الرئيسيةبحث

مبسوط السرخسي - الجزء الحادي والعشرون

المبسوط السرخسي ج 21

[ 1 ] (الجزء الحادى والعشرون من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيضا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم * (باب الصلح في الوصايا) * (قال رحمه الله) وإذا أوصى الرجل بخدمة عبده سنة لرجل وهو يخرج من ثلثه فصالحه الوارث من الخدمة على دراهم أو على سكنى بيت أو على خدمة خادم آخر أو على ركوب دابة أو على لبس ثوب شهرا فهو جائز استحسانا وفى القياس لا يجوز لان الوصي له بالخدمة في حكم الاعتياض كالمستعير ولهذا لا يملك أن يؤاجره كالمستعير وهذا لانه يملك الخدمة بغير عوض في الموضعين ثم المستعير لا يعتاض عن الخدمة مع المعير فكذلك الموصى له وجه الاستحسان أن الصلح يصح بطريق الاسقاط إذا تعذر تصحيحه بطريق المبادلة كما لو صالح من الالف على خمسمائة وهنا تصحيحه بطريق اسقاط الحق بعوض ممكن لانه استحق على الورثة تسليم العبد له في المدة ليستوفى خدمته وهو حق لازم لا يملك الوارث ابطاله فيجوز اسقاطه بعوض بخلاف المستعير فانه لا يستوجب على المعير حقا لازما فلا يمكن تصحيح الصلح معه اعتياضا عن اسقاط الخدمة فكذلك لو فعل ذلك وصى الوارث الصغير وربما يكون هذا التصرف نظرا للصغير والوصى في ذلك يقوم مقامه اسقاطا كان أو تمليكا فان مات العبد الموصى له بخدمته بعد ما قبض الموصى له ما صالحوه عليه فهو جائز لانه الذى من جانبه اسقاط الحق فيتم بنفسه لان المسقط يكون متلاشيا والوارث بعد ذلك يستوفى خدمته بملكه لا بالتملك على الموصى له بعوض فبقاؤه ومؤنته في حكم الصلح سواء وان صالحوه على ثوب فوجد به عيبا كان له أن يرده ويرجع في الخدمة لان ما وقع عليه الصلح بمنزلة المبيع وإذا كان ما يقابله اسقاط الحق كما في الصلح على الانكار والمبيع يرد بالعيب اليسير والفاحش وبرده ينفسخ البيع فهذا مثله وإذا انفسخ رجع في الخدمة وليس له بيع الثوب قبل أن يقبضه لبقاء الغرر في الملك المطلق التصرف كما في البيع ولو صالحه على دراهم كان له أن يشترى بها ثوبا قبل أن يقبضها بمنزلة الثمن يجوز الاستبدال به قبل القبض ولو أن الوراث اشترى

[ 3 ] منه الخدمة ببعض ما ذكرنا لم يجز لان الشراء لفظ خاص وضع لتمليك مال بمال والموصي له بالخدمة لا يملك تمليكه من الوارث بخلاف لفظ الصلح (ألا ترى) أن المدعى عليه بعد الانكار لو صالح المدعى على شئ لم يصر به مقرا حتى إذا استحق عاد على رأس الدعوى ولو اشترى منه المدعى صار مقرا له بالملك حتى لو استحق البدل لرجع بالمدعي ولو قال أعطيك هذه الدار مكان خدمتك أو عوضا عن خدمتك أو بدلا من خدمتك أو مقاصة بخدمتك أو على أن تترك خدمتك كان جائزا لانه ذكر معنى الصلح وتصحيحه بطريق اسقاط الحق ممكن من الوجه الذى قلنا في الصلح ولو قال أهب لك هذه الدار على أن تهب لى خدمتك كان جائزا إذا قبض الدراهم لان لفظة الهبة في معنى لفظ الصلح حتى يستعمل في الاسقاطات كما في التمليكات بخلاف لفظ البيع (ألا ترى) أن هبة المبيع من البائع قبل القبض يكون اقالة إذا قبله البائع بخلاف البيع وقد طعن بعض مشايخنا رحمهم الله في هذا الفصل فقال الهبة بشرط العوض تتم تبعا فتصير عند القبض بمنزلة ما لو صرحا بلفظ البيع وقد بينا أن ذلك لا يجوز وكما يستعمل الهبة في الاسقاطات مجازا فكذلك البيع (ألا ترى) انه يبيع العبد من نفسه ويبيع المرأة من نفسها ويكون ذلك اسقاطا بعوض بعبارة البيع ولكنا نقول الهبة بشرط العوض يثبت فيها حكم البيع ولا يعتبر لفظة البيع والبطلان هنا باعتبار لفظ البيع ولكنا نقول لا يحكم بالبيع لان موضوعه لفظ خاص بتمليك مال والثانى أن لفظ الهبة انما يعتبر بيعا بالتقابض من الجانبين وذلك غير متحقق هنا فالقبض لا يجرى من الوراث للخدمة هنا في الحال ولا فيما بعده لانا لو صححناهنا بطريق الاسقاط والمسقط بلا شئ فلا يتصور القبض فيه ليصير به بيعا ولو كان الوارث اثنين فصالحه احدهما وصرحا بتمليك الخدمة منه بعوض ولا يمكن تصحيحه اسقاطا ولكنه بمنزلة الاجارة والموصى له بالخدمة لا يؤاجر من الوارث ولا من غيره وانما استحسنا إذا كان جميع الورثة لان الخدمة تبطل ويصير العبد بينهم على الميراث وهو إشارة إلى طريق اسقاط الحق بقبض كما بينا ولو باع الورثة العبد فاجاز صاحب الخدمة البيع بطلت خدمته ولم يكن له في الثمن حق لان حقه في الخدمة لا يكون أقوى من حق المستأجر والبيع ينفذ من المالك برضا المستأجر ولا يثبت حق المستأجر في الثمن فهذا مثله وهذا بخلاف حق المرتهن فانه يثبت في الثمن إذا نفذ بيع الراهن برضاه لان حق الموصى له في المنفعة والثمن بدل العين دون المنفعة وحق المرتهن في العين لان موجب عقد

[ 4 ] الرهن ثبوت يد الاستيفاء له من مالية العين والثمن بدل العين وبالبيع يتحقق وصوله إلى مقصوده وهو الاستيفاء فلهذا يتحول حقه إلى الثمن وكذلك لو دفع بجناية برضا صاحب الخدمة جاز لان الملك للورثة والمنفعة لصاحب الخدمة فيجوز دفعه بجناية بتراضيهما ويبطل به حق الموصي له لفوات محل حقه ولو قتل العبد خطأ وأخذوا قيمته كان عليهم أن يشتروا بها عبدا فيخدم صاحب الخدمة لان القيمة بدل العبد فيثبت فيه حق صاحب الخدمة كما كان ثابتا في المبدل وهذا لان الوصية بالخدمة وان كانت بالمنفعة فهى تتعدى إلى العين حتى يستحق على الوارث تسليم العين إلى الموصي له ويعتبر خروج العين من الثلث والموصى له لم يرض بسقوط حقه هنا لان القتل ما كان برضاه ليقوم البدل مقام الاصل في ايفاء حقه باعتباره بخلاف البيع فان هناك نفوذه كان باجازته وذلك منه اسقاط لحقه في الخدمة فلهذا يثبت حقه في الثمن ولو صالحوه على دراهم مسماة أو طعام أجزت ذلك بطريق اسقاط الحق بعوض لان حقه بعد القتل باق كما كان قبله ولو قطعت احدى يدي العبد فأخذوا أرشها فهو مع العبد يثبت فيه حق الموصي له بالخدمة اعتبار البدل الطرف ببدل النفس وان اصطلحوا منها على عشرة دراهم على أن يسلم له بعينها والعبد أجزت ذلك بطريق اسقاط الحق بعوض ولو أوصى لرجل بسكنى داره سنة أو حياته ثم مات وهو يخرج من الثلث فصالحوا الوارث منها على سكنى دار أخرى سنين مسماة فهو جائز بطريق الحق اسقاط بعوض لا بطريق المبادلة فان مبادلة السكنى بالسكنى لا تجوز ولو صالحه على سكنى دار أخرى حياته لم يجز لان المصالح عليه يتملك عوضا وسكنى الدار من غير بيان العوض لا يجوز استحقاقها عوضا بالبيع ولا بالاجارة فكذلك الصلح بخلاف الموصى له فان السكنى هناك تتملك بالوصية تبرعا بمنزلة العارية في حال الحياة فان صالحه على سكنى دار مسماة فانهدمت بطل الصلح لفوات ما وقع عليه الصلح قبل دخوله في ضمانه ويرجع في داره الاولى فيسكنها حتى يموت ان كانت وصيته كذلك وان كانت سنة رجع بحساب ما بقى ولو كان أوصى له بغلة عبد مدة فصالحه الورثة من ذلك على دارهم مسماة فهو جائز وان كانت غلته أكثر من ذلك لان تصحيح هذا الصلح بطريق اسقاط الحق دون المبادلة فلا يتمكن فيه الربا ولو صالحه أحد الورثة على أن تكون الغلة له خاصة لم يجز وان كانت الوصية له بغلته سنة أو أبدا لانهما صرحا بالتمليك وتمليك غلة العبد بعوض لا يجوز من أحد ولو استأجر منه العبد مدة معلومة جاز كما لو استأجره غير

[ 5 ] الوارث بخلاف ما تقدم من السكنى والخدمة لان الموصى له بالغلة يملك أن يؤاجر فالغلة لا تحصل الا به واجارته من الوارث ومن غيره سواء بخلاف الموصى له بالخدمة والسكنى وهذا بخلاف الاول فهناك بالصلح يملك الغلة من الوارث إذا وجدت وكانت عينا فلا يجوز تمليكها قبل الوجود وهنا انما يملك المنفعة بالاجارة وذلك صحيح كما لو كان المملك في الوجهين مالك العبد فان أجره المستأجر بأكثر مما استأجره به تصدق بالفضل ان كان من جنسه فيما يكال أو يوزن وقد بينا هذا في الاجارات ولو استأجره بثوب يهودى بعينه فأجر بثوبين يهوديين طاب له الفضل لان الثوب ليس بمال الربا فلا يتحقق في هذا التصرف الفضل الخالى عن العوض والوصية بغلة الدار بمنزلة الوصية بغلة العبد في جميع ما ذكرنا ولو كانت الوصية بغلة نخلة بعينها أبدا فصالحه الورثة بعد ما خرجت ثمرتها وبلغت منها ومن كل غلة تخرج أبدا على حنطة وقبضها جاز بطريق تمليك الغلة الخارجة بعوض واسقاط الحق عما يخرج بعد ذلك بعوض وإذا كان يجوز كل واحد منهما بانفراده فكذلك إذا جمع بينهما وان صالحوه على حنطة سنة لم يجز لان ما في رؤس النخيل ثمر مكيل وبوجود أحد وصفى علة ربا الفضل يحرم النساء فإذا بطل في حصة الموجود بطل في الكل لاتحاد الصفقة ولو صالحه على شئ من الوزن نسيئة فهو صحيح لانه لم يجمع البدلان أحد وصفى علة ربا الفضل ولو صالحوه على تمر لم يجز حتى يعلم أن التمر أكثر مما في رؤس النخيل ليكون بمقابلة ما في رؤس النخيل مثلها والباقى عوض عن اسقاط الحق في المستقبل فإذا لم يعلم ذلك تمكنت فيه شبهة الربا فلا يجوز وان صالحوه من غلة هذا النخل على غلة نخل آخر أبدا أو سنين معلومة لم يجز لان ما وقع الصلح عليه في معنى المبيع وتمليك غلة النخيل قبل خروجها بالبيع لا يجوز وكذلك لو صالحوه على غلة عبد سنين معلومة لان الغلة مجهولة وهى للحال معدومة فلا يجوز استحقاقها عوضا بالبيع وبالاجارة فكذلك بالصلح ولو أوصى لرجل بما في بطن امته وهى حامل فصالحه الورثة على دراهم معلومة جاز بطريق اسقاط الحق المستحق له بعوض ولو باعه منهم أو من غيرهم لم يجز لان البيع تمليك مال متقوم بمال وما في البطن ليس بمال متقوم وهو غير مقدور التسليم فلا يجوز تمليكه بالبيع من أحد ولو صالحه أحد الورثة على أن يكون له خاصة لم يجز لتصريحهما بتمليكه ما في البطن بعوض ولو صالحه الورثة منه على ما في بطن جارية أخرى لم يجز لان ما يقع عليه الصلح في حكم المبيع ولو صالحوه على دراهم مسماة ثم ولدت

[ 6 ] الجارية غلاما ميتا فالصلح باطل لانه تبين انه لم يكن له حقا مستحقا يحتمل الاسقاط بعوض وانما كنا نصحح الصلح بطريق اسقاط الحق المستحق بعوض ولو ضرب انسان بطنها فألقت جنينا ميتا كان ارش ذلك لهم والصلح جائز لان الحق كان للموصى له (ألا ترى) انه قبل الصلح كان الارش يسلم له بطريق الوصية فصح اسقاط الحق بعوض بخلاف ما إذا ولدته ميتا فانه يتبين بطلان الوصية فيه ولو مضت السنتان قبل أن تلد شيئا كان الصلح باطلا لانه قد تبين بطلان الوصية فالجنين لا يبقى في البطن أكثر من سنتين والوصية كانت بالموجود في البطن فالوصية بما تحمل هذه الامة لا تكون صحيحة وكذلك الوصية بما في بطون الغنم وضروعها في جميع ما ذكرنا ولو أوصى لرجل بما في بطن أمته فصالحه رجل من غير الورثة على أن يكون ذلك له خاصة على دراهم مسماة لم يجز كما لا يجوز صلح أحد الورثة على ذلك لانه تمليك لما في البطن بعوض فان قبض الرجل الامة ثم أعتق ما في بطنها لم يجز لان ما في البطن ليس بمال متقوم ومثله لا يملك بالبيع وان قبض مع أن قبض الامة ليس بقبض لما في البطن (ألا ترى) أن الوراث إذا أعار الجارية أو أجرها من انسان لا يحتاج في التسليم إلى رضا الموصي له بما في البطن وان الغاصب للامة الحامل لا يصير ضامنا لما في بطنها فدل أن بقبض الامة لا يصير قابضا لما في بطنها وبدون القبض لا ينفذ التصرف في البيع الفاسد ولو أعتق الورثة ما في بطنها لم يجز لانهم لم يملكوا ما في البطن لكونه مشغولا بحاجة الميت وحق الموصى له ولو أعتقوا الامة جاز لانهم يملكون رقبتها فان صالحهم بعد عتق الامة مما في بطنها على دراهم جاز لان تصحيح هذا الصلح بطريق اسقاط الحق ولو لم يبطل حقه باعتاقهم الامة حتى إذا ولدت ولدا حيا كانت الورثة هنا ملزمين له بقيمة الولد فاسقاطه الحق بعوض بطريق الصلح معهم جائز ولا يتمكن فيه معنى الربا سواء وقع الصلح على أقل من قيمته أو أكثر من قيمته لانه اسقاط لا تمليك وفي الاسقاطات لا يجرى الربا وان ولدته ميتا بطل الصلح لانه تبين بطلان الوصية حين انفصل ميتا وانه لم يكن له قبلهم حق مستحق ولو أوصى بما في بطن غنمه فذبحها الورثة قبل أن تلد فلا ضمان عليهم فيما في بطونها أما عند أبى حنيفة رحمه الله فظاهر لان ذكاة الام لا تكون ذكاة للجنين عنده فلم يوجد من الورثة صنع في الجنين وأما عندهما فانما يكون ذكاة الام ذكاة للجنين إذا انفصل ميتا وإذا انفصل ميتا فلا حق للموصى له فلهذا لا يضمنون له شيئا ولانه يتوهم انفصال الجنين حيا بعد ذبح الام فلا يكون هذا من

[ 7 ] الورثة اتلافا لحق الموصي له بطريق المباشرة والتسبب وإذا لم يكن تعديا لا يكون موجبا للضمان بخلاف العتق فانه لا يتصور انفصال الولد رقيقا بعد عتق الام فكان ذلك منه اتلافا لحق الموصي له بطريق المباشرة وان صالحوه بعد الذبح على شئ لم يجز لانه لم يكن للموصى له حق استحقاق وكذلك الامة لو قتلوها هم أو غيرهم كانت القيمة للورثة ولا شئ للموصي له لان قتل الام لا يكون قتلا للجنين ويتوهم انفصال الجنين حيا قبل الام فلهذا لا شئ للموصى له من قيمة الولد ولو أوصي له بما في ضروع غنمه فصالحه الورثة على لبن أقل من ذلك أو أكثر لم يجز لانه مبادلة اللبن باللبن مجازفة ولا يقال ينبغى أن يصحح الصلح بطريق الاسقاط كما لو صالحوه على دراهم لانا وان جعلناه اسقاطا للحق حكما فمن حيث الحقيقة اللبن موجود في الضرع والوصية لا تصح الا باعتبار هذه الحقيقة وباعتبار هذه يكون تمليك اللبن بلبن هو أقل منه أو أكثر وباب الربا ينبنى على الاحتياط فلهذا لا يجوز وكذلك الصوف لانه مال الربا كاللبن وهذا بخلاف ما سبق فيما إذا صالح الموصى له الورثة عما في بطن الامة بعد عتق الام على أكثر من قيمته لانا لا نتيقن بوجوب القيمة وان تيقنا به فالقيمة ليست من جنس ما قبض لا محالة فالتقويم تارة بالدراهم وتارة بالدنانير فيمكن تصحيح ذلك الصلح بطريق الاسقاط بخلاف ما نحن فيه ولو أوصى لصبي بما في بطن أمته أو لمعتوه فصالح أبوه أو وصيه الورثة على دراهم جاز بطريق اسقاط حقه بعوض فوليه في ذلك يقوم مقامه لما فيه من النظر ولكن لو كانت الوصية لمكاتب فصالح جاز لان اسقاط الحق بعوض من باب اكتساب المال والمكاتب فيه كالحر ولو أوصى بشئ لما في بطن فلانه لم تجز له الوصية الا أن تضعه لاقل من ستة أشهر فحينئذ تيقن انه كان موجودا حين أوجب الوصية له وان جاءت به لاكثر من ستة أشهر لا يتيقن بوجوده حين وجبت الوصية له والوصية أخت الميراث والجنين إذا كان موجودا في البطن يجعل في حكم الميراث كالمنفصل وكذلك في حكم الوصية وان أقر الموصى أنها حامل ثبتت الوصية له ان وضعته ما بينه وبين سنين من يوم أوصى لان وجوده في البطن عند الوصية ثبت باقرار الموصى فانه غير متهم في هذا الاقرار لانه يوجب له ما هو من خالص حقه بناء على هذا الاقرار وهو الثلث فيلحق بما لو صار معلوما هنا بأن وضعته لاقل من ستة أشهر فان صالح عنه أبوه على شئ لم يجز فعل الاب على ما في البطن فان ثبوت الولاية لحاجة المولى عليه إلى النظر ولا حاجة للجنين إلى

[ 8 ] ذلك ولان الجنين في حكم جزء من اجزاء الام مادام متصلا بها من وجه فكما لا يثبت للاب الولاية على الام فكذلك على ما هو من أجزائها وكذلك الام لو كانت هي التي صالحت لان الابوة في اثبات الولاية أقوى من الامومة فإذا كان لا نثبت الولاية على ما في البطن للاب فللام أولى والجنين وان كان بمنزلة جزء منها من وجه فهو أولى في الحقيقة في نفس مودعة فيها ولاعتبار معنى النفسية صحت الوصية فالوصية للاجزاء لا تصح ولا يمكن تصحيح هذا الصلح من الام باعتبار الحرية لهذا المعنى فان ولدت غلاما وجارية فالوصية بينهما نصفان لان استحاق الوصية بالايجاب بالعقد والذكر والاثنى في ذلك سواء وانما التفاوت بينهما فيما يستحق ميراثا وان ولدت أحدهما ميتا وهو للحى منهما بمنزلة ما لو أوصى لحي وميت فان ولدتهما ميتين أو لاكثر من سنتين حيين فالوصية باطلة وان ضرب انسان بطنها فألقت جنينا ميتا فالوصية تبطل أيضا لان الارش لا يقوم مقامه أن لو انفصل حيا في استحقاق الوصية كما لا يقوم مقامه في استحقاق الميراث والوصية له في هذا الوجه مخالفة للوصية به لان البدل لا يقوم مقام الاصل في الحكم الذى يصلح أن يكون مبادلة والارش يجوز أن يكون مستحقا بالوصية كالاصل أن لو انفصل حيا فقام مقامه في ذلك والارش لا يجوز أن يكون مستحقا بالوصية فلا يقوم مقامه الاصل في حكم تصحيح الوصية له فلهذا بطلت وصيته ولو كان الحمل عبدا فصالح مولاه عليه لا يجوز لان الولاية كما لا تثبت على ما في البطن باعتبار الابوة فكذلك لا تثبت باعتبار الملك بل أولى فان المالكية على القدرة والاستيلاء وذلك يتحقق على ما في البطن فان صالح مولى الابن الحمل بعد موت المريض على صلح ثم أعتق المولى الامة الحامل عتق ما في بطنها ثم ولدت غلاما فالغلام حر لانه انفصل منها وهى حرة ولا وصية له والوصية لمولاه لان وجوب الوصية بالموت وعند الموت كان مملوكا فصار الموصي به ملكا للمولى ثم عتق بعد ذلك باعتاق الام وهو لا يبطل ملكه عما صار مستحقا له من كسبه ولا يجوز الصلح أيضا لانه لا يمكن تصحيح الصلح بطريق الولاية على ما في البطن ولا باعتبار حقه لان ثبوت حقه بطريق الخلافة فالمولى يخلف العبد في استحقاق كسبه خلافة الوارث المورث وما لم يتم سبب الاستحقاق للمملوك لا يخلفه المولى في ذلك وانما يتم السبب إذا انفصل حيا والصلح قبل ذلك فلهذا لم يجز وكذلك لو باع الامة وكذلك لو دبر ما في بطنها وهذا أظهر فالتدبير لا يخرج المولى من أن يكون مستحقا لكسب المدبر ولو كان الموصي له حيا ثم أعتق

[ 9 ] المولى الامة والولد أو أعتق الامة دون الولد ثم مات الموصى كانت الوصية للغلام دون المولى لانه صار حرا سواء أعتقه مقصودا أو أعتق أمه وانما وجبت الوصية بالموت ولو كان حرا يومئذ فكانت الوصية له دون المولى ولو صالح الورثة من الوصية قبل موت الموصى لم يجز لان استحقاق الوصية بالموت والصلح قبل ثبوت الاستحاق لا يصح لان صحته على وجه اسقاط الحق بعوض فإذا لم يكن العوض مستحقا كان الصلح باطلا * (باب الصلح في الجنايات) * (قال رحمه الله) والصلح من كل جناية فيها قصاص على ما قل من المال أو كثر فيها فهو جائز لقوله تعالى (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) ومعناه من أعطى له من دم أخيه شئ وذلك بطريق الصلح * ولقوله ﷺ من قتل له قتيل فأهله بين خيرين ان أحبوا قتلوا وأن أحبوا فادوا والمفاداة بالصلح تكون ولا يتعذر بدل الصلح بالارش عندنا خلافا للشافعي رحمه الله وهى مسألة الديات واعتمادنا فيه على ما روى أن رسول الله الله ﷺ قضي بالقصاص على القاتل ولما رأى الصحابة رضى الله عنهم الكراهية في ذلك من وجهه صلوات الله وسلامه عليه صالحوا أولياء القتيل على ديتين واستحسنه رسول الله ﷺ ولان حق استيفاء القود قد يؤل إلى المال عند تعذر الاستيفاء فيجوز اسقاطه بمال بطريق الصلح كحق الرد بالعيب بخلاف حد القذف فان لا يؤل مالا بحال ثم البدل يكون في مال الجاني حالا لانه التزمه بالعقد ولانه وجب باعتبار فعل هو عمد وقال ﷺ لا تعقل العاقلة عمدا ولا عيبا ولو صالحه من الجرح أو الجراحة أو الضربة أو القطع أو الشجة أو اليد على شئ ثم برأ فالصلح جائز لانه أسقط بهذه الالفاظ حقه بعوض وان مات بطل الصلح في قول أبى حنيفة رحمه الله وعليه القصاص في القياس وفى الاستحسان عليه الدية في ماله وان آل الجرح إلى قتل كانت الدية على عاقلته وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله الصلح ماض ولا شئ عليه لانه أسقط الحق الواجب له بالجراحة بالصلح وبعد الموت سبب حقه الجراحة كما بعد البرء وعند أبى حنيفة رحمه الله هو انما أسقط بالصلح قطعا أو شجة أوجبت له قصاصا وبالموت يتبين أن الواجب له القصاص في النفس لا القطع والشجة فكان هذا اسقاطا لما ليس بحقه فيكون باطلا ولهذا كان عليه القصاص

[ 10 ] في النفس في القياس ولكنه استحسن فقال يتمكن فيه نوع شبهة من حيث ان أصل القتل كان هو الشجة والقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات ولكن المال يثبت مع الشبهات وأصل المسألة في العفو وموضع بيانها كتاب الديات ولو كان صالحه عن ذلك وما يحدث منه كان الصلح ماضيا ان مات أو عاش لان ما يحدث منه السراية يكون هو بهذا اللفظ مسقطا حقه عن النفس بعوض والقصاص في النفس وان كان يجب بعد الموت فانما يجب بسبب الجناية واسقاط الحق بعد وجود سبب الوجوب قبل الوجوب صحيح وكذلك من الجنابة صحيح ان عاش أو مات لان اسم الجناية يعم النفس وما دونها حتى لو قال لا جناية لى قبل فلان ثم ادعى عليه النفس لم تسمع دعواه بخلاف ما لو قال لا شجة لى قبل فلان والصلح باسم الجناية يكون مسقطا حقه برئ أو سرى فان كان مريضا صاحب فراش حين صالح فهو جائز في العمد وان صالحه على عشرة دراهم لانه أسقط ما ليس بمال ولو أسقطه بغير عوض بالعفو لم يعتبر خروجه من الثلث فإذا أسقط بالصلح ببدل يسير أولى وفى الخطأ ما حط يكون من الثلث لان الواجب الدية وهو مال فيكون ما حط وصية من الثلث ولا يقال هي وصية القاتل لان الدية في الخطأ على العاقلة فيكون هذا منه وصية لعاقلة قاتله وذلك صحيح من الثلث وإذا قطع رجل أصبع رجل عمدا أو خطأ فصالحه منها على ألف درهم ثم شلت أصبع أخرى سواها فلا شئ له عليه في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لانه أسقط بالصلح موجب ذلك القطع وذلك يعم الاصبع الاولى والثانية وعند أبى حنيفة رحمه الله عليه أرش الاصبع الاخرى لانه انما أسقط بالصلح قصاصا واجبا في الاصبع فلا يتناول الصلح الاصبع الاخرى فيلزمه ارشها الا أن هنا لا يتبين بهذه السراية ان الاصبع الاولى لم تكن مستحقة له فيبقى الصلح عنها صحيحا بخلاف الاول فان هناك بالسراية إلى النفس يتبين أن الشجة لم تكن مستحقة له قصاصا فكان الصلح باطلا لانه صالح من غير حقه وإذا كانت الشجة موضحة فصالحه منها على مائة درهم فصارت منقلة فلا يبقى عليه شئ عندنا لما قلنا وعند أبى حنيفة رحمه الله عليه ألف وأربعمائة درهم لان المنقلة غير الموضحة والموضحة ما يوضح العظم ولا يؤثر فيه والمنقلة ما يكسر العظم وينقله من موضعه وهو انما أسقط من موضحة موجبة له قصاصا وقد تبين أنها لم تكن حقا له وانما كان حقه في المنقلة وارش المنقلة عشر الدية وذلك ألف وخمسمائة استوفى من ذلك مائة فالباقي عليه ألف وأربعمائة * رجل قتل عمدا وله ابنان فصالح احدهما

[ 11 ] من حصته على مائة درهم فهو جائز ولا شركة لاخيه فيها لانه أسقط نصيبه من القود بعوض ولو أسقط بغير عوض جاز والمال عوض عن القصاص استحقه بالعقد وهو المباشرة للعقد فلا شركة لاخيه فيها باعتبار العقد ولا باعتبار الشركة في أصل القود لان ذلك ليس بمال ثم كل ما يصلح أن يكون صداقا في النكاح يصلح أن يكون عوضا في الصلح عن القصاص لانه مال يستحق عوضا عما ليس بمال بالعقد وعلى هذا يجوز التصرف في بدل الصلح قبل القبض وان كان عينا كما يجوز التصرف في الصداق لانه لم يبق في الملك المطلق للتصرف عذر حتى لا يبطل بالهلاك ولكن تجب قيمته وكذلك لو استحق العبد كان على القاتل قيمته لان بالاستحقاق لا يبطل الصلح ولكن تعذر استيفاء العبد مع قيام السبب الموجب له فتجب قيمته كما في الصداق وهذا لان الصلح عن القود لا يحتمل الفسخ بالتراضى كالنكاح بخلاف الصلح عن المال وكذلك ان وجد به عيبا فاحشا فرده رجع بقيمته ولا يرده بالعيب اليسير كما في الصداق ولو كان العبد حرا كان على القاتل الدية لاولياء القتيل في ماله وعلى قياس قول أبى يوسف رحمة الله عليه قيمته أن لو كان عبدا وأصل الخلاف في الصداق وقد بيناه في النكاح ولو اختلفا في العبد الذي وقع الصلح عليه كان القول فيه قول القاتل مع يمينه لان القابل للقود سقط باتفاقهما وانما تنازعا في المال المستحق على القاتل بمقابلته فالقول فيه قوله مع يمينه كما في الخلع بخلاف الصداق عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله فان هناك يصار إلى تحكيم مهر المثل لان صحة النكاح موجبة مالا وهو مهر المثل فعند الاختلاف في المسمى يصار إلى موجبه الاصلى وهنا ليس لسقوط العقود بالعفو موجب من حيث المال فيكون هذا نظير الخلع وان كان القتل خطأ فصالحه أحدهما على مال كان لشريكه أن يشركه في ذلك لان الواجب في الخطأ الدية وهو مال وجب مشتركا وصلح أحد الشريكين من الدين المشترك على شئ صحيح ولشريكه أن يشركه في ذلك ولو صالح أحدهما من نصيبه على عبد بعينه كان لشريكه أن يشركه في ذلك الا أن يشاء المصالح أن يعطيه ربع الارش ويمسك العبد كما في سائر الديون المشتركة إذا صالح أحدهما من نصيبه على عين وهذا لانه يملك العبد بالعقد وهو في العقد عامل لنفسه فله أن يختص به ويعطى صاحبه ربع الارش لان ذلك أصل حقه فيما وقع الصلح عنه وهو نصف الارش وان شاء أبى ذلك وأعطاه نصف العبد لان مبنى الصلح على التجوز بدون الحق وهو يقول انما توصلت إلى حقى لانى رضيت

[ 12 ] بدون حقى فعليك أن ترضى به أيضا وتأخذ نصف ما وقع عليه الصلح ان شئت والا فاتبع القاتل بحقك ولو صالحه من ذلك على عرض بغير عينه لم يجز لان هذا العرض بمقابلة الدية يكون بيعا وبيع ما ليس عند الانسان لا يجوز وكذلك لو صالحه على موصوف من المكيل أو الموزون مؤجلا والمكيل والموزون إذا قوبل بالنقد يكون مبيعا ولو صالحه منه على عبد بعينه فاستحق أو مات قبل أن يقبضه رجع بنصف الارش لان هذا صلح عن مال على مال وهو محتمل للفسخ فبالاستحقاق أو الهلاك قبل التسليم يبطل الصلح وكذلك لو وجد به عيبا صغيرا أو كبيرا رده لان المصالح عليه بمنزلة المبيع في الصلح عن المال فيرد بالعيب اليسير والفاحش وليس له أن يتصرف فيه قبل أن يقبضه كما في المبيع وكذلك لو صالح عن الجاني غيره باقرار أو انكار كما في الصلح عن سائر الديون ولو صالحه من دم العمد على سكنى دار أو خدمة عبد سنة جاز لان المنفعة المعلومة يجوز استحقاقهما عوضا في الصلح عن المال ففى الصلح عما ليس بمال أولى وقد بينا أن هنا العوض بمنزلة الصداق والسكنى والخدمة إذا كانت معلومة ببيان المدة تثبت صداقا في النكاح وان صالحه عليه أبدا أو على ما في بطن أمته أو على غلة نخلة سنين معلومة أو أبدا لم يجز لان هذا كله لا يثبت صداقا بالتسمية في النكاح فكذلك لا يستحق عوضا عن دم العمد في الصلح وهذا بخلاف الخلع وانها لو اختلعت نفسها على ما في بطن أمتها صحت التسمية والفرق من وجهين أحدهما أن بالخلع المرأة لا تستحق شيئا هو متقوم ولكن يبطل ملك الزوج عنها والبضع عند خروجه من ملك الزوج غير متقوم فكان التزامها بالوصية والاقرار وذلك صحيح مضافا إلى ما في البطن ولهذا لو اختلعت بمال في مرضها اعتبر من ثلثها كالوصية وأما الصلح عن القود فالقاتل يستفيد العصمة والمتقوم في نفسه ولهذا لو صالح في مرضه على قدر الدية اعتبر من جميع المال فكان المال عوضا عما هو متقوم في حق من التزمه فيكون نظير الصداق لان البضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم فيكون الصداق عوضا عما هو متقوم في حق من التزمه والجنين لا يصلح عوضا في مثله * يوضح الفرق أن أحد البدلين في الخلع وهو الطلاق يحتمل الاضافة فكذلك البدل الآخر والايجاب في الجنين بمعنى المضاف إلى حال بعضها إذا جنى وهو وحده حقيقة لا يصير معلوما الا عند ذلك فأما في الصلح فاحد البدلين وهو اسقاط القود لا يحتمل التعليق والاضافة بالشرط فكذلك البدل الآخر فلا يمكن تصحيحه في الجنس مضافا ولا يمكن

[ 13 ] تصحيحه في الحال لانه غير معلوم الوجود والتقوم فكان كالصداق من هذا الوجه ثم على القاتل الدية لان فساد التسمية لايمنع سقوط القود كما أن فساد التسمية لا يمنع صحة النكاح وإذا سقط القود وجبت الدية لان الولي ما رضى بسقوط حقه مجانا وقد صار مغرورا من جهة القاتل بما سمى له فيرجع عليه ببدل ما سلم له وهو العصمة والتقوم في نفسه وبدل النفس الدية ولو صالحه على ما في نخله من ثمرة جاز لان الثمرة الموجودة تستحق صداقا وتستحق مبيعا فيجوز الصلح عليها أيضا بخلاف ما إذا صالح على ما يحمل نخله العام ولو صالحه على أن عفى الآخر عن قصاص له قبل رجل آخر كان جائزا لان كل واحد منهما أسقط حقه عما له من القود وكل واحد منهما متقوم صالح للاعتياض عنه فيجوز أن يجعل أحدهما عوضا عن الآخر وهذا بخلافه فان القصاص لا يصلح أن يكون صداقا لان الشرط في الصداق أن يكون مالا قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) والقصاص ليس بمال وهنا الشرط أن يكون ما يستحق بالصلح متقوما وذلك موجود في القصاص كما قررنا (ألا ترى) أنه لو صالح عن القود على أقل من عشرة دراهم يجوز وان كان ما دون العشرة لا يستحق صداقا ولو قطع رجل يد رجل عمدا فصالحه على خمر أو خنزير أو على حر وهو يعرفه فهو عفو ولا شئ للمقطوعة يده لانه أسقط حقه بغير عوض فالخمر والخنزير والحر ليس بمال متقوم فلا يكون هو باشتراطه طالبا للعوض عن اسقاط القود ولم يصر مغرورا من جهة القاطع فلا يرجع عليه بشئ كما في الخلع إذا خالع امرأته على خمر أو خنزير أو حر وهذا بخلاف النكاح فانه لو تزوجها على خمر أو خنزير أو حر كان لها مهر مثلها لان استحقاق مهر المثل هناك باعتبار صحة النكاح لا باعتبار تسمية العوض حتى لو لم يسم شيئا وجب مهر المثل في الخلع والصلح عن دم العمد استحقاق البدل باعتبار تسمية البدل حتى لو لم يسم له شيئا كان العفو مجانا وعلى هذا التحقيق يتبين أنه لا فرق فانا نجعل تسمية الخمر والخنزير وجودها كعدمها في المواضع كلها وهذا لانه يتملك الزوج بالنكاح ما هو متقوم مصون عن الابتذال فلا يملك الا بعوض اظهار الخطره وهنا من له القود يسقط القود ولا يملك القاتل شيئا واسقاط القود غير مصون عن التبذل فلهذا لا يجب المال الا باعتبار تسمية عوض هو مال متقوم وكذلك لو صالح على أن يقطع رجله فهذا عفو مجانا لانه لو لم يسم عوضا مالا هو متقوم فكان ذكره والسكوت عنه سواء ولو كان القتل خطأ كان عليه الدية لان هذا صلح من مال فيكون سائر صلح الديون إذا بطل بقي المال واجبا كان هو الدية ولو

[ 14 ] كان قتل عمد فصالح عنه رجل على ألف درهم ولم يضمنها له لم يكن عليه شئ لانه متبرع بالصلح فلا يلزمه المال الا بالتزامه والتزامه بالضمان أو باضافة البدل إلى نفسه أو مال نفسه فإذا لم يوجد ذلك توقف على اجازة القاتل ليكون المال عليه إذا أجاز كما في الخلع وان كان القاتل هو الذى أمره بذلك كان البدل على القاتل لان المصالح معبر عنه (ألا ترى) انه لا يستغنى عن اضافة العقد إليه فهو نظير الخلع ولو صالحه عنه على عبد له ولم يضمن له خلاصه جاز لاضافة الصلح إلى مال نفسه وقدرته على تسليم بدل الصلح فان استحق العبد لم يرجع عليه بشئ لانه ما ضمن له شيئا التزمه في ذمته وانما التزم تسليم العين فيكون حكم الالتزام مقصورا على العين في حقه فإذا عجز عن تسليمه بالاستحقاق لم يلزمه شئ ولكن يرجع على القاتل بقيمته ان كان أمره بذلك لان عند استحقاق العين بدل الصلح هو القيمة دينا فيكون على الامر دون المأمور كالالف المسمى وان كان المصالح تبرع بالصلح عليه وضمن له خلاصه ثم استحق رجع عليه بقيمته لانه صير نفسه زعيما والزعيم غارم وعند الاستحقاق بدل الصلح قيمته وقد ضمنه فيكون مطالبا بايفائه كما لو صالحه على ألف درهم وضمنها له فان قيل كيف يضمن القيمة وهو انما ضمن له خلاص العبد قلنا التزامه بالضمان انما يصح باعتبار وسعه والذى في وسعه خلاص المالية بتسليم العين ان أمكن أو بتسليم قيمته ان استحق وهو نظير الخلع في جميع ما ذكرنا وللاب أن يصالح عن دم عمد واجب لابنه الصغير أو المعتوه على الدية لانه متمكن من استيفاء القود الواجب لولده في النفس وما دون النفس كهو في حق نفسه لان الولد جزء منه وولايته عليه فيما يرجع إلى استيفاء حقه ولاية كاملة تعم المال والنفس جميعا بمنزلة ولايته على نفسه فإذا جاز له أن يستوفى القود جاز صلحه بطريق الاولى لان المقصود باستيفاء القود تشفى الغيظ وذلك يحصل للصبي في الثاني إذا عقل وإذا صالح على الدية تصل إليه منفعة في الحال ثم هو بالصلح يجعل ما ليس بمال من حقه مالا فيتمحض تصرفه نظير الصبي وان حط عنه شيئا من الدية لم يجز ما حط قل ذلك أو كثر لانه فيما حط مسقط لحقه غير مستوف له ولاية الاستيفاء في حق الصغير وهذا بخلاف البيع فانه لو باع ماله بغبن يسير جاز لان البدل في البيع غير مقدر شرعا والقيمة تعرف بالحزر والظن والمقومون يختلفون فيها ففى الغبن اليسير لا يتيقن بترك النظر فيه باسقاط شئ من حقه وهنا الدية مقدرة شرعا فإذا نقص عن المقدر شرعا فقد أسقط من حقه شيئا تيقن وذلك غير صحيح منه فعلى القاتل تمام الدية قال وكذلك الوصي

[ 15 ] فيما دون النفس له أن يستوفى وان يصالح لان ما دون النفس سلك به مسلك الاموال حتى تعتبر فيه المساواة في البدل ويقضى عنه بالنكول عند أبى حنيفة رحمه الله كما في الاموال وللوصي ولاية التصرف في مال اليتيم استيفاء فكذلك فيما يسلك به مسلك الاموال فأما في النفس فليس للوصي أن يستوفى القود رواية واحدة لان ولاية الوصي ولاية قاصرة تثبت في المال دون النفس والقصاص في النفس ليس بمال حقيقة ولا حكم فيكون الوصي في استيفائه كأجنبي آخر كما في التزويج وهذا لان القصاص في النفس عقوبة تندرئ بالشبهات فالمستحق به محل هو مصون عن الابتذال من كل وجه وفى ولاية الوصي شبهة القصور فلا يتمكن به من استيفاء ما يندرئ بالشبهات بخلاف الاب وبخلاف القصاص في الطرف لانه لا يندرئ بكل شبهة ولهذا حرز أبو حنيفة رحمه الله فيه القضاء بالنكول فان المستحق به محل غير مصون عن الابتذال وقد قدرنا ذلك في الدعوى فيمكن الوصي الاستيفاء مع قصور ولايته وليس للوصي أن يصالح من القصاص في النفس على الدية في رواية هذا الكتاب وقال في الجامع الصغير والديات للوصي أن يصالح من النفس على الدية * وجه هذه الرواية انه لا يملك استيفاء القود بولايته وانما يملك الاسقاط بعوض من يكون متمكنا من الاستيفاء ووجه الرواية الاخرى أن في الصلح اكتساب المال للصبي والوصى منصوب لاكتساب المال بخلاف استيفاء القود فهو ليس من اكتساب المال في شئ وبخلاف التزويج فهو غير مشروع لاكتساب المال بل لتمليك البضع وهو مصون عن الابتذال * توضيحه ان القصاص ليس بمال للحال وهو مال في المآل فلا يملكه الوصي وفى الصلح تحقيق ما هو المطلوب في المآل وهو المال فيملكه الوصي ولا يبعد أن يكون حكم الصلح على المال مخالفا لحكم استيفاء القود (ألا ترى) أن الموصى له بالثلث لاحق له في القود استيفاء ويثبت حقه إذا وقع الصلح عن القود في المال فهذا مثله وان كان دم عمد بين ورثة فيهم الصغير والكبير فله أن ينفرد باستيفاء القود عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما ليس له ذلك وفى مثله الديات فان صالح عن الدية فصلحه جائز أما عند أبى حنيفة فلا يتمكن من استيفاء نصيب الصغير من القود فيتمكن من اسقاطه بالصلح على الدية كما في الاب وعندهما صلحه عن نصيب نفسه صحيح بمنزلة عفوه وبه ينقلب نصيب الصغير مالا وهو حصته من الدية لتعذر استيفاء القود عليه ولو قتل رجل عمدا ولا ولى له غير الامام فللامام أن يستوفى القود في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله

[ 16 ] خلافا لابي يوسف رحمه الله فأبو يوسف رحمه الله يجعل الامام في استيفاء القود كالوصي لان ثبوت ولايته بالعقد وهو التقليد كثبوت ولاية الوصي وهما يجعلان الامام فيما هو حق للمسلمين كالاب في حق ولده الصغير لان ولايته ولاية متكاملة تعم المال والنفس والمسلمون يعجزون عن الاجماع للاستيفاء كالصغير ويجوز للامام أن يصالح على الدية بالاتفاق أما عندهما فلانه يملك الاستيفاء فيملك الاسقاط بالصلح على الدية ومنفعة المسلمين في هذا أظهر منه في استيفاء القود وعند أبى يوسف رحمه الله لم يجب القصاص بهذا القتل لانعدام المستوفى فيكون الواجب هو الدية وللامام ولاية استيفائه لانه حق جماعة المسلمين وذكر حديث وهب بن كيسان أن عبد الله بن عمر قتل يزدان في تهمة له في دم عمر فقال علي لعثمان رضى الله عنهما أقتل عبيدالله به فقال عثمان رضى الله عنه قد قتل أبوه بالامس وانما استحيى أن يقتل أبوه وأقتله هذا اليوم لا أفعل هذا رجل من أهل الارض قتل وأنا وليه وأعفو عن هذا وأؤدى ديته فذلك دليل جواز صلح الامام عن القود على الدية في حق من لا وارث له وإذا قتل الحر والعبد رجلا فوكل الحر ومولى العبد رجلا بالصلح فصالح ولى الدم عنهما على ألف درهم فعلى الحر نصف الالف وعلى مولى العبد نصفها لان الوكيل نائب عنهما فصلحه كصلحهما وهذا لان الصلح اعتياض عن الجناية وهما في الجناية وفى موجبها سواء يعني الحر عن نفسه والمولى عن عبده فيستويان فيما يلزمهما من العوض وإذا قتل العبد رجلا وله وليان فصالح مولاه أحدهما عن نصيبه من الدم على العبد فالصلح جائز ويقال للذى صار له العبد ادفع نصفه إلى شريكك أو افده بنصف الدية على أن يسلم لك العبد لان المصالح أسقط نصيبه من القود بعوض وهو العبد فصح ذلك ثم تعذر على الآخر استيفاء القود فانقلب نصيبه مالا وعند انقلاب نصيبه مالا العبد في ملك المصالح فهو المخاطب بدفع نصف العبد إليه أو الفداء بنصف الدية لان نصيبه حين انقلب مالا كان لجناية الخطأ من العبد يتعلق برقبته ويخاطب مولاه بالدفع أو الفداء وليس للعبد الآخر أن يضمن مولى العبد شيئا لانه ما استحق مالا في ملكه وانما استحق المال في ملك المصالح وحقه قائم لم يفوته المولى عليه فلهذا لا يضمن له شيئا ولو صالحه على عبد آخر مع ذلك لم يكن له في العبد الآخر حق لما بينا أن المصالح انما أسقط حقه من القود بعوض فلا يكون للآخر أن يشاركه في العوض فانما يثبت حقه في نصيب العبد الجاني لا بالصلح ثم يتعذر استيفاء القود منه وذلك

[ 17 ] غير موجود في العبد الآخر ولو صالحه على نصف العبد القاتل جاز وصار العبد بين المولى والمصالح نصفين ثم انقلب نصيب الآخر مالا واستحق به نصفا شائعا من العبد في النصفين جميعا فيدفعان نصفه إلى الولى الآخر أو يفديانه بنصف الدية ولو صالحه على دراهم أو شئ من المكيل أو الموزون أو مؤجلا فهو جائز ولا حق للاخر في ذلك لان العاقد في الصلح عاقد لنفسه ولكنه يتبع العبد القاتل حتى يدفع إليه مولاه نصفه أو يفديه بنصف الدية لان نصيبه انقلب مالا وهو في ملك مولاه على حاله والامة والمدبرة وأم الولد في الصلح عن قتل العمد سواء لان الواجب عليهم القود والمنفعة في الصلح للمولى من حيث ان كسبهم يسلم له وإذا قتل العبد رجلا خطأ فصالح المولى ولى الدم من ذلك على أقل من الدية أو على عروض أو على شئ من الحيوان بعينه فهو جائز ولشركائه أن يشاركوه في ذلك المال بمنزلة ما لو كان القاتل حرا وصالحه بعض الاولياء وهذا لان أصل الواجب بقتل العبد ما هو الواجب بقتل الحر وهو الدية فانه بدل المتلف الا ان المولى يتخلص بدفع العبد ان شاء وكيف ما كان فهو مال مشترك بينهم وإذا صالح أحد الشركاء عن الدين المشترك كان للباقين حق المشاركة معه فيه وإذا قتلت الامة رجلا خطأ وله وليان ثم ولدت الامة ابنا فصالح المولى أحد الوليين على أن يدفع إليه ابن الامة بحقه في الدم فهو جائز وللآخر على المولي خمسة آلاف درهم لان حق أولياء الجناية لا يثبت في ولدها لما عرف أن هذا ليس يحق متأكد لهم في عينها فصلح احداهما على ولدها كصلحه على عبد آخر له وذلك منه بمنزلة اختيار الفداء واختيار الفداء في نصيب أحدهما يكون اختيارا في نصيب الاخر لان الجناية واحدة فلا تتجزأ في اختيار الفداء ولو صالحه على أن يدفع إليه ثلث الامة لحقه من الدم كان جائزا أو يدفع إلى شريكه نصف الامة أو يفديه بنصف الدية فلم يجعل اختياره الدفع في البعض اختيارا في الكل في رواية هذا الكتاب وفى رواية الجامع والعتق في المرض قال اختياره في الدفع في نصيب أحدهما يكون اختيارا في نصيبهما كما في الفداء وتلك الرواية أصح وتأويل ما ذكر هنا أن أحدهما صالحه على ثلث الامة وذلك دون حقه فمن حجة المولى أن يقول للآخر انما اخترت الدفع في نصيبه لانه تجوز بدون حقه وأنت لا ترضى بذلك فلا يلزمنى بذلك تسليم جميع حقك اليك من الامة ولكن في الحال في نصيبك حتى لو كان صالح احدهما على نصف الامة كان اختيارا منه الدفع في نصيب الآخر وما سوى هذا

[ 18 ] من الكلام فيه قد بيناه في إملاء شرح الجامع وان قتل المدبر قتيلا عمدا فصالح عنه مولاه بألف درهم وهى قيمته جاز لان المولي من مدبره كان بمنزلة الحر في نفسه فيصح منه التزام العوض عن القود المستحق عليه وان قتل آخر خطأ فعلى مولاه قيمة أخرى بخلاف ما إذا كانت جنايته الاولى خطأ من قتل فان في الخطأ المستحق نفس المملوك على المولى دفعا بالجناية وبالتدبير السابق صار مانعا دفع الرقبة على وجه لم يصر مختارا فيلزمه القيمة وهو ما منع الا رقبة واحدة فلا يلزمه باعتباره الا قيمة واحدة فأما هنا فالمستحق بالجناية الاولى نفس العبد قودا والمولي بالتدبير غير مانع استيفاء القود منه فانما لزمه المال بالتزامه بالصلح وهو سبب آخر سوى منع الرقبة فلا يؤثر ذلك فيما يلزمه بسبب منع الرقبة بالتدبير ولان حق ولى الخطأ لا يثبت في بدل الصلح فلا بد من اثباته في القيمة على المولى وإذا كانت الجنايتان خطأ فحق الثاني يثبت في الجناية الاولى لاتحاد سبب استحقاقهما للقيمة وهو منع الرقبة بالتدبير السابق فلا يجب على المولى شئ آخر فان صالح المولى الآخر على عبده ودفعه إليه ثم قتل آخر خطأ فولى الدم الآخر يتبع الذى أخذ العبد حتى يدفع إليه نصفه أو نصف قيمة المدبر لان القيمة صارت مشتركة بينهما وقد صالح احدهما عن جميعه على عبد وأحد الشريكين في الدين إذا صالح عن جميع الدين على عبد فلآخر أن يرجع عليه بنصف الدين الا أن يختار المصالح دفع نصف العبد إليه وقد بينا معنى هذا الخيار فيما سبق وإذا كان ذلك بقضاء قاض أو بغير قضاء فهو سواء في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وكذلك في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله ان كان بقضاء قاض وان كان بغير قضاء فلولى الدم أن يتبع المولى بنصف قيمة العبد المدبر ويرجع المولى على المصالح بنصف العبد الذى دفع إليه الا أن يعطيه نصف قيمة العبد المدبر والخيار فيه إلى الذى في يده العبد وأصل هذا فيما إذا كان دفع القيمة إلى الاول بغير قضاء قاض وهى مسألة كتاب الديات نبينها ثمة ان شاء الله تعالى وقيل ينبغى أن يكون الجواب هنا قولهم في الفرق بين قضاء القاضى وغير القضاء لان الصلح وقع على خلاف الحق وهما يسويان بين القضاء وغير القضاء فيما إذا وقع إلى الاول عين الواجب وما يقضى به القاضي لو رفع الامر إليه وهذا موجود هنا ولو كان لم يصالحه على العبد ولكن القاضى قضى له بالقيمة فاشترى به العبد ثم قتل آخر فانه يكون له على المشترى نصف المدبر ولا خيار للمشترى في ذلك ولا ضمان على البائع فيه لان القاضى قضى بالقيمة للاول فيتعين

[ 19 ] حق الثاني فيما قضي به القاضى للاول فلهذا لا ضمان على البائع كما لو كان دفع القيمة إلى الاول بقضاء قاض ثم على المشترى نصف قيمة المدبر هنا من غير خيار له في ذلك بخلاف ما إذا أخذ العبد بطريق الصلح لان مبنى الشراء على الاستقضاء فيصير به في معنى المستوفى بجميع القيمة فيرجع الآخر عليه بنصفه ومبنى الصلح على الاغماض عفو فقد رضى بدون حقه حين اخذه صلحا فلهذا يكون له الخيار بين ان يعطى الآخر نصف ما قبضه صلحا وبين ان يغرم له نصف قيمة المدبر * وتوضيحه ان الشراء لا يتعلق بالدين المضاف إليه بل بمثله ثم يصير قصاصا ولهذا لو صح الشراء بالدين المظنون فصار هو بطريق الشراء مستوفيا قيمة المدبر بالمقاصة فيلزمه دفع نصفها إلى الثاني والصلح يتعلق بالدين المضاف إليه ولهذا لو صالح عن الدين المظنون ثم ظهر أنه لادين يبطل الصلح إذا لم يرض المصالح به فهو بطريق الصلح لا يصير مستوفيا الا للعبد فلهذا كان له الخيار بين أن يدفع نصف العبد إلى الثاني وبين أن يغرم له نصف القيمة وإذا قتل المدبر رجلا خطأ وفقا عين آخر خطأ فعلى مولاه قيمته بينهما اثلاثا لان حق صاحب العين في نصف الدين وحق ولي الدم في جميع الدية وعلى المولي قيمة واحدة فيضرب كل واحد منهما فيها بمقدار حقه فان صالح المولي صاحب العين على مائة درهم وقيمته ستمائة فالمسألة على ثلاثة أوجه أحدها أن يصالح على مائة ويبرئه على المائة الاخرى قبل القبض والقسمة والثالث أن يبرئه عن المائة الاخرى بعد القبض قبل القسمة أما إذا قبض المائة ولم يبرئه عن المائة الاخرى فانهما يقسمان هذه المائة أثلاثا على مقدار حقهما فان ابراءه عن المائة الاخرى بعد القسمة لا يتغير بتلك القسمة لان جميع حقه كان ثابتا عن القبض والقسمة فبالاسقاط بعد ذلك لا تبطل القسمة كمن مات وعليه لرجل ألف درهم وللآخر ألفا درهم وترك ألف درهم فاقتسماها اثلاثا ثم أبراه احدهما عن بقية دينه واما إذا صالح عن المائة وأبراه عما بقى قبل القبض والقسمة فهذه المائة تقسم بينهما اخماسا خمسها لصحاب العين وأربعة أخماسها لولى الدم لان القيمة الواجبة وهى سمائة كانت بينهما أثلاثا لولى الدم اربعمائة ولصحاب العين مائتان فحق صاحب العين بقى في مائة لانه أسقط حقه في المائة فانما يقسم المقبوض بينهما على قدر حقهما عند القبض وعند القبض حق ولى الدم أربعمائة وحق صاحب العين في مائة فإذا جعلت كل مائة بينهما كان قسمة المقبوض بينهما أخماسا فاما إذا قبض المائة ثم أبرأه عن المائة الاخرى قبل القسمة ففى

[ 20 ] قول أبى يوسف رحمه الله تقسم هذه المائة بينهما اثلاثا لان قسمة المقبوض بينهما باعتبار القبض وعند ذلك حق صاحب العين في مائتين فوجب قسمة المقبوض بينهما اثلاثا ثم الابراء في ذلك لا يغير الحكم الثابت في المقبوض كما لا يغير في المقسوم وهذا لان صاحب العين قد تم استيفاؤه في مقدار نصيبه من المقبوض قسم بينهما أو لم يقسم فانما يظهر حكم ابرائه فيما بقى ثم رجع فقال لصحاب العين خمس المقبوض لان القسمة تكون على مقدار القائم من حق كل واحد منهما وقت القسمة وعند القسمة حق صاحب العين في المائة وحق الآخر في أربعمائة كان هذا والابراء قبل القبض في المعنى سواء وهو قول محمد رحمه الله ولو لم يقض لهما بشئ حتى صالحهما على عبد ودفعه اليهما كان العبد بينهما على ثلاثة لانه بدل ما استوجباه من القيمة وحكم البدل حكم المبدل ولو استوفيا القيمة اقتسماه أثلاثا فكذلك إذا صالحهما على العبد وأم الولد بمنزلة المدبر في حكم الجناية لان المولى أحق بكسبها وقد صار مانعا دفع رقبتها بالاستيلاد السابق على وجه لم يصر مختارا وكانت بمنزلة المدبر في ذلك وإذا قتل المدبر رجلا خطأ وفقأ عين آخر فصالحهما المولي على عبد دفعه اليهما فاختلفا فقال كل واحد منهما أنا ولى الدم فعلى كل واحد منهما البينة لان كل واحد منهما يدعى الزيادة في المستحق من القيمة على المولى لنفسه فان لم تقم لهما بينة فالعبد بينهما نصفان لاستوائهما في سبب استحقاقه فكل واحد منهما في احتمال انه ولى الدم مثل صاحبه فان قال مولى المدبر لاحدهما أنت ولى القتل فالقول قوله مع يمينه لان استحقاق القيمة عليه وقد أقر لاحدهما بالزيادة واقرار المرء في المستحق عليه مقبول وقد أنكر حق الآخر في الزيادة فالقول قوله مع يمينه وإذا أقر المدبر بقتل فاقراره جائز باقرار القن لان المستحق نفسه قصاص وهو خالص حقه والتهمة منتفية عن اقراره لما يلحقه من الضرر في ذلك فان صالح مولاه عنه أحد ولي الدم على ثوب فهو جائز وللآخر نصف قيمة المدبر على المولى ان قامت له بينة أو أقر المولى بذلك وان لم تفم له بينة لم يكن له شئ لان المولى بالاقدام على الصلح لم يصر مقرا (ألا ترى) أن دعوى القصاص لو كانت عليه لرجلين فصالح احدهما مع الانكار لا يصير بهذا الصلح مقرا للآخر بشئ واقرار المدبر في استحقاق المال بجنايته غير مقبول لان ذلك اقرار على المولى وبعد ما صالح أحدهما المستحق للآخر حصته من المال فلا يثبت ذلك باقرار المدبر ما لم يقر المولى بذلك أو يقيم عليه البينة وإذا قطعت المرأة يد رجل عمدا فصالحها من الجراحة على أن يتزوجها فالنكاح جائز فان أبرأها

[ 21 ] من ذلك فهو أرش ذلك لان القصاص لا يجرى بين الرجال والنساء فيما دون النفس فان برأ تبين أن الواجب له عليها خمسة آلاف وذلك مال يصلح أن يكون مهرا وكان ذلك مهرها وان مات من ذلك فلها مهر مثلها عليها الدية في مالها في قول أبى حنيفة رحمه الله لانه تبين أن الواجب له عليها القصاص والقصاص لا يصلح أن يكون صداقا لانه ليس بمال فكان لها مهر مثلها لذلك ثم التزويج على اليد والضربة أو الجراحة أو القطع بمنزلة الصالح وقد بينا أن في الصلح بهذه الالفاظ يتبين بطلان الصلح بالسراية عند أبى حنيفة رحمه الله وفى القياس يجب القصاص وفى الاستحسان تجب الدية وعندهما الصلح صحيح فههنا كذلك عندهما القود ساقط ولا شئ عليها وعند ابى حنيفة رحمه الله عليها الدية في مالها استحسانا لان العاقلة لا تعقل العمد وان كان القتل خطأ فالدية على عاقلتها عند أبى حنيفة رحمه الله لانه سمى اليد في التزويج وبين أن حقه كان في النفس فلهذا كانت الدية على عاقلتها عند أبى حنيفة رحمه الله وليس لها منه شئ لانها قاتلة ولا ميراث للقاتل وان كان تزوجها على الجناية وهى عمد ثم مات فقول ابى حنيفة رحمه الله هنا كقولهما ان القود يسقط لان اسم الجناية يتناول النفس وما دونها ولها مهر مثلها لان القصاص لا يصلح أن يكون صداقا وكذلك لو قال على الضربة وما يحدث منها أو الجراحة وما يحدث منها وان مات من ذلك وهو خطأ فانه يدفع عن عاقلتها مهر مثلها من ذلك لان التسمية صحيحة باعتبار أن المسمى مال وهو الدية وقد تناوله لفظة بدل النفس وما دونه الا إذا كان مهر مثلها ألفا فما زاد على ذلك لا يستحقه لانه صاحب فراش فالزيادة على قدر مهر المثل بمنزلة الوصية منه لها والوصية منه لها وصية لقاتل فالمستحق لها مقدار مهر مثلها يدفع عن العاقلة من ذلك بقدر ثلثه لان ذلك وصية منه لعاقلتها على ما بينا أن الدية على العاقلة فيصح بقدر الثلث ولا ميراث لها لانها قاتلة وان طلقها قبل الدخول أخذ من عاقلتها نصف الدية لان نصف المسمى سقط بالطلاق قبل الدخول ونظر إلى النصف الباقي فيرجع منه عن عاقلتها نصف مهر مثلها لان الاستحقاق لها في مقدار مهر المثل صحيح وبقى نصف ذلك لها بعد الطلاق ولا تعقل العاقلة عنه لها فيدفع ذلك عنهم ثم ينظر إلى ثلث ما ترك الميت ويدفع ذلك عن العاقلة لانه كان موجبا بذلك لعاقلتها فتعتبر من الثلث وتؤدى العاقلة ما بقى بعد ذلك فيكن لورثته ولو أن رجلا جرح رجلا جراحة عمدا فتزوجت أخت الجارح المجروح على أن مهرها الجراحة على أن ذلك لها خاصة دون اختها فالنكاح جائز وان برئ فهو عفو

[ 22 ] ولها مهر مثلها على الزوج لان الواجب هو القصاص وقد صار المجروح مسقطا لحقه بهذه التسيمة الا أن القصاص لا يصلح أن يكون صداقا فكان لها مهر مثلها على الزوج وان كانت الجراحة لا يستطاع فيها القصاص أو كان ذلك خطأ فارش ذلك مهرها في مال الزوج لان الارش مال يصلح أن يكون صداقا فتصح التسمية وان كان ذلك دينا للزوج في ذمة الجارح ولكن الصداق يجب في ذمة من ثبت له الملك وهو الزوج دون الجارح وان اشترطت العفو عن اخيها والبراءة له فلها مهر مثلها واخوها برئ منه لان الصداق لا يصير مملوكا لها بالتسمية فالعفو عن أختها والبراءة له لا يوجب الملك لها في شئ فيجعل في حقها كأنه تزوجها من غير تسمية المهر فلها مهر مثلها وان طلقها قبل الدخول فلها المتعة وقد برئ أخوها بابراء المجروح اياه في النكاح وان كانت اشترطت ان تأخذ لنفسها فهو جائز فان شاءت أخذته من الاخ وان شاءت رجعت به على الزوج لان المسمى مال يملكه بهذه التسمية فتصح التسمية وقد شرطت أن تأخذ ذلك من الجارح ولابد من أن يجب الصداق بالنكاح على الزوج فان شاءت اخذته من الزوج لصحة النكاح والتسمية وان شاءت اخذته من الاخ بالشرط كما لو تزوجها على ألف درهم على أجنبي وضمن الاجنبي ذلك وان طلقها قبل الدخول رجعت بنصف ذلك على أيهما شاءت لان عند صحة التسمية يتنصف المسمى بالطلاق قبل الدخول ولو شجت امرأة رجلا موضحة فصالحها علي أن تزوجها على هذه الجناية فذهبت عيناها من ذلك فذلك كله مهرها لان الواجب هو الارض وقد بينا أن اسم الجناية يعم أصل الفعل والسراية فيكون ذلك كله مهرا لها وان طلقها قبل الدخول تنصف ذلك كله ويرجع عليها بنصف ارض ذلك وان كان ذلك عمدا ففى مالها وان كان خطأ فعلى عاقلتها وإذا جرح الزوج امرأته عمدا فصالحته على ان اختلعت منه بذلك الجرح فذلك جائز ان برأت من ذلك لانها سمت في الخلع ما هو حقها وان ماتت فكذلك عند ابى يوسف ومحمد رحمهما الله وعند أبى حنيفة رحمه الله عليه الدية لانها سمت ما ليس بحق لها فلا تصير هي مسقطة بهذه التسيمة شيئا عن الزوج فيجب عليه الدية استحسانا ولا شئ له عليها من مهر المثل لان البضع عند خروجه من ملك الزوج غير متقوم وهى لم تغره في شئ فهو وما لو خالعها على خمر أو خنزير سواء بخلاف النكاح وقد بيناه وان طلقها على ذلك طلقة ثم ماتت من ذلك فعليه الدية في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله لما قلنا وهو يملك الرجعة لان الطلاق وقع بغير

[ 23 ] جعل حين سمت ما لم يكن حقا لها وصريح لفظ الطلاق إذا كان بغير جعل لا يوجب البينونة بخلاف ما إذا كان بلفظ الخلع كما لو كان المسمى خمرا أو خنزيرا وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله ليس عليه دية والطلاق رجعى أيضا لان المسمى بمقابلة الطلاق قصاص والقصاص ليس بمال فلا تقع البينونة باعتباره وان طلقها على الجناية أو الجرح وما يحدث منه فماتت وهو عمد فهو جائز والطلاق رجعى لانه مثل العفو عن القصاص وذلك ليس بمال فان قيل العفو عن القصاص متقوم حتى يصلح أن يكون بدلا في الصلح عن القصاص على ما بينا وإذا كان لكل واحد منهما على صاحبه قصاص فاصطلحا على أن عفى كل واحد منهما عن صاحبه جاز ذلك فكذلك يصلح أن يكون بدلا عن الطلاق فينبغي أن يكون الطلاق ثابتا قلنا وقوع البينونة عند صريح لفظ الطلاق باعتبار ملك الزوج ماله عليها وذلك لا يوجد هنا لان العفو اسقاط والمسقط يصلح بدلا في الصلح عن دم العمد ولكن الطلاق لا يصير بائنا باعتبار الاسقاط إذا لم يكن فيه معنى التمليك كما لو كان تحت رجل امرأة وأمته تحت عبدها فطلق امرأته على أن طلق عبدها أمته فان كل واحد من الطلاقين يكون رجعيا باعتبار هذا المعنى وان كان الفعل خطأ فالدية على عاقلنه ويرجع عليهم بالثلث من تركتها لانها سمت المال والمريضة إذا اختلعت من زوجها بمال يعتبر ذلك من الثلث وذلك وصية منها لعاقلة الزوج فيكون صحيحا ويؤخذ منهم الباقي والطلاق بائن لانه وقع بجعل ولا ميراث له لانه قاتل وإذا جرح الرجل امرأة رجل خطأ فصالحها زوجها على أن طلقها واحدة على أن عفت له عن ذلك كله ثم ماتت منه فالعفو من الثلث لانها سمت بمقابلة الطلاق ما هو ماله وهو الدية على عاقلة الجارح فيكون ذلك معتبرا من الثلث سواء كان بطريق الاسقاط أو التمليك والطلاق بائن لانه وقع بمال ان كان عمدا فهو جائز كله والطلاق رجعى لان الواجب هو القود والقود ليس بمال فلا يعتبر عفوها من الثلث وتسميته لا يثبت البينونة كالخمر ولو ضرب رجل سن امرأته فصالحها من الجناية على أن طلقها فهو جائز والطلاق بائن لان الواجب مال فتسميته بمقابلة الطلاق يوجب البينونة اسودت السن أو سقطت سن ذلك من أخرى فلاشئ عليه لان اسم الجناية يتناول الكل وإذا قتل المكاتب رجلا عمدا فصالح من ذلك على مائة درهم فهو جائز مادام مكاتبا لان المكاتب أحق بمكاسبه وهو بمنزلة الحر في صرف كسبه إلى احياء نفسه بطريق الصلح عن القود فان أدى قعتق فالمال لازم

[ 24 ] له لان الكسب خلص بالعتق وان عجز رد رقيقا فبطل المال عنه لان بعد العجز الحق في كسبه ومالية رقبته لمولاه وقوله في استحقاق المالية على المولى لا يكون حجة فان اعتق يوما من الدهر لزمه المال لان التزامه في حق نفسه صحيح وانما امتنعت صحته في حق المولي فإذا سقط حق المولى كالعتق كان مطالبا به كالعبد إذا كفل بمال أو أقربه على نفسه وهو محجور عليه وزفر رحمه الله يخالفنا في هذا الفصل وموضع بيانه في كتاب الديات ولو صالح من ذلك على شئ بعينه له كان جائزا لان المسمى كسبه وهو يملك صرفه إلى احياء نفسه فان كان الذى صالح عليه عبدا وكفل به كفيل فمات العبد قبل أن يدفعه كان لولى الدم أن يضمن الكفيل قيمته لان بموت العبد لم يبطل الصلح وقد تعذر تسليم المسمى مع بقاء السبب الموجب له فتجب القيمة ان شاء رجع بهذه القيمة على المكاتب وان شاء على الكفيل لان بدل الصلح عن دم العمد مضمون بنفسه كالمغصوب فالكفيل به يكون كفيلا بقيمته بعد الهلاك وإذا كان العبد قائما فله أن يبيعه قل أن يقبضه لانه مضمون بنفسه فيجوز التصرف فيه قبل القبض كالصداق ولو صالحه من ذلك على مال مؤجل والقتل يثبته وكفل به كفيل ثم عجز ورد رقيقا لم يكن للطالب أن يأخذ المكاتب بشئ حتى يعتق لما بينا أن التزامه المال بالصلح عوضا عن اسقاط القود صحيح في حقه غير صحيح في حق المولى وبالعجز خلص الحق للمولى في كسبه ورقبته فلا يطالب بشئ حتى يعتق ولكنه يأخذ الكفيل لان المال باق في ذمته ولكن يؤخر مطالبته به لقيام حق المولي وذلك لا يوجد في حق الكفيل فكان هو مطالبا في الحال كما لو أقرا العبد المحجور عليه بدين وكفل به كفيل وكذلك لو كان القتل باقرار وولد الماتب في ذلك بمنزلة المكاتب لان حكم الكتابة ثابت فيه تبعا لامه وإذا قتل المكاتب رجلا عمدا وله وليان فصالح احدهما على مائة درهم وأداها إليه ثم عجز ورد في الرق ثم جاء الولى الآخر فالمولى بالخيار ان شاء دفعه أو دفع نصفه إلى الولى وان شاء فداه بنصف الدية لان بالصلح مع أحد الوليين سقط القود وانقلب نصيب الآخر مالا ولا يتم ذلك دينا في ذمة المكاتب الا بقضاء القاضى بمنزلة جناية المكاتب وإذا كانت خطأ فإذا عجز قبل القضاء كان حقه في رقبته ويتخير المولى بين دفع النصف إليه والفداء بنصف الدية كما لو كانت الجناية خطأ في الابتداء ثم وجوب المال للآخر هنا كان حكما بسبب قتل ثابت بالمعاينة فلهذا يباع به بعد العجز بخلاف المال الواجب للمصالح فان ذلك كان بالتزام المكاتب بدلا عما ليس بمال فلا يباع به بعد العجز ما لم

[ 25 ] يعتق بمنزلة اقراره بالجناية خطأ وان لم يعجز ولكنه عتق ثم جاء الولى الآخر فانه يقضى له على المكاتب بنصف قيمته دينا عليه لان نصيب الآخر قد انقلب مالا وكان دفعه متعذرا عند ذلك وبالعتق قد تقرر وقوف الناس عن الدفع وكان حق الآخر في حصته من القيمة دينا في ذمته بمنزلة ما لو جنى المكاتب جناية خطأ ثم عتق ولو عفى أحد الوليين عن الدم بغير صلح فانه يقضى على المكاتب أن يسعى في نصف قيمته للآخر لان نصيب الآخر انقلب مالا لغير شريكه فصار في حقه كما لو كانت الجناية في الاصل خطأ وموجب جناية المكاتب في الخطأ قيمته لتعذر دفعه بالجناية مع بقاء الكتابة وذلك عليه دون المولى لانه أحق بكسبه بخلاف المدبر وأم الولد لان المولى أحق بكسبهما وموجب الجناية على من يكون الكسب له فان صالحه الآخر من ذلك على شئ بعينه جاز وهذا صلح عن مال هو دين على عين فيكون صحيحا ولكن لا يجوز تصرفه فيه قبل القبض لانه بمنزلة البيع وان صالحه على شئ بغير عينه وتفرقا قبل أن يقبض بطل الصلح لانه دين بدين ولو صالحه على طعام بعينه أكثر من نصف قيمته جاز وكذلك العروض لان الواجب عليه نصف القيمة من الدراهم والدنانير ولا ربا بينه وبين الطعام والعروض ولو صالحه على دراهم أو دنانير أكثر من نصف قيمته لم يجز بمنزلة ما لو صالح من الدين على أكثر من قدره من جنسه وقد بينا أن ذلك ربا ولو كفل له رجل بنصف القيمة جاز لانه كفل بدين على المكاتب للاجنبي فان صالحه الكفيل على طعام أو ثياب جاز ورجع الكفيل على المكاتب بنصف القيمة لانه صار موفيا بهذا الصلح إذا كفل عنه بأمره ولو أعطاه المكاتب رهنا بنصف القيمة فهلك الرهن وفيه وفاء بنصف القيمة فهو بما فيه وان كان فيه فضل بطل الفضل لان في الفضل المكاتب بمنزلة المودع وذلك منه صحيح والله أعلم * (باب الشهادة في الصلح) * (قال رحمه الله) وإذا ادعى رجل في دار دعوى فأقام الذى في يده الدار شاهدين شهدا أنه صالحه على شئ فرضى به منه ودفعه إليه فهو جائز وان لم يسميا ما وقع عليه الصلح لانه مقبوض وحكم الصلح ينتهى في المقبوض وانما يحتاج إلى التسمية فيما يستحق قبضه للتحرز عن الجهالة المانعة من التسليم وهذا لا يوجد في المقبوض وترك التسمية فيه

[ 26 ] لا يمنع العمل بالشهادة كترك التسمية فيما وقع الصلح عنه وكذلك لو سمي أحدهما دراهم ولم يسم الآخر شيئا وشهدا جميعا انه استوفى جميع ما صالح عليه فهو جائز لان تسمية أحدهما زيادة غير محتاج إليها فذكره والسكوت عنه سواء ولو جحد صاحب الدار وادعى الطالب الصلح وجاء بشاهدين فشهد أحدهما على دراهم مسماة وشهد الآخر على شئ غير مسمى أو تركا جميعا تسمية البدل لم تقبل الشهادة لان المصالح عليه غير مقبوض فلا يتمكن القاضى من القضاء مع الجهالة فان ادعى الطالب مائة وخمسين درهما وشهد له شاهد بها وشاهد بمائة درهم قضيت له بمائة درهم لان دعواه في الحاصل دعوى الدين فالاسقاط قد حصل باقراره وقد اتفق الشاهدان على المائة لفظا ومعنى فتقبل الشهادة إذا كان المدعى يدعى الاكثر وان كان يدعى الاقل فلا تقبل الشهادة لتكذيب المدعى أحد شاهديه وإذا شهد أحدهما بمائة والآخر بمائتين لا تقبل عند ابى حنيفة رحمه الله لا ختلاف الشاهدين لفظا ومعنى وان ترك بينة الصلح فالمدعى علي حجته لانه انما أقر بسقوط حقه بعوض فإذا لم يقبل ذلك العوض فهو على حقه وحجته فان شهد شاهد على صلح بمعاينة على دراهم مسماة وشهد الآخر على الاقرار بمثل ذلك فهو جائز لان الصلح هو اقرار معناه أن صفة الاقرار والانشاء في الصلح واحد كما في البيع وان شهد أحدهما بالبيع والآخر بالاقرار به كانت الشهادة مقبولة والله تعالى أعلم * (باب الصلح في الدين) * (قال رحمه الله) وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فصالحه منها على عبد بعينه فهو جائز والعبد للطالب يجوز فيه عتقه ولا يجوز فيه عتق المطلوب لان الطالب ملكه بنفس الصلح والمصالح عليه كالمبيع واعتاق المشترى في المبيع قبل القبض صحيح دون اعتاق البائع اياه وان مات في يد المطلوب قبل أن يقبضه الطالب كان من مال المطلوب بمنزلة المبيع إذا هلك قبل القبض ويرجع الطالب بالدين لان الصلح بطل لفوات قبض المبدل بموته وكذلك كل شئ بعينه لا يبطله افتراقهما قبل القبض لانه افتراق عن عين بدين ولو صالحه على دنانير مسماة ثم افترقا قبل القبض بطل الصلح لانه دين بدين والدين بالدين لا يكون عفوا بعد المجلس وكذلك ان كان الصلح على انكار لانه مبنى على زعم المدعى وفى زعمه ان صالحه

[ 27 ] من الدراهم على الدنانير فيكون ذلك صرفا يشترط فيه القبض في المجلس ولم يوجد وكذلك ان صالحه على مكيل أو موزون بغير عينه لان في زعمه أنهما افترقا عن دين بدين وذلك مبطل للصلح ولو صالحه من الالف على مائة درهم وافترقا قبل القبض لم يبطل الصلح لما بينا أن تصحيح الصلح هنا بطريق الاسقاط لا بطريق المبادلة لان مبادلة الالف بالمائة لا يجوز فيكون مسقطا بعض الحق بغير عوض وذلك صحيح مع ترك القبض فيما بقى بخلاف ما تقدم ولو صالحه من كر حنطة قرض على عشرة دراهم وقبض خمسة ثم افترقا بقى الصلح في نصف الكر بحساب ما قبض وبطل في النصف الآخر بحساب ما بقى لانهما الفترقا عن دين بدين وهذا فساد طارئ فيقتصر على ما وجد فيه عليه ولو صالحه على كر شعير بعينه ثم تفرقا قبل أن يقبضه فهو جائز لانهما افترقا عن عين بدين ولو ابتاع رجل كرا من حنطة بكرمن شعير بعينه وقبض الحنطة ولم يقبض الآخر الشعير حتى افترقا فهو جائز لان البدل الذى هو دين تعين بالقبض في المجلس فالتحق بما لو كان عينا عند العقد والذى لم يقبض عين والتقابض في بيع الطعام بالطعام في المجلس ليس بشرط عندنا ولو كان الشعير بغير عينه فان تقابضا قبل أن يتفرقا فهو جائز لان تعينه بالقبض كبيعه عند العقد وان تفرقا قبل أن يقبض فسد البيع لان الدين في مبادلة الطعام بالطعام بعد المجلس لا يكون عفوا فان الكيل بانفراده يحرم النساء وحرمة النساء كيلا يكون أحد البدلين دينا بعد المجلس فان ترك القبض فيما هو دين حتى افترقا كان أحد البدلين دينا بعد المجلس وذلك مبطل للبيع والصلح جميعا ولو كان لرجل على رجل مائة درهم ومائة دينار فصالحه من ذلك على خمسين درهما وعشرة دنانير إلى شهر فهو جائز لانه حط وليس ببيع فان الطالب أسقط بعض حقه من كل واحد من المالين وأجله في الباقي فالاحسان من جهته خاصة في الحط والتأجيل وليس فيه من معنى المبادلة شئ وكذلك لو صالحه من ذلك على خمسين درهما حالة أو إلى أجل فهو جائز لانه أسقط جميع حقه من الدنانير وبعض حقه من الدراهم وأجله فيما بقى منه وذلك مستقيم وكذلك لو صالحه على خمسين درهما فضة تبرا بيضاء حالا أو إلى أجل لان ما وقع عليه الصلح من جنس حقه فصحة الصلح بطريق الاسقاط دون المبادلة وكذلك لو كانت دراهمه سودا فصالحه منها على خمسين غلة حالة أو إلى أجل لان التبرع كله من جانب صاحب الحق فانه أبرأه عن البعض وتجوز بدون حقه فيما بقي وأجله فيما بقى أيضا فلا تتحفق معنى المبادلة بينهما بوجه وكذلك

[ 28 ] لو كانت له عليه مائة درهم بخية وعشرة دنانير فصالحه من ذلك على خمسين درهما سودا حالة أو إلى أجل فالتبرع كله من جهة صاحب المال ولو صالحه من ذلك على مائة درهم وعشرة دراهم إلى أجل لم يجز لان العقد صرف فيما زاد على المائة الدرهم فانه مبادلة عشرة دراهم بعشرة دنانير وهو صرف والتأجيل في عقد الصرف مبطل للعقد وانما أجله في المائة الدرهم بشرط أن يسلم له مقصوده في الصرف ولم يسلم فلهذا لم يثبت التأجيل في شئ وان كانت حالة وقبضها قبل التفرق جاز وكذلك ان قبض عشرة دراهم ثم افترقا لان المصارفة بينهما في هذا المقدار وانما يجعل المقبوض مما كان قبضه مستحقا بعقد الصرف وان صالحه على مائة درهم وعشرة دراهم على أن ينقد خمسين درهما وستين إلى أجل ولم ينقده الخمسين قبل التفرق جاز في قول أبى يوسف رحمه الله ولم يجز في قول محمد رحمه الله لان العقد في العشرة مع الدنانير صرف وقد شرط في عقد الصرف التأخيل في بعض المائة وفيه منفعة لاحد المتعاقدين فاشتراطه في عقد الصرف يفسد الصرف وابو يوسف رحمه الله يقول ان بدل الصرف حال مقبوض في المجلس واشتراط الاجل في ستين من المائة محتمل يجوز أن يكون على وجه البراء المبتداء ويجوز أن يكون ذلك شرطا في عقد الصرف فمع الاحتمال لا يفسد عقد الصرف وهذا لانه قال ستين إلى أجل ولم يقل وعلى ستين إلى أجل ومقصود المتعاقدين تصحيح العقد فان حملناه على الابراء المبتدا صح العقد وان حملناه على الشرط لم يصح ولو صالحه على خمسين درهما وخمسة دنانير إلى أجل جاز ذلك لانه أسقط بعض كل واحد من المالين وأجله فيما بقى من كل واحد منهما فالتبرع كله من جهة صاحب المال وكذلك الحكم في المكيلات والموزنات وان كان لرجل على رجل كر حنطة فصالحه بعد اقرار أو انكار على نصف كر حنطة ونصف كر شعير إلى أجل فالصلح كله باطل لان في حصة الشعير العقد مبادلة نصف كر حنطة بنصف كر شعير القدر بانفراده يحرم النساء فيفسد العقد ثم اشتراط ما بقى من الاجل في الحنطة انما كان بناء على حصول مقصودهما في العقد على الشعير وقد بينا ان الصلح على الانكار مبنى على زعم المدعى فهو وما لو كان الصلح على الاقرار سواء ولو لم يضرب لذلك أجلا أو كان الشعير معيبا والحنطة بغير عينها كان جائزا وان تفرقا قبل القبض لان مبادلة الحنطة التى هي دين بالشعير بعينه جائزة وان كان الشعير بغير عينه فان قبضه قبل التفرق جاز وان كانت بالحنطة مؤجلة أو حالة قبضها لان الشعير قد تعين في

[ 29 ] المجلس كالمعين عند العقد ومعنى قوله ان كانت الحنطة مؤجلة في الاصل الا أن يكون مراده أنه أجله في الحنطة فان ذلك يفسد العقد عند محمد رحمه الله لانه شرط في مبادلة الحنطة بالشعير التأجيل في النصف الآخر من الحنطة وذلك مفسد للعقد فعرفنا ان مراده أن صفة الدينية والتأجيل في الحنطة لا يمنع جواز هذا العقد وان فارقه قبل ان يقبض الشعير بطل الصلح في حصة الشعير لانه دين بدين فلا يكون عفوا بعد المجلس فان قيل حصة الشعير من الحنطة صارت في حكم المقبوض لمن عليه حين سقط عنه فكيف يكون دينا بدين قلنا صار مقبوضا دينا والدين بالسقوط يصير في حكم المقبوض المتلف ولكن لا يتعين ولو كان عليه ألف درهم فضة تبرا بيضاء فصالحه منها على خمسمائة فضة تبرا سوداء إلى أجل فهو جائز وهو حط لابيع لان الفضة كلها جنس واحد فيكون صاحب الحق مبرئا عن بعض الحق من الالف ومتجوزا بدون حقه فيما بقى ولو صالحه علي خمسمائة درهم مضروبة وزن سبعة إلى أجل لم يجز لان المضروب أجود من التبر فتمكن بينهما معاوضة من حيث ان صاحب الحق أبرأه عن خمسمائة وأجله فيما بقى وذلك كله فيما بقى والجودة التى شرطها لنفسه فيما بقى ومبادلة الجودة في الاجل والقدر ربا ولو كان له عليه ألف درهم غلة فصالحه منها على ألف درهم بخية حالة فان قبض قبل أن يتفرقا جاز لان مبادلة البخية بالغلة صرف فإذا وجد القبض في المجلس جاز العقد وان تفرقا قبل القبض بطل وان جعلا لها أجلا بطل وكذلك ان كان الصلح على خمسمائة بخية في جميع ذلك في قول أبى يوسف الاول رحمه الله معناه إذا قبض خمسمائة في المجلس جاز وان فارقه قبل القبض فعليه خمسمائة درهم من دراهمه الاولى وقد برئ مما سوى ذلك لانه يجعل هذا ابرأء من الطالب للمطلوب من خمسمائة واحسانا من المطلوب في قضاء ما بقى وانما جزاء الاحسان الاحسان لما بينا انه ان حمل هذا على مبادلة بعض القدر بالجودة لم يصح وان حمل على البراء المبتدا صح ومقصودهما تصحيح العقد فعند الاحتمال يتعين الوجه الذى يحصل فيه مقصودهما وإذا فارقه قبل القبض فعليه الخمسمائة من دراهمه الاولى لانه وعده أن يعطيه ما بقى أجود والانسان مندوب إلى الوفاء بالوعد من غير أن يكون ذلك مستحقا عليه وقد تمت البراءة عن الخمسمائة حين لم تمكن معنى المعاوضة بينهما ثم رجع أبو يوسف رحمه الله فقال الصلح فاسد وهو قول محمد رحمه الله لانهما بادلا صفة الجودة في الخمسمائة الباقية ببعض القدر وهى الخمسمائة التى أبرأه عنها وذلك ربا وانما

[ 30 ] يتأنى حمله على البراء المبتدا إذا لم يذكرا ذلك على وجه المعاوضة والشرط بينهما فأما مع الذكر على وجه المعاوضة فلا يمكن حمله على البراء المبتدا ولو كان لرجل على رجل دراهم لا يعرفان وزنها فصالحه منها على ثوب أو غيره جاز لانه صار مشتريا للثوب وجهالة مقدار الثمن فيما يحتاج إلى قبضه لا يمنع جواز البيع إذا كان بعينه ففيما لا يحتاج إلى قبضه أولى وان صالحه على دراهم فهو فاسد في القياس لانه مبادلة الدراهم بالدراهم من غير معرفة الوزن فمن الجائز أن يكون ما يستوفى أكثر من أصل حقه قدرا فيكون ذلك ربا وفى الاستحسان يجوز الصلح لان مبنى الصلح على الحط والاغماض والتجوز بدون حقه فلفظة الصلح دليل على أنه استوفى دون حقه فصح بطريق الاسقاط وكذلك ان جعل لها أجلا لانه أسقط بعض القدر وأجله فيما بقى والتبرع كله من الطالب ولو كان بين رجلين أخذ وعطاء وبيوع وقرض وشركة فتصادقا على ذلك ولم يعرف الحق كم هو للطالب عليه ثم صالحه على مائة درهم إلى أجل فهو جائز استحسانا لان لفظة الصلح دليل على أن حقه أكثر مما وقع الصلح عليه وقد تبرع بالتأجيل فيما بقى ولو ادعى قبل رجل وديعة دراهم بأعيانها في المدعى عليه فصالحه الطالب على دراهم دونها فهو جائز لان الوديعة بالجحود صارت دينا أو صارت مضمونة كالمغصوبة فيمكن تصحيح الصلح بينهما بطريق الاسقاط ولو كان لرجل على رجل ألف درهم فصالحه منها على مائة درهم وقبضها ثم استحقت المائة من يدى الطالب رجع بمثلها لانه صار مبرئا له عن تسعمائة مستوفيا للمائة فبالاستحقاق ينتقض قبضه فيما صار مستوفيا له فيرجع بمثله والبراءة تامة فيما أسقط سواء كان الصلح باقرار أو انكار وكذلك لو كان وجدها ستوقة أو نبهرجة ردها ورجع بمائة جاز لانتقاض قبضه بالرد في المستوفى وكذلك لو كانت عليه مائة درهم بخية فصالحه منها علي خمسين درهما فقبضها فوجدها بخية نبهرجة أو وجدها سوداء فله أن يستبدلها ببخية لانه في الخمسين مستوف فإذا كان دون حقه رده واستبدل بمثل حقه والبراءة تامة في الخمسين الاخرى وكذلك لو كانت له عليه عشرة دنانير فصالحه على خمسة دنانير وقبضها فوجدها حديدا لا ينفق أو مقطعة لا تنفق فله أن يستبدلها بجياد مثل حقه والبراءة تامة في الخمسة الاخرى ولو صالحه من الدنانير على دراهم وقبضها ثم استحقت قبل التفرق رجع بالدنانير لان العقد بينهما صرف فإذا انتقض قبضه بالاستحقاق من الاصل بطل الصرف ورجع بالدنانير ولو صالحه من دراهم له عليه على

[ 31 ] فلوس وقبضها فتقرقا ثم استحقت رجع بالدراهم لان القبض قد انتقض في المستحق من الاصل ويتبين أنهما افترقا عن دين بدين وذلك مبطل للعقد وكذلك ان وجدها من ضرب لا ينفق لانه تبين انه صار مستوفيا حقه في المقبوض وكذلك لو كان عليه حنطة فصالحه من ذلك على شعير وقبضه وتفرقا ثم استحق من يده أو وجد به عيبا فرده رجع بالحنطة لان قبضه انتقض في المردود فظهر انه دين بدين بعد المجلس ولو صالحه على كر شعير وسط وأعطاه اياه ثم استحق منه قبل أن يتفرقا رجع بمثله لان قبضه انتقض بمثله في المستحق فكأنه لم يقبضه حتى الآن وصفة الدينية في المجلس لا تضر فلهذا رجع بمثل ذلك الشعير ولو كان له عليه كر حنطة قرضا أو غصبا فصالحه على عشرة دراهم ودفعها ثم استحقت الدراهم أو وجدها ستوقة بعد ما افترقا فردها بطل الصلح لان القبض في المستحق انتقض من الاصل والستوقة ليست من جنس حقه فتبين أنه دين بدين بعد المجلس ولو وجدها زيوفا أو نبهرجة فردها كان ذلك فاسدا في قول أبي حنيفة رحمه الله وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يستبدلها قبل أن يتفرقا من مجلسهما الثاني وهو بناء على ما إذا وجد رأس مال السلم وبدل القرض زيوفا بعد الافتراق فردها وقدمنا ذلك في البيوع ولو كانت له عليه عشرة دراهم وكرا حنطة قرضا فصالحه من ذلك علي أحد عشر درهما ثم فارقه قبل أن يقبض انتقص من ذلك درهما وأخذ حصة الطعام لانه مبادلة الحنطة بالدراهم فإذا لم يقبض الدراهم في المجلس كان دينا بدين وبعد فساد العقد تبقي عليه الدراهم والطعام على حاله ولو كان له عليه ألف إلى أجل فصالحه منها على خمسمائة درهم ودفعها إليه لم يجز لان المطلوب أسقط حقه في الاجل في الخمسمائة والطالب بمقابلته أسقط عنه خمسمائة فهو مبادلة الاجل بالدراهم وذلك لا يجوز عندنا وهو قول ابن عمر رضى الله عنهما فان رجلا سأله عن ذلك فنهاه ثم ساله ثم نهاه ثم سأله فقال ان هذا يرد أن أطعمه الربا وهو قول الشعبي رحمه الله وكان إبراهيم النخعي رحمه الله يجوز ذلك وهو قول زيد بن ثابت رضى الله عنه استدلالا بحديث نبى النضر أن النبي ﷺ لما أجلاهم قالوا ان لنا ديونا على الناس فقال صلوات الله عليه ضعوا وتعجلوا وكنا نحمل ذلك على انه كان قبل نزول حرمة الربا ثم انتسخ بنزول حكم الربا فان مبادلة الاجل بالمال ربا (ألا ترى) أن الشرع حرم ربا النساء وليس ذلك الاشبهة مبادلة المال بالاجل فحقيقة ذلك لا يكون ربا حراما أولى ولو كان له عليه ألف درهم

[ 32 ] مؤجله ثمن خادم فصالحه على أن يردها عليه بخمسمائة قبل الاجل أو بعده غير انه لم ينتقدها أو انتقدها الا درهما منها فهو فاسد عندنا لانه شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن وقد بينا ذلك في البيوع وذكرنا انه لو كان بعيب عند المشترى جاز ذلك لان الربح لا يظهر إذا عاد إليه لاعلى الوجه الذى خرج من ملكه لو ادعى عليه ألف درهم فأقر بها أو أنكرها فصالحه منها على مائة درهم إلى شهر على انه ان اعطاها إلى شهر فهو برئ مما بقى وان لم يعطها إلى شهر فمائتا درهم لم يجز لانه في معنى شرطين في عقد حين لم يقاطعه على شئ معلوم وهو مبادلة الاجل ببعض المقدار أيضا فيكون ربا حراما وكذلك لو قال أصالحك على مائتي درهم إلى شهر فان عجلتها قبل الشهر فهي مائة فهذا والاول سواء وكذلك لو صالحه على أحذ شيئين سماهما أو أشار اليهما ولم يعزم على أحدهما لم يجز لتمكن الجهالة فيما وقع عليه الصلح والمصالح عليه بمنزلة المبيع فكان هذا في معنى صفقتين في صفقة وكذلك لو كان الصلح من أحد الشيئين على الشك أو مع أحد هذين الرجلين على الشك لان هذه الجهالة تقضى إلى المنازعة ولو اقر له بألف درهم ثم صالحه منها على عبد على أن يخدم الرجل المدعي عليه شهرا لم يجز لان المصالح عليه مبيع وقد شرطا التأجيل في تسليمه شهرا أو شرط البائع لنفسه منفعة لا يقتضيها العقد وكذلك لو صالحه على دار واشترط سكناها شهرا أو صالحه على عبد على أن يدفعه إليه بعد شهر وكذلك لو صالحه على ثوب على أن يعطيه قميصا ويخيطه أو صالحه على طعام على أن يطبخه له أو يحمله إلى منزله لانه شرط منفعة لا يقتضيها العقد وذلك مفسد للبيع فكذلك الصلح وان صالحه على طعام بعينه في الكوفة على أن يوفيه إياه في منزله فهو جائز استحسانا بخلاف ما لو شرط أن يوفيه بالبصرة وقدم تقدم بيان هذه الفصول في البيوع والله تعالى أعلم بالصواب. * (باب الخيار في الصلح) * (قال رحمه الله) اعلم بأن حكم خيار الشرط في الصلح كهو في البيع في جميع الفصول لان الصلح عقد يعتمد التراضي ويمكن فسخه بعد انعقاده كالبيع * وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فصالحه منها على عبد على أن زاده المدعى عشرة دنانير إلى شهر واشترطا الخيار ثلاثة أيام فهو جائز لانه اشترى العبد بألف درهم وعشرة دنانير واشتراط الخيار في مثل هذا

[ 33 ] العقد صحيح فان استوجب العقد برئ المطلوب من الالف لتمام البيع بينهما وتقرر وجوب الثمن عليه وصارت الدنانير على المطالب الاول إلى شهر من يوم استوجب العقد لانه شرط في الدنانير أجل شهر واشترط الاجل لتأخير المطالبة وتوجه المطالبة عليه بعد سقوط الخيار وانما يعتبر ابتداء الاجل من ذلك الوقت ولو كان له عليه عشرة دنانير فصالحه منها على ثوب واشترط المطلوب الخيار ثلاثا ودفع إليه الثوب فهلك عنده في الثلاث فهو ضامن لقيمته وماله على المطلوب كما كان لان المطلوب بائع للثوب وهلاك المبيع في مدة خيار البائع مبطل للعقد والمبيع في يد المشترى في مدة خيار البائع مضمون بالقيمة لانه في معنى المقبوض على جهة الشراء. ولو كان الرجل على رجلين دين فصالحاه على عبد على انه بالخيار ثلاثا فأوجب الصلح على أحدهما ورد على الآخر كان له ذلك لانه مشتر للعبد منهما وقد شرط كل واحد منهما له الخيار في النصف والذى باعه منه فكان له الرد على أحدهما في نصيبه دون الآخر بخلاف ما إذا كان الدين لرجلين على رجل فصالحهما على أنهما بالخيار ثلاثة أيام لانهما في معنى المشتريين للعبد منه وأخذ المشريين لا ينفرد بالرد بخيار الشرط عند أبى حنيفة رحمه الله وقد بيناه في البيوع ولو كان الرجل على رجل دين فصالحه على عبد واشترط الخيار ثلاثا فمضت الثلاثة ثم ادعى صاحب الخيار الفسخ في الثلاثة لم يصدق الا ببينة لان السبب الموجب لتمام العقد قد وجد وهو مضي مدة الخيار قبل ظهور الفسخ ومدعى الفسخ يدعى مالا يقدر على انشائه في الحال فلا يقبل ذلك الا ببينة فان أقام بينة على الفسخ وأقام الآخر البينة على انه قد أمضى في الثلاثة أخذت البينة للفسخ لانهما كانا بالخيار لان مدعى الفسخ هو المحتاج إلى اقامة البينة وهو المثبت لعارض الفسخ وذلك خلاف ما يشهد الظاهر به فكان الاخذ ببينته أولى وقع في بعض نسخ الاصل اخذ ببينة امضاء الصلح وهذا غلط وان صح فوجهه ان في بينة امضاء الصلح اثبات الملك فيما وقع عليه الصلح وقد بينا شبهة اختلاف الرويات في نظير هذا في البيوع من الجامع وان اختلفا في الثلاثة فالقول قول الذى له الخيار انه وجد فسخ لانه أقر بما يملك انشاءه في الحال فلا تتمكن التهمة في اقراره والبينة بينة الآخر أنه قد وجب لانه هو المحتاج إلى اسقاط الخيار وفى الصلح على الانكار إذا شرط المدعى عليه الخيار ثم فسخ العقد بخياره فالمدعى يعود على دعواه ولايكون ما صنع المدعي عليه اقرارا منه لان الصلح البات أقوى من الصلح بشرط الخيار وقد بينا ان اقدامه على الصلح البات

[ 34 ] لا يكون اقرارا فعلى الصلح بشرط الخيار أولى وخيار الرؤية في الصلح بمنزلته في البيع لان ما وقع عليه الصلح من العين مبيع ومن اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه وإذا ادعى رجل على رجل ألف درهم فصالحه منهما على عدل زطى فقبضه ولم يره ثم صالح عليه القابض آخر ادعى قبله دعوى أو قبضه الآخر ولم يره فللآخر أن يرده على الثاني إذا رآه فلم يرضه لانه بمنزلة مشترى شئ لم يره وليس للثاني أن يرده على الاول ان قبله بقضاء قاض أو بغير قضاء لان خياره قد سقط حين ملكه من غيره باعتبار أنه عجز عن رده بحكم الخيار وخيار الرؤية كخيار الشرط لا يعود بعد ما سقط بحال وقد بينا ان الصلح من الدعوى ليس باقرار فبعد الرد بخيار الرؤية انما يعود المدعى على دعواه وفى حكم الرد بالعيب المصالح عليه كالمبيع أيضا يرد بالعيب اليسير الفاحش يرجع في الدعوى ان كان رده بحكم أو بغير حكم ولو ادعى رجل قبل رجل مائة درهم فصالحه على أمة على الانكار وقبضها فولدت عنده ثم وجدها عوراء لم يستطع ردها لحدوث الزيادة المنفصلة بعد القبض من العين ولكنه يكون على حجته فيما يصيب العور من المائة فإذا أقام أو استحلف المدعى عليه فنكل أو أقر يرجع عليه بنصف المائة لان العين من الآدمى نصفه ولو ادعى عليه كر حنطة قرضا فصالحه منه علي ثوب من غير ان يقر بذلك على ان زاد الآخر عشرة دراهم وتقابضا قبل أن يتفرقا فقطع الثوب قيمصا ثم وجد به عيبا ينقصه العشرة فانه لا يستطيع الرد لما أحدث فيه من القطع ولكن يرجع بحصة الغير وذلك غير ما نقده وهو درهم واحد فيكون على حجته في عشر الكر فيستوفى ذلك ان أتى بالبينة أو استحلف صاحبه فنكل ولو ادعى عليه مائة درهم فلم يقر بها فصالحه منها على كر ودفع إليه الكر على أن زاده الآخر عشرة دراهم إلى شهر فهو جائز لانه اشترى الكر بالعشرة وبما ادعاه وهو المائة في زعمه وذلك صحيح فان وجد بالكر عيبا ووجد به عنبده عيب وكان عيبه الاول ينقصه العشر فانه يبطل من العشرة الدراهم التى عليه درهم ويكون على حجته في عشر المائة لان حصة العيب من البدل هذا وهذا عند تعذر الرد يرجع بحصه العيب من البدل ولو صالحه من المائة على كر حنطة ودفعه إليه أو على عشرة دراهم إلى شهر من غير اقرار ثم وجد بالكر عيبا وقد حدث به عنده عيب وكان العيب الاول ينقصه العشر فهو على حجته في عشر تسعين درهما لان المدعي بقى حقه في عشرة دراهم وأجله في ذلك إلى شهر وانما صالحه على كر حنطة بما زاد على العشرة إلى تمام المائة

[ 35 ] وذلك تسعون درهما فعند تعذر الرد بالعيب يرجع بحصة العيب من البدل فلهذا كان على حجته في عشر تسعين درهما وقيل ينبغى أن لا يجوز هذا الصلح عند محمد رحمه الله لان الصلح على الانكار مبنى على زعم المدعي وفى زعمه انه اشترى الحنطة بتسعين درهما وشرط له التأجيل في عشرة دراهم سوى الثمن إلى شهر وذلك شرط منفعة لاحد المتعاقدين لا يقتضيها العقد فيكون مفسدا للعقد والله أعلم * (باب الصلح في الدين) * (قال رحمه الله) وإذا كان لرجل على رجل دين إلى سنة فصالحه على ان أعطاه به كفيلا وأخره به إلى سنة أخرى فهو جائز لان المطلوب أعطاه بما عليه كفيلا والطالب أجله إلى سنة أخرى وكل واحد منهما صحيح عند الانفراد فكذلك إذا جمع بينهما ولا يتمكن هنا معنى معاوضة والكفالة بالاجل لان الكفالة انما تصح بقبول الكفيل سواء سأل المطلوب ذلك أو لم يسأل والتأجيل يثبت حقا للمطلوب فلا تتحقق معنى المعاوضة بينهما وكذلك لو كان به كفيل فأبرأة على أن أعطاه به كفيلا آخر وأخره سنة بعد الاجل أول لان ابراء الكفيل الاول يتم بالطالب والتأخير بايجاب الطالب ذلك للمطوب ولا يتمكن معنى المعاوضة فيه لما كان تمام كل واحد منهما بشخص آخر ولو صالحه على أن يعجل له نصف المال على أن يؤخر عنه ما بقى سنة بعد الاجل كان ذلك باطلا لان المطلوب أسقط حقه في الاجل في نصف المال وشرط على الطالب التأجيل فيما بقى سنة أخرى فهذا مبادلة الاجل بالاجل وهو ربا وكذلك كل ما يعجل مؤجلا بتأخير شئ آخر معجلا أو مؤجلا فهو فاسد لما فيه من معاوضة الاجل بالاجل ولو كان المطلوب قضى الطالب المال قبل حله ثم استحق من يده لم يرجع عليه حتى يحل الاجل لان القبض انتقض في المستحق من الاصل وسقوط الاجل كان في ضمن التعجيل بتسليم المال إليه وإذا ثبت في ضمن غيره يبطل ببطلانه فلهذا كان المال عليه بعد الاستحقاق إلى أجل وكذلك لو وجد زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا أما في الستوق فظاهر لانه يتبين انه لم يكن موفيا له حقه فيبقى المال عليه إلى أجله وفى الزيوف والنبهرجة قد انتقض قبضه بالرد وسقوط الاجل كان باعتبار قبضه وهو دليل أبى حنيفة رحمة الله عليهما في أن الرد بعيب الزيافة ينقض القبض من الاصل بمنزلة الاستحقاق حين عاد الاجل ولكنهما

[ 36 ] يقولان نحن نسلم هذا الا أنا نجعل في الصرف والسلم اجتماعهما في مجلس الرد كاجتماعهما في مجلس العقد وذلك لا يتحقق في حكم سقوط الاجل وعند رد الزيوف رجوعه بأصل حقه وهو ثمن المبيع وقد كان أصل حقه مؤجلا فلهذا رجع به بعد حله أيضا وكذلك لو باعه به عبدا أو صالحه منه على عبد وقبضه ثم استحق أو وجد حرا أو رده بعيب بقضاء قاض فالمال عليه إلى أجله لان بهذه الاسباب ينتقض العقد من الاصل وكذلك لو طلب إليه أن يقيله الصلح على ما كان من الاجل فاقاله أو رده بعيب بغير قضاء فالمال عليه إلى أجله لان الاقالة ان جعلت فسخا عاد المال إلى أجله وان جعلت كعقد مبتدا فقد شرط التأجيل في البدل فيكون مؤجلا والرد بالعيب بغير قضاء قاض بمنزلة الاقالة وان لم يسم الاجل فالمال حال لان الاقالة والرد بالعيب بغير قضاء قاض بمنزلة البيع المبتدا فانه يعتمد التراضي ومطلقه يوجب المال حالا فان قيل الاقالة فسخ في حقهما وعود الاجل من حقهما قلنا هو فسخ في حقهما فيما هو من أحكام ذلك البيع فأما فيما ليس من أحكامه فهو كالبيع المبتدا والاجل في أصل الدين لم يكن من أحكام هذا البيع بينهما فالاقالة فيه كالبيع المبتدا وقد قررنا هذا المعنى فيما أمليناه من شرح الزيادات ولو كان بالدين كفيل لم يعد المال على الكفيل الا أن يكون رد العبد بالعيب بقضاء قاض لان الرد بالقضاء فسخ من الاصل ولم يثبت المال على الكفيل لان هذا دين آخر سوى ما كفل به فهذا مثله ولو كان به رهن وهو في يد الطالب حين رد بالعيب كان رهنا على حاله بالمال لان البيع قد انفسخ برد العبد وانما يرجع الطالب بالدين الذى كان له عليه وقد كان الرهن محبوسا عنده بذلك الدين فيبقى محبوسا على حاله لان الشراء بالدين مثله ولو كان للطالب على المطلوب ألف درهم من ثمن مبيع ومائة دينار من ثمن مبيع إلى أجل فعجل له المائة الدينار على أن أخر عنه الالف إلى سنة فهذا باطل لانه أسقط حقه في الاجل في الدناينر عوضا عما أجله الآخر من الدراهم ولو قال أعجل لك الالف درهم على أن تؤخر عنى الدنانير سنة أخرى فهذا جائز لان له أن يأخذ الالف عاجلا فانما أجله في الدنانير خاصة وليس بمقابلة اسقاط الآخر أجله شئ ولو صالحه من الدين المؤجل على أن جعله حالا فهو جائز وهو حال وليس هذا صلحا وانما هذا اسقاط من المطلوب حقه في الاجل والاجل حقه فيسقط باسقاطه وكذلك لو قال أبطلت الاجل الذى في هذا الدين أن تركته أو جعلته حالا فهذا كله اسقاط منه للاجل ان قال قد برئت من الاجل أو قال لا حاجة لي في الاجل وهذا ليس بشئ والاجل

[ 37 ] على حاله أما في قوله لا حاجة في الاجل فانه غير مسقط للاجل لان الانسان قد يكون حقه قائما وان كان هو لا يحتاج إليه فاظهاره الاستغناء عنه لا يكون اسقاطا للاجل ومعنى قوله لا حاجة لي في الاجل أنى قادر على أداء المال في الحال وبقدرته على الاداء لا يسقط الاجل وقوله قد برئت من الاجل بمنزلة قوله أبرأت الطالب منه وذلك لغو فان الاجل حق المطلوب من حيث انه يؤخر المطالبة عنه ولكن لا يستوجب به شيئا في ذمة الطالب فابراء الطالب وليس له في ذمة الطالب شئ يكون لغوا بخلاف قوله أبطلت الاجل فذلك اسقاط مه لحقه وتصرف منه في المال الذى في ذمته بجعله حالا وليس يتصرف في ذمة الطالب بشئ فلهذا كان صحيحا ولو ادعى عليه ألف درهم فأنكرها ثم صالحه على أن باعه بها عبدا فهو جائز وهذا اقرار منه بالدين بخلاف قوله فصالحتك منها وقد تقدم بيان هذا الفرق أن البيع لفظ خاص بتمليك مال بمال فاقدام المدعى عليه على البيع يكون اقرار منه انه يملكه العبد بالمال الذى عليه وذلك اقرار منه بالمال فأما الصلح فتمليك المال بازاء اسقاط الدعوى والخصومة فلا يكون اقرارا حتى لو قال صالحتك من حقك على أن لك هذا العبد كان اقرارا بحقه أيضا ولو صالحه من الدين على عبد وهو مقر به وقبضه لم يكن له أن يبعه مرابحة على الدين والصلح مخالف للبيع يعنى لو اشترى بالدين العبد كان له أن يبعه مرابحة لان مبنى الشراء على الاستقصاء فلا يتمكن فيه شبهة التجوز بدون الحق ومبنى الصلح على الاغماض والتجوز بدون الحق فيتمكن فيه شبهة الحط وبيع المرابحة مبنى على الاحتياط والشبهة فيما هو مبنى على الاحتياط يعمل عمل الحقيقة ولو ادعى على رجل كر حنطة قرضا فجحده فصالحه فضولي على أنه اشتراه منه بتصييره دراهم ونقدها اياه كان الصلح باطلا لان الشراء تمليك مال بمال فيصير المصالح مشتريا الدين من غير من عليه الدين وذلك باطل ولو لم يشرته ولكن صالحه منه على عشرة دراهم ودفعها إليه فهو جائز لانه التزم المال عوضا إعن اسقاط المدعي حقه قبل المدعى عليه وذلك صحيح وانما أوردنا هذه الفصول لايضاح الفرق بين لفظ البيع ولفظ الصلح وإذا كان لرجلين على رجل ألف درهم من ثمن مبيع حال فأخر أحدهما حصته لم يجز ذلك في قول أبى حنيفة رحمته الله وجاز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ويأخذ الآخر حصته ولا يشاركه المؤخر في المقبوض حتى يمضى الاجل فحينئذ يكون له أن يشارك القابض في المقبوض وجه قولهما أن المؤخر تصرف في خالص نصيبه ولا ضرر على شريكه

[ 38 ] في تصرفه فينفذ تصرفه كالشريكين في العبد إذا باع أحدهما نصيبه أو وهبة وهذا لان التأجيل في اسقاط المطالبة إلى مدة ولو أسقط حقه في المطالبة بنصيبه لا إلى غاية بأن ابرا عن نصيبه كان صحيحا فإذا اسقط مطالبته إلى غاية كان أولى بالصحة ولو اشترى أحدهما نصيبه على عين أو قبل الحوالة بنصيبه على انسان كان صحيحا لما انه متصرف في خالص نصيبه فكذلك إذا أجل نصيبه ولو أقر أحد الشريكين بأن الدين مؤجل إلى سنة وأنكر صح اقرار المقر في نصيبه فكذلك إذا أنشأ التأجيل لان الاقرار لا يصح فيما هو حق للغير مع تمكن التهمة فيه وذلك لانه لا يملك تحصيل مقصوده بالانشاء ولما صح اقراره هنا عرفنا أنه يصح تأجيله ولابي حنيفة رحمه الله في المسألة روايتان احداهما ان تأجيله يلاقى بعض نصيب شريكه وهو لا يملكه بالاتفاق وبيان هذا ان أصل الدين يبقى مشتركا بعد التأجيل ولا يمكن أن يجعل تأجيله مضافا لنصيبه خاصة الا بعد قسمة الدين وقبل القبض لا يجوز لان القسمة تمييز وما في الذمة لا يتصور فيه التمييز وفى العين القسمة بدون التمييز لا تحصل فانه لو كان بين رجلين صبرة حنطة فقال اقتسمنا على أن هذا الجانب لي والجانب الا آخر لك لا يجوز وهذا لان في القسمة تمليك كل واحد منهما نصف نصيب شريكه عوضا عما يتملكه عليه وتمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز وانما قلنا ان هذا قسمة لان نصيب أحدهما يصير مخالفا لنصيب الآخر في الوصف والحكم في القسمة ليس الا هذا والدليل على أن تأجليه يصادف بعض نصيب شريكه أن الآخر إذا قبض نصيبه ثم حل الاجل كان للمؤخر ان يشاركه في المقبوض ويكون ما بقى مشتركا بينهما والباقى هو ما كان مؤجلا ولو سلم للقابض ما قبض واختار اتباع المديون ثم نوى ما عليه كان له أن يرجع على القابض فيشاركه في المقبوض باعبتار أن نصف بالمقبوض حقه وانما يسلمه له بشرط أن يسلم له ما في ذمة المديون فإذا لم يسلم رجع عليه وبهذا الفصل تبين فساد مذهبهما فانه بعد التأجيل إذا لم يكن للمؤخر أن يطالب بنصيبه فكيف يكون للآخر أن يقبض شيئا من نصيبه وان جعل الآخر قابضا لنصيب نفسه كان ذلك قسمة فينبغي أن لا يكون للمؤخر أن يشاركه بعد حلول الاجل وان جعل قابضا لبعض نصيب المؤخر فإذا لم يكن للمؤخر أن يطالب بنصييه قبل حلول الاجل لا يكون ذلك لغيره بطريق الاولى وهذا بخلاف ما لو أبراه عن نصيبه لانه لا يبقى نصيبه بعد الابراء وانما القسمة مع بقاء نصيب كل واحد منهما بخلاف البيع في نصيب أحدهما

[ 39 ] من العين فانه لا يلاقى شيئا من نصيب شريكه بدليل انه لا يشاركه في الثمن وبخلاف ما إذا استوفى أحدهما لان القسمة هناك باعتبار اختلاف المحل فنصيب المستوفي لم يبق في ذمة المديون وكذلك إذا اشترى بنصيبة أو صالح أو قبل الحوالة فيه فقد وجد اختلاف المحل وإذا أقر أحدهما أن المال كله مؤجل فاقرار المقر حجة في حقه وهو يزعم أن الدين كله مؤجل فلا يتحقق معنى القسمة باعتبار زعمه وانما لا يظهر حكم الاجل في حق الآخر لقصور الحجة عنه لا لان نصيبه غير مؤجل في حق المقر ولا يكون في اعمال اقراره في نصيبه معنى قسمة الدين بخلاف النسأ والاجل حتى لو أقر أحدهما ان نصيبه مؤجل فهو على الخلاف أيضا والطريق الآخر ان في تصرف الآخر اضرارا لشريكه وأحد الشريكين إذا تصرف في نصيبه على وجه يلحق الضرر بصاحبه لم ينفذ تصرفه في حق شريكه كما لو كاتب أحد الشريكين العبد كان للآخر أن يبطل المكاتبة وبيان ذلك أن مؤنة المطالبة بجميع الدين على شريكه لانه يؤخر نصيبه حتى يستوفى الآخر نصيبه فإذا أجل الاجل شاركه في المقبوض ثم يؤخر نصيبه مما بقى حتى يستوفى الآخر نصيبه فإذا أجل شاركه في المقبوض فلا يزال يفعل هكذا حتى تكون مؤنة المطالبة في جميع الدين على شريكه وفيه من الضرر ما لا يخفى وبه فارق الابراء لانه ليس في تصرفه هناك اضرار لشريكه لانه لا يشاركه فيما يقبض بعد ذلك وكذلك استيفاء نصيبه أو الشراء بنصيبه أو الصلح أو قبول الحوالة ليس فيه اضرار بالشريك وإذا أقر أن الدين مؤجل فهو غير ملحق الضرر بشريكه ولكن في زعمه أن الشريك ظالم في المطالبة ولا يستقل له على المطلوب حتى يحل الاجل فيكون هو في المطالبة ظالما ملتزما مؤنة المطالبة باختياره فلهذا يصح اقراره في نصيبه ولو صالح أحد الشريكين المديون علي مائة درهم على أن أخر عنه ما بقى من حصته لم يجز التأخير في قول أبى حنيفة رحمه الله وما قبض فهو بينهما نصفان لان المقبوض جزء من دين مشترك حقهما فيه سواء وعندهما تأخيره فيما بقى صحيح والمقبوض بينهما نصفان أبضا لانه حين قبضه كان حقهما في الدين سواء فصار المقبوض بينهما نصفين فتأخير أحدهما ما بقى من حقه لا يغير حكم الشركة بنيهما في المقبوض لان التأخير لا يمس المقبوض وكذلك لو كانا شريكين شركة عنان وكل واحد منهما لا يملك التصرف في نصيب صاحبه من الدين بمنزلة الشريكين في الملك فأما المتفاوضان فتأخير أحدهما جائز على الآخر لان التأخير من صنع التجار وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه فيما هو من صنع التجار

[ 40 ] لو أقر أحد الشريكين في الدين وهو ألف درهم انه كان للمطلوب عليه خمسمائة درهم قبل دينهما فقد برئ المطلوب من حصته بطريق المقاصة بمنزلة ما لو أبرأة ولا يكون لشريكه عليه شئ لان المقر صار قابضا بنصيبه من الدين ما كان عليه لا مقضيا فان آخر الدينين قضاء عن أولهما لان القضاء لا يسبق الوجوب وانما يشاركه الاخر فيما يقبض فإذا لم يصر بهذا الطريق قابضا شيئا لا يكون للآخر أن يشاركه فيه كما لو أبرأه من نصيبه أو وهبه له وكذلك لو جنى عليه عمدا دون النفس جناية يكون ارشها خمسمائة أو صالح من جناية عمد فيها قصاص على ذلك لانه ما صار مستوفيا شيئا مضمونا أو شيئا قابلا للشركة وانما صار متلفا لنصيبه فلا يكون للاخر أن يرجع عليه بشئ ولو غصب أحد الشريكين من المديون ما يساوى خمسمائة فهلك في يده فلآخر أن يرجع عليه بمائة وخمسين لانه صار قابضا بنصيبه مالا مضمونا وضمان الغصب يوجب الملك في المضمون فكأنه استوفى نصيبه ولان المديون يكون قابضا لنصيبه بطريق المقاصة لان دينه يكون آخر الدينين ولو حرق أحدهما ثوبا للمديون يساوي خمسمائة فكذلك الجواب في قول محمد رحمه الله لانه بالاحراق صار قابضا متلفا للمال ويكون ذلك مضمونا فيكون كالغضب والمديون صار قابضا لنصيبه بطريق المقاصة فيجعل المحرق مقضيا وقال أبو يوسف رحمه الله لا يرجع عليه بشئ لانه متلف لنصيبه بما صنع لا قابض والاحراق اتلاف ويكون هذا نظير الجناية وقد بينا أنه لو جنى أحدهما على المديون حتى يسقط نصيبه من الدين لم يكن للآخر أن يرجع عليه بشئ فكذلك إذا جنى على ماله بالاحراق ولو صالحه على مائة درهم على أن أبرأه مما بقى من حصته بعد قبض المائة أو قبل قبضها كان لشريكه أن يرجع عليه بخمسة اسداس المائة لان الباقي ممن دينه على المديون مائة ونصيب شريكه خمسمائة فالمقبوض يكون مقسوما بينهما على مقدار حقهما بخلاف ما إذا أجل فيما بقى على قولهما لان التأجيل لا يسقط نصيبه من الدين وان تأخر حق المقبوض فلهذا بقى المقبوض بينهما نصفين ولو كان قبض المائة وقاسمهما شريكه نصفين ثم أبرأة مما بقى له كانت القسمة جائزة لا تعاد لان عند تمام القسمة كان حقهما في ذمة المديون سواء فسقوط ما بقى من نصيب أحدهما بالابراء لا يبطل تلك القسمة بعد تمامها ولو كان لرجلين على رجل حنطة قرض فصالحه احدهما على عشرة دراهم من حصته فهو جائز ويدفع إلى شريكه ان شاء ربع كر وان شاء خمسة دراهم لانه بهذا الصلح صار مستوفا فللآخر أن يطالبه بنصف نصبيه وهو ربع كر كما لو استوفاه

[ 41 ] حقيقة وهذا لان الصلح يصحح بطريق المبادلة ما أمكن ومبادلة الكر بعشرة دراهم صحيحة الا أن مبنى الصلح على الاغماض والتجوز بدون الحق فمن حجة المصالح مبادلة الكر بعشرة دراهم صحيحة الا أن يقول انما توصلت إلى نصيبي لانى تجوزت بدون حقي فان أردت أن تشاركني فتجوز بما تجوزت به لادفع اليك نصف ما قبضت وهى خمسة دراهم فلهذا كان الخيار لقابض الدراهم في ذلك ولو باعه حصة من الطعام بعشرة دراهم ضمن لشريكه ربع الكر ولا خيار له في ذلك لان مبنى البيع على الاستقصاء فيصير هو بطريق البيع كالمستوفى بجميع نصيبه لشريكه نصفه ولان البيع عقد ضمان فيصلح أن يكون موجبا لشريكه عليه ضمان نصف نصيبه والصلح عقد تبرع فلا يكون موجبا للضمان على المتبرع الا أن يلتزم ذلك باختياره ثم في الشراء إذا رجع بربع الكر فما بقي في ذمة المطلوب وذلك نصف الكر يكون مشتركا بينهما كما لو قبض أحدهما نصيبه وشاركه الآخر فيه ولو كان عبد بين رجلين باع أحدهما نصيبه من رجل بخمسأئة وباع الآخر نصيبه منه بخسمائة وكتبا عليه صكا واحدا بألف ثم قبض أحدهما منه شيئا لم يكن للآخر أن يشاركه فيه لان نصيب كل واحد منهما وجب على المطلوب بسبب آخر فلا نثبت الشركة بينهما باتحاد الصلك كما لو أقرضة كل واحد منهما خمسمائة وكتبا بالالف صكا واحدا وكذلك لو باعاه صفقة واحده على أن نصيب فلان منه مائة لان تفرق التسمية في حق البائعين كتفرق الصفقة بدليل أن للمشترى أن لا يقبل البيع في نصيب أحدهما وكذلك لو اشترط أحدهما أن نصيبه خمسمائه بخية وشرط الآخر خمسمائة سوداء لان التسمية تفرقت ويغنى نصيب أحدهما عن نصيب الآخر وصفا فأما إذا باعاه صفقة واحدة بثمن واحد فأيهما قبض من ذلك شيئا شركة الاخر فيه لانه دين وجب لهما بسبب واحد بدلا عما هو مشرك بينهما فلا يقبض أحدهما شيئا الا بشركة الآخر لان المقبوض إما أن يكون عين ما كان في الذمة أو بدلا عنه وحكم البدل حكم المبدل ولو كان لرجلين على رجل ألف درهم بخية فصالحه أحدهما من نصيبه على خمسمائة زيوف أو على خمسمائة سود كان لشريكه أن يأخذ منه نصفها لان ثبوت حق المشاركة له باعتبار قبضه فانما ينظر إلى صفة المقبوض فيشاركه فيه ويأخذ منه نصفه وهذا لان المستوفى انما وصل إلى حقه لانه تجوز بدون حقه فعل الآخر أن يتجوز به إذا أراد مشاركته لان مشاركته لا تكون الا بعد رضاه بقبضه وعند الرضا يصير كأنهما قبضا ذلك وإذا كان لرجلين على رجل كر حنطة فصالحه

[ 42 ] أحدهما عن نصيبه على كر شعير وقبضه وأعطى شريكه ربع كر حنطة ثم وجد بالشعير عيبا ينقصه العشر وقد حدث به عنده عيب آخر فانه يرجع بنصف عشر كر حنطة وهو حصة العيب فيكون ذلك له خاصه لانه غرم بدل هذا المقبوض لشريكه فان هذا المقبوض بدل عن هذا الجزء الفائت بالعيت وقد غرم لشريكه حصة ذلك فيكون له خاصة وإذا اشترى الرجل من الرجل ثوبا بفرق بثمن جيد بغير عينه ثم صالحه من الثمن على فرق زيت ودفعه إليه في المجلس جاز لان الموزون بمقابلة الثوب يستحق ثمنا إذا كان بغير عينه والاستبدال قبل القبض جائز وإذا تعين في المجلس بالقبض فهو كالمعين عند العقد وإذا صالح الرجل الرجل من دعواه على كر حنطة وسط ثم صالحه من ذلك الكر على كر شعير بغير عينه وافترقا قبل القبض لم يجز لانه دين بدين ولو كان الشعير بعينه جاز لان الافتراق حصل عن عين بدين وذلك جائز فيما سوى عقد الصرف ولو كان لرجلين على رجل ألف درهم لاحدهما ومائة دينار للآخر فصالحاه من ذلك كله على ألف درهم وقبضا لم يجز بخلاف ما إذا كان المال لواحد فهناك يصير مبرئا من أحد المالين مستوفيا للآخر فأمكن تصحيح العقد بطريق الاسقاط وهنا لا يتأتى ذلك لانهما صالحاه على أن يكون الالف لهما فلو أجزنا ذلك قسمنا الدراهم بينهما على ألف درهم ومائة دينار فيكون الالف درهم بأقل من ألف درهم وذلك ربا وكذلك لو كان لاحدهما عليه كر حنطة وللآخر كر شعير قرض فصالحاه على كر حنطة فهو باطل لانا لو جوزناه لم يكن بد من قسمة المقبوض على قيمة كر حنطة وقيمة كر شعير بينهما وقبضت الحنطة دون كيلها وذلك ربا ولو صالحاه على مائة درهم وقبضاها قبل أن يتفرقا جاز وتقسم المائة بينهما على قيمة الحنطة والشعير لانهما كالبائعين منه الحنطة والشعير بمائة درهم والبدل يقسم على قيمة المبدل ولو كان لرجلين على امرأة ألف درهم فتزوجها أحدهما على حصة منها فهو جائز ولا يرجع صاحبه عليه بشئ لانه لم يقبض بحصته شيئا مقبوضا يقبل الشركة فانه يملك به البضع والبضع ليس بمال متقوم ولا يكون مضمونا على أحد فلا يقبل الشركة فهو كالجناية التى تقدمت وروى بشير عن أبى يوسف رحمه الله ان للآخر أن يشاركه فيضمنه نصف نصيبه من الدين لان النكاح انما ينعقد بمثل تلك الخمسمائة والصداق لا يجب بالعقد ويكون مالا متقوما ثم يصير الزوج مستوفيا لنصيبه من الدين بطريق المقاصة لان آخر الدينين دين المرأة فتصير هي قاضية به نصيب الزوج من الدين

[ 43 ] وكذلك لو كان لامرأتين على زوج احداهما ألف درهم فاختلعت منه فليس للآخرى ان ترجع عليها بشئ لانها لم تقبض شيئا ولو كان تزوجها أحدهما على خمسمائة ثم قاصها بحصته من الالف أو لم يقاصها رجع عليه شريكه بمائتين وخمسين لانه صار مستوفيا نصيبه بطريق المقاصة ثم تتبع ابنها بخمسمائه ولو طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بمائتين وخمسين لتنصف الصداق بالطلاق قبل الدخول ويتبعانها بخمسامة أيضا فيكون عليها سبعمائة وخمسون فما خرج من ذلك كان بينهما على حساب ذلك أثلاثا ولو كان لرجلين على رجل ألف درهم فقال له أحدهما قد برئت إلى من خمسمائة فهذا اقرار بالقبض ولشريكه أن يأخذه بنصفها لانه قد أقر ببراءته بفعل مبتدا بالمطلوب متحتم بالطالب وذلك بطريق الايفاء فكان هذا واقراره باستيفاء نصيبه سواء وكذلك لو استأجر منه أحدهما دارا بحصته منها وسكنها فهو بمنزلة القبض أو استأجر بنصيبه عبد للخدمة أو ارضا للزراعة لان المنافع مال في حكم العقد وهى بالاستيفاء تدخل في ضمان المستأجر بمنزلة المشترى ولو اشترى أحدهما بنصيبه شيئا كان ذلك بمنزلة القبض وللآخر أن يرجع عليه بنصف نصيبة فكذا هذا وروى ابن سماعة عن محمد رحمه الله أنه قال هذا إذا استأجر أحدهما بخمسمائة ثم أصاب قصاصا بنصيبه فأما إذا استأجر بحصته من الدين لم يكن للآخر أن يرجع عليه بشئ وجعل هذا بمنزلة النكاح لان المنفعة ليست بمال مطلق فإذا كان بدل نصيبه المنفعة لا يضمن باعتباره مالا مطلقا لشريكه والله تعالى أعلم بالصواب * (باب الصلح في السلم) * (قال رحمه الله) وإذا صالح الرجل من السلم على ماله لم ينبغ له أن يشترى به شيئا حتى يقبضه عندنا وقال زفر رحمه الله لا يشترط ذلك لانه ليس له وجه رده بسبب القبض فيجوز الاستبدال به كالمغصوب والمستقرض وهذا لان اقالة السلم فسخ وليس بعقد مبتدأ بينهما بدليل أن لا يستحق قبض رأس المال في المجلس والدين بالدين حرام فإذا كان فسخا وجب رد رأس المال بسبب القبض لا بسبب عقد السلم ولكنا نقول قد ثبت بالنص ان رب السلم ممنوع شرعا من أن يأخذ غير رأس المال وغير المسلم فيه فلو جوزنا الاستبدال بعد الاقالة أدى إلى ذلك وانما لا يجوز الاستبدال بالمسلم فيه قبل الاقالة بهذا المعنى لما فيه من تفويت

[ 44 ] القبض المستحق بالعقد فالابراء عن المسلم فيه يصح بالاتفاق وهذا المعنى موجود في الاستبدال برأس المال بعد الاقالة فيكون ذلك فاسدا شرعا فان كان رأس مال السلم عوضا فصالح عليه ثم هلك قبل أن يقبضه فعلى السلم فيه قيمته لان الاقالة لا تنقض بهلاك رأس المال قبل الفسخ فان اقالة السلم بعد ما صح لا تحتمل الفسخ لان المسلم فيه كان دينا وقد سقط بالاقالة والساقط متلاش لا يتصور عوده ولهذا لو أراد فسخ الاقالة لم يملكها ولو اختلفا في رأس المال بعد الاقالة لم يتخالفا فإذا ثبت أن الاقالة باقية بعد هلاك العوض قلنا تعذر رد العين مع بقاء السبب الموجب للرد فتجب قيمته كالمغصوب وكذلك لو هلك قبل أن يتناقض السلم لان مالا يمنع بقاء الاقالة لا يمنع ابتداء الاقالة وهذا لان السلم في حكم بيع المعاوضة فان المسلم فيه بيع وهو قائم بمحله بعد هلاك رأس المال وهلاك أحد العوضين في المعاوضة لا يمنع الاقالة ابتداء وبقاء فان كان للسلم كفيل يبرأ الكفيل حين وقع الصلح على رأس المال لان الاصيل برئ عن المسلم فيه لانه لو كان بدلا عنه لم تصح الاقالة فان مبادلة الدين بالدين حرام لكنه دين اخر لزم الاصيل ولم يكفل به الكفيل ولا يجوز الصلح من السلم على جنس آخر سوى رأس المال لانه استبدال بالمسلم فيه وذلك فاسد والاصل فيه حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبي الله ﷺ قال إذا أسلمت في شئ فلا تصرفه في غيره ولو كان السلم كر حنطة فصالحه منه على نصف كر حنطة على أن أبراه مما بقى جاز لان هذا حط ولا ابراء عن جميع المسلم فيه صحيح في ظاهر الرواية لانه دين لا يستحق قبضه في المجلس وقد بيناه في البيوع فكذلك الابراء عن بعضه وكذلك لو كان السلم كر حنطة جيدة فصالحه على كر ردئ إلى شهر لان رب السلم تبرع بالتاجيل بعد ما حل حقه وتجوز بدون حقه أيضا وذلك مندوب إليه قال ﷺ لصاحب الدين أحسن إلى الشريك ولو كان السلم كر حنطة رديئة فصالحه على كر جيدة على أن يزيدة رب السلم درهما في رأس المال لم يجز ذلك في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وجاز في قول أبى يوسف رحمه الله إذا نقده الدراهم قبل أن يتفرقا وقد بينا هذه الفصول في كتاب البيوع في الحط والزيادة في المكيل والموزون والمذروع الا أن قول أبى يوسف رحمه الله لم يذكر في كتاب البيوع وانما ذكر هنا فأما المسائل فهى التي ذكرناها في البيوع أعادها هنا ولو كان المسلم فيه كر حنطة إلى أجل والثمن دراهم أو شئ بغير عينه فاصطلحا على ان زاده الذى عليه السلام نصف كر

[ 45 ] حنطة إلى ذلك الاجل لم تجز الزيادة لانها لو جازت كانت برأس مال دين يبتدئ عقد السلم برأس مال هو دين لا يجوز فكذلك الزيادة ولهذا لم تجز الزيادة في الثمن بعد هلاك المبيع اعتبار الحالة الزيادة بحالة ابتداء العقد وعلى المسلم إليه أن يرد ثلث رأس المال إلى رب السلم وعليه كر حنطة تام في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله ليس عليه رد شئ من رأس المال لانه ما حط شيئا من رأس المال انما زاده في المسلم فيه ولم تثبت تلك الزيادة فبقي جميع رأس المال بمقابلة الكر والعقد في جميع الكر باق فلا يجب رد شئ من رأس المال وأبو حنيفة رحمه الله يقول الزيادة في المعقود عليه حال قيام العقد وبقاء المعقود عليه صحيح كما في بيع العين وانما تعذر اثبات الزيادة هنا لانه دين بدين فإذا لم تثبت الزيادة في المسلم فيه باعتبار هذا المعين وجب رد الدين الذى بمقابلة هذا لانه لو ثبتت هذه الزيادة ألحقت بأصل العقد ويصير كأنه أسلم عشرة دراهم في كر حنطة ونصف ثم أبطلا العقد في نصف الكر فيجب رد حصته من رأس المال وهو الثلث واقدامه على هذه الزيادة اخراج الثلث من رأس المال حتى يكون بمقابلة الكر فإذا لم يكن جعله بمقابلة نصف الكر جعل حطا ليحصل مقصوده وهو اخراج الغبن من العقد وادخال الرخص فيه وهذه المسأله نظير ما ذكرنا في العتاق فيما إذا قال لعبده وهو أكبر سنا منه هذا ابني لم يعتق عندهما لان ما صرح به صار لغوا لم يثبت به شئ آخر وعند أبى حنيفة رحمه الله يجعل ذلك عبارة عن الاقرار بالعتق مجازا فهنا أيضا تحصيل الزيادة في المسلم فيه عبارة عن حق حصته من رأس المال فجاز وان كان السلم عشرة دراهم في رأس المال جاز لان المعقود عليه قائم في الذمة فتجوز الزيادة في السلم ملتحقة بأصل العقد ثم مجلس الزيادة فيما زاد كمجلس العقد في رأس المال لانها وجبت في هذا المجلس فيشترط قبضها قبل ان يتفرقا فان تقرقا قبل أن يقبض العشرة بطلت حصتها من الكر كما لو كانت الزيادة مذكورة في أصل العقد فتفرقا قبل قبضها فان كان السلم ثوبا يهوديا قد حل فصالحه على نصف رأس المال وعلى أن يعطيه نصف الثوب جاز عند نا لانهما تقايلا السلم في النصف وذلك جائز اعتبارا للبعض بالكل وفيه يقول ابن عباس رضى الله عنهما ذلك المعروف الحسن الجميل فان أتاه بنصف ثوب مقطوع لم يجبر على أخذه لانه في حال قيام العقد في الكل لو أتاه بالثوب مقطوعا نصفين لم يجبر على اخذه فكدلك بعد الاقالة في النصف وهذا لان القطع في الثوب عيب فكما استحق صفة السلامة في جميع الثوب بالعقد

[ 46 ] يستحقها في النصف الذى بقى فيه العقد فلا يجبر على أخذ ثوب مقطوع ولكنه تأيد بثوب صحيح فيكون له نصفه ويكونان شريكين فيه ولو كان السلم إلى أجل فصالحه على أن يأخذ نصف رأس المال ويناقضه السلم ويعجل له نصف السلم قبل الاجل جاز النقض في نصف رأس المال ولم يجز التعجيل لان الصلح على رأس المال اقالة وقد شرط في الاقالة تعجيل النصف الآخر واسقاط المسلم إليه حقه في الاجل وهو شرط فاسد الا أن الاقالة لا تتعلق بالجائز من الشروط ولهذا لا يشترط فيها تسمية البدل فالفاسد من الشروط لا يبطلها وأما شرط التعجيل في النصف الآخر فباطل لانه مقابلة الاجل بشئ مما عاد إليه المسلم فيه أو بمنفعة حصلت له بالاقالة في النصف وذلك باطل فيكون الباقي عليه إلى أجله ولو كان أسلم كر حنطة إلى رجل فصالحه على أن زاده في الاجل شهرا على ان حط عنه من رأس المال درهما ورد عليه الدرهم لم يجز لانه مقابلة الاجل بالدرهم المردود وذلك ربا ولو كان حالا فرد عليه من رأس المال درهما على أن الكر عليه كما كان أو علي أن أخره شهرا كان جائزا أما إذا شرط أن الكر عليه كما كان فهو غير مشكل لان المسلم إليه حط درهما من رأس المال ولم يشرط لنفسه بمقابلته شيئا وانما الاشكال في قوله أو علي انه أخره شهرا فان كان المراد علي أن أخر المسلم فيه عنه شهرا فهو غلط لانه مقابلة الاجل بالدرهم الذي رده عليه وذلك ربا وان كان المراد منه على ان أخره بالدرهم المحطوط شهراط فهذا صحيح لان المحطوط واجب رده باعتبار القبض فيجوز التأجيل فيه كالمغصوب المستهلك وهو الظاهر من مراده لانه قال وكذلك لو افترقا قبل أن يقبض الدرهم فبه تبين أن المراد بيان أن المحطوط لا يجب قبضه في المجلس ويجوز التأجتل فيه وإذا اصطلحا على أن يرد عليه رأس المال وهى جارية قد ولدت عند المسلم إليه فانه يأخذ قيمتها يوم دفعها إليه لان الزيادة المفصلة متولدة من عينها ومثل هذه الزيادة تمنع فسخ العقد على العين لان الولد يبقى فضلا خاليا عن المقابلة فيكون ربا وقد بيناه في البيوع الا أن الاقالة لا تبطل بالشرط الفاسد واشتراط رد عينها بعد الولادة بشرط فاسد لا يمنع صحة الاقالة وبعد صحتها يجب رد قيمتها يوم قسطها لتعذر رد عينها وكذلك لو قتل الولد فأخذ أرشه لان قيام بدله في يده كقيام عينه وان كان الولد مات كان له أن يأخذ الجارية لان المانع كان هو الزيادة وقد فات من غير صنع أحد فصار كأن لم يكن فان كانت الولادة بقبضها كان لرب السلم الخيار ان شاء أخذها وان شاء أخذ قيمتها يوم دفعها بمنزلة

[ 47 ] ما لو تعيبت عنده بعيب آخر وهذا لان تعذر الرد بعد النقصان فحق رب السلم فإذا رضي به جاز رده فأما بعد الزيادة بعد الرد فحق الشرع وهو معنى الربا فلا يسقط ذلك برضا رب السلم بها ولو لم تكن ولدت ولكنه جنى عليها فاخذ أرش الجناية لم يكن لرب السلم الا قيمتها لان الارش بدل جزء من عينها فهو بمنزلة الزيادة المنفصلة المتولدة من العين ولو كان المسلم إليه باعها لرب السلم ثم صالحه على رأس المال فعلى المسلم إليه قيمتها يوم قبضها بمنزلة ما لو باعها من غيره وكذلك لو وهبها له على عوض فالهبة بشرط العوض بعد التقابض كالبيع وان وهبها بغير عوض ففى القياس كذلك بمنزلة ما لو وهبها من غيره وفى الاستحسان لا يرجع بشئ لان ما هو المقصود له عند الاقالة قد حصل له قبل الاقالة وهو عود رأس المال إليه مجانا فلا يستوجب عند الاقالة شيئا آخر كمن عليه الدين المؤجل إذا اجل ثم حل الاجل بخلاف البيع فهناك لم يحصل مقصوده لان رأس المال ما يسلم له الا بعوض غرمه من ماله وهذا نظير ما بيناه في الصداق إذا كان عينا فوهبته للزوج ثم طلقها قبل أن يدخل بها وإذا كان السلم حنطة رأس مالها مائة درهم فصالحه على أن يرد عليه مائتي درهم أو مائة وخمسين درهما لم يجز لان هذا استبدال وليس باقالة فانه يسمى فيه ما لم يكن مذكورا في العقد والصلح انما يكون اقالة إذا كان على رأس المال فإذا كان على شئ آخر فهو استبدال والاستبدال بالمسلم فيه باطل وان صالحه على مائة درهم من رأس ماله فهو جائز لان حرف من هنا صلة فيبقى الصلح علي مائه درهم رأس ماله وذلك اقالة وكذلك ان قال خمسين درهما من رأس مالك فهو جائز لانه لم يذكر فيه ما لم يكن مستحقا بالعقد فيكون اقالة فان قال مائتي درهم من رأس مالك فهو باطل لان رأس المال دون المائتين فحين ذكر في الصلح ما لم يكن مذكورا في العقد كان ذلك استبدالا للمسلم فيه وإذا كان بعض ما هو مذكور في العقد فهو اقالة صحيحة وشرط ترك بعض رأس لمال له باطل والاقالة لا تبطل بالشرط الفاسد وإذا سلم الرجل إلى رجل ثوبا في كر حنطة وفيه المسلم إليه ثم ان المسلم إليه سلم ذلك الثوب إلى آخر ثم صالحه الاول على رأس المال ثم صالح الثاني الثالث على رأس ماله فرد عليه الثوب لم يرده على الاول ويأخذ منه الاول قيمته لان الاول صالحه على رأس المال والثوب خارج عن ملكه فيجب عليه بهذا الصلح رد قيمته ثم عاد إليه الثوب بملك مستقبل في حق الاول على ما عرف على أن الاقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما وفى حق الاول عاد الثوب بملك

[ 48 ] مستقبل فلهذا يأخد قيمته ولا سبيل له على عينه كما لو اشتراه الثاني من الثالث فان اصطلحا كان له ذلك لان رأس ماله بعينه وهو عائد إليه بطريق الفسخ في حقه وانما جعل الاقالة بمنزلة البيع الجديد في حق غيره لدفع الضرر فإذا وقع التراضي عليه فقد اندفع الضرر فهذا لان الاستبدال انما لا يجوز لما فيه من أخذ رأس المال وغيره المسلم وذلك لا يوجد هنا فانما ياخذ رأس ماله بعينه وان كان عوده إليه بحكم ملك جديد وهذا لان الاقالة فسخ في حق المتعاقدين لتراضيهما عليه وإذا رضى الاول بذلك كان فسخا في حقه أيضا وهذا بخلاف ما إذا قضى القاضى له بالقيمة قبل أن يصالح الثاني مع الشك لان حقه هناك تقرر في القيمة بقضاء القاضى فلا يعود في العين بعد ذلك وان قدر على رده وفى الاول لم يتقرر حقه في القيمة بقضاء القاضى فيعود التعين إذا وقع التراضي عليه كما في المغصوب الآبق إذا عاد لان هناك بعد قضاء القاضى لو اصطلح على أخذ العبد جاز بطريق انه بدل عن القيمة التى قضى بها القاضى وهنا لا يجوز لان القمية التى قضي بها القاضى رأس مال السلم والاستبدال برأس المال بعد الاقالة لا يجوز بالتراضى وكذلك لو كان الاوسط قبل الثوب بغير حكم بعيب بعد الصلح الاول أو قبله لان قبوله بالعيب حكم بمنزله الاقاله ولو رد عليه بعيب بقضاء قاض ثم ناقض الاقل رده بعنيه لان الرد بقضاء القاضى فسخ من الاجل أعاد إليه الثوب على الملك الذى كان له قبل ملك الثاني فهو وما لو صالح الاول على رأس المال قبل العقد الثاني سواء ولو كان ناقضة السلم قبل أن يرد عليه الثوب فقضى له بقيمته ثم رد الثوب عليه بعيب بقضاء القاضى كان عليه قيمته بسبب المنافضة لان القيمة تقررت عليه بقضاء القاضى فلا يسقط عنه بعود رأس المال إليه بعد ذلك على أي وجه عاد ولكن الثوب رد عليه بالعيب بسبب هو فسخ من الاصل فيكون له ان يرده بالعيب على بائعه ويأخذه قيمته وانما رده بالعيب لدفع الضرر عنه وأخذ القيمة لان مناقض السلم عقد الرد فبطل ولما صار رأس المال هو القيمة التى قبضها بقى هنا الثوب ثوبا بنسفه أن يسلم إليه على رد السلم وقد تعذر رده إليه سليما فيلزمه قيمته كما في الصداق إذا رد بعيب فاحش يؤخذ قيمته من الزواج ولو كان وهبه ثم اشتراه أو ورثه ثم أقاله السلم كان عليه قيمة الثوب لانه عاد إليه الثوب بملك متجدد بالشراء وفى الوراثة كذلك لان الوراث يخلف المورث في الملك والملك الذى كان للمورث كان ملكا متجددا سوى المستفاد بعقد السلم فيخلفه الوارث في ذلك الملك واختلاف سبب الملك باختلاف العين لانه

[ 49 ] عاد إليه عين آخر فلهذا لزمه عند الاقالة قيمة الثوب ولو رجع في الهبة ثم ناقضه السلم رد عليه بعينه لان الرجوع فسخ الهبة سواء حصل بقضاء أو بغير قضاء وانما يعود إليه الملك الذى كان قبل الهبة وإذا مات رب السلم أو المسلم إليه ثم صالح الحي الوارث وماتا جميعا صالح الوارث على رأس المال جاز لان الوارث خلف المورث فيما كان له والصلح على رأس المال اقالة تستفاد بملك دون العقد (ألا ترى) أن الوكيل بالشراء لا يملك الاقالة بعد الشراء والموكل يملكها لان الملك له فإذا كان الوراث قائما مقام المورث في الملك قام مقامه في الاقالة أيضا وإذا صالح رب السلم المسلم إليه على أن يرد عليه رأس المال وبعض المسلم فيه لم يجز لان هذا استبدال للمسلم فيه فان بمقابلة نصف المسلم فيه نصف رأس المال وهو قد صالحه على أن يرد عليه بمقابلة نصف المسلم فيه جميع رأس المال فيكون هذا استبدالا وذلك باطل ولو كان رأس المال ثوبا فصالحه على أن ابراه عن الطعام علي أن يرد عليه رب السلم خمسة دراهم فهذا باطل أيضا لان المسلم فيه يأخذ الخمس أيضا بغير شئ أعطاه اياه فان الطعام قد سقط عنه كله ومثل هذا يكون ربا وإذا كان رأس المال عرضا فصالحه فباعه المسلم إليه من رب السلم بطعام مثل طعامه أو أكثر جاز وان رب السلم بائع لذلك العرض وقد اشترى بعد السلم بمثل ما باعه أو باكثر وذلك جائز وان باعه بأقل لم يجز لانه اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد السلم وهو المسلم فيه فغير جائز لانه استرباح على ما لم يدخل في ضمانه وقد بيناه في البيوع وكذلك لو كان ذلك بطريقة الصلح وإذا كان رأس المال شاة فأصاب المسلم إليه من لبنها وصوفها وسمنها ثم صالحه على رأس المال جاز وعليه ثمنها لمكان الزيادة المتولدة من العين كما في الولد الذى قد منا قال الا أن يرضى رب السلم أن يأخذه الشاة بعينها ومراده إذا لم تكن الزيادة قائمة ولكن المسلم إليه هنا استهلكها فان لم يجب عليه عوض بالاستهلاك فيكون هذا بمنزلة تفويته جزأ من عينها وذلك يمنع رد عينها بعد الاقالة الا أن يرضى به رب السلم فهذا مثله وكذلك لو كان نخلا فأكل من ثمرتة بخلاف الولد الذى أعتقه فهناك ولاء الولد باق له والولاء أثر من آثار الملك فيكون بقاؤه كبقاء ملكه في الولد فيمنع رد عينها وان رضى رب السلم بها رهنا بعد الاستهلاك لم يبق شئ من الزيادة فوزان هذا من ذلك أنه لو قتل الولد ولو كان عبدا فأكل من غلته ثم صالحه على رأس المال كان عليه أن يرد العبد ولا يرد الغلة لان الغلة ليست متولدة من العين وقد بينا الفرق بينها وبين الزيادة في البيوع قال فإذا كان

[ 50 ] السلم فاسدا فلا بأس بأن يشترى برأس ماله ما يشاء يدا بيد كما يشترى بالعرض لان المسلم فيه مع فساد العقد غير مستحق فما بقي من رأس المال لا يكون بدلا من المسلم فيه ولا هو مستحق بقيمة السلم انما هو بمنزلة قرض أقرضة والاستبدال ببدل القرض جائز بخلاف الاستبدال برأس المال بعد الاقالة في باب السلم لان المقبوض كان مستحقا بعقد القبض وكان السلم بدلا عن المسلم فيه فلا يجوز الاستبدال فيه بعد الفسخ كما لا يجوز الاستبدال في المسلم فيه ولا برأس المال قبل الفسخ وإذا كان للمتفاوضين سلم على رجل فصالحه أحدهما على رأس المال جاز لان الاقالة من صنع التجار وأحد المتفاوضين في صنع التجار قائم مقام صاحبه وكذلك شركاء العنان لان الصلح عن المسلم فيه على رأس المال اقالة وأحد الشريكين يملك ذلك في حق شريكه كما في الاقالة في بيع العين لو اشتريا عبدا ثم أقال أحدهما المبيع من البائع جاز ذلك على شريكه لان أكثر ما فيه أن الاقالة بمنزلة بيع جديد وكل واحد من الشريكين يملك ذلك وكذلك يملك الاقالة والصلح على رأس المال في السلم ولو أمر رجل رجلا فأسلم له في كر حنطة ثم صالح الذى ولى السلم على رأس المال جاز عليه ويضمن كر سلم للآمر في قول أبى حنيفة وفى قول أبى يوسف رحمهما الله لا يجوز صلحه على رأس المال وقد بينا هذا في البيوع أن الوكيل بالسلم إذا أبرأ المسلم عليه جاز في قولهما وكان للآمر مثل طعامه وفى قول أبى يوسف رحمه الله لا يجوز وكذلك إذا أبرأه لا بطريق الصلح على رأس المال وهذا بخلاف الوكيل بالشراء إذا أقال البيع لان المشترى هناك صار مملوكا للموكل بعينه واقالة الوكيل تصادف محلا هو حق غيره بغير أمره فأما المسلم فيه فهو دين واجب بالعقد والعاقد فيه لغيره كالعاقد لنفسه (ألا ترى) أن حق القبض إليه على وجه لا يملك الموكل عزله عنه والدين في الذمة ليس الا حق المطالبة بالسلم فتصرفه من حيث الاقالة اسقاط لذلك وهو حق الوكيل فلهذا صح ولكن إذا قبضه تعين المقبوض ملكا للآمر فإذا أقره عليه كان ضامنا له مثله ولو كان الآمر هو الذى صالح المطلوب على رأس المال وقبضه جاز بمنزلة ما لو أبرأه لا بطريق الصلح وهذا لانه يصير المقبوض ملكا له بالقبض وقد بينا أن ملك الاقالة باعتبار ملك المعقود عليه وباعتبار المال ملك المعقود له عليه فان المقبوض في عقد السلم عين ما تناوله العقد لا غيره فلهذا صحت الاقالة عن الموكل فصار الحاصل ان الاعتبار حال الدينية هو حق الوكيل لانه مختص بالمطالبة والقبض وباعتبار حال العينة هو حق الموكل فتصح الاقالة

[ 51 ] والابراء من كل واحد منهما باعتبار أن تصرفه محلا هو حقه وإذا أسلم رجلان عشره دراهم في كر حنطة فنقد هذا من عنده خمسة وهذا من عنده خمسه ولم يخلطا العشرة ثم صالح أحدهما على رأس ماله وأخذه فهو جائز ولا يشركه الآخر فيه في قول أبى يوسف رحمه الله لان أصل رأس المال لم يكن مشتركا بينهما ولم يذكر قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله في هذا الكتاب وقد ذكر في كتاب البيوع أن الصلح من أحد ربى السلم يتوقف على اجازة الآخر عندهما فمن أصحابنا رحمهم الله من يقول هذا على الخلاف أيضا إذ لا فرق بين أن يكون رأس المال الذى نقداه مختلطا أو غير مختلط ومنهم ممن يقول بل جوابها هنا كجواب أبى يوسف رحمه الله وهذا لاختلاف الطرق لهما في تلك المسألة فعلى الطريق الذى قلنا ان وجوب المسلم فيه باعتبار عقدهما وكل واحد منهما فيه كشطر العلة الجواب في الفصلين واحد وعلى الطريق الذى قلنا ان تجويز صلح أحدهما يؤدى إلى أن يبطل حق رب السلم عن المسلم فيه ويتقرر في رأس المال ثم يعود في المسلم فيه هذا الجواب قولهم جميعا لان ذلك انما يتحقق باعتبار مشاركة الساكت مع المصالح في المقبوض وليس له حق المشاركة هنا إذا لم يكن بنيهما شركة فيما نقدا من رأس المال ولو لم ياخذه من رأس المال وقبض شيئا من السلم شاركه صاحبه فيه لان طعام السلم وجب بالعقد مشتركا بينهما والعقد صفقة واحدة فيشارك أحدهما صاحبه فيما يقبض من الدين المشترك وإذا أسلم الذميان إلى ذمى في خمر ثم أسلم أحدهما بطلت حصته من السلم ورجع إليه رأس ماله لان اسلامه يمنعه من قبض الخمر بحكم السلم (ألا ترى) أن الخمر لو كانت مبيعا عينا بطل العقد بالاسلامه قبل القبض فإذا كانت مملوكة بالعقد دينا أولى فان صالح من رأس ماله على طعام بعينه أو إلى أجل لم يجز لان أصل السلم كان صحيحا فانما عاد إليه رأس المال بعد صحة السلم ببطلان العقد فهو بمنزلة ما لو عاد إليه بالاقالة وقد بينا أن الاستبدال بالمال بعد الاقالة لا يجوز ولو ترى لنصراني مال من هذا السلم كان له أن يشارك المسلم فيما قبض من رأس المال لان أصل رأس المال كان مشتركا بينهما وقد عاد إلى أحدهما بصفة بطريق لا يمكن رده وهو الاسلام فيكون للاخر حق المشاركة معه في المقبوض إذا توى ماله على المسلم إليه من الخمر لان سلامة المقبوض له كانت بشرط أن يسلم ما بقى من الخمر للآخر وهو بمنزلة دين مشترك بين اثنين إذا صالح أحدهما المديون على شئ وأجاز الآخر اتباع المديون بنصيبه ثم توى ما عليه فانه يكون له أن

[ 52 ] يشارك صاحبه فيما قبض فهذا مثله ولو أعتق نصراني عبدا نصرانيا على خمر ثم أسلم أحدهما فعليه قيمة نفسه في قول أبى حنيفة رحمه الله الآخر وهو قول أبى يوسف رحمه الله وفي القول الاول وهو قول محمد رحمهما الله عليه قيمة الخمر وهذا بناء على مسألة كتاب البيوع إذا أعتق عبده على جاريه فاستحقت الجارية أو هلكت قبل التسليم لان هنا تعذر تسليم الخمر باسلام أحدهما بعد صحة التسمية فهو بمنزلة ما لو تعذر بالهلاك أو الاستخلاف والرد بالعيب قال وكذلك الخلع والنكاح والصلح عن دم العمد وقد بينا هذا في كتاب النكاح ان عند أبى يوسف رحمه الله إذا أسلم أحدهما فله مهر مثلها وعند محمد رحمه الله لها قيمة الخمر والخنزير وأبو حنيفة رحمه الله يفرق بين العين والدين والخمر والخنزير ولو أسلم نصراني خمرا إلى نصراني في حنطة وقبض الخمر ثم أسلم أحدهما لم ينتقض السلم لان الاسلام طرأ بعد قبض الحرام وانما بقى من حكم العقد قبض الحنطة والاسلام لا يمنع من ذلك ولو صالح المسلم منهما على رأس ماله لم يجز لان رأس المال خمر والمسلم ليس من أهل أن يملك الخمر بالعقد ولا بالفسخ (ألا ترى) أن نصراينا لو باع نصراينا جارية بخمر وتقابضا ثم أسلم أحدهما ثم تعاملا لم يجز فكذلك في السلم إذا صالحا على رأس المال وهذا كما لا يتملك المسلم الخمر بالعقد والفسخ لا يملك قيمتها وبه فارق ما لو هلك رأس المال ثم صالحه عليه لان هناك تصحيح الاقالة على قميتها ممكن وانها مال متقوم في حقه وهنا يتعذر تصحيح الاقالة على قيمتها لان الخمر ليست بمال متقوم في حق المسلم وإذا أسلم نصراني إلى نصراني خنزيرا في خمر وقبض الخنزير واستهلكه ثم أسلم أحدهما انتقض السلم لان الحرام مملوك بالعقد غير مقبوض حين طرأ الاسلام وعليه قيمة الخنزير لان ليس من ذوات الامثال وحين استهلكه كان هو مالا متقوما في حقهما فيحول حكم رأس المال إلى قيمته (ألا ترى) أنهما لو تقايلا قبل الاسلام وجب رد قيمة الخنزير وكذلك إذا أسلم أحدهما حين انتقض به السلم بخلاف الاول فان الخمر من ذوات الامثال ولو استهلكها ثم تقايلا قبل الاسلام كان الواجب الرد مثل تلك الخمر والاسلام يمنع استحقاق تلك أو قيمتها بالاقالة للمسلم وإذا صالح الكفيل بالسلم الطالب من السلم على ثوب والسلم حنطة لم يجز لان رب السلم بهذا الصلح يصير مملكا الحنطة من الكفيل بالثوب وإذا كان تمليك المسلم فيه من المسلم إليه بعوض لا يجوز فمن غيره أولى ثم هذا على قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ظاهر لانه لو صالح الكفيل على رأس

[ 53 ] المال لم يجز عندهما فإذا صالحه على شئ آخر أولى وعند أبى يوسف رحمه الله يجوز صلحه مع الكفيل على رأس المال لانه قائم مقام المسلم إليه مطلوب بطعام السلم كالمسلم إليه وصلحه مع المسلم إليه على غير رأس المال يكون استبدالا ويكون باطلا فكذلك صلحه مع الكفيل ولو صالح الكفيل رب السلم على أن زاده رب السلم درهما في رأس المال وقبضه لم يجز لان أصل الطعام المسلم في المسلم إليه والكفيل مطالب به فلا يمكن اثبات هذه الزيادة على أن يملكها المسلم إليه لانه ليس لاحد ولاية ادخال الشئ في ملكه من غير رضاه ولان رب السلم ما أوجب له الزيادة انما أوجبها للكفيل ولا يمكن اثباتها للكفيل لان الزيادة ملحقة بأصل العقد وبأصل العقد لا يجوز أن يملك شيئا من رأس المال بالشرط ممن لا يجب عليه شئ من أصل طعام السلم وليس في ذمة الكفيل شئ من أصل طعام السلم فلهذا لا تثبت الزيادة على الكفيل أن يرد الدراهم ولان الزيادة تثبت على أن يتغير بها وصف العقد والكفيل ليس بعاقد فلا يملك التصرف في وصف العقد وهو دليل أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله في أن الكفيل لا يملك الصلح على رأس المال لان ذلك فسخ للعقد وإذا عقد لم يكن إليه تغيير وصف العقد فلا يكون له ولاية فسخ العقد بطريق الاولى ولو قال الطالب للكفيل قد أغلى على السلم فزاده الكفيل مختوم حنطة في السلم لم يجز ذلك كما لو زاده المسلم إليه ولم يحط به شئ من رأس المال لان الكفيل لا يملك حط شئ من رأس المال فان رأس المال صار متحققا للمسلم إليه وليس إلى الكفيل ولاية اسقاط حقه وقد بينا أن الكفالة بطعام السلم لا نمس رأس المال فلهذا لم يثبت حط شئ من رأس المال بزيادة الكفيل في طعام السلم ولو زاد رب السلم درهما على أن زاده الكفيل مختوم حنطة لم يجز ذلك أيضا لان كل واحد منهما على الانفراد لا يمكن تصحيحه ولا يمكن ان يجعل هذا ابتداء اسلام الدراهم في مختوم حنطة من الكفيل لانهما ذكرا ذلك على وجه الزيادة والزيادة تتبع الاصل فلو جعلنا هذا سلما مبتدأ كان أصلا لا زيادة فيكون غير ما أوجباه وذلك لا يجوز ولو كان السلم ثوبا مرويا فأعطاه الكفيل ثوبا أجود منه أو أطول منه على أن زاده رب السلم درهما لم يجز لان الزيادة لا يمكن اثباتها على سبيل الالتحاق بأصل العقد لما قلنا ولا يمكن اثباتها بمقابلة الجودة أو زيادة الزرع لان رب السلم التزمها بيعا لا مقصودا بالمعاوضة وكذلك لو أعطاه ثوبا فرد على الكفيل درهما لم يجز لان الكفيل لم يبابعه بشئ ولم يستحق عليه شيئا من المال فلا يمكن أن يجعل ذلك

[ 54 ] حطا في حق الكفيل ولو كان السلم طعاما فأعطاه الكفيل طعاما فيه عيب على أن يرد عليه درهما مع ذلك لم يجز لان هذا مع الاصيل لا يجوز على ما بينا أن اقالة العقد في الوصف فكيف يجوز مع الكفيل ولو أعطاه طعاما فيه عيب وتجوز به رجع الكفيل على المكفول عنه بمثل ما كفل به لان بعقد الكفالة وجب للطالب على الكفيل وللكفيل على المطلوب حق مؤجل إلى أن يقضى عنه ما التزمه وقد فعل ذلك حين أعطاه جنس حقه وتجوز هو بالعيب فيه فيرجع على المكفول عنه بمثل ما كفل به ولو أو فشاه الكفيل السلم في غير الموضع الذى شرط فقبله كان له أن يرجع به على الاصيل في موضع الشرط لانه استحق بالكفالة عليه مثل ما التزم وماله حمل ومؤنة تختلف ماليته باختلاف المكان فقبول رب السلم منه في غير الموضع المشروط بمنزلة قبوله المعيب فيكون له أن يطالب الاصيل بما استوجبه عليه بالكفالة وهو التسليم في الموضع المشروط ولو صالحه الكفيل على أن يعطيه السلم في غير موضعه ويعطيه الاجر إلى ذلك الموضع لم يجز الصلح ويرد الاجر ويرد الطعام حتى يوفيه عند الشرط كما لو كان هذا الصلح مع الاصيل وقد بيناه في البيوع ولو كان شرط عليه أن يوفيه اياه بالسواد فصالحه على أن يعطيه بالكوفة ويأخذ له كذا من الاجر لم يجز ذلك ويرجع عليه بذلك ان كان دفعه كما لو صالح مع الاصيل على ذلك وهذا لانه يأخذ المسلم فيه مع الزيادة وتلك الزيادة خاليه عن المقابلة وإذا صالح الذى عليه أصل السلم الكفيل من الطعام على دراهم أو شعير أو ثوب فهو جائز لان ما استوجبه على المسلم إليه ليس بمستحق له بعقد السلم بل بعقد الكفالة والكفيل بالكفالة والاداء يصير كالمقرض لما أدى إلى المسلم إليه والاستبدال ببدل القرض وبالدين الواجب بغير عقد السلم صحيح ثم ان كان صلحه بعد الاداء فهو ضامن وان كان قبل الاداء فان أدى الطعام إلى الطالب برئا جميعا لحصول مقصود المطلوب وهو براءة ذمته بأداء الكفيل ولو أداه المكفول عنه رجع على الكفيل لان مقصود المسلم لم يحصل حين احتاج إلى أداء طعام السلم من ماله والكفيل بمنزلة المشترى منه لما أخذه ثم المقاصة بينهما انما استوجب به الرجوع فيه فإذا أداه من مال نفسه لم تقع المقاصة فكان له أن يرجع على الكفيل به الا أن يشاء الكفيل أن يرد عليه ما أخذه به منه لانه أخذ بطريق الصلح وهو مبنى على التجوز بدون الحق وقد بينا نظيره في سائر الديون وإذا أسلم عشرة دراهم إلى رجل في كر حنطة إلى أجل وقبضها ثم مرض رب السلم وحل الطعام وهو

[ 55 ] يساوى عشرين درهما فتقايلا السلم ثم مات المريض ولا مال له غيره فان الاقالة تجوز في ثلث الكر ويرد على الورثة ثلثى رأس المال وثلث الطعام ولان المريض بالاقالة حابى بنصف ماله ولا يمكن تصحيح المحاباة فيما زاد على الثلث ولا وجه لا زالة المحاباة في الزيادة بأن يغرم ذلك المسلم إليه من ماله لان فيه عود الزيادة على رأس المال من رب السلم بطريق الاقالة وذلك لا يجوز ولا وجه إلى ابطال الاقالة لان اقالة السلم لا يحتمل التبعيض فيتعين الاطلاق الذى قلنا وهو تصحيح الاقالة في ثلثى الكر وابطالها في الثلث لانه لو كان للمريض سوى هذا عشرة دراهم لكانت الاقالة تصح في الكل فانه يسلم للورثة عشرون درهما والمحاباة بقدر عشره فيقسم الثلث والثلثان فالسبيل فيه أن نضم ما عدمنا إلى الموجود ثم ننظر إلى ما عدمنا انه كم هو من الجمله فتبطل الاقالة بقدره والعشرة التى عدمنا من الجملة الثلث فنبطل الاقالة في ثلث الكر ونجوزها في ثلثى الكر بثلثي رأس المال فيحصل للورثة ثلث كر قيمتة ستة وثلثان وثلثا رأس المال ستة وثلثان فذلك ثلاثة عشر وثلث ويجعل للمسلم إليه ثلثا كر قيمته ثلاثة عشر وثلث بستة وثلاثين فانما نفذ بالمحاباة له في ستة وثلاثين وقد سلم للورثة ضعف ذلك فينقسم الثلث والثلثان فان قيل كيف تبطل الاقالة في الثلث والاقالة في السلم لا ناقض لها قلنا انما ينفذ من تصرفات المريض ما يحتمل النقض بعد وقوعه فأما ما لا يحتمل النقض فالحكم فيه يثبت على سبيل التوقف كما قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله في العتق وقد قررنا هذا الاصل في كتاب العتاق والله أعلم بالصواب * (باب الصلح في الغصب) * (قال رحمه الله) رجل غصب عبدا من رجل ثم صالحه صاحبه من قيمته على دراهم مسماة حالة أو إلى أجل فهو جائز بمنزلة ما لو باع العبد منه بثمن حال أو مؤجل جاز سواء قل الثمن أو كثر فان كان العبد مستهلكا فأقام الغاصب البينة أن قيمتة أقل مما صالحه عليه بكثير لم تقبل بينته في قول أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف رحمه الله تقبل بينته ويرد زيادة القيمة على الغاصب ان كان العبد مستهلكا وقت الصلح وان كان قائما فالصلح ماض وأصل المسألة أن الصلح عن المغصوب الهالك على أكثر من قيمته يجوز في قول أبى حنيفة ولا يجوز في قولهما ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول موضع الخلاف إذا كان آبقا فأما إذا كان

[ 56 ] مستهلكا حقيقة فلا خلاف أن الصلح على أكثر من قيمته من النقود لا يجوز حتى إذا تصادقا على أن ما وقع عليه الصلح أكثر من القيمة يجب رده ولكن اختلفا فيه فأبو حنيفة رحمه الله يقول لا أقبل بينة الغاصب على أن قيمته دون ما وقع عليه الصلح لان اقدامه على الصلح اقرار منه أن قيمته هذا المقدار أو أكثر منه فيكون هو مناقضا في دعواه بعد ذلك ويكون ساعيا في نقض ما تم به فلا يقبل ذلك منه وهما يقولان قد يخفى عليه مقدار القيمة في الابتداء أو يعلم ذلك ولا يجد الحجة لغيبة شهوده فإذا ظهر له ذلك أو حضر شهوده وجب قبول بينته على ذلك لانه يقصد به اثبات حقه في استرداد الزيادة كالمرأة إذا خالعت زوجها ثم أقامت البينة أنه كان طلقها زوجها ثلاثا قبل الخلع والاصح عندي أن هذا كله يخلف فان الصلح جائز عند أبى حنيفة رحمه الله على أكثر من قيمة المغصوب وان كان مستهلكا وتصادقا ان ما وقع الصلح عليه أكثر من القيمة وعندهما لا يجوز وحجتهما في ذلك أن الواجب على الغاصب بعد هلاك العين القيمة وهى مقدرة من النقود شرعا فإذا صالح على أكثر منها من جنس النقود كان ربا كما لو قضى القاضى بالقيمة ثم صالحه على أكثر من القيمة والدليل على أن الواجب هو القيمة وان ما يقع عليه الصلح بدل عن القيمة أنه لو صالحه على طعام موصوف في الذمة إلى أجل لا يجوز ولو كان ما يقع عليه الصلح بدلا عن العبد لجاز لان الطعام الموصوف بمقابلة العبد عنه وبمقابلة القيمة يكون مبيعا وقاسا هذا بشريكين في عبد إذا أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر فيضمنه الآخر وصالحه على أكثر من نصف القيمة فانه لا يجوز لان الواجب نصف القيمة شرعا ولذلك لو كان المعتق معسرا فصالح الساكت العبد على أن استسعاه في أكثر من نصف القيمة لم يجز لهذا المعنى وإذا قضى للشفيع بالشفعة بأكثر من الثمن الذى اشترى به المشترى فرضى الشفيع بذلك لم يجز لان العوض تقدر شرعا بما أعطاه المشترى فلم تجز الزيادة عليه ولابي حنيفة رحمه الله طريقان أحدهما أن المغصوب بعد الهلاك باق على ملك المغصوب منه ما لم يتضرر حقه في ضمان القيمة بدليل انه لو اختار ترك التضمين بقى العبد مملوكا على ملكه حتى تكون العين عليه وان كان آبقا فعاد من اباقه كان مملوكا له ولو كان اكتسب كسبا كان أن يأخذ كسبه ولو كان نصف سكة فيعقل بها سيده بعد موته كان للمغصوب منه وانما يملك الكسب بملك الاصل وهذا لانه إذا أبرأ الغاصب من اباقه يجعل القول قول الغاصب ولان الغاصب هو المشتري للعبد بهذا الصلح فإذا قال هو

[ 57 ] عندي فقد أقر انه محل البيع وانه يصير قابضا له بنفس الشراء فيمكن تصحيح هذا الصلح بينهما شراء (ألا ترى) أن شراء الآبق لا يجوز فان قال المشتري هو عبدي فقد أخذته ثم اشتراه جاز فكذلك المغصوب قال ولو غصبه كر حنطة ثم صالحه منه وهو قائم بعينه على دراهم مؤجله فهو جائز لان الدراهم إذا قوبلت بالحنطة يكون ثمنا والشراء بالثمن المؤجل جائز فكذلك الذهب والفضة والموزونات كلها فأما إذا صالحه على مكيل فلا يجوز فيه النسيئة لان الكل بانفراده يحرم النساء فان كان طعام مستهلكا لم يجز الصلح على شئ من ذلك نسيئة لانه دين بدين ما خلا الطعام فان صالحه على طعام مثله إلى أجل حالا فهو جائز لانه تأجيل في ضمان المغصوب فان الواجب بهذا الاستهلاك ضمان المثل ولا يتمكن في هذا الصلح معنى المبادلة وكذلك لو صالحه على أقل منه فانه اسقاط لبعض الواجب وتأجيل فيبقى وان صالحه على أكثر منه لم يجز نسيئة كان أو حالا لاجل الربا فالمصالح عليه اما أن يكون عوضا من المستهلك أو عن مثله فكيفما كان فالفضل ربا ولو غصبه كر حنطة وكر شعير فاستهلكهما ثم صالحه على كر شعير إلى أجل على أن أبرأه من الحنطة فهو جائز لانه أسقط حقه في الحنطة وأجله فيما عليه من ماله لتغيير كل واحد منهما صحيح إذا أفرده فكذلك إذا جمع بينهما وكذلك إذا كان أحدهما قائما فصالحه عليه على أن أبرأه من المستهلك لانه مستوف عين حقه في القائم مبرئا له عن ضمان المستهلك ولو غصبه مائة درهم وعشرة دنانير فاستهلكهما ثم صالحه منهما على كر حنطة بعينه ثم استحق الكراء ووجد به عيبا فرده رجع بالدراهم والدنانير لان بالاستحقاق والرد بالعيب انتقض الصلح وكان قد صح بطريق المعاوضة فانما يرجع بعد انتقاضه بالعوض الذى كان حقا له وهو الدراهم والدنانير وان صالحه على خمسين درهما حالة أو مؤجلة فهو جائز لانه مبرئ له عن الدنانير وعن بعض الدراهم ومؤجل له فيما بقى من حقه من الدراهم وكل ذلك مستقيم فان استحقت بعد ما قبضها أو وجدها زيوفا أو ستوقة رجع بمثلها ولو لم ينتقض الصلح لان صحته هنا بطريق الاسقاط دون المعاوضة فباستحقاق ما استوفى أو رده بعيب الزيافة لا يبطل الابراء فيما سوى ذلك وانما ينتقض القبض في المستوفى فيرجع بمثله وكذلك لو صالحه على وزن خمسين درهما فضة فصحة هذا الصلح بطريق الاسقاط لان المستوفى من جنس حقه فلا يمكن تصحيح الصلح بطريق المعاوضة وكذلك لو غصبه مائة مثقال فضة تبرا وعشرة دنانير فصالحه على خمسين درهما

[ 58 ] حالة أو مؤجلة فهو جائز إذا كانت الدراهم مثل الفضة بطريق الجودة في الاسقاط لبعض حقه وان كان خيرا منها لم يجز لان زيادة الجودة فيما وقع عليه الصلح بمقابلة ما أسقط من الدنانير وبعض الدراهم وذلك ربا وهذا كله بخلاف ما سبق فيما إذا كانت الدنانير لانسان والدراهم لآخر فصالحاه على مائة درهم أو صالحاه على عشرة دنانير لم يجز وقد غلط فيه بعض المتقدمين من أصحابنا رحمهم الله فقالوا يجوز الصلح في الوجهين على أن يكون صاحب الدراهم مبرئا عن بعض حقه مستوفيا لما يخصه من الدراهم فان تصحيح الصلح بهذا الطريق ممكن كما إذا كان المالان لواحد ولكن الفرق بينهما واضح فان المالين إذا كانا لاثنين فلا بد من قسمة ما وقع الصح عليه بينهما على قدر ماليهما وإذا جعلنا صاحب الدراهم مبرئا عن بعض حقه لا يمكنه أن يزاحم صاحبه بما أبرأه عنه من العشرة فلا بد من اعتبار معنى المعاوضة في المالين ابتداء وباعتباره يظهر الربا ولا يوجد هذا المعنى فيما إذا كان المالان لواحد منهما فلهذا صح الصلح بطريق الابراء ولو غصبه كر حنطة فصالحه منه على نصف كر حنطة والمغصوب قائم بعينه أو صالحه على نصف الكر المغصوب ودفعه إليه واستفضل الثاني غير أن طعام الغصب لم يكن بحضرتهما حين اصطلحا فالصلح جائز حين لم يكن بحضرتهما فانا نجبر الغاصب على رد العين في الحال وهو في حكم المستهلك من هذا الوجه فيمكن تصحيح الصلح بطريق الاسقاط كما لو كان الكر دينا فصالحه على نصفه وما استفضل الغاصب واجب له أن يرده على المغصوب منه لانه غير ملكه ولا يتملكه الغاصب حقيقة بما جرى بينهما لان تصحيح ما جرى بنيهما بطريق المعاوضة غير ممكن وبطريق الاسقاط لا يملك العين فلهذا يؤمر بالرد وجميع ما يكال أو يوزن من الدراهم والدنانير في ذلك كالحنطة ولو غصب ألف درهم فأخفاها وغيبها عنه ثم صالحه على خمسمائة أعطاها اياه من تلك الدراهم أو من غيرها أحببت له أن يرد الفضل كما في الاول لان الدراهم تتعين في الملك وفي البعض بحكم الغصب والرد كالحنطة فان كانت الدراهم في يد الغاصب بحيث يراها المغصوب منه والغاصب منكر للغصب ثم صالحه على خمسمائة منها جاز وكذلك كل ما يكال أو يوزن لان الغاصب بانكاره الغصب يزعم أن العين ملكه والشرع جعل القول قوله فيتعذر على المغصوب منه أخذ عينه في الحكم ويكون بمنزلة المتسهلك فيمكن تصحيح الصلح منهما بطريق الاسقاط فلهذا أمكن تصحيحه في الحكم ويكون بمنزلة المستهلك والمنكر آثم في الانكار والغصب فان وجد المغصوب منه بينة

[ 59 ] على بقية ماله الذى في يده قضيت له به لانه لما وجد البينة فقد تمكن من استرداد العين وزال المعنى الذى لاجله كان في حكم المستهلك وتصحيح الصلح بطريق الاسقاط انما يكون في المستهلك لا في حقهما فلهذا لا يشاركه فيما قبضه ولكنه على حجته مع الغاصب ولو أن رجلين ادعيا في دار دعوى ميراثا عن أبيهما فصالح رب الدار أحدهما على مال لم يشركه الآخر فيه ان كان المصالح منكرا أو مقرا لانهما يتصادقان على أن المدعى ملكهما وان البائع لنصيبه وتصادقهما يكون حجة في حقهما ثم ذكر بعض مسائل الاكراه وأن الاكراه عند أبى حنيفة رحمه الله لا يكون الا من السطان وعندهما يكون من كل متغلب يقدر على ايقاع ما هدده به والصلح في حكم الاكراه كالبيع فانه يعتمد تمام الرضا كالبيع وكما أن الاكراه بالجنس والمقيد بعدم الرضا في البيع فكذلك في الصلح ولو أن قوما دخلوا على رجل بيتا نهارا أو ليلا فهددوه وشهروا عليه السلاح حتى صالح رجلا عن دعواه على شئ فهذا الصلح ينبغى أن يجوز في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله لانه ليس بسطان والاكراه عنده لا يتحقق الا من السطان وكذلك لو أكرهوه على الاقرار فاقراره جائز عنده وعندهما ان كانوا شهروا عليه السلاح لم يجز صلحه واقراره لانه صار خائفا التلف على نفسه والسلاح مما لا يلبث وان كانوا لم يشهروا عليه السلاح وضربوه وتوعدوه فان كان ذلك نهارا في المصر فالصلح جائز لانه يستغيث بالناس فيلحقه الغوث في المصر بالنهار قبل أن يأتوا على أحد فالضرب بغير السلاح مما لا يلبث عادة وان كان ذلك ليلا في المصر أو كان في الطريق غير السفر أو دارا لم يجز الصلح والاقرار لان اللبث بعيد فصار خائفا التلف علي نفسه وكذلك إذا كان في بستان لا يقدر فيه على الناس فهو والمناداة فيه سواء وكذلك الغوث وعلى هذا لو أن الزوج هو الذى أكره في ذلك انتصافه في الصداق لان الزوج ليس بسلطان فلا معتبر باكراهه عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما المعتبر خوفهما التلف كما ذكرنا قال ولو توعدها بالطلاق أو بالتزويج عليها أو بالتسرى لم يكن ذلك اكراها لانه ما هددها بفعل متلف أو مؤلم بدنها انما يغمها بذلك والاكراه بهذا القدر لا يتحقق وذكر في الاصل إذا كان المدعى رجلين فاكره السلطان المدعي عليه على صلح أحدهما فصالحهما جميعا لم يجز صلحه مع من أكره على الصلح معه وجاز مع الآخر لانه أنشأ الصلح مع كل واحد منهما ابتداء وهو راض بالصلح مع أحدهما غير راض به مع الآخر لاجل الاكراه وهذا بخلاف ما لو أجبره على أن يقر لاحدهما

[ 60 ] بدين فأقر لهما بدين لم يجز الاقرار في حق كل واحد منهما لان الاقرار اخبار منه عن واجب سابق ولم يصح في حق من أكره على الاقرار له فلو صححناه في حق الآخر فقبض نصيبه كان للآخر أن يشاركه في المقبوض ولو قلنا لا يشاركه كان هذا الزام شئ سوى ما أقر به لان هذا اقرار بدين مشترك بينهما فلهذا لا يجوز الاقرار بخلاف الصلح فانه انشاء عقد يمكن تصحيحه في نصيب احدهما دون الآخر وهو نظير المريض إذا أقر لوارثه ولاجنبي لم يجز اقراره لواحد منهما ولو أوصى لاجنبي ولوارثه بثلث ماله جاز في نصيب الاجنبي فهذا قياسه والله أعلم بالصواب * (باب الصلح في العارية والوديعة) * (قال رحمه الله) وإذا قال المستودع ضاعت الوديعة أو قال رددتها عليك فهو مصدق في ذلك لكونه أمينا فان صالحه صاحبها بعد هذا الكلام على مال لم يجز الصلح في قول أبى يوسف رحمه الله وهو قول أبى حنيفة رحمه الله والرواية في الاجير المشترك إذا ادعى الرد ثم صالح صاحبه على ما قال فالاجير عنده أمين كالمودع وقال محمد رحمه الله الصلح صحيح والحاصل أن في هذه المسألة ثلاثة أوجه (أحدها) أن يدعي صاحبها عليه الاستهلاك وهو ينكر ذلك وفى هذا يجوز الصلح والاتفاق لان صاحبها يدعى عليه دينا بسبب لو أقر به لزمه فهذا صلح مع الانكار وذلك صحيح عندنا (والثانى) أن يقول المودع قد هلكت أو رددتها ولا يدعي صاحبها عليه الاستهلاك ولكنه يكذبه فيما يقول ففى هذا خلاف كما بينا وجه قول محمد رحمه الله أن صاحبها يدعى عليه الضمان بالمنع بعد طلبه وذلك منه بمنزلة الغصب ولو ادعى غصبا على انسان ثم صالحه على مال جاز الصلح بناء على زعم المدعى فهذا مثله لان الثمن باق على المودع فهو بهذا الصلح بقى عليه بمال وذلك صحيح عندنا وأبى يوسف رحمه الله يقول المودع أمثل فيثبت بخبره ما أخذ عن دعوى الرد أو الهلاك لان تأثير كونه أمينا في قبول قوله فصار ثبوت ذلك بقوله كثبوته بالبينة ولو ثبت ذلك بالبينة لم يجز الصلح بعد ذلك وتوجه اليمين على المودع لنفى التهمة عنه لان البراءة تظهر بخبره بدليل انه لو مات قبل أن يحلف كانت البراءة تامة وإذا ثبت حصول البراءة بخبره فهو كما لو أبرأ المغصوب منه الغاصب عن المستهلك ثم صالحه على مال وانما يجوز بالصلح فداء اليمين التى هي حق المدعى خلفا عما فوت

[ 61 ] عليه المنكر للدعوى بزعمه وهذه اليمين ليست بتلك الصفة بل هي لنفى التهمة ويفدى مثلها بمال كالمرأة إذا أخبرت بانقضاء العدة فالقول قولها مع اليمين ولو صالحها الزوج على مال لم يجز (ألا ترى) أن هذا اليمين تسقط بموته بخلاف يمين المنكر في الدعوى والخصومات فان وارثه يقوم مقامه في ذلك حتى يحلف على العلم ولان المودع سلطه على الاخبار بالرد والهلاك فقوله في ذلك كقول المنكر ولو أقر المودع بذلك ثم صالحه لم يجز الصلح والعذر عن اليمين ما ذكرنا * (الثالث) فيما إذا قال المودع رددتها وقال المودع استهلكتها ثم صالحه على مال ففى قول أبى يوسف رحمه الله لا يجوز هذا الصلح أيضا ذكره في رواية أبى حفص رحمه الله في الجامع وفى قوله الآخر يجوز الصلح وهو قول محمد رحمه الله وجه قوله الاول ما ذكرنا أن البراءة تحصل له بقوله رددتها وقوله في ذلك بمنزلة قول صاحبها والحكم الثابت بخبره لا يبطل بدعوى صاحبها الاستهلاك فكما أن قبل هذه الدعوى لو صالح لم يجز الصلح عنه فكذلك بعد هذه الدعوى وجه قول الآخر أن الرد وان ثبت بخبره فصاحبها يدعي عليه شيئا آخر للضمان هو الاستهلاك فصار ذلك كدعوى مبتدأة عليه فيجوز أن يصالحه على مال (ألا ترى) أن اليمين هنا على ما يدعيه صاحبها بخلاف الأول فهناك اليمين على المودع من الرد وان هذه اليمين لا تسقط بموته ولكن يحلف الوارث على علمه بالله ما استهلكتها كما يدعيه صاحبها بخلاف الاول وهذا لان البراءة تثبت بقوله رددتها لكونه أمينا وذلك في حكم القبض بجهة الوديعة * وفى الفصل الاول لا يدعى صاحبها لوجوب الدين عليه شيئا آخر وهنا يدعى ذلك قال وان جحد الطالب أن يكون المستودع قال هذه المقالة قبل الصلح فادعى المستودع أنه قد قالها فالصلح جائز وهذا التفريع على قول أبى يوسف رحمه الله خاصة فأما عند محمد رحمه الله فلا فائدة في هذا الاختلاف لانه لا يجوز الصلح قبل هذه المقالة وبعدها وجه قول أبى يوسف رحمه الله أن اقدام المستودع على الصلح طائعا التزام منه للمال بسبب تصحيح ظاهر فهو يريد بها تفريع ذلك أن يبطل ما التزمه فيها فلا يقبل قوله في ذلك كالمرأة إذا اختلعت من زوجها بعد الطلاق الرجعى ثم زعمت أن عدتها كانت قد انقضت قبل الخلع لا يقبل قولها فان أقام المودع بينة بهذه المقالة برئ من الصلح وان لم يكن له بينة فعلى الطالب اليمين لانه يدعى عليه وجوب رد المال عليه فهو كالمختلعة إذا أقامت البينة على أن الزوج طلقها ثلاثا قبل الخلع فان قيل هو مناقض في الدعوى هنا أيضا شائع في بعض

[ 62 ] ما قد تم به فينبغي أن لا تقبل بينته ولا يحلف خصمه كالبائع إذا زعم أنه كان باع العين من فلان قبل أن يبيعه من هذا المشترى بخلاف الخلع فان هناك هي مناقضة في الدعوى أيضا ولكن البينة على الاطلاق مقبولة من غير الدعوى والجواب أن يقول هو غير مناقض في دعواه لان قبوله الصلح لا يكون اقرارا منه بوجوب شئ عليه ولكنه يدعى خلاف ما يشهد له الظاهر لان العقود في الظاهر محمولة على الصحة فلا يقبل قوله في ذلك الا بالبينة وعند عدم البينة القول قول خصمه مع اليمين لكون الظاهر حجة وشاهدا له وان كانت الوديعة قائمة بعينها وهى مائه درهم فصالحه منها على مائة درهم بعد اقرار أو انكار لم يجز إذا قامت البينة على الوديعة لانها عين في يد المودع فيكون الصلح عنها معاوضة ومعاوضة المائة بالمائتين باطل ولا يمكن تصحيحه بطريق الابراء والاسقاط لان العين لا تحتمل ذلك وان لم تقم بينة وكان المودع منكرا فالصلح جائز عند دعوى الدين عند انكار المودع وعجز المدعى عن الدار وانه بمنزلة البيع فلهذا صح العقد بدون الاضافة إلى الموكل ثم المقصود من الصلح قطع المنازعة وقطع المنازلة واجب ما أمكن باعتبار معنى البيع وإذا صح الصلح غير مضاف إلى الموكل انقطعت المنازعة بينهما فوجب المصير إلى ذلك استحسانا والله أعلم بالصواب * (باب الحكمين) * (قال رحمه الله) الاصل في جواز التحكيم قوله تعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) والصحابة رضى الله عنهم كانوا مجمعين على جواز التحكيم ولهذا بدأ الباب بحديث الشعبى رحمه الله قال كان بين عمر وأبى بن كعب رضى الله عنهما مدارأة بينهما في شئ فحكما بينهما زيد بن ثابت رضى الله عنه فأتياه فخرج زيد بن ثابت اليهما وقال لعمر رضى الله عنه ألا تبعث إلى فأتيك يا أمير المؤمنين فقال عمر رضى الله عنه في بيته يؤتى الحكم فأذن لهما فدخلا وألقى لعمر وسادة فقال عمر رضي الله عنه هذا أول جورك وكانت اليمين على عمر رضى الله عنه فقال زيد لابي رضى الله عنه لو أعفيت أمير المؤمنين من اليمين فقال عمر يمين لزمتني فلاحلف فقال أبى رضي الله عنه بل يعفى أمير المؤمنين ويصدقه والمراد بالمدارأة الخصومة واللجاج قال الله تعالى (فادارأتم فيها) وقال ﷺ في حديث ثابت بن شريك رضى الله عنهما لا يدارى ولا يمارى أي لا يلاحى ولا

[ 63 ] يخاصم وقد بينا فوائدا الحديث وإذا حكم الحكم بين رجلين ثم تخاصوا إلى حكم آخر فحكم بينهما سوى ذلك ولم يعلم بالاول ثم ارتفعا إلى القاضى فانه ينفذ الحكم الذى يوافق رأى القاضى من ذلك لما بينا أن حكم كل واحد منهما غير ملزم شيئا وإذا حكم رجلان حكما في خصومة بينهما مادام في مجلسه ذلك فتجاحدا وقالا لم تحكم بيننا وقال الحاكم بل حكمت فانه يصدق مادام في مجلس الحكومة ولا يصدق بعد القيام منه حتى يشهد على ذلك غيره لانه مادام في مجلسه فهو يملك انشاء الحكم بينهما فلا تتمكن التهمة في اقراره به فأما بعد القيام فهو لا يملك انشاء الحكم فتتمكن التهمة في اقراره وهو نظير المولي إذا أقر بألف والمطلق إذا أقر بالرجعة في الفرق بينهما إذا أقر قبل مضى المدة وبينهما بعده وان حكماه ولا يشهدا على تحكيمهما اياه لم يقبل قول الحكم فيه عليهما لانه يدعى لنفسه عليهما ولاية تنفيذ القول وهو غير مصدق فيما يدعى عليهما إذا كانا يجحدانه والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (كتاب الرهن) * * (قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله املاء) * (اعلم) بأن الرهن عقد وثيقة بمال مشروع للتوثق في جانب الاستيفاء فالاستيفاء هو المختص بالمال ولهذا كان موجبه ثبوت يد الاستيفاء حقا للمهرتهن عندنا لان موجب حقيقة الاستيفاء ملك عين المستوفى وملك اليد فموجب العقد الذى هو وثيقة الاستيفاء بعض ذلك وهو ملك اليد وعلى قول الشافعي رحمه الله موجبه ما هو موجب سائر الوثائق كالكفالة والحوالة وهو أن تزداد المطالبة به فيثبت به للمرتهن حق المطالبة بايفاء الدين من ماليته وذلك بالبيع في الدين ولكنا نقول الكفالة والحوالة عقد وثيقة ما لزمه والذمة محل لالتزام المطالبة فيها فيكون الثابت بهما بعض ما ثبت لحقيقة التزام الدين وهو المطالبة والرهن عقد وثيقة بمال والمال محل لاستيفاء الدين منه فعرفنا أن الثابت به بعض ما ثبت لحقيقة الاستيفاء وكيف يكون البيع في الدين موجب عقد الرهن ولا يملك المرتهن ذلك بعد تمام الرهن الا بتسليط الراهن اياه على ذلك نصا وكم من رهن ينفك عن البيع في الدين وموجب العقد ما لا يخلو العقد عنه بعد تمامه ثم جواز هذا العقد ثابت بالكتاب والسنة * أما الكتاب

[ 64 ] فقوله تعالى (وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) وهو أمر بصيغة الخبر لانه معطوف على قوله تعالى (فاكتبوه) وعلى قوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) وأدنى ما يثبت بصيغة الامر الجواز * والسنة حديث عائشة رضى الله عنها أن رسول الله ﷺ اشترى من يهودى طعاما لبيته ورهنه درعه وفى حديث أسماء بنت يزيد أن رسول الله ﷺ توفى ودرعه مرهون عند يهودى بوسق من شعير وعن ابن عباس وأنس رضى الله عنها أن النبي ﷺ رهن درعه ليهودي فما وجد ما يفتكه حتى توفى صلوات الله عليه وجاء اليهودي في أيام التعزية يطالب بحقه ليغيظ المسلمين به وفى هذا دليل جواز الرهن في كل ما هو مال متقوم ما يكون معدا للطاعة وما لا يكون معدا له في ذلك سواء فان درعه صلوات الله عليه كان معدا للجهاد به فيكون دليلا على جواز رهن المصحف بخلاف ما يقوله الشيعة أن ما يكون للطاعة لا يجوز رهنه لانه في صورة حسبة عن الطاعة وفيه دليل أن الرهن جائز في الحضر والسفر جميعا فانه رهنه ﷺ بالمدينة في حال اقامته بها بخلاف ما يقوله أصحاب الظواهر أن الرهن لا يجوز الا في السفر لظاهر قوله تعالى (وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) والتعليق بالشرط يقتضى الفصل بين الوجود والعدم ولكنا نقول ليس المراد به الشرط حقيقة بل ذكر ما يعتاده الناس في معاملاتهم فانهم في الغالب يميلون إلى الرهن عند تعذر امكان التوثق بالكتاب والشهود والغالب أن يكون ذلك في سفر والمعاملة الظاهرة من لدن رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا فالرهن في الحضر والسفر دليل على جوازه بكل حال ثم ذكر عن على بن أبى طالب رضي الله عنه قال يترادان الفضل في الرهن وفيه دليل أن المقبوض بحكم الرهن يكون مضمونا ثم بيان هذا اللفظ أنه إذا رهن ثوبا قيمته عشرة بعشرة فهلك عند المرتهن سقط دينه فان كانت قيمة الثوب خمسة يرجع المرتهن على الراهن بخمسة أخرى وهو مذهبنا أيضا وان كانت قيمته خمسة عشر فالراهن يرجع على المرتهن بخمسة وهو مذهب علي رضى الله عنه وبه أخذ بعض الناس ولسنا نأخذ بهذا وانما نأخذ بقول عمر وابن مسعود رضى الله عنهما فانهما قالا انه مضمون بالاقل من قيمته ومن الدين فإذا كانت القيمة أكثر فالمرتهن في الفضل أمين وهكذا روى محمد بن الحنفية عن علي رضى الله عنه أن المرتهن في الفضل أمين وحاصل الاختلاف فيه بين العلماء رحمهم الله على ثلاثة أقاويل فعندنا هو

[ 65 ] مضمون بالاقل من قيمته ومن الدين وعند شريح رحمه الله هو مضمون بالدين قلت قيمته أو كثرت فانه قال الرهن بما فيه وان كان خاتما من حديد بمائة درهم وفي احدى روايتي علي رضى الله عنه يترادان الفضل هذا بيان الاختلاف الذى كان بين المتقدمين رضى الله عنهم في الرهن إلى أن أحدث الشافعي رحمه الله قولا رابعا انه أمانة ولا يسقط شئ من الدين بهلاكه واستدل في ذلك بحديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلوات الله عليه وسلامه قال لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه وفى رواية الرهن من راهنه الذى رهنه له غنمه وعليه غرمه وزعم أن معنى قوله ﷺ لا يغلق الرهن لا يصير مضمونا بالدين فقد فسر ذلك بقوله الرهن من راهنه الذى رهنه أي من ضمان راهنه وقوله ﷺ وعليه غرمه أي عليه هلاكه فالغرم عبارة عن الهلاك قال الله تعالى إنا لمغرمون أي هلكت علينا أموالنا والمعنى فيه أن الرهن وثيقة بالدين فبهلاكه لا يسقط الدين كما لا يسقط بهلاك الصك وموت الشهود وهذا لان بعقد الوثيقة يزداد معنى الصيانة فلو قلنا بأنه يسقط دين المرتهن بهلاكه كان ضد ما اقتضاه العقد لان الحق به يصير بعرضة الهلاك وذلك ضد معنى الصيانة والدليل عليه أن عين الرهن ما زاد على قدر الدين أمانة في يد المرتهن والقبض في الكل واحد وما هو موجب الرهن وهو الحبس ثابت في الكل فلا يجوز أن يثبت حكم الضمان بهذا القبض في البعض دون البعض والدليل عليه أن عين الرهن تهلك على ذلك الراهن حتى لو كان عبدا فكفنه على الراهن ولو استحق وضمنه المرتهن يرجع بالضمان والدين جميعا على الراهن ولو كان قبضه قبض ضمان لم يرجع بالضمان عند الاستحقاق كالغاصب وعندكم إذا اشترى المرتهن المرهون من الراهن لا يصير قابضا بنفس الشراء ولو كان مضمونا عليه بالقبض لكان قبضه عن الشراء كقبض الغاصب والمقبوض بحكم الرهن الفاسد لا يكون مضمونا عندكم كرهن المشاع وغيره والفاسد معتبر بالجائز في حكم الضمان وليس من ضرورة ثبوت حق الحبس الضمان كالمستأجر بعد الفسخ محبوس عند المستأجر بالاجرة المعجلة بمنزلة المرهون حتى إذا مات الآجر كان المستأجر أحق به من سائر غرمائه ثم لم يكن مضمونا إذا هلك وكذلك زوائد الرهن عندكم والدليل على أنه أمانة أن النفقة على الراهن دون المرتهن كما في الوديعة وحجتنا في ذلك ما أشرنا إليه من إجماع المتقدمين رضوان الله عليهم أجمعين فاتفاقهم على ثلاثة أقاويل يكون

[ 66 ] اجماعا منهم على أنه ليس فيه قول رابع لم يستدل بحديث عطاء أن رجلا رهن فرسا عند رجل بحق له فنفق الفرس عند المرتهن فاختصما عند رسول الله ﷺ فقال للمرتهن ذهب حقك ولا يجوز أن يقال ذهب حقك في الحبس لان هذا مما لا يشكل ولان ذكر الحق منكرا في أول الحديث ثم اعادته معرفا فيكون المراد بالمعرف ما هو المراد بالمنكر قال الله تعالى (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول) وقال النبي ﷺ الرهن بما فيه ذهبت الرهان بما فيها أي بما فيها من الديون ولا حجة لهم في قوله ﷺ لا يغلق الرهن فان أحدا من أهل اللغة لا يفهم منه هذا اللفظ بقى الضمان على المرتهن وذكر الكرخي أن أهل العلم من السلف رحمهم الله كطاوس وابراهيم وغيرهما اتفقوا ان المراد لا يحبس الرهن عند المرتهن احتباسا لا يمكن فكاكه بأن يصير مملوكا للمرتهن واستدلوا عليه بقول القائل وفارقتك برهن لافكاك له * يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا يعنى احتبس قلب المحب عند الحبيب على وجه لا يمكن فكاكه وليس فيه ضمان ولا هلاك والدليل عليه ما روى عن الزهري قال كانوا في الجاهلية يرتهنون ويشترطون على الراهن ان لم يقض الدين إلى وقت كذا فالرهن مملوك للمرتهن فأبطل رسول الله ﷺ ذلك بقوله لا يغلق الرهن وسئل سعيد بن المسيب رضى الله عنه عن معنى هذا اللفظ فقيل أهو قول الرجل ان لم يأت بالدين إلى وقت كذا فالرهن بيع لى في الدين فقال نعم وقوله ﷺ الرهن من راهنه الذى رهنه يؤكد هذا المعنى أي هو على ملك راهنه الذى رهنه لا يزول ملكه بهذا الشرط وكذلك قوله ﷺ له غنمه وعليه غرمه يعني في حال ابقائه هو مردود عليه لا يتملك غيره عليه أو أن يبيع بالدين فزاده الثمن على الدين فالزيادة له وان انتقص فالنقصان عليه وبه نقول والمعنى في المسألة أن الرهن مقبوض للاستيفاء والمقبوض على وجه الشئ لا يكون كالمقبوض على حقيقته في حكم الضمان (ألا ترى) أن المقبوض على سوم البيع يجعل كالمقبوض على جهة الاستيفاء وبيان الوصف أن عقد الرهن يختص بما يمكن استيفاء الدين منه وهو المال المتقوم الذى يقبل البيع في الدين ويختص بحق يمكن استيفاؤه من الرهن وهو الدين حتى لا يجوز الرهن بالاعيان ولا بالعقوبات من القصاص والحدود وتحقيق ما ذكرنا أن موجب العقد ثبوت يد الاستيفاء وهذه اليد

[ 67 ] في حقيقة الاستيفاء تثبت. الملك والضمان فكذا فيها أيضا يثبت الضمان في عقد الرهن يقرره أن عند أبى حنيفة رحمه الله استيفاء المستوفى يكون مضمونا على المستوفى وله على الموفى مثل ذلك فيصير قصاصا به فكذلك إذا قبضه رهنا وصار مضمونا عليه بهذه اليد فإذا هلك وجب على المرتهن من أولها فيصير المرتهن مستوفيا حقه ولهذا يثبت الضمان بقدر الدين وصفته لان الاستيفاء به يتحقق وكان الراهن جعل مقدار الدين في وعاء وسلمه إلى رب الدين ليستوفى حقه مه فعند هلاكه في يده يتم استيفاؤه في مقدار حقه ولهذا كان الفضل أمانة عنده بمنزلة ما لو جعل خمسة عشر درهما في كيس ودفعه إلى صاحب الدين على أن يستوفى دينه منه عشرة فيكون أمينا في الزيادة ولهذا جعلت العين أمانة في يد المرتهن لان الاستيفاء تحصل منه المالية دون العين والاستيفاء بالعين يكون استبدالا والمرتهن عندنا مستوف لا مستبدل وانما يتحقق الاستيفاء بحبس الحق والمجانسة بين الاموال باعتبار صفة المالية دون العين فكان هو أمينا في العين والعين كالكيس في حقيقة الاستيفاء وبهذا التقرير اتضح الجواب عما قال لان معنى الصيانة يتحقق إذا صار المترهن بهلاك الرهن مستوفيا حقه وانما ينعدم ذلك إذا قلنا يتوى بينه والاستيفاء ليس مأتوا للحق ثم موجب العقد ثبوت يد الاستيفاء وفيه معنى الصيانة ومن ضرورته فراغ ذمة الراهن عند هلاك الرهن وتمام الاستيفاء فلا يخرج به من أن يكون وثيقة لصيانة حق المرتهن كالحوالة فانها توجب الدين في ذمة المحتال عليه لصيانة حق الطالب وان كان من ضرورته فراغ ذمة المحيل وبه لا ينعدم معنى الوثيقة وكذلك المقصود بالعارية منفعة المستعير ومن ضرورة حصول تلك المنفعة له أن تكون نفقته عليه فلا يخرج به من أن يكون العقد محض منفعة له وبهذا فارق موت الشهود وهلاك الصك لان سقوط الدين عندنا باعتبار ثبوت يد الاستيفاء إذا ثم ذلك بهلاك الرهن وذلك لا يوجد في الصك والشهود وانما لا يصير المرتهن قابضا بنفس الشراء لان الشراء لاقى العين وقد بينا أن العين في حكم الامانة وقبض الامانة دون قبض الشراء وانما يرجع بالضمان عند الاستحقاق لاجل الغرر فالراهن هو المنتقع بقبض الرهن منه حيث انه يصير موفيا ذمته عند الهلاك في يد المرتهن فيصير المرتهن مغرورا من جهته من هذا الوجه ولهذا تكون النفقة على الراهن بمنزلة المؤجر في يد المستأجر ثم يد المستأجر بعد فسخ الاجارة ليست بيد الاستيفاء ولانها هي اليد التى كانت له قبل الفسخ وانما قبض لاستيفاء المنفعة لا لاستيفاء

[ 68 ] الاجرة من المالية فلهذا لا يصير مستوفيا بهلاك العين في يده والمقبوض بحكم الرهن الفاسد عندنا مضمون فان المسلم إذا ارتهن من ذمى خمرا أو عصيرا فتخمر في يده كان مضمونا عليه إذا هلك وهو رهن فاسد فان المرهون بأجرة النائحة والمغنية ولا عقد هناك فاسدا ولا جائزا لانعدام الدين أصلا وكذلك رهن المشاع فقد قامت الدلالة لنا على أن يد الاستيفاء التى هي موجب الرهن لا تثبت في الجزء الشائع على ما نبينة فلهذا لا يكون مضمونا فأما شريح رحمه الله فكان يقيس المرهون بالمبيع في يد البائع والمبيع في يد البائع مال غير محبوس بدين هو مال فسقط الدين بهلاكه قلت قيمته أو كثرت فكذلك المرهون في يد المرتهن ولان بهلاك الرهن تعذر على المرتهن رده لا إلى غاية ولو تعذر احضاره إلى غاية لم يكن له أن يطالب بشئ من الدين ما لم يحضره فكذلك إذا تعذر احضاره لا إلى غاية ولكن لما حققنا تبين الفرق بين الرهن والبيع من حيث ان سقوط الثمن هناك بسبب انفساخ العقد وبهلاك جميع العقود عليه ينفسخ جميع العقد وهنا سقوط الدين بطريق الاستيفاء ولا يتحقق الاستيفاء الا بعد مالية الرهن فاستيفاء العشرة من خمسة لا يتحقق فلهذا كان للمرتهن أن يرجع على الرهن بفضل الدين قال ولا يجوز الرهن غير مقبوض عينا وقال مالك رحمه الله لا يلزم الرهن بالايجاب والقبول اعتبارا بالبيع فان هذا العقد يختص بمال من الجانبين فيكون في معنى مبادلة مال بمال وهو وثيقة بالدين بمنزلة الكفالة والحوالة وذلك يلزم بالقبول وحجتنا في ذلك قوله تعالى (فرهان مقبوضة) فقد وصف الله تعالى الرهن بالقبض فينتقض أن يكون هذا وصفا لازما لا يفارقه الرهن ثم قد بينا أن موجب العقد ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن وكما أن حقيقة الاستيفاء لا تكون الا بالقبض فكذلك يد الاستيفاء لا تثبت الا بالقبض والمقصود الجاء الراهن حياته ليسارع إلى قضاء الدين ولا يحصل ذلك الا بثبوت يد المرتهن على الرهن ومنع الراهن منه والمقصود أيضا ثبوت حياة حق المرتهن عند الضرر الذى يلحقه بمزاحمة سائر الغرماء فانما يحصل ذلك للمرتهن باعتبار يده لان به يصير أحق من سائر الغرماء ثم في ظاهر الروايات القبض بحكم الرهن ثبت بالتخلية لان القبض بحكم عقد مشروع بمنزلة قبض المبيع وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله انه لا يثبت في المنقول الا بالنقل لانه قبض موجب للضمان ابتداء بمنزلة الغصب فكما أن المغصوب لا يصير مضمونا بالتخلية بدون النقل فكذلك المرهون بخلاف الشراء فكذلك القبض ناقل للضمان من البائع للمشترى الا ان يكون موجبا للضمان

[ 69 ] ابتداء والاول أصح لان حقيقة الاستيفاء تثبت بالتخلية فالقبض الموجب لهذا الاستيفاء أيضا ثبت بالتخلية ولا يجوز رهن المشاع فيما يقسم وما لا يقسم من جميع أصناف ما يرهن عندنا وقال الشافعي رحمه الله يجوز لان المشاع عين يجوز بيعه فيجوز رهنه كالمقسوم وهذا لان موجب الرهن استحقاق البيع في الدين لان الرهن مشروع لصيانة حق المرتهن عن الضرر الذى يلحقه بمزاحمة سائر الغرماء فالمشروع وثائق منها ما يؤمنه عن جحود المديون وذلك كالشهود ومنها ما يؤمنه عن سياق الشهود وذلك الكتاب ومنها ما يؤمنه عن التوى بافلاس من عليه وذلك الكفالة والحوالة ومنها ما يؤمنه عن ابراء بعض حقه بمزاحمة سائر الغرماء اياه بعد موت المديون وذلك الرهن فإذا كان مشروعا لهذا النوع من الوثيقة كان المستحق به البيع في الدين فيختص بمحل يقبل البيع في الدين ثم القبض شرط تمام هذا والشيوع لا يمنع أصل القبض (ألا ترى) أن الشائع يصلح أن يكون رأس مال السلم وبدلا عن الصرف وبالاجماع هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة تتم بالقبض وكذلك عندي فميا يحتمل القسمة جائز ودوام يد المرتهن ليس بشرط لبقاء حكم الرهن فانه بعد القبض لو أعاره من الراهن أو غصبه الراهن منه يبطل به الرهن وكان للمرتهن أن يشترطه ولا يجوز أن يدعى أن موجب العقد اليد لان بالعقود المشروعة انما يستحق ما هو المقصود واليد ليست بمقصودة بنفسها بل للتصرف أو للانتفاع والمرتهن لا يتمكن منه بشئ من ذلك والدليل عليه جواز رهن العين من رجلين بدين لهما عليه وانما يكون رهنا من كل واحد منهما نصف العين وهذا على أصلكم أظهر حتى إذا هلك كان نصفه مضمونا بدين كل واحد منهما وإذا كان ايجاب البيع في العين لاثنين ايجابا لكل واحد منهما في النصف فكذلك الرهن ثم كل عقد جاز في جميع العين مع اثنين يجوز في نصفه مع الواحد كالبيع ولنا في المسألة الحالة طريقان أحدهما أن رهن النصف الشائع بمنزلة قوله رهنتك هذا العير يوما ويوما لا وذلك لا يجوز فهذه مسألة وبيانه أن موجب عقد الرهن دوام بين المرتهن عليه من وقت العقد إلى وقت انفكاكه وذلك لا يتحقق مع الشيوع لانه يحتاج إلى المهايأة مع المالك في الامساك فينتفع المالك به يوم بحكم الملك ويحفظه المرتهن يوما بحكم الرهن فهو بمنزلة قوله رهنتك يوما ويوما لا لانه ينعدم استحقاق اليد للمرتهن في يوم الراهن وكان ذلك سببا يقترن بالعقد وهو الشيوع ومتى اقترن بالعقد ما يمنع موجبه لم يصح العقد والدليل على أن دوام اليد موجب العقد قوله تعالى (فرهان مقبوضة) هذا يقتضى

[ 70 ] أن لا يكون مرهونا الا في حال يكون مقبوضا فيه ولان المقصود بالرهن ضمان حق المرتهن عن التوى لجحود منه عليه فنقل الحكم من الكتاب والشهود إلى الرهن فيكون المقصود بالمنقول إليه ما هو المقصود بالمنقول عنه وذلك لا يحصل الا بدوام اليد عليه لانه إذا عاد إلى يد الراهن ربما يجحد الرهن والدين جميعا وكذلك المقصود الجاء الراهن ليسارع إلى قضاء الدين وانما يحصل هذا المقصود بدوام يد المرتهن عليه والدليل عليه أن المرهون إذا كان شيأ لا ينتفع به مع بقاء عينه فللمرتهن أن يحبسه عند اطلاق العقد ولو لم يكن دوام اليد موجب العقد ما كان له أن يحبسه لان الراهن يقول أنا أشفق على ملكى منك وحقك البيع في الدين ولا يفوت ذلك عليك بيدى وحيث كان المرتهن أحق بامساكه عرفنا أن دوام اليد موجب هذا العقد ولسنا نعين وجود يد المرتهن حينا وانما نعنى استحقاق دوام اليد وبالاعادة من الراهن أو الغصب لا ينعدم الاستحقاق فلهذا لا يبطل منه الرهن وفى الرهن من رجلين استحقاق دوام اليد ثابت لكل واحد منهما في جميع العين حتى إذا قضى جميع دين أحدهما يكون للآخر حبس جميع الرهن حتى يستوفى دينه وكما يجوز أن يكون الواحد محبوسا بدين اثنين لا يكون جميعه محبوسا بدين واحد منهما فكذلك حبس العين بحكم الرهن ثم اليد مستحقة على الراهن هناك ولا يكون له حق اعادة شئ من العين إلى يده ما لم يقبض الدين والعقد بهذا يتم وان يكن لكل واحد منهما حق التعذر بامساك العين كما لو شرط أن يكون الرهن على يدى عدل يجوز العقد لاستحقاق اليد على الراهن وان لم يكن للمرتهن حق اثبات اليد عليه في شئ من المدة وللمالك فيما له ملك العين والمنفعة واليد فكما يجوز أن يوجب له ملك العين أو المنفعة يجوز أن يوجب له ملك اليد مقصودة وذلك بعقد الرهن وهذا لان اليد مقصودة (ألا ترى) أن الغاصب يضمنه بتفويت اليد كما يضمن المتلف باتلاف العين وإذا كان باليد يتوصل إلى التصرف والانتفاع كانت اليد مقصوده بالطريق الا آخر إذ موجب عقد الرهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن على ما بيناه ومنه جانب الاستيفاء في الجزء الشائع لا يتحقق لان اليد حقيقة لا تثبت الا على جزء معين وإذا كان المرهون جزأ شائعا لو ثبت حكم الرهن انما يكون عند التخلي لجميع العين أو عند نقل جميع العين حقيقة ونصف العين ليس بمعقود عليه وإذا كان موجب العقد لا يتحقق الا باعتبار ما ليس بمعقود عليه لا ينعقد العقد أصلا كما لو استأجر أحد زوجي المقراض لمنعه قرض الثياب وبهذا تبين أن العين فيما هو

[ 71 ] موجب الرهن غير محتمل للتجزئ وعند اضافة العقد إلى نصفه لم يثبت في كله فيبطل العقد أصلا لتعذر أسباب موجبه في النصف كالمرأة في حكم الحلى لما كانت لا تجزأ فإذا أضيف النكاح إلى نصفها بطل عند الخصم وعندنا يثبت في الكل وهذا بخلاف الرهن من رجلين لان موجب العقد هناك وهو يد الاستيفاء ثبت في جميع المحل غير متجزئ ثم حكم التجزى يثبت بين المرتهنين عند تمام الاستيفاء بالهلاك للمزاحمة وبه لا يظهر التجزى في المحل (ألا ترى) أن نصف العين لا يستحق قصاصا ثم يجب القصاص لاثنين في نفس واحدة ويكون كل واحد منهما مستوفيا للنصف عند العقل باعتبار أن لا يظهر حكم التجزى في القصاص فكذلك فيما نحن فيه فان قيل كيف يستقيم هذا والشرع لا يمنع الاستيفاء حقيقة فان من كان له على غيره عشرة فدفع إليه المديون كيسا فيه عشرون درهما ليستوفى حقه منه يصير مستوفيا حقه من النصف شائعا وإذا كان الشيوع لا يمنع حقيقة الاستيفاء فكيف يمنع ثبوت يد الاستيفاء قلنا موجب حقيقة الاستيفاء ملك عين المستوفى واليد هي على الملك والشيوع ولا يمنع الملك فيما هو الموجب يمكن اثباته في الجزء الشائع هناك وموجب الرهن يد الاستيفاء فقط وذلك لا يتحقق في الجزء الشائع وبهذا الطريق كان مستوفيا في حكم الرهن عما يحتمل القسمة وعما لا يحتمل القسمة بخلاف الهبة فان موجب العقد هناك الملك والقبض شرط ثمام ذلك العقد فيراعى وجوده في كل محل بحسب الامكان ولهذا لا يجوز رهن المشاع من الشريك هنا لان موجب العقد لا يتحقق فيما أضيف إليه العقد سواء كان العقد مع الشريك أو مع الاجنبي بخلاف الاجارة عند أبى حنيفة رحمه الله فالشيوع هناك انما يؤثر لا لان موجب العقد ينعدم به بل لانه يتقرر استيفاء المعقود عليه علي الوجه الذى أوجبه العقد لان استيفاء المنفعة يكون من جزء معين وذلك لا يوجد في الاجارة من الشريك فانه يستوفى منفعة الكل فيكون مستوفيا منفعة ما استأجر لا على الوجه الذى استحقه وان كان لا يمكن استيفاء المعقود عليه الا بما يتناوله العقد لا يمنع جواز العقد كبيع الرهن فانه استيفاء لا يمكن الا بالوعاء ولا تمنع به صحة العقد وعلى هذا قلنا إذا استحق نصف المرهون من يد المرتهن بطل الرهن في الكل وقال ابن أبى ليلى رحمه الله على الرهن في النصف الآخر لان العقد صح في الآلة في جميع العين فان كون الملك بغير الراهن لا يمنع صحة الرهن وثبوت موجبه كما لو استعار منه غيره بيتا ليرهنه بدين ثم بطل حكم العقد في البعض لانعدام الرضا من المالك به فيبقي صحيحا فيما

[ 72 ] بقى كما لو استحق نصف المبيع ولكنا نقول العقد في المستحق يبطل منه الاصل لانعدام الرضا من المالك به فلو صح في النصف الآخر لكان هذا اثبات حكم الرهن في النصف شائعا والنصف الشائع ليس بمحل موجب الرهن وهو نظير ما لو تزوج أمة باذن مولاها فاستحق نصفها ولم يجز المستحق النكاح بطل النكاح في الكل لهذا المعنى فأما الشيوع الطارئ بأن رهن جميع العين ثم تفاسخا فالعقد ليس بمحل موجب الرهن وهو نظير مالو تزوج أمة في النصف ورده المرتهن لم يذكر جوابه في الكتاب نصا والصحيح أن الشيوع الطارئ كالمقارن في أنه مبطل للرهن فانه قال في القلب المكسور إذا ملك المرتهن البعض بالضمان يتعين ذلك القدر مما بقى منه مرهونا كيلا يؤدي إلى الشيوع وقالوا في العدل إذا سلط على بيع الرهن كيف شاء فباع نصفه يبطل الرهن في النصف الباقي لما بينا أن الجزء الشائع لا يكون محلا بخلاف الشيوع الطارئ في الهبة والقبض هناك شرط تمام العقد وليس شرط بقاء العقد وتاثير الشيوع في المنع منه تمام التبعيض وذكر سماعا أن أبا يوسف رحمه الله رجع عن هذه وقال الشيوع الطارئ لا يمنع بقاء حكم الرهن بخلاف المقارن وقاس ذلك بصيرورة المرهون دينا في ذمة غير المرتهن فانه يمنع ابتداء الرهن ولا يمنع بقاءه حتى إذا أتلف المرهون انسانا ووضع المرهون ثمنه تكون القيمة والثمن رهنا في ذمة من عليه وابتداء عقد الرهن مضافا إلى دين في الذمة لا يجوز فكذلك الجزء الشائع قال وإذا ارتهن الرجل ثمره في نخل دون النخل أو زرعا أو رطبا في أرض دون الارض لم يجز لان المرهون متصل بما ليس بمرهون خلفه فيكون بمنزلة الجزء الشائع وكذلك لو رهن النخل والشجر دون الارض أو البناء دون الارض فهو باطل لاتصال المرهون بما ليس مرهونا الا أن يقول بأصولها فحينئذ يدخل مواضعهها من الارض في الرهن وذلك معلوم معين فيجوز رهنه كما لو رهن بيتا معينا من الدار وان كان على النخيل ثمر تدخل الثمرة من غير ذكر لانهما قصدا تصحيح العقد ولا وجه لتصحيحه الا بادخال الثمار وليس فيه كبير ضرر علي الراهن لان ملكه لا يزول بخلاف البيع فهناك الثمار لا تدخل في العقد الا بالذكر لان تصحيح العقد في النخيل بدون الثمار ممكن بخلاف الهبة ففى ادخاله هناك اضرار بالمالك في ازالة ملكه عنها فانه قيل أليس أن لو رهن دارا هي مشغولة بأمتعة الراهن لا يصح الرهن ولا يقال لما لم يمكن تصحيح هذا العقد الا بادخال الامتعة ينبغى أن تدخل الا متعة في الرهن * قلنا لا اتصال للامتعة

[ 73 ] بالدار (ألا ترى) أنه لو باع الدار كل قليل وكثير هو فيها أو منها لم تدخل الامتعة بخلاف الثمار فهى بالتمليك والاتصال هنا من وجه لانها من النخيل (ألا ترى) أنه لو باع النخيل كله قليلا وكثيرا وهو فيها أو منها تدخل الثمار ولو رهن الارض دون النخيل لم يجزه في ظاهر الرواية فان المرهون مشغول بما ليس مرهونا مع تلك الراهن فهو كالدار المشغولة بمتاعه وكما لو رهن الارض بدون البناء * وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله ان رهن الارض بدون الاشجار يصح لان المستثنى شجر واسم الشجر يقع على الثابت على الارض (ألا ترى) انه بعد القلع يكون جذعا فكأنه استثنى اللاشجار بمواضعها من الارض وانما يتناول عقد الرهن سوى ذلك الموضع من الارض وهو معين معلوم بخلاف البناء فانه اسم لما يكون مبنيا دون الارض فيصير راهنا لجميع الارض وهى مشغولة بملك الراهن وإذا كفل الرجل بنفس رجل فأعطاه رهنا بذلك وقبضه المرتهن لم يجز لان الكفالة بالنفس ليست بمال والرهن يختص بحق يمكنه استيفاؤه من مال الراهن وما ليس بمال لا يمكنه استيفاؤه من مال الراهن وكذلك الرهن بجراحة فيها قصاص أو دم عمد ولا يضمنه المرتهن ان هلك الرهن في يده من غير فعله لانه قبضه باذن المالك ولم ينعقد العقد بينهما أصلا لانعدام الدين فلا يثبت حكم الضمان وكذلك الرهن والعارية والوديعة والاجارة وكل شئ أصله أمانة قال رضى الله عنه * واعلم بأن الرهن بالاعيان عى ثلاثة أوجه (أحدها) الرهن بعين هو أمانة وهذا باطل لان موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن وحق صاحب الامانة في العين مقصور عليه واستيفاء العين من عين آخر ممكن (والثانى) الرهن بالاعيان المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع وهذا لا يجوز أيضا لما قلنا (والثالث) الرهن بالاعيان المضمونة بنفسها كالمغصوب وهو صحيح لان موجب الغصب رد العين أن أمكن ورد القيمة عند تعذر رد العين وذلك دين يمكنه استيفاؤه من ماليه الرهن وكذلك الرهن بالدرك باطل لان الدرك ليس بمال مستحق يمكنه استيفاؤه ممن عليه الرهن وهذا بخلاف الكفالة بالدرك فانه يصح لان الكفالة تقبل الاضافة ولهذا لو كفل بما ذاب له على فلان فكذا إذا كفل بالدرك فانه يصح لانه يكون العقد مضافا وليس في المال ضمان مال يستحق فبطل الرهن ولو هلك في يد المرتهن لم يضمن لان ضمان الرهن ضمان استيفاء والاستيفاء لا يسبق الوجوب قال وإذا ارتهن الرجل من الرجل ثوبا وقبضه فقيمته والدين سواء فلو استحق

[ 74 ] رجل فانه يأخذه ويرجع المرتهن على الراهن بدينه لان عقد الراهن يبطل باستحقاق المرهون إذا اخذه المستحق من الاصل وان كان الثوب هلك في يد المرتهن فللمستحق أن يضمن قيمته أيهما شاء لانه عين بالاستحقاق أن الراهن كان غاصبا والمرتهن بمنزلة غاصب الغاصب وحق في المستحق فله أنه يضمنه أيهما شاء فان ضمن الراهن كان الرهن بما فيه لانه ملكه بالضمان من وقت وجوب الضمان فتبين أنه رهن ملك نفسه وان المرتهن صار مستوفيا دينه بهلاك الرهن وان ضمن المرتهن رجع على الراهن بقيمة الرهن لانه مغرور من جهته فان رهنه على أنه ملكه وفى قبض المرتهن منفعة للراهن من وجه وهو أن يستفيد براءة الذمة عند هلاك الرهن والمغرور يرجع على الغار بما يلحقه منه الضمان كما يرجع المستأجر على الآجر والمودع على المودع قال ويرجع بالدين أيضا عليه قال أبو حازم رحمه الله هذا غلط لانه لما رجع بضمان القيمة على الراهن فقد استقر الضمان عليه والملك في المضمون تبع لمن استقر عليه الضمان فإذا استقر الملك للراهن تبين أنه رهن ملك نفسه كما في الفصل الاول ومن صحح جواب الكتاب فرق بين الفصلين فقال المرتهن يرجع بالضمان على الراهن بسبب الغرور وذلك انما يحصل بالتسليم إلى المرتهن وهو انما يملك العين من حين العقد وعقد الرهن سابق عليه فلا يصح باعتبار هذا الملك فأما المستحق فانما يضمن الراهن باعبار قبضه فملكه من ذلك الوقت وعقد الرهن بعده قال ولو كان الرهن عبدا فابق فضمن المستحق المرتهن قيمته ورجع المرتهن على الراهن بتلك القيمة وبالدين ثم ظهر العبد بعد ذلك فهو للراهن لان الضمان استقر عليه قال ولا يكون رهنا لانه قد استحق وبطل الرهن وهذا اشاره لما قلنا ان الملك للراهن انما يتبع بقيمته من وقت التسليم بحكم الرهن وعقد الرهن كان سابقا على ذلك فلهذا بطل الرهن بالاستحقاق قال وإذا كان الرهن أمة فولدت عند المرتهن ثم ماتت هي وأولادها ثم استحقها رجل فله أن يضمن قيمتها ان شاء المرتهن وان شاء الراهن وليس له أن يضمن قيمة الولد واحدا منهما لان واحد منهما لم يحدث في الولد شيئا ومعنى هذه انه بالاستحاق ظهر ان كل واحد منهما كان غاصبا له والزوائد لا تضمن بالغصب إذا تلفت من غير صنع الغاصب لانعدام الصنع في الزيادة قال وإذا ارتهن أمة فوضعها على يدى عدل ليبيعها عند حل المال فولدت الامة فللعدل أن يبيع الولد معها لان العدل انما يبيعها بحكم الرهن وقد ثبت حكم الرهن في الولد وبه جاز للوكيل بيع الجارية ولو ولدت في يده فانه لا يملك أن

[ 75 ] يبيع ولدها لانه مبيع بحكم الوكالة وانما وكله في بيع شخص فلا يملك بيع شخصين وهنا انما يبيع العدل بحكم الرهن وحكم الرهن ثبت في الولد حتى كان للمرتهن أن يحبس الولد مع الاصل إلى أن يستوفى في دينه فلهذا ملك بيع الولد معها الا أن المرهون لو قتلها عبده فدفع بها كان للعدل أن يبيع المدفوع ولو أن الجارية التى وكل الوكيل ببيعها قتلها عبده فدفع بها لم يكن للوكيل أن يبيع العبد المدفوع فكذلك الولد لان حكم الولد حكم البدل في سريان حكم العقد إليه وهذه المسألة تنبنى على أن الزوايد المتولدة منه حين الرهن تكون مرهونة عند المرتهن على معنى أن له أن يحبسها بالدين وان لم يكن مضمونا حتى لا يسقط شئ من الدين بهلاكها كالزيادة على قدر الدين من الرهن وعند الشافعي رحمه الله لا يثبت حكم الرهن في الزيادة والراهن أحق بها لقوله ﷺ له غنمه وعليه غرمه فاطلاق اضافة الغنم إليه دليل على انه محض حق له وقال ﷺ الرهن مركوب ومحلوب والمراد انه محلوب للراهن بدليل قوله وعلى الذى يركبه ويحلبه نفقته والمعنى ان هذه زيادة تملك بملك الاصل فلا يثبت فيها حكم الرهن كالكسب والغلة وهذا لان الثابت بالرهن حق البيع في الدين عنده وذلك ليس بحق متأكد في القيمة فلا يسرى إلى الولد كحق الوكالة بالبيع وحق الدفع في الجارية الحامل وحق الزكاة في النصاب بعد كمال الحول بخلاف ملك الراهن فهو متأكد في العين لان العين هي المملوك والدليل على هذا أن حكم الضمان عندكم لا يثبت في الولد لهذا المعنى فكذلك حكم الرهن ولان الرهن وثيقة بالدين فلا يسرى إلى الولد كالكفالة وهذا عقد لا يزيل الملك في الحال ولا في المآل فلا يسرى إلى الولد كالاجارة والوصية بالخدمة وبتفصيل الوصية يظهر الفرق بين البدل والولد فان حق الموصى له بالخدمة يسرى إلى البدل لقيامه مقام الاصل ولا يسرى إلى الولد وحق ولد الجارية كذلك فكذلك حق المرتهن * وحجتنا في ذلك قول معاذ رضى الله عنه فيمن ارتهن نخيلا فأثمرت أن الثمار رهن معها وقال ابن عمر رضى الله عنهما في الجارية المرهونة إذا ولدت فولدها رهن معها والمعنى فيه أن حق المرتهن متأكد في العين فيسرى إلى الولد كذلك الراهن وبيان ثبوت الحق في العين أن توصف العين به يقال مرهون محبوس بحق المرتهن كما يقال مملوك للراهن ولهذا يسرى إلى بدل العين ودليل التأكيد ان من هو عليه لا يملك ابطاله (وفقه هذا الكلام) ما قررنا أن موجب عقد الرهن يد الاستيفاء ويد الاستيفاء انما تثبت في العين وهى معتبرة بحقيقة

[ 76 ] الاستيفاء وإذا كانت حقيقة الاستيفاء تظهر في موجبه من الزوائد التى تحدث بعده فكذلك يد الاستيفاء وهذا لان المتولد منه الاصل ثبت فيه ما كان في الاصل والاصل كان مملوكا للراهن مشغولا بحق المرتهن فيثبت ذلك الملك في الزيادة لا ملك آخر لانه يحتاج لملك آخر والى سبب آخر بخلاف الكسب والغلة فهو غير متولد منه الاصل ولا يثبت في الكسب لهذا المعنى وبخلاف حق المستأجر فهو في المنفعة لا في العين ولهذا لا يسرى إلى بدل العين فكذلك لا يسرى إلى الولد (توضيحه) أن الحق انما يسرى إلى الولد إذا كان محلا صالحا والولد محدث غير منتفع به فلم يكن محلا صالحا لحق المستأجر فأما الولد المنفصل فيكون مالا متقوما فيكون محلا صالحا لحق المرتهن ورد أن هذا من الاجارة ان ولدت المرهونة ولدا حرا باعتبار الغرور فالرهن لا يسرى على هذا الولد لانه ليس بمحل له وهذا هو العذر عن ولد المنكوحة فان حق النكاح لا يسرى إليه لانه ليس بمحل للحل في حق الزوج وهذا هو العذر عن ولد الجارية الموصى بخدمتها لانه لا يكون محلا صالحا للخدمه حتى ينفصل ثم حق الموصى في المنفعة والولد غير متولد منه المنفعة والسراية إلى الولد باعتبار خروج العين من الثلث لا لان حقه في العين وحق ولى الجناية ليس بمتأكد في العين فان ما عليه تقرر بابطال حق العين عن العين باعتبار اليد وحق الزكاة في الذمة لا في العين فان المستحق فعل أشياء في الذمة ثم من عليه ملك الاداء من محل آخر فعرفنا أنه غير متأكد في العين وحق الكفالة عندنا يسرى إلى الولد إذا كغلت أمة باذن مولاه بمال ثم ولدت فأما إذا كانت حرة فالحق بالكفالة ثبت في ذمتها والولد لا يتولد من الذمة وانما لا يثبت حكم الضمان في الولد عندنا لانعدام السبب الذى يجعل العين مضمونة عليه وهذا القبض مقصود (ألا ترى) أن ولد المعتق قبل القبض يسرى إليه حكم البيع ولا يكون مضمونا ان هلك لهذا المعنى وقوله ﷺ له غنمه وعليه غرمه يقتضى أن تكون الزيادة ملكا للراهن وذلك لا يبقى حقا للمرتهن فانه كما أضاف الزيادة إليه أضاف الاصل إليه بقوله الرهن من راهنه الذى رهنه ونحن نقول انه محلوب للراهن على معنى أن اللبن يكون مملوكا له وانه ينتفع به باذن المرتهن أيضا وليس في هذا الحديث أيضا ما يمنع ثبوت حق المرتهن فيه فان باعها العدل وسلمها ثم استحقها رجل ولا يعلم مكانها كان للمستحق أن يضمن العدل قمية الامة والولد لانه في حق المستحق غاصب والزيادة في عين المغصوب تضمن بالبيع والتسليم كالاصل لم يرجع العدل

[ 77 ] بذلك في الثمن الذي عنده ان كان فيه وفاء لان الثمن بدل العين وكما أن الضامن للعين يكون أحق الناس بالعين فكذلك يكون أحق ببدل العين وان لم يكن فيه وفاء رجع بتمام ما ضمن على الراهن لانه بالبيع كان عاملا للراهن بأمره ولانه باعهما ليقتضى الدين بالثمن ويفرغ ذمة الراهن ومنه لحقته العهدة في عمل باشره لغيره كان له أن يرجع به عليه وانما يرجع في الثمن لان جنس حقه من مال الراهن وهو بدل العين الذى كان وجب عليه ضمانه ولما كان مراد الضمان على الراهن كان الملك في المضمون له والعدل وكيله بالبيع فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة فان كان قد قضاه المرتهن فالعدل بالخيار وان شاء باع الرهن بذلك وسلم للمرتهن ما اقتضاه لانه في قضاء الدين كان عاملا للراهن بأمر فكان الراهن فعل ذلك لنفسه فله أن يرجع على الراهن بجميع ما ضمن من القيمة وإذا فعل ذلك سلم المقبوض للمرتهن لانه بدل ملك الراهن قضى به دينه وان شاء ضمنه المرتهن لان حقه ثابت في ذلك الثمن بدليل أنه لو لم يكن سلمه إلى المرتهن كان له أن يأخذه بحقه بعد التسليم إلى المرتهن وله أن يسترده منه أيضا ولا يضمنه المرتهن الا بقدر ما قبضه لان وجوب الضمان عليه باعتبار القبض وان كان في القيمة فضل رجع بالفضل على الراهن كما لو كان الراهن هو الذى قضى بالثمن * توضيحه أن العدل عامل للراهن بأمره ولكن في عمله منفعة للمرتهن من حيث انه يصل إليه بحق الا أن منفعته بقدر دينه فيثبت له الخيار وان شاء ضمن الراهن جميع القيمة لانه كان عاملا له وان شاء ضمن المرتهن بقدر ما قبض لحصول المنفعة في ذلك القدر له وإذا فعل ذلك رجع المرتهن على الراهن بدينه لان المقبوض لم يسلم إليه وليس له أن يأخذهما جميعا لان المخير بين الشيئين إذا اختار أحدهما تعين ذلك عليه وهذا لان اختياره تضمين الراهن بتسليم المقبوض للمرتهن فليس له أن يرجع عليه فإذا اختار أحدهما فافلس أو مات لم يكن له أن يتبع الآخر بذلك بمنزلة الغاصب مع غاصب الغاصب ولو لم يبعها العدل وماتا عنده كان للمستحق أن يضمن العدل حق الام دون الولد لان الولد هلك من غير صنع أحد ويرجع بها العدل على الراهن لانه عامل له قائم مقامه في امساك الرهن وقد بينا ان الرهن لو هلك في يد المرتهن ثم ضمن حصته للمستحق لرجع بها على الراهن فإذا هلك في يد العدل أولى قال وقبض العدل للرهن بمنزلة قبض المرتهن له في حكم صحة الرهن وذهابه بالدين إذا هلك عندنا وهو قول إبراهيم النخعي والشافعي وعطاء والحسن رحمهم الله وقال ابن أبى ليلى رحمه الله لا يتم الرهن بقبض

[ 78 ] العدل حتى إذا هلك في يد العدل لم يسقط الدين وان مات الراهن فالمرتهن اسوة الغرماء قال لان العدل نائب عن الراهن فكذا إذا لحقه عهدة يرجع على الراهن دون المرتهن وكما أن الرهن لا يتم بقبض الراهن وان اشفى عليه فكذلك لا يتم بقبض العدل والدليل أن موجب عقد الراهن بثبوت يد الاستيفاء وبهذا العقد لم يثبت ذلك للمرتهن لانه لا يتمكن من اثبات يده على العين وموجب العقد لا يجوز ان يثبت بغير العاقد كالملك في البيع وجه قولنا ان يد العدل كيد المرتهن بدليل ان ملك العدل رد الرهن برضا المرتهن ولو كانت يده كيد الراهن لتمكن الراهن من استرداده متى شاء وبأن كان يرجع بضمان الاستحقاق على الراهن فذلك لا يدل على أن يد الراهن كالمرتهن نفسه * توضيحه ان المرهون محبوس بالدين كالمبيع بالثمن ثم البائع إذا أبى تسليم المبيع إلى المشترى فوضعاه على يد عدل كانت يد العدل فيه كيد البائع الذى له حق الحبس حتى إذا هلك انفسخ البيع فكذلك في الرهن يد العدل كيد من له الحبس وهو المرتهن ولانه بعد التسليم إلى المرتهن لو اتفقا على وضعه على يد عدل كانت جائزة وكانت يد العدل فيه كيد المرتهن حتى يصير مستوفيا دينه بهلاكه ولو كانت يد العدل كيد الراهن لم يصر المرتهن مستوفيا دينه بهلاكه كما لو عاد إلى يد الراهن بطريق العارية والغصب وكان هذا نوع استحسان منا لحاجة الناس إليه ولكونه أرفق بهم فالراهن لا يأتمن المرتهن على عين ماله وعند ذلك طريق طمأنينة القلب لكل واحد منهما الوضع على يد عدل ولهذا جوزنا ذلك في الانتهاء فكذلك في الابتداء وان كان العدل مسلطا على البيع فله أن يبيعه وبدون تسليط ليس له أن يبيعه لانه قائم مقام المرتهن وللمرتهن أن يبيع الرهن إذا سلط عليه وليس له أن يبيعه إذا لم يسلط على ذلك ونفقته على الراهن سواء كان في يد العدل أو في يد المرتهن لقوله ﷺ وعلى من يحلبه ويركبه نفقته ولان العين باقية على ملك الراهن ونفقة المملوك على المالك وفى استحقاق اليد عليه للمرتهن منفعة للراهن فانه يصير قاضيا دينه بهلاكه فهو نظير العبد المؤجر تكون نفقته على الآجر وكذلك كفنه ان مات فان الكفن لباسه بعد وفاته فيعتبر بلباسه في حال حياته ولان ضمان الرهن ضمان الاستيفاء ولذلك ثبت في المالية دون العين ولهذا قلنا ان حكم الضمان لا يسرى إلى الولد فبقيت العين على ملك الراهن فكان كفنه عليه قال وإذا دفعه إلى الراهن أو المرتهن كان ضامنا له لانه خالف فيما صنع وكل واحد منهما منعه منه دفعه إلى الآخر بغير رضاه فيكون

[ 79 ] الدفع خيانة في حقه وكذلك لو استودعه رجل أجنبي لان العدل أمين في حفظ الرهن كالمستودع والمودع إذا أودع أجنبيا صار ضامنا وان أودعه بعض من في عياله لم يضمنه لانه يحفظ الوديعة على الوجه الذى يحفظ مال نفسه فكذلك العدل وكذلك المرتهن لو كان الرهن عنده فدفعه إلى من في عياله لم يضمنه وان دفعه إلى أجنبي كان ضامنا للعين قال وإذا كان العدل رجلين والرهن مما لا يقسم فوضعاه عند أحدهما كان جائزا ولا ضمان فيه كالمودعين لانه لما أودعهما مع علمه بأنه لا يتهيأ لهما الاجتماع على حفظه آناء الليل وأطراف النهار فقد صار راضيا بترك أحدهما اياه عند صاحبه وإذا كان مما يقسم اقتسماه فكان عند كل واحد منهما نصفه فان وضعاه عند أحدهما فمن الذى وضع حصته عند صاحبه في قول أبى حنيفة رحمه الله وعندهما لا ضمان عليه لان كل واحد منهما مؤتمن فيه وقد بينا المسألة في الوديعة ولو سافر العدل أو انتقل من البلد فذهب بالرهن معه لم يضمنه لانه أمين في العين كالمودع وللمودع ان يسافر بالوديعة عندنا وقد بينا اختلاف الرواية فيما له حمل ومؤنة وفيما لا حمل له ولا مؤنة قربت المسافة أو بعدت في كتاب الوديعة وكذلك المرتهن نفسه إذا كان الرهن في يده لانه لا تمنع عليه المسافرة بسبب الرهن ولو دفعه إلى غيره كان ضامنا مخالفا لما أوجب له نصا فلا يجد بدا من أن يسافر به معه فان سلط العدل على بيع الرهن فأبى أن يبيع فرفعه المرتهن إلى القاضى أجبره القاضى على البيع بعد أن يقيم البينة على ذلك بخلاف الوكيل فانه إذا امتنع عن البيع لا يجبره القاضى على ذلك لان الوكالة بالبيع ليست من ضمن عقد لازم فلا يثبت حكم اللزوم فيه وتسليط العدل على البيع في ضمن عقد لازم وهو الرهن فان موجب الاستحقاق للمرتهن لازم في حق الراهن والعدل نائب في البيع فيثبت حكم اللزوم في حقه نصا * توضيحه أن الوكيل إذا امتنع عن البيع لا يتضرر به الموكل لانه يتمكن من البيع نفسه وأما العدل إذا تضرر من البيع فانه يتضرر منه المرتهن لانه لا يتمكن من البيع هذا إذا كان التسليط مشروطا في عقد الرهن فان كان بعد تمام العقد في ظاهر الرواية لا يجبر العدل على البيع لان رضا المرتهن على الرهن قد تم بدونه هذا وهو توكيل مستأنف ليس في ضمن عقد لازم وعن أبى يوسف رحمه الله قال التسليط على البيع بعد الرهن يلتحق بأصل العقد ويصير كالمشروط فيه وعلى هذا لو أراد الراهن عزل العدل المسلط على البيع فان كان بعد تمام الرهن سلطه فهو على الخلاف الذى مضى وان كان مشروطا في عقد

[ 80 ] الرهن لم يصح عزله بدون رضا المرتهن لانه ثبت في ضمنه عقد لازم وهو نظير الوكيل بالخصومة بالتماس الخصم إذا أراد الموكل بغير محضر منه الخصم لم يصح ذلك عليه لدفع الضرر عنه فهذا مثله ولو مات العدل بطل تسلطه على البيع لان ذلك كان يتأتى باعتبار رأيه ولم يتعين بعد موته والرهن على ماله لان الرهن لو كان في يد المرتهن فمات لم يبطل العقد به فلان يبطل بموت العدل أولى قال وإذا أوصى العدل ببيعه لم يجز كما لو وكل ببيعه في حياته وهذا لان الراهن رضى برأيه ولم يرض برأى غيره وكذلك لو أراد وارث العدل بيعه لم يجز لان الوارث انما يخلف المورث فيما هو حق المورث وهذا حق الراهن والمرتهن وهما رضيا برأى العدل وما رضيا برأي وارثه فان أجمع الراهن والمرتهن على وضعه على يد غيره أو على يد المرتهن جاز لان الحق انهما رأيا ما يعتبر في حقهما كما في الابتداء وان اختلفا فجعل القاضى منهما عدلا فوضعه على يديه فذلك جائز لان القاضي منصوب لقطع الخصومة والمنازعة وطريق قطعها هنا أن يقيم عدلا آخر مقام الاول وكذلك ان وضعه على يد المرتهن وجعله عدلا فيه فهو جائز لان ما يرى القاضى المصلحة فيه عند اختلافهما بمنزلة تراضيهما عند الاتفاق عليه ولو لم يمت العدل ومات الراهن كان للاول أن يبيعه بخلاف الوكالة إذا مات الموكل قبل بيع الوكيل لان موت الموكل كعزله وبعد العزل في الوكالة ليس للوكيل أن يبيع وللعدل أن يبيع كما بينا فكذلك بعد الموت وهذا لانه بموت الوكيل تنتقل العين إلى الوارث ولم يوجد منه الرضا ببيعه وهنا المرتهن أحق بالعين بعد موت الراهن كما كان في حياته فكان للعدل أن يبيعه لحق المرتهن قال وإذا باع العدل الرهن وقضى المال المرتهن ثم وجد بالعبد عيبا فالخصم فيه هو العدل لان الرد بالعيب من حقوق العقد فيتعلق بالعاقد فإذا رد عليه ثمنه فانه يضمن الثمن لانه هو القابض للثمن من المشترى فعليه رده ويرجع به على المرتهن لانه لو كان الثمن في يديه ولم يدفعه إلى المرتهن لرجع فيه ويكون أحق به فكذلك بعد الدفع إليه يرجع به عليه وهذا لان منفعة عمله حصلت له فيستحق الرجوع عليه بما يلحقه منه العهدة ويكون الرهن رهنا على حاله الاولى يبيعه العدل لان البيع الاول قد بطل فكأنه لم يكن أصلا ولو لم تقم بينة على العيب ولكن العدل أقر به فان كان عيبا لا يحدث مثله فكذلك هذا لانا أثبتنا أن العيب كان موجودا قبل البيع وانما لم يستقل العدل بالانكار لعلمه أن ذلك قدح في عدالته ولا تمنعه وان كان عيبا يحدث مثله فلم يقر به ولكن أبى أن يحلف حتى رده القاضى عليه

[ 81 ] فهو كالاول عندنا خلافا لزفر رحمه الله وقد بينا هذا في الوكيل بالبيع إذا رد عليه نكوله في البيع فالعدل مثله وان أقر به لزمه خاصة لانه غير مضطر إلى هذا الاقرار فقد كان متمكنا من السكوت ليجعله القاضي منكرا ويعرض عليه اليمين ثم يقضى عليه بالنكول واقراره ليس بحجة على المرتهن ما لم يصدقه في ذلك فان صدقه رد عليه ما قبض منه وبيع الرهن ثابت ولا يلزم الراهن من وضعه ذلك شئ الا أن يقر به كما بينا أن اقرار العدل ليس بحجة عليه ما لم يصدقه فان صدقه فهو في حقهما كاقامة البينة ولو اقاله البيع أو رده عليه بعيب يحدث قبله أو لا يحدث مثله بغير قضاء قاض لزم ذلك العدل خاصة لان هذا التصرف في حق الراهن والمرتهن كشراء مستقبل وقد أشار في البيوع إلى العيب الذى لا يحدث مثله ان القضاء وغير القضاء سواء وقد بينا وجه الروايتين في البيوع والاصح ما ذكر هنا وإذا باع العدل الرهن ثم وهب الثمن للمشترى قبل أن يقبضه جاز وهو قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو خاصة له ولا يجوز في قول أبى يوسف رحمه الله بمنزلة الوكيل بالبيع إذ أبرأ المشترى من الثمن ولو قال قد قبضته فهلك عندي كان مصدقا في ذلك وكان من المال المرتهن لانه يملك القبض بحكم العقد فيملك الاقرار بالقبض وما ظهر باقراره كالمعاين ولو قبض الثمن وهلك في يده كان من مال المرتهن لان حكم الراهن تحول إلى الثمن فهلاكه في يده كهلاك العين وكذلك لو قال قد دفعته إلى المرتهن فهو مصدق مع يمينه ولا نقول باقرار العدل يثبت وصول الثمن إلى المرتهن لان القول قول الابن في براءة نفسه لا في وصول المال إلى القريب كما لو أمر المودع أن يقضى بالوديعة دينه وقال قد فعلت ولكنه يسقط حق المرتهن لان حكم الرهن تحول إلى الثمن وقد توى بعد اقرار العدل بما قال فكأنه هلك في يده ولو قبض الثمن ثم وهبه كله أو بعضه لم يجز لان المقبوض بحكم ملك الراهن مشغول بملك المرتهن فتصرف العدل فيه بطريق التبرع باطل ولو قال حططت عنك من الثمن كذا أو قال قد وهبت لك من الثمن كذا وكذا فذلك جائز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لان الحط يلتحق بأصل العقد ولو حط قبل القبض جاز عليه وصار ضامنا فكذلك إذا حط بعد القبض يجوز ذلك عليه وتبين أن قبض ذلك القدر بغير حق فعليه أن يغرم مثله للمشترى من ماله والمقبوض سالم للمرتهن لان تصرفه صحيح في حق نفسه لا في حق المرتهن وهذا بخلاف ما إذا أضاف الهبة إلى المقبوض لان المقبوض حق غيره فلا تصح هبته فهاهنا أضاف الهبة إلى الثمن والثمن بالعقد يجب للوكيل

[ 82 ] ولهذا لو وهبه قبل القبض جاز ذلك في حقه وهذا لان القبض يقرر الثمن لان المقصود يحصل بالقبض وبحصول المقصود ينتهى حكم الشئ ويتقرر مكان اضافة الهبة إلى الثمن بعد القبض كاضافته إليه قبل القبض فيصح ذلك في حقه وإذا باع العدل الرهن وأقر الراهن والمرتهن بالبيع فقال بعته بمائة درهم والدين مائة واعطيتكها وقال المرتهن بعته بخمسين وأعطيتكها فالقول قول المرتهن مع يمينه لان العين خرجت من الرهن بالبيع باتفاقهم جميعا مع الاختلاف منهما في مقدار ما قبض المرتهن من حقه وهو منكر للزيادة فالقول قوله وهذا بخلاف ما إذا قال الراهن لم يبعه وقال العدل بعته بخمسين وصدقه المرتهن لان العين في الحال هالكة وذلك مسقط لجميع الدين عن الراهن باعتبار أن في قيمته وفاء بالدين وقت القبض والمرتهن مع العدل يدعيان خروج العين عن الرهن والراهن منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه فأما هنا فقد اتفقا على خروج العين عن الرهن بالبيع وانما اختلفا في مقدار ما قبض المرتهن من دينه وكذلك لو كان توى الثمن على المشترى ثم اختلفا في مقداره لان العين لما خرجت من الرهن باتفاقهما وانما يحول حكم الرهن إلى الثمن بقدر الثمن واختلافهما في مقداره كاختلافهما في مقدار قيمة الرهن حين قبضه المرتهن والقول في ذلك قول المرتهن لانكاره الزيادة وان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة العدل والراهن لانهما شيآن الزيادة فيما استوفاه المرتهن والمثبت للزيادة من الشيئين أولى وإذا قال العدل قد بعته بخمسين وصدقه المرتهن وقال الراهن هلك في يدك قبل أن تبيعه وأقاما البينة فالبينة بينة الراهن أيضا لانه اثبت الزيادة فيما استوفاه المرتهن من الدين وعن أبى يوسف رحمه الله أن البينة هنا بينة المرتهن والعدل لانهما سبب خروج العين من الرهن وهو البيع والحاجة إلى البينة لها فكانت منهما أولى بالقبول ولو وكل العدل في بيع الرهن وكيلا فباعه والعدل حاضر جاز الا عند زفر رحمه الله وأصله في الوكيل بالبيع وقد تقدم بيانه في باب الوكالة فان كان العدل غائبا عن ذلك البيع لم يجز لان الآمر انما أوصى أن يتم العقد برأي العدل فان كان حاضرا كان تمام العقد برأيه بخلاف ما إذا كان غائبا وإذا لم ينفذ بيعه كان هذا وما لو باعه قبل التوكيل سواء فإذا أجازه العدل جاز ويصير كأنه باعه بنفسه لان تمام العقد حصل برأيه وكذلك لو وقت العدل للوكيل ثمنا فقال بعه بكذا فباعه به كان جائزا أما إذا كان بمحضر من العدل فغير مشكل وان كان بغير محضر منه فكذلك في رواية هذا الكتاب لان مقصود الآمر قد حصل حين وقت العدل للوكيل

[ 83 ] الثمن فان تمام العقد كان برأيه ومقصود الآمر الثمن لا العبادة وقد حصل وفى غير هذا الموضع قال لا يجوز لان تسميته مقدار الثمن يمنع النقصان ولكن لا يمنع الزيادة ولو حضر العدل ربما يبيعه بأكثر من ذلك لجده وكثرة هدايته في التزويج فلهذا لا يجوز بيع الوكيل الآن بخبرة العدل وإذا باع الرهن من ولده أو زوجته لم يجز الا أن يخبره الراهن والمرتهن في قول أبى حنيفة رحمه الله وفى قولهما بيعه منهم لما يتغابن الناس فيه جائز لان العدل بمنزلة الوكيل بالبيع وقد بينا في كتاب البيوع الخلاف في بيع الوكيل من مولاه فاللفظ المذكور هنا يدل على أن موضع الخلاف في البيع بالغبن اليسير دون البيع بمثل القيمة بخلاف باقى البيوع وقد بينا وجه الروايتين هناك فلو أجازه الراهن والمرتهن جميعا جاز لان المنع حقهما فإذا اتفقا على الاجازة نفذ لزوال المانع كما لو باع الرهن فضولي فأجاز الراهن والمرتهن فان أجاز ذلك أحدهما دون الآخر لم يجز كما لو باشر أحدهما البيع لم يجز بدون نص الآخر وإذا كان العدل اثنين وقد سلطا على البيع فباع أحدهما لم يجز ذلك لان الراهن والمرتهن نصا برأيهما والبيع يحتاج فيه إلى الرأى ورأى الواحد لا يكون كرأى المثنى فان أجاز الآخر جاز لاجتماع رأيهما عليه وكذلك ان أجازه الراهن والمرتهن كما لو باعه فضولي آخر فأجازه الراهن والمرتهن وان أجازه أحدهما دون الآخر لا يجوز لان للراهن ملكا وللمرتهن حق نصابه في الملك فكما لا ينفرد أحدها بالبيع بدون رضا الآخر فكذلك لا ينفرد بالاجازة وكذلك لو باعه أجنبي وأجاز الراهن أو المرتهن لم يجز وان أجازاه جميعا وأبى العدلان ذلك جاز لان الحق لهما ونفوذ البيع من العدلين باعتبار رضاهما فإذا وجد الرضا منهما في حق الاجنبي نفذ بيعه أيضا وقد خرج العدلان من الوكالة كما لو باشرا البيع بانفسهما وإذا أخرج الراهن والمرتهن العدل من التسليط على البيع وسلطا غيره أو لم يسلطا فقد خرج العدل من ذلك إذا علم وان لم يعلم فهو على وكالته لانه وكيل بالبيع والموكل ملك عزل الوكيل بعلمه فإذا كان حصول التوكيل برأيهما فكذلك العزل يثبت باتفاقهما عليه إذا علم العدل به قال وإذا أراد العدل بيع الرهن قبل حل الاجل لم يكن له ذلك لانه سلط على البيع لقضاء الدين عند امتناع الراهن من قضاء الدين من موضع آخر وانما يتحقق ذلك بعد حلول الاجل لان المطالبة بقضاء الدين تتوجه عليه عند ذلك وفي النوادر قال محمد رحمه الله هذا على وجهين اما أن يكون التسليط مضافا بأن قال إذا حل الاجل فلم أقض ماله فبعه لم يجز بيعه قبل حل الاجل ولو قال بعه

[ 84 ] منى متى شئت جاز بيعه قبل حل الاجل لانه صار وكيلا عقب هذا اللفظ فينفذ بيعه بحكم الوكالة ولكن الثمن يكون رهنا الا أن يحل الاجل فيستوفيه المرتهن بحقه وان قال المرتهن كان الاجل إلى شهر رمضان فالقول قول الراهن في التسليط على البيع والقول في حل الاجل قول المرتهن لان الاجل حق الراهن قبل المرتهن فإذا ادعي زيادة فيه وجحد المرتهن كان القول قوله فاما التسليط على البيع فمن حق المرتهن ويثبت بايجاب الراهن ولو أنكره أصلا كان القول قوله فكذلك إذا أنكر حلوله إذ ليس من ضرورة حل المال ثبوت التسليط على البيع لجواز أن يسلطه على البيع بعد مضي شهر من حين يحل المال فان اتفقا على الاجل انه شهر واختلفا في مضيه فالقول قول الراهن لان الاجل حق الراهن قبل المرتهن وقد تصادقا على ثبوته ثم ادعى المرتهن انه أوفاه ذلك وأنكر الراهن الاستيفاء فالقول قوله وإذا باع العدل الرهن بدنانير أو بغيرها من العروض والحق دراهم فله أن يصرفها بدراهم إذا كان مسلطا على بيعه حتى يوفيه في قول أبى حنيفة رحمه الله وعندهما ليس له أن يبيعه بعرض لان العدل وكيل بالبيع وقد بينا الخلاف في الوكيل بالبيع مطلقا أو باع بالعروض وإذا باع بالنقود يجوز بالاتفاق ولكنه مأمور بايفاء حق المرتهن والايفاء انما يكون بجنس الحق فكان له أن يصرف الثمن إلى جنس الحق ليقضى الدين به وكذلك يبيع العروض به في قول أبى حنيفة رحمه الله وكذلك ولو باعه بمكيل أو موزون فهو كالبيع بالعروض على قياس الوكيل وذكر الكرخي رحمه الله ان الرهن إذا كان بطعام السلم فباعه العدل بجنس ذلك الطعام يجوز البيع عندهم جميعا لان عندهما انما يتقيد البيع بالنقد بدلالة العرف وذلك غير موجود هنا ثم هذا عرف وعارضه نص لانه سلطه على البيع لقضاء الدين وذلك بجنس الدين يتحقق وان باعه بالنقد احتاج إلى أن يسوى به طعاما ليقضى به حق رب السلم فلاجل هذا جوزنا بيعه بالطعام قال ولو باعه بنسيئة كان البيع جائزا بمنزلة الوكيل بالبيع مطلقا وروى اصحاب الاملاء عن أبى يوسف رحمهم الله أنه إذا قال لغيره بع هذا المتاع فانى محتاج إلى النفقة أو قال بعه فان غرمائي ينازعونني فباعه بالنسيئة لا يجوز لانه اقترن بكلامه ما يدل على ان مراده البيع بالنقد وعلى قياس تلك الرواية لا يجوز بيع العدل بالنسيئة أيضا لانه أمره بالبيع عند حل الاجل ليوفى حق المرتهن من الثمن وذلك لا يحصل الا بالبيع بالنقد وان توى الثمن عند المشترى فهو من مال المرتهن لما بينا ان حكم الرهن تحول من العين إلى الثمن وان كان في ذمة المشترى

[ 85 ] كما لو قبل المرهون تحول حكم الرهن من العين إلى القيمة ولو هلكت العين قبل البيع يصير المرتهن به مستوفيا حقه فكذلك إذا توى الثمن وفيه وفاء بالدين وإذا كان الرهن أرض خراج أو عشر فأخذ السلطان الخراج أو العشر من الثمرة كان للعدل أن يبيع ما بقى مع الارض الرهن لما بينا ان حكم الرهن يثبت في الزيادة المولدة من العين ولا يسقط باعتبار ما أخذ السلطان من ذلك شئ من الدين لان ذلك مستحق على الرهن ولان ذلك الجزء كالتاوى بغير صنع المرتهن ولو هلك الكل بغير صنعه لم يسقط شئ من دينه فان قيل كيف يأخذ السلطان الخراج من الثمرة والخراج في ذمة الراهن قلنا قد قيل ان المراد خراج المقاسمة وهو جزء من الخارج كالعشر وان كان المراد خراج الوظيفة فله تعلق بالخراج بدليل انه لو امتنع من أداء الخراج يبيعه الامام بطريق الاجتهاد وإذا أخذ السلطان الخراج أو العشر من الراهن لم يكن للراهن أن يرجع بشئ من الثمرة وهو كله رهن يبيعه العدل ويوفيه المرتهن ولا شك ان للسطان أن يأخذ منه الخراج وكذلك العشر عند حاجة مصارف العشر للسلطان أن يأخذ العشر من مالك الثمرة بعد ادراك الغلة وهذا لانه يطالبه بالاداء وله أن يؤدى من أي موضع شاء فإذا كان هو الذى رهن العين وتعذر عليه اداء العشر أخذه من غير الثمرة لزمه الاداء من محل آخر فإذا أخذ منه بقيت الثمار مملوكة للراهن محبوسة عند المرتهن بحقه وللعدل أن يبيع الكل كما بينا ولا يكون للراهن أن يرجع بشئ من الثمرة ما لم يقبض الدين لانه بتصرفه قصر يد نفسه عن الثمرة ما لم يؤد الدين وقد كانت الثمرة مشغولة بالعشر والخراج فإذا زال ذلك بادائه من محل آخر بقي حكم الرهن فيه على حاله قال ولو كان الرهن ابلا أو بقرا أو غنما سائمة لم يكن فيها زكاة لان على صاحبها من الدين ما يستغرق رقابها ووجوب الزكاة من المال النامى باعتبار عناء المالك قال ﷺ لا صدقة الا عن ظهر غنى وبالدين المستغرق ينعدم العناء والسبب إذا وجب الحكم بواسطة لم يثبت الحم بدون تلك الواسطة كشراء القريب يوجب العتق بواسطة الملك فإذا اشتراه لغيره لا يكون اعتاقا لانعدام الواسطة وان كان العدل هو الراهن فان كان المرتهن لم يقبض من يد الراهن فليس برهن لان تمام الرهن بالقبض ويد المالك في ماله لا تكون نائبة عن الغير فلا يصير المرتهن قابضا بيد الراهن وان كان المرتهن قبضه وجعل الراهن مسلطا على بيعه فهو رهن وبيع الراهن فيه جائز لان العين ملكه وهو مشغول بحق المرتهن فإذا رضى صاحب الحق بالبيع نفذ بيع المالك فيه وإذا ارتهن

[ 86 ] الرجل دارا أو سلط الراهن رجلا على بيعها ودفع الثمن إلى المرتهن ولم يقبضها المرتهن حتى حل المال لم يكن رهنا لانعدام القبض المتمم له وان باع العدل الدار جاز بيعه بالوكالة لا بالرهن لان العدل وكيل بالبيع وبقاء يد المالك في العين لا يمنع صحة الوكالة بالبيع وكذلك التبعيض في الخادم والدار لان الشيوع وان كان يمنع موجب الرهن فلا ينافى موجب الوكالة وأحد الحكمين ينفصل عن الآخر فالرهن وان لم يصح لعدم القيمة فالتوكيل بالبيع صحيح وإذا باع العدل ذلك دفع الثمن إلى الراهن دون المرتهن لان العين ملك الراهن ولم يثبت فيه حق المرتهن حين لم يصح الرهن فلهذا يدفع الثمن إلى الرهن ثم يقضي للمرتهن على الراهن بحقه وان دفع العدل المال إلى المرتهن لم يضمن لان الدفع إليه حصل بأمر المالك وان نهاه عن البيع لم يجز بيعه بعد ذلك وكذلك ان مات الراهن لم يكن للعدل أن يبيعه بعد موته لان نفوذ بيعه بالوكالة دون الرهن والوكالة تبطل بالعزل وموت الموكل والمرتهن أسوة الغرماء فيه لان اختصاصه به يكون باعتبار الرهن فإذا لم يتم الرهن كان أسوة الغرماء وإذا قتل العبد المرهون عبد فدفع به أو أخفى عينه فدفع بالعين كان العدل مسلطا على بيع العبد المدفوع لانه قائم مقام ما دفع به الا أن يرى أن حكم الرهن يثبت فيه بهذه الطريقة فكذلك حكم التسليط على البيع لان ذلك توكيل تعلق به الاستحقاق لكونه في ضمن الرهن فيظهر ظهور حكم الرهن فيه وإذا باع العدل الرهن فقال بعته بتسعين والدين مائة فأقر بذلك المرتهن فانه يسأل الراهن عن ذلك فان أقر أنه باعه وادعى أكثر من تسعين فالقول قول المرتهن والعدل فيه لاتفاقهما على خروج العين من الرهن بالبيع وانكار المرتهن للزيادة فيما تحول إليه حكم الرهن والبينة بينة الراهن لاثباته الزيادة وان لم يقر الراهن بالبيع وقال هلك في يد العدل فالقول قول الراهن إذا كانت قيمته مثل الدين لان بقبض الرهن تثبت يد الاستيفاء للمرتهن في جميع الدين ثم إذا ادعى ما ينسخه وهو البيع في الدين فلا يصدق في ذلك الا بحجة وإذا أقر بالبيع قال الراهن بعته بمائة وقال العدل بعته بتسعين وقال المرتهن بعنه بثمانين وقد تقابضا فالقول قول المرتهن ويرجع على الراهن بعشرين درهما لتصادقهم على ما ينسخ حكم الرهن في العين وهو البيع وانكار المرتهن للزيادة فيما استوفى من حقه والبينة بينة الراهن لانه هو المدعى لزيادة ايفاء الدين على المرتهن فان أقام العدل البينة انه باعه بتسعين وأعطاها للمرتهن وقال الراهن لم يبعه وأقام البينة انه لم يبع وانه مات في يده قبل أن يبيعه لم تقبل بينة الراهن على

[ 87 ] هذا لانهم لم يشهدوا على فصل ماله وانما شهدوا على انه لم يبع وهذا لا تجوز شهادتهم فيه لان البينة للاثبات فلا تقبل على النفي ولا بلفظ النفي وان كانت هذه البينة بلفظ الاثبات فقد بينا الخلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في ترجيح احدى البينتين على الاخرى فيما سبق وإذا ارتد العدل ثم باع الرهن ثم قتل على ردته فبيعه جائز لان نفوذ بيعه باعتبار الوكالة وردته لا تنافى ابتداء الوكالة فلا ينافى البقاء بطريق الاولى وانما لا يجوز أبو حنيفة تصرفه في ملك نفسه إذا قتل على الردة لان محل تصرفه حق ورثته وذلك غير موجود هنا فانه ليس بمالك للرهن وخلف وارثه فيه انما هو وكيل ببيعه وان أسلم فذلك أجوز لبيعه وان لحق بدار الحرب فلحاقه بمنزلة موته ولهذا يقسم القاضى ميراثه فان رجع مسلما فهو على وكالته وقد نص على الخلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في الوكيل إذا ارتد ولحق بدار الحرب فقيل حكم العدل على ذلك الخلاف وقيل بل هذا قولهم جميعا وأبو يوسف يفرق بينهما فيقول ردته ولحاقه موجب عزله بمنزلة ردة الوكيل وعزله نفسه وذلك يصح من الوكيل ولا يصح من العدل بعد القبول بحق المرتهن فكدلك يبقى حكم التسليط على البيع بعد لحاقه فإذا رجع فهو على وكالته وهذا لان هذه الوكالة تعلق بها الاستحقاق لكونها في ضمن الرهن على ما بينا وإذا ارتد الراهن والمرتهن فلحقا بدار الحرب أو قتل على الردة ثم باع العدل الرهن جاز بيعه لان لحاقهما كموتهما والقتل موت وقد بينا أن موتهما لا يبطل الرهن ولا حكم التسليط على البيع فكذلك هنا قال وإذا كان العدل عبدا محجوار عليه فان وضعا الرهن على يديه باذن مولاه فهو جائز لانه من أهل يد موجبة لتتميم العقد لو كان العقد معه باذن مولاه فكذلك إذا كان العقد مع غيره قلنا يتم العقد بيده على أن تكون يده نائبة عن يد المرتهن كما في الحر فان وضعا على يده بغير اذن مولاه فهو أيضا جائز لان الاهلية للعبد يكون آدميا مميزا أو مخاطبا بوجود الاذن من المولى وانما الحاجة إلى الاذن فيما يتضرر المولى به ولا ضرر على المولى في جعل يد العبد نائبة عن يد المرتهن ولكن عهدة البيع لا تكون عليه لان المولى يتضرر به من حيث انه يتوى ماليته فيه وانما العهدة على الذى سلطه على البيع لانه لما تعذر ايجاب العهدة على العاقد تعلقت باقرب الناس إليه وهو من سلطه على بيعه وكذلك الصبي الحر الذى يعقل إذا جعل عدلا فهو والعدل العبد سواء ان كان أبوه أذن له فالعهدة عليه ويرجع به على الذى أمره وان لم يكن أبوه أذن له فاستحق البيع من يد المشترى

[ 88 ] فان شاء المشترى رجع بالثمن على المرتهن الذى قبض المال لانه هو الذى ينتفع بهذا العقد حين سلم الثمن له وإذا رجع المرتهن على الراهن بماله وان شاء على الراهن لان البائع كان مأمورا من جهته وانما حصل بيعه وقبض الثمن له فكان له أن يرجع بالعهدة عليه ولو ذهب عقل العدل لم يجز بيعه في تلك الحالة أما إذا صار بحيث لا يعقل البيع فلا اشكال فيه وان كان بحيث يعقل البيع جازت الوكالة ونفذ البيع فقياس تلك المسألة هنا يدل على جواز بيعه في هذه الحالة والاصح أن يفرق بينهما فيقال لما وكله وهو صحيح العقل فهو ما رضى ببيعه الا باعتبار رأي كامل وقد انعدم ذلك بجنونه وأما أذا كان وكله وهو بهذه الصفة فقد رضى ببيعه بهذا القدر من الرأى فيكون هو في البيع ممتثلا أمره فان رجع إليه عقله فهو على وكالته لان حكم الرهن والتسليط باق بعد ذهاب عقله ولكنه عجز من تحصيل مقصود الراهن بعارض وذلك على شرف الزوال فإذا زال ذلك صار كان لم يكن وإذا كان العدل صغيرا لا يعقل أو كبيرا لا يعقل فجعل الراهن على يده لم يجزه ولم يكن رهنا لانه ليس من أهل اليد إذ هو مميز وقبض مثله لا يكون معتبرا شرعا وما هو المقصود بالقبض لا يحصل بقبضه فلا يمكن تتميم الرهن باعتبار اقامة قبضه مقام قبض المرتهن ولو كبر وعقل وباع الرهن جاز البيع لتسليط الراهن اياه على البيع لان الموكل ينفرد بالتوكيل ونفوذ تصرف الوكيل يعتمد علمه به فإذا باعه بعد ما عقل فقد وجد شرط نفوذ تصرف الموكل بعد صحة التسليط فهو نظير ما لو وكل غائبا ببيع شئ فبلغه وباعه وذكر الخصاف رحمه الله ان هذا قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله أما عند أبى حنيفة فلا يجوز بيعه بعد البلوغ لان التسليط كان لغوا لانعدام الاهلية عنده فلا ينعدم بحدوث الاهلية بخلاف الغائب فهو أهل للتصرف فيصح تسليطه وعلمه به شرط فإذا وجد نفذ تصرفه وإذا كان العدل ذميا أو حربيا مستأمنا والراهن والمرتهن مسلمين أو ذميين فهو جائز لان المستأمن في المعاملات بمنزلة الذمي أو المسلم وهو من أهل يد معتبرة شرعا وهو من أهل ان ينفذ بيعه بتسليط المالك كما ينفذ بيعه باعتبار ملكه فان لحق الحربى بالدار لم يكن له أن يبيع وهو في الدار لان المرهون في دار الاسلام رجع إلى دار الحرب عاجز عن تسليم ما في دار الاسلام لحاجته في الرجوع إلى أمان جديد فلهذا لا ينفذ بيعه فان رجع فهو على وكالته بالبيع لما بينا في المرتهن اللاحق بدار الحرب وان كان الحربى الراجع إلى دار الحرب هو الراهن والمرتهن أو العدل ذمى أو حربى مقيم في دار

[ 89 ] الاسلام باذن فله أن يبيعه لان لحاق الراهن والمرتهن بالدار كموتهما وذلك لا يمنع نفوذ بيع العدل ان كان قادرا على التسليم لبقاء الرهن والتسليط وإذا باع العدل الرهن وقبض الثمن فهلك عنده ثم رد عليه المبيع بعيب فمات عنده أو استحق أو هو باق في يده وقد أخره بالثمن حتى أداه فله أن يرجع على الراهن في ذلك كله لانه في البيع كان عاملا للراهن بامره ولا يكون له أن يرجع على المرتهن لان رجوعه عليه باعتبار قبضه الثمن منه ولم يوجد وان كان الراهن مفلسا والعبد في يد العدل فله أن يبيعه ويستوفى الثمن الذى غرمه لان بالرد بالعيب عليه انفسخ البيع فيبقى التسليط على البيع كما كان وإذا باعه فالثمن ملك الرهن وقد استوجب الرجوع على الراهن بما غرم فإذا ظهر حبس حقه من ماله كان له أن يأخذه وهو أحق بذلك من المرتهن لان دينه وجب بسبب هذا العبد ودين المرتهن في ذمة الراهن لا بسبب هذا العبد وكان صرف بدل العبد إلى دين وجب بسبب العبد أولى ولانه لو كان دفع الثمن إلى المرتهن كان له أن يرجع فإذا لم يكن دفعه إليه فلان يكون هو أحق به ولا يلزمه دفعه إليه أولى وإذا باع العدل الرهن بيعا فاسدا أو ربا لم يجز بيعه كما لو باشره المالك ولا يضمن العدل لانه وكيل وانما يضمن الوكيل بالاخلاف لا بالفساد فكل أحد لا يهتدى إلى التحرز عن الاسباب المفسدة للعقد كما إذا كان الرهن خمرا أو خنزيرا والراهن والعدل ذميين والمرتهن مسلما وباعه العدل فبيعه جائز بالوكالة والرهن باطل لان المرتهن مسلم والمسلم من أهل العقد على الخمر ولكن بطلان الرهن لا يبطل الوكالة بالبيع وان كان مسلما والعدل والمرتهن ذميين فالرهن باطل لما قلنا وبيع العدل ينفذ بالتوكيل في قول أبى حنيفة بمنزلة المسلم يوكل الذمي ببيع الخمر والخنزير وينبغى له أن يتصدق بالثمن فان قضاه العدل المرتهن ففعله كفعل الراهن بنفسه فينبغي ان يصدق بمثله لانه قضى دينه بمال يثبت فيه حق الفقراء فعليه أن يتصدق بمثله وان كان العدل مسلما فبيعه باطل لان المسلم ليس من أهل العقد على الخمر وليس له أن يباشره لنفسه أو لغيره والله أعلم * (باب الرهن الذى لا يضمن صاحبه) * (قال رحمه الله) وإذا ارتهن عبدا بألف درهم وقبضه وقيمته الف درهم ثم وهب المرتهن المال للراهن أو أبرأه منه ولم يرد عليه الرهن حتى هلك عنده من غير أن يمنعه اياه