء صحيحا فإذا تزوجها مع بقاء تلك اليمين كان موليا منها حين تزوجها وانما انعقدت المدة الثانية وهى أمة ومدة ايلاء الامة شهران (قال) وان آلى من امرأته وهى أمة ثم اشتراها سقط الايلاء لانها صارت بحيث لا يقع طلاقه عليها وموجب المدة المنعقدة وقوع الطلاق عند مضيها فإذا خرجت من أن تكون محلا لذلك سقط حكم تلك المدة كما لو أبانها وانقضت عدتها فان باعها أو أعتقها ثم تزوجها فهو مول منها لانها صارت بحال لا يقع طلاقه عليها واليمين باقية فتنعقد المدة من حين تزوجها وكذلك الحرة إذا اشترت زوجها فهذا والاول سواء لان عصمة النكاح تنقطع بالملك من الجانبين على وجه لا يقع طلاقه عليها فانها انما تكون محلا لطلاقه باعتبار ملك اليدله عليها وملك اليمين كما ينافي أصل ملك النكاح ينافى ملك اليد الثابت بالنكاح ولهذا لا تستوجب عليه النفقة والسكنى في عدتها (قال) وإذا حلف العبد بالعتق أو الصدقة أن لا يقرب امرأته لا يكون موليا لانه يملك قربانها من غير أن يلزمه شئ فانه لاعتق فيما لا يملكه ابن آدم ومراده من الصدقة أن يلتزم الصدقة بمال بعينه وهو لا يملك ذلك المال فيكون التزامه التصدق به لغوا (قال) وان حلف بحج أو صوم أو طلاق أو ما أشبه ذلك كان موليا لان التزام هذه الاشياء صحيح منه كما يصح من الحر فإذا علفها بالقربان فهو لا يملك قربانها في المدة الا بشئ يلزمه وعلى هذا لو علق بالقربان التزام الصدقة في ذمته (قال) وإذا حلف الذمي ان لا يقرب امرأته فهو على ثلاثة أوجه في وجه يكون موليا بالاتفاق وهو ما إذا حلف بطلاق أو عتاق لان العتق والطلاق يصح منه كما يصح من المسلم وفي وجه لا يكون موليا بالاتفاق وهو ماذا حلف بحج أو صوم أو صدقة لان التزام هذه الاشياء منه لا يصح لانها قربة وطاعة وما فيه من الشرك يخرجه من أن يكون أهلا لذلك وقع في بعض الكتب عن الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أن الايلاء منه بالحج صحيح في حكم الطلاق وان لم يصح في حكم التزام الحج لان أحد الحكمين ينفصل عن الآخر عنده كما في اليمين بالله تعالى ولا يعتمد على هذه الرواية فأما ايلاؤه في اليمين بالله تعالى ينعقد في حكم الطلاق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى لو تركها أربعة أشهر بانت بالايلاء ولو قربها لم تلزمه الكفارة وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هذا بمنزلة القسم الثاني لانه يملك قربانها في المدة من غير أن يلزمه
[ 36 ] شئ فلا يتحقق معنى الايلاء وهو قصد الاضرار بمنع حقها في الجماع وهذا لان حرمة اليمين بالله تعالى لوجوب تعظيم المقسم به ومع الشرك لا يتحقق منه هذا التعظيم كما لا يتحقق منه هذا الالتزام التزام الحج والصوم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول انه من أهل اليمين بالله تعالى فان فيها ذكر اسم الله تعالى على سبيل التعظيم وذلك صحيح معتبر من الذمي حتى تحل ذبيحة الكتابى إذا ذكر اسم الله تعالى وكذلك يستحلف في المظالم والخصومات بالله تعالى وقد جعل الله تعالى للكفار ايمانا بقوله تعالى لا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وقوله تعالى وان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وإذا ثبت أنه من أهل اليمين صار هو بحيث لا يملك قربانها الا بحنث يلزمه فيكون موليا ثم يترتب على هذا الحنث وجوب الكفارة وهو ليس من اهلها ولكن حكم الطلاق ينفصل عن حكم الكفارة في الايلاء كما لو قال لاربع نسوة له لا أقربكن يكون موليا من كل واحدة منهن وان كان لوقرب ثلاثا منهن لا يلزمه شئ ولان لهذا اليمين حكمين. أحدهما الطلاق وهو من أهله والآخر الكفارة وهو ليس من أهلها وكل واحد من الحكمين مقصود بهذه اليمين فامتناع ثبوت أحد الحكمين لانعدام الاهلية لا يمنع ثبوت الحكم الثاني مع وجود الاهلية (قال) وإذا حلف الرجل بعتق عبده لا يقرب امرأته فهو مول الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى فانه يقول يملك قربانها في المدة من غير أن يلزمه شئ بأن يبيع عبده وفي ظاهر الرواية هو لا يملك قربانها الا بعتق يلزمه فيكون موليا ولا يعتبر تمكنه من البيع لان البيع لا يتم به وحده وربما لا يجد مشتريا يشتريه منه فان باع العبد سقط عنه الايلاء لانه صار بحال يملك قربانها من غير ان يلزمه شئ فان اشتراه لزمه الايلاء من وقت الشراء لان المدة الاولى قد بطلت فيستأنف المدة من وقت الشراء لانه صار بحال لا يملك قربانها الا بعتق يلزمه ولو كان جامعها بعد ما باعه ثم اشتراه لم يكن موليا لان اليمين قد سقطت بوجود شرط الحنث بعد بيع العبد فهو يملك قربانها بعد ذلك من غير ان يلزمه شئ وإذا مات العبد قبض ان يبيعه سقط الايلاء لانه يتمكن من قربانها بعد موت العبد من غير ان يلزمه شئ وكذلك لو حلف على ايلاء هذه بطلاق أخرى ثم ماتت تلك أو طلقها ثلاثا لم يكن موليا بعد هذا لانه يمكنه ان يقربها من غير ان يلزمه شئ وان تزوجها بعد زوج لم يكن موليا من هذه أيضا الا على قول زفر لان يمينه على تطليقات ذلك الملك ولم يبق شئ منها بعد ايقاع الثلاث
[ 37 ] وكذلك لو طلق هذه التى آلى منها ثلاثا سقط الايلاء لان ايلاءه في حكم الطلاق باعتبار التطليقات المملوكة ولم يبق منها شئ بعد ايقاع الثلاث ولو لم يطلقها ولكنه جامعها طلقت الاخرى لوجود شرط الوقوع عليها وارتفعت اليمين فان تزوجها بعد ذلك لم يعد الايلاء وان لم يجامعها ولكنه طلق الاخرى وانقضت عدتها سقط الايلاء عن هذه لانه صار بحيث يتمكن من قربانها من غير ان يلزمه شئ وهذا وبيعه العبد سواء على ما بينا (قال) وإذا حلف لا يقرب امرأته حتى يموت هو أو تموت هو فهو مول لانه لا يملك قربانها في المدة الا بحنث يلزمه وبعد موت أحدهما لا يبقي النكاح فهذا بمنزلة قوله لا أقربك مادمت في نكاحي ويتم بهذا منع حقها في القربان بخلاف مالو قال لا أقربك حتى يموت فلان لان موت فلان لا يمنع بقاء النكاح بينهما وهو موهوم في المدة فيتوهم أن يقربها في المدة من غير أن يلزمه شئ بعد موت فلان فلهذا لا يكون موليا وقد بينا القياس والاستحسان في قوله حتى يخرج الدجال أو حتى تطلع الشمس من مغربها وان قال حتى القيامة فهو مول قياسا واستحسانا وهذا وقول أبدا سواء لانه لا تصور لبقاء النكاح بينهما بعد وجود ما جعله غاية بخلاف خرج الدجال على طريقة القياس (قال) ولو حلف لا يقربها حتى تفطم صبيا لها وبينه وبين الفطام أقل من أربعة أشهر لم يكن موليا لانه يتحقق منه أن يقربها بعد الفطام في المدة من غير أن يلزمه شئ ولما كان ما جعله غاية ليمينه يوجد قبل تمام أربعة أشهر كانت هذه اليمين بمنزلة اليمين على القربان في أقل من الاربعة الاشهر لان بعد وجود الغاية لا يبقى اليمين وان كان بينه وبين الفطام أربعة أشهر أو أكثر وهو ينوى ذلك الفطام لا ينوى دونه فهو مول لانه يمينه انعقدت موجبة للمنع من القزبان في المدة ولو مات الصبى قبل أن يمضى أربعة أشهر سقط الايلاء لفوات ما جعله غاية ليمينه لان اليمين لا يبقى بعد فوات الغاية الا في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وهى مسألة كتاب الايمان وكذلك لو حلف لا يقربها حتى يأذن له فلان فمات فلان في الاربعة الاشهر بطلت اليمين لفوات الغاية ولو بقى فلان أربعة أشهر ولم يكن قربها لم يكن موليا أيضا لانه كان يتمكن من قربانها إذا أذن له فلان من غير أن يلزمه شئ وفى الكتاب قال ينبغي في القياس أن لا يكون موليا ولم يذكر شيئا سوى هذا فليس مراده أن هذا استحسان بخلاف القياس وانما مراده قياس ما تقدم من الفصول (قال) ولو قال ان قربتك فكل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر فهو
[ 38 ] مول قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يكون موليا لانه لا يلزمه بالقربان شئ وهو يتمكن من أن لا يتملك مملوكا بعده وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا لا يتمكن من قربانها الا بيمين بالعتق يلزمه فيكون موليا كما لو قال ان قربتك فهذا المدبر حران دخل الدار يكون موليا منها وهذا لان الانسان يكون ممتنعا من اليمين بالعتق كما يكون ممتنعا من موجب اليمين فيصير بهذا اللفظ مانعا حقها يوضحه ان الملك في المستقبل قد يحصل له من غير صنعه كالميراث ولا يتمكن من رده ولو قال ان قربتك فعلى حجة بعدما أقربك بسنة أو قبل ان أقربك بيوم فهو مول لانه لا يتمكن من قربانها الا بحجة تلزمه في الوجهين جميعا (قال) وإذا قال ان قربتك فعلى صوم هذا الشهر لم يكن موليا لان يمينه لا يتناول جميع المدة فان بمضي المدة يسقط اليمين ويصير بحيث يملك قربانها من غير أن يلزمه شئ لان التزام الصوم مضافا إلى الزمان الماضي لا يصح فيصير عند القربان كأنه قال على صوم أمس وذلك لغو ولو قال ان قربتك فعلى طعام مسكين أو صوم يوم أو صدقة أو حج أو هدى فهو مول بالاتفاق وان قال فعلي صلاة ركعتين فهو مول في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الاول وهو قول محمد وفي قول أبى يوسف الآخر وهو قول أبي حنيفة لا يكون موليا وجه قول محمد أنه علق بالقربان التزام ما هو قربة فيكون موليا كما في الحج قال محمد في الامالى ولا معنى لقول من يقول لا يتوصل إلى الحج الا بمال ويتوصل إلى الصلاة بدون المال لانه لو قال ان قربتك فلله على صلاة ركعتين في بيت المقدس لم يكن موليا عندهما وهو لا يتوصل إلى ما التزام الا بالمال ووجه قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ان بهذا اللفظ لا يتحقق منع القربان المستحق لان الانسان لا يكون ممتنعا من التزام صلاة ركعتين إذ لا يلحقه في ادائها مشقة ولا خسران في ماله بخلاف سائر القرب توضيحه أنه ان علق بالقربان اطعام مسكين فهو موجب اليمين وكذلك الصدقة والصوم وكذلك الهدى والحج فانه لا يتوصل إلى ادائهما الا بمال والتكفير بالمال موجب ليمين عند الحنث فهو كما لو علق اليمين وكذلك لو قال في بيت المقدس لان المكان لا يتعين لاداء المنذور من الصلاة وان قال ان قربتك فعبدي فلان حر عن ظهارى وقد ظاهر أو لم يظاهر فهو مول لانه لا يملك قربانها الا بعتق بتنجز في العبد وتنجز العتق ليس بموجب للظهار بخلاف مالو قال ان قربتك فلله على ان أعتق فلانا عن ظهارى
[ 39 ] وهو مظاهر فليس بمول لانه علق بالقربان وجوب العتق عليه عن الظاهر وهو واجب عليه قبل القربان فلا يكون ملتزما بالقربان شيئا والله أعلم (باب اللعان) اعلم بأن موجب قذف الزوج زوجته كان هو الحد في الابتداء كما في الأجنبية ثبت بقوله تعالى والذين يرمون المحصنات الآية والدليل عليه ما روى ان ابن مسعود رضي الله عنه قال كنا جلوسا في المسجد ليلة الجمعة إذا دخل رجل انصاري فقال يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا فان قتل قتلتموه وان تكلم جلدتموه وان سكت سكت على غيظ ثم قال اللهم افتح فنزلت آية اللعان وقال صلي الله عليه وسلم لهلال بن أمية رضى الله عنه حين قذف امرأته بشريك بن سمحاء إيت بأربعة يشهدون على صدق مقالتك والا فحد على ظهرك وقالت الصحابة رضوان الله عليهم الآن يجلد هلال بن أمية رضى الله عنه فتبطل شهادته في المسلمين فثبت ان موجب القذف كان هو الحد ثم انتسخ ذلك باللعان في حق الزوجين واستقر الامر على ان موجب قذف الزوج الزوجة اللعان بشرائط نذكرها وعلى قول الشافعي موجبه الحد ولكنه يتمكن من اسقاط ذلك عن نفسه باللعان حتى لو امتنع الزوج من اللعان يقام عليه حد القذف وعندنا يحبس حتى يلاعن واستدل بقوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم في آية اللعان بيان المخرج للزوج بان تقام كلمات اللعان مقام أربعة من الشهداء لان في كلمات اللعان لفظة الشهادة وهي شهادات مؤكدة بالايمان مزكاة باللعن مؤكدة بالظاهر وهو ان الزوج لا يلوث الفراش على نفسه كاذبا ولهذا قلت بلعانه يجب حد الزنا عليها ثم تتمكن هي من اسقاط الحد عن نفسها بلعانها على أن يكون لعانها معارضا لحجة الزوج لانها شهادات مؤكدة بالايمان مزكاة بالتزام الغضب مؤيدة بالظاهر وهو ان المسلمة تمتنع من ارتكاب الحرام وفي كتاب الله تعالى إشارة إلى هذا فانه قال ويدرأ عنها العذاب أي يسقط الحد الواجب بلعان الزوج (وحجتنا) في ذلك قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم فهذا يقتضى ان يكون المذكور في الآية جميع موجب قذف الزوجة وذلك ينفي ان يكون الحد موجب هذا القذف مع اللعان ولو وجب الحد عليه لم يسقط الا بحجة وكلمات اللعان قذف أيضا فكيف يصح ان يكون القذف مسقطا لموجب القذف
[ 40 ] فعرفنا انه هو الموجب لما فيه من التزام اللعن وإذا امتنع منه يحبس حتى يلاعن لان من امتنع من ايفاء حق مستحق عليه لا تجرى النيابة في ايفائه يحبس حتى يأتي به ولا يجب عليها حد بلعانه لان شهادة المرء لسنه لا تكون حجة في استحقاق ما يثبت مع الشبهات على الغير ابتداء فكيف تكون حجة في استحقاق ما يندرئ بالشبهات وهذا لان الشهادات وان تكررت من واحد ليس بخصم لا تتم الحجة بها فمن الخصم أولى والعجب من الشافعي رحمه الله تعالى أنه يقول لو شهد الزوج مع ثلاثة نفر على زوجته بالزنا لا يجب الحد عليها فكيف يجب الحد بشهادته وحده ولكن اللعان مستحق عليها كما هو علي الزوج فإذا امتنعت حبست والمراد من قوله تعالى ويدرأ عنها العذاب الحبس لا الحد إذا عرفنا هذا فنقول من شرائط اللعان عندنا كون الزوجين من أهل الشهادة على الاطلاق وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه هذا ليس بشرط ولكن كل من كان من أهل الطلاق عنده فهو من أهل اللعان وهذا منه تناقض لانه يجعل كلمات اللعان شهادات في وجوب الحد بها ثم لا يشترط الاهلية للشهادة ولكن بقول اللعان من كلام الزوج موجب للفرقة فيكون بمنزلة الطلاق (وحجتنا) في ذلك ما بدأ به الباب فقال بلغنا عن رسول الله ﷺ أنه قال لالعان بين أهل الكفر وأهل الاسلام ولا بين العبد وامرأته وأهل الحديث يروون هذا بلفظ آخر وقد ذكره صاحب المشافهات في تفسيره أربعة لالعان بينهم وبين نسائهم المسلم إذا كان تحته كافرة والكافر إذا كان تحته مسلمة والحر إذا كان تحته أمة والعبد إذا كان تحته حرة فذلك تنصيص على اشتراط أهلية الشهادة فيهما وفى الآية إشارة إلى هذا فانه قال ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم والمراد بالشهداء من يكون أهلا للشهادة مطلقا والمستثني من جنس المستثنى منه وقال الله تعالى فشهادة أحدهم وهذا شأن شهادة شرعية ولا يتحقق ذلك ممن ليس بأهل للشهادة ثم المسلم إذا كان تحته كافرة فهى ليست بمحصنة وكما ان قذف الاجنبية إذا لم تكن محصنة لا يوجب الحد فكذلك قذف الزوج زوجته اذالم تكن محصنة لا يوجب اللعان وكذلك الحر إذا كان تحته أمة فاما الكافر إذا كان تحته مسلمة بأن أسلمت امرأته فقذفها قبل ان يعرض عليه الاسلام فهو ليس من أهل الشهادة عليها وكذلك العبد إذا كان تحته حرة فلا يكون قذفه اياها موجبا للعان ولكنه يكون موجبا حد القذف لان القذف بالزنا لا ينفك عن موجب فإذا خرج من أن يكون موجبا للعان لمعني في القاذف
[ 41 ] كان موجبا للحد وكذلك المحدود في القذف إذا قذف امرأته لان الدلالة قامت لنا على ان اقامة حد القذف عليه مبطل لشهادته ومخرج له من ان يكون أهلا لاداء الشهادة وكذلك ان كانت المرأة محدودة في قذف فلا لعان بينهما لانعدام أهلية اداء الشادة في جانبها الا أنه إذا كانت هي المحدودة في القذف فلا حد على الزوج ولا لعان لان قذفه باعتبار حاله موجب للعان فلا يكون موجبا للحد إذ لا يجمع بين الموجبين ولكن امتنع جريان اللعان لمعنى من جهتها فهو كما لو صدقت الزوج بخلاف ما إذا كان الزوج هو المحدود لان قذفه باعتبار حاله لم يكن موجبا للعان فكان موجبا للحد إذ هي محصنة ولو كانا محدودين في قذف فعليه الحد أيضا لان قذفه باعتبار حاله غير موجب للعان فيكون موجبا للحد ولا يجوز ان يقال امتناع جريان اللعان هنا لكونها محدودة لان أصل القذف يكون من الرجل وانما يظهر حكم المانع في جانبها بعد قيام الاهلية في جانب الرجل فأما بدون الاهلية في جانبه لا معتبر بحالها وكذلك العبد يقذف الحرة المحدودة تحته لانها محصنة وان قذف العبد امرأته وهى مملوكة أو مكاتبة فلا حد عليه ولا لعان لانها ليست بمحصنة وكذلك الحر يقذف امرأته وهى أمة أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة أو مستسعاة في قول ابى حنيفة رحمه الله لانها بمنزلة المكاتبة فلا تكون محصنة مع قيام الرق ولكنه يعذر لذلك أسواطا لان قذف المملوك يوجب التعزير لمعنى هتك الستر واشاعة الفاحشة والعبد إذا قذف امرأته الحرة المسلمة فعليه الحد لان قذفه باعتبار حاله غير موجب للعان فيلزمه الحد لكونها محصنة (قال) وإذا قذف الاعمى امرأته وهى عمياء والفاسق قذف امرأته فعليهما اللعان لان الفاسق من أهل الشهادة ولكن لا تقبل شهادته لعدم ظهور رجحان جانب الصدق ولهذا أمر الله تعالى بالتثبت في خبره والتثبت غير الرد بخلاف المحدود في القذف فانه محكوم ببطلان شهادته كما قالت الصحابة رضوان الله عليهم فتبطل شهادته في المسلمين والدليل عليه أن الفاسق إذا شهد في حادثة فرد القاضى شهادته ثم أعادها بعد التوبة لم تقبل ولو لم يكن المردود شهادة لكانت مقبولة بعد التوبة وكذلك الاعمي من أهل الشهادة الا أنه لا تقبل شهادته لنقصان في ذاته وهو أنه لا يميز بين المشهود له والمشهود عليه الا بالصوت والنغمة ولان شهادته جائزة في قول بعض الفقهاء يعني إذا تحمل وهو بصير ثم أدى بعد العمي تقبل شهادته عند أبي يوسف رحمه الله تعالى فإذا كان من أهل الشهادة كان من أهل اللعان أيضا (قال) وإذا قذف امرأته وقد زنت
[ 42 ] فلاحد عليه ولا لعان لانها ليست بمحصنة وهو صادق فيما رماها به من الزنا وكذلك ان وطئت وطئا حراما يريد به الوطئ بشبهة وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال يلاعنها وهو قول ابن أبى ليلى لان هذا الوطئ مثبت للنسب موجب للعدة والمهر فلا يسقط به الاحصان كوطئ المنكوحة في حالة الحيض ولكنا نقول وطئ غير مملوك فيكون في معنى الزنا فيسقط به الاحصان ولكن لا يجب به الحد للشبهة والشبهة تصلح لاسقاط الحد لا لايجابه فلو أوجبنا على قاذفها الحد واللعان كان فيه ايجاب الحد بالشبهة وبهذا فارق حكم النسب والعدة لانه يثبت مع الشبهة (قال) وإذا قذفها وهي صغيرة أو هو صغير فلا حد ولا لعان اما الصبي فقوله هدر فيما يتعلق به اللزوم والصغيرة ليست بمحصنة وكذلك ان كان أحدهما مجنونا أو معتوها وكذلك ان كان أحدهما أخرس اما إذا كان الزوج هو الاخرس فقذفه لا يوجب الحد ولا اللعان عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يوجب لان إشارة الاخرس كعبارة الناطق ولكنا نقول لابد من التصريح بلفظ الزنا ليكون قذفا موجبا للحد أو اللعان ولا يتأتى هذا التصريح في إشارة الاخرس فان اشارته دون عبارة الناطق بالكتابة ولانه لابد من لفظ الشهادة في اللعان حتى ان الناطق لو قال أحلف مكان قوله أشهد لا يكون صحيحا وبعض أصحاب الشافعي رحمه الله تعالى يرتكبون هذا ولكنه مخالف للنص فإذا ثبت أنه لابد من لفظ الشهادة وذلك لا يتحقق باشارة الاخرس وكذلك ان كانت هي خرساء لان قذف الخرساء لا يوجب الحد على الأجنبي لجواز ان تصدقه لو كانت تنطق ولا تقدر على اظهار هذا التصديق باشارتها واقامة الحد مع الشبهة لا يجوز (قال) وإذا قذف الحر المسلم امرأته الحرة المسلمة بالزنا فان كفت عن مرافعته فهي امرأته لان حقيقة زناها لا ينافي بقاء النكاح بينهما فالنسب إلى الزنا أولى واللعان هنا كالحد في قذف الاجانب وذلك لا يستوفى الا بطلب المقذوف فهذا مثله وان دفعته بدأ الامام بالرجل فأمره ان يلاعن كما قال الله تعالى في كتابه يقوم فيشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا والخامسة أن لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا ثم تقوم المرأة فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنا والخامسة ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين فيما رماها به من الزنا اما قيامهما ليس بشرط فسره الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى قال لا يضره اللعان قائما أو قاعدا لان اللعان شهادة أو يمين فالقائم والقاعد فيه سواء
[ 43 ] وذكر في النوادر عن الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه لابد ان يقول إنى لمن الصادقين فيما رميتك به من الزنا وهى تقول أنت من الكاذبين فيما رميتني به من الزنا لانه إذا ذكر بلفظة الغائبة يتمكن فيه شبهة واحتمال فلابد من لفظ الخطاب وفى ظاهر الرواية لم يعتبر هذا لان كل واحد منهما يشير إلى صاحبه والاشارة أبلغ أسباب التعريف فإذا فرغا من اللعان فرق الامام بينهما لحديث سهل بن سعد رضى الله عنه أن النبي ﷺ لما لاعن بين العجلاني وامرأته فقال العجلاني كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فهى طالق ثلاثا ففارقها قبل أن يأمره رسول الله ﷺ بأن يفارقها فكانت سنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم الفرقة لا تقع عندنا الا بتفريق القاضي وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه تقع بنفس لعان الزوج وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يقع الفرقة بلعانهما فالشافعى رحمه الله تعالى يقول سبب هذه الفرقة قول من الزوج مختص بالنكاح الصحيح فيتم به كالطلاق وزفر رحمه الله تعالى يستدل قوله ﷺ المتلاعنان لا يجتمعان أبدا فنفي الاجتماع بعد التلاعن تنصيص على وقوع الفرقة بينهما ولكنا نستدل بالحديث الذى روينا فان العجلاني رضى الله تعالى عنه أوقع الثلاث عليها بعد التلاعن ولم ينكر عليه رسول الله ﷺ ولو وقعت الفرقة بينهما لانكر عليه فان قيل قد أنكر عليه بقوله اذهب فلا سبيل لك عليها (قلنا) ذاك منصرف إلى طلبه رد المهر فانه روى أنه قال ان كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها وان كنت كاذبا فابعد اذهب فلا سبيل لك عليها ولان الراوى قال فذلك السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما فدل أنه لا تقع الفرقة الا بالتفريق وكان التفريق هنا بمنزلة فسخ البيع بسبب التحالف عند الاختلاف في الثمن ثم هناك لا ينفسخ البيع ما لم يفسخ القاضى فكذلك هنا وهذا لان مجرد اللعان غير موضوع للفرقة ولا هو مناف للنكاح الا أن الفرقة بينهما لقطع المنازعة والخصومة وفوات المقصود بالنكاح مع اصرارهما على كلامهما فلا يتم الا بقضاء القاضى فأما قوله ﷺ المتلاعنان لا يجتمعان أبدا حقيقة هذا اللفظ حال تشاغلهما باللعان كالمتقاتلين والمتضاربين فزفر رحمه الله تعالى يوافقنا أن في حال تشاغلهما باللعان لا تقع الفرقة بينهما ثم ذكر عن إبراهيم رضى الله تعالى عنه قال اللعان تطليقة بائنة وإذا أكذب الملاعن نفسه جلد الحد وكان خاطبا من الخطاب وبه أخذ أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى
[ 44 ] فقالا الفرقة باللعان تكون فرقة بالطلاق وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تكون فرقة بغير طلاق بناء على ان عند أبى يوسف يثبت باللعان الحرمة المؤبدة بينهما وهو قول الشافعي رضي الله عنه وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا تتأبد الحرمة بسبب اللعان حجتهما في ذلك قوله ﷺ المتلاعنان لا يجتمعان أبدا وهكذا نقل عن عمر وعلى وابن مسعود رضي الله عنهم والمعنى فيه ان سبب هذه الفرقة يشترك فيه الزوجان والطلاق يختص به الزوج فما يشترك الزوجان فيه لا يكون طلاقا ومثل هذا السبب متى كان موجبا للحرمة كانت مؤبدة كالحرمة بالرضاع توضيحه ان ثبوت الحرمة هنا باللعان نظير حرمة قبول الشهادة بعد الحد في قذف الاجنبي وذلك يتأبد فكذلك هنا وحجة أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان الثابت بالنص اللعان بين الزوجين فلو اثبتنا به الحرمة المؤبدة كان زيادة على النص وذلك لا يجوز خصوصا فيما كان طريقه طريق العقوبات ثم هذه فرقة تختص بمجلس الحكم ولا يتقرر سببه الا في نكاح صحيح فيكون فرقة بطلاق كالفرقة بسبب الجب والعنة وهذا لان باللعان يفوت الامساك بالمعروف فيتعين التسريح بالاحسان فإذا امتنع منه ناب القاضي منابه فيكون فعل القاضى كفعل الزوج وإذا ثبت انه طلاق والحرمة بسبب الطلاق لا تتأبد فاما الحديث فقد بينا ان حقيقة المتلاعنين حال تشاغلهما باللعان ومن حيث المجاز انما يسميان متلاعنين ما بقى اللعان بينهما حكما وعندنا لا يجتمعان ما بقى اللعان بينهما حكما وانما تجوز المناكحة بينهما إذا لم يبق اللعان بينهما حكما لانه إذا أكذب نفسه يقام عليه الحد لا قراره على نفسه بالتزام الحد ومن ضرورة اقامة الحد عليه بطلان اللعان ولا يبقي أهلا للعان بعد اقامة الحد وكذلك ان أقرت المرأة بالزنا فقد خرجت من أن تكون أهلا للعان وكذلك ان قذفت رجلا فاقيم عليها الحد فعرفنا ان حل المناكحة بينهما بعد ما بطل حكم للعان فلا يكون في هذا اثبات الاجتماع بين المتلاعنين (قال) وإذا أنكر الزوج القذف فاقامت المرأة به البينة عليه وجب اللعان بينهما وعلى قول ابن أبى ليلى يلاعن ويحد اما اللعان فلان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم ثم قال ابن أبى ليلى انكاره بمنزلة إكذابه نفسه فيقام عليه الحد ولكنا نقول انكاره نفى القذف وإكذابه نفسه تقرير القذف فكيف يستقيم اقامة انكاره مقام اكذابه نفسه فلهذا لا يحد (قال) وإذا نفى الرجل حبل امرأته فقال هو من زنا فلا لعان بينهما ولاحد قبل الوضع في قول علمائنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى
[ 45 ] يلاعنها لحديث هلال بن أمية رضى الله عنه فانه قذف امرأته بنفى الحمل وقد لاعن رسول الله ﷺ بينهما ولان الحبل يعرف وجوده بالظاهر ويتعلق به أحكام شرعا نحو الرد بالعيب والميراث والوصية به وله فكذلك يثبت حكم اللعان بنفيه (وحجتنا) ما قال في الكتاب ان نفى الحبل ليس بشى لانه لا يدرى لعله ريح واللعان في قذف الزوج زوجته بمنزلة الحد في قذف الاجنبية فلا يجوز اقامنه مع الشبهة بخلاف حكم الرد بالعيب فانه يثبت مع الشبهات والارث والوصية تتوقف على انفصال الولد ولا تتقرر في الحال فاما الحديث من أصحابنا من قال أنه قذفها بالزنا نصا فانه قال وجدت شريك بن سمحاء على بطنها يزنى بها ثم نفي الحبل بعد ذلك وعندنا إذا قذفها بالزنا نصا يلاعنها علي ان النبي ﷺ عرف من طريق الوحى انها حبلى حتى قال ان جاءت به أحيمر على نعت كذا فهو لهلال ابن أمية رضي الله عنه وان جاءت به أسود جعدا حماليا فهو لشريك فجاءت به على النعت المكروه فقال ﷺ لولا الايمان التى سبقت لكان لى ولها شأن ومثل هذا لا يعرف الا بطريق الوحى ولا يتحقق مثله في زماننا ثم عند أبى حنيفة إذا جاءت بالولد يثبت نسبه من الزوج ولا يجرى اللعان بينهما بذلك النفى وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا جاءت بالولد لاكثر من ستة أشهر منذ نفي فكذلك وان جاءت به لاقل من ستة أشهر لاعن ولزم الولد أمه لانا تيقنا ان الحبل كان موجودا حين نفاه عن نفسه فكان هذا ونفيه بعد الولادة سواء والدليل عليه حكم الوصية والميراث فانه يثبت إذا جاءت به لاقل من ستة أشهر لتيقننا انه كان موجودا وقت السبب وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أصل هذا القذف لم يكن موجبا للعان فلا يصير موجبا بعد ذلك لانه حينئذ يكون هذا في معنى قذف مضاف والقذف لا يحتمل الاضافة ولا التعليق بالشرط وبه فارق الوصية والميراث لانه يمكن اثباته على سبيل التوقف والاضافة إلى ما بعد الانفصال يقرره انه لو لاعنها قبل الوضع كما قال الشافعي يحكم على الحبل بقطع نسبه من الزوج إذ النسب من حق الولد والزام الحكم على الحمل لا يجوز فإذا تعذر نفي النسب عند النفى لا يصير محتملا للنفي بعد ذلك ولو لا عنها بعد الوضع لنفي النسب عنه وذلك لا يجوز وإذا تعذر نفى النسب يتعذر اللعان كما لو ولدت ولدا ميتا وإذا لاعنها بغير ولد فلها النفقة والسكني في العدة لان وقوع الفرقة بسبب من جهة الزوج ولهذا كان طلاقا فإذا جاءت بولد ما بينها وبين سنتين لزمه الولد لانها جاءت به لمدة يتوهم
[ 46 ] أن العلوق في حال قيام النكاح وان لم يكن عليها عدة لزمه الولد ما بينه وبين ستة أشهر كما لو وقعت الفرقة بينهما بسبب آخر ولو نفي هذا الولد لم يجز اللعان بينهما عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى يجرى اللعان بينهما لان الاصل عنده أن اللعان يجرى لنفى الولد مقصودا ولهذا قال في النكاح الفاسد إذا دخل بها الزوج ثم جاءت بولد فنفاه يجرى اللعان بينهما لنفى الولد مقصودا وهذا لانه محتاج إلى أن ينفى عن نفسه نسبا ليس منه واللعان مشروع لحاجته فأما عندنا حكم اللعان ثبت بالنص في الزوجات قال الله تعالى والذين يرمون أزواجهم ولا زوجية في النكاح الفاسد ولا بعد البينونة ولانه لو جرى اللعان بينهما انما يجرى لنفى الولد وقد حكم الشرع بثبوت نسب الولد منه حين أوجب المهر والعدة بالنكاح الفاسد وبعد الحكم بثبوت النسب لا يتصور نفيه توضيحه أن نفي النسب تبع لقطع الزوجية والتفريق بينهما وقيام التبع بالمتبوع فإذا تعذر الحكم عليه بقطع الزوجية يمتنع جريان اللعان بينهما (قال) وإذا لاعنها بولد ثم جاءت بولد بعد ذلك لستة أشهر أو أكثر ما بينها وبين السنتين لزمه هذا الولد لان العلوق به موهوم أنه كان في حال قيام النكاح (قال) وإذا ولدت المرأة ولدين في بطن واحد فأقر بالاول ونفي الثاني لزمه الولدان ويلاعنها فان نفي الاول وأقر بالثاني لزماه ويحد لان اقراره بنسب أحدهما اقرار بنسبهما فانهما توأم لا ينفصل أحدهما عن الآخر في حكم النسب لعلمنا انهما خلقا من ماء واحد فإذا أقر بالاول كان هذا كاقراره بهما ثم في نفي الثاني هو قاذف لها بالزنا فيلاعنها وان نفي الاول فقد صار قاذفا لها بالزنا وحين أقر بالثاني فقد أكذب نفسه فيلزمه الحد ونسب الولدين ثابت منه لان اقراره باحدهما كاقراره بهما وان نفاهما ثم مات أحدهما قبل اللعان فانه يلاعن على الحي منهما وهما ولداه لان الذى مات قد لزمه نسبه ألا ترى أنه يرثه لو كان له مال وانه لو قتل كان له الميراث من ديته والحكم بثبوت نسب أحدهما منه حكم بثبوت نسبهما فلا يحتمل النفي بعد ذلك ولانه لو قطع نسب هذا الحى منه قطع نسب الميت أيضا والنسب كما لا يمكن اثباته بعد الموت بالدعوة لا يمكن قطعه بالنفي لان فيه الزام الحكم على الميت من غير خصم عنه فان الاخ لا ينتصب خصما عن أخيه ولكن لا يمتنع جريان اللعان بينهما لانه قذفها بالزنا وليس من ضرورة اللعان قطع النسب والنسب انما لزمه حكما فلا يكون ذلك بمنزلة اكذابه نفسه في منع جريان اللعان بينهما وكذلك لو كانت ولدت أحدهما ميتا فنفاهما لان المولود ميتا ثابت النسب منه
[ 47 ] حتى لو ضرب انسان بطنها فلزمته الغرة كان للوالد منه الميراث وإذا لزمه نسب أحدهما لزمه نسبهما (قال) وان ولدت ولدا فنفاه ولاعن به ثم ولدت من الغد ولدا آخر لزمه الولدان جميعا واللعان ماض لان نسب الذى كان في البطن لم يثبت فيه حكم الحاكم لما فيه من الزام الحكم على الحمل وذلك ممتنع ولا يجوز أن يتوقف على الانفصال فإذا انفصل كان ثابت النسب منه وهما توأم إذ ليس بينهما مدة حبل تام ومن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر ولان اعتبار جانب الذى كان منفصلا وقت اللعان يوجبه نفى النسب واعتبار جانب الآخر يثبت النسب وانما يحتاط لاثبات النسب لا لنفيه فان قال هما ابناى كان صادقا ولا حد عليه لان نسبهما منه يثبت شرعا فهو بهذا اللفظ يخبر عما يلزمه شرعا فلا يكون اكذابا منه نفسه توضيحه أن كلامه محتمل يجوز أن يكون مراده الا كذاب بدعوى النسب ويجوز أن يكون مراده الاخبار بما لزمه شرعا والحد لا يجب مع الاحتمال وان قال ليسا بابني كانا ابنيه لان نسبهما لزمه حكما فلا يملك نفيه ولا حد عليه لانه بهذا اللفظ كرر القذف الذى لاعنها به فلا يلزمه بالتكرار حد ولو قال كذبت في اللعان وفيما قذفها به كان عليه الحد لانه صرح به كذابه نفسه وذلك يوجب الحد عليه (قال) ولو نفى ولد زوجة محدودة أو كتابية أو مملوكة والزوج حر أو عبد كان نفيه باطلا ويلزم الولد اياه لان النسب قد ثبت منه بالفراش فلا ينقطع الا باللعان وقد تعذر اثبات بينهما لانعدام أهلية الشهادة فيهما أوفى أحدهما فيبقي النسب ثابتا منه ولاحد على الزوج ولا لعان وقد أجمل هذا الجواب لانه في السؤال ذكر الزوج العبد والمرأة المحدودة وقد بينا فيما سبق ان العبد إذا قذف امرأته المحدودة فعليه الحد فيحمل هذا الجواب على ما إذا كان الزوج حرا مسلما حتى يمتنع جريان اللعان من قبلها فحينئذ لا يجب الحد ولا اللعان (قال) وإذا التعن الرجل ثلاث مرات والتعنت المرأة ثلاث مرات ثم فرق القاضى بينهما فقد أخطأ السنة والفرقة جائزة عندنا وعلى قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى حكمه بخلاف السنة باطل فلا تقع الفرقة بينهما لانه حكم بخلاف النص فان اللعان بالكتاب والسنة خمس مرات والحكم بخلاف النص باطل كما لو حكم بشهادة ثلاثة نفر في حد الزنا أو بشهادة رجل وامرأة بالمال (وحجتنا) في ذلك ان هذا حكم في موضع الاجتهاد فيجوز وينفذ كالحكم بشهادة المحدود في القذف ونحوها وبيانه من وجهين أحدهما ان ما شرع مكررا من واحد فقد يقام الاكثر منه مقام
[ 48 ] الكل والثاني ان تكرار اللعان للتغليظ ومعنى التغليظ يحصل بأكثر كلمات اللعان لانه جمع متفق عليه وأدنى الجمع كأعلاه في بعض المواضع فإذا اجتهد القاضى وأدي اجتهاده إلى هذا الحكم نفذ حكمه ألا ترى انه لو فرق بينهما بعد لعان الزوج قبل لعان المرأة ينفذ حكمه لكونه مجتهدا فيه فبعد ما أتى كل واحد منهما بأكثر كلمات اللعان أولى ولا نسلم ان قضاءه مخالف للنص لان أصل الفرقة ومحلها غير مذكور في النص وهذا الاجتهاد في محل الفرقة فان من أبطل هذا القضاء يقول لا تقع الفرقة وان أتمت المرأة اللعان بعد ذلك ولا ينفذ حكمه وان أتم الزوج اللعان وانما تقع الفرقة عنده بلعان الزوج ولو فرق بينهما بعد ما التعن كل واحد منهما مرتين لم ينفذ حكمه لان بقاء أكثر اللعان كبقاء جميعه فهذا حكم في غير موضع الاجتهاد فان أقل الشئ لا يقوم مقام كماله (قال) ولو فرغا من اللعان فلم يفرق بينهما حتى مات أحدهما توارثا لان الفرقة عندنا لا تقع الا بقضاء القاضى فانما انتهى النكاح بينهما بالموت (قال) ولو أخطأ القاضى فأمر المرأة فبدأت باللعان ثم التعن الرجل كان عليه ان يأمر المرأة باعادة اللعان لانها التعنت قبل أو انه فان اللعان مشروع في جانبها لمعارضة لعان الزوج لانها لا يثبت بلعانها شئ على الزوج وما حصل قبل أوانه لا يعتد به فيأمرها باستقبال اللعان فان لم يأمرها بذلك وفرق بينهما وقعت الفرقة كما أو التعن الزوج ولم تلتعن المرأة حتى فرق بينهما لانه حكم في موضع الاجتهاد لان فيما طريقه على طريق المعارضة لافرق بين ان يسبق هذا أو ذاك وفي باب التحالف له ان يبدأ بيمين أيهما شاء ولانهما متلاعنان سواء بدأت هي أو هو وحكمه في موضع الاجتهاد نافذ (قال) وإذا قذف أجنبية ثم تزوجها فقذفها فرافعته فيهما جلد الحدود رئ اللعان لان موجب قذفه قبل التزوج الحد وموجب قذفه بعد التزوج اللعان ولكن متى اجتمع الحدان عند الامام وفى البداية بأحدهما إسقاط الآخر بدئ بما فيه اسقاط الآخر احتيالا للدرء ولو بدأ باللعان هنا لم يسقط الحدولو بدأ بالحد يسقط اللعان لان المحدود في القذف لا يلاعن امرأته فلهذا يبدأ بالحد ولو أخذته بالآخر وتركت الاول لاعنها لان حد القذف لا يقام الا بطلب المقذوف فاذالم يطلب صار القذف الاول كالمعدوم في حق الثاني وقد وجد منها الخصومة في الثاني فيلاعنها فان أخذته بعد ذلك بالاول ضرب الحدلان بترك الطلب زمانا لا يسقط حقها في المطالبة بحد القذف بعد تقرر الموجب لحد القذف وان بدأت بالاول حدلها فان أخذته بعد ذلك بالآخر لم يلزمه حد
[ 49 ] ولا لعان لان القذف الثاني كان موجبا للعان وقد تعذر اقامته حين صار محدودا في قذف ولو كان موجبا للحد لايقام الاحد واحد وقد أقيم ذلك بعد القذفين (قال) وإذا قذف امرأته مرات فعليه لعان واحد لان اللعان في كونه موجب قذف الزوجات كالحد في حق الاجنبيات والحد لا يتكرر بتكرر القذف لشخص واحد (قال) وإذا قذف أربع نسوة في كلمة واحدة أوفى كلمات متفرقة فعليه أن يلاعن كل واحدة منهن على حدة بخلاف ما لو قذف أجنبيات فانه يقام عليه حد واحد لهن لان المقصود يحصل باقامة حد واحد وهو دفع عارالزنا عنهن وهنا لا يحصل المقصود بلعان واحد لانه يتعذر الجمع بينهن في كلمات اللعان فقد يكون صادقا في بعضهن دون البعض والمقصود التفريق بينه وبينهن ولا يحصل ذلك باللعان مع بعضهن فلهذا يلاعن كل واحدة منهن على حدة حتى لو كان محدودا في قذف كان عليه حد واحد لهن لان موجب قذفه لهن الحد هنا والمقصود يحصل بحد واحد كما في الاجنبيات (قال) ولو قذف رجلا فضرب بعض الحد ثم قذف امرأة نفسه لم يكن عليه لعان وعليه تمام الحد لذلك الرجل لان قذفه اياها موجب للعان فان باقامة بعض الحد عليه لا تبطل شهادته ولكن لابد من اكمال الحد لذلك الرجل اولالان في البداية به لسقاط اللعان فانه يصير محدودا في قذف فيبدا باكمال الحد الاول لهذا ولو كان قذفه اياها في هذه الحالة موجبا للحد لم يجب الاكمال الحد الاول كما لو قذف أجنبيا آخر (قال) وإذا قذف امرأته ثم بانت منه بطلاق أو غيره فلا حد عليه ولالعان لان المقصود باللعان التفريق بينهما ولا يتأتى ذلك بعد البينونة فلا معنى للعان بعد فوات المقصود به ولا حد عليه لان قذفه كان موجبا للعان والقذف الواحد لا يوجب الحدين ولو أكذب نفسه لم يضرب الحد أيضا لهذا المعنى بخلاف مالو أكذب نفسه بعد مالاعنها لان وجوب اللعان هناك بأصل القذف والحد بكلمات اللعان فقد نسبها فيها إلى الزنا وانتزع معنى الشهادة باكذابه نفسه فيكون هذا نظير الشهود بالزنا فاما هنا لم توجد كلمات اللعان فلهذا لا يحد وان أكذب نفسه (قال) ولو قال انت طالق ثلاثا يا زانية كان عليه الحد لانها بانت بالتطليقات الثلاث فانما قذفها بالزنا بعد البينونة فعليه الحد ولو قال يا زانية أنت طالق ثلاثا لم يلزمه حد ولا لعان لانه قذفها وهى منكوحة ثم أبانها بالتطليقات وقد بينا انه بعد ما قذفها إذا أبانها لم يلزمه حد ولا لعان وهذا لانه وان ذكر كلامه على سبيل النداء فقد نسبها به إلى الزنا لان النداء للتعريف وتعريفها بهذا الوصف نسبتها إليه بابلغ الجهات
[ 50 ] (قال) وإذا علق القذف بشرط لم يجب حد ولا لعان لان القذف مما لا يحلف به فلا يتعلق بالشرط ولان التعلق بالشرط يمنع تحقق نسبتها إلى الزنا في الحال ولان من لا تكون زانية قبل دخول الدار لا تكون زانية بدخول الدار وكذلك لو قال إذا تزوجتك فانت زانية أو انت زانية ان شاء فلان فهو باطل لما قلنا (قال) ولو قال لامرأته قد زنيت قبل أن أتزوجك أو رأيتك تزنين قبل ان أتزوجك فهو قاذف اليوم وعليه اللعان لان القذف نسبتها إلى الزنا وقد تحقق ذلك في الحال بخلاف مالو قال قذفتك بالزنا قبل ان أتزوجك فانه يجب عليه الحد لانه ظهر باقراره قذف قبل التزوج فهو كما لو ثبت ذلك بالبينة بخلاف مالو قال لهازنيت وأنت صغيرة فانه لاحد عليه ولا لعان فان فعل الصغيرة لا يكون زنا شرعا فقد نسبها إلى مالا يتحقق شرعا فيكون هذا بمنزلة مالو نسبها إلى مالا يتحقق اصلا بأن قال زنيت قبل ان تخلقي فاما ما قبل التزوج يتحقق منها فعل الزنا شرعا ولان الصغيرة لا يلحقها العار ولا الاثم شرعا والقذف بالزنا يتعير به المقذوف وقد يكون فيه آثما شرعا وان قال لها فرجك زان أو جسدك زان أو بدنك زان فهو قذف لانه ذكر ما يعبر به عن جميع البدن بخلاف الرجل واليد وبأى لغة رماها بالزنا فهو قاذف لان ما يلحقها من العار والشنار بالنسبة إلى الزنا لا يختلف بين العربية والفارسية وإذا قال وجدت رجلا معها يجامعها لم يكن قاذفا لان الجماع قد يكون حلالا وشبهة وبدون التصريح بالزنا لا يكون القذف موجبا كما في حق الاجانب ما لم يصرح بالزنا لا يكون موجبا للحد (قال) رجل قال لامرأته يا زانية فقالت بل أنت فانها تحد له ويدرأ اللعان لان معنى كلامها لابل أنت الزانى وقذفها اياه موجب للحد وفى البداية به اسقاط اللعان لانها تصير محدودة في قذف وقد بينا أنه متى كان في البداية باحد الحدين اسقاط الاخر يبدأ به وذكر في الاصل أنه لو قال لامرأته يا زانى فعليه اللعان لانه قاذف لها وان أسقط الماء من كلامه لان الاسقاط للترخيم عادة العرب بخلاف مالو قال لرجل يا زانية لم يكن عليه حد في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وهي مسألة الحدود وقذف الاصم امرأته يوجب اللعان لان التصريح بالنسبة إلى الزنا يتحقق من الاصم بخلاف الاخرس ولو قذف رجل امرأة رجل فقال الزوج صدقت لم يكن عليه حد ولا لعان لانه ليس بتصريح بالنسبة لها إلى الزنا فمن الجائزان مراده صدقت هي امرأته وهذا اللفظ لا يكون قذفا في حق الاجانب فكذك في حق الزوجة (قال) وان قال يا زانية فقالت زنيت
[ 51 ] بك في القياس يلاعنها لان كلامها ليس باقرار بالزنا منها فان فعل المرأة بزوجها لا يكون زنا ولكن في الاستحسان ليس بينهما حد ولا لعان لانها بأول كلامها صارت مصدقة له حين قالت زنيت ولان كلامها محتمل لعلها أرادت زنيت بك قبل النكاح ولعلها أرادت بعد النكاح فلاحتمال الوجه الاول يسقط اللعان ولاحتمال الوجه الثاني لا تكون هي قاذفة له فلا يلزمها الحد وان قال يا زانية فقالت أنت أزنى منى فعليه اللعان لان كلامها ليس بقذف له فان معناه أنت أقدر على الزنا مني ولهذا لو قذف الاجنبي بهذا اللفظ لا يلزمه الحد وكذلك لو قال الزوج أنت أزنى من فلانة أو أنت أزنى الناس فلا حد ولا لعان لان معنى كلامه أنت أقدر على الزنا أو أكثر شبقا فلا يتحقق نسبتها إلى الزنا بهذا اللفظ وإذا قذفها أو نفى نسب ولدها فصدقته لم يكن بينهما حد ولا لعان لانها بتصديق الزوج فيما نسبها إليه من الزنا تخرج من أن تكون محصنة والولد ولده لان النسب يثبت منه بالفراش فلا ينتفى الا باللعان وقد تعذر اللعان بينهما فان قذف امرأة رجل فقال الرجل صدقت هي كما قلت كان قاذفا لها لانه صرح بآخر كلامه أن مراده من التصديق أو الكلام ومعناه هي زانية كما قلت بخلاف ما لو قال مطلقا صدقت ولو قال لامرأته يا زانية بنت الزانية فقد صار قاذفا لها ولامها وقذفه أمها موجب للحد وقذفه إياها موجب للعان فإذا رفعته هي وأمها بدئ بالحد لما في البداية به من اسقاط اللعان وكذلك ان كانت الام ميتة فللبنت أن تخاصم في اقامة الحد لان العار يلحقها بزنا أمها فإذا خاصمت في ذلك حد لها ودرئ اللعان وان قال زنيت مستكرهة أو زني بك صبى لم يكن قاذفا لها لان المستكرهة لا تكون زانية شرعا فان الفعل ينعدم منها وهو التمكين في الاكراه ولهذا لا يلزمها الحد وكذلك فعل الصبى لا يكون زنا شرعا وهى بالتمكين من غير الزنا لا تكون زانية فلا يكون قاذفا لها ولو قذفها ثم وطئت وطئا حراما سقط اللعان لانها خرجت من ان تكون محصنة والعارض في الحدود قبل الاقامة كالمقترن بأصل السبب (قال) واذ ولدت المرأة ولدا ثم نفى الولد بعد سنة لاعنها ولم ينتف الولد انما استحسن إذا نفاه حين يولد أو بعد ذلك بيوم أو يومين أو نحو ذلك ان ينتفي باللعان فهذا قول أبى حنيفة رضي الله ولم يكن وقت فيه وقتا وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى الوقت فيه أيام النفاس أربعون يوما وجه قولهما ان مدة النفاس كحالة الولادة بدليل انها بدليل انها لا تصوم فيه ولا تصلى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول اذالم يكن الولد منه لا يحل له ان يسكت عن نفيه بعد
[ 52 ] الولادة فيكون سكوته عن النفى دليل القبول وكذلك يهنى بالولد عند الولادة فقبوله بالتهنئة اقرار منه الولد منه وكذلك يشترى ما يحتاج إليه لاصلاح الولد عادة وبعد وجود دليل القبول ليس له ان ينفيه وكان القياس ان لا يصح نفيه الاعلى فور الولادة وبه أخذ الشافعي ولكنه استحسن أبو حنيفة رحمه الله فقال له ان ينفيه بعدن ذلك بيوم أو يومين لانه يحتاج إلى ان يروى النظر لئلا يكون مجازفا في النفي قال ﷺ من نفي نسب ولده وهو ينظر إليه فهو ملعون ولا يمكنه ان يروى النظر الا بمدة فجعلنا له من المدة يوما أو يومين وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة سبعة أيام في هذه المدة يستعد للعقيقة وانما تكون العقيقة بعد سبعة أيام ولكن هذا ضعيف فان نصب المقدار بالرأى لا يكون (قال) ولو كان الزوج غائبا حين ولدته فحضر بعد مدة يجعل في حقه في حكم النفى كأنها ولدته الآن الا أنه روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال ان حضر قبل الفصال فله أن ينفيه إلى أربعين ليلة ولو حضر بعد الفصال فليس له أن ينفيه لانه يقضى بنفقته عليه في ماله الذى خلفه ولو كان له أن ينفيه بعد الفصال لكان له ان ينفيه بعدما صار شيخا وهذا قبيح هذا كله ان لم يقبل التهنئة فاما إذا هنئ فسكت فليس له أن ينفيه بعد ذلك لان سكوته عند التهنئة بمنزلة قبوله التهنئة وذلك بمنزلة الاقرار بنسبه الا أنه روى عن محمد رحمه الله تعالى انه إذا هنئ بولد الامة فسكت لم يكن قبولا بخلاف ولد المنكوحة لان ولد الامة غير ثابت النسب منه فالحاجة إلى الدعوة والسكوت ليس بدعوة فاما نسب ولد المنكوحة ثابت منه فسكوته يكون مسقطا حقه في النفي (قال) وإذا لاعن بولد ولزم أمه ثم مات الولد عن مال فادعاه الاب لم يصدق على النسب والميراث لان الولد بالموت قد استغنى عن النسب فكان هذا منه دعوى الميراث وهو منافض في دعواه لكن يضرب الحد لانه أكذب نفسه وأقر أنه كان قاذفا لها في كلمات اللعان فان كان الولد ابنا له فمات وترك ولدا ذكرا أو أنثى ثبت نسبه من المدعى وورث الاب منه لان الولد الباقي محتاج الي النسب فبقاؤه كبقاء الولد الاول فأما إذا كان ولد الملاعنة بنتا فماتت عن ولد ثم أكذب الملاعن نفسه فكذا الجواب عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى (1) وعندهما لا يثبت النسب هنا لان نسب الولد القائم من جانب ابيه لامن جانب أمه قال القائل
(1) وجد في احدى النسخ بين هذه الجملة وما بعدها ما نصه (والجواب على العكس عند أبى
[ 53 ] وانما أمهات الناس أوعية مستودعات وللانساب آباء ألا ترى ان أولاد الخلفاء من الاماء يصلحون للخلافة وهذا وما لو ماتت لاعن ولد سواء ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الولد يتعير بانتفاء نسب أمه كما يتعير بانتفاء نسب أبيه فكان هذا الولد محتاجا إلى اثبات نسب أمه ليصير كريم الطرفين فيكون بقاؤه كبقائها كما لو كان ولد الملاعنة ذكرا وإذا ثبت النسب فالميراث ينبنى عليه حكما (قال) ولو ولدت امرأة الرجل فقال الزوج لم تلده فلا حد عليه ولا لعان لانه أنكر ولادتها وذلك لا يتضمن نسبتها إلى الزنا ولو شهدت امرأة على الولادة ثبت نسبه منها لقيام الفراش بينهما فإذا نفاه بعد ذلك لاعنها وان قال ليس هذا منى ولا منك لم يكن بهذا قاذفا لها لانه ينكر ولادتها هذا الولد بهذا اللفظ (قال) وإذا قذف امرأته ثم ارتدت ثم أسلمت ثم تزوجها لم يكن لها أن تأخذه بذلك القذف لانها بالردة خرجت من ان تكون محصنة ولانها بانت منه بالردة ولو بانت بسبب آخر لم يكن عليه حد ولالعان فإذا بانت بالردة أولى (قال) وإذا لاعن الرجل امرأته بغير ولد ثم قذفها هو أو غيره فعليه الحد لانها بقيت محصنة بعد اللعان والتفريق فان اللعان بينهما باعتبار كونها محصنة فلا تخرج به من أن تكون محصنة (قال) وان لاعنها بولد ثم قذفها هو أو غيره فلاحد عليه ولا لعان لانها في صورة الزانيات فان في حجرها ولدا لايعرف له والد فلا تكون محصنة فان ادعى الزوج الولد فجلد الحد وألزم الولد ثم قذفها قاذف فعليه الحد لانها خرجت من أن تكون في صورة الزانيات حين ثبت نسب ولدها من الزوج ولا حد على من كان قذفها قبل ذلك لان حال وجود السبب في الحدود معتبر لا محالة وقد كانت عند القذف في صورة الزانيات (قال) ولو ادعي الولد ثم مات قبل أن يحد ثبت نسب الولد منه بالدعوة وضرب من قذف المرأة بعده الحد وكذلك لو أقامت البينة على الزوج أنه ادعاه وهو ينكر ثبت نسبه منه وضرب الحد لان الثابت بالبينة على الزوج أنه ادعاه كالثابت بالاقرار ومن قذفها بعد ذلك ضرب الحد لانها خرجت من أن تكون في صورة الزانيات (قال) وإذا قذف الرجل امرأته فرافعته فأقامت
حنيفة رحمه الله تعالى لا يثبت وعندهما يثبت هكذا ذكر في عامة كتب الاصل وكذا ذكر شمس الائمة في آخر كتاب الولاء) وهذه ليست من الاصل وانما هي حاشية كتبت على الهامش فأدخلها الناسخ في الاصل ظنا انها منه اه مصححه
[ 54 ] شاهدين انه أكذب نفسه حد لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم أو بالمعاينة (قال) وإذا رجع الملاعنان إلى حال لا يتلاعنان فيه ابدا فان كان بعد التفريق حل له أن يتزوجها في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وان كان قبل التفريق لم يفرق بينهما وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يجتمعان أبدا وقد بينا هذه المسألة وحاصل مذهب أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أن التفريق بينهما والحرمة للتحرز عن تكرار اللعان وقد زال ذلك المعنى حين صارا إلى حال لا يتلاعنان فيه أبدا (قال) وإذا أسلمت امرأة الذمي فقذفها ثم أسلم فعليه الحد لانها كانت محصنة حين قذفها فكان اللعان ممتنعا باعتبار حال الزوج فانه كافر فلزمه الحدثم لا يسقط ذلك بعد اسلامه وكذلك العبد يعتق بعد ما قذف امرأته (قال) ولو قذف الحر امرأته الذمية أو الامة ثم أسلمت أو أعتقت لم يكن عليه حد ولا لعان لان امتناع جريان اللعان بمعنى من جهتها عند القذف فلا يجرى اللعان وان ارتفع المعنى بعد ذلك وإذا أعتقت المرأة الامة ثم قذفها الزوج فعليه اللعان لبقاء النكاح بينهما عندنا بعد ماعتقت فان اختارت نفسها بطل اللعان لوقوع الفرقة بينهما باختيارها نفسها ولا مهر عليه ان لم يكن دخل بها لان الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول وان لم تكن اختارت حتى يلاعنها ويفرق بينهما فعليه نصف المهر لان الفرقة محال بها على جانب الزوج هنا ولهذا قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى اللعان تطليقة بائنة وكذلك لو كان دخل بها ثم فرق بينهما باللعان فلها النفقة والسكني في العدة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب الشهادة في اللعان) (قال) رضى الله عنه وإذا شهد الزوج وثلاثة نفر على المرأة بالزنا جازت شهادتهم وأمضى عليها الحد عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لاتقبل شهادة الزوج على زوجته بالزنا لانه خصم في ذلك فانه يصير قاذفا لها مستوجبا للعان ولا شهادة للخصم ولانه شاهد طعن لان الزوج يغيظه زناها فيحمله ذلك على أن يشهد عليها لا بطريق الحسبة ولانه يدعى عليها الجناية في أمانته فالفراش أمانة الزوج عندها ولا شهادة للمدعى ولكنا نقول لو شهد عليها بحق آخر قبلت الشهادة لظهور العدالة وانتفاء التهمة فكذلك بالزنا بل أولى لان انتفاء التهمة هنا أظهر والظاهر أن الزوج يستر الزنا على امرأته لان ذلك يشينه ومعنى الغيظ الذى قال يبطل
[ 55 ] بالاب إذا شهد على ابنته بالزنا تقبل وان كان يغيظه زناها ولا معني لقوله أنه خصم لان اخراجه الكلام مخرج الشهادة في الابتداء يمنع كون خصما مستوجبا للعان كالأجنبي فان قذف الأجنبي موجب للحد ثم إذا أخرج الكلام مخرج الشهادة في الابتداء لم يكن مستوجبا للحد وكان محتسبا في الشهادة بخلاف مالو قذفها أولا لانه صار مستوجبا للعان فانما يقصد بالشهادة بعد ذلك اسقاط اللعان عن نفسه والحد الواجب بزناها يخلص حقا لله تعالى وانما يكون الزوج مدعيا إذا قصد بشهادته اثبات حق لنفسه وليس في هذه الشهادة اثبات حق له ولو ردت شهادتهم بان لم يعدلوا لم يجب اللعان على الزوج كما لا يجب الحد على الاجانب لتكامل عدد الشهود وذكر ابن سماعة عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى قال لو قذفها الزوج ثم جاء بأربعة يشهدون عليها بالزنا فلم يعدلوا لاعنها الزوج لانه قد استوجب اللعان بقذفه فلا يسقط عنه الا بثبوت الزنا عليها والاصح أنه لا يلاعنها لان القاذف لو كان أجنبيا فاقام أربعة من الشهداء بهذه الصفة لم يحد وكذلك لا يلاعنها الزوج ولو شهد مع الزوج ثلاثة من العميان بالزنا عليها يحد العميان ويلاعنها الزوج لانه يتيقن بكذب العميان في الشهادة بالزنا فان تحمل هذه الشهادة لا يكون الاعن معاينة وليس للعميان تلك الآلة فلا تعتبر شهادتهم ويلزمهم الحد بالقذف ويلاعنها الزوج بقذفه أيضا بخلاف الفساق قان لهم في الزنا شهادة لانا لا نتيقن بكذبهم فيه (قال) وإذا شهد للمرأة ابناها على زوجها أنه قذفها لم تجز شهادتهما لانهما يشهدان لامهما وكذلك لو شهد أب المرأة وابن لها وكذلك لو شهد لها رجل وامرأتان بالقذف لم يجز لان هذا حدفلا تجوز شهادة النساء في الحدود هكذا نقل عن رسول الله ﷺ وأبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهم وكذلك لا تجوز الشهادة على الشهادة في هذا لان في كلا النوعين ضرب شبهة والحد لا يثبت مع الشبهة ولكن في هذا التعليل كلام فان عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى اللعان شهادة فيه معنى اليمين وعند محمد رحمه الله تعالى يمين فيه معنى الحد وفائدة هذا الاختلاف فيما إذا عزل القاضى أو مات بعد اللعان قبل التفريق عندهما القاضى الثاني يستقبل اللعان لانها شهادة لم يتصل بها الحكم وعند محمد رحمه الله تعالى لا يستقبله لانها يمين في معنى الحد واليمين والحد إذا أمضاهما القاضى لا يستقبلهما قاض آخر واستدل محمد رحمه الله تعالى بقوله ﷺ لو لا الايمان التى سبقت لكان لى ولها شأن ولان في كلمات اللعان قوله بالله وهذا يمين ويستوى في اللعان الرجال والنساء ولا مساواة
[ 56 ] بينهما في الشهادة وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى استدلا بقوله تعالى فشهادة أحدهم ولانه يختص بمجلس القضاء ولفظ الشهادة فيكون شهادة فيها معنى اليمين لقوله بالله ولهذا سماها رسول الله ﷺ يمينا وفى بعضن الروايات لولا الشهادات التى سبقت وفى الشهادة على الولادة يستوى فيه الرجال والنساء حتى تقبل شهادة امرأة واحدة لا جل الحاجة فهنا كذلك ثم على قول محمد رحمه الله تعالى هذا التعليل واضح لان في اللعان معنى الحد فأما على قولهما معنى هذا التعليل ان قذف زوجته قد يكون موجبا للحد إذا تعذر اللعان بسبب من جهته فلهذا لا يثبت بالحجة التى فيها شبهة (قال) وان شهد أحدهما أنه قذفها بالزنا وشهد الآخر أنه قال لولدها هذا من الزنا لم يجز لانهما اختلفا في المشهود به لفظا ومعني فان نسبة الولد إلى أنه مخلوق بالزنا غير قذفها بالزنا والموافقة بين الشاهدين لفظا في هذا الموضع معتبرة ولهذا لو شهد أحدهما انه قذفها بالعربية والآخر انه قذفها بالفارسية لا تقبل ولو شهد أحدهما انه قال لها زنى بك فلا وشهد الآخر انه قال لها زنا بك فلان لرجل آخر فعليه اللعان لان فعلها بالزنا هو التمكين من فعل الزنا وذلك لا يختلف باختلاف الفاعل إذا كان فعل كل واحد من الفاعلين زنا فقد اتفق الشاهدان على انه قذفها بالزنا لفظا ومعنى وانما اختلفا فيما لا حاجة بهما إلى ذكره ولو كان قذفها برجل واحد وجاء ذلك الرجل يطلب حده جلد الحد ودرئ اللعان لانه اجتمع عند الامام حدان فان قذفه في حق الرجل موجب للحد وفي حقها موجب للعان ومتى اجتمع حدان وفى البداية باحدهما اسقاط الآخر يبدأ بذلك (قال) وإذا شهد الشاهدان على الزوج بالقذف حبسه حتى يسأل عن الشاهدين ولم يكفله لانه لا كفالة في الحدود وهذا في معني الحد فان قالا نشهد انه قذف امرأته وأمنا في كلمة واحدة لم تجز الشهادة لانها بطلت في حق أمهما فانهما يشهدان لها ومتى بطلت الشهادة في بعض الكلمة الواحدة بطل في كلها وان شهد ابناه من غيرها على قذفه اياها وأمهما عنده لم تجز شهادتهم لما فيها من نفع أمهما فانها لو قبلت فرق بينهما باللعان فيخلص الفراش لامهما وهو كما لو شهدا عليه بطلاق ضرة أمهما قال الا ان الاب إذا كان عبدا أو محدودا في قذف فتجوز شهادتهما عليه ولا يضرب الحد لانهما يشهدان على ابيهما بالحد وليس فيه منفعة لامهما (قال) ولو شهد عليه شاهدان بقذف امرأته فعدم لاثم غابا أو ماتا قبل ان يقضى القاضى بشهادتهما فانه يحكم باللعان فان الموت والغيبة لا تقدح في عدالتهما بخلاف مالو
[ 57 ] عميا أو ارتدا أو فسقا وهكذا الجواب في كل حد ما خلا الرجم فانه لا يقام بعد موت الشهود أو فسقهم لان الشرط فيه ان يبدأ الشهود وذلك يفوت (قال) ويقبل توكيل المرأة في اثبات القذف عند إبى حنيفة رحمه الله تعالى كما يقبل توكيل المقذوف إذا كان اجنبيا في اثبات القذف فإذا جاء موضع الاقامة فلا بد من ان يحضر لان اللعان لا تجرى فيه النيابة فان المقصود لا يحصل بالناثب (قال) وإذا اقام الزوج القاذف شاهدين على اقرار المرأة بالزنا يسقط اللعان عن الزوج لان الثابت باقرارها وبالبينة كالثابت بالمعاينة ولا يلزمها حد الزنا كما لو أقرت مرة واحدة فان الاقارير الاربعة في مجالس متفرقة لابد منها لاقامة حد الزنا وتمتنع الاقامة بانكارها بعد الاقارير الاربعة ولو شهد عليها رجل وامرأتان بذلك درأت اللعان إيضا استحسانا وفى القياس يلاعنها لانه لا شهادة للنساء في باب الزنا فلا يكون لهن شهادة أيضا في اثبات الاقرار بالزنا ولكنه استحسن فقال المقصود هنا درء الحد لا اثباته ودرء الحد يثبت مع الشبهات فتقبل فيه شهادة الرجال مع النساء ولو عفت المرأة عن القذف كان لها ان تخاصم بعد ذلك وتطالب باللعان كما في الحدود في قذف الاجانب عندنا (قال) وان شهد للزوج ابناه منها انها أقرت بالزنا لم تجز شهادتهما لانهما يشهدان لابيهما باسقاط اللعان عنه وان شهد شاهدان على رجل انه قذفها وقذف امرأته بعد ذلك أو قبله في كلام متفرق جازت شهادتهما للمرأة لانهما في حق انفسهما مدعيان وفى حق المرأة شاهدان فإذا كان الكلام متفرقا فبطلان شهادتهما في أحد الكلامين لا يبطل شهادتهما في الكلام الآخر بخلاف ما إذا كان الكل في كلام واحد (قال) وإذا صدقت المرأة زوجها عند الامام فقالت صدق ولم تقل زنيت فاعادت ذلك أربع مرات في مجالس متفرقة لم يلزمها حد الزنا لان قولها صدق كلام محتمل وما لم تفصح بالاقرار بالزنا لا يلزمها الحد ولكن يبطل اللعان ولا يحد من قذفها بعد هذا لان الظاهر انها صدقته في نسبتها إلى الزنا والظاهر يكفى لاسقاط احصانها (قال) وإذا شهد شاهد ان بالقذف فقال الزوج يومئذ كانت أمة أو كافرة فالقول قوله في ذلك لانه ينكر وجوب اللعان عليه وهى تدعى ولا يمين عليه لان اللعان بمنزلة الحد ولا يمين في الحدود فانه لو استحلف انما يستحلف ليتوصل إلى اللعان بنكوله وذلك لا يجوز وان كانت معروفة الاصل في الاسلام والحرية فعرف ذلك القاضى لم يلتفت إلى قول الزوج لانه يعلم أنه كاذب فيما يدعى وان أقاما البينة المرأة على حريتها
[ 58 ] واسلامها والزوج على كفرها ورقها وقت القذف فالبينة بينة المرأة لانها هي المدعية لانها تثبت اللعان بينتها والزوج ينفي ذلك فكانت بينتها أولى الا أن يثبت شهود الزوج ردتها بعد الاسلام الذى شهد به شهودها فحينئذ بينته أولى لان معنى الاثبات في بينته أظهر (قال) وان ادعى الزوج أنها زانية أو قد وطئت وطئا حراما فعليه اللعان لان احصانها معلوم للقاضى باعتبار الاصل والزوج يدعى ما يسقط احصانها فلا يقبل قوله الا ببينة كما لو علم القاضي حريتها واسلامها فان ادعى الزوج بينة على أنها كما قال أجل إلى قيام القاضى فان أخضر بينته والا لاعن لان سبب وجوب اللعان قد ظهر ولكن يمكن الزوج من اقامة البينة على الدفع بقدر مالا بدله منه وذلك إلى قيام القاضى ولا يؤجله أكثر من ذلك لما فيه من الاضراربها (قال) وان قال الزوج قذفتها وهي صغيرة وادعت أنه قذفها بعد ما أدركت فالقول قوله وان أقاما البينة فالبينة بينة المرأة لانها هي المدعية ولانه لا تنافي بين البينتين فيجعل كأنه قذفها مرتين (قال) وإذا ادعت على الزوج القذف ولم يكن لها بينة فلا يمين على الزوج لانه حد ولا يمين في الحدود وكذلك ان ادعى الزوج أنها صدقته وأراد يمينها لم يكن عليها يمين لان تصديقها اقرارا منها بالزنا ولا يمين في الاقرار بالزنا (قال) فان ادعت قذفا متقادما وأقامت عليه شهودا جاز لان موجب القذف لا يبطل بالتقادم كالحد في قذف الاجانب فان أقام الزوج البينة انه طلقها بعد ذلك طلاقا رجعيا فلا لعان بينهما ولا حد لان ما يثبته الزوج بالبينة كالمعاين والفرقة بعد القذف مسقطة للعان فيتمكن الزوج من اثباته البينة كما لو أقام البينة على فرقة بردتها بعد القذف أو بسبب آخر وإذا أقامت المرأة البينة على اقرار الزوج بالولد وهو ينكر وقد نفاه لزمه الولد ولا يستطيع ان ينفيه بعد اقراره هكذا نقل عن عمر وعلى الشعبى رضى الله عهنم قالوا إذا أقر الرجل بولده فليس له ان ينفيه وما لم يقربه فله ان ينفيه وإذا نفاه قبل الاقرار لاعنها لانه بعد ما أثبت ولادتها يكون هو بنفى لولد قاذفا لها بالزنا فان قيل لاكذلك فقد يكون ولدها من وطئ بشبهة قلنا الولد من وطئ بشبهة يكون ثابت النسب من انسان والذى لا يكون ثابت النسب من أحد لا يكون من زنا ولا نسب لهذا الولد منه فإذا نفاه فقد زعم انه لانسب لولدها هذا فيكون قاذفا لها بالزنا ثم كيفية اللعان بنفى الولد على ما روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى ان يقول الزوج اشهد انى لمن الصادقين فيما رميتها به من ولدها وهى تقول اشهد انه لمن الكاذبين فيما
[ 59 ] رماني به من نفي ولدى وروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى قال يقول الزوج أشهد بالله انى لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا ونفي ولدها وتقول المرأة أشهد بالله انه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ونفى ولدى وليس هذا باختلاف في الحقيقة وانما اختلف الجواب لاختلاف الاحوال فجواب محمد رحمه الله تعالى فيما إذا قذفها بالزنا ونفى ولدها وجواب أبى يوسف رحمه الله تعالى فيما إذا نفى ولدها فقط (قال) وإذا فرق القاضى بينهما بعد اللعان يلزم الولد أمه وروى بشر عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى انه لابد ان يقول القاضى فرقت بينكما وقطعت نسب هذا الولد منه حتى لو لم يقل ذلك لا ينتفي النسب عنه وهذا صحيح لانه ليس من ضرورة التفريق باللعان نفى النسب كما بعد موت الولد يفرق القاضى بينهما باللعان ولا ينتفى نسبه عنه فلا بد من أن يصرح القاضي بنفي النسب لهذا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (قال) رضى الله تعالى عنه هذا آخر شرح كتاب الطلاق بالمؤثرة من المعاني الدقاق أملاه المحصور عن الانطلاق المبتلى بوحشة الفراق مصليا على صاحب البراق وآله وصحبه أهل الخير والسباق صلاة تتضاعف وتدوم إلى يوم التلاق كتبه العبد البرى والنفاق
[ 60 ] بسم الله الرحمن الرحيم (وبه نستعين وعليه نتوكل ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم) (كتاب العتاق) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسى رحمه الله تعالى إعلم بان الاعتاق لغة هو إحداث القوة يقال عتق الفرخ إذا قوى فطار عن وكره وفى الشريعة عبارة عن احداث المالكية والاستبداد للآدمي ومن ضروته انتفاء صفة المملوكية والرق ولهذا يتعقبه الولاء الذى هو كالنسب لان الاب سبب لايجاد ولده فيكون الولد منسوبا إليه والعتق مسبب لاحداث صفة المالكية التى اختص الآدمى بها فصار المعتق منسوبا إليه بالولاء ولهذا ندب الشرع إليه بيانه في حديث ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي ﷺ قال ايما مسلم اعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار ولهذا استحبوا للرجل أن يعتق العبد وللمرأة ان تعتق الامة ليتحقق مقابلة الاعضاء بالاعضاء والتحرير لغة التخليص يقال طين حر أي خالص عما يشوبه وأرض حرة أي خالصة لا خراج عليها ولا عشر وفى الشريعة عبارة عن جعل الرقبة خالصة لله تعالى قال الله تعالى اني نذرت لك ما في بطني محررا ولهذا شرع التحرير في التكفير لاجل التطهير قال الله تعالى فتحرير رقبة ولهذا ندب الشرع إلى فك الرقبة بقوله وما ادراك ما العقبة فك رقبة وفي حديث البراء بن عازب ان رجلا سأل رسول الله ﷺ فقال دلني على عمل يدخلنى الجنة فقال عليه السلام لئن أوجزت الخطبة فقد اعرضت المسألة فك الرقبة وعتق النسمة قال أو ليسا واحدا يا رسول الله قال لاعتق النسمة ان تنفرد بعتقها وفك الرقبة ان تعين في ثمنها وسأل أبو ذر رضى الله تعالى عنه رسول الله ﷺ عن أفضل الرقاب فقال اغلاها ثمنا وأنفسها عنده لها فهذه الآثار تبين ان الاعتاق من باب البر والارفاق وان أفضل الرقاب اعزها عند صاحبها ثم
[ 61 ] بدأ الكتاب بحديث أبى الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال من لعب بطلاق أو عتاق فهو جائز عليه ونزلت هذه الآية في ذلك ولا تتخذوا آيات الله هزوا وقال عمر رضى عنه من تكلم بطلاق أو عتاق أو نكاح فهو جائز عليه أي نافذ لازم وفيه دليل على أن الهزل بهذه التصرفات جد كما قال ﷺ ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والعتاق والهزل واللعب سواء فانه اسم لكلام يكون على نهج كلام الصبيان لا يراد به ما وضع له ونفوذ هذه التصرفات بوجود التكلم بها ممن هو من أهلها ولا معتبر بقصده إلى حكمها لان بانعدام القصد إلى الحكم ينعدم الرضا بالحكم وذلك لا يمنع لزوم هذه التصرفات لو قرن بها شرط الخيار والمراد بالآيات في قوله تعالى ولا تتخذوا آيات الله هزوا الاحكام والهزء اللعب ففيه بيان أنه لالعب في أحكام الشرع وذكر في الاصل عن الحسن رحمه الله أن رسول الله ﷺ مر بعبد فساوم به ولم يشتره فجاء رجل فاشتراه فأعتقه ثم أتى رسول الله ﷺ فأخبره فقال ﷺ هو أخوك ومولاك فان شكرك فهو خير له وشر لك وان كفرك فهو شر له وخير لك وان مات ولم يترك وارثا كنت أنت عصبته وفيه دليل أنه لا بأس بالمساومة لمن لا يريد الشراء بخلاف ما يقوله بعض الناس ان هذا اشتغال بما لا يفيد فان فيه فائدة وهو ترغيب الغير في شرائه والرجل تفرس فيه خيرا حين رأي رسول الله ﷺ ساوم به فلهذا اشتراه وأعتقه وقوله ﷺ هو أخوك أي في الدين قال الله تعالى فان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم وفيه دليل على أن الولاء يثبت بالعتق وان لم يشترط المعتق بخلاف ما يقوله بعض الناس وقوله فان شكرك أي بالمجازاة على ما صنعت إليه فهو خير له لانه انتدب إلى ما ندب إليه في الشرع قال ﷺ من أزلت إليه نعمة فليشكرها وشر لك لانه يصل اليك بعض الجزاء في الدنيا فينتقص بقدره من ثوابك في الآخرة وان كفرك فهو خير لك لانه يبقى ثواب العمل كله لك في الآخرة وشر له لان كفران النعمة مذموم قال ﷺ من لم يشكر الناس لم يشكر الله وفيه دليل على أن المعتق يكون عصبة للمعتق لانه قال كنت أنت عصبته ويستدل بالظاهر من يؤخر مولى العتاقة عن ذوى الارحام لانه قال ولم يترك وارثا وذوو الارحام من جملة الورثة ولكن عندنا مولى العتاقة آخر العصبات مقدم على ذوى الارحام ومعنى
[ 62 ] الحديث لم يترك وارثا هو عصبة بدليل قوله كنت أنت عصبته ثم بين أن من عتق عبدا ينبغى أن يكتب له بذلك كتابا والمقصود بالكتاب التوثيق فليكتب على أحوط الوجوه ويتحرز فيه عن طعن كل طاعن ولهذا ذكر فيه أنى أعتقك لوجه الله فان من الناس من يقول لا ينفذ العتق إذا لم يقصد المعتق وجه الله تعالى ونحن لا نقول بهذا حتى لو قال أعتقك لوجه الله تعالى أو الشيطان نفذ العتق والحديث الذى بدأ به الكتاب يدل عليه ولكن يذكر هذا للتحرز عن جهل بعض القضاة وكذلك يكتب ولى ولاؤك وولاء عتقك من بعدك لان من الناس من يقول لا يثبت الولاء الا بالشرط فيذكره في الكتاب للتحرز عن هذا ثم الالفاظ التى يحصل بها العتق نوعان صريح وكناية فالصريح لفظ العتق والحرية والولاء ويستوى إن ذكر هذه الالفاظ بصيغة الخبر أو الوصف أو النداء أما بصيغة الخبر أن يقول قد أعتقتك أو حررتك لان كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن ووجه الصحة هنا متعين وهو الانشاء وصيغة الاخبار والانشاء في العتق واحد واما على سبيل الوصف أن يقول أنت حر أنت عتيق لانه لما وصفه بما يملك ايجابه فيه جعل ذلك بمنزلة الايجاب منه لتحقيق وصفه فان قال أردت الكذب والخبر بالباطل دين فيما بينه وبين الله تعالى للاحتمال ولكنه لا يدين في القضاء لان هذا اللفظ في الظاهر موضوع لايجاب العتق والقاضى يتبع الظاهر لان ما وراء ذلك غيب عنه وكذلك لو قال ياحر يا عتيق لان النداء لاستحضار المنادى وذلك بذكر ما هو وصف له حتى يعلم أنه هو المقصود بالنداء فهذا ووصفه اياه بالعتق سواء وكذلك لو قال لعبده هذا مولاى أو لامته هذه مولانى لان المولى بذكر بمعنى الناصر قال الله تعالى ذلك بان الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لامولى لهم ولكن المالك لا يستنصر بمملوكه عادة ويذكر بمعنى ابن العم قال الله تعالى وان خفت الموالى من ورائي ولكن نسب العبد معروف فلا احتمال لهذا المعنى هنا ويذكر بمعني الموالاة في الدين ولكنه نوع مجاز والمجاز لا يعارض الحقيقة ويذكر بمعنى المولى الا على وذلك غير محتمل عند الاضافة إلى العبد فيتعين المولى الاسفل ولا يتحقق ذلك الابعد العتق فلهذا عتق به في القضاء وان قال اردت به الولاية في الدين أو الكذب دين فيما بينه وبين الله تعالى للاحتمال ولم يدين في القضاء لانه خلاف الظاهر فان قال يا مولاى فكذلك الجواب عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى لا يعتق بهذا اللفظ الا بالنية لان هذا اللفظ في موضع النداء يقصد به
[ 63 ] الاكرام دون التحقيق يقال يا سيدى ويا مولاي ولو قال له يا سيدي ويا مالكى لا يعتق به بدون النية فكذلك إذا قال يا مولاى ولكنا نقول الكلام محمول على حقيقته ما أمكن وحقيقة قوله يا مولاى لا يكون الا بولاء له عليه والعتق متعين لذلك فهذا وقوله ياحر يا عتيق سواء بخلاف قوله يا سيدي ويا مالكي لانه ليس فيه ذكر ما يختص باعتاقه اياه ومما يلحق بالصريح هنا قوله لمملوكه وهبت نفسك منك أو بعت نفسك منك فانه يعتق به وان لم ينو لان موجب هذا اللفظ ازالة ملكه الا أنه إذا أوجبه لانسان آخر يكون مزيلا لملكه إليه فيتوقف على قبوله وإذا أوجبه للعبد يكون مزيلا بطريق الاسقاط لا إليه فلا يحتاج إلى قبوله ولا يرتد برده فأما بيان ألفاظ الكناية قوله لا سبيل لى عليك فانه محتمل يجوز أن يكون المراد لا سبيل لى عليك في اللوم والعقوبة لانك وفيت بما أمرتك به ولا سبيل لى عليك لانى كاتبتك ولا سبيل لى عليك لان أعتقتك والمحتمل لا تتعين جهة فيه بدون النية فلا يعتق به الا أن ينوى العتق وكذلك قوله لا ملك لى عليك يحتمل لا ملك لى عليك لانى بعتك وكذلك قوله قد خرجت من ملكى يحتمل هذا المعنى فلا يعتق به ما لم ينو ويدين في القضاء وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى لو قال له أطلقتك ينوى به العتق أيضا لان الاطلاق يذكر بمعنى التحرير يقال أطلقته من السجن وحررته إذا خلى سبيله ولانه يحتمل أن يكون مراده الاطلاق من الرق الذى عليه فهو كقوله لارق لى عليك فأما إذا قال لامته أنت طالق أو قد طلقتك ونوى به العتق لم تعتق عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى تعتق وكذلك سائر كنايات الطلاق كقوله قد بنت منى أو حرمت على أو أنت خلية أو برية أو بائن أو بتة أو اخرجي أو اغربي أو استبرى أو تقنعي أو اذهبي أو قومي أو اخنارى فاختارت نفسها أو قال ذلك لعبده فهو كله على الخلاف وجه قول الشافعي أن صريح ما يسرى كناية فيما يسرى كلفظ التحرير في الطلاق معنى صريح ما يسرى ما وضع لما يسرى بطريق المطابقة كناية لما هو وصف وهو كونه حرا لمعنى آخر هو مسمى للفظ آخر وتقرير هذا الكلام ان الاستعارة للاتصال بين الشيئين معنى طريق صحيح في اللغة يقال للبليد حمار وللشجاع أسد للاتصال معنى وهو الشجاعة والبلادة وبين الملكين اتصال من حيث المشابهة معنى لان النكاح فيه معنى الرق قال عليه الصلاة والسلام النكاح رق ولانه يستباح بكل واحد منهما الوطئ في محله وبين الازالتين الاتصال في المعني لان كل واحد منهما ابطال للملك ويحتمل التعليق
[ 64 ] بالشرط وهو ينبئ عن السراية ويلزم على وجه لا يحتمل الفسخ فإذا ثبتت المشابهة معني قلنا ما كان صريحا في ازالة ملك اليمين وهو لفظ التحرير كان كناية في ملك النكاح فكذلك ما هو صريح في ملك النكاح يجعل كناية صحيحة في ازالة ملك اليمين ولان التحريم من موجبات التحرير فان الامة إذا أعتقت حرمت على مولاها وذكر الموجب على سبيل الكناية عن الموجب صحيح كقوله لامرأته اعتدى بنية الطلاق (وحجتنا) في ذلك انه نوى مالا يحتمله لفظه فهو كما لو قال لها كلى واشربي ونوى العتق وهذا لان المنوي إذا لم يكن من محتملات اللفظ فقد تجردت النية عن لفظ يدل عليه وبيان ذلك انه لا مشابهة بين العتق والطلاق صورة ولا معنى لان الطلاق ازالة المانع من الانطلاق فان المرأة بعد عقد النكاح حرة محبوسة عند الزوج فبالفرقة يزول المانع من الانطلاق والاعتاق إحداث قوة الانطلاق لانه لم يبق في الرقيق صفة المالكية وبالعتق يحدث له صفة المالكية ولا مشابهة بين احداث القوة وبين ازالة المانع كما لا مشابهة بين احياء الميت وبين رفع القيد عن المقيد ونحن نسلم أن المشابهة في المعنى طريق الاستعارة ولكن لا في كل وصف بل في الوصف الخاص لكل واحد منهما والوصف الخاص لكل واحد منهما ما بينا دون ما ذكره الخصم ألا ترى أنه لا يستعار الاسد للجبان والحمار للذكي وبينهما مشابهة في أوصاف وكل واحد منهما حيوان موجود ولكن لما انعدمت المشابهة في الوصف الخاص لم تجز الاستعارة فهذا مثله فأما إذا استعمل لفظ التحرير في الطلاق فليس ذلك عندنا للمشابهة معنى بل لان موجب النكاح ملك المتعة وملك الرقبة في محل ملك المتعة يوجب ملك المتعة فما يزيل ملك الرقبة يكون سببا لازالة ملك المتعة فيصلح أن يكون كناية عنه فأما ما يزيل ملك المتعة لا يكون سببا لازالة ملك الرقبة فلا يصلح كناية عنه ولهذا قلنا في طرف الاستجلاب أن ما وضع لا ستجلاب ملك المتعة وهو لفظ النكاح والتزويج لا يثبت به ملك الرقبة وما وضع لا ستجلاب ملك الرقبة وهو لفظ الهبة والبيع يصلح لايجاب ملك المتعة وهو النكاح ولا يدخل على هذا اللفظ البيع فانه لا تنعقد به الاجارة على ما قال في كتاب الصلح إذا باع سكنى داره من انسان لا يجوز وان كان بهذا اللفظ ثبت ملك الرقبة وهو سبب لملك المتعة لان عندنا الاجارة تنعقد بلفظ البيع فان الحر إذا قال لغيره بعت نفسي منك شهرا بدرهم لعمل كذا يكون اجارة صحيحة فأما بيع السكني انما لا يجوز لانعدام المحل
[ 65 ] لان لفظ البيع موضع للتمليك والمنافع معدومة لا تقبل التمليك ولهذا لو أضاف لفظة الاجارة إلى المنفعة وقال أجرتك منفعة هذه الدار لا يجوز وإذا أضاف لفظ البيع إلى عين لدار فهو عامل بحقيقته لان العين قابل للبيع فلا تجعل كناية عن الاجارة لهذا ولا معنى لما قاله أنه ذكر الموجب وعني به الموجب لان الموجب حكم والحكم لا يصلح كناية عن السبب لانه لاحكم بدون السبب والسبب يتحقق بدون الحكم فكان الحكم كالتبع والاصل يستعار للتبع ولا يستعار التبع للاصل لافتقار التبع إلى الاصل واستغناء الاصل عن التبع وفي قوله اعتدى وقوع الطلاق ليس بهذا الطريق بل بطريق الاضمار حتى يقع الطلاق به على غير المدخول بها وان لم يكن عليها عدة وكذلك إذا قال لامرأته أنت على حرام فذلك اللفظ عامل بحقيقته عندنا لا ان يكون كناية بطريق أنه ذكر الموجب وعنى به الموجب وهذا لان التحريم ينافى النكاح ابتداء وبقاء وذلك لا يوجد هنا فان حرمة الامة عليه لا ينافي الملك ابتداء وبقاء كما في المجوسية والاخت من الرضاعة ولو قال لعبده لا سلطان لى عليك ونوى العتق لم يعتق لانه ليس من ضرورة انتفاء سلطانه عنه انتفاء الملك كالمكاتب فانه لا سلطان للمولى عليه وهو مملوك بخلاف قوله لا سبيل لى عليك فان من ضرورة انتفاء السبيل عنه من كل وجه العتق لانه له على المكاتب سبيلا من حيث المطالبة ببدل الكتابة حتى إذا انتفي ذلك بالبراءة عتق ولو قال لعبده أنت لله لم يعتق وان نوى في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لانه صادق في مقالته فالمخلوقات كلها لله تعالى فهو كما لو قال أنت عبد الله وعند أبى يوسف يعتق به إذا نوى لان معنى كلامه أنت خالص لله بانتفاء ملكه عنه فهو كقوله لاملك لى عليك بخلاف قوله أنت عبد الله ولو قال لعبده يا بنى أو لامته يا بنية لم تعتق لان هذا دعاء ولطف منه معناه ان هذا اللفظ في موضع النداء يقصد به استحضار المنادى واكرامه مع ان قوله يا نبي تصغير الابن ولو قال يا ابن لا يعتق لانه صادق في مقالته فانه ابن لابيه وانما الاشكال في قوله يا ابني ولا يعتق بهذا اللفظ الا في رواية شاذة عن أبى حنيفة رحمه الله انه جعل كقوله ياحر ولكن لا يعتمد على تلك الرواية والصحيح ان هذا اللفظ في موضع النداء لاستحضار المنادي وتفهيمه ليحضر وذلك بصورة اللفظ لا بمعناه ووقوع العتق بهذا اللفظ لاعتبار معنى البنوة فلهذا لا يعتق به عند النداء حتى لو جعل اسم عبده حرا وكان ذلك معروفا عند الناس ثم ناداه به فقال يا حرلم
[ 66 ] يعتق أيضا وإذا لم يكن هذا الاسم معروفا له يعتق به في القضاء لانه ناداه بوصف يملك ايجابه بخلاف قوله يا ابني فانه ناداه بوصف لا يملك ايجابه فنيظر إلى مقصوده فيه وهو الاكرام دون التحقيق وان قال هذا ابني ومثله يولد لمثله عتق ويثبت نسبه منه ان لم يكن له نسب معروف لان كلامه دعوة النسب وهو تصرف يملكه المولى في مملوكه فإذا كان المحل محلا قابلا للنسب وهو محتاج إلى النسب ثبت نسبه منه والنسب لا يثبت مقصورا على الحال بل يثبت من وقت العلوق فتبين انه ملك ولده فيعتق عليه ويستوى ان كان أعجميا جليبا أو مولدا لان صحة دعوة المولى شرعا بوصلة الملك وحاجة المملوك إلى النسب وكذلك لو قال هذا أبى أو كانت أمة فقال هذه أمي ومثلهما يلد مثله عتقا وان لم يكن له أبوان معروفان وصدقاه في ذلك ثبت نسبه منهما فقد اعتبر تصديقهما في دعوى الابوة والامومة عليهما ولم يعتبر في دعوى النبوة لان النسب من حق الولد فانه يشرف به فمدعى البنوة يقر على نفسه بالمحمولية فلا حاجة إلى تصديقه لان الاقرار يلزم المقر بنفسه فأما مدعى الابوة والامومة يحتاج إلى تصديقهما لانه يحمل نسبه على غيره فيكون مدعيا ومجرد الدعوى لا يلزم شيئا بدون الحجة فلهذا يحتاج إلى تصديقهما ولان مدعى الابوة والامومة يخبر أنه علق من مائهما وهو غيب عنه فلا بد من تصديقهما ومدعى البنوة يخبر أنه علق من مائه وقد يعرف ذلك لكونه عاقلا عند علوقه وان كان للغلام نسب معروف فقال هذا ابني يعتق عليه ولا يثبت نسبه لانه مكذب فيما قال شرعا حين ثبت نسبه من الغير ولكن هذا التكذيب في حكم النسب دون العتق فهو في حكم العتق بمنزلة من لا نسب له ولهذا قلنا في الفصل الاول إذا قال هذا أبى أو أمي وكذباه يعتق لان اعتبار تكذيبهما في حكم النسب دون العتق توضيحه أن المملوك مستغن عن النسب إذا كان معروف النسب من الغير ولكنه غير مستغن عن الحرية فيثبت بكلامه ما يحتاج إليه المملوك دون مالا يحتاج إليه وهذا بخلاف مالو قال لامرأته هذه ابنتى وهى معروفة النسب من الغير فانه لا تقع الفرقة بينهما لان هناك صار مكذبا في حكم النسب شرعا ولو أكذب نفسه بأن قال غلطت لا تقع الفرقة وان لم يكن لها نسب معروف فكذلك إذا صار مكذبا شرعا وهنا لو أكذب المولى نفسه في حق من لانسب له كان العتق ثابتا فكذلك إذا صار مكذبا في النسب شرعا وحقيقة المعني فيه أنه في قوله لا مرأته هذا ابنتي غير مقر على نفسه بشئ ولكنه مقر على
[ 67 ] المحل بصفة الحرمة لانه لا موجب للنسب في ملكه من حيث الازالة وانما موجبه حرمة المحل ثم ينتفي به الملك ابتداء وبقاء ولم يعتبر اقراره في حرمة المحل هنا لما كانت معروفة النسب وأما قوله لعبده هذا ابني اقرار على نفسه لان للبنوة موجبا في ملكه وهو زوال الملك به فانه يملك ابنه بالشراء ثم يعتق عليه فيعتبر اقراره فيما يقربه على نفسه وهو عتقه عليه من حين دخل في ملكه فأما إذا كان ممن لا يولد مثله لمثل المولى فقال هذا ابني لم يعتق في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الاول وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وعتق في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الآخر وجه قوله الاول أن كلامه محال فيلغو كما لو قال أعتقتك قبل أن أخلق وبيان الاستحالة أن قوله هذا ابني أي مخلوق من مائى وابن خمسين سنة يستحيل أن يكون مخلوقا من ماء ابن عشرين سنة وبه فارق معروف النسب فان كلامه محتمل هناك لجواز أن يكون مخلوقا من مائه بالزنا أو يكون مخلوقا من مائه بالشبهة وقد اشتهر نسبه من الغير ألا ترى أن أم الغلام لو كانت في ملكه هناك تصير أم ولد له وهنا لا تصير أم ولد له ولان الحقيقة تكذبه في هذا الخبر فبلغو خبره كما لو قال لصبى صفر في يده هذا جدى أو قال لعبده هذا ابنتى أو لامته هذا غلامي وفي غير هذا الباب لو قال قطعت يد فلان وله على الارش فأخرج فلان يده صحيحة لم يستوجب شيئا بخلاف معروف النسب فان الحقيقة لا تكذبه هناك ووجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الآخر انه أقر بنسب مملوكه طائعا فيعتق عليه كما لو قال لمعروف النسب هذا ابني وتأثيره أن صريح كلامه مجال كما قال ولكن له مجاز صحيح ومعناه عتق على من حين ملكته لان البنوة سبب لهذا فانه إذا ملك ابنه يعتق عليه فيجعل هذا السبب كناية عن موجبه مجازا وتصحيح كلام العاقل واجب وللعرف لسانان حقيقة ومجاز فإذا تعذر تصحيحه باعتبار الحقيقة يصحح باعتبار المجاز ألا ترى أن الوارث إذا اعتق المكاتب يجعل ابراء منه عن بدل الكتابة بهذا النوع من المجاز الا انهما يقولان المجاز خلف عن الحقيقة ففى كل موضع يكون الاصل متصورا يمكن أن يجعل المجاز خلفا عنه كما في مسألة المكاتب وفى كل موضع لا يكون الاصل متصورا لا يمكن جعل المجاز خلفا عنه وهنا لا تصور للاصل بخلاف معروف النسب فان هناك الاصل متصور فيجوز اثبات المجاز خلفا عنه ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المجاز خلف عن الحقيقة في التكلم لا في الحكم لانه تصرف من المتكلم في اقامة كلام مقام كلام والمقصود تصحيح الكلام فلا يعتبر في تصحيح
[ 68 ] المجاز تصور الحكم لا ثبات الخلافة ألا ترى أنه لو قال لحرة اشتريتك بكذا كان نكاحا صحيحا والحرة ليست بمحل لا صل حكم البيع وهو ملك الرقبة ولهذا المعنى قلنا ان أم الغلام لو كانت في ملكه لا تعتق لان اللفظ إذا صار مجاز لغيره سقط اعتبار حقيقته وهذا مجاز عن الاقرار بحريته فكأنه قال عتق على من حين ملكه وليس لهذا اللفظ موجب في الام فاما إذا قال لعبده هذه ابنتى فقد ذكره محمد على سبيل الاستشهاد في كتاب الدعوى ومن عادته الاستشهاد بالمختلف على المختلف فلا نسلمه على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وبعد التسليم نقول الاصل أن المشار إليه إذا لم يكن من جنس المسمى فالعبرة للمسمى كما لو باع فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج فالبيع باطل والذكور والاناث من بنى آدم جنسان فإذا لم يكن المشار إليه من جنس المسمى تعلق الحكم بالمسمي وهو معدوم ولا يتصور تصحيح الكلام ايجابا ولا اقرار في المعدوم وكذا قوله لصبي صغير هذا جدى فانه ذكره على سبيل الاستشهاد هنا وقد منعوه على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وبعد التسليم نقول لا موجب لذلك الكلام في ملكه الا بواسطة الاب وتلك الواسطة غير ثابتة وبدونها لا موجب لكلامه حتى يجعل كناية عن موجبه مجازا فأما للبنوة والابوة موجب في ملكه بغير واسطة فيجعل كلامه كناية عن موجبه وبخلاف قوله أعتقتك قبل ان أخلق لانه لا موجب فيما صرح به كذلك قوله قطعت يدك لانه لا موجب للجرح بعد البرء إذا لم يبق له أثر فلا يمكن تصحيح كلامه على أن يجعل كناية عن موجبه فلهذا كان لغوا وان قال لعبده هذا أخى لم يعتق وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه يعتق لان للاخوة في ملكه موجبا وهو العتق فيجعل هذا اللفظ كناية عن موجبه وجه ظاهر الرواية أن الاخوة اسم مشترك قد يراد به الاخوة في الدين قال الله تعالى انما المؤمنون اخوة وقد يراد به الاتحاد في القبيلة قال الله تعالى والى عاد أخاهم هودا وقد يراد به الاخوة في السنب والمشترك لا يكون حجة بدون البيان حتى لو قال هذا أخي لابي أولامى نقول يعتق على هذا الطريق فان قيل فالبنوة والابوة قد تكون بالرضاعة ثم أثبتم العتق بهذين اللفظين عند الاطلاق قلنا لان البنوة من الرضاع مجاز والمجاز لا يعارض الحقيقة فأما الاخوة مشتركة في الاستعمال كما بينا ولان الاخوة لا تكون الا بواسطة الاب أو الام لانه عبارة عن مجاورة في صلب أو رحم وهذه الواسطة غير مذكورة ولا موجب لهذه
[ 69 ] الكلمة بدون هذه الواسطة فان قال لامته فرجك حر أو قال لعبده رأسك حر يعتق وقد بينا هذا في الطلاق ان ذكر ما يعبر به عن جميع البدن كذكر البدن بخلاف اليد أو الرجل فهو في العتاق كذلك وان قال نويت الكذب لم يصدق في القضاء كما في قوله أنت حروان قال لعبده أو لامته ما أنت الاحر أو ما أنت الاحرة فانهما يعتقان لان كلامه اشتمل على النفى والاثبات وهذا آكد ما يكون من الاثبات دليله كلمة الشهادة فكان هذا كقوله أنت حر وهذا بخلاف ما لو قال أنت مثل الحر لان هذا اللفظ للمشابهة والمشابهة بين الشيئين قد يكون خاصا وقد يكون عاما فلا يثبت العتق به بدون النية وكذلك لو قال بدنك حر لان معناه بدنك بدن حر وفى النوادر قال لو نوى فقال بدنك بدون حريعتق لان هذا اللفظ للايجاب لا للتشبيه ولو قال لعبده أنت حراليوم من هذا العمل فانه يعتق في القضاء لانه وصفه بالحرية وتخصيصه وقتا أو عملا لا يغير حكم ما وصفه به وأما فيما بينه وبين لله تعالى فان كان لا يريد العتق فهو عبده لانه يحتمل أن يكون مراده لا أكلفك اليوم هذا العمل والله تعالى مطلع على ضميره ولكنه خلاف الظاهر فانه جعل الحرية صفة له في الظاهر فلهذا لا يدين في القضاء والله أعلم بالصدق والصواب (باب عتق ذوى الارحام) ذكر عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله ﷺ قال من ملك ذارحم محرم منه فهو حر وكذلك روى عن عمر وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهما وفي هذا دليل على من ملك قريبه يعتق عليه لان قوله فهو حر جزاء لقوله من ملك مع القرابة فانما يتناول حرية المملوك دون الملاك وفى بعض الروايات قال عتق عليه وفيه دليل ان سبب العتق الملك مع القرابة فان مثل هذا في لسان صاحب الشرع بمعنى بيان السبب كما قال من بدل دينه فاقتلوه وقال تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ولهذا قال عامة العلماء إذا ملك أباه أو أمه أو ابنه يعتق عليه وقال أصحاب الظواهر يلزمه ان يعتقه ولكن لا يعتق قبل اعتاقه لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام لن يجزى ولد عن والده الا أن يجده ملوكا فيشتريه فيعتقه ففيه تنصيص على أنه مستحق عليه اعتاقه ولو عتق بنفس الشراء لم يكن لقوله فيعتقه معنى ولان القرابة لا تمنع ثبوت الملك ابتداء فلا تمنع البقاء بطريق الاولى ألا ترى
[ 70 ] أنها لما منعت بقاء ملك النكاح منعت ثبوته ابتداء (وحجتنا) في ذلك قوله تعالى وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا ان كل من في السموات والارض الاآتى الرحمن عبدا فقد نفي البنوة بينه وبين الخلق باثبات العبودية فذلك تنصيص على المنافاة بينهما والمتنافيان لا يجتمعان فإذا كانت البنوة متقررة انتفت العبودية ومراده عليه الصلاة والسلام من قوله فيعتقه بذلك الشراء لا بسبب آخر كما يقال أطعمه فاشبعه وسقاه فارواه وضرب فاوجع وكتبه فقرمط وانما اثبتنا له الملك ابتداء لان انتفاء العبودية لا يتحقق الا به فاذالم يملكه لا يعتق بخلاف ملك النكاح لانه لا فائدة في اثبات ملك النكاح له على ابنته ثم إزالته لانها تعود إلى ما كانت عليه ولان هذا العتق صلة ومجازاة فلا يتحقق الا بعد الملك فأما انتفاء النكاح بحرمة المحل وهو موجود قبل العقد ولان ملك النكاح ليس الا بملك الحل فيختص بمحل الحل والام والابنة محرمة عليه بالنص ولا تصور للملك بدون المحل فأما هذا ملك مال وذلك ثابت في المحل فيثبت له نسبه أيضا إذ ليس من ضرورة اثباته الاستدامة وبهذا الحديث أيضا قال علماؤنا رحمهم الله تعالى إذا ملك أخاه أو أخته أو أحدا من ذوي الرحم المحرم منه أنه يعتق عليه وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يعتق الا الوالدين والمولودين لانه ليس بينهما بعضية فلا يعتق أحدهما على صاحبه كبني الاعمام بخلاف الآباء والاولاد فالعتق هناك للبعضية والجزئية ولان القرابة التى بينهما في الاحكام كقرابة بنى الاعمام حتى تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه ويجوز لكل واحد منهما وضع زكاة ماله في صاحبه ويجرى القصاص بينهما في الطرفين ويحل لكل واحد منهما حليلة صاحبه ولا يستوجب كل واحد منهما النفقة على صاحبه مع اختلاف الدين ولا يتكاتب احدهما علي صاحبه بخلاف الوالدين والمولودين وهذا بخلاف المناكحة لان ثبوتها باسم الاختية والبنتية لا بمعنى القرابة ألا ترى أنها تثبت بالرضاع ولا تثبت بالقرابة بها ولهذا لا يعتبر في الحرمة معنى قرب القرابة وبعدها (وحجتنا) في ذلك ماروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رجلا جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم وقال انى وجدت أخي يباع في السوق فاشتريته وأنا أريد أن أعتقه فقال عليه الصلاه والسلام قد اعتقه الله والمعنى فيه ان القرابة المتأيدة بالمحرمية علة العتق مع الملك كما في الآباء والاولاد وهذا لان لهذا العتق بطريق الصلة والقرابة المتأيدة بالمحرمية تأثيرا في استحقاق الصلة لانه يفترض وصلها ويحرم قطعها ألا ترى أن الله تعالى
[ 71 ] جعل قطيعة الرحم من الملاعن لقوله تعالى وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله وقال عليه الصلاة والسلام ثلاث معلقات بالعرش منها الرحم يقول قطعت ولم أوصل والدليل عليه أن حرمة المناكحة تثبت بهذه القرابة بمعني الصيانة عن ذل الاستفراش والاستخدام قهرا فملك اليمين أبلغ في الاستذلال من الاستفراش وكذلك يحرم الجمع بين الاختين نكاحا صيانة للقرابة عن القطيعة بسبب المنافرة التي تكون بين الضرائر ومعنى قطيعة الرحم في استدامة ملك اليمين أكثر ولا شك أن للملك تأثيرا في استحقاق الصلة فيثبت بهذا التقريران علة العتق هذان الوصفان وبعد هذا لا يضر انتفاء الجزئية بينهما لما ثبت أن علة العتق هذا دون الجزئية لان التعدية بمعنى واحد قد ظهر أثره مستقيم ولان هذه القرابة في معني القرابة بين الجد والنافلة أيضا لان اتصال أحد الاخوين بالآخر بواسطة الاب كما أن تصال النافلة بالجد بواسطة الاب ولهذا ظهر الاختلاف بين الصحابة رضى الله عنهم في الجد مع الاخوة في الميراث وشبه بعضهم الجد مع النافلة بشجرة انشعب منها غصن ومن ذلك الغصن غصن والاخوين بغصنين من شجرة واحدة وشبه بعضهم الجد مع النافلة بواد تشعب منه نهر ومن النهر جدول والاخوين بنهرين تشعبا من واد فيكون معنى القرب بينهما أظهر لان تفرقهما بشعب واحد والاول بشعبين فعرفنا أن القرابة التى بينهما بمنزلة قرابة الجد مع النافلة وذلك موجب للعتق مع الملك الا أن في حكم الولاية لم يجعل الاخ كالجد لان المعتبر فيه الشفقة مع القرابة وشفقة الاخ ليست كشفقة الجد وفي حكم الارث كذلك عند أبى حنيفة رضى الله عنه لان ذلك نوع ولاية فانه خلافة في الملك والتصرف وبه فارق بني الاعمام فالواسطات هناك قد كثرت من كل جانب فكانت القرابة بعيدة بينهما ولهذا لا يثبت بها حرمة النكاح ولا حرمة الجمع بينهما في النكاح فأما المكاتب فلا ملك له على الحقيقة وهذه القرابة مع الملك علة والحكم الثابت بعلة ذات وصفين ينعدم بانعدام أحد الوصفين الا أن المكاتب إذا ملك اباه يمتنع عليه بيعه وإذا ملك أخا لا يمتنع عليه بيعه عند أبى حنيفة رضى الله عنه لان المكاتب له كسب وليس له ملك حقيقة وحق الآباء والاولاد يثبت في الكسب حتى يجب عليه نفقة أبيه إذا كان مكتسبا وان لم يكن موسرا فأما حق الاخ لا يثبت في الكسب حتى لا يجب عليه نفقة أخيه الزمن إذا كان هو معسرا وان كان مكتسبا وكذلك ان المالك صغيرا فانه
[ 72 ] يعتق عليه لتمام علة العتق وهو الملك مع القرابة فان الصغير يملك حقيقة ألا ترى أنه يثبت له صفة الغناء بملكه حتى يحرم عليه أخذ الصدقة بخلاف المكاتب وكذلك ان كان المالك كافرا والمملوك مسلما أو على عكس ذلك لان الملك مع القرابة يتحقق مع اختلاف الدين وبهما تمام علة العتق بخلاف استحقاق النفقة فان الشرع أوجب ذلك بصفة الوراثة فقال تعالى وعلى الوارث مثل ذلك معناه وعلى الوارث ذى الرحم المحرم وبسبب اختلاف الدين ينعدم صفة الوراثة فلهذا لا يستحق النفقة بخلاف الآباء والاولاد فالاستحقاق هناك بالولاد قال تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وبسبب اختلاف الدين لا ينعدم الولاد فهذا بيان معنى الفرق بين هذه الفصول فان ملكه الرجل مع آخر عتق نصيبه منه وسعى العبد للشريك في نصيبه ولا ضمان على الذى عتق من قبله في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يضمن لشريكه قيمة نصيبه ان كان موسرا ويسعي العبد لشريكه ان كان معسرا وكذلك لو ملكاه بهبة أو صدقة أو وصية فهو على هذا الخلاف وجه قولهما ان القريب بالشراء صار معتقا لنصيبه لان شراء القريب اعتاق ولهذا نتأدى به الكفارة والمعتق ضامن لنصيب شريكه إذا كان موسرا كما لو كان العبد بين شريكين فاشترى قريب العبد نصيب أحد الشريكين منه يضمن لشريكه الذى لم يبع ان كان موسرا وجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ما قال في الكتاب لان شراء الشريك معه رضا منه بالذى يكون به العتق ومعنى هذا الكلام ان ضمان العتق يجب بالاتلاف والافساد والرضا بالسبب يمنع وجوب مثل هذا الضمان كما لو أتلف مال الغير باذنه وفى اثبات الرضا هنا نوعان من الكلام أحدهما انه لما ساعد شريكه على القبول مع علمه أن قبول شريكه موجب للعتق فقد صار راضيا بعتقه علي شريكه فهو كما لو استأذن أحد الشريكين من صاحبه في أن يعتق نصيبه فأذن له في ذلك والثانى ان المشتريين صارا كشخص واحد لاتحاد الايجاب من البائع ولهذا لو قبل أحدهما دون الآخر لم يصح قبوله ولم يملك نصيبه به ولا شك ان كل واحد منهما راض بالتمليك في نصيبه فيكون راضيا بالتمليك في نصيب صاحبه أيضا لما ساعده على القبول بل يصير مشاركا له في السبب بهذا الطريق والمشاركة في السبب فوق الرضا به الا ان بهذا السبب تتم علة العتق في حق القريب وهو الملك ولا تتم علة العتق في حق الاجنبي فكان القريب معتقا دون الأجنبي
[ 73 ] ولكن بمعاونة الاجنبي يسقط حقه في تضمينه لما عاونه على السبب وفى هذا يتضح الكلام لابي حنيفة في الشراء فيما إذا كان العبد كله لرجل فباع نصفه من قريبه فان الخلاف ثابت فيه ولا شك ان ايجاب البائع رضا منه بقبول المشترى وما ينبنى على قبول المشترى يحال به على ايجاب البائع كما لو باع الامة المنكوحة من زوجها قبل الدخول سقط جميع المهر لان الفرقة جاءت من قبل من له المهر وهو البائع فاما في الهبة والصدقة والوصية كلاهما أوضح لان قبول أحدهما في نصيبه صحيح بدون قبول الآخر ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هما كشخص واحد أيضا الا أن في الهبة والصدقة والوصية قبول الشخص الواحد في النصف دون النصف صحيح وهذا بخلاف ما إذا باع أحد الشريكين نصيبه من قريبه لان هناك لم يوجد من الشريك الآخر ما يكون رضامنه أو معاونة على السبب وبخلاف ما لو قال أحد الشريكين لشريكه ان ضربته اليوم سوطا فهو حر فضربه سوطا فان الحالف يضمن للضارب ان كان موسرا ومن أصحابنا من قال موضوع تلك المسألة ان الشريك قال أيضا ان لم أضربه اليوم سوطا فهو حر فاقدامه على الضرب بعد هذا يكون لدفع العتق عن نصيبه فلا يصير به راضيا بعتق نصيب الشريك على ان هناك انما يعتق نصيب الشريك بقوله هو حر وذلك تم بالحالف من غير رضا كان من الضارب فاما الضرب شرط للعتق والرضا بالشرط لا يكون رضا بأصل السبب بخلاف ما نحن فيه فانه انما رضى بالسبب حين شاركه فيه وهذا بخلاف حكم الفرار فان الرضا بالشرط من المرأة كالرضا بالسبب في اسقاط حقها عن الميراث لانه لاملك لها قبل موت الزوج في ماله وانما يثبت حكم الفرار دفعا لقصد الزوج الاضرار بها وذلك ينعدم بالرضا بالشرط كما ينعدم بالرضا من السبب بخلاف ما نحن فيه ولم يفصل في ظاهر الرواية بين أن يكون الشريك عالما بان المشترى معه قريب العبد أو لا يكون عالما وهكذا روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله لان سبب الرضا يتحقق وان لم يكن عالما به فهو كمن قال لغيره كل هذا الطعام وهو لا يعلم أنه طعامه فاكله المخاطب فليس للآذن أن يضمنه شيئا وكذلك لو قال لشريكه أعتق هذا العبد وهو لا يعلم انه مشترك بينهما وقد روي أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أن رضاه انما يتحقق إذا كان عالما فاما إذا كان لا يعلم بذلك فله أن يرد نصيبه بالعيب لانه لا يتم رضاه وقبوله حين لم يكن عالما بان شريكه معتق وبدون تمام القبول لا يعتق نصيب الشريك فكان هذا بمنزلة العيب في نصيبه فان لم يكن عالما به
[ 74 ] كان له أن يرده واستشهد في الكتاب بقول أبي حنيفة رحمه الله بما لو أعتق أحد الشريكين باذن شريكه وقد روي عن أبى يوسف رحمه الله أنه قال في هذا الفصل لا يسقط حق الشريك في التضمين بالاذن وهذا صحيح على أصله لان ضمان العتق عنده ضمان التملك فان العتق لا يتجزأ على قوله وضمان التملك لا يسقط بالاذن كما لو استولد أحد الشريكين الجارية باذن شريكه وجه ظاهر الرواية أن هذا الضمان سببه الافساد والاتلاف فسقط بالاذن كضمان الاتلاف الحقيقي بل أولى لان هذا الضمان يسقط بالاعسار وبخلاف ضمان الاتلاف الحقيقي فأما إذا ورث مع قريبه غيره عتق نصيبه ولاضمان عليه لشريكه لان الميراث يدخل في ملكه بغير قبوله والضمان لا يجب الا باعتبار الصنع من جهته ولهذا لو ورث قريبه لم يجز عن كفارته وهذا بخلاف ما إذا استولد جارية بالنكاح ثم ورثها مع غيره لان هناك المستولد يصير متملكا نصيب شريكه وضمان التملك لا يعتمد الصنع ولهذا لا يختلف باليسار والاعسار هناك ولو ملك محرما له برضاع أو مصاهرة لم يعتق عليه لانه لا قرابة بينهما والعتق صلة تستحق بالقرابة والرضاع انما جعل كالنسب في الحرمة خاصة ولهذا لا يتعلق به استحقاق الميراث والنفقة وليس من ضرورة ثبوت الحرمة العتق عليه إذا ملكه كالوثنية والمجوسية وكذلك ان ملك ذارحم ليس بمحرم لان مثل هذه القرابة لا يفترض وصلها ولهذا لا يتعلق بها حرمة المناكحة وحرمة الجمع في النكاح ولو ملك أحد الزوجين صاحبه لم يعتق عليه لانه ليس بينهما قرابة ولان ما بينهما من الزوجية يرتفع بالملك وإذا اشترى أمة وهى حبلي من ابيه عتق ما في بطنها لانه ملك أخاه وليس له أن يبيع الامة حتى تضع لانه في بطنها ولدا حراكما لو أعتق ما في بطن أمته وهذا لان الولد يصير مستثنى بالعتق ولو استثناه شرطا في البيع بطل البيع فكذلك إذا صار مستثنى بالعتق وله أن يبيعها بعد الوضع لان الامة ما صارت أم ولد للابن فان المستولد أبوه ولا يصير الاب متملكا لها على الابن لانها ما كانت مملوكة للابن حين علقت من الاب فلهذا كان له أن يبيعها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب لوجوه من العتق) (قال) رضي الله تعالى عنه ذكر عن أبى قلابة أن رجلا أعتق عبداله عند موته ولا مال
[ 75 ] له غيره فأجاز رسول الله ﷺ ثلثه واستسعاه في ثلثى قيمته وفى هذا دليل أن العتق في المرض يكون وصية وأنه ينفذ من ثلثه وأن معتق البعض يستسعى فيما بقي من قيمته فيكون دليلا لنا على الشافعي رضى الله عنه لانه لا يرى السعاية على العبد بحال ولكنه يقول يستدام الرق فيما بقى على ما نبينه في مسألة تجزى العتق وذكر عن الحسن البصري أن رجلا أعتق ستة أعبد له عند موته فأفرع رسول الله ﷺ بينهم فأعتق اثنين ورد أربعة في الرق وبظاهر هذا الحديث يحتج الشافعي رحمه الله تعالى علينا فان المذهب عندنا أن من أعتق ستة أعبد له في مرضه ولا مال له غيرهم وقيمتهم سواء يعتق من كل واحد منهم ثلثه ويسعى في ثلثى قيمته وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجزئهم القاضى ثلاثة اجزاء ثم يقرع بينهم فيعتق اثنين بالقرعة ويرد أربعة في الرق واستدل بهذا الحديث ورجح مذهبه بان فيه اعتبار النظر من الجانبين لانه لو أعتق من كل واحد منهم ثلثه تعجل تنفيذ الوصية وتأخر اتصال حق الورثة إليهم بل في هذا ابطال حق الورثة معنى لان السعاية في معنى الناوى فان المال في ذمة المفلس يكون تاويا فإذا تعذر تنفيذ الوصية بهذا الطريق وجب جميع العتق في شخصين وتعيين المستحق بالقرعة لان ذلك أصل في الشرع وكان في شريعة من قبلنا قال الله تعالى إذا يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وقال فساهم فكان من المدحضين وكان رسول الله ﷺ إذا أراد سفرا اقرع بين نسائه والقاضى إذا قسم المال بين الشركاء اقرع بينهم وبهذا تبين ان هذا ليس في معنى القمار لان في القمار تعليق أصل الاستحقاق بخروج القدح وفى هذا تعيين المتسحق فأما أصل الاستحقاق ثابت بايجاب المعتق (وحجتنا) في ذلك أن العبيد استووا في سبب الاستحقاق وذلك موجب للمساواة في الاستحقاق فلا يجوز اعطاء البعض وحرمان البعض كما لو أوصي برقابهم لغيرهم لكل رجل برقبة بل أولى لان ملك الوصية يحتمل الرجوع من الموصى والرد من الموصي له وهذه الوصية لا تحتمل ذلك فاذالم يجز حرمان البعض هناك فهنا أولى ثم فيما قاله الخصم ضرر الابطال في حق بعض الموصى لهم وفيما قلنا ضرر التأخير في حق الورثة وضرر التأخير متى قوبل بضرر الابطال كان ضرر التأخير أهون وإذا لم نجد بدا من نوع ضرر رجحنا أهون الضررين على أعظمهما مع أنه ليس في هذا تعجيل حق الموصى له لان عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى المستسعى مكاتب فلا يعتق شئ منهم ما لم يصل إلى الورثة السعاية وعلى قولهما وان
[ 76 ] تعجل العتق للعبيد وذلك ليس بصنع منابل باعتاق الموصى ولزوم تصرفه شرعا ولو أبطلنا حق بعض العبيد كان ذلك بايجاب منا ثم كلامه يشكل بما لو كان ماله دينا على مفلس فأوصي به له فانه يسقط نصيبه والباقى دين عليه إلى أن يقدر على ادائه ولا وجه لتعيين المستحق بالقرعة لان تعيين المستحق بمنزلة ابتداء الاستحقاق فان الاستحقاق في المجهول في حكم العين كان غير ثابت فكما ان تعليق ابتداء الاستحقاق يخروج القرعة يكون قمارا فكذلك تعيين المستحق وانما يجوز استعمال القرعة عندنا فيما يجوز الفعل فيه بغير قرعة كما في القسمة فان للقاضى ان يعين نصيب كل واحد منهم بغير قرعة فانما يقرع تطييبا لقلوبهم ونفيا لتهمة الميل عن نفسه وبهذا الطريق كان يقرع رسول الله ﷺ بين نسائه إذا أراد سفرا لان له أن يسافر بمن شاء منهن بغير قرعة اذلا حق للمرأة في القسم في حال سفر الزوج وكذلك يونس صلوات الله عليه عرف أنه هو المقصود وكان له أن يلقى نفسه في الماء من غير اقراع ولكنه أقرع كيلا ينسب إلى مالا يليق بالانبياء وكذلك زكريا عليه السلام كان أحق بضم مريم إلى نفسه لان خالتها كانت تحته ولكنه أقرع تطييبا لقلوب الاحبار مع أن تلك كانت معجزة له فقد روى أن أقلامهم كانت من الحديد وكان الشرط أن من طفى قلمه على وجه الماء فهو أحق بها وروى أنه كان من القصب وكان الشرط أن من استقبل قلمه جرى الماء ولم يجر مع الماء فهو أحق بها بقى اعتمادهم على الحديث ومن أصحابنا من قال هذا الحديث غير صحيح لان فيه أن الرجل كان له ستة أعبد قيمتهم سواء ولم يكن له معهم شئ آخر وهذا من أندر ما يكون ولو ثبت فيحتمل أن الرجل أوصى إلى رسول الله ﷺ أن يعتقهم وفي الحديث دليل عليه لانه قال فاعتق أثنين منهم وكان لرسول الله ﷺ أن يعتق أي الاثنين شاء منهم فأقرع تطييبا لقلوبهم وذكر الجصاص أن معنى قوله فاعتق أثنين أي قدر أثنين منهم وبه نقول فانا إذا أعتقنا من كل واحد منهم ثلثه فقد أعتقنا قدر أثنين منهم ومعنى قوله فاقرع أي دقق النظر يقال فلان قريع دهره أي دقيق النظر في الامور ودقق الحساب بأن جعل قدر الرقبتين بينهم أسداسا هذا تأويل الحديث ان صح وعن إسماعيل بن خالد عن الشعبي رضي الله تعالى عنهم في رجل أعتق عبداله عند الموت ولا مال له غيره قال عامر قال مسروق هو حر كله جعله لله لا أرده وقال شريح يعتق ثلثه ويسعى في الثلثين فقلت لعامر أي القولين أحب اليك قال فتيا مسروق وقضاء شريح
[ 77 ] رضى الله تعالى عنهما وفى هذا إشارة أن العتق يتجزى في الحكم كما هو مذهب أبى حنيفة رحمه الله تعالى وأنه يجب اتمامه ولا يجوز استدامة الرق فيما بقى منه كما هو فتوى مسروق رحمه الله تعالى وعن على رضى الله عنه أن رجلا أعتق عبداله عند الموت وعليه دين قال يسعي العبد في قيمته وعن أبى يحيى الاعرج رضى الله عنه رسول الله ﷺ يسعي العبد في الدين والمراد إذا كان الدين بقدر قيمته وعن ابن مسعود رضي الله عنه نحوه فانه قال تسعى الامة في ثمنها يعنى في قيمتها وهذا لان الدين مقدم على الوصية والميراث والعتق في المرض وصية فوجب رده لقيام الدين ولكن العتق لا يحتمل الفسخ والرق بعد سقوطه لا يحتمل العود فكان الرد بايجاب السعاية عليه وعن إبراهيم رحمه الله تعالى قال إذا كان وصية وعتق بدئ بالعتق وهكذا عن شريح وهو قول ابن عمر رضى الله عنه لان العتق أقوى سببا فانه يلزم بنفسه على وجه لا يحتمل الرد والرجوع عنه والترجيح بقوة السبب أصل وعن عمر رضى الله عنه أنه اعتق عبدا له نصرانيا يدعي بجيس وقال لو كنت على ديننا لا ستعنا بك على بعض أعمالنا وفيه دليل على أن اعتاق النصراني قربة وانهم لا يؤتمنون على شئ من أمور المسلمين فانهم لا يؤدون الامانة في ذلك وقد أنكر عمر رضى الله عنه ذلك على أبى موسى الاشعري فانه قال له مر كاتبك ليكتب لنا كذا قال ان كاتبى لا يدخل المسجد قال أجنب هو قال لا ولكنه نصراني فقال سبحان الله أما سمعت الله يقول لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا وعن عمر بن عبد العزيز أنه أعتق عبداله نصرانيا فمات العبد فجعل ميراثه لبيت المال وفيه دليل على أن السملم لا يرث الكفار وان مات ولا وارث له فحصة ماله لبيت المال وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان أمة فجرت فولدت من الزنا فأعتقها ابن عمر رضى الله عنه وأعتق ولدها وفيه دليل على جواز التقرب إلى الله تعالى بعتق ولد الزنا وعن عمر رضى الله عنه أنه أوصى بولد الزنا خيرا وأوصى بهم أن يعتقوا وهذا لان له من الحرمة ما لسائر بنى آدم ولا ذنب لهم وانما الذنب لآبائهم كما ذكر عن عائشة رضى الله عنها أنها كانت تتأول في أولاد الزنا ولا تزر وازرة وزر أخرى وذكر عن إبراهيم وعامر رضي الله عنهما قالا لا يجزى ولد الزنا في النسمة الواجبة وكأنهما تأولا في ذلك قوله ﷺ ولد الزنا شر الثلاثة ولسنا نأخذ بقولهما فان الله تعالى أمر بتحرير الرقبة وأكثر المماليك لا تعرف آباؤهم عادة وتأويل الحديث شر
[ 78 ] الثلاثة نسبا فانه لا نسب له أو قال ذلك في ولد زنا بعينه نشأ مريدا فكان أخبث من أبويه وإذا قال الرجل لامته أمرك بيدك يعني في العتق فان أعتقت نفسها في مجلسها عتقت وان قامت منه قبل أن تعتق نفسها فهى أمة لانه ملكها أمرها واهم أمورها العتق فتعمل نيبته في العتق وجواب التمليك يقتصر على المجلس وقد بيناه في الطلاق وذكرنا هناك أنه إذا لم ينو الطلاق فالقول قوله فكذلك هنا إذا لم ينو العتق وكذلك ان جعل أمرها في يد غيرها وان قال لها اعتقي نفسك فقالت قد اخترت نفسي كان باطلا لان كلامها يصلح جوابا للتخيير والمولى ما خيرها انما ملكها أمرها وقولها اخترت نفسي لا يصلح للتصرف بحكم الملك ألاتري ان المولى يملك اعتاقها ولو قال لها اخترتك من نفسي أو اخترت نفسي منك لا تعتق فكذلك قولها اخترت نفسي ولان قوله اعنقى نفسك اقامة منه اياها مقام نفسه في ايقاع العتق فانما يملك الايقاع باللفظ الذى كان المولى مالكا للايقاع به ولو قال لها أنت حرة ان شئت فان قالت في مجلسها قد شئت كانت حرة ولو قامت قبل ان تقول شيئا فهى أمة والتفويض إلى مشيئتها بمنزلة التمليك منها فتقتصر على الجواب في المجلس وكذلك ان قال ان أردت أو هويت أو أحببت أو قال أنت حرة ان كنت تحبيننى أو تبغضيننى فالقول في ذلك قولها ما دامت في مجلسها كما في الطلاق لانه لا يوقف على ما في قلبها الا باخبارها فكان هذا بمنزلة التعليق بالاخبار بذلك وان قالت في ذلك لست أحبك ثم قالت أنا أحبك لم تصدق للتناقض ولان شرط البر قدتم بقولها الاول فلم يبق لها قول مقبول بعد ذلك في حق المولى وكذلك لو قال ان كنت تحبين العتق فانت حرة ولو قال أنت حرة إذا حضت كان القول في ذلك قولها استحسانا لانه لا يوقف عليه الا من جهتها ولكن هذا لا يقتصر على مجلسها لانها لا تقدر على الاخبار بالحيض على وجه تكون صادقة فيه الابعد رؤية الدم وربما لا يتحقق في ذلك المجلس فمتى قالت حضت عتقت ولو قال أنت حرة وفلانة ان شئت فقالت قد شئت نفسي لم تعتق لان قوله ان شئت ليس بكلام مستقل بنفسه فلابد من جعله بناء على ما سبق فيكون معناه ان شئت عتقكما فلا يتم الشرط بمشيئتها عتق نفسها وكذلك لو قال لامتيه أنتما حرتان ان شئتما فشاءت إحداهما فهو باطل لان معنى كلامه ان شئتما عتقكما فلا يتم الشرط بمشيئة إحداهما ولا بمشيئتهما عتق إحداهما ولو قال أيتكما شاءت العتق فهى حرة فشاءتا جميعا عتقتا لان كلمة أي تتناول كل واحدة منهما على
[ 79 ] الانفراد فان شاءت احداهما عتقت التى شاءت لان مشيئة كل واحدة منهما بهذا اللفظ شرط عقهما ألا ترى انه قال أيتكما شاءت ولم يقل شاءتا وان شاءتا جميعا عتقتا فان قال أردت احداهما لم يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لانه نوى التخصيص في اللفظ العام فان كان نوى احداهما بعينها عتقت هي وان نوى احداهما لا بعينها كان له ان يختار احداهما فيعتقها ويمسك الاخرى بمنزلة ما لو اعتق احداهما لا بعينها ولو قال كل مملوك لى فهو حر وله عبيد وامهات أولاد ومدبرون ومكاتبون عتقوا جميعا الا المكاتبين فانهم لا يعتقون الا أن ينويهم لان كلمة كل توجب التعميم وقد أوجب العتق لكل مملوك مضاف إليه بالملكية مطلقا بقوله لى وهذا يتحقق في العبيد وأمهات الاولاد والمدبرين لانه يملكهم رقا ويدا حتى يملك استغلالهم واستكسابهم وهذا غير موجود في المكاتبين فانه يملكهم رقالا يدا بل المكاتب كالحر يدا حتى كان أحق بمكاسبه ولا يملك المولى اكسابه والثابت من وجه دون وجه لا يكون ثابتا مطلقا فلهذا لا يدخلون الا ان ينويهم فان نواهم فنقول المنوي من محتملات كلامه لانه قد يضيف إلى نفسه ما يكون مضافا إليه من وجه دون وجه وان قال اردت الرجال دون النساء دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يدين في القضاء لانه نوى التخصيص في اللفظ العام هذا بخلاف مالو قال نويت السود منهم دون البيض فانه لا يصدق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لان هناك نوى التخصيص بوصف ليس في لفظه ولا عموم لما لا لفظ له فلا تعمل فيه نية التخصيص وهنا نوى التخصيص فيما في لفظه لان المملوك حقيقة للذكور دون الاناث فان الانثي يقال لها مملوكة ولكن عند الاختلاط يستعمل عليهم لفظ التذكير عادة فإذا نوى الذكر فقد نوى حقيقة كلامه ولكنه خلاف المستعمل فيدين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء ولهذا قيل لو قال نويت النساء دون الرجال كانت نيته لغوا (قال) وكذلك لو قال لم أنو المدبرين لم يصدق في القضاء وفى كتاب الايمان يقول إذا قال لم انو المدبرين لم يدين فيما بينه وبين الله تعالى ولا في القضاء ففيه روايتان وجه تلك الرواية أنه نوى التخصيص بما ليس في لفظه لان التدبير وان كان يوجب استحقاق العتق فلا يوجب نقصانا في اضافته إليه بالملكية واليد وجه هذه الرواية ان اضافته إلى المولى برقه والتدبير يمكن نقصانا في الرق لان استحقاق العتق على وجه لا يحتمل الفسخ لا يكون الابعد نقصان في رقه ولهذا قيل المدبر من وجه
[ 80 ] كالحر حتى لا يحتمل البيع فكان هو كالمكاتب من هذا الوجه غير مضاف إلى المولى بمطلق الملك والرق الا أن النقصان هنا في الاضافة بمعنى خفى فيدين فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء ولا يخرج من الكلام بدون النية وفى المكاتب النقصان بسبب ظاهر وهو ملك اليد له في مكاسبه فلا يدخل الا أن ينويه ولان قوله كل مملوك لي حر انشاء العتق وقد بينا أن عتق المدبر من وجه تعجيل لما استحقه مؤجلا فلا يكون انشاء من كل وجه فإذا قال لم أنو المدبرين فقد بين أنه نوي ما يكون انشاء من كل وجه خاصة وذلك أمر في ضميره خاصة فيدين فيما بينه وبين الله تعالى ولو قال لعبيده أنتم أحرار الا فلانا كان كما قال لان الكلام المقيد بالاستثاء يكون عبارة عما وراء الاستثناء وكذلك لو قال لعبدين أنتما حران الا سالما وهو اسم احدهما كان سالم عبدا لان كلامه عبارة عما وراء المستثنى وقد بقى سوى المستثنى عبد يمكن أن يجعل كلامه عبارة عنه ولو قال سالم حر ومرزوق حر الا سالما عتقا جميعا لانه تكلم بكلامين كل واحد منهما مستقل بنفسه بما ذكر له من الخبر فكان قوله الا سالما استثناء لجميع ما تناوله أحد كلاميه وذلك باطل لانه تعطيل والاستثناء للتحصيل والبيان وانما يتحقق ذلك إذا كان يبقى سوى المستثنى شئ يتناوله ذلك الكلام وهذا بخلاف مالو قال سالم ومرزوق حران الا سالما فان الاستثناء صحيح هنا لان كلامه واحد هنا معني حين أخر ذكر الخبر حتى عطف احداهما على الاخرى وذكر ما يصلح خبرا للمستثنى فعرفنا به أن كلامه واحد معنى فكأنه قال هما حران الا سالما فان قال كل مملوك أملكه أبدا فهو حر فهذا اللفظ انما يتناول ما يملكه في المستقبل لانه قال أبدا وليس للابد نهاية في الحقيقة وفى العرف هو عبارة عن وقت في المستقبل إلى موته ومن أصلنا أن العتق يحتمل الاضافة إلى الملك كالطلاق فبأى سبب يملك المملوك من شراء أو غيره فانه يعتق لان المضاف إلى وقت أو المعلق بشرط عند وجوده كالمنجز وكذلك لو قال كل مملوك أمكله الي ثلاثين سنة وكذلك إذا قال كل مملوك اشتريه فهو حر لان الشراء سبب للملك واقامة السبب مقام الحكم صحيح فان أمر غيره فاشترى مملوكا لم يعتق لانه جعل الشرط شراء بنفسه ولم يوجد فان حقوق العقد في البيع والشراء انما تتعلق بالعاقد والعاقد يستغنى عن اضافة العقد إلى الآمر بخلاف النكاح وان كان نوى أن لا يشترى هو ولا غيره عتق لانه شدد لامر على نفسه بلفظ يحتمله فانه نوي الحكم وهو الملك بما ذكر
[ 81 ] من سببه وهو الشراء قالوا وهذا كله إذا كان الرجل ممن يباشر العقد بنفسه فأما إذا كان الحالف ممن لا يباشر الشراء بنفسه عادة فأمر غيره بان يشترى له عتق لانه باليمين منع نفسه عما يباشره عادة فإذا كان عادته الشراء بهذا الطريق ينصرف يمينه إليه عند الاطلاق وان قال كل مملوك لى حر يوم أكلم فلانا وليس له مملوك ثم اشترى مملوكا ثم كلمه لم يعتق لان قوله أملكه وان كان ظاهرا في الاستقبال فالمراد به الحال في الاستعمال يقال فلان يملك كذا وأنا أملك كذا يعنى في الحال فما ليس بمملوك له في الحال لا يتناوله كلامه لان المضاف إلى وقت والمعلق بالشرط انما يتناول ما يتناوله المنجز فإذا كان العتق المنجز بهذا اللفظ لا يتناول الا ما يملكه في الحال فكذا المضاف إلى وقت بخلاف ما سبق لان الاضافة هنا في الملك لافى الحرية فلهذا يتناول ما يملكه في المستقبل وان كان قال يوم أكلم فلانا فكل مملوك لى يومئذ حر عتقوا لانه أوجب العتق لما يكون في ملكه وقت الكلام وما كان موجودا في ملكه وقت اليمين وما استحدث الملك فيه موصوف بانه مملوك له وقت الكلام فيعتقون جميعا وان قال يوم أكلمه فكل مملوك أملكه أبدا فهو حرثم اشترى مملوكا ثم كلمه لم يعتق لان المتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز وقوله يوم أكلم فلانا شرط وقوله كل مملوك أملكه أبدا حر فيصير عند وجود الكلام كانه قال كل مملوك أملكه أبدا وهذا اللفظ انما يتناول ما يملكه بعد الكلام دون ما كان مملوكا له قبل الكلام والمشترى قبل الكلام مملوك له وقت الكلام فلا يتناوله ايجابه وان قال كل مملوك أملكه حريوم أكلم فلانا وهو يريد ما يملكه فيما يستقبل فاشترى مملوكا ثم كلمه عتق لانه نوى حقيقة كلامه فان حقيقة قوله أملكه للاستقبال ولكن يعتق في القضاء من كان في ملكه يوم حلف لان ظاهر لفظه يتناول المملوك له في الحال لغلبة الاستعمال فلا يصدق في صرف اللفظ عن ظاهره وذكر في النوادر أنه يصدق لان ما نوى من حقيقة كلامه مستعمل أيضا وانما لا يصدق في صرف الكلام عن ظاهره إذا كان المنوي خلاف المستعمل وان قال كل مملوك لى حر وله عبد بينه وبين آخر لم يعتق لانه أوجب العتق لمملوك مضاف إليه بالملك مطلقا والمملوك اسم للعبد وهو المضاف إليه من وجه والى شريكه من وجه فلا يتناوله مطلق كلامه فان نواه عتق استحسانا وفى القياس لا يعتق لان نصيبه من العبد المشترك لا يسمى عبدا ولا مملوكا فقد نوى خلاف الملفوظ ولكن في استحسان يقول جزء من العبد موصوف بانه مملوك كالكل ولهذا
[ 82 ] صح اضافة التصرفات المختصة بالملك إلى الجزء الشائع فإذا نواه فقد شدد على نفسه بلفظ يحتمله وبدون نيته انما لم ندخله للعرف فان المملوك اسم للعبد الكامل عرفا وقد سقط اعتبار هذا العرف حين نوى بخلافه توضيحه ان العبد المشترك مضاف إليه من وجه دون وجه فيكون كالمكاتب يدخل بنيته وان كان له عبد تاجر له مماليك وعليه دين أولا دين عليه عتق العبد التاجر لانه مملوك رقبة ويدا فيتناوله مطلق الاضافة فأما مماليكه فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان كان عليه دين يحيط برقبته وكسبه لم يعتق ممالكيه نواهم أولم ينوهم وان لم يكن عليه دين لم يعنق مماليكه الا أن ينويهم وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى سواء كان عليه دين أولم يكن فان نواهم عتقوا وان لم ينوهم لا يعتقون وعند محمد رحمه الله تعالى سواء كان عليه دين أولم يكن يعتقون الا أن يستثنيهم بنيتة وهذا ينبنى على أصلين أحدهما في المأذون أن المولى لا يملك كسب العبد المأذون إذا كان مستغرقا بالدين عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما يملكه والثانى في الايمان ان كسب العبد لا يكون مضافا إلى المولى في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وعند محمد رضى الله تعالى عنه يكون حتي لو حلف لا يدخل دار فلان فدخل دار عبده عند محمد رحمه الله تعالى يحنث لان حقيقة هذه الاضافة للملك وكسب العبد مملوك لمولاه وعندهما الاضافة إلى المولى مجاز والى العبد حقيقة لانه كسبه قال ﷺ من باع عبدا وله مال والدليل عليه أنه يستقيم أن تنفى عن المولى فيقال هذه ليست بداره بل هي دار عبده والعبرة للاضافة لا للملك ألا ترى أنه لو دخل دارا يسكنها فلان عارية أو اجارة كان جانثا إذا عرفنا هذا فنقول أما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فالمولى لا يملك كسب العبد إذا كان عليه دين حتى لو أعتقه بعينه لم يعتق فكذلك بمطلق كلامه وان نواه فان لم يكن عليه دين فهو غير مضاف إليه مطلقا فلا يعتق بمطلق كلامه الا أن ينويه فان نواه عتق لان المنوي من محتملات كلامه وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى هو مالك له سواء كان عليه دين أولم يكن الا أنه غير مضاف إليه مطلقا فلا يدخل في كلامه الا أن ينويه وعند محمد رحمه الله تعالى الاضافة باعتبار الملك وهو مملوك له سواء كان عليه دين أولم يكن فيعتق بايجابه الا أن يستثنيه بنية فيعمل استثناؤه لانه نوى المضاف إليه من كل وجه وهذا مضاف إليه ملكا ولكنه مضاف إلى عبده كسبا أو نوى تخصيص لفظه العام فتعمل نيته فيما بينه وبين الله تعالى ولهذا لا يصدق
[ 83 ] في القضاء وإذا دعا عبده سالما فأجابه مرزوق فقال أنت حر ولانية له عتق الذى أجابه لانه اتبع الايقاع الجواب فيصير مخاطبا للمجيب وان قال عنيت سالما عتق سالم بنيته لكون المنوي من محتملات كلامه ولكنه لا يصدق في القضاء في صرف العتق عن مرزوق لان الايقاع تناوله في الظاهر فلا يدين في صرفه عنه في القضاء وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى وان قال يا سالم أنت حر وأشار إلى شخص ظنه سالما فإذا هو عبد آخر له أو لغيره عتق عبده سالم لانه اتبع الايقاع النداء فتناول المنادى خاصة ولا معتبر لظنه فان الظن لا يغني من الحق شيئا وإذا أعتق الرجل عبده أو أمته ثم جحد العتق حتى أصاب من الخدمة والغلة ما أصاب ثم أقربه أو قامت عليه البينة فليس عليه في الخدمة شئ لانه مجرد استيفاء المنفعة ولا تتقوم المنفعة الا بعقد الا ترى أنه لو غصب حرا فاستخدمه لم يكن عليه شئ سوى المأثم عندنا فهذا مثله بل عينه لانها تبين أنها كانت حرة حين استخدمها ويرد عليها ما أصاب من غلتها ومراده إذا كانت هي التى أجرت نفسها أو اكتسبت لانه تبين أنها كانت حرة مالكة لكسبها فعلى المولى أن يرد عليها ما أخذ منها وان كان هو الذى أجرها فما أخذ من الغلة يكون مملوكا له لانه وجب بعقده ولكن لا يطيب له لانه حصل له بكسب خبيث وعليه في الوطئ لها مهر المثل لانه تبين أنه وطئها وهى حرة والوطئ في غير الملك لا ينفك عن حد أو مهر وقد سقط الحد بالشبهة لانها كانت مملوكة له يومئذ في الظاهر فوجب المهر وهذا لان المستوفى بالوطئ في حكم العين دون المنفعة ولهذا يختص اباحة تناوله بالملك ولا يملك بالعقد الامؤبدا وان كان أجنبي جنى عليه ثم أقر المولى انه كان أعتقه قبل ذلك لم يصدق على الزام الجاني حكم أرش الحرلان اقراره ليس بحجة في حق الجاني وثبوت الحكم بحسب الحجة واقراره حجة عليه خاصة فما وجب من أرش المماليك يكون لها لان المولى حول ذلك باقراره إليها وذلك صحيح منه لكونه مقرا به على نفسه وان قامت به بينة لزم الجاني حكم الجناية على الحر لان البينة حجة في حق الكل والثابث من الحرية بها قبل الجناية كالثابت معاينة على الحر ولا يجوز عتق الصبي والمجنون في حال جنونه لان قولهما هدر شرعا خصوصا فيما يضرهما ولان العتق لا ينفذ الا بقول ملزم لاأنه ملزم في نفسه وقولهما غير ملزم شرعا وان أعتق في حال افاقته جاز لانه مخاطب له قول ملزم وهو يملك العبد حقيقة فينفذ عتقه وان قال أعتقت عبدى وأنا صبى أو أنا نائم فالقول قوله لانه أضاف اقراره إلى
[ 84 ] حالة معهودة تنافى اعتاقه فكان انكارا للعتق معنى واقرارا صورة والعبرة للمعنى دون الصورة وكذلك لو قال أعتقته قبل أن يخلق أو قبل أن أخلق لانه أضاف إلى حالة معهودة تنافي تصور الاعتاق فيكون هذا أبلغ في النفى من الاضافة إلى حالة تنافى الاعتاق شرعا وإذا وجب تصديقه هناك فهنا أولى وإذا قال لعبده أنت حرمتي شئت أو كلمات شئت أو إذا ما شئت فقال العبد لا أشاء ثم باعه ثم اشتراه ثم شاء العتق فهو حر لانه علق عتقه بوجود مشيئته في عمره ولم يفت ذلك بقوله لااشاء لانه يتحقق منه المشيئة بعده وقوله لا أشاء كسكوته أو قيامه عن المجلس ولا يجعل قوله لا أشاء رد الاصل كلام المولى لان تعليق العتق بالشرط يتم بالمولى فلا يرتد برد العبد وإذا بقى التعليق نزل العتق لوجود الشرط بمشيئته (قال) ألا ترى أنه لو قال أنت حر ان دخلت الدار ثم باعه ثم اشتراه فدخل الدار يعتق وهذا مذهبنا فاما عند الشافعي لا يعتق لان الملك عنده كما يشترط لا نعقاد اليمين يشترط لبقائها وبالبيع زال ملكه ولكنا نقول الملك ليس بشرط لا نعقاد اليمين وانما الشرط وجود المحلوف به فلهذا صححنا اضافة العتق إلى الملك والمحلوف به هو العتق ومحلية العبد للعتق بصفة الرق وذلك لا ينعدم بالبيع الا أنه يشترط الملك عند وجود الشرط لنزول العتق لان تصرفه يتصل بالمحل عند وجود الشرط فاما قبل ذلك بقاء اليمين ببقاء ذمته وبقاء المحلوف به لكونه محلا للعتق فلا معنى لاشتراط الملك فيه وان قال أنت حرحيث شئت فقام من مجلسه بطل ذلك لان حيث عبارة عن المكان أي أنت حرفي أي مكان شئت فليس في لفظه ما يوجب تعميما في الوقت فيتوقت بالمجلس كقوله ان شئت وان قال أنت حركيف شئت عتق في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولم يعتق في قولهما ما لم يشأ قبل ان يقوم من مجلسه وقد بينا هذا في الطلاق والعتق قياسه وقوله كيف شئت في العتق ليس بشئ عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان بعد نزول العتق لا مشيئة لاحد في تغييره من وصف إلى وصف ولهذا لو شاء العبد عتقا على مال أو إلى أجل أو بشرط أو شاء التدبير فذلك باطل كله وهو حر وان قال عبدي حر وليس له الاعبد واحد عتق لانه عرف محل العتق باضافته إلى نفسه فكأنه عرفه بالاشارة إليه ولانه أوجب مالا يتم ايجابه الا في ملكه فتعين ملكه له فان قال لى عبد آخر واياه عنيت لم يصدق الا ببينة لان كلامه تناول ذلك العبد الذى ظهر ملكه فيه باعتبار الظاهر فيكون هو متهما في صرفه عنه الامن لا يعلم
[ 85 ] فلا يصدقه القاضى الا بحجة ولو قال ابيعك عبدا بكذا ولم يسمه ولم يره المشترى فالبيع باطل لانه أوجبه في مجهول وايجاب البيع في المجهول باطل وهذه جهالة تفضى إلى المنازعة بينهما فان اتفقا أنه هذا فالبيع جائز لان الجهالة والمنازعة قد ارتفعت باتفاقهما وكان بيانهما في الانتهاء بمنزلة التعيين في الابتداء وان قال أبيعك عبدى بكذا ولم يسم كان المشترى بالخيار إذا رآه لانه عرفه بالاضافة إلى نفسه فكان بمنزلة التعريف بالاشارة إلى مكانه وليس في ذلك المكان مسمى بذلك الاسم الا واحد وثبوت الخيار للمشترى لعدم الرؤية (قال) وليس هذا كالعتق وظن بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أن مراده الفرق بينهما في اثبات خيار الرؤية وليس كذلك بل المراد هو الفرق لان ايجاب العتق في المجهول صحيح بخلاف ايجاب البيع حتى لو قال أعتقت عبدا وليس له الاعبد واحد يعتق ذلك العبد بخلاف ما لو قال بعتك عبدا لان المنازعة تتمكن بسبب الجهالة في البيع دون العتق والبيان من المولى مقبول في العتق لانه ايجاب لا يقابله استيجاب بخلاف البيع ولو قال أحد عبدى حر أو أحد عبيدى حر وليس له الا عبد واحد عتق ذلك العبد لانه عرف محل العتق باضافته إلى نفسه بالملكية وإذا كان المضاف إليه بالملكية واحدا كان متعينا لايجابه ولو قال لعبديه احدكما حر عتق احدهما لا بعينه لان العتق يحتمل التعليق بالشرط فيصح ايجابه في المجهول كالطلاق وهذا لان المتعلق بالشرط انما ينزل عند وجود الشرط والايجاب في المجهول في حق العين كالمتعلق بشرط البيان فيما يحتمل التعليق بالشرط فيصح ايجابه في المجهول فان مات أحدهما أو قتل تعين العتق في الآخر لان الذى مات خرج من أن يكون محلا لايقاع العتق عليه والعتق المبهم في حق المعين كالنازل عند البيان فلا بد من بقاء لمحل ليبقى خياره في البيان وعدم التعين في الباقي منهما كان لمزاحمة الآخر اياه وقد زالت هذه المزاحمة بخروج أحدهما من أن يكون محلا للعتق فلهذا يتعين في الآخر وهذا بخلاف البيع فانه لو اشترى أحد العبدين وسمى لكل واحد منهما ثمنا وشرط الخيار لنفسه ثم مات أحدهما تعين البيع في الهالك وهنا يتعين العتق في القائم قال على القمى وفى الحقيقة لا فرق بينهما لان الهالك يهلك على ملكه في الفصلين والاصح أن يقول هناك حين أشرف أحدهما على الهلاك تعين البيع فيه لانه تعذر عليه رده كما قبض فانما يتعين للبيع وهو حي لاميت وهنا لو تعين العتق فيه تعين بعد الموت لانه بالاشراف على الهلاك لا يخرج من أن يكون محلا للعتق وبعد الموت هو ليس
[ 86 ] بمحل للعتق فيتعين في القائم ضرورة وكذلك لو باع أحدهما أو وهبه لانه اكتسب فيه سبب التمليك والمعتق لا يكون محلا للتمليك فمن ضرورة اكتساب سبب التمليك فيه نفى العتق عنه وذلك يخرجه من مزاحمة الآخر في ذلك العتق وهذا لان تصرف العاقل محمول على الصحة ما أمكن ومن ضرورة صحة هذا التصرف انتفاء ذلك العتق عن هذا المحل وكذلك لو دبر أحدهما صح تدبيره لانهما مملوكاه في الظاهر ومن ضرورة صحة التدبير انتفاء ذلك العتق عنه لان المتق لا يدبر وهذا لان التدبير تعليق للعتق بالشرط والعتق في محل واحد غير متعدد فمن ضرورة تنجزه بطلان التعلق بالموت ومن ضرورة صحة تعليقه بالموت انتفاء تنجز العتق فيه قبله وكذلك لو كانا أمتين فوطئ إحداهما فعلقت منه لانها صارت أم ولدله فمن ضرورة صحة أمية الولد استحقاق العتق بها انتفاء العتق المنجز عنها وإذا انتفي عن إحداهما تعين في الاخرى لزوال المزاحمة ولو وطئ احداهما ولم تعلق منه فكذلك الجواب في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى حنيفة لا يتعين العتق في الاخرى بل يبقى خياره في البيان وجه قولهما ان الوطئ تصرف لا يحل الا بالملك فاقدامه عليه في احداهما دليل تعيين الملك فيها ومن ضرورته انتفاء ذلك العتق عنها فتعين في الاخرى وقاسا بما بينا من التصرفات وبما لو قال لامرأتين له احداكما طالق ثلاثا ثم وطئ احداهما تعين الطلاق في الاخرى وهذا لان فعل المسلم محمول على الحل ما أمكن لان عقله ودينه يمنعه من الحرام ووطؤهما جميعا ليس بحلال له حتى لا يفتي له بذلك فكان من ضرورة حل الوطئ في احداهما انتفاء العتق عنها ألا ترى أنه لو باع جارية على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم وطئها في مدة الخيار يصير فاسخا للبيع وهناك الجارية باقية على ملكه ووطؤها حلال له ثم كان من ضرورة الاقدام على الوطئ انتفاء سبب المزيل عنها فهنا أولى وكذلك لو باع احدى الامتين وسمي لكل واحدة منهما ثمنا وشرط الخيار لنفسه ثم وطئ احداهما فليس له أن يعين البيع فيها بعد ذلك وكذلك ان كان المشترى بالخيار فوطئ احداهما تعين البيع فيها لاثبات صفة الحل لفعله فهذا قياسه وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول وطؤهما جميعا مملوك له والوطئ في الملك بمنزلة الاستخدام لانه من حيث الحقيقة ليس في الوطئ الا استيفاء المنفعة وانما تظهر المفارقة بينهما من طريق الحكم وذلك في غير الملك فبقى في الملك الوطئ نظير الاستخدام وبيان ان وطأهما مملوك له أما من حيث الحكم فلانهما لو وطئهما بالشبهة كان الواجب عقر المملوكتين وكان ذلك كله
[ 87 ] للمولى وانما يملك البدل بملك الاصل ومن حيث الحقيقة فلانهما كانتا مملوكتين له قبل ايجاب العتق وانما أوجب العتق في نكرة وكل واحدة منهما بعينها معرفة والمنكر غير المعرف فلا يجوز ايجاب العتق في المعين قبل بيانه لانه ايجاب في غير المحل الذى أوجبه ولا يقول هو في الذمة كما توهمه بعض أصحابنا رضى الله عنهم لانه ما أوجبه في الذمة ولكن قول هو في المنكر كما أوجبه وعدم التعين لا يمنع صحة الايجاب فيما هو أضيق من هذا معنى حتى لو باع نفيزا من صبرة جاز فلان لا يمنع صحة الايجاب هنا أولى ولكن الايجاب في المنكر كالمتعلق بشرط البيان في حكم العين والتعليق بالشرط يمنع الوصول إلى المحل وفيما لا يحتمل التعليق بالشرط كالبيع المعتبر انتفاء معني المنازعة لصحة الايجاب فإذا بقيت كل واحدة منهما مملوكة له عينا بقى وطئ كل واحدة منهما مملوكا له ولكن لا يفتى بالحل لان المنكر الذى وجب فيه العتق فيهما والحل والحرمة مبنى على الاحتياط فلهذا لا يفتى بحل وطئهما له وان كان وطؤهما مملوكا له وهذا بخلاف النكاح فان ملك النكاح ليس الا ملك الحل والطلاق موجبه الاصلى حرمة المحل ولا يجتمع الوصفان في محل واحد فمن ضرورة كون ملك المتعة باقيا له في الموطوءة انتفاء التطليقات عنها فتيعين في الاخرى واما العتق يزيل ملك الرقبة وحل الوطئ باعتبار ملك المتعة لا باعتبار ملك الرقبة وليس من ضرورة ملك المتعة في محل انتفاء العتق عن ذلك المحل ولا يقال هنالا سبب لملك المتعة الا ملك الرقبة ومن ضرورة انتفاء ملك الرقبة انتفاء ملك المتعة الثابت بسببه لان ماكان طريقه طريق الضرورة تعتبر فيه الجملة لا الاحوال ألا ترى أن الجارية المبيعة إذا جاءت بولد لاقل من ستة أشهر فقطعت يد الولد أخذ المشترى الارش ثم ادعى البائع نسب الولد بطل البيع وحكم بحرمة الاصل للولد وبقى الارش سالما للمشترى ولا سبب في هذا الموضع لملكه الارش سوى ملك الرقبة ثم نظر إلى الجملة دون الاحوال وكذلك لو اشترى لحما فأخبره عدل أنه ذبيحة مجوسي يحرم عليه تناوله وسبب الملك هنا ملك العين ولما كان حل التناول يثبت في الطعام في الجملة من غير ملك نظر إلى الجملة دون الاحوال بخلاف حل الوطئ إذا تقرر هذا فنقول لا منافاة بين ملك المتعة والحرية في محل واحد ابتداء وبقاء في الجملة وأكثر ما في الباب ان يكون إقدامه على الوطئ دليل بقاء ملك المتعة له في هذا المحل وذلك لا يوجب منافاة الحرية عنه ضرورة توضيحه ان وطئ احداهما دليل الحرمة في الاخرى والتصريح
[ 88 ] بالحرمة يجوز أن يقع به الطلاق بأن يقول لامرأته أنت على حرام بنية الطلاق فكذلك ما يدل على الحرمة في الاخرى يحصل به البيان فأما التصريح بالحرمة لا ينزل به العتق فكذلك البيان لا يحصل بما يكون دليل الحرمة في احداهما لا البيان في حق المحل كالايجاب ابتداء ولهذا لا يصح بعد الموت فاما في البيع بشرط الخيار لو لم يجعله فاسخا للبيع بالوطئ لكان إذا جاز البيع يملكه المشترى من وقت العقد حتى لو وطئت بالشبهة كان الارش للمشترى فتبين به ان البائع وطئها في غير ملكه فلهذا جعلناه بيانا وهنا لوعين العتق في الموطوءة لا يتبين انعدام ملكه فيها سابقا على الوطئ بدليل انها لو وطئت بشبهة يكون الارش سالما للمولى وان عين العتق فيها مع ان فسخ البيع هناك يحصل بالجناية وهنا لا يحصل بجنايته علي احداهما بالبيان فكذلك بالوطئ وكذلك في بيع احدى الامتين أما إذا كان الخيار للمشترى فلانه لا يملك احداهما الا بعد تعيين البيع فيها وإذا كان الخيار للبائع فلانه لو عين البيع فيها بعد الوطئ يثبت الملك للمشترى من وقت البيع ويتبين أنه وطئها في غير ملكه فللتحرز عن هذا تعين البيع في الاخرى ضررورة وذكر ابن سماعة عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أنه لو قبل إحداهما أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها فكذلك أيضا لان هذه الافعال لا تحل الا في الملك كالوطئ ولو أعتق احداهما بعينها ثم قال إياها كنت عنيت بذلك العتق الاول كان مصدقا أما عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى فلان العتق الاول في حق العين لم يكن نازلا حتى يقال له أوقع فكان هذا ايقاعا لذلك العتق في العين وعند محمد رحمه الله تعالى هو نازل في احداهما حتى يقال له بين على ما ذكره في الزيادات ولكن لفظه في الايقاع والبيان يتقارب والبيان مستحق عليه فيحمل فعله على الوجه المستحق وان قال أردت به الايقاع ابتداء صح ايقاعه لانها بقيت على ملكه بعد العتق المبهم محلا قابلا لتصرفه وبتقرر ايقاعه يخرج عن أن تكون محلا لذلك العتق المبهم فيتعين في الاخرى كما لو دبر احداهما ولو فقأ رجل عين احداهما فالمولى على خياره لان المفقوء عينها محل للعتق كالاخرى وسواء أوقع العتق عليها أو على الاخرى فالواجب على الفاقئ أرش عين الامة للمولى أما إذا أوقع على الاخرى فلا اشكال فيه وكذلك إذا أوقع على المفقوء عينها لانها كانت مملوكة حين فقئت عينها فصار ارش عين المملوكة مستحقا للمولى ثم ايقاع العتق عليها يعمل فيما بقى منها دون ما فات ونظيره ارش اليد في ولد
[ 89 ] الجارية المبيعة إذا ادعي البائع نسبه انه يبقي سالما للمشترى وان قال كنت عنيتها حين أوقعت العتق أو قال كنت أوقعت العتق عليها قبل فق ء العين لم يصدق في حق الجاني لان الواجب عليه أرش مملوكة فهو بهذا الكلام يريد ان يلزمه أرش عين حرة ولكنه يصدق على نفسه حتى يكون ذلك الارش لها لانه هو المستحق للارش ظاهرا وقد أقربه لها فاقراه صحيح في حق نفسه ولو قتلهما رجل واحد فان قتل احداهما قبل الاخرى فعليه قيمة الاولى للمولى ودية اخرى لورثتها لان بقتل احداهما يتعين العتق في الاخرى ضرورة فتبين أنه قتلها وهى حرة وان قتلهما معا كان عليه قيمة أمة ودية حرة ان استوت القيمتان وان اختلفت فعليه نصف قيمة كل واحدة منهما ونصف دية حرة لانا نتيقن أنه قتل حرة وأمة وقتل الحر يوجب الدية وليست احداهما بأولى من الاخرى فيلزمه نصف قيمة كل واحدة منهما ونصف ديتها لان البيان فات حين قتلتا وعند فوت البيان يشيع العتق فيهما (فان قيل) إذا لم يكن العتق نازلا في احداهما كيف يجب عليه دية حرة (قلنا) هذا انما يلزم من يقول أن العتق نازل في الذمة ونحن قلنا أن العتق نازل في المنكر وذلك المنكر فيهما لا يعدوهما فعند اتحاد القاتل يعلم أنه قاتل للمنكر الذى نزل فيه العتق وهو بمنزلة ما قال في الجامع لو أوصى لرجل بأحد عبديه ثم مات فأعتقهما الموصى له ثم عين الوارث وصيته في احدهما تعين ذلك المعين من قبله ثم نصف ما وجب في بدل نفس كل واحدة منهما يكون لمولاها والنصف لورثتها لان كل واحدة منهما ان كانت حرة فبدل نفسها لوارثها وان كانت أمة فبدل نفسها لمولاها فيتوزع نصفين للمساواة ولو قتلهما رجلان كل واحد منهما قتل احداهما فان كان على التعاقب فعلى القاتل الاول قيمة الاولى لمولاها وعلى القاتل الثاني ديتها لورثتها لان العتق تعين فيها وان كان معا فعلى كل واحد منهما قيمة أمة لان كل واحد من القاتلين انما قتل احداهما بعينها والعتق في حق العين كأنه غير نازل فكانت كل واحدة منها مملوكة عينا وانما نزول العتق في المنكر ولا يتيقن أن كل واحد منهما قاتل لذلك المنكر فانما وجب على كل واحد منهما القدر المتيقن به وهو القيمة ولم يبين في الكتاب أن ذلك للمولى أو لورثتها وقيل هذا والاول سواء النصف للمولى من كل واحدة منهما والنصف للورثة لان في حق المولى الحرية ثابتة في احداهما فلا يستحق بدل نفسها فيتوزع ذلك نصفين لهذا ولو قطع ايديهما رجل واحد جميعا معا أو احداهما قبل الاخرى أو فعل
[ 90 ] ذلك رجلان كان الواجب أرش يدى مملوكتين ويسلم ذلك كله للمولى لان بعد قطع اليد يبقى خيار المولى لبقاء كل واحدة منهما محلا للعتق وما بقى خيار المولى لا يكون العتق نازلا في عين احداهما فانما ابينت يدكل واحدة منهما على حكم الرق بخلاف الرق فانه لا يبقى خيار المولى في البيان بعد ما قتلت أو احداهما وإذا لم يبق خياره لم يكن بدمن الحكم بشيوع العتق فيهما وإذا كان قاتلهما واحد نتيقن أنه قتل حرة وأمة وان لم يجن عليهما أحد ولكن المولى مات قبل ان يبين عتق من كل واحدة منهم نصفها وسعت في نصف قيمتها لان البيان فات بموت المولى فان وارثه لا يخلفه في ذلك فانه لا يقف على مراده ولان مجرد الخيار لا يورث ولما فات البيان شاع العتق فيهما إذا ليست احداهما بأولى من الاخرى وبعد ما عتق نصف كل واحدة منهما يجب اخراج النصف الباقي إلى الحرية بالسعاية وان اختار المولى عند الموت احداهما عتقت كلها ولا يعتبر من ثلث ماله لان الايقاع كان منه في الصحة وقد تم الاستحقاق به في حقه معتبرا من جميع ماله لانه لاتنكير في جانبه فلا يتغير ذلك بببانه عند الموت وهو نظير مالو طلق احدى نسائه الاربع قبل الدخول من غير عينها كان له أن يتزوج أخرى لان احداهن قدبانت في حقه فانه لا تنكير في جانبه ولو جنت احداهما جناية قبل أن يختار المولى ثم اختار ايقاع العتق عليها بعد علمه بالجناية كان مختارا للجناية لانه كان متمكنا من أن يوقع العتق على الاخرى فايقاعه على هذه في حق أولياء الجناية بمنزلة اعتاق مبتدأ لانه يمتنع به دفعها فيصير مختارا للدية ولا يصدق في حقهم انه كان أرادها بذلك العتق السابق وان مات المولى قبل البيان عتق من كل واحدة منهما نصفها وسعت كل واحدة منهما في نصف قيمتها لورثة المولى وكان على المولى قيمة التى جنت في ماله لانه تعذر دفعها حين عنق نصفها على وجه لم يصر المولى مختارا بل صار مستهلكا بترك البيان في الاخرى حتى مات فيلزمه قيمتها كما لو أعتق الجانية قبل أن يعلم بالجناية ولو باع احداهما على انه بالخيار وقع العتق على الاخرى لان تصرفه بالبيع في احداهما نافذ ومن ضرورة نفوذه خروجها من أن تكون محلا لذلك العتق فيتعين في الاخرى وكذلك لو باع احداهما بيعا فاسدا وقبضها المشترى وهذا أظهر لان المشترى بالقبض قد ملكها فمن ضرورته تعين العتق في الاخرى ولكن قيل لا معتبر بهذه الزيادة فسواء قبضها المشترى أولم يقبضها تعين العتق في الاخرى لان البيع اسم خاص لتمليك مال بمال ففي قوله بعت هذا بكذا
[ 91 ] اقرار بأنه لاحظ لها في ذلك العتق فيتعين في الاخرى ألا ترى أنه لو عرض احداهما على البيع تعين الاخرى للعتق محفوظ عن أبى يوسف رحمه الله تعالى فإذا باع إحداهما بيعا فاسدا أولى وهذا لان دليل البيان ممن له الخيار كصريح البيان كما روى أن النبي ﷺ لما خير بريرة قال لها ان وطئك زوجك فلا خيار لك وكذلك لو باع احداهما بعينها على أن المشترى بالخيار عتقت الباقية وهذا أظهر لان المشترى لو أعتقها عتقت من قبله فمن ضرورة هذا التصرف خروجها من أن تكون مزاحمة في ذلك العتق وكذلك لو كاتب احداهما لانه بالكتابة يوجب لها ملك اليد في نفسها ومكاسبها بعوض وهذا لا يتحقق في العتق فكان انتفاء العتق عنها من ضرورة تصرفه وكذلك لو رهن احداهما لانه أثبت للمرتهن يد الاستيفاء في ماليتها بتصرفه ومن ضرورته انتفاء العتق عنها وكذلك لو أجر احداهما لانه التزم تسليمها إلى المستأجر بولاية الملك ومن ضرورته انتفاء العتق عنها وان استخدمها لم تعتق الباقية لانه ليس من ضرورة استخدامه اياها انتفاء العتق عنها فالانسان قد يستخدم الحرة خصوصا إذا كانت مولاة له ويحل له ذلك شرعا برضاها فلا يكون ذلك دليل البيان وقد بينا ان الاعتاق من الصبى لا يجوز وهو مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما وكذلك لو قال كل مملوك أملكه إذا احتملت فهو حر لان اليمين لا تنعقد الا بقول ملزم وليس للصبى قول ملزم شرعا خصوصا فيما لا منفعة له فيه والمجنون كالصبي وإذا قال الصحيح عبدى حريوم أفعل كذا ففعل ذلك وهو معتوه عتق عبده الاعلى قول ابن أبى ليلى رضى الله تعالى عنه فانه يقول المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز والمعتوه ليس من أهل تنجيز العتق ولكنا نقول العته لا يعدم ملكه ولا يمنع تحقق الفعل منه انما يهدر قوله ولا حاجة إلى قوله عند وجود الشرط والمعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز بذلك التعليق السابق وقد صح منه وإذا أعتق الرجل عبده وهو من أهل الحرب في دار الحرب ثم صار ذميا أو أسلم وعبده معه في يده فهو عبده وعتقه وتدبيره في دار الحرب باطل عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى عتقه نافذ لانه ازالة الملك بطريق الابطال فيصح في دار الحرب كالطلاق ثم ملك الحربي أضعف من ملك المسلم فإذا كان ملك المسلم يزول بالعتق مع تأكده بالاحراز فملك الحربى أولى وهما يقولان لا فائدة في هذا العتق لانه معتق بلسانه مسترق بيده وهو محل للاسترقاق والدار دار
[ 92 ] القهر فعرفنا أنه غير مفيد شيئا ولان الاعتاق احداث قوة وإذا كان العبد حربيا لا يتحقق فيه معنى احداث القوة لانه عرضة للتملك ولهذا قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أهل الحرب بمنزلة الارقاء حتى لو كان العبد مسلما كان العتق نافذا وبعض أصحابنا يقولون لا خلاف في نفوذ العتق على ما فسره محمد رحمه الله تعالى في السير الكبير أنه إذا كان من حكم ملكهم أنه يمنع المعتق من استرقاق المعتق فانه ينفذ العتق وانما الكلام في اثبات الولا على ما ذكره الطحاوي ان عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا ولاء عليه للمعتق وله ان يوالى من شاء وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى استحسن ان يكون ولاؤه للذى أعتقه لان الولاء كالنسب ولا خلاف ان النسب يثبت في دار الحرب حتى لو قال المستأمن لغلمان في يده هؤلاء أولادي أو لجوار في يده هن أمهات أولادي قبل ذلك منه فكذلك الولاء يثبت في دار الحرب ثم يتأكد بالخروج إلى دار الاسلام ولا يبطل وهما يقولان ثبوت الولاء للمعتق على المعتق حكم شرعى ودار الحرب ليس بدار الاحكام وهو أثر ملك محترم ولا حرمة لملك الكافر ثم لو أحرز المملوك نفسه بدارنا لم يكن لاحد عليه ولاء فكذلك المعتق والاصل فيه ما روى أن ستة من أهل الطائف خرجوا حين كان رسول الله صلى عليه وسلم محاصرا لهم ثم خرج مواليهم يطلبون ولاءهم فقال ﷺ أولئك عتقاء الله الا أن أبا يوسف رحمه الله تعالى يقول هناك لم يوجد من الموالى اكتساب سبب الولاء وانما زال ملكهم بتباين الدارين وهنا من المولى قد وجد اكتساب سبب الولاء بالعتق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (باب الشهادة في العتق) (قال) رضى الله عنه وشهادة الشهود على عتق الامة جائزة وان كانت هي منكرة لان هذا فرج معناه أن عتق الامة يتضمن تحريم فرجها على المولى وذلك من حق الشرع وفيما هو حق الله تعالى الشهادة تقبل حسبة من غير الدعوى (فان قيل) فعلى هذا ينبغى أن يكتفي بشهادة الواحد لانه أمر دينى وخبر الواحد فيه حجة تامة (قلنا) خبر الواحد انما يكون حجة في الامر الدينى إذا لم تقع الحاجة إلى التزام المنكر وهنا الحاجة ماسة إلى ذلك ولان في هذا ازالة الملك والمالية عن المولى وخبر الواحد لا يكفي لذلك فلهذا لابد من أن يشهد به رجلان
[ 93 ] (فان قيل) فإذا كانت هي أخته من الرضاعة قبلت الشهادة على عتقها مع جحودها وليس فيه تحريم الفرج هنا (قلنا) بل فيه معنى الزنا لان فعل المولى بها قبل العتق لا يلزمه الحد وبعد العتق يلزمه الحد وبضعها مملوك للمولى وان كان هو ممنوعا عن وطئها للمحرمية ألا ترى أنه يزوجها وان بدل بضعها يكون له فيزول ذلك الملك باعتاقها ولان الامة في انكار العتق متهمة لما لها من الحظ في الصحبة مع مولاها ولا معتبر لانكار من هو متهم في انكاره فجعلناها كالمدعية لهذا فأما الشهادة على عتق العبد لا تقبل مع جحود العبد في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وتقبل في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وجه قولهما أن المشهود به حق الشرع وعدم الدعوى لا يمنع قبول الشهادة عليه كعتق الامة وطلاق الزوجة وبيان ذلك أن المشهود به العتق وهو حق الشرع ألا ترى أنه لا يحتاج فيه إلى قبول العبد ولا يرتد برده وانه مما يجوز أن يحلف به وانما يحلف بما هو حق الشرع وان ايجابه في المجهول صحيح ولا يصح ايجاب الحق للمجهول ويتعلق به حرمة استرقاقه وذلك حق الشرع قال النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة وذكر في جملتهم من استرق الحر ويتعلق به حكم تكميل الحدود ووجوب الجمعة والاهلية للولايات ثم الاسترقاق على أهل الحرب عقوبة بطريق المجازاة لهم حين أنكروا وحدانية الله فجازاهم على ذلك بان جعلهم عبيد عبيده فازالته بعد الاسلام يكون حقا للشرع ولهذا كانت قربة تتأدى بعض الواجبات بها والدليل عليه ان التناقض في الدعوى لا يمنع قبول البينة حتى لو أقر بالرق ثم ادعي حرية الاصل وأقام البينة قبلت بينته والتناقض يعدم الدعوي وحجة أبى حنيفة رحمه الله قول عليه الصلاة والسلام ثم يفشوا لكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد فقد جعل أداء الشهادة قبل الاستشهاد من امارات الكذب فظاهره يقتضي أن لا يكون مقبولا منه الا حيث خص بدليل الاجماع والمعنى فيه ان ازالة ملك اليمين بالقول ولا يتضمن معنى تحريم الفرج فلا تقبل الشهادة فيه الا بالدعوى كالبيع وتأثيره ان المشهود به حق العبد لان الاعتاق احداث قوة المالكية والاستبداد فيتضمن انتفاء ذل المالكية والرق وذلك كله حق العبد فأما ما وراء ذلك من ثمرات العتق فلا يعتبر ذلك وانما يعتبر المشهوديه فإذا كان حقا للعبد يتوقف قبول البينة على دعواه ونحن نسلم أن في السبب معني حق الشرع ولهذا لا يتوقف على قبوله ولا يرتد برده ولكن هذا لا يدل على قبول البينة
[ 94 ] فيه من غير الدعوى كالعفو عن القصاص ثم العبد غير متهم في هذا الانكار لان العاقل لا يجحد الحرية ليستكسبه غيره فينفق عليه بعض كسبه ويجعل الباقي لنفسه فصح انكاره وصار به مكذبا لشهوده بخلاف الامة لانها متهمة في الانكار على ما قلنا حتى لو كان العبد متهما بأن كان لزمه حد قذف أو قصاص في طرف فانكر العتق تقبل الشهادة ومن أصحابنا من قال التناقض انما يعدم الدعوى فيما يحتمل الفسخ بعد ثبوته لان أول كلامه ينقض آخره وآخره ينقض أوله فاما فيما لا يحتمل النقض بعد ثبوته فلا معتبر بالتناقص كما في دعوى النسب فان الملاعن إذا أكذب نفسه ثبت النسب منه ولا ينظر إلى تناقضه في الدعوى ولا ناقض لحرية الاصل في دارنا فالتناقض فيه لا يكون معدما للدعوي وهذا ضعيف فان من أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه بعدما أقر بنسب ولد أمته لغيره لو ادعاه لنفسه لا يصح للتناقض والنسب لا يحتمل القض والوجه ان يسلك فيه طريقة الشبهين فنقول من حيث السبب المشهود به من حق الشرع بمنزلة طلاق الزوجة وعتاق الامة ومن حيث الحكم المطلوب بالسبب هو حق العبد كما بينا وما تردد بين الشبهين يوفر حظه عليهما فلشبهه بحقوق العباد قلنا الشهادة لا تقبل بدون الدعوى ولشبهه بحق الشرع قلنا التناقض في الدعوى لا يمنع قبول البينة عليه وإذا شهدوا انه أعتق عبده سالما ولا يعرفون سالما وله عبد واحد اسمه سالم فانه يعتق لما بينا ان ايجاب العتق في المجهول صحيح ولان ملكه متعين لما أوجبه فبان لا يعرف الشهود العبد لا يمنع قبول شهادتهم كما ان القاضى يفضى بالعتق إذا سمع هذه المقالة من المولى وان كان هو لا يعرف العبد ولو شهدوا به في البيع أبطلته لما بينا ان الجهالة التى تفضى إلى المنازعة تمنع صحة البيع وإذا لم يعرف الشهود العبد فهذه جهالة تفضي إلى المنازعة ويتعذر على القاضى القضاء لاجله بالشهادة وإذا شهدوا عليه بعتق عبد بعينه واختلفا في الوقت أو المكان أو اللفظ أو اللغة أو شهد احدهما أنه أعتقه وشهد الآخر أنه أقر انه أعتقه فالشهادة جائزة لان العتق قول يعاد ويكرر فلا يختلف المشهود به باختلافها في الزمان والمكان ولا باختلافهما في اللغة وصيغة الاقرار والانشاء في العتق واحد وان اختلفا في الشرط الذى علق به العتق لم يجز لان احدهما يشهد بعتق يتنجز عند دخول الدار والآخر بعتق يتنجز عند كلام فلان والكلام غير الدخول فلا يتمكن القاضى من القضاء بواحد من الشرطين وان اتفقا على أنه قال له ان دخلت الدار فأنت حر وقال المولى انما قلت له ان كلمت فلانا فأنت حر فأيهما
[ 95 ] فعل فهو حر لان التعليق بشرط الدخول ثبت بشهادة شاهدين وبكلام فلان باقرار المولى ولا منافاة بينهما ولو شهد احدهما أنه أعتقه بجعل والآخر أنه كان بغير جعل لم تقبل الشهادة لان احدهما يشهد بعتق متعلق بقبول البدل والآخر بعتق بات ولان العتق بجعل يخالف العتق بغير جعل في الاحكام وكذلك لو اختلفا في مقدار الجعل والمولى ينكر ذلك فالشهادة لا تقبل سواء أدعى العبد أقل المالين أو أكثرهما لان احدهما يشهد بعتق متعلق بقبول الف والآخر بقبول الف وخمسمائة وان كان المولى هو المدعى والعبد منكر فان كان يدعى أقل المالين عتق العبد لا قرار المولى بحريته ولا شئ عليه لانه أكذب أحد شاهديه وهو الذى شهد له بالف وخمسمائة وان ادعى العتق بألف وخمسمائة قضى عليه بألف لان الشهادة هنا لا تقوم على العتق فالعبد قد عتق باقرار المولى وانما تقوم على المال ومن ادعى الفا وخمسمائة وشهد له شاهد بالف وآخر بالف وخمسمائة يقضى بالالف لاتفاق الشاهدين لفظا ومعني وإذا شهد شاهدان انه أعتقه ان دخل الدار وآخران ان كلم فلانا فايهما وجد عتق العبد لان كل واحد من التعليقين ثبت بحجة كاملة ولا تنافى بينهما وان ادعى الغلام انه أعتقه بالف وأقام شاهدين وادعاه المولى بألفين وأقام شاهدين فالبينة بينة المولى لانه يثبت الزيادة في حقه ببينته وان أقام العبد بينة أنه قال إذا أديت إلى ألفا فأنت حر وأنه قد أداها وأقام المولى بينته أنه انما قال له إذا أديت إلى ألفين فأنت حر فالعبد حر ولا شئ عليه غير الالف الذى أداه لان العبد يثبت ببينته تنجز الحرية فيه وهو حقه ولانه يجعل كان الامرين كانا إذا لا منافاة بينهما ولو عاينا وجود الكلامين من المولى تخير العبد وعتق باداء أي المالين اختاره ولو أقام العبد البينة أنه باعه نفسه بألف فأقام المولى البينة انه باعه نفسه بالفين كانت البينة بينة المولى لان العتق يتنجز بالقبول هنا فكان اثبات الزيادة في بينة المولى بخلاف الاول (قال) في الاصل ولو باعه نفسه بألف درهم فأداها من مال المولى كان حرا وللمولى أن يرجع عليه بمثلها والعتق هنا حصل بالقبول لا بأداء المال وانما يتحقق هذا الفصل فيما إذا علقه بالاداء والوجه فيه أن نزول العتق بوجود الشرط وقد وجد وان كان المؤدى مسروقا أو مغصوبا من المولى ثم رد هذا المال على المولى كان مستحقا عليه فيقع من الوجه المستحق في الحكم ويكون له أن يرجع عليه بمثله وان شهد للعبد ابناه أو أبوه وأمه أن مولاه أعتقه فشهادتهما باطلة لانها تقوم لمنفعة العبد وهؤلاء متهون في حقه ولا شهادة لمتهم والعتق يثبت مع الشبهات
[ 96 ] فيثبت بالشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال وإذا رجع شهود العتق بعد القضاء لم يبطل العتق لانهما لا يصدقان في ابطال الحكم ولا في ابطال حق العبد ولكنهما يضمنان قيمته لانهما أتلفا ماليته على المولى وقد أقر بالرجوع أنهما أتلفاه عليه بغير حق والمعتبر في الضمان عند الرجوع بقاء من بقى على الشهادة لا رجوع من رجع وقد بينا هذا في الطلاق وان شهد شاهدان بعتقه فلم يحكم بشهادتهما للتهمة ثم ملكه أحدهما عتق عليه لانه قد أقر بحريته وذلك الاقرار صحيح لازم في حقه الا أنه لم يكن عاملا لانعدام الملك له في المحل فإذا وجد الملك عمل وكان كالمجدد للاقرار بعد ما ملكه فيكون حرا من ماله وإذا شهدا بعتقه فحكم بشهادتهما ثم رجعا عنه فضمنا قيمته ثم قامت بينة غيرهم بأن المولى قد كان أعتقه فان شهدوا أنه أعتقه بعد شهادة هولاء لم يسقط عنهم الضمان بالاتفاق لانهم شهدوا بما هو لغو فانه عتق بقضاء القاضي والمعتق لا يعتق وان شهدوا أنه أعتقه قبل شهادة هؤلاء لم يرجعوا بما ضمنوا في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يرجعون على المولى بما ضمنوا وهذا بناء على ما بينا أن عندهما الشهادة على عتق العبد تقبل من غير دعوى فثبت بشهادة الفريق الثاني حرية العبد من الوقت الذى شهدوا به وان لم يكن هناك مدعيا لذلك ثم تبين به أن الفريق الاول لم يتلفوا على المولى شيئا بشهادتهم وانه أخذ ما أخذ منهم بغير حق وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا تقبل الشهادة على عتق العبد من غير الدعوى ولا مدعى لما يشهد به الفريق الثاني فان العبد قد حكم بحريته فلا يمكنه أن يدعى التعق والفريق الاول لما شهدوا بأنه أعتقه في وقت لا يمكنهم أن يدعوا عتقا في وقت سابقا عليه للتناقض فلانعدام الدعوى لا تقبل شهادة الفريق الثاني ولا يجب على المولى رد شئ مما أخذه من الفريق الاول ولو قيد رجل عبده ثم قال ان لم يكن في قيده عشرة أرطال حديد فهو حر وان حل قيده فهو حر فشهد شاهدان أن في قيده خمسة أرطال حديد فقضى القاضي بعتقه ثم حل القيد فإذا فيه عشرة أرطال فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الشهود يضمنون قيمته للمولى وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الاول وفي قول الآخر وهو قول محمد رحمه الله تعالى لا يضمنون له شيئا وهذا بناء على ان قضاء القاضى بالعتق بشهادة الزور عند أبى حنيفة رحمه الله ينفذ ظاهر وباطنا وفي قول إبى يوسف رحمه الله الآخر وهو قول محمد رحمه الله تعالى ينفذ ظاهرا لاباطنا فتبين ان قضاء القاضى بشهادتهما لم يكن نافذا في الباطن وان
[ 97 ] العبد انما عتق بحل القيد لا بشهادتهما فلا يضمنان عندهما شيئا وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى إنما عتق العبد بقضاء القاضي لنفوذ قضائه ظاهرا وباطنا وقضاء القاضى كان بشهادتهما فلهذا ضمنا قيمته لانا علمنا انهما شهدا بالباطل (فان قيل) هما انما شهدا بشرط العتق لانهما شهدا بوزن القيد انه دون عشرة أرطال وذلك شرط العتق ولاضمان على شهود الشرط (قلنا) لا كذلك بل شهدا بتنجيز العتق لانهما زعما ان المولى علق عتقه بشرط موجود والتعليق بشرط موجود يكون تنجيزا حتى يملكه الوكيل بالتنجيز وشهود تنجيز العتق يضمنون عند الرجوع (فان قيل) قضاء القاضى انما ينفذ عند أبى حنيفة رحمه الله إذا لم يتيقن ببطلانه فاما بعد التيقن ببطلانه لا ينفذ كما لو ظهر ان الشهود عبيد أو كفار وهنا قد تيقنا ببطلان الحجة حين كان وزن القيد خمسة أرطال وبعد ما علم كذبهم بيقين لا ينفذ القضاء باطنا فانما عتق بحل القيد (فلنا) لا كذلك بل نفوذ القضاء عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى باعتبار انه يسقط عن القاضى تعرف ما لا طريق له إلى معرفته وهو حقيقة صدق الشهود ولا يسقط عنه الوقوف على ما يتوصل إليه من كفرهم ورقهم لان التكليف يثبت بحسب الوسع وقد تعذر على القاضى هنا الوقوف علي حقيقة وزن القيد لانه لايعرف ذلك الابعد ان يحله وإذا حله عتق العبد فيسقط عنه حقيقة معرفة وزن القيد ونفذ قضاؤه بالعتق بشهادتهما ظاهرا وباطنا (فان قيل) كذلك فقد يمكنه معرفة وزن القيد قبل أن يحله بأن يضع رجلى العبد مع القيد في طست ويصب فيه الماء حتى يعلو القيد ثم يجعل على مبلغ الماء علامة ثم يرفع القيد إلى ساقه ويضع حديدا في الطست إلى أن يصل الماء إلى تلك العلامة ثم يزن ذلك الحديد فيعرف به وزن القيد (قلنا) هذا من أعمال المهندسين ولا تنبنى أحكام الشرع على مثله مع أنه انما يعرف وزن القيد بهذا الطريق إذا استوى الحديدان في الثقل ولا يعرف ذلك ولو شهدا أنه أعتق عبده سالما وله عبدان اسم كل واحد منهما سالم والمولى يجحد ذلك لم يعتق واحد منهما في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانه لابد من الدعوي لقبول الشهادة عنده والدعوى لاتتحقق من المشهود له لانه غير معين منهما ولا يتمكن الشهود من تعيينه فبطلت شهادتهما لهذا وان قالا قد سماه لنا فنسينا إسمه فشهادتهما باطلة لا قرارهما على أنفسهما بالغفلة وبانهما ضيعا شهادتهما وحكي عن زفر رحمه الله تعالى ان الشهادة تقبل ويقال للمولى بين لانهما ثبتان كلام المولى فثبت بشهادتها ان المولى أعتق عبدا
[ 98 ] له والجهالة لا تمنع صحة العتق فكان المولى مجبرا على البيان ولو شهدا أنه أعتق أحد عبديه بغير عينه والمولى يجحد ذلك فشهادتهما باطلة في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان الدعوى شرط لقبول البينة على العتق عنده والدعوى من المجهول لا تتحقق انما تتحقق الدعوي من كل واحد منهما بعينه والمشهود به عتق في منكر لافى معين فلا تقبل وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في هذه المسألة وفى مسألة الشهادة تقبل ويؤمر المولى بالبيان لان الشهادة على العتق عندهما تقبل من غير دعوى فيثبت به أن المولى أعتق احدهما بعير عينه فيؤمر بالبيان لهذا وكذلك لو شهدا بأنه أعتق احدى أمتيه (فان قيل) في هذا الفصل ينبغى أن تقبل الشهادة عندهم جميعا لان أبا حنيفة رحمه الله تعالى لا يشترط الدعوى في الشهادة على عتق الامة (قلنا نعم انما لا يشترط الدعوى في الشهادة على عتق أمة بعينها لما فيها من تحريم الفرج فأما العتق المبهم لا يوجب تحريم الفرج عنده ولهذا قال لا يكون الوطئ بيانا فلهذا كان الجواب في العبد والامة سواء هنا الا ان شهدا أن هذا كان عند الموت منه فحينئذ تقبل شهادتهما عنده استحسانا وفى القياس لا تقبل لانعدام شرط القبول وهو الدعوى كما لو كان ذلك في حال حياته وصحته والاستحسان وجهان. أحدهما أن العتق المبهم يشيع فيهما بالموت حتى يعتق من كل واحد منهما نصفه فتتحقق الدعوى من كل واحد منهما والثانى أن العتق في مرض الموت بمنزلة الوصية حتى يعتبر من الثلث ووجوب تنفيذ الوصية لحق الموصى فتتحقق الدعوى من وصيه أو وارثه هنا فلهذا قبلت البينة ولو شهدا أن أحد هذين الرجلين أعتق عبده لم تجز شهادتهما لان المشهود عليه مجهول وذلك يمنع قبول الشهادة فان الانكار شرط لقبول البينة والانكار من المجهول لا يتحقق ولان القاضى لا يتمكن من القضاء على واحد منهما بهذه الشهادة وان أدعي العبد أو الامة العتق ولم يكن له بينة حاضرة لم يحل بين المولى وبين العبد لان بمجرد الدعوى لا يثبت استحقاق العبد العتق فانه خبر متمثل بين الصدق وبين الكذب والمخبر غير موثوق فيه لما له في ذلك من الحظ والى هذا أشار عليه الصلاة والسلام في قوله لو أعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم واليد حق للمولى في مملوكه فكما لابحوز ابطال الملك بمجرد الدعوى فكذلك لا يجوز ابطال اليد بالحيلولة وكذلك ان أقام شاهدا واحدا لان الحجة لا تتم بشهادة الواحد وهذا الجواب في العبد فاما في الامة الحيلولة تثبت إذا ادعت ان شاهدها الآخر
[ 99 ] حاضر احتياطا لامر الفرج وقد بينا هذا فيما أمليناه من شرح الجامع وان أقام شاهدين حيل بينه وبين مولاه حتى ينظر في أمر الشاهدين وهذا إذا كان مولاه فاسقا أو مخوفا عليه على ما فسرناه في الجامع والمعنى فيه ان الحجة هنا تمت من حيث الظاهر حتى لو قضى القاضى بشهادتهما قبل ان تظهر عدالتهما نفذ قضاؤه فتثبت به الحيلولة احتياطا بخلاف ما إذا أقام شاهدا واحدا فإذا شهد شاهد أنه أعتق عبداله وشهد آخر انه وهبه لنفسه فهذا باطل لانهما اختلفا في المشهود به لفظا فان الهبة غير العتق وضعا لان الهبة تمليك والاعتاق احداث القوة أو ابطال الملك واختلافهما في المشهود به لفظا يمنع قبول الشهادة وان شهدا جميعا انه وهب عبده لنفسه فالعبد حر لانه ملكه نفسه ومن ملك نفسه يعتق كالمراغم وقد يجوز ان تكون الهبة اعتاقا كما لو شهدوا انه وهبه من قريبه وسلمه إليه فانه يقضى بعتقه وقد بينا فيما سبق أنه إذا قال لم أنوبه العتق لا يصدق في القضاء وإذا قال له أنت حران فعلت كذا وذلك من الامور الظاهرة كالصوم والصلاة ودخول الدار ونحوه فقال العبد قد فعلت لا يصدق الا أن يقيم البينة أو يقر المولى لان العتق المعلق بالشرط انما يتنجز عند وجود الشرط فالعبد بدعواه وجود الشرط يدعى تنجيز العتق فيه وهو غير مصدق في ذلك الا بحجة بخلاف قوله انت كنت تحبنى أو تبغضني لان ذلك لا يوقف عليه الا من جهته فوجب قبول قوله في ذلك مادام في مجلسه (فان قيل) فالصوم كذلك لانه بينه وبين ربه لا يقف عليه غير (قلنا) لا كذلك فان ركن الصوم هو الكف وذلك أمر ظاهر يقف عليه الناس بوقوفهم علي ضده وهو الاكل ولو قال لرجل أعتق أي عبيدى شئت فأعتقهم جميعا لم يعتق منهم الا واحد والامر في بيانه إلى المولى بخلاف مالو قال أيكم شاء العتق فهو حرفشاؤا جميعا عتقوا لان كلمة أي فيها معنى العموم والخصوص من حيث انها تتناول كل واحد من المخاطبين على الانفراد فإذا أضاف المشيئة بها إلى خاص ترجح جانب الخصوص فلا يتناول الا واحدا منهم وإذا أضاف المشيئة بها إلى عام يترجح جانب العموم ولان هذه الكلمة انما توجب التعميم فيمن دخل تحتها دون من لم يدخل والداخل تحت هذه الكلمة العبيد دون المخاطب بالمشيئة وإذا قال شئت فلا يكون شرط العتق الا مشيئة واحدة وبالمشيئة الواحدة منه لا يعتق الاعبد واحد فاما في قوله شاء انما أضاف المشيئة إلى العبيد وكلمة أي اقتضت التعميم في العبيد فصارت مشيئة كل واحد منهم شرطا لعتقه فلهذا عتقوا
[ 100 ]
ثم البيان إلى المولى دون المخاطب بالمشيئة لان ما فوض إليه قد انتهي بوجود المشيئة منه بقى العتق واقعا على أحدهم بغير عينه بايقاع المولى فالبيان إليه ولو قال ايكم دخل الدار فهو حر فدخلوا عتقوا لان الشرط دخول من دخل تحت كلمة أي وكذلك لو قال أيكم بشرني بكذا فهو حر فبشروه معا عتقوا لان الشرط وجود البشارة ممن دخل تحت كلمة أي فيتعمم بتعميمه وان قال عنيت واحدا منهم لم يدين في القضاء وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى لانه نوى التخصيص في اللفظ العام وان بشره واحد بعد واحد فالاول هو البشير ولا يعتق غيره وقد بينا هذا في كتاب الطلاق أن البشارة اسم لخبر سار صدق غاب عن المخبر علمه وإذا قال لآخر أخبر عبدى بعتقه أو انه جر أو بشره بعتقه فهو حر ساعة تكلم به المولى أخبر العبد به أولم يخبر لان الباء للالصاق وانما يتحقق الصاق الاخبار بعتق موجود منه لا معدوم ولانه لو أخبره بنفسه بأن قال أنت حرتضمن ذلك تنجيز العتق من جهته حتى يكون خبره حقا فكذلك ان أمر غيره حتي يخبره به ويصير كأنه قال أعتقته فبشره بذلك أو أخبره فيعتق سواء أخبره أولم يخبره وإذا قال لعبد له يا سالم أنت حر وهو يعني انسانا بين يديه غير سالم فان سالم حر لانه اتبع الايقاع النداء فانما يتناول المنادى وإذا قال أول عبد يدخل علي من عبيدى فهو حر فأدخل عليه عبد ميت ثم أدخل عليه عبد حي فانه يعتق الحي قال لانه هو الاول ولا يحتسب بالميت ولا يكون الميت أولا وآخرا ومعني هذا أن الادخال عليه للاكرام أو الاهانة ولا يتحقق ذلك في الميت فيصير الحياة ثابتا بمقتضى كلامه وكانه قال أول عبد حي من عبيدى ولانه جازاه بالحرية وانما يجازي به الحى دون الميت لان الميت ليس بمحل لايجاب العتق فيه والثابت بمقتضى الكلام كالثابت بالنص وان أدخل عليه عبدان حيان جميعا معالم يعتق واحد منهما لان الاول اسم لفرد سابق لا يشاركه فيه غيره ولم يتصف واحد منهما بالفردية عند الادخال عليه فان أدخل بعدهما عبد آخر لم يعتق لانه وان اتصف بالفردية فلم يتصف بالسبق فقد تقدمه عبدان ولو قال أول عبد أملكه فهو حر فملك عبدين معا لم يعتق واحد منهما لانه لم يتصف واحد منهما بالفردية عند دخوله في ملكه وان ملك بعدهما آخر لم يعتق أيضا لانه لم يتصف بالسبق ولو قال آخر عبد أملكه فهو حرفملك عبدين ثم عبدا ثم مات المولى عتق الثالث لان الآخر اسم لفرد متأخر وقد اتصف به الثالث حين لم يملك غيره حتى مات ثم عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يعتق