المبسوط – للسرخسي الجزء 30
[ 1 ] (الجزء الثلاثون من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذى كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسى (تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوى الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
[ 2 ]
بسم الله الرحمن الرحيم باب ميراث ذوي الأرحام
( قال رضي الله عنه ) : اعلم أن محمدا رحمه الله ذكر هذا الباب قبل باب الولاء وزعم بعض الفرضيين أنه كان ينبغي له أن يقدم باب الولاء لأن مولى النعمة عصبة مقدم على ذوي الأرحام لكنا نقول إنه أراد أن يبين أحكام الميراث بالقرابة ثم يرتب عليه بيان الميراث بما أقيم مقام القرابة أو لما بين باب الرد وكان الرد بسبب الرحم أعقب ذلك بباب ميراث ذوي الأرحام ؛ لأن الاستحقاق هنا بالرحم كما أن هناك بالرحم والولاء نوعان ولاء عتاقة وولاء موالاة وولاء الموالاة يتأخر عن ذوي الأرحام فلهذا قدم هذا الباب ثم في توريث ذوي الأرحام اختلاف بين الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم فمن قال بتوريثهم من الصحابة رضوان الله عليهم علي وابن مسعود وابن عباس في أشهر الروايات عنه ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وأبو عبيدة بن الجراح ومن قال بأنهم لا يرثون زيد بن ثابت وابن عباس في رواية عنه ومنهم من روى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان ولكن هذا غير صحيح فإنه حكي أن المعتضد سأل أبا حازم القاضي عن هذه المسألة فقال أجمع أصحاب رسول الله ﷺ غير زيد بن ثابت على توريث ذوي الأرحام ولا يعتد بقوله بمقابلة إجماعهم . وقال المعتضد أليس إنه يروى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان ، فقال كلا وقد كذب من روى ذلك عنهم وأمر المعتضد برد ما كان في بيت المال مما أخذ من تركة من كان ورثه من ذوي الأرحام ، وقد صدق أبو حازم فيما قال ، وقد روي عن أبي بكر أنه قال : لا أتأسف على شيء كتأسفي على أني لم أسل رسول الله ﷺ عن ثلاث عن هذا الأمر أهو فينا فنتمسك به أم في غيرنا فنسلم إليه ، وعن الأنصار هل لهم من هذا الأمر شيء وعن توريث ذوي الأرحام فإني لم أسمع فيه من رسول الله ﷺ شيئا ولكني ورثتهم برأيي .
وأما الاختلاف بين التابعين فمن قال بتوريثهم شريح
[ 3 ]
والحسن وابن سيرين وعطاء ومجاهد وممن قال إنهم لا يرثون سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير رضي الله عنهم وأما الفقهاء فممن قال بتوريثهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وعيسى بن أبان وأهل التنزيل رحمهم الله وممن قال لا يرثون سفيان الثوري ومالك والشافعي أما من نفى توريثهم استدل بآيات المواريث فقد نص الله تعالى فيها على بيان سبب أصحاب الفرائض والعصبات ولم يذكر لذوي الأرحام شيئا وما كان ربك نسيا وأدنى ما في الباب أن يكون توريث ذوي الأرحام زيادة على كتاب الله وذلك لا يثبت بخبر الواحد والقياس . { وسئل رسول الله ﷺ عن ميراث العمة والخالة قال : نزل جبريل عليه السلام وأخبرني أن لا ميراث للعمة والخالة وخرج رسول الله ﷺ إلى قباء يستخير الله تعالى في ميراث العمة والخالة فنزل عليه الوحي أن لا ميراث لهما } ومن قال بتوريثهم استدل بقوله تعالى { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } معناه بعضهم أولى من بعض ، وقد بينا أن هذا إثبات الاستحقاق بالوصف العام وأنه لا منافاة بين الاستحقاق بالوصف العام والاستحقاق بالوصف الخاص ففي حق من ينعدم فيه الوصف الخاص يثبت الاستحقاق بالوصف العام فلا يكون ذلك زيادة على كتاب الله وقال النبي ﷺ { الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له } وفي حديث آخر قال عليه السلام { الخال وارث من لا وارث له يرثه ويعقل عنه } ولما مات ثابت بن الدحداح رضي الله عنه { قال رسول الله ﷺ لقيس بن عاصم المنقري هل تعرفون له فيكم شيئا ، فقال : إنه كان فينا ميتا فلا نعرف له فينا إلا ابن أخت } فجعل رسول الله ﷺ ميراثه لابن أخته أي لخاله ابن عبد الله المنذر وتأويل ما روي من نفي ميراث العمة والخالة في حال وجود صاحب فرض أو عصبة والكلام في هذه المسألة من حيث المعنى للفريقين مثل الكلام في مسألة الرد ، وقد بينا ثم ذوي الأرحام الأقارب الذين لا يستحقون شيئا بالفريضة والعصوبة من الذكور والإناث واختلفت الروايات فيمن يكون مقدما منهم فروى عيسى بن أبان عن محمد عن أبي حنيفة أن الجد أب الأب مقدم على أولاد البنات وفي ظاهر الرواية ذكر أن أولاد البنات يقدمون على الجد أب الأم في قول أبي حنيفة ، وهو قول أبي يوسف ومحمد . وجه ظاهر الرواية أن استحقاق الميراث لذوي الأرحام بالرحم في معنى الاستحقاق بالعصوبة ، ولهذا يقدم الأقرب فالأقرب ويستحق الأقرب جميع المال وفي الحقيقة العصوبة
[ 4 ]
بالبنوة مقدمة على الأبوة وابن الابن أولى من الجد فكذلك في معنى العصوبة يقدم أولاد البنات على الجد أبي الأم . وجه الرواية الأخرى عن أبي حنيفة أن الجد أب الأب أقوى سببا من أولاد البنات . ( ألا ترى ) أن الأنثى في درجته تكون صاحبة فرض وهي أم الأم بخلاف الأنثى في درجة ابن البنت ، ولأن من الناس من يجعل الأنثى التي تدلي بالجد أب الأم صاحبة فرض وهي أم أب لأم ولا يوجد مثل ذلك في حق أولاد البنات ثم الجد أب الأم مقدم على بنات الإخوة وأولاد الأخوات في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد تقدم بنات الإخوة وأولاد الأخوات على الجد أب الأم ، وهذا لأن من أصل أبي حنيفة أن في حقيقة العصوبة الجد يقدم على الإخوة فكذلك في معنى العصوبة يقدم الجد على بنات الإخوة وأولاد الأخوات وعندهما يسوى في حقيقة العصوبة بين الجد والإخوة إلا أن هنا قدموا بنات الإخوة وأولاد الأخوات ؛ لأن هناك كل واحد منهما يدلي بالأب والجد أب الأم يدلي بالأم ففي حقيقة العصوبة يعتبر الإدلاء بالذكر دون الأنثى ففي معنى العصوبة تقدم الإدلاء بالأب على الإدلاء بالأم ثم الذي يورثون ذوي الأرحام أصناف ثلاثة صنف منهم يسمون أهل القرابة وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وعيسى بن أبان وإنما سموا بذلك ؛ لأنهم يقدمون الأقرب فالأقرب وصنف منهم يسمون أهل التنزيل وهم علقمة والشعبي ومسروق ونعيم بن حماد وأبو نعيم وأبو عبيدة القاسم بن سلام وشريك والحسن بن زياد رحمهم الله سموا بذلك ؛ لأنهم ينزلون المدلي منزلة المدلى به في الاستحقاق ، وبيان ذلك فيما إذا ترك ابنة ابنة وابنة أخت على قول أهل القرابة المال لابنة البنت ؛ لأنها أقرب وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان بمنزلة ما لو ترك ابنة وأختا . والصنف الثالث يسمون أهل الرحم منهم حسن بن ميسر ونوح بن ذراح سموا بذلك ؛ لأنهم سووا بين الأقرب والأبعد في الاستحقاق وثبتوا الاستحقاق بأصل الرحم .
ثم كل فريق يزعم أن مذهبه موافق لما نقل في الباب عن الصحابة رضي الله عنهم . والمنقول عن الصحابة في هذا الباب ثلاث مسائل : إحداها - ما ذكره إبراهيم النخعي عن علي بن عبد الله فيمن مات وترك عمة وخالة أن المال بينهما أثلاثا الثلثان للعمة والثلث للخالة فزعم أهل التنزيل أن ذلك موافق لمذهبنا ؛ لأن العمة تدلي بالأب فأنزلها منزلة الأب والخالة تدلي بالأم فأنزلها منزلة الأم قال أهل القرابة بل هو موافق لمذهبنا من اعتبار القرب فإن العمة قرابتها قرابة الأب والأبوة تستحق بالفرضية وبالعصوبة
[ 5 ]
جميعا والخالة قرابتها قرابة الأم وبالأمومة تستحق الفرضية دون العصوبة فلهذا جعلنا المستحق بقرابة الأب ضعف المستحق بقرابة الأم ، ومن ذلك ما روى الشعبي عن ابن مسعود رضي الله عنه في ابنة ابنة وابنة أخت أن المال بينهما نصفان فذلك دليل على أن مذهبه مثل مذهب أهل التنزيل وروى الشعبي عن علي رضي الله عنه أن ابنة الابنة أولى من ابنة الأخت فهو دليل على أن مذهبه كمذهب أهل القرابة . وجه قول أهل التنزيل أن سبب الاستحقاق لا يمكن إثباته بالرأي ولا نص هنا من الكتاب أو السنة أو الإجماع على أن سبب الاستحقاق لهم فلا طريق سوى إقامة المدلي مقام المدلى به في الاستحقاق ليثبت به الاستحقاق بالسبب الذي كان ثابتا للمدلى به . ( ألا ترى ) أن من كان منهم ولد عصبة أو صاحب فرض فإنه يقدم على من ليس بعصبة ولا صاحب فرض وما كان ذلك إلا باعتبار المدلى به . وأما أهل الرحم يقولوا إن الاستحقاق لهم بالوصف العام ثابت بقوله تعالى { وأولوا الأرحام } وفي هذا الوصف ، وهو الرحم الأقرب والأبعد سواء . وأما وجه قول أهل القرابة أن استحقاقهم باعتبار معنى العصوبة ، ولهذا يقدم الأقرب فالأقرب ويستحق الواحد جميع المال ثم في حقيقة العصوبة تارة تكون زيادة القرب نقصان درجة يعني أن يكون أقرب بدرجة وتارة بقوة السبب ، ولهذا قدمت البنوة في العصوبة على الأبوة فكذلك في معنى العصوبة يثبت التقديم كما يثبت بقرب الدرجة وولد الابنة أقوى سببا من ولد الأخت فلهذا كان مقدما عليه ثم القول بما قال به أهل التنزيل يؤدي إلى قول فاحش ، وهو حرمان المدلي بكون المدلى به رقيقا أو كافرا فإن الإنسان لا يجوز أن يكون محروما عن الميراث بمعنى غيره ولو كان رق المدلى به يوجب حرمانه لكان موت المدلى به موجبا حرمانه أيضا ، وإذا ثبت أن في الحجب والحرمان لا يعتبر المدلى به فكذلك في الزيادة والنقصان لا يعتبر المدلى به ، وإنما يكون استحقاقه باعتبار وصف فيه ، وهو القرابة ولكن يقدم الأقرب لاعتبار معنى العصوبة كما قال الله تعالى { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } ثم لا خلاف أن الرد على أصحاب الفرائض مقدم على توريث بعض الأرحام إلا شيء يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قدم ذوي الأرحام على الرد ؛ لأنه لما اعتبر في حق أصحاب الفرائض الوصف الخاص سقط اعتبار الوصف العام في مقابلة من يستحق بالوصف وهم ذوو الأرحام ولكنا نقول : الوصف العام قد استوى فيه الفريقان ويرجح أصحاب الفرائض باعتبار قوة السبب في حقهم بالوصف الخاص
[ 6 ]
فيقدمون على ذوي الأرحام ثم ذوو الأرحام في الحاصل سبعة أصناف صنف منهم أولاد البنات والصنف الثاني بنات الإخوة وأولاد الأخوات والصنف الثالث الأجداد الفواسد والجدات الفاسدات والصنف الرابع العم لأم والعمة لأب وأم أو لأب أو لأم والخال والخالات والصنف الخامس أولاد هؤلاء والصنف السادس أعمام الأب لأم وعمات الأب وأخوال الأب وخالات الأب والصنف السابع أولاد هؤلاء وفي كل ذلك عند التساوي في الدرجة إذا كان أحدهما ولد صاحب فرض أو ولد عصبة والآخر ليس كذلك فولد صاحب الفرض والعصبة أولى ، بيان ذلك في ابنة ابنة ابن مع ابنة ابنة ابنة فقد استويا في الدرجة ولكن ابنة ابنة الابن ولد صاحب فرض فهي أولى وكذلك لو ترك ابنة ابنة أخ وابنة ابن أخ فابنة ابن الأخ أولى ؛ لأنها ولد من هو عصبة دون الأخرى ، ولو كان أحدهما ولد صاحب فرض والآخر ولد عصبة فهما سواء كابنة الأخ مع ابنة الأخت فإن إحداهما لا تصير محجوبة بالأخرى . وأما إذا كانت إحداهما أقرب فالأقرب أولى وإن كانت الأبعد ولد عصبة أو صاحبة فرض كابنة ابنة الابنة مع ابنة ابنة ابن الابن فإن ابنة ابنة الابنة أقرب بدرجة فهي أولى اعتبارا بحقيقة العصوبة ، وكذلك ابنة ابنة الأخت تتقدم على ابنة ابن ابن الأخ ؛ لأنها أقرب بدرجة ، وفي حقيقة العصوبة عند المساواة في الدرجة يقدم من هو أقوى سببا كالأخ لأب وأم مع الأخ لأب ، وعند التفاوت في الدرجة يقدم الأقرب كابن الأخ لأب وأم مع الأخ لأب فكذلك في معنى العصوبة . ثم اختلفوا بعد ذلك في كيفية قسمة الميراث بين ذوي الأرحام من أولاد الأولاد فكان أبو يوسف رحمه الله يقول أولا يعتبر في القسمة أول من يقع فيه الخلاف إذا اتفقت الآباء والأجداد واختلفت الأبدان فالقسمة على الأبدان للذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن اتفقت الأجداد واختلفت الآباء فالقسمة على الآباء ثم ينقل نصيب كل ذكر من الآباء إلى ولده ذكرا كان أو أنثى ونصيب كل أنثى إلى ولدها ذكرا كان أو أنثى ، وإن اختلفت الأجداد يقسم أولا على الأجداد ثم يجمع ما خص الذكور منهم فيقسم على أولادهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن اختلفت صفاتهم في الذكورة والأنوثة يجمع ما خص الإناث فيقسم بين أولادهن كذلك ، وهكذا يفعل في الآباء مع الأبدان ، وهذا قول محمد ، وهو الظاهر من مذهب أبي حنيفة ، ثم رجع أبو يوسف ، فقال : يعتبر في القسمة أبدانهم على كل حال ، وهو رواية شاذة عن أبي حنيفة والرواية
[ 7 ]
الأولى أشهر فقد ذكرت في الفرائض في الكتاب ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ، ثم رجع أبو يوسف عن ذلك . وجه قول محمد أن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا في العمة والخالة على أن للعمة الثلثين وللخالة الثلث ولو كان المعتبر في القسمة الأبدان لكان المال بينهما نصفين وفي اتفاقهم على أن المال بينهما أثلاثا دليل على أن المعتبر في القسمة المدلى به ، وهو الأب والأم ، ولأنا أجمعنا على أنه لو كان أحدهما ولد عصبة أو صاحب فرض كان أولى من الآخر ، وإنما يرجح بمعنى في المدلى به فإذا كان في الحرمان يعتبر المدلى به ففي النقصان أولى فبهذا يتبين أن المعتبر أول من يقع به الخلاف ؛ لأن في هذه المسألة قد استويا في الأب ، وهو المنسوب إلى الميت ، وفي الأبدان ، وإنما وقع الاختلاف فيما بين ذلك ، ثم اعتبرنا من وقع به الخلاف في ترجيح أحدهما على الآخر ، وهذا بخلاف العدد فإن المعتبر فيه أبدانهم دون المدلى به فإنه واحد ، وهذا لأن علة الاستحقاق كاملة في حق كل واحد منهم ، وهو القرابة والعلة تحتمل العدد فيجعل الأصل كالمتعدد حكما بتعدد الفرع وكمال العلة بكل واحد منهم بمنزلة جماعة قتلوا رجلا عمدا يجعل كل واحد منهم قاتلا على الكمال والمقتول ، وإن كان واحدا يجعل متعددا حكما لتكامل العلة في حق كل واحد منهم بخلاف صفة الذكورة والأنوثة فالموجود من ذلك في الفرع لا يمكن أن يجعل كالموجود في الأصل مع تحقق ضده فيه ؛ لأنه لا احتمال لذلك فيعتبر ما في الأصول من الصفة ؛ لأن الاستحقاق للفروع بناء على ذلك وأبو يوسف يقول قد استويا في سبب الاستحقاق فإن الاستحقاق للمرء في الأصل إنما يكون بمعنى فيه لا بمعنى في غيره والاستحقاق عندنا باعتبار القرابة وذلك معنى في أبدانهم ، وقد اتحدت الجهة أيضا وهي الولاء فثبتت المساواة بينهم في الاستحقاق ، وإن اختلفت الصفة في المدلى به . ( ألا ترى ) أنه لو كان في بعضهم صفة الرق أو الكفر لم يعتبر ذلك واعتبر حالة الأبدان في هذه الصفة فكذلك في صفة الذكورة والأنوثة فالدليل عليه العدد فإن اعتبار الذكورة والأنوثة في معنى اعتبار العدد ؛ لأن كل ذكر بمعنى اثنين فكل أنثى بمعنى واحد فإذا كان في العدد يعتبر الأبدان فكذلك في صفة الذكورة والأنوثة ، وهذا بخلاف العمة والخالة فالجهة هناك قد اختلفت ؛ لأن الأبوة غير الأمومة والاستحقاق بالسبب فباختلاف الجهة يختلف السبب معنى فأما عند اتحاد الجهة يكون السبب واحدا فيعتبر في الصفة الأبدان خاصة . وكذلك إذا كان بعضهم ولد صاحب فرض أو عصبة فالفرضية والعصوبة سبب الاستحقاق
[ 8 ]
وعند التفاوت بالسبب يعتبر المدلى به فلا تعتبر المساواة في أصل النسبة إلى الميت ؛ لأن في الأنساب إذا أمكن اعتبار الأبدان تعتبر الأبدان خاصة فيما بين الأولاد فإذا تعذر اعتبار ذلك يعتبر من هو أقرب إلى الأبدان . إذا عرفنا هذا فنقول أما إذا اختلفت الأبدان واتفقت الآباء فصورته فيما إذا ترك ابنة بنت وابن بنت أخرى فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين بالاتفاق ، وذكر الطحاوي أن على قول محمد رحمه الله المال بينهما نصفان باعتبار المدلى به ، وهذا غلط ، وإنما هو قول أهل التنزيل على ما نبينه أما عند أصحابنا المعتبر الأبدان هنا ؛ لأن أول من وقع به الخلاف الأبدان فأما إذا اختلفت أبدانهم واختلفت آباؤهم واتفقت أجدادهم فصورته فيما إذا ترك ابنة ابنة ابنة وابن ابنة ابنة وابنة ابن بنت وابن ابن بنت ففي قول أبي يوسف الآخر المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة عشر لكل ابن سهمان ولكل ابنة سهم . وأما على قول محمد القسمة أولا على الآباء واثنان منهم ذكران يعني ابنة ابن الابنة وابن ابن الابنة واثنان منهم أنثيان فقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة أربعة من ذلك للبنتين يدليان بالذكر ، ثم يقسم بينهما على الأبدان للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فانكسر بالأثلاث وسهمان للتين تدليان بالأنثى ، ثم يقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فقد وقع الكسر بالأثلاث في موضعين ولكن أحدهما يجزئ عن الآخر فتضرب ستة في ثلاثة فيكون ثمانية عشر كان للتين تدليان بذكر ثلثان اثنا عشر سهما ثمانية لابن ابن البنت وأربعة لابنة ابن البنت ، وكان للآخرين الثلث ستة بينهما أثلاثا أربعة لابن ابنة الابنة وسهمان لابنة ابنة البنت وبين هذه السهام موافقة بالنصف فاقتصر على النصف فيعود إلى تسعة فالتخريج كما بينا فأما إذا اختلفت أبدانهم وآباؤهم وأجدادهم فصورته فيما إذا ترك ابنة ابنة ابنة وابنة ابن ابن ابنة وابن ابنة ابن ابنة فعلى قول أبي يوسف الجواب ظاهر كما بينا ، وعند محمد يعتبر في القسمة الأجداد أولا واثنان منهم ذكران يعني أن ابنة ابن ابن الابنة وابن ابنة ابن ابنة والآخران أنثيان فتكون القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة الثلثان ، وهو أربعة لهذين والثلث للآخرين ، ثم ما أصاب الابنتين يقسم على آبائهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا . وأما نصيب الآخرين يقسم على الآباء للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فيقتصر على تسعة بعد الاقتصار كما بينا ، ثم يجمع ما أصاب من اتفقت آباؤهم واختلفت أبدانهم فيقسم ذلك بينهم على الأبدان للذكر مثل حظ الأنثيين فيتيسر التخريج بالقياس على الفصل المتقدم كما بينا . وإن اختلفت
[ 9 ]
الآباء دون الأجداد والأجداد دون الأبدان فصورة ذلك فيما إذا ترك ابنة ابنة ابنة ابنة وابني ابن ابنة وابنة ابن ابنة وابنة ابنة ابن بنت فعند أبي يوسف القسمة على الأبدان فيكون المال بينهم أرباعا بالسوية ، وعند محمد يعتبر أولاد الأجداد فإن أول من وقع به الخلاف الأجداد واثنان منهم أجدادهما ذكر يعني ابنة ابن ابن ابنة وابنة ابنة ابن بنت والأخريان أجدادهما أنثى فتكون القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة أربعة للبنين أجدادهما ذكر وسهمان للآخرين ، ثم ما أصاب اللتين أجدادهما ذكر يقسم بينهما على الآباء أثلاثا فنصيب ابنة ابن ابن الابنة ثلثي الثلاثين والأخرى ثلث الثلاثين وذلك الثلث يقسم بين الآخرين على الآباء للذكر مثل حظ الأنثيين فنصيب ابنة ابنة ابنة الابنة ثلث الثلث والأخرى ثلثا الثلث ، ثم ما يصيب كل أب فهو منقول إلى ولده فإن بين الأبدان موافقة ولا حاجة إلى قسمة أخرى مسألة من هذا الجنس هي ألطف مسائل الباب فاعتبرها وهي ثمانية نفر أربعة أجدادهم أنثى وأربعة أجدادهم ذكر فالأربعة الأولى ابنة ابنة ابنة ابنة وابن ابنة ابنة ابنة وابنة ابن ابنة ابنة وابن ابن ابنة ابنة والأربعة الذين أجدادهم ذكر ابن ابن ابن ابنة وابنة ابن ابن ابنة وابنة ابنة ابن بنت وابن ابنة ابن ابنة فعلى قول أبي يوسف الآخر المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على اثني عشر سهما باعتبار الأبدان . وأما على قول محمد فالعبرة للأجداد أولا في القسمة فيكون المال على اثني عشر سهما ثمانية من ذلك نصيب الأربعة الذين أجدادهم ذكر وأربعة نصيب الأربعة الذين أجدادهم أنثى ، ثم هذه الأربعة تقسم بينهم على الآباء واثنان من الآباء ذكر يعني ابنة ابن الابنة وابن ابن ابنة الابنة وابن ابن ابنة الابنة واثنان أنثى فيقسم هذا الثلث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ثلثاه ، وهو تسعا المال للذين أبوهما ذكر وتسع المال للآخرتين ، ثم هذا التسع يقسم بين ابنة ابنة ابنة ابنة الابنة وابن ابنة ابنة الابنة للذكر مثل حظ الأنثيين على أبدانهما فيكون للأولى ثلث التسع وللابن ثلثا التسع . وأما التسعان فبين ابنة ابن ابنة الابنة وابن ابن ابنة الابنة للذكر مثل حظ الأنثيين على الأبدان للابن ثلثا التسعين وللابنة الثلث ، ثم تجيء إلى ثلثي المال فتقسم ذلك بين الأربعة الذين أجدادهم ذكر على الآباء واثنان منهم ذكران يعني ابن ابن ابن الابنة وابنة ابن ابن الابنة والآخرين يدليان بأنثى يعني ابنة ابنة ابن الابنة وابن الابنة فيقسم الثلثان للذكر مثل حظ الأنثيين
[ 10 ]
على الأبدان ثلثا ذلك الثلثين للذين أجدادهما ذكر وثلث الثلثين للذين أجدادهما أنثى ، ثم يقسم ثلث الثلثين على الأبدان للذكر مثل حظ الأنثيين ثلثا ذلك الثلث لابن ابنة ابن الابنة وثلثه لابنة ابنة ابن الابنة والثلثان يقسم كذلك أيضا فإذا ضرب بعض هذا في بعض بلغ الحساب مائة وثمانية وبين الأنصباء موافقة بالربع فيقتصر على الربع وذلك سبعة وعشرون تسعة من ذلك للذين أجدادهم أنثى ، ثم ستة من هذه التسعة للذين أبوهما ذكر وثلاثة للذين أبوهما أنثى ، ثم تقسم هذه الثلاثة بينهما على الأبدان أثلاثا للذكر سهمان وللأنثى سهم . وكذلك الستة تقسم بين الآخرين على الأبدان للذكر أربعة وللأنثى سهمان وثمانية عشر للذين أجدادهم ذكر تقسم على الآباء أثلاثا ستة للذين يدليان بالأنثى ، ثم تقسم بينهما أثلاثا على الأبدان للأنثى سهمان وللذكر أربعة واثنا عشر حصة اللذين أبوهما ذكر تقسم بينهما أثلاثا على الأبدان للذكر منهما ثمانية وللأنثى أربعة فما يكون من هذا النحو تخريجه هذا فإن كان مع الثمانية ابنة ابنة ابن الابن فالمال كله لها ؛ لأنها ولد صاحبة فرض فإن ابنة ابن الابنة صاحبة فرض ، وعند المساواة في الدرجة ولد صاحب الفرض أولى ، وإن كان معهن ابنة ابن ابن الابن فلا شيء لها ؛ لأنها وإن كانت ولد صاحب فرض فهي أبعد بدرجة والبعدى محجوبة بالقربى ، وإن كانت ولد صاحبة فرض أو عصبة ، وإن كان مع الكل ابنة ابنة ابنة فهي أولى بجميع المال ؛ لأنها أقرب بدرجة من جميع من سمينا ، وإن كان معها ذكر يعني ابن ابنة الابنة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء لمن سواهما ، وإن كان معهم من هو أقرب بدرجة ، وهو ابنة الابنة فالمال كله لها ، وإن كان معها ذكر في درجتها ، وهو ابن الابنة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين هذا كله بيان أهل القرابة فأما بيان قول أهل التنزيل نقول إذا ترك ابنة ابنة ابنة وابن ابنة ابنة فعلى قول أبي عبيد وإسحاق بن راهويه المال بينهما نصفان سواء كانا من أم واحدة أو من أمين مختلفين وعلى قول أبي نعيم وشريك والحسن بن زياد إن كانا من أمين كذلك ، وإن كانا من أم واحدة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا ؛ لأن عند اختلاف الأصول كل فرع يقوم مقام أصله فكأنهما ابنتان للميت فالمال بينهما نصفان . وأما إذا اتحد الأصل فلا يمكن القسمة باعتبار الأصل ؛ لأن الواحد لا يقاسم نفسه فلا بد من اعتبار الفرعين في القسمة فيكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وجه قول عبيد أن كل فرع قائم مقام أصله فتتحقق المساواة بينهما سواء كان من أم واحدة أو من أمين فباعتبار تحقق المساواة تكون القسمة بينهما نصفان ، وهذا لأن سبب الاستحقاق في كل واحد منهما ما في المدلى به ، وهو التبنية ، وفي هذا لا فرق بين أن يكونا من أمين أو من
[ 11 ]
أم واحدة . ولو ترك ابنة ابنة وابني ابنة أخرى فعلى قول أهل القرابة المال بينهن أثلاثا وعلى قول أهل التنزيل القسمة نصفان نصف لابنة الابنة ونصف لابني الابنة نصفين بمنزلة الابنتين للميت ، ثم ينتقل إلى فرع كل أصل نصيب ذلك الأصل وكذلك لو ترك ابنة ابنة وعشر بنات ابنة ابنة فعلى قول أهل القرابة المال بينهن على أحد عشر سهما وعلى قول أهل التنزيل على عشرين سهما لبنات الابنة عشرة لكل واحدة منهن سهم فإن ترك ابنة ابنة وبنتي ابنة أخرى وثلاث بنات ابنة أخرى فعندنا المال بينهن أسداسا بالسوية ، وعند أهل التنزيل المال بينهن أثلاثا ثلث لابنة الابنة وثلثان لابنتي الابنة نصفان وثلث بين ثلاث بنات الابنة أثلاثا بالسوية فإن ترك ثلاثة بني ابن ابن ابنة وابن ابن ابنة أخرى وابن ابن أخرى لهذه الابنة فعلى قول أهل القرابة المال بينهم بالسوية أسداسا وعلى قول أهل التنزيل نصف المال لثلاثة بني ابن البنت والنصف الآخر بين ابني ابن الابنة الأخرى وابن ابنها نصفين بمنزلة ما لو كان للميت ابنان فيكون المال بينهما نصفين ، ثم ينتقل نصيب كل منهما إلى أولادهما فالنصف للثلاثة والنصف للفريقين الآخرين نصف ذلك لابني ابنها ونصفه لابن ابنها ؛ لأن كل واحد منهما يقوم مقام من يدلي به إليها في نصيبها من الميراث . فإن ترك ابنة ابنة ابنة وابنة ابنة أخرى فعلى قول أهل القرابة المال كله لابنة الابنة . وأما على قول أهل التنزيل فقد ذكر محمد بن سالم عن أبي نعيم أن المال بينهما نصفان ؛ لأن الأقرب إنما يترجح عند اختلاف الجهة فأما عند اتحاد الجهة الأقرب والأبعد عندهم سواء ، وقد اتحدت الجهة هنا وهي الولاء ، وهذا القول أقرب من قول أهل الرحم . فإن ترك ابنة ابنة وابنة ابنة ابن فعلى قول أهل القرابة المال كله لابنة الابنة وعلى قول أهل التنزيل ، وقد ذكره محمد بن سالم عن أبي نعيم أن المال بينهما أرباعا ثلاثة أرباعه لابنة الابنة والربع لابنة الأخرى على قياس قول علي في الرد وعلى قياس قول ابن مسعود في الرد المال كله بينهما أسداسا ؛ لأن كل واحدة منهما تنزل منزلة المدلى به من صاحب فريضة وإحداهما ولد الابنة فتنزل منزلتها والأخرى ولد ابنة الابن فتنزل منزلتها ولو ترك ابنة وابنة ابن كان المال بينهما أرباعا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود ، ثم ينتقل إلى ولد كل واحدة منهما حصتها من ذلك أو يقام المدلي مقام المدلى به . فإن ترك ابنة ابن وابن ابنة أمهما واحدة وترك أيضا ابنة ابنة ابن وابن ابنة ابن أمهما واحدة فعلى قول أهل القرابة المال بين ابنة ابنة الابن وابن ابنة الابن للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا ؛ لأنهما أقرب بدرجة
[ 12 ]
وعلى قول أهل التنزيل يكون المال بين هاتين وبين الآخرين أرباعا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد كما بينا ، ثم ثلاثة أرباع المال الذي هو نصيب ولدي الابنة على قول أبي عبيد بينهما نصفان وعلى قول أبي نعيم بينهما أثلاثا على ما بينا أن الأم إذا كانت واحدة عند أبي نعيم يعتبر في القسمة الأبدان ، وعند أبي عبيد لا فرق بين أن يكونا لأم واحدة أو لا يكونا في أن القسمة على المدلى به . وكذلك الربع الذي أصاب الآخرين على قول أبي نعيم بينهما نصفان للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى قول أبي عبيد بينهما نصفين فإن ترك ثلاثة بني ابن بنت وابن ابن ابنة وابني ابنة ابنة فنقول أما على قول أبي يوسف الآخر المال بينهما بالسوية أسداسا . وأما على قول محمد يقسم على الآباء أولا لابني ابنة الابنة سهمان وللأربعة ثمانية أسهم فإن أب كل واحد منهم ذكر ولكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم فيكون لابني ابنة الابنة في الحاصل خمس المال بينهما نصفين فتكون القسمة بين عشرة . وأما على قول أهل التنزيل فالظاهر من مذهبهم أن المال بين الفرق أثلاثا ثلثه لبني ابن الابنة بينهم أثلاثا وثلثه لابني ابنة الابنة وثلثه لابن ابن الابنة اعتبارا بالمدلى به ، وهو بمنزلة ما لو ترك ثلاث بنات ، وقد قال بعضهم المال بين الفريقين الأولين نصفين ولا شيء لابني ابنة الابنة ؛ لأن بني ابن الابنة هم ورثة الجدة . ( ألا ترى ) أنها لو كانت هي الميتة كانوا يرثونها بالعصبة ، فأما ابنتا ابنة الابنة فليستا بوارثتين للجدة حتى لا يرثا بأنها لعصوبة فكما أن الفريقين الآخرين يحجبان ابني ابنة الابنة عن ميراث الجدة فكذلك عن ميراث من يستحق ميراثه بالإدلاء بالجدة ، ثم يكون المال عندهم على ستة ثلاثة لابن ابن الابنة وثلاثة لبني ابن الابنة لكل واحد منهم سهم ؛ لأن كل فريق يقوم مقام المدلى به فكأنهما اثنان يقسم المال بينهما نصفان ، ثم ينتقل نصيب كل ابن إلى ولده واحدا كان أو أكثر . فإن ترك ابنة ابنة ابن وابن ابن ابنة فعلى قول أهل القرابة المال كله لابنة ابنة الابن ؛ لأنها ولد صاحب فريضة ، وعند المساواة في الدرجة ولد صاحب الفريضة أولى وعلى قول بعض أهل التنزيل المال كله لابن ابن الابنة فإنه وارث الجدة دون من سواها ، وقد بينا أن عندهم يقع الترجيح بهذا ، وعند بعضهم المال بين ابنة ابنة الابن وابن ابن الابنة أرباعا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد ؛ لأن ابنة ابنة الابنة وابن ابنة الابنة صارا محجوبين بابن ابن الابنة على ما بينا أنه وارث الجدة دونهما بقي ابنة ابنة الابن وابن ابن الابنة فكل واحد منهما يقوم
[ 13 ]
مقام من يدلي به من صاحب فريضة ، وابن ابن الابنة بمنزلة الابنة وابنة ابنة الابن بمنزلة ابنة الابن فيكون المال بينهما أرباعا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد ، وهذا طريق التخريج في هذا الجنس من المسائل والله أعلم بالصواب . باب ميراث أولاد الإخوة والأخوات من ذوي الأرحام ( قال رضي الله عنه ) : اعلم بأن ذوي الأرحام من هذا الصنف فرق أربعة إما أن يكونوا كلهم لأب وأم أو لأب أو لأم أو مختلطين ، ثم لا يخلو إما أن يكون بعضهم أقرب من بعض أو يكونوا متساويين في الدرجة فإن كان بعضهم أقرب فهو بالميراث أحق ، وإن كانوا متساويين في الدرجة إن كان بعضهم ولد صاحب فريضة أو عصبة فهو أولى ممن ليس بولد عصبة ولا صاحب فريضة ؛ لأن ولد العصبة وصاحب الفرض أقرب حكما والترجيح بالقرب حقيقة إن وجد ، وإن لم يوجد فبالقرب حكما ، فأما إذا استووا في ذلك أيضا فإن انفردوا فكانوا لأب وأم أو لأب فعلى قول أبي يوسف الآخر القسمة بينهم على الأبدان وعلى قوله الأول ، وهو قول محمد على الآباء حتى إذا ترك ابن أخت وابنة أخ وهما لأب وأم أو لأب فعند أبي يوسف الثلثان لابن الأخت والثلث لابنة الأخ ، وعند محمد على عكس هذا الثلثان لابنة الأخ والثلث لابن الأخت بمنزلة الأخ والأخت ، ثم ينتقل ميراث كل واحد منهما إلى ولده ، وإن كانا جميعا لأم ففي ظاهر الرواية المال بينهما في نصفان ، وقد روي في رواية شاذة عن أبي يوسف أن المال بينهما أثلاثا ووجهه بأن الأصل في المواريث تفضيل الذكر على الأنثى ، وإنما تركنا هذا الأصل في الإخوة والأخوات لأم لخصوص القياس بالنص ، وهو قوله تعالى { فهم شركاء في الثلث } والمخصوص من القياس بالنص لا يلحق به ما ليس في معناه من كل وجه وأولاد الإخوة لأم ليس في معنى الآباء ؛ لأنهم لا يرثون بالفرضية شيئا فيعتبر فيهم الأصل ، ثم توريث ذوي الأرحام بمعنى العصوبة ، وفي حقيقة العصوبة يفضل الذكر على الأنثى . وجه ظاهر الرواية أن قرابة كل واحد منهما قرابة الأم والاستحقاق بهذه القرابة إذ لا سبب بين الميت وبينهم سوى هذا وباعتبار قرابة الأم لا يفضل الذكر على الأنثى بحال وربما يفضل الأنثى فإن أم الأم صاحبة فرض دون أب الأم فإن لم تفضل هنا الأنثى فينبغي أن يسوي بينهما اعتبارا بالمدلى به وأما إذا كانا مختلطين بأن ترك ثلاث بنات إخوة متفرقين فعلى قول أبي يوسف المال كله
[ 14 ] لابنة الأخ لأب وأم ، وهو الظاهر من قول أبي حنيفة وعلى قول محمد لابنة الأخ لأم السدس والباقي لابنة الأخ لأب وأم ولا شيء لابنة الأخ لأب رواية عن أبي حنيفة ؛ لأن محمدا يعتبر المدلى به فكأنه ترك ثلاث إخوة متفرقين ، ثم نصيب كل أخ ينتقل إلى ولده وجه قول أبي يوسف أن الاستحقاق بمعنى العصوبة ، وفي حقيقة العصوبة يترجح من هو أقوى سببا فكذلك في معنى العصوبة والذي له إخوة من الجانبين يكون أقوى سببا من الذي تكون أخوته من جانب فلهذا يقدم ابنة الأخ لأب وأم على ابنة الأخ لأب يوضحه أنه لو كان أحدهما أقرب بدرجة كان هو أولى . وكذلك لو كان أحدهما ولد صاحب فرض أو عصبة كان هو أولى فكذلك إذا كان أحدهما أقوى سببا .
ولو ترك ثلاث بنات أخوات متفرقات فعلى قول أبي يوسف ، وهو الظاهر من قول أبي حنيفة المال كله لابنة الأخت لأب وأم وعلى قول محمد المال بينهم أخماسا على قياس قول علي في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد اعتبارا بالمدلى به فكأنه ترك ثلاث أخوات متفرقات ، ثم ينتقل ميراث كل أخت إلى ولدها . فإن ترك ابنة أخت لأب وأم وابن أخت لأب وأم فعلى قول أهل القرابة المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان وعلى قول أبي عبيد ومن تابعه سواء كانا من أم واحدة أو من أمين وعلى قول أبي نعيم ومن تابعه إن كانا من أمين فكذلك ، وإن كانا من أم واحدة فالمال بينهما أثلاثا ، وقد بينا نظيره في أولاد البنات فهو كذلك في أولاد الأخوات فإن ترك ابنة ابنة أخت وابنة ابنة ابن أخ فالمال كله لابنة ابنة الأخت ؛ لأنها أقرب درجة وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان ؛ لأنهم يعتبرون المدلى به ممن هو وارث في حق أحدهما هو الأخت ، وفي حق الآخر ابن الأخ فكأنه ترك أختا وابن أخ فيكون المال بينهما نصفين ، ثم ينتقل إلى المدلي ميراث المدلى به فإن ترك ابنة أخت وابنة أخ وابن أخ لأب وأم أو لأب فالمال كله لابن الأخ ؛ لأنه عصبة ، ثم الأنثى في درجته لا تجعل به عصبة هنا بخلاف الأخوات والأولاد ؛ لأن الأنثى متى كانت صاحبة فريضة عند الانفراد تصير عصبة بذكر في درجتها لكن لا يؤدي إلى تفضيل الأنثى على الذكر أو المساواة بينهما ، وهذا موجود في البنات والأخوات ، فأما هنا الأنثى بانفرادها لا تكون صاحبة فرض وهي ابنة الأخ فلا تصير عصبة بذكر في درجتها أيضا ولكن المال كله للذكر باعتبار حقيقة العصوبة . فإن ترك ثلاث بنات إخوة متفرقين وثلاث بنات أخوات متفرقات
[ 15 ]
فعلى قول أبي يوسف المال كله بين ابنة الأخت لأب وأم وابنة الأخ لأب وأم نصفين باعتبار الأبدان وعلى قول محمد لابنة الأخت لأم مع ابنة الأخ لأم الثلث بينهما نصفين والباقي كله لابنة الأخت والأخ لأب وأم بينهما أثلاثا باعتبار الآباء ثلثاه لابنة الأخ وثلثه لابنة الأخت ولا شيء للذين هما لأب باعتبار المدلى به ( فصل ) في بيان من له قرابتان من البنات والأخوات قال رضي الله عنه : اعلم أنه يجتمع للواحد قرابتان من أولاد البنات والأخوات فصورة ذلك في أولاد البنات أن يترك ابنة ابنة ابنة وهي أيضا ابنة ابن ابنة بأن كان لرجل ابنتان لإحداهما ابنة وللأخرى ابن فتزوج الابن بالابنة فولد بينهما ابنة فهي ابنة ابنة ابنة الجد وهي أيضا ابنة ابن ابنته فلا شك على قول محمد أنها ترثه بالقرابتين جميعا أما على قياس قول أبي حنيفة فالفرضيون من أهل العراق يقولون عند أبي يوسف لا ترث هذه إلا بجهة واحدة ؛ لأن الجهة اتحدت وهي الولاء فهي نظير الجدات على قوله ، وقد بينا من مذهبه في الجدات أن التي هي جدة من جانب واحد والتي هي جدة من الجانبين سواء فهذا كذلك ، فأما الفرضيون من أهل ما وراء النهر يقولون هذه ترث بالجهتين جميعا عنده ، وهذا هو الصحيح والفرق له بين هذا وبين الجدات أن الاستحقاق هناك بالفرضية وبتعدد الجدات لا تزداد فريضتهن فإذا كانت الواحدة منهن والعدد سواء فلا يعتبر اجتماع الجهتين لواحدة ، فأما هنا الاستحقاق بمعنى العصوبة فيعتبر الاستحقاق بحقيقة العصوبة ، وهو في حقيقة العصوبة يعتبر الجهتان جميعا للترجيح تارة وللاستحقاق أخرى فللترجيح كالإخوة لأب وأم مع الإخوة لأب وللاستحقاق كالأخ لأم إذا كان ابن عم فإنه يعتبر السببان في جهة الاستحقاق . وكذلك ابن العم إذا كان زوجا يعتبر السببان في حقه للاستحقاق فهنا أيضا يعتبر السببان جميعا إذا عرفنا هذا فنقول إذا اجتمع مع هذه ابنة ابنة ابنة أخرى قرابتهما من جهة واحدة فعلى قول أبي يوسف المال بينهما أثلاثا للتي لها قرابتان ثلثا المال ؛ لأنها في معنى شخصين فكأنه ترك ابنة ابنة ابنة وابنة ابنة ابنة أخرى وابنة ابن ابنة ، وعند محمد القسمة على الآباء فيكون ثلاثة أرباع المال للتي لها قرابتان وربعه للتي لها قرابة واحدة بمنزلة ما لو ترك ابن ابنة ابنة ابنة وابنة ابنة أخرى فيكون المال على أربعة ، ثم سهمان من هذه الأربعة للتي لها قرابتان باعتبار أنها ولد الابنة وسهم باعتبار أنها ولد ابنة الابنة فإن كان مع التي لها قرابتان ابن ابنة ابنة فعلى قول أبي يوسف المال بينهما نصفان ؛ لأنه يعتبر الأبدان والتي
[ 16 ] لها قرابتان بمنزلة اثنين فيكون المال على أربعة للذكر سهمان ولكل أنثى سهم وعلى قول محمد للتي لها قرابتان ثلاثة أرباع المال باعتبار المدلى به على ما بينا ، ثم ميراث كل واحد ممن هو مدل به يكون لولده فما نجده ذا قرابتين فباعتبار قرابة الأب ، وهو سهمان من أربعة يسلم له وما كان باعتبار قرابة الأم بضمه إلى ما أخذ الآخر فيقسم بينهما أثلاثا فتكون القسمة من اثني عشر نضرب ثلاثة في أربعة وبعد الاقتصار على النصف للموافقة تكون القسمة ممن ستة فإن كان معها ابنة ابن ابنة أخرى فعلى قول أبي يوسف للتي لها قرابتان ثلثا المال على ما بينا . وعند محمد تكون القسمة على خمسة باعتبار الآباء فإن هذا بمنزلة ابني ابنة وابنة ابنة فيكون المال بينهم أخماسا للذكر مثل حظ الأنثيين ثم خمسا المال للتي لها قرابتان باعتبار أنها ولد ابن الابنة وخمس المال باعتبار أنها ولد ابنة الابنة وللأخرى خمسا المال فإن كان معها ابن ابن بنت فعند أبي يوسف المال بينهما نصفان باعتبار الأبدان ، وعند محمد المال بينهما في الابتداء أخماسا باعتبار الآباء ، ثم التي لها قرابتان تأخذ خمس المال باعتبار قرابة الأم ويضم خمسا المال للتي تأخذه باعتبار قرابة الأب إلى ما في يد الآخر فيكون بينهما أثلاثا لاستواء الآباء في هذا المقدار واختلاف الأبدان فانكسر بالأثلاث فإذا ضربت ثلاثة في خمسة تكون خمسة عشر للتي لها قرابتان بقرابة الأم ثلاثة وبجهة الأخرى أربعة فتكون لها سبعة ولابن ابن الابنة ثمانية فإن كان معها ابنة ابنة ابنة وابن ابنة ابنة فيكون لها سبعة ولابن ابنة الابنة ثمانية فعند أبي يوسف القسمة على الأبدان ويكون المال بينهم أخماسا للتي لها قرابتان ثلاثة أخماس المال خمس باعتبار قرابة الأم وخمسان باعتبار قرابة الأب ، ثم ما أخذت باعتبار قرابة الأب سلم لها وما أخذت باعتبار قرابة الأم يضم إلى ما في يد الأخوين فيكون بينهما على الأبدان أرباعا لاستواء الآباء فيضرب خمسة في أربعة فيكون عشرين لها باعتبار قرابة الأب ثمانية وباعتبار قرابة الأم ربع الباقي ، وهو ثلاثة فيكون لها أحد عشر للابن سبعة وللابنة الأخرى الباقي فإن كان معها ابنة ابن ابنة وابن ابن ابنة فعند أبي يوسف هذا وما تقدم سواء ، وعند محمد رحمه الله القسمة في الابتداء على الآباء فتكون على سبعة للتي لها قرابتان ثلاثة أسهم باعتبار قرابة الأم يسلم لها وسهمان باعتبار قرابة الأب تضمه إلى ما في يد الآخرين فيقسم بينهم على الأبدان أرباعا لاستواء الآباء واختلاف الأبدان فيضرب أربعة في سبعة فتكون ثمانية وعشرين للتي لها قرابتان السبع أربعة باعتبار قرابة الأم ويكون لها مما بقي الربع باعتبار قرابة الأب فيكون لها عشرة ولابنة ابن الابنة ستة ولابن ابن الابنة
[ 17 ]
اثنا عشر فإن كان معها ابنة ابنة ابنة وابن ابنة ابنة وابنة ابن ابنة وابن ابن ابنة فعند أبي يوسف القسمة على الأبدان على ثمانية أسهم للتي لها قرابتان سهمان . وعند محمد القسمة في الابتداء على الآباء على تسعة للتي لها قرابتان ثلاثة أسهم باعتبار قرابة الأم سهم فيضم ذلك إلى ما في يد ابنة ابنة الابنة وابن ابنة الابنة فيكون مقسوما بينهم باعتبار الأبدان أرباعا لاستواء الآباء واختلاف الأبدان وما اتحد من جهتين باعتبار قرابة الأب تضمه إلى ما في يد ابنة ابن الابنة وابن ابن الابنة فيكون مقسوما بينهم أرباعا على الأبدان لاستواء الآباء فقد وقع الكسر بالأرباع في موضعين ولكن أحدهما يجزي عن الآخر فتضرب تسعة في أربعة فتكون ستة وثلاثين منه تصح المسألة الثلث من ذلك اثنا عشر بين التي لها قرابتان وبين الأولين أرباعا لها ثلاثة وللابنة الأخرى ثلاثة وللابن ستة والثلثان بين التي لها قرابتان وبين ابنة ابن الابنة أرباعا لابن ابن الابنة اثنا عشر ولابنة ابن الابنة ستة وللتي لها قرابتان ستة فيحصل لها بالجهتين تسعة هذا طريق التخريج في هذا الجنس ، والله أعلم
{فصل في بيان ذي القرابتين من بنات الإخوة وأولاد الأخوات} ( قال رحمه الله ) : فإن مات وترك ابنة أخت لأم وهي ابنة أخ لأب وصورته أن يكون لرجل أخت لأم وأخ لأب فيزوج أخاه لأبيه أخته لأمه فيكون صحيحا ؛ لأنه لا قرابة بين الزوجين فإذا ولدت ابنة كانت هذه له ابنة أخت لأم وهي ابنة أخ لأب فإن مات وترك مع هذه ابنة أخت لأب فعلى قول أبي يوسف الأول ، وهو قول محمد لذي القرابتين سهم من ستة باعتبار قرابة الأم والباقي بينهما أثلاثا باعتبار قرابة الأب فينكسر بالأثلاث فتكون القسمة من ثمانية عشر فإنه يعتبر المدلى به فكأنه ترك أختا لأم وأختا وأخا لأب وعلى قول أبي يوسف الآخر المال كله لذي القرابتين ؛ لأن الاستحقاق باعتبار معنى العصوبة ، وقد اجتمع في جانبها قرابة الأم وقرابة الأب فتترجح على الأخرى في جميع المال كما في حقيقة العصوبة ، وهذا لأنه على القول الآخر يعتبر الأبدان فإن كان معها ابنة أخ لأب فعلى قوله الآخر المال كله لذي القرابتين ، وفي قوله الأول ، وهو قول محمد السدس لذي القرابتين باعتبار قرابة الأم والباقي بينهما نصفان بمنزلة أخت لأم وأخوين لأب فإن كانت المسألة على عكس هذا فكانت التي لها قرابتان ابنة أخت لأب وهي ابنة أخ لأم ومعها ابن أخ لأم فعلى قوله الآخر هذا وما سبق سواء .
[ 18 ] فكذلك إن كان معها ابنة أخت لأب ففي قوله الأول ، وهو قول محمد إن كان معها ابنة أخ لأم فلهما الثلث بينهما نصفان باعتبار قرابة الأم ولذي القرابتين النصف باعتبار الأب والباقي رد عليهما فيكون المال في الحاصل بينهما أخماسا بمنزلة ما لو ترك أختا لأب وأخوين لأم ولو كان معها ابنة أخت لأب فللتي لها قرابتان السدس باعتبار قرابة الأم ولها الثلثان باعتبار قرابة الأب بينهما نصفان والباقي رد عليهما بمنزلة أختين لأب وأخ لأم فتكون القسمة أخماسا للتي لها قرابتان ثلاثة وللأخرى سهمان فإن كان معها ابنة أخت لأب وأم فالمال بينهما نصفان ؛ لأنه وجد في حق كل واحد منهما قرابة الأب وقرابة الأم فاستويا عند أبي يوسف . وكذلك عند محمد ؛ لأنه لا فائدة في تمييز إحدى القرابتين عن الأخرى هنا فإن ما يسلم لهما باعتبار كل قرابة بينهما نصفان ، وإنما الإشكال على قول محمد فيما إذا كان معها ابنة أخ لأب وأم فإن تمييز إحدى القرابتين عن الأخرى مقيد هنا فقد مال مشايخنا أيضا إلى التمييز فيكون الثلث بينهما نصفين باعتبار قرابة الأم والباقي بينهما أثلاثا باعتبار قرابة الأب بمنزلة ما لو ترك أخوين لأم وأخا وأختا لأب والأصح أنه لا يشتغل بهذا التمييز بل يكون المال بينهما نصفين لاستوائهما في الإدلاء بقرابة الأب والأم جميعا وثبوت الاستحقاق لها باعتبار معنى العصوبة ، والله أعلم بالصواب .
{ باب ميراث العمات والأخوال والخالات} قال رضي الله عنه : اعلم بأن العمة بمنزلة العم عندنا والخالة بمنزلة الأم وقال بشر المديني العمة بمنزلة الأم وقال أهل التنزيل العمة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم وقال أبو عبيد القاسم بن سلام العمة مع بنات الإخوة بمنزلة الجدات لأب وهي مع الخالة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم وبها تتصل بالميت والخالة ولد الجدة لأم وبها تتصل بالميت فالأولى أن يجعل كل واحدة منهما قائمة مقام المدلى به وهي الواسطة التي تتصل للميت بها للميت فيكون المال كله للعمة ولا شيء للخالة بمنزلة أب الأب مع أب الأم . وأما أهل التنزيل فإنهم قالوا : اتفقت الصحابة رضي الله عنهم على أن للعمة الثلثين وللخالة الثلث إذا اجتمعا ولا وجه لذلك إلا بأن تجعل العمة كالأب باعتبار أن قرابتها قرابة الأب والخالة كالأم باعتبار أن قرابتها قرابة الأم . وأما أبو عبيد فكان يقول العمة مع ابنة الأخ بمنزلة الجد ؛ لأن ابنة الأخ تتصل بالميت بقرابة الأب وتنزل منزلة ابنها ، وهو الأخ والعمة أيضا تتصل بقرابة الأب ولو نزلناها منزلة الأب كانت ابنة
[ 19 ]
الأخ محجوبة بها ؛ لأن الأخ محجوب بالأب فجعلناها بمنزلة الأب لهذا المعنى ، فأما مع الخالة فقد جعلنا الخالة بمنزلة الأم الأدنى ؛ لأن قرابتها قرابة الأم فتجعل العمة معها بمنزلة الأب الأدنى ؛ لأن قرابتها قرابة الأب ، فأما أهل الحديث قالوا العمة ولد الجد وبه تتصل بالميت فتقوم مقام الجد أب الأب والخالة ولد الجد أب الأم والجدة أم الأم ولو جعلناها كالجد أب الأم لم ترث شيئا ولو جعلناها كالجدة أم الأم كانت وارثة مع العمة فبهذا الطريق جعلناها كالجدة أم الأم . وجه قول علمائنا رحمهم الله أن الأصل أن الأنثى متى أقيمت مقام ذكر فإنها تقوم مقام ذكر في درجتها ولا تقام مقام ذكر هو أبعد منها بدرجة أو أقرب والذكر الذي في درجة العمة العم ، وهو وارث فتجعل العمة بمنزلة العم لهذا ، فأما أبو الأب فهو أبعد منها بدرجة فلا يمكن إقامتها مقام واحد منهم والخالة لو أقمناها مقام ذكر في درجتها ، وهو الخال لم ترث مع العمة فلهذه الضرورة أقمناها مقام واحد منهم والخالة لو أقمناها مقام ذكر في درجتها ، وهو الخال لم ترث الثلثين وللخالة الثلث بهذا الطريق بمنزلة ما لو ترك أما وعما يدل عليه أن العمة لو جعلت كالجد أب الأب لكان العم كذلك فإن قرابتهما سواء فينبغي أن يكون العم مزاحما للإخوة كالجد ، وإذا سقط اعتبار هذا المعنى في حقيقة العصوبة فكذلك في معنى العصوبة إذا عرفنا هذا فنقول إذا ترك عما وعمة فإما أن يكونا لأب وأم أو لأب أو لأم فإذا كانا لأب وأم أو لأب فالمال كله للعم ؛ لأنه عصبة ولا ميراث لأحد من ذوي الأرحام مع العصبة . وكذلك إن كان العم لأب والعمة لأب وأم أو لأب أو لأم ، فأما إذا كانا جميعا لأم فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، وروى محمد بن جماعة عن أبي يوسف أن المال بينهما نصفان لاستوائهما في القرابة فإن قرابتهما قرابة الأم وباعتبار قرابة الأم لا يفضل الذكر على الأنثى كالأخ والأخت لأم وجه ظاهر الرواية أن توريثهما باعتبار معنى العصوبة ، وفي العصوبة للذكر مثل ما للأنثى إذا تساويا في الدرجة ، وهذا بخلاف الأخ والأخت لأم ؛ لأن توريثهما بالفرضية وفي الاستحقاق بالفرضية لا يفضل الذكر على الأنثى ، قال الله تعالى { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك } الآية . وكذلك هذا في الأعمام والعمات إذا كثروا فإن اجتمع عمات بعضهن لأب وأم وبعضهن لأب وبعضهن لأم فالمال كله للعمة لأب وأم لقوة السبب في حقها باجتماع القرابتين ، وعلى هذا أولاد العمات إذا كان بعضهن أقرب فله المال كله ، وعند الاستواء في الدرجة يترجح ذو القرابتين على ذي قرابة واحدة ، وعلى هذا ميراث الأخوال والخالات حتى إذا ترك
[ 20 ]
خالا وخالة فالمال بينهما أثلاثا وفي رواية أبي يوسف المال بينهما نصفان ، وهذا لأن الذكر هنا ليس بعصبة وتوريثهما باعتبار قرابة الأم ، وقد استويا في ذلك ، وفي ظاهر الرواية الاستحقاق بمعنى العصوبة فيكون للذكر مثل ما للأنثى فإن كان بعضهم لأب وأم وبعضهم لأب وبعضهم لأم فذلك كله لذي القرابتين ذكرا كان أو أنثى لقوة السبب في جانبه باجتماع القرابتين . وإن اختلط العمات بالخالات والأخوال فللعمات الثلثان وللأخوال والخالات الثلث اعتبارا للعمات بالعم والأخوال والخالات بالأم ويستوي في هذا إن استوت الأعداد أو اختلفت حتى إذا ترك عمة واحدة وعشرة من الأخوال والخالات فللعمة الثلثان والثلث بين الأخوال والخالات للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ لأن استحقاقهم بقرابة الأم والأمومة لا تحتمل التعدد فهم بمنزلة أم واحدة . وكذلك إن ترك خالة واحدة وعشرة من العمات فللخالة الثلث وللعمات الثلثان بينهن . فإن ترك عمة لأب وأم وخالة أو خالا لأم فكذلك الجواب في ظاهر الرواية ، وعن أبي يوسف أن المال كله للتي لها قرابتان من أي جانب كانت بمنزلة ما لو اتحدت الجهة كالعمين أو الخالين ، فأما في ظاهر الرواية ذو القرابتين إنما يترجح على ذي قرابة واحدة إذا كانت من جهتهما ، فأما إذا كانت من جهة أخرى فلا ؛ لأن الخالة كالأم سواء كانت لأب وأم أو لأب أو لأم والعمة كالعم فلهذا كان المال بينهما أثلاثا . { فصل في ميراث أولاد العمات والأخوال والخالات } ( قال رضي الله عنه ) : اعلم بأن الأقرب من هؤلاء مقدم على الأبعد في الاستحقاق سواء اتحدت الجهة أو اختلفت والتفاوت بالقرب بالتفاوت في البطون فمن يكون منهم ذا بطن واحد فهو أقرب ممن يكون ذا بطنين وذو البطنين أقرب من ذي ثلاث بطون ؛ لأنه يتصل بالميت قبل أن يتصل الأبعد به فعرفنا أنه أقرب وميراث ذوي الأرحام يبنى على القرب ، وبيانه فيما إذا ترك ابنة خالة وابنة ابنة خالة أو ابنة ابن خالة أو ابن ابن خالة فالميراث لابنة الخالة ؛ لأنها أقرب بدرجة . وكذلك إن ترك ابنة عمة وابنة ابنة خالة فابنة العمة أولى بالمال ؛ لأنها أقرب بدرجة ، وإن كانا من جهتين مختلفتين . وإن ترك بنات العمة مع ابن خالة واحدة فلبنات العمة الثلثان ولابنة الخالة الثلث ، وإن كان بعض هؤلاء ذا قرابتين وبعضهم ذا قرابة واحدة فعند اختلاف الجهة لا يقع الترجيح بهذا ، وعند اتحاد الجهة الذي لأب أولى من الذي لأم ذكرا
[ 21 ]
كان أو أنثى . بيانه فيما إذا ترك ثلاث بنات عمات متفرقات فالمال كله لابنة العمة لأب وأم . وكذلك ثلاث بنات خالات متفرقات . فإن ترك ابنة خالة لأب وأم وابنة عمة لأب وأم أو لأب فلابنة العمة الثلثان ولابنة الخالة الثلث ، وهذا لأن المساواة في الدرجة بينهما موجودة حقيقة يعني الاتصال إلى الميت ولكن ذو القرابتين أقوى سببا فعند اتحاد السبب يجعل الأقوى في معنى الأقرب وذلك ينعدم عند اختلاف السبب . وكذلك توريث ذوي الأرحام باعتبار معنى العصوبة وقرابة الأب في ذلك مقدمة على قرابة الأم فجعل قوة السبب كزيادة القرب عند اتحاد الجهة . فأما عند اختلاف الجهة يسقط اعتبار هذا المعنى . وكذلك إن كان أحدهما ولد عصبة أو ولد صاحب فرض فعند اتحاد الجهة يقدم ولد العصبة وصاحب الفرض ، وعند اختلاف الجهة لا يقع الترجيح بهذا بل يعتبر المساواة في الاتصال بالميت ؛ لأن في جانب ولد العصبة وصاحب الفرض قوة السبب باعتبار المدلى به ، وقد بينا أن قوة السبب إنما تعتبر عند اتحاد الجهة لا عند اختلاف الجهة بيانه فيما إذا ترك ابنة عم لأب وأم أو لأب وابنة عمة فالمال كله لابنة العم ؛ لأنها ولد عصبة . ولو ترك ابنة عم وابنة خال أو خالة فلابنة العم الثلثان ولابنة الخال أو الخالة الثلث ؛ لأن الجهة مختلفة هنا فلا يترجح أحدهما بكونه ولد عصبة ، وهذا في رواية ابن عمران عن أبي يوسف فأما في ظاهر المذهب ولد العصبة أولى سواء اختلفت الجهة أو اتحدت ؛ لأن ولد العصبة أقرب اتصالا بوارث الميت فكان أقرب اتصالا بالميت فإن قيل فعلى هذا ينبغي أن العمة تكون أحق بجميع المال من الخالة ؛ لأن العمة ولد العصبة ، وهو أب الأب والخالة ليست بولد عصبة ولا ولد صاحب فرض ؛ لأنها ولد أب الأم قلنا لا كذلك فإن الخالة ولد أم الأم وهي صاحبة فرض فمن هذا الوجه تتحقق المساواة بينهما في الاتصال بوارث الميت إلا أن اتصال الخالة بوارث هو أم فتستحق فريضة الأم واتصال العمة بوارث هو أب فتستحق نصيب الأب فلهذا كان المال بينهما أثلاثا فإن كان قوم من هؤلاء من قبل الأم من بنات الأخوال أو الخالات وقوم من قبل الأب من بنات الأعمام أو العمات لأم فالمال مقسوم بين الفريقين أثلاثا سواء كان من كل جانب ذو قرابتين أو من أحد الجانبين ذو قرابة واحدة ، ثم ما أصاب كل فريق فيما بينهم يترجح جهة ذي القرابتين على ذي قرابة واحدة . وكذلك يترجح فيه من كان قرابته لأب على من كان قرابته لأم ؛ لأن في نصيب كل فريق الاستحقاق لهم بجهة واحدة وكل واحد منهم إذا انفرد استحق جميع
[ 22 ]
ذلك فعند الاجتماع يراعى قوة السبب بينهم في ذلك المقدار فإن استووا في القرابة فالقسمة بينهم على الأبدان في قول أبي يوسف الآخر ، وعلى أول من يقع الخلاف فيه من الآباء في قول أبي يوسف الأول ، وهو قول محمد رحمهما الله بيانه فيما إذا ترك ابنة خالة وابن خالة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين باعتبار الأبدان ؛ لأن الآباء قد اتفقت . فإن ترك ابنة خال وابن خالة فعلى قول أبي يوسف الآخر لابن الخالة الثلثان ولابنة الخال الثلث ، وعلى قول محمد على عكس هذا لاختلاف الآباء فيكون لابن الخالة الثلث ولابنة الخال الثلثان. ولو ترك ابن عمة وابنة عمة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين على الأبدان . ولو ترك ابن عمة وابنة عم فإن كانت ابنة عم لأب وأم أو لأب فهي أولى ؛ لأنها ولد عصبة وابن العمة ليس بولد عصبة ، وإن كانت بنت عم لأم فعلى قول أبي يوسف الآخر المال بينهم أثلاثا على الأبدان لابن العمة الثلثان ولابنة العم الثلث ، وعند محمد على عكس ذلك باعتبار الآباء ، وهذا إذا كان ابن العمة لأم ، فأما إذا كان ابن عمة لأب وأم فهو أولى بجميع المال ؛ لأنه ذو قرابتين . وكذلك إذا كان ابن عمة لأب ؛ لأن الإدلاء بقرابة الأب وفي استحقاق بعض العصوبة يقدم قرابة الأب على قرابة الأم . فإن ترك ثلاث بنات أخوال متفرقات أو ثلاث بنات خالات متفرقات وثلاث بنات عمات متفرقات فالثلثان لبنات العمات ، ثم يترجح في استحقاق ذلك ابنة العمة لأب وأم على الآخرين لما قلنا والثلث لبنات الخالات ، ثم يترجح في استحقاق ذلك ابن الخالة لأب وأم وابنة الخال لأب وأم فتكون المقاسمة بينهما أثلاثا في قول أبي يوسف الآخر على الأبدان لابن الخالة الثلثان ولابنة الخال الثلث ، وعلى قول محمد على عكس ذلك فإن كان مع هؤلاء ثلاث بنات أعمام متفرقات فالمال كله لابنة العم لأب وأم ؛ لأنها ولد عصبة فإن لم تكن فلابنة العم لأب ؛ لأنها عصبة فإن لم تكن فحينئذ الثلثان لقوم الأب ويستحق ذلك ابنة العمة لأب وأم خاصة ؛ لأن ابنة العمة لأم وابنة العم لأم سواء في أن كل واحدة منهما ليست بولد عصبة ولا صاحبة فريضة فكما تترجح ابنة العمة لأب وأم على ابنة العمة لأم فكذلك على ابنة العم لأم ولا يتغير هذا الاستحقاق بكثرة العدد من أحد الجانبين وقلة العدد من الجانب الآخر ؛ لأن الاستحقاق بالمدلى به ، وهو الأب والأم وذلك لا يختلف بقلة العدد وكثرة العدد ، وهو سؤال أبي يوسف على محمد في أولاد البنات فإن هناك لو كان المدلى به هو المعتبر لما اختلفت القسمة بكثرة العدد وقلة العدد كما في هذا الموضع إلا أن الفرق بينهما لمحمد أن هناك تتعدد الفروع بتعدد المدلى به حكما وهنا لا يتعدد
[ 23 ]
المدلى به حكما ؛ لأنه إنما يتعدد الشيء حكما إذا كان يتصور حقيقة والعدد في الأولاد من البنين والبنات يتحقق فيثبت التعدد فيهم حكما بتعدد الفروع ، فأما في الأب والأم لا يتصور التعدد حقيقة فلا يثبت التعدد حكما بتعدد القرابات ، والله أعلم . { فصل في ميراث أعمام الأم وعماتها وأخوال الأم وخالاتها } ( قال رحمه الله ) : فإن ترك الميت خالة لأم أو خالا لأم فالميراث له إن لم يكن معه غيره ؛ لأن الأم وارثة له فخالها وخالتها بمنزلة خاله وخالته في استحقاق الميراث ، وإن تركهما جميعا فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا باعتبار الأبدان لاستواء المدلى به فإن ترك خالة الأم وعمة الأم فقد ذكر أبو سليمان من أصحابنا أن المال بينهم أثلاثا ثلثاه للعمة والثلث للخالة ، وذكر عيسى بن أبان أن المال كله لعمة الأم ، وذكر يحيى بن آدم أن المال كله لخالة الأم فوجه رواية أبي سليمان أن في توريث هذا النوع المدلى به أقيم مقام الميت فعمة الأم بمنزلة عمة الميت . وكذلك خالة الأم بمنزلة خالة الميت فيكون للعمة الثلثان وللخالة الثلث ووجه قول عيسى أن عمة الأم قرابتها من الأم قرابة الأب وخالة الأم قرابتها من الأم قرابة الأم والتوريث هنا لمعنى العصوبة فترجح قرابة الأب على قرابة الأم ، وهكذا كان القياس في عمة الميت وخالته ، وإنما تركنا ذلك لاتفاق الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا ليس في معنى هذا فإن هناك إحداهما ولد عصبة والأخرى ولد صاحب فريضة وذلك لا يوجد هنا فرجحنا قرابة الأب اعتبارا لحقيقة العصوبة . ووجه ما قال يحيى بن آدم أن خالة الأم ولد صاحب فرض ؛ لأنها ولد أم الأم وهي صاحبة فرض وعمة الأم ليست بولد صاحب فريضة ولا عصبة ؛ لأنها ولد أب الأم فلهذا كانت خالة الأم أولى من عمة الأم ، وعلى هذا لو ترك خال الأم وخالة الأم مع عمة الأم ، ثم على ظاهر الرواية يستوي أن يكون لهما قرابتان أو لإحداهما قرابتان وللأخرى قرابة واحدة ؛ لأن اختلاف الجهة بينهما في حق الأم كاختلاف الجهة في حق الميت فإن ترك عمة الأب وعم الأب فالمال كله لعمة الأب إن كان لأب وأم أو لأب ؛ لأنه عصبة ، وإن كان لأم فالمال بينهما أثلاثا على الأبدان في قول أبي يوسف الآخر ، وعلى المدلى به في قوله الأول ، وهو قول محمد ، وإن كان هناك عمة الأب وخالة الأب فعلى رواية أبي سليمان المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، وعلى قول عيسى ويحيى المال كله لعمة الأب ؛ لأنها ولد العصبة ، وهو أب أب الأب ، ولأنها تدلي
[ 24 ]
بقرابة الأب وقرابة الأب في معنى العصوبة مقدمة على قرابة الأم فإن اجتمع الفريقان يعني عمة الأب وخالة الأب وعمة الأم وخالة الأم فلقوم الآباء الثلثان ولقوم الأم الثلث ، ثم قسمة كل فريق بين كل فريق في هذا الفصل كقسمة جميع المال فيما تقدم ولا يختلف الجواب فيكون أحدهما ذا قرابتين والآخر ذا قرابة واحدة في القسمة عند اختلاف الجهة ولكن في نصيب كل فريق يترجح ذو القرابتين على نحو ما بينا في الفصل المتقدم . والكلام في أولاد هؤلاء بمنزلة الكلام في آبائهم وإنها تعم ولكن عند انعدام الأصول ، فأما عند وجود أحد من الأصول فلا شيء للأولاد كما لا شيء لأحد من أولاد العمات والخالات عند بقاء عمة أو خالة للميت ويتصور في هذا الجنس شخص له قرابتان بيانه في امرأة لها أخ لأم وأخت لأب فتزوج أخوها لأم أختها لأبيها فولد بينهما ولد ، ثم مات هذا الولد فهذه المرأة خالتها لأب وهي أيضا عمتها لأم ، ثم هذا الجواب في هذا الفصل على الاختلاف الذي بيناه ذو قرابتين من بنات الإخوة وأولاد الأخوات ، والله تعالى أعلم بالصواب {باب الفاسد من الأجداد والجدات} ( قال رضي الله عنه ) : اعلم بأن الجد الفاسد من يتصل إلى الميت بأم والجدة الفاسدة من يدخل في نسبتها إلى الميت أب بين أمين والكلام في هذا الباب في فصلين أحدهما في ترتيب التوريث بين هؤلاء والباقي في ترتيب التوريث بينهم وبين غيرهم من ذوي الأرحام ، فأما بيان الترتيب فيما بينهم فنقول من يكون أقرب منهم فهو أولى بالميراث والقرب بالبطن فمن يتصل إلى الميت ببطن واحد فهو أقرب ممن يتصل ببطنين ومن يتصل ببطنين فهو أقرب ممن يتصل ببطون ثلاثة والجد الذي يتصل إلى الميت ببطن واحد لا يكون إلا واحدا ، وهو أب الأم والذي يتصل ببطنين ثلاثة ، وهو أب أم الأم وأبو أب الأم وأب أم الأب ولهم من الجدات الفاسدات واحدة وهي أم أب الأم ، ثم لم يذكر محمد رحمه الله في الفرائض من هذا الجنس إلا مسألة واحدة وهي أب أم الأم وأب أم الأب وقال : الميراث بينهما أثلاثا لأب أم الأب الثلثان ولأب أم الأم الثلث وتقدم مسألة أخرى فيها اختلاف وهي ما إذا ترك أب أم الأم وأب أب الأم فعلى قول أهل التنزيل على قياس قول علي وعبد الله المال كله لأب أم الأم ؛ لأنه أقرب أيضا لا لصاحب العصبة ؛ لأنك إذا أسقطت من نسبه بطنا يبقى أم الأم وهي
[ 25 ]
صاحبة فرض ، وإذا أسقطت من نسب الآخر بطنا يبقى أب الأم ، وهو جد فاسد فلهذا كان الميراث كله لأب أم الأم ، وعلى قول عيسى المال كله لأب أب الأم ؛ لأنه عصبة الأم وهي صاحبة فرض في حقه فإنها أم أمه ، وهو ابن ابنها والآخر ليس بعصبة للأم بل هو ابن ابنها والمعتبر هنا معنى العصوبة فإذا كان يترجح أحدهما بمعنى العصوبة في نسبته إلى أم الميت كان هو أولى باعتبار إقامة المدلى به مقام الميت ، وذكر أبو سليمان أن المال بينهما أثلاثا ثلثاه لأب أب الأم وثلثه لأب أم الأم ؛ لأنا نعتبر في القسمة أول من يقع به الخلاف ، ثم ينقل نصيب كل واحد منهما إلى من يدلي به . فأما إذا ترك أب أم الأم وأب أم الأب فقد بينا أن في ظاهر الرواية المال بينهما أثلاثا اعتبارا بالمدلى به فإن أب أم الأب يدلي بالأب والأخرى تدلي بالأم فكأنه ترك أبا وأما ، وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان ؛ لأنهما استويا في الاتصال بصاحب الفريضة فإنك إذا أسقطت بطنا من أب أم الأب تبقى أم الأب ، وإذا أسقطت بطنا من نسب الآخر تبقى أم الأم وبينهما مساواة في الفرضية ، وعلى قول عيسى المال كله لأب أم الأب ؛ لأن اتصاله بقرابة الأب واتصال الآخر بقرابة الأم ، والاستحقاق بطريق العصوبة والعصوبة إنما تثبت بقرابة الأب دون قرابة الأم وإن ترك أب أب الأم وأب أم الأب فعلى قياس قول محمد رحمه الله المال بينهما أثلاثا ؛ لأن أب أب الأم يدلي بالأم وأب أم الأب يدلي بالأب ، وعلى قول أهل التنزيل المال كله لأب أم الأب ؛ لأنه أقرب اتصالا بصاحب الفريضة فإنك إذا أسقطت من نسبه بطنا تبقى أم الأب وهي جدة صحيحة ، وفي حق الآخر يبقى أب الأم ، وهو جد فاسد . واختلفت المشايخ على قول عيسى فمنهم من يقول المال كله لأب أب الأم ؛ لأنه عصبة الأم وهي صاحبة فريضة في حقه ولا يوجد ذلك في حق الآخر والأصح أن عنده المال كله لأب أم الأب ؛ لأن اتصاله بالميت بقرابة الأب ، وفي استحقاق العصوبة لا مزاحمة بين قرابة الأم وبين قرابة الأب ، وإنما تعتبر الأم في العصوبة في النسبة إلى الميت ؛ لأنه يتعذر اعتبار معنى العصوبة في النسبة إلى الميت ، فأما هنا اختلفت الجهة فإنما تعتبر العصوبة في النسبة إلى الميت فكان من يدلي إليه بقرابة الأم أولى بالمال. فإن ترك أب أم الأم وأب أب الأم فقد ذكر أبو سليمان أن المال يقسم بينهم أثلاثا الثلثان لأب أم الأب ؛ لأنه يدلي بالأب والآخران يدليان بالأم فقاما مقام الأم ، ثم الثلث الذي أصاب اللذين يدليان بالأم يقسم بينهما أثلاثا ثلث ذلك لأب أبي الأم وثلث ذلك لأب أم الأم ، وهذا صحيح على أصل محمد في اعتبار
[ 26 ]
أول من يقع به الخلاف في القسمة ، فأما على قول أهل التنزيل فأب أب الأم ساقط ؛ لأنه يسقط مع أحد الأبوين كما بينا فمعهما أولى ويكون المال بين أب أم الأب وأب أم الأم نصفين ، وعلى قول عيسى أب أم الأم ساقط ؛ لأنه سقط بأب أب الأم إذا انفرد فإذا كان معه غيره أولى فإذا سقط هو يبقى أب أب الأم وأب أم الأب وفيه اختلاف المشايخ كما بينا فإن ترك مع هؤلاء الثلاثة جدة فاسدة كجدتهم أم أب الأم فعلى قول أهل التنزيل وقول عيسى هذا وما سبق سواء وهذه الجدة تسقط ، فأما على ما ذكره أبو سليمان عن محمد رحمه الله فلأب أم الأب الثلثان ومن الثلث الباقي ثلثه لأبي أم الأم وثلثاه بين أب أب الأم وبين أب أم الأب أثلاثا ؛ لأن المدلى بهما في حقهما الأب ، وإنما اختلفت أبدانهما فتقسم تلك الحصة بينهما على الأبدان أثلاثا . فإن ترك أب أم الأب وأب أم أب الأب فعلى قول أهل القرابة المال كله لأب أم الأب ؛ لأنه أقرب بدرجة ، وعلى قول أهل التنزيل على قياس قول علي رضي الله عنه الجواب كذلك ، فأما على قياس قول عبد الله المال بينهما نصفان ؛ لأن مذهبه أن البعدى من الجدات الصحيحات تستوي بالقربى إذا لم تكن البعدى أم القربى فكذلك في الفاسد من الأجداد والجدات فإذا أسقطت من نسب كل واحدة منهما بطنا يبقى صاحبة فرض وهي أم الأب وأم أب الأب بينهما في الفرضية مساواة عند عبد الله فكذلك هنا. فإن ترك أم أب أم الأم وأم أم أب الأم فعلى قول أهل التنزيل المال كله لأم أب أم الأم ؛ لأنها أقرب اتصالا بصاحب الفريضة فإنك إذا أسقطت من نسبها بطنين يبقى أم الأم فإذا أسقطت من نسب الأخرى بطنين يبقى بطنان ، وهو جد فاسد ، وعلى قول عيسى المال كله لأم أم أب الأم إقامة للأم مقام الميت فيكون اتصال هذه بالأم باعتبار قرابة الأب واتصال الأخرى بالأم بقرابة الأم واستحقاق العصوبة بالأب فلهذا كان المال لها . فإن ترك أب أم أبي الأب وأب أب أم الأب فعلى قول أهل التنزيل المال كله لأب أم أب الأب ؛ لأنك إذا أسقطت من نسبه بطنا يبقى أم أب الأب وهي صاحبة فرض ، وإذا أسقطت من نسب الآخر بطنا يبقى أب أم الأب ، وهو جد فاسد . وكذلك على قول عيسى ؛ لأنه يقيم الأب المدلى به مقام الميت ، ثم اتصال أب أم الأب بقرابة الأب واتصال الآخر به بقرابة الأم فيكون هو أحق بجميع المال ، وعلى قياس قول محمد ينبغي أن يكون المال بينهما ثلثاه لأب أم أب الأب وثلثه لأب أب أم الأب اعتبارا لأول من يقع به الخلاف وفي المسألة الأولى كذلك الثلثان لأم أم أب الأم والثلث لأم أب أم الأم
[ 27 ]
فأما بيان الترتيب بين هؤلاء وغيرهم من ذوي الأرحام فنقول إذا ترك أب الأم ومعه أولاد البنات فقد بينا اختلاف الروايات فيه ، وإن كان معه أولاد الأخوات وبنات الإخوة فقد بينا الاختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله فإن كان معه الخال والخالة فالمال كله لأب الأم بالاتفاق بين أهل القرابة ؛ لأن أب الأم اتصاله بالأم بالأبوة واتصال الخالة بالأم بالأختية واتصال الخال بالأخوة والأبوة تقدم في الاستحقاق على الأخوة ، ولأن الخالة أو الخال يتصلان بالميت بأب الأم ، وقد بينا أن من يتصل إلى الميت بغيره لا يزاحمه في الاستحقاق بطريق العصوبة . وكذلك إن كان مع أب الأم العم فهو أولى من العمة في درجة الخالة ، وقد بينا أن أب الأم مقدم على الخالة فكذلك على العمة ، ولأن الفاسد معتبر بالصحيح ؛ لأن الفاسد لا يمكن أن يجعل أصلا والجد أب الأب مقدم على العم في حقيقة العصوبة فكذلك الجد أب الأم يكون مقدما على العمة . فإن ترك أب أب الأم ومعه عمة أو خالة فعندنا العمة والخالة أولى بالميراث ؛ لأنها أقرب ، وذكر أبو عبيد أن على قول أهل التنزيل إذا كان مع أب أب الأم العمة فالعمة أولى ، وإن كان معه الخالة فعلى قياس أبي بكر أبو أب الأم أولى بمنزلة الجد والأخت ؛ لأنهما يدليان بأب الأم ، وعلى قياس قول علي وعبد الله وزيد المال بينهما أثلاثا بمنزلة الجد مع الأخت وقال عيسى العمة أولى من أب أب الأم ؛ لأنها أقرب ، ولأن قرابتها قرابة الأب ، وفي العصوبة تقدم قرابة الأب ، فأما الخالة إن كانت مع أب أب الأم فأب أب الأم أولى ؛ لأنا نقيم الأم مقام الميت فإن اتصالهما جميعا بالميت بالأم ، ثم أب الأب في العصوبة مقدم على الأخت والاستحقاق بمعنى العصوبة فلهذا قدم أبو أب الأم على الخالة ، والله أعلم بالصواب . {باب الحرقى والغرقى} ( قال رحمه الله ) : اتفق أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهم في الغرقى والحرقى إذا لم يعلم أيهم مات أولا أنه لا يرث بعضهم من بعض ، وإنما يجعل ميراث كل واحد منهم لورثته الأحياء به قضى زيد في قتلى اليمامة حين بعثه أبو بكر لقسمة ميراثهم وبه قضى زيد في الذين هلكوا في طاعون عمواس حين بعثه عمر رضي الله عنه لقسمة ميراثهم وبه قضى زيد في قتلى الحرة ، وهكذا نقل عن علي رضي الله عنه أنه قضى به في قتلى الجمل وصفين ، وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه أخذ جمهور الفقهاء ، وقد روي عن علي وعبد الله بن مسعود
[ 28 ]
رضي الله عنه في رواية أخرى أن بعضهم يرث من بعض إلا فيما ورث كل واحد منهم من صاحبه ولم يأخذ بهذه الرواية أحد من الفقهاء وجه هذه الرواية أن سبب استحقاق كل واحد منهم ميراث صاحبه معلوم وسبب الحرمان مشكوك فيه ؛ لأن سبب الاستحقاق حياته بعد موت صاحبه ، وقد عرفنا حياته بيقين فيجب التمسك به حتى يأتي بيقين آخر وسبب الحرمان موته قبل موته وذلك مشكوك فيه فلا يثبت الحرمان بالشك إلا فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه لأجل الضرورة ؛ لأنا حين أعطينا أحدهما ميراث صاحبه فقد حكمنا بحياته فيما ورث من صاحبه ومن ضرورته الحكم بموت صاحبه قبله ولكن الثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة ، وإنما تحققت هذه الضرورة فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه ففيما سوى ذلك يتمسك بالأصل فإن هذا أصل كثير في الفقه أن اليقين لا يزال بالشك كمن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو عكس ذلك ، فأما وجه القول الآخر أن سبب استحقاق كل واحد منهما ميراث صاحبه غير معلوم يقينا والاستحقاق ينبني على السبب فما لم يتيقن السبب لا يثبت الاستحقاق ؛ لأن في الفقه أصل كثير أن الاستحقاق بالشك لا يثبت . وبيانه أن سبب الاستحقاق بقاؤه حيا بعد موت مورثه ولا يعلم هذا يقينا ، وإنما نعرفه بطريق الظاهر واستصحاب الحال ؛ لأن ما عرف ثبوته فالظاهر بقاؤه ولكن هذا البقاء لانعدام دليل المزيل لا لوجود المبقي فإنما يعتبر في بقاء ما كان على ما كان لا في استحقاق ما لم يكن كحياة المفقود يجعل ثابتا في نفي التوريث عنه ولا يجعل ثابتا في استحقاق الميراث عن مورثه وبهذا الطريق لا يرث كل واحد منهما من صاحبه ما يرثه عنه فكذلك سائر الأموال ، وهذا لأن الإرث يثبت بسبب لا يحتمل التحري فإذا تعذر إثباته في البعض يتعذر إثباته في الكل ولا وجه لاعتبار الأحوال هنا ؛ لأن ذلك إنما يكون عند التيقن بسبب الاستحقاق وسبب الحرمان والتردد فيما بين الأشخاص كطلاق المتهم في إحدى نسائه إذا لم يدخل بهن فإن سبب الإرث لبعضهن معلوم ، وهو النكاح وسبب الحرمان لبعضهن معلوم ، وهو عدم النكاح فتعتبر الأحوال للتردد بينهن بعد التيقن بأصل السبب ولا تيقن هنا بسبب الاستحقاق فلا معنى لاعتبار الأحوال يوضحه أن المقضي له والمقضي عليه هنا مجهول واعتبار الأحوال إنما يكون إذا كانت الجهالة في إحدى الجانبين أما في جانب المقضي له أو في جانب المقضي عليه ، فأما عند وقوع الجهالة فيهما لا يجوز القضاء أصلا ، ثم يجعل كأنهما ماتا جميعا ؛ لأن إسناد موت كل
[ 29 ]
واحد منهما إلى الوقت الذي يمكن إضافة موت الآخر إليه ولا وجه لإثبات تاريخ بين المورثين من غير دليل . وكذلك إذا علم أن أحدهما مات أولا ولا يدري أيهما لتحقق التعارض بينهما فيجعل كأنهما ماتا معا إذا عرفنا هذا فنقول أخوان لأب وأم أو لأب غرقا وترك كل واحد منهما ابنة فميراث كل واحد منهما لابنته بالفرض والرد . فإن مات الأب والابن تحت هدم أو غرقا أو احترقا أو ترك الأب أبا وابنة وامرأة ولم يترك الابن أحدا غير هؤلاء فنقول أما ميراث الأب فلزوجته منه الثمن ولابنته النصف والباقي للأب . وأما ميراث الابن فإن كانت امرأة الأب أم هذا الابن فإنما ترك الابن أما وجدا وأختا وهي مسألة الحرقى ، وقد بيناها في باب الجد ، وإن لم تكن المرأة أم الابن فإنما ترك الابن جدا وأختا فعلى قول الصديق ميراثه للجد ، وعند علي وعبد الله وزيد بين الجد والأخت بالمقاسمة أثلاثا . فإن ترك الابن بنتا فنقول أما ميراث الأب فالأب إنما ترك في الحاصل امرأة وابنة ابن وأبا فللمرأة الثمن وللابنة النصف ولابنة الابن السدس والباقي للأب بالفرض والعصوبة . وأما ميراث الابن فإن كانت امرأة الأب أم الابن فإنما ترك ابنة وأما وجدا وأختا فللأم السدس وللابنة النصف والباقي للجد في قول الصديق ، وفي قول علي للجد السدس والباقي للأخت ، وفي قول زيد الباقي بين الجد والأخت بالمقاسمة أثلاثا ، وفي قول عبد الله الباقي بين الجد والأخت نصفين . فإن غرق رجل وابنته وترك الرجل أبا وأختا وامرأة وتركت الابنة زوجا فنقول أما ميراث الأب فلامرأته الثمن وللابنة النصف والباقي للأب . وأما ميراث الابنة فإن كانت امرأة الأب أمها فإنما تركت زوجا وأما وجدا وأختا وهي مسألة الأكدرية ، وقد بيناها ، وإن لم تكن أمها فإنما تركت زوجا وأختا وجدا فللزوج النصف والباقي للجد في قول الصديق ، وفي قول علي وعبد الله وزيد الباقي بينهما بالمقاسمة أثلاثا . وأما بيان الرواية الأخرى عن علي في مسألة الحرقى والغرقى فنقول أخوان غرقا وترك كل واحد منهما أما وابنة ومولى وترك كل واحد منهما تسعين دينارا فتركة الأكبر منهما للأم السدس منها خمسة عشر دينارا وللابنة خمسة وأربعون دينارا ولأخيه ما بقي وذلك ثلاثون . وكذلك يقسم تركة الأصغر ، ثم بقي من تركة كل واحد منهما ثلاثون دينارا ، وهو ما ورث كل واحد منهما من صاحبه فلأمه من ذلك السدس خمسة دنانير ولابنته النصف خمسة عشر دينارا والباقي للمولى بالعصوبة ؛ لأن كل واحد منهما لا يرث من صاحبه مما ورث صاحبه منه ، وهذا بيان التخريج ، والله أعلم بالصواب .
[ 30 ]
باب مواريث أهل الكفر ( قال رضي الله عنه ) : اعلم بأن الكفار يتوارثون فيما بينهم بالأسباب التي يتوارث بمثلها المسلمون فيما بينهم ، وقد يتحقق فيما بينهم جهات للإرث لا يرث بها المسلمون من نسب أو سبب أو نكاح ولا خلاف أنهم لا يتوارثون بالأنكحة التي لا تصح فيما بين المسلمين بحال نحو نكاح المحارم بنسب أو رضاع ونكاح المطلقة ثلاثا قبل زوج آخر ويختلفون في التوارث بحكم النكاح في العدة والنكاح بغير شهود ، فقال زفر : لا يتوارثون بهما ، وقال أبو حنيفة رحمه الله : يتوارثون بهما ، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله : يتوارثون بالنكاح بغير شهود ولا يتوارثون بالنكاح في العدة ، وهو بناء على اختلافهم في تقريرهم على هذه الأنكحة إذا أسلموا ، وقد بينا ذلك في كتاب النكاح ، ثم لا خلاف أن الكافر لا يرث المسلم بحال . وكذلك لا يرث المسلم الكافر في قول أكثر الصحابة ، وهو مذهب الفقهاء وروي عن معاذ ومعاوية رضي الله عنهما قالا : يرث المسلم الكافر لقوله عليه الصلاة والسلام { الإسلام يعلو ولا يعلى } وفي الإرث نوع ولاية للوارث على المورث فلعلو حال الإسلام لا تثبت هذه الولاية للكافر على المسلم وتثبت للمسلم على الكافر ، ولأن الإرث يستحق بالسبب العام تارة وبالسبب الخاص أخرى ، ثم بالسبب العام يرث المسلم الكافر فإن الذمي الذي لا وارث له في دار الإسلام يرثه المسلمون ولا يرث المسلم الكافر بالسبب العام بحال فكذلك بالسبب الخاص والدليل عليه المرتد فإنه يرثه المسلم ولا يرث المرتد من المسلم بحال والمرتد كافر فيعتبر به غيره من الكفار ، وقال عليه السلام { الإسلام يزيد ولا ينقص } يعني يزيد في حق من أسلم ولا ينقص شيئا من حقه ، وقد كان مستحقا للإرث من قريبه الكافر قبل أن يسلم فلو صار بعد إسلامه محروما من ذلك لنقص إسلامه من حقه وذلك لا يجوز وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام { لا يتوارث أهل ملتين بشيء لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم } والكلام من حيث الاستدلال أن الله تعالى قال { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } هذا بيان نفي الولاية من الكفار والمسلمين فإن كان المراد به الإرث فهو إشارة إلى أنه لا يرث المسلم الكافر ، وإن كان المراد به مطلق الولاية فقد بينا أن في الإرث معنى الولاية ؛ لأنه يخلف المورث في ماله ملكا ويدا وتصرفا ومع اختلاف الدين لا تثبت الولاية لأحدهما على الآخر ألا ترى أنه تبقى الولاية بين من هاجر وبين من لم يهاجر حتى كانت الهجرة فريضة ، فقال { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } .
[ 31 ]
فدل ذلك على نفي الولاية بين الكفار والمسلمين بطريق الأولى ، وهو الكلام من حيث المعنى فإن الإرث نوع ولاية فالسبب الخاص كما لا يوجب الولاية للكافر على المسلم لا يثبت للمسلم على الكافر يعني ولاية التزويج بسبب القرابة وولاية التصرف في المال وبه فارق التوريث بالسبب العام فإن الأولية بالسبب العام تثبت للمسلم على الكافر كولاية الشهادة والسلطنة ولا تثبت للكافر على المسلم بحال فكذلك التوريث ، وهذا بخلاف المرتد فالإرث للمسلم منه يستند إلى حال إسلامه ، ولهذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه : إنه يورث عنه كسب إسلامه ولا يورث عنه كسب الردة ، ولهذا لا يرث هو من المسلم ؛ لأنه لا يتحقق معنى الاستناد في جانبه أو لا يرث هو عقوبة له على ردته كما لا يرث القاتل بغير حق من المقتول شيئا ، ثم المرتد غير مقر على ما اعتقده بل هو مجبر على العود إلى الإسلام فيبقى حكم الإسلام في حقه فيرثه وارثه المسلم باعتبار هذا المعنى ولا يرث هو من أحد شيئا ؛ لأن حكم الإسلام إنما يعتبر في حقه فيما لا ينتفع هو به دون ما ينتفع به والمراد بقوله عليه السلام { الإسلام يعلو ولا يعلى } العلو من حيث الحجة أو من حيث القهر والغلبة فيكون المراد أن النصرة في العاقبة للمؤمنين . وأما الحديث الآخر قلنا عندنا نفي التوريث يكون محالا به على كفر الكافر ؛ لأنه خبيث ليس من أهل أن يجعل المسلم خلفا له فلا يكون هذا النقصان محالا به على إسلام المسلم كالزوج إذا أسلم وامرأته مجوسية يفرق بينهما ؛ لأنها خبيثة ليست من أهل أن يستفرشها المسلم إلا أن يكون إسلامه مبطلا ملكه ، ثم أهل الكفر يتوارثون فيما بينهم ، وإن اختلفت مللهم فاليهودي يرث من النصراني والنصراني من المجوسي والمجوسي منهما عندنا ، وهكذا ذكر المزني في المختصر عن الشافعي ، وروى بعض أصحاب الشافعي أنهم لا يتوارثون إلا عند اتفاق الاعتقاد ، وهكذا رواه ابن القاسم عن مالك وقال ابن أبي ليلى اليهود والنصارى يتوارثون بينهم ولا يرثهما المجوسي ولا يرثان من المجوسي شيئا فمن قال لا يتوارثون استدل بقوله عليه السلام { لا يتوارث أهل ملتين بشيء } وهم أهل ملل مختلفة بدليل قوله تعالى { والذين هادوا والنصارى } ، وإنما يعطف الشيء على غيره لا على بعضه فكما أن عطف اليهود على المسلمين دليل على أنهم أهل ملتين فكذلك عطف النصارى على اليهود قال الله تعالى { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } ومعلوم أن اليهود لا ترضى إلا بأن يتبع اليهودية معهم والنصارى كذلك فعرفنا أن لكل واحد من الفريقين ملة على حدة ، ولأن النصارى يقرون بنبوة عيسى عليه السلام والإنجيل واليهود يجحدون ذلك فكان ملة كل
[ 32 ]
واحد منهما غير ملة الآخر كالمسلمين مع النصارى فإن المسلمين يقرون برسالة محمد ﷺ وبالقرآن فكانت ملتهم غير ملة النصارى وبه فارقوا أهل الأهواء ؛ لأنهم يتفقون على الإقرار بالرسل والكتب ، وإنما الاختلاف بينهم في تأويل الكتاب والسنة فلا يوجب ذلك اختلافا في الملة فيما بينهم ، وقد يوجد مثل ذلك فيما بين النصارى كالنسطورية والملكانية واليعقوبية وفيما بين اليهود أيضا كالفرعية والسامرية وغير ذلك . وأما ابن أبي ليلى ، فقال : إن اليهود والنصارى اتفقوا على دعوى التوحيد ، وإنما اختلفت نحلهم في ذلك واتفقوا على الإقرار بنبوة موسى عليه السلام والتوراة بخلاف المجوس فإنهم لا يدعون التوحيد ، وإنما يدعون الاثنين يزدان وأهرمن ولا يقرون بنبوة موسى ولا بكتاب منزل ولا يوافقهم اليهود والنصارى على ذلك فكانوا أهل ملتين والدليل عليه حل الذبيحة والمناكحة فإن اليهود والنصارى في ذلك كشيء واحد بخلاف المجوس وحجتنا في ذلك أن الله تعالى جعل الدين دينين الحق والباطل ، فقال الله عز وجل { لكم دينكم ولي دين } وجعل الناس فريقين فقال فريق في الجنة وهم المؤمنون وفريق في السعير ، وهم الكفار بأجمعهم وجعل الخصم خصمين ، فقال جل جلاله { هذان خصمان اختصموا في ربهم } يعني الكفار أجمع مع المؤمنين والدليل عليه أنا نسلم أنهم فيما بينهم أهل ملل فيما يعتقدون ولكن عند مقابلتهم بالمسلمين أهل ملة واحدة ؛ لأن المسلمين يقرون برسالة محمد ﷺ وبالقرآن وهم ينكرون ذلك بأجمعهم وبه كفروا فكانوا في حق المسلمين أهل ملة واحدة في الشرك ، وإن اختلفت نحلهم فيما بينهم . وكذلك من يعبد منهم صنما ومن يعبد صنما آخر ويكفر كل واحد منهم صاحبه فهم أهل ملة واحدة ، وإن اختلفت نحلهم فكذلك الكفار بأجمعهم وكانوا في هذا كأهل الأهواء من المسلمين ، وفي قوله عليه السلام { لا يتوارث أهل ملتين } إشارة إلى ما بينا فإنه فسر الملتين بقوله لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ففي تنصيصه على الوصف العام في موضع التفسير بيان أنهم في حكم التوريث أهل ملة واحدة وحل الذبيحة والمناكحة لا يقوي الاستدلال بها فإن المسلمين مع اليهود والنصارى استووا في حكم حل الذبيحة والمناكحة ، ثم لم يكن دليل على اتفاق الملة بينهم فكذلك اختلاف المجوس مع أهل الكتاب في حل الذبيحة والمناكحة لا يكون دليلا على اختلاف الملة فيما بينهم ، وكان المعنى فيه أن شرط حل الذبيحة تسمية الله تعالى على الخلوص والكتابي من أهل ذلك ؛ لأنهم يظهرون دعوى التوحيد ، وإن كانوا يضمرون في ذلك بعض الشرك فلتحقق وجود الشرط
[ 33 ]
في حقهم حلت ذبائحهم بخلاف المجوس فإنهم لا يدعون التوحيد فلا تصح منهم تسمية الله تعالى على الخلوص ، وهو شرط الحل ، ثم ينقطع التوارث فيما بينهم بسبب اختلاف الدار حقيقة وحكما . حتى أن الذمي إذا مات لا يرثه قرابته من أهل الحرب . وكذلك لا يرث هو قريبه الحربي ؛ لأن الذمي من أهل دار الإسلام وبتباين الدار تنقطع العصمة . ( ألا ترى ) أن عصمة النكاح تنقطع بتباين الدارين حقيقة وحكما فكذلك تنقطع الولاية فينقطع التوارث أيضا باعتبار أن من مات في دار الحرب يجعل في حق من هو من أهل دار الإسلام كالميت . وكذلك المستأمن في دار الإسلام لا يجري التوارث بينه وبين الذمي ؛ لأنه ، وإن كان وارثا حقيقة فهو من أهل الحرب حكما حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب ولا يترك ليستديم المقام في دار الإسلام ، ولهذا لا تبين منه زوجته التي في دار الحرب ويجري التوارث بين هذا المستأمن وبين أقاربه من أهل دار الحرب لهذا المعنى حتى إذا مات يوقف ماله حتى يأتي دارنا فيأخذه ؛ لأنا أعطيناه الأمان في ماله ونفسه فبعد موته يبقى حكم الأمان في ماله لحقه لا لحق ورثته التي في دار الحرب ؛ لأن اتصال ماله إلى ورثته من حقه فيمنع ذلك صرف ماله إلى بيت المال . بخلاف الذمي إذا مات ولا وارث له من أهل الذمة فإن أهل الحرب لا يرثونه شيئا ومال الميت الذي لا وارث له يصرف إلى بيت المال كالمسلم الذي لا وارث له إذا مات . وأهل الحرب فيما بينهم لا يتوارثون إذا اختلفت منعتهم وملكهم بخلاف المسلمين فإن أهل العدل مع أهل العدل يتوارثون فيما بينهم ؛ لأن دار الإسلام دار أحكام فباختلاف المنعة والملك لا تتباين الدار فيما بين المسلمين ؛ لأن حكم الإسلام يجمعهم ، فأما دار الحرب ليست بدار أحكام ولكن دار قهر فباختلاف المنعة والملك تختلف الدار فيما بينهم وبتباين الدار ينقطع التوارث . وكذلك إذا خرجوا إلينا بأمان ؛ لأنهم من أهل دار الحرب ، وإن كانوا مستأمنين فينا فيجعل كل واحد في الحكم كأنه في منعة ملكه الذي خرج منها بأمان بخلاف ما إذا صاروا ذمة فإنهم صاروا من أهل دار الإسلام فيتوارثون فيما بينهم بعد ذلك كما لو أسلموا فإنه يجوز التوارث بينهم ، وإن اختلفت منعتهم في حالة الكفر ، والله أعلم بالصواب . فصل في ميراث المجوس ( قال عمر وعلي رضي الله عنهما ) في المجوسي إذا كان له قرابتان فإنه يستحق الميراث
[ 34 ]
بهما ويكون اجتماع القرابتين في شخص واحد كافتراقهما في شخصين ، وهو قول علمائنا رحمهم الله ، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول لا يرث الواحد بالقرابتين ، وإنما يرث بالأقرب منهما ، وهكذا يرويه بعض الرواة عن زيد فإن خارجة بن زيد يروى عن أبيه مثل هذا والفرضيون اتفقوا على أن هذه الرواية لا تصح عن زيد ، وقد حفظت الرواية عنه في ثلاثة أعمام أحدهم أخ لأم أن للأخ لأم السدس بالأخوة والباقي بينهم أثلاثا بالعمومة ، وإنما يتصور هذا في حق المجوسي بأن يكون للمجوسي ثلاثة بنين للابن الأكبر منهم امرأة فولد له منها ولد ، ثم مات الأكبر فتزوجها المجوسي فولد له منها ولد ، ثم مات المجوسي ، ثم مات الولد الأكبر فقد ترك ثلاثة أعمام أحدهم أخ لأم ، وقد ورثه زيد رضي الله عنه بالسببين جميعا فعرفنا أن مذهبه كمذهب عمر وعلي رضي الله عنهم ومن العلماء من قال : إنما يرث أوفر النصيبين ومنهم من قال : إنما يرث بالسبب الذي يتحقق مثله فيما بين المسلمين دون السبب الذي لا يتحقق مثله فيما بين المسلمين وجه قول من اختار قول ابن مسعود أن توريثه بالسببين يؤدي إلى أن يستحق شخص واحد فرضين مختلفين وذلك لا يجوز . ( ألا ترى ) أن الأخت لأب وأم مع الأخت لأب لا ترث فرضين بالأختية لأم وبالأختية لأب . وكذلك الجدة لا ترث فرضين إن كانت جدة من جهتين على ما بينا من أصل أبي يوسف فإذا كان هذا لا يثبت فيما بين المسلمين مع تحقيق السببين فكذلك فيما بينهم بخلاف ابن العم الذي هو أخ لأم أو زوج ؛ لأن هناك إنما يجمع له بين الفرضية والعصوبة وذلك لا يستقيم كالأب مع الابنة يكون صاحب فرض وعصبة ، وإنما لا يجوز الجمع بين الفرضين ؛ لأن الله تعالى بين نصيب كل صاحب فريضة ففي الجمع بين الفرضين زيادة على ذلك بالسبب الذي ثبت به فريضته نصا وذلك لا يجوز ، ثم هذا يؤدي إلى أن يكون المرء حاجبا نفسه وذلك ممتنع . فإنه إذا تزوج المجوسي ابنته فولد له ولد وللمجوسي ابنة أخرى ، ثم مات المجوسي ، ثم مات هذا الولد فقد مات عن أم هي أخته لأبيه ، وعن أخت أخرى لأب فلو اعتبرنا السببين في حق شخص واحد لكان للأم السدس بالفريضة فتكون حاجبة نفسها من الثلث إلى السدس وذلك لا يجوز . إذا عرفنا هذا فنقول لما تعذر توريثه بالسببين رجحنا الأقرب منهما ؛ لأن الإرث ينبني على القرب فيقدم الأقرب من الأسباب على أبعدها ومن قال : يرث أوفر النصيبين قال : الأقل يدخل في الأكثر ومن قال : يرث بالسبب الذي يتحقق به التوارث بين المسلمين قال : أن هذا السبب ثابت على
[ 35 ]
الإطلاق في حقهم ، وفي حق المسلمين فلا يعارضه السبب الذي لا يكون ثابتا فيما بين أهل الإسلام . ( ألا ترى ) أنهم لا يتوارثون بالأنكحة التي لا تتحقق فيما بين المسلمين كنكاح المحارم ، وإن كان لتلك الأنكحة فيما بينهم حكم الصحة حتى يتعلق بها استحقاق النفقة ولا يسقط الإحصان باعتبارها وحجتنا في ذلك قوله تعالى { ، وإن كانت واحدة فلها النصف } وقال عز وجل { وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس } ، والله تعالى جعل سبب الاستحقاق الوصف الذي نص عليه من البنتية والأختية ، وقد تحقق اجتماع هذين الوصفين في شخص واحد حقيقة وحكما فيثبت له الاستحقاق بهما بمنزلة ما لو تفرق ذلك في شخصين . ( ألا ترى ) أن ابن العم إذا كان زوجا وأخا لأم فإنه يرث بالسببين جميعا ولا معنى للفرق الذي قالوا فإن الاستحقاق بالعصوبة يزيد في فريضة شخص هو صاحب فرض كما أن الاستحقاق بالفرضية يزيد في ذلك ، ثم لما جاز أن يستحق بالفرضية والعصوبة لاجتماع السببين في حقه فكذلك يجوز أن يستحق بالفرضية باعتبار السببين لما اجتمعا في حقه بخلاف الأخت لأب وأم مع الأخت لأب فهناك ما اجتمع سببان ؛ لأن السبب الأختية وبقرابة الأم يتقوى هذا السبب ولا يتعدد . وكذلك الجدة فالاستحقاق بهذا الاسم ، وهو أنها جدة لا يزداد ذلك في حق من كانت جدة من جهتين ، فأما هنا الاستحقاق بالبنتية والأختية والأمية وهذه الأسباب مختلفة سواء اجتمعت في شخص واحد أو افترقت في أشخاص ولا أثر لكونه شخصا في الاستحقاق باتحاد الشخص لاختلاف الأشخاص في الاستحقاق بهذه الأسباب ، فأما الأنكحة فنقول إن تلك الأنكحة ليست بثابتة في حكم الإسلام على الإطلاق . ( ألا ترى ) أنه لا بقاء لها بعد الإسلام بحال بخلاف الأنساب فإنها ثابتة بحكم الإسلام حتى إنها تبقى بعد الإسلام ولا تنقطع والدليل عليه أن استحقاق الإرث لا يكون بنفس النكاح بل بنكاح صحيح مطلقا ينتهي بالموت ونكاح ذوات المحارم فيما بينهم ليس بهذه الصفة ، فأما النسب يستحق بها الميراث سواء كان نسبه في الأصل حراما أو حلالا . ( ألا ترى ) أن النسب إذا ثبت بنكاح فاسد أو وطء بشبهة يستحق به التوارث يوضحه أن لتلك الأنكحة حكم الصحة باعتبار اعتقادهم واعتقادهم معتبر فيما يكون دافعا عنهم لا فيما يكون ملزما بغيرهم وفي الإرث الاستحقاق يثبت ابتداء بطريق الصلة فاعتقادهم لا يصلح حجة في ذلك بخلاف بقاء الإحصان والنفقة فكان ذلك في معنى الدفع عنهم ، وقد قررنا هذا الفرق في كتاب النكاح . إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان المسائل فنقول مجوسي
[ 36 ]
مات عن أم وابنة هي أخته لأم وصورته فيما إذا تزوج المجوسي أمه فولدت له بنتا ، ثم مات المجوسي فقد مات عن أم هي زوجته ، وعن بنت هي أخته لأمه فلا ترث الأم بالزوجية شيئا ولا الابنة بالأختية لأم ؛ لأن الأخت للأم لا ترث مع الابنة ولكن للأم السدس باعتبار الأمومة وللابنة النصف والباقي للعصبة فإن لم يكن له عصبة فالباقي رد عليهما أرباعا . ولو أن مجوسيا تزوج أمه فولدت ابنا وابنة ، ثم فارقها فتزوجها ابنه فولدت له بنتا ، ثم مات المجوسي فقد مات عن أم وعن ابن وابنة ابن فيكون للأم السدس باعتبار الأمية والباقي بين الابن والابنة للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء لابنة الابن فإن مات الابن فإنما مات الابن عن زوجة هي جدته أم ابنه وهي أمه وعن ابنة هي أخته لأمه ، وعن أخت لأب وأم فلا شيء للأم بالزوجية ولا بكونها جدة ؛ لأن الجدة لا ترث مع الأم ولكن لها السدس بالأمية وللابنة النصف بالبنتية ولا شيء لها بالأختية لأم وللأخت ما بقي بالعصوبة فإن لم يمت الابن ولكن ماتت الابنة الكبرى فقد ماتت عن أم هي جدتها أم أبيها ، وعن أخ لأب وأم ، وعن ابنة أخ هي أختها لأمها فللأم السدس بالأمية ؛ لأن معها أخا لأب وأم وأختا لأم وهما يردان الأم من الثلث إلى السدس ولابنة الأخ السدس بالأختية لأم والباقي للأخ لأب وأم بالعصوبة ، وإن كانت الابنة الصغرى هي التي ماتت فإنما ماتت عن أم هي جدتها أم أبيها ، وعن عمة هي أختها لأمها ، وعن أب هو أخوها لأمها فللأم السدس ؛ لأن معها أخا وأختا لأم والباقي للأب ؛ لأن الإخوة والأخوات لا يرثون شيئا مع الأب ولا شيء للابن بالزوجية ولكن المال بين الابن والبنتين للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء للذكر باعتبار أنه ابن الابن ولا للأنثى باعتبار أنها ابنة الابن . مجوسي تزوج أمه فولدت له ابنتين فتزوج إحدى ابنتيه فولدت له ابنة ، ثم مات المجوسي فقد مات عن أم هي زوجته ، وعن ثلاثة بنات إحداهن زوجته وابنتان هما أختاه لأمه وإحداهن ابنة ابنته فلا شيء للأم بالزوجية ولها السدس بالأمية وللبنات الثلثان بالبنتية ولا شيء للزوجة منهن بالزوجية ولا للأختين بالأختية ولا للثالثة بكونها ابنة ابنته ولكن الباقي للعصبة فإن لم تكن فهو رد على الأم والبنات على مقدار حقهن فإن ماتت الأم بعد ذلك فقد ماتت عن ابنتي صلب وابنة ابن فيكون المال للابنتين بالفرض والرد فإن ماتت بعدها الابنة التي هي زوجته فقد ماتت عن ابنة وأخت لأب وأم فللابنة النصف والباقي للأخت بالعصوبة ، وإن لم تمت هذه ولكن ماتت الابنة السفلى فإنها ماتت عن أم هي أختها لأبيها
[ 37 ]
وعن أخت لأب أيضا فيكون للأم السدس بالأمية وللأختين الثلثان بالأختية والباقي للعصبة . مجوسي تزوج ابنته فولدت له ابنتين فمات المجوسي ، ثم ماتت إحدى الابنتين فإنما ماتت عن أم هي أخت لأب ، وعن أخت لأب وأم أيضا فذكر في بعض النسخ أن للأم السدس بالأمية وللأخت لأب وأم النصف وللأم السدس بالأختية ؛ لأنا لما اعتبرنا الأختية لأب التي وجدت في الأم لاستحقاق السدس بها صار ذلك كالموجود في شخص آخر فإنما تركت أختين وهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس ، وفي بعض النسخ قال : للأم الثلث بالأختية وللأخت لأب وأم النصف وللأم السدس بالأختية لأب ؛ لأن صفة الأختية لأب موجودة في الأم وهي لا تكون حاجبة نفسها فإنما تعتبر القرابة التي فيها للاستحقاق لا للحجب ، وإذا لم يعتبر ذلك فإنما بقي أخت لأب وأم والأخت الواحدة لا تحجب الأم من الثلث إلى السدس والأول أصح لما بينا أن صفة الأختية الموجودة فيها لما اعتبرت للاستحقاق كانت معتبرة للحجب أيضا بمنزلة الموجود في شخص آخر وما كان من هذا الجنس فطريق تخريجه ما بينا . ( فصل ) في ميراث المرتد المرتد إذا قتل أو مات أو لحق بدار الحرب فما اكتسبه في حال إسلامه فهو ميراث لورثته المسلمين ترث زوجته من ذلك إذا كانت مسلمة ومات المرتد وهي في العدة ، فأما إذا انقضت عدتها قبل موت المرتد أو لم يكن دخل بها فلا ميراث لها منه بمنزلة امرأة الفار إنما ترث إذا مات الزوج وهي في العدة ، وإن كانت قد ارتدت معه لم يكن لها منه ميراث كما لا يرثه أقاربه من المرتدين لما بينا أن المرتد ليس من أهل الولاية فلا يرث أحدا ، ولأنه جان بالردة وهذه صلة شرعية فالجاني على حق الشرع يحرم هذه الصلة عقوبة عليه كالقاتل بغير حق. فإن ارتد الزوجان معا ، ثم ولدت منه ، ثم مات المرتد فلا ميراث لها منه ، وإن بقي النكاح بينهما . وأما الولد فإنه إن ولدته لأقل من ستة أشهر منذ يوم ارتد فله الميراث ؛ لأنا تيقنا أنه كان موجودا في البطن حين كانا مسلمين فكان محكوما له بالإسلام ، ثم لا يصير مرتدا بردة الأبوين ما بقي في دار الإسلام فإن حكم الإسلام يثبت ابتداء بطريق تبعيته الدار فلأن يبقى أولى ، وإذا بقي الولد مسلما كان من جملة الورثة ، فأما إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر منذ يوم ارتد فلا ميراث ، ولأن النكاح قائم بينهما ، وإنما يستند العلوق إلى أقرب الأوقات وأقرب الأوقات ما بعد ردتهما ، وإذا علق الولد من ماء المرتد ابتداء يكون مرتدا معهما ؛ لأنه إنما يعتبر تبعية الدار في بقاء حكم الإسلام ، فأما في الابتداء في
[ 38 ]
الدار لا يعارض الأبوين . ( ألا ترى ) أن الحربي إذا سبي ومعه الولد الصغير فإنه لا يحكم بالإسلام ابتداء ولا يكون الدار معارضا للأب في الابتداء حكم الإسلام للولد فكذلك هنا ، وإذا كان هذا الولد مرتدا لم يكن من ورثته ، ثم على قول أبي حنيفة إنما يورث منه ما اكتسبه في حال الإسلام ، فأما ما اكتسبه في حالة الردة يكون فيئا يوضع في بيت المال ، وعند أبي يوسف ومحمد كسب الردة يورث عنه ككسب الإسلام ، وعند الشافعي نصيب كل واحد من الكسبين لبيت المال في أحد القولين بطريق أنه فيء ، وفي القول الآخر بطريق أنه مال ضائع ، وقد بينا مسألته في السير الكبير ، والله أعلم بالصواب . باب الولاء ( قال رضي الله عنه ) : اعلم بأن الولاء نوعان ولاء عتاقة وولاء موالاة فصورة ولاء العتاقة أن يعتق الرجل عبدا أو أمة فيصير المعتق منسوبا إلى المعتق بالولاء ويسمى هذا ولاء النعمة وولاء العتاقة ، وبهذا الولاء يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى شيئا ويستوي إن كان أعتقه لوجه الله تعالى أو لوجه السلطان أو أعتقه سائبة أو بشرط أن لا ولاء عليه ويستوي إن أعتقه بجعل أو بغير جعل أو بطريق الكتابة وقال مالك إن أعتقه لا لوجه الله تعالى أو بشرط أن لا ولاء له عليه فلا ؛ لأن هذه صلة شرعية يعني ميراث المعتق من المعتق فإنما يستحق هذه الصلة من يعتق لوجه الله تعالى ، فأما المعتق لوجه السلطان جان في قصده فيحرم هذه الصلة والذي يصرح بنفي الولاية يكون مراده لهذه الصلة فلا يكون مستحقا لها ونظيره الرجعة عقيب الطلاق لما كان ثبوته شرعا بطريق النظر لم يثبت عنده التصريح بالحرمة والبينونة فهذا مثله وحجتنا في ذلك أن السبب متحقق مع قصده وشرطه ، وهذا الإعتاق والحكم يتبع السبب والدليل على أن السبب الإعتاق قوله عليه السلام { الولاء لمن أعتق } { ومر رسول الله ﷺ بعبد فساومه ولم يشتره ، ثم مر بآخر فساومه فاشتراه وأعتقه ، فقال عليه السلام هو أخوك ومولاك } . ولم يستفسره أنه أعتقه لوجه الله تعالى أو أعتقه سائبة ، ولأن المعنى الذي لأجله يثبت الولاء يختلف بهذه الأسباب ، وهو أن المعتق مسبب لإحياء المعتق ؛ لأن الحرية حياة والرق تلف فإن الحرية تثبت صفة المالكية التي بها امتاز الآدمي من سائر الحيوانات فكان المعتق سببا لإحياء المعتق كما أن الأب سبب لإيجاد
[ 39 ]
الولد فكما أن الولد يصير منسوبا إلى أبيه بالنسب والمعتق يصير منسوبا إلى معتقه بالولاء ، وهذا معنى قوله عليه السلام { الولاء لحمة كلحمة النسب } وإليه أشار الله تعالى في قوله { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه } الآية أي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق فإن الكافر في معنى الميت ، قال الله تعالى { أومن كان ميتا فأحييناه } فبالإسلام يحيا حكما والرقيق في حكم الهالك فبالعتق يحيا حكما فالمسبب لإحيائه يكون منعما عليه ، وإذا ثبت أن المعنى الذي لأجله ثبت الولاء لا يختلف باعتبار هذه المعاني قلنا لا يختلف الحكم أيضا ، ثم الولاء بمنزلة النسب لا يورث عنه ولكن يورث به عندنا ، وكان إبراهيم النخعي يقول : الولاء جزء من الملك يورث عنه كسائر أجزاء الملك قال : لأنه ليس للمولى على مملوكه شيء سوى الملك ، والإعتاق إبطال للملك فلا يجوز أن يكون مثبتا شيئا آخر سواه ولكن يجوز أن يكون مبطلا بعض الملك غير مبطل للبعض فما يبقى يكون جزءا من الملك ولكنا نستدل بقوله عليه السلام { الولاء لحمة كلحمة النسب } والنسب لا يورث عنه ، وإنما يورث به ، ثم الإعتاق إبطال للملك ومع إبطال الملك لا يجوز أن يبقى شيء من الملك ولكنه إحداث القوة المالكية وذلك بمنزلة إحيائه حكما فيعقب ذلك المعنى الولاء بمنزلة النسب ، ثم المروي عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أنهم قالوا الولاء للكبر وزعم بعض العلماء بظاهر هذا اللفظ أن الولاء لأكبر بني المعتق بعده وقال الأكبر قائم مقام الأب في الذب عن العشيرة { ورسول الله ﷺ قدم الأكبر بقوله الكبر } فيقدم أكبر البنين في استحقاق الولاء لهذا والمذهب عندنا أن المراد بالأكبر الأقرب يعني أن أقرب البنين أولى باستحقاق الميراث بالولاء حتى إذا مات المعتق عن ابن وابن ابن فالولاء للابن خاصة دون ابنه في قول . وكذلك إن مات عن ابن ابن وابن ابن ابن فالميراث بالولاء لابن الابن خاصة ؛ لأنه أقرب . فإن مات المعتق عن أب وابن فميراثه لابن المعتق خاصة دون أبيه في قول زيد وسعيد بن المسيب ، وهو قول أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف الأول ، وفي قول إبراهيم للأب السدس والباقي للابن ، وهو قول أبي يوسف الآخر ؛ لأن استحقاق الولاء بالعصوبة والأب في حكم العصوبة كالابن فإنه ذكر يتصل بالميت بغير واسطة كالابن إلا أن الابن مقدم عليه شرعا في ميراثه ؛ لأن الأب لا يصير محروما عن ميراثه لو قدمنا الابن بالعصوبة فإنه يستحق بالفرضية فأولى الوجوه أن يجعل ميراث المعتق كميراث المعتق ويجعل كأن المعتق الذي استحق ذلك ، ثم يخلفه في ذلك أبوه وابنه فيكون مقسوما
[ 40 ]
بينهما أسداسا وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله أن البنوة في العصوبة مقدمة على الأبوة فما كان الأب مع الابن في حكم العصوبة إلا نظير الأخ مع الأب فإن الأخوة لما كانت دون الأبوة في العصبة لم يكن للأخ من الميراث بالولاء شيء مع الأب . وكذلك الإخوة لأب وأم لما كانت مقدمة في العصوبة على الأخ لم يكن للأخ لأب شيء من الميراث بالولاء مع الأخ لأب وأم ، فأما ميراث المعتق فإنما استحق الأب السدس منه بالفرضية وبالفرضية يستحق الميراث بالولاء . ( ألا ترى ) أن المعتق إذا مات عن ابن وابنة لا يكون للابنة من ميراث المعتق شيء ؛ لأنها صاحبة فرض ، وإنما تصير عصبة تبعا للابن ولا تثبت المزاحمة للتبع مع الأصل فيما يستحق بغلبة الأصل . فإن أعتقت المرأة عبدا فهي في استحقاق ميراثه بالولاء كالرجل ؛ لأن السبب ، وهو الإعتاق قد تحقق منها وبعد تحقق السبب الرجل والمرأة في الاستحقاق سواء فإن أعتق معتقها عبدا أو أمة فهي تستحق من معتق معتقها ما يستحق الرجل ؛ لأن الثاني صار منسوبا إليها بالولاء كالأول على معنى أن الثاني منسوب بالولاء إلى الأول والأول منسوب بالولاء إليها فلاتحاد سبب الإضافة جعل الثاني كالأول بخلاف ما إذا أعتق أبوها عبدا ؛ لأن المعتق منسوب إلى أبيها بالولاء وهي تنسب إلى الأب بالعصوبة لا بالولاء فلما اختلف السبب لم يكن مولى الأب مضافا إليها فلا تكون عصبة له والأصل فيه ما روي عن رسول الله ﷺ أنه قال { لا يرث بالولاء من النساء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن أو جر ولاء معتق معتقهن }. إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان المسائل فنقول امرأة عتقت عبدا ، ثم ماتت وتركت ابنا هو من غير قومها وابن عم لها ، ثم مات المعتق فإن ميراثه لابنها ؛ لأنه أقرب عصبة لها ولو جنى جناية كان عقل جنايته على ابن العم دون الابن به قضى عمر رضي الله عنه فإن صفية بنت عبد الملك أعتقت عبدا ، ثم ماتت فاختصم في ولاء معتقها علي والزبير إلى عمر ، فقال علي أنا أعقل جنايته على ميراثه وقال الزبير مولى أمي فلي ميراثه فقضى عمر بالميراث للزبير وجعل عقل الجناية على علي رضي الله عنهم ، وكان المعنى فيه أن استحقاق الميراث بالعصوبة والابن مقدم في ذلك على ابن العم ، فأما عقل الجناية فبالتناصر . ( ألا ترى ) أن أهل الديوان يتعاقلون بالتناصر ولا ميراث بينهم ولا عصوبة والتناصر إنما يكون لها ولمولاها بقوم أبيها لا بأبيها فلهذا كان عقل الجناية عليهم. ولو أن امرأة اشترت عبدا فأعتقته ، ثم مات المعتق عن ابنة فلها النصف والباقي للمعتقة بالعصوبة لما روي { أن ابنة حمزة رضي الله عنها أعتقت عبدا ، ثم مات
[ 41 ]
المعتق عن ابنة فجعل رسول الله ﷺ ميراثه نصفين نصفا لابنته ونصفا لابنة حمزة } وفيه دليل على أن مولى العتاقة عصبة مقدم على الرد ، وعلى ذوي الأرحام ، وقد بينا خلاف ابن مسعود في هذا. فإن اشترت المرأة أباها فعتق عليها استحقت ولاءه ؛ لأنها صارت معتقة له بالشراء فإن شراء القريب إعتاق فإن مات الأب بعد ذلك كان لها المال نصفه بالفرضية ونصفه بالعصوبة بالولاء ، وإنما يتبين هذا فيما إذا كان معها ابنة أخرى فإنه يكون لهما الثلثان والباقي للمشترية بالعصوبة خاصة ولو جن الأب جنونا مطبقا كان للمشترية أن تزوجه بولاية الولاء وهذه من أعجب المسائل أن يثبت للابنة على ابنها ولاية التزويج . ولو أن مملوكا له ابنتان اشتريا الأب فعتق عليهما ، ثم إن إحداهما مع الأب اشتريا ابنا للأب فعتق عليهما ، ثم مات الأب فإنما مات عن ابن وابنتين فالميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء للولاء فإن مات الابن بعد ذلك فإنما مات عن أختين ، وعن ولاء ثابت عليه لشخصين أحدهما ميت ، وهو الأب والآخر حي فللأختين الثلثان والثلث الباقي يكون نصفين نصفه للمشترية مع الأب ونصفه للأب بالولاء فيكون بين الابنتين نصفان للولاء الثابت لهما على الأب فإن المرأة ترث معتق معتقها بالولاء كما ترث معتقها فيكون أصل الفريضة من ثلاثة ، ثم يكسر بالإنصاف مرتين فإذا أضعف ثلاثة مرتين يكون اثني عشر فمنه تصح المسألة لهما ثمانية بالأختية وللابنة المشترية سهمان بولاء نفسها وسهمان بولاء الأب بينهما نصفان. فإن كن ثلاث بنات اشترى بنتان منهما أباهما ، ثم إن الأب مع الثالثة التي لم تشتر الأب اشتريا ابنا له ، ثم مات الأب فقد مات عن ابن وثلاث بنات فيكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن مات الأخ بعد ذلك فإنما مات عن ثلاث أخوات ، وعن ولاء ثابت عليه لشخصين أحدهما ميت ، وهو الأب والآخر حي فيكون لهن الثلثان بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي ، وهو سهم بين الولاء نصفين لا يستقيم ، ثم نصيب الأب بين الابنتين بالولاء لا يستقيم فتضرب ثلاثة في ثلاثة فتكون تسعة ، ثم تضعف تسعة مرتين فتكون ستة وثلاثين منه تصح المسألة للبنات الثلثان أربعة وعشرون لكل ابنة ثمانية وللمشترية نصف الباقي بولاء نفسها وذلك ستة وللتين اشتريا الأب النصف الباقي ، وهو ستة بينهما نصفان فحصل لكل واحدة منهما أحد عشر وللأخرى أربعة عشر فاستقام فإن اشترى الأب مع إحدى الابنتين المشتريتين له ومع الابنة الثالثة الأخ فعتق عليهم جميعا ، ثم مات الأب ، ثم مات الأخ بعده فإنما مات عن ثلاث أخوات وعن ولاء ثابت
[ 42 ]
عليه لأشخاص ثلاثة اثنان منهم حيان والثالث ، وهو الأب ميت فيكون لهن الثلثان بالأختية والثلث الباقي يقسم أثلاثا لكل واحدة من اللتين اشتريا الأخ ثلث هذا الباقي بولاء نفسها وثلث هذا الثلث بين المشتريتين للأب نصفين بولاء الأب فتصح القسمة من ستة وثلاثين أيضا لهن ثلثان والباقي ، وهو اثنا عشر بينهن أثلاثا فقلت الذي هو نصيب الأب بين المشتريتين له لكل واحدة سهمان. فإن اشترى الابنتان أباهما ، ثم أب الأب مع إحداهما والأخرى التي لم تشتر الأب اشتروا أخاها لها ، ثم أربعتهن جميعا مع الأب والأخ اشتروا أمهم وهي امرأة الأب ، ثم مات الابن فإنما مات عن ابن وثلاث بنات فيكون الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ( فإن قيل ) فقد مات عن امرأة أيضا قلت لا كذلك فالنكاح قد فسد حين ملك الأب جزء أمها فإن مات الأخ بعد ذلك فإنما مات عن أم وثلاث أخوات وولاء ثابت عليه لثلاثة نفر اثنان منهم حيان وواحد ميت فيكون للأم السدس وللأخوات الثلثان والباقي ، وهو السدس يكون بالولاء أثلاثا لكل ابنة ثلثا ذلك بين المشتريتين للأخ والثلث الآخر حصة ولاء الأب من المشتريتين وتقسيم المسألة من ستة وثلاثين أيضا ؛ لأن الباقي يقسم أثلاثا وثلثه ينقسم نصفين فيستقيم التخريج منه فإن ماتت الأم بعد ذلك فإنما ماتت عن ثلاث بنات ، وعن ولاء ثابت عليها لخمسة نفر ثلاثة منهم أحياء واثنان ميتان الأب والابن فيكون للبنات الثلثان وما بقي ينقسم بالولاء أخماسا فانكسر بالأثلاث والأخماس فالسبيل أن تضرب خمسة في ثلاثة فتكون خمسة عشر ، ثم خمس الثلث الذي هو نصيب الابن ينكسر أثلاثا بالولاء الذي عليه فتضرب خمسة عشر في ثلاثة فتكون خمسة وأربعين منه تصح المسألة للبنات الثلثان وما بقي ، وهو خمسة عشر ينقسم بالولاء أخماسا لكل بنت ثلاثة باعتبار ولاء نفسها وثلاثة باعتبار ولاء الابن فيكون مقسوما أثلاثا للمشتريتين للابن مع الأب لكل واحدة سهم وسهم للأب بولاء الابن وثلاثة أسهم له بولاء الأم ، ثم هذه الأربعة بين المشتريتين للأب نصفين بولائهما عليه لكل واحدة سهمان فحصل لكل واحدة من هاتين مرة عشرة ومرة ثلاثة ومرة سهمان فذلك خمسة عشر وللتي اشترت الابن مع هذا سهم آخر فذلك ستة عشر وللتي لم تشتر الأب عشرة بالنسب وثلاثة بولاء نفسها وسهم بولاء الابن فذلك أربعة عشر فإذا جمعت بين هذه السهام كانت خمسة وأربعين فاستقام التخريج ، والله أعلم .
[ 43 ]
( فصل في ولاء الموالاة ) ( قال رضي الله عنه ) : اعلم أن عقد الموالاة جائز يستحق به الميراث إذا لم يكن هناك أحد من القرابات ولا مولى العتاقة عندنا هو مذهب عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضوان الله عليهم أجمعين وعلى قول الشافعي هو باطل لا يستحق به الميراث ، وهو مذهب زيد وزعم بعضهم أنه قول علي رضي الله عنه أيضا فإن رجلا أتاه يسأله أن يعاقده عقد الموالاة فأوه الرجل ابن عباس ووالاه ولكن إيتاء لا يدل على أنه لا يرى جواز هذا العقد ، وإنما تنبني هذه المسألة على مسألتين إحداهما الوصية بجميع المال ممن لا وارث له صحيح عندنا خلافا له . ووجه البناء أن من لا وارث له فإنما يصرف ماله إلى بيت مال المسلمين والموصى له ساواهم في الإسلام وترجح بإيجاب الموصى له فكان هو أولى عندنا فكذلك الذي عاقده عقد الموالاة ، وعند الشافعي وارث من لا وارث له جماعة المسلمين فكما لا يملك إبطال حق الورثة بالوصية بجميع المال لا يملك إبطال حق جماعة المسلمين . والثاني أن أهل الديوان يتعاقلون بينهم عندنا خلافا له فلما كان إثبات الاسم في الديوان سببا لتحمل العقل فكذلك عقد الموالاة يكون سببا لتحمل العقل ، وإذا كان يتحمل به العقل يورث به أيضا ؛ لأن الغرم مقابل بالغنم ، وعلى سبيل الابتداء الشافعي احتج ، فقال : إن الملك بطريق الوراثة ليس يثبت ابتداء ، وإنما يثبت على سبيل الخلافة فيبقى للوارث ما كان ثابتا للمورث ، ولهذا يرد الوارث بالعيب ويصير مغرورا فيما اشتراه مورثه وبالعقد يثبت الملك ابتداء بسبب مقصود إلا أن يبقى ما كان من الملك الأول فلا يمكن إثبات ملكه بطريق الخلافة هنا بعقد الموالاة ؛ لأنه عقد باشراه ابتداء ولا يمكن إثبات الملك ابتداء ؛ لأن ذلك لا يكون وراثة ، وهذا بخلاف الوصية فإن ملك الموصى له لا يكون خلفا عن ملك الموصي بل هو ملك ثبت ابتداء ، ولهذا لا يرد بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصي ، ولأن أسباب الإرث معلومة شرعا وعقد الموالاة ليس من تلك الأسباب وحجتنا في ذلك قوله تعالى { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } يعني نصيبهم من الميراث والمراد عقد الموالاة بدليل ما سبق من قوله عز وجل { ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون } . فكما أن المراد من ذلك بيان النصيب على سبيل الاستحقاق إرثا على سبيل البر والمعونة ابتداء فكذلك المراد بما جعله معطوفا عليه ؛ لأن حكم المعطوف حكم المعطوف عليه وليس المراد بقوله تعالى { عقدت أيمانكم } القسم بل المراد الصفقة باليمين فإن العادة
[ 44 ]
أن المتعاقدين يأخذ كل واحد منهما يمين صاحبه إذا عاقده ويسمى العقد صفقة لهذا ، وفي حديث { تميم الداري رضي الله عنه أنه سأل رسول الله ﷺ ، فقال : إن الرجل ليأتيني فيسلم على يدي ويواليني ، فقال عليه السلام هو أخوك ومولاك فأنت أحق به محياه ومماته } يعني محياه في تحمل عقل الجناية عنه ومماته في الإرث عنه والمعنى في المسألة أن خلافة الوارث الموروث في ملكه إنما كانت على سبيل النظر للمالك فإن الظاهر أن الإنسان يؤثر قرابته على الأجانب في هذه الخلافة ، ولهذا قدمنا الأقرب على الأبعد ؛ لأنه يؤثر الأقرب على الأبعد عادة فما دام هناك أحد من قرابته فقد وجد النظر من الشرع له فوقع الاستغناء عن نظره لنفسه ، وإذا لم يكن هناك أحد من القرابة فقد وقعت الحاجة إلى نظره لنفسه فإذا فعل ذلك وعقد عقد الموالاة مع إنسان كان ذلك منه تصرفا في خالص حقه على سبيل النظر منه لنفسه فيكون صحيحا بمنزلة الوصية بثلث ماله . ( ألا ترى ) أن مثل هذا النظر منه لنفسه في حال حياته صحيح بتمليك المال من غيره بعوض وبغير عوض فكذلك في إثبات الخلافة لغيره بعد موته والحاصل أن كلام الخصم يرجع كله إلى عدم الدليل فإن إثبات هذه الخلافة بطريق العقد قصدا مشروع بالاتفاق ، وهو عقد النكاح فكأنه يقول لم يقم الدليل على أن بعقد الموالاة تثبت الوراثة ونحن نقول يجعل هذا العقد قائما مقام ما ورد به الشرع من الأسباب لإثبات الخلافة بالدليل الذي قلنا ، ثم بمجرد الإسلام على يدي غيره لا يصير مولى له ما لم يعاقده عقد الموالاة عندنا وقال بعضهم يصير مولى له ، وإن لم يعاقده لقوله عليه السلام { من أسلم على يد غيره فهو أخوه ومولاه } ، وفي رواية فهو أحق به في حياته ومماته ، ولأن في الإسلام معنى الحياة حكما كما في العتق فكما أن المعتق يثبت له الولاء على المعتق باكتساب سبب إحيائه فكذلك الذي دعاه إلى الإسلام تثبت له الولاية عليه باكتساب سبب إحيائه ولكنا نقول : في الحديث المروي زيادة فإنه قال عليه السلام { من أسلم على يد غيره ووالاه } فهذه الزيادة تبين أن بمجرد الإسلام على يده لا يصير مولى له . والدليل عليه حديث تميم الداري فإنه قال : إن الرجل ليأتيني فيسلم على يدي ويواليني فدل أنه كان معروفا بينهم أن بمجرد الإسلام على يده لا تثبت الولاية عليه ، وهذا بخلاف ولاء العتق فإن سببه الإعتاق ، وإنما وجد ذلك من المعتق وهنا سبب حياته الإسلام ، وهو الذي أسلم بنفسه فلم يكن هذا الذي عرض عليه الإسلام هو المكسب سبب الحياة له فلا يثبت له عليه الولاء ما لم يعاقده إذا عرفنا هذا فنقول ولاء
[ 45 ]
الموالاة يخالف ولاء العتق في فصول أحدها أن في ولاء العتاقة يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى وولاء الموالاة إنما يكون على ما يتفقان عليه حتى إذا اتفقا على توريث كل واحد منهما من صاحبه يثبت الحكم من الجانبين والفرق أن ولاء العتاقة سبب الإحياء وذلك إنما يوجد من الأعلى في حق الأسفل ولم يوجد من الأسفل في حق الأعلى وهنا السبب العقد والشرط فعلى الوجه الذي وجد الشرط يثبت الحكم ، والثاني أن ولاء العتق لا يحتمل النقض والفسخ وولاء الموالاة يحتمل ذلك ؛ لأن السبب هناك الإعتاق والإعتاق لا يحتمل النقض بعد ثبوته وثبوت الحكم على وفق السبب وهنا السبب الإيجاب بطريق التبرع ، وهو محتمل للنقض إلا أنه ينفرد بالفسخ ما لم يعقل عنه وبعد ما عقل عنه الجناية لا تنفرد بالفسخ ؛ لأنه ما لم يعقل جنايته فالعقد تبرع والمتبرع يملك الفسخ قبل حصول المقصود بغير رضاء الآخر ، فأما إذا تحمل عنه جنايته صار العقد معاوضة وأحد المتعاوضين لا ينفرد بفسخ المعاوضة من غير رضا الآخر وكما يملك أن يفسخ العقد يملك أن يتحول بولاية إلى غيره بأن يعاقد غيره عقد الولاء فيفسخ العقد بينه وبين الأول وبعد ما عقل جنايته لا يملك ذلك . وكذلك الذي لم يوال أحدا إذا جنى جناية وعقل بيت المال جنايته فإنه لا يملك عقد الموالاة مع أحد بعد ذلك ؛ لأنه صار ولاؤه لبيت المال وتأكد ذلك بعقل الجناية فلا يملك إبطاله بخلاف ما قبل أن يعقل بيت المال جنايته ومن وجه آخر الفرق بين هذا وبين ولاء العتاقة أن مولى العتاقة آخر العصبات مقدم على ذوي الأرحام ومولى الموالاة مؤخر عن ذوي الأرحام ؛ لأن الشرع أثبت العصوبة لمولى العتاقة بقوله عليه السلام { كنت أنت عصبته } والعصبة مقدمة على ذوي الأرحام وهنا الموت هو الذي أوجب هذه الصلة له بعقده فيكون بمنزلة الوصية بجميع ماله وذلك يمتنع لحق ذوي الأرحام كما يمتنع لحق العصبات فكذلك الميراث بهذا الولاء فقلنا ما دام هناك أحد من ذوي الأرحام فلا شيء لمولى الموالاة. ولو أنه والى رجلا وعاقده ، ثم أقر بأخ أو ابن عم ، ثم مات فميراثه لمولى الموالاة ؛ لأن إقراره بالأخوة والعمومة باطل فإنه يحمل به النسب على غيره وإقراره ليس بحجة على غيره . وأما عقد الموالاة تصرف منه في حق نفسه ، وهو من أهل التصرف في حق نفسه ابتداء والسبب الباطل لا يزاحم السبب الصحيح . وحكم الولد بين رجلين في ميراثه من كل واحد منهما حكم ولد كامل له خاصة يعني أن الجارية بين رجلين إذا جاءت بولد فادعياه حتى ثبت النسب منهما فإنه يرث من كل واحد
[ 46 ]
منهما ميراث ابن كامل ويزاحم سائر أولاد كل واحد منهما ؛ لأنه ابن كامل له لقول عمر وعلي رضي الله عنهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه ، ولأن البنوة لا تحتمل التجزيء ، فأما أن يمتنع ثبوته عند المعارضة أو يتكامل ولم يمتنع ثبوته هنا فعرفنا أنه تكامل في حق كل واحد منهما . ولو مات هذا الولد فلهما منه جميعا ميراث أب واحد عندنا بينهما نصفان وقال زفر لكل واحد منهما ميراث أب كامل ؛ لأن الأبوة لا تحتمل التجزيء كالبنوة ومن ضرورة كونه ابنا كاملا لكل واحد منهما أن يكون كل واحد منهما أبا كاملا ولكنا نستدل بقوله تعالى { ولأبويه لكل واحد منهما السدس } والمراد ههنا الأب والأم فهذا تنصيص على أنه يستحق السدس بالأبوة مع الابن فالقول باستحقاق السدس بالأبوة مع الابن يكون بخلاف هذا النص ، ولأن الأب في الحقيقة أحدهما ، وهو المخلوق من مائه فإنا نتيقن أنه غير مخلوق من الماءين ولكن لأجل المعارضة والمساواة جعلناه منسوبا إليهما ، وإذا علمنا أن الأب أحدهما قلنا لا يستحق من ماله بالأبوة إلا ميراث أب واحد ، وهذا بخلاف الابن ؛ لأن المعارضة في جانبه لا تتحقق ، وإنما تتحقق في جانبهما حتى إذا انعدمت المعارضة في جانبهما بأن مات أحدهما ، ثم مات الابن كان الباقي منه ميراث أب كامل ، وهو معنى قول عمر وعلي رضي الله عنهما وهو الباقي منهما ، وهذا لأن المزاحمة لم تبق بعد موت أحدهما فيرثه الآخر ميراث ابن كامل . رجل وعم له ادعيا ابنة جارية بينهما ، ثم مات العم وترك أباه فللابنة النصف الباقي للأب بالفرض والعصوبة ، وإن مات الابن وترك هذه الابنة فلها النصف والباقي للجد في قول أبي حنيفة ، وإن مات الجد وترك هذه المدعاة وعصبته فلها النصف والباقي للعصبة ؛ لأنها ابنة ابنه من وجه وابنة ابن ابنه من وجه ولكن الثابت أحد الأمرين لا كلاهما ، فأما أن نقول بنت الأقرب أو نقول هي لا تستحق إلا النصف سواء كان الثابت أقرب الجهتين أو أبعدهما ، وإنما أوردنا هذا لبيان أنها ليست تثبت لكل واحد منهما بكماله فإنها لو كانت كذلك لاستحقت الثلثين النصف بكونها ابنة ابن والسدس بكونها ابنة ابن ابنه فقد بينا فيما سبق أن عند اجتماع السببين في شخص يستحق الميراث بكل واحد منهما وهنا لا يكون لها إلا النصف فعرفنا أن الثابت في الحقيقة أحد السببين وأن الأب أحدهما ، والله أعلم بالصواب . باب ميراث القاتل ( قال رضي الله عنه ) : اعلم بأن القاتل بغير حق لا يرث من المقتول شيئا عندنا سواء قتله
[ 47 ]
عمدا أو خطأ وقال مالك إن قتله خطأ فله الميراث لا من الدية . وأما في العمد لا ميراث له لما روي أن { النبي ﷺ قضى بأن لا ميراث للقاتل } ، وعن عمر رضي الله عنه قال : لا ميراث لقاتل ، وعن عبيدة السلماني رضي الله عنه لا ميراث لقاتل بعد صاحب البقرة يعني بقرة بني إسرائيل ، وهو الإشارة إلى المعنى فذلك القاتل قصد استعجال الميراث فصار أصلا أن كل قاتل قصد استعجال الميراث ولو توهم في القتل العمد ذلك منه فإنه يحرم الميراث عقوبة له أورد لقصده عليه فهذا المعنى موجود في القتل العمد ، فأما في الخطأ قال مالك لم يوجد منه القصد إلى قتل مورثه واستعجال الميراث ينبني على ذلك ، ثم الخاطئ معذور فلا يستحق العقوبة والخطأ موضوع رحمة من الشرع فلا يثبت به حرمان الميراث إلا أنه لا يرث من الدية ؛ لأن عاقلته يتحملون عنه الدية فلو ورث من ذلك لتحملوا عنه وذلك لا يجوز وحجتنا في ذلك أن الحرمان جزاء القتل المحظور شرعا والقتل من الخاطئ محظور ؛ لأن ضد المحظور المباح والمحل غير قابل للقتل المباح إلا جزاء على جريمة وكما لا يتصور الفعل في غير محل لا يتصور المباح في غير محل الإباحة فقلنا إن هذا القتل محظور ، ولهذا تتعلق به الكفارة وهي ساترة للذنب ومع كونه موضوعا شرعا لما جاز أن يؤاخذ بالكفارة فكذلك جاز أن يؤاخذ بحرمان الميراث ، وهذا لأن تهمة القصد إلى الاستعجال قائمة فمن الجائز أنه كان قاصدا إلى ذلك وأظهر الخطأ من نفسه فيجعل هذا التوهم كالمتحقق في حرمان الميراث . وكذلك كل قاتل هو في معنى الخاطئ كالنائم إذا انقلب على مورثه لتوهم أنه كان يتناوم وقصد استعجال الميراث . وكذلك إن سقط من سطح على مورثه فقتله أو وطئ بدابته مورثه ، وهو راكبها ؛ لأنه مباشر للقتل فإنما مات المقتول بفعله ويتوهم قصده إلى الاستعجال فكان القاضي الجليل رحمه الله يقول الدابة في يد راكبها يسيرها كيف يشاء فهي بمنزلة حجر في يده وخرجه على مورثه فقتله. فأما القاتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في الطريق ومن أخرج ظلة أو جناحا فسقط على مورثه فقتله فإنه لا يحرم من الميراث عندنا ، وعلى قول الشافعي يحرم الميراث ؛ لأنه قاتل بغير حق ودليل كونه قاتلا وجوب الدية على عاقلته بمنزلة الخاطئ ولكنا نقول ليس هنا يوهم القصد إلى الاستعجال ؛ لأنه بما أحدث من السبب لم يقصد قتل مورثه ولا يدري أن مورثه يمر في ذلك الموضع ويقع في البئر أو يسقط عليه الجناح ، ثم حرمان الميراث جزاء مباشرة القتل المحظور ، وهذا المسبب ليس بقاتل . ( ألا ترى ) أنه لو فعل هذا في ملكه لم يكن مؤاخذا
[ 48 ]
بشيء والقاتل مؤاخذ بفعله سواء كان في ملكه أو في غير ملكه كالرامي ، ولأن القتل لا يتم إلا بمقتول ، وقد انعدم المقتول عند الحفر فلا يصير هو بالحفر قاتلا ولا يجوز أن يصير قاتلا عند الوقوع ؛ لأن الحافر قد يكون ميتا عند وقوع الواقع في البئر فكيف يكون الميت قاتلا ، وإذا ثبت أنه ليس بقاتل لم يكن عليه جزاء القتل من حرمان الميراث والكفارة ووجوب الدية عليه لصيانة دم المقتول عن الهدر وذلك لا يدل على أنه قاتل كما في الدية تجب على العاقلة ولا تدل على أن العاقلة قاتلون. وأما الصبي والمجنون إذا قتل مورثه لم يحرم الميراث عندنا ، وعند الشافعي يحرم الميراث لوجود القتل بغير حق وأكثر ما في الباب أن يكون فعلهما كفعل الخاطئ والخاطئ يحرم الميراث فكذلك الصبي والمجنون ولكنا نقول هذا جزاء القتل المحظور وفعلهما لا يوصف بالحظر شرعا ؛ لأن الفعل المحظور ما يجب الامتناع عنه بخطاب الشرع وذلك لا يثبت في حقهما ، ثم حرمان الميراث باعتبار توهم القصد إلى الاستعجال ولا يعتبر بقصد الصبي والمجنون شرعا إذ حرمان الميراث إنما يكون باعتبار تقصير منه في التحرز وذلك يتحقق من الخاطئ ؛ لأنه من أهل أن ينسب إلى التقصير ولا يتحقق من الصبي والمجنون فإنهما لا ينسبان إلى التقصير شرعا. فأما الأب إذا ختن ولده أو حجمه أو بط قرحة به فمات من ذلك لم يحرم الميراث ؛ لأن هذا فعل مباح له شرعا وحرمان الميراث جزاء القتل المحظور فهو وما لو قتل مورثه بحق سواء . ولو أدب ولده بالضرب فمات من ذلك فعلى قول أبي حنيفة يضمن ديته ويحرم الميراث ، وعلى قول أبي يوسف ومحمد لا يضمن شيئا ولا يحرم عن الميراث ولو أن المعلم هو الذي ضربه بإذن الأب فمات لم يضمن شيئا بالاتفاق قال رحمه الله ، وهذا عند أبي حنيفة ترك لقوله قبل هذا من دعوى المناقضة على قول أبي حنيفة وقيل بل هو استدلال على رجوعه عن جوابه في الفصل الأول ، وهذا هو الأصح فإن المعلم لو أدبه بغير إذن أبيه فمات كان ضامنا فإذا أدبه بإذنه لم يضمن فلما كان لأمره تأثير في إسقاط الضمان عن المعلم عرفنا أنه لا يجب عليه الضمان إذا ضربه بنفسه ، وهذا لأن التأديب يباح له شرعا كالختان والحجامة ومن حمل المسألة على الاختلاف فوجه قولهما هذا ووجه قول أبي حنيفة ؛ لأن الأب إنما يؤدب ولده لمنفعة نفسه وما يباح للمرء شرعا لمنفعة نفسه يتقيد بشرط السلامة كتعزير الزوج زوجته والرمي إلى الصيد والمشي في الطريق ، وبيان الوصف أن الأب لا يعزر بسوء أدب ولده ، وإنما يزجره عن ذلك لدفع العار واللوم عن نفسه وبه فارق المعلم فإنه لا يؤدب الصبي لمنفعة نفسه فإذا
[ 49 ]
صار مباحا له شرعا لم يتقيد عليه بشرط السلامة وبه فارق الختان والحجامة ؛ لأن ذلك لمنفعة الولد فإن الطهرة به تحصل للولد لا للأب فلهذا لا يتقيد بشرط السلامة بل يجعل فعل الآمر به كفعله بنفسه يوضحه أن الأب يغيظه سوء أدب ولده وربما يحمله الغيظ على المبالغة في تأديبه وترك الاحتياط فلهذا يتقيد بشرط السلامة ، وهذا المعنى لا يوجد في الختان والحجامة ولا في المعلم إذا أدبه بإذن الأب ، ثم دية المقتول تكون ميراثا عنه لجميع ورثته كسائر أمواله عندنا ومن الناس من قال ليس للزوج والزوجة من الدية نصيب ؛ لأن وجوب الدية بعد الموت والزوجية ترتفع بالموت بخلاف القرابة ولكنا نستدل بحديث الضحاك أن { شيبان الكلابي رضي الله عنه قال : أمرني رسول الله ﷺ أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم } ، ولأن الدية مال الميت حتى تقضى بها ديونه وتنفذ منها وصاياه فيرثها عنه من يرث سائر أمواله ، وإنما استحقاق الميراث باعتبار زوجية قائمة إلى وقت الموت منتهية بالموت لا باعتبار زوجية قائمة في الحال ، وفي هذا المعنى الدية بمنزلة سائر الأموال . إذا عرفنا هذا فنقول ثلاثة إخوة قتل أحدهم أباه عمدا فللباقيين أن يقتلاه ؛ لأن السبب الموجب للقود ، وهو العمد قد تحقق منه ولا نصيب له في ذلك ؛ لأن القاتل محروم عن الميراث فإن مات أحد الأخوين الباقيين لم يكن للباقي أن يقتله ؛ لأن نصيب الميت من القصاص صار ميراثا بموته بين إخوته والقاتل يرث أخاه ؛ لأنه ليس بقاتل له فلا يحرم الميراث عنه ، وإذا ورث جزءا من القصاص الواجب عليه سقط ذلك وانقلب نصيب الآخر مالا فعليه ثلاثة أرباع الدية في ماله للأخ الباقي في ثلاث سنين . ( ألا ترى ) أنه لو عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر مالا فكذلك إذا سقط جزء من القصاص عن القاتل باعتبار أنه ملكه بالميراث . ولو أن أخوين وأختا لأب وأم قتل أحد الأخوين الأم عمدا والزوج وارث معهم ، وهو أبوهم فللأخ الباقي والأخت والزوج أن يقتلوا القاتل ؛ لأن القاتل محروم عن ميراث أمه بالقتل ، وإن لم يقتلوه حتى مات الأخ الباقي فللأخت والزوج أن يقتلا القاتل ؛ لأن الأخ الباقي مات عن أخت وأخ وأب فيكون نصيبه للأب والأخت ولا شيء للأخ من نصيبه فلا يرث القاتل شيئا من القصاص بموت أخيه فإن مات الأب بعد ذلك لم يكن للأخت أن تقتله ؛ لأن نصيب الأب من القصاص صار ميراثا بين القاتل وأخته فلا يكون محروما عن ميراثه ويكون لها عليه نصف الدية ؛ لأن الأب كان ورث من امرأته الربع ، وهو ثلاثة من اثني عشر وما بقي ، وهو تسعة بين الأخ والأخت أثلاثا للأخ
[ 50 ]
ثلثاه ستة وللأخت ثلاثة فلما مات الأخ صار نصيبه للأب فإنما مات الأب عن تسعة فيكون ذلك بين الابن والابنة أثلاثا للابن ستة وللابنة ثلاثة فعرفنا أنه اجتمع للأخت ستة من اثني عشر وذلك النصف فلهذا كان لها عليه نصف الدية . ولو أن أخوين وأختا قتل أحد الأخوين أبوهم وقتل الآخر أمهم فإن قاتل الأم يقتل قاتل الأب مع الأخت ولا يقتله قاتل الأب ؛ لأنه كان مستوجبا للقصاص وللأم من ذلك نصيب فلما قتل الآخر الأم صار بعض ذلك ميراثا منها لقاتل الأب ؛ لأنه ليس بقاتل للأم فلهذا سقط عنه القصاص وقاتل الأم قد لزمه القصاص ولم يسقط عنه شيء من ذلك بملكه فيقتل قصاصا ويغرم قاتل الأب للأخت ثمانية وثلاثين سهما من اثنين وسبعين سهما من الدية ؛ لأن الأب خلف امرأة وابنا وابنة فتكون القسمة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة وللابن أربعة عشر وللابنة تسعة فحين قتل الآخر الأم فنصيبها ميراث بين قاتل الأب والابنة أثلاثا فحصل للابنة ثمانية ، ثم لما قتل قاتل الأم قصاصا صار نصيبه ، وهو أربعة عشر ميراثا بين الأخ والأخت أثلاثا ، وهو لا يستقيم فتضرب أربعة وعشرين في ثلاثة فتكون اثنين وسبعين ، وكان للابنة ثمانية مضروبة في ثلاثة فذلك أربعة وعشرون ، وكان الذي لا يستقيم بينها وبين الابن أربعة عشر مضروبة في ثلاثة فتكون اثنين وأربعين لها من ذلك الثلث أربعة عشر فإذا ضممت أربعة عشر إلى أربعة وعشرين تكون ثمانية وثلاثين فلهذا قال : يغرم لها ثمانية وثلاثين سهما من اثنين وسبعين سهما من الدية ويبطل عنه ما سوى ذلك ستة بالميراث عن أمه وثمانية وعشرون بالميراث عن أخيه ، والله أعلم بالصواب. باب ميراث الحمل ( قال رضي الله عنه ) : اعلم بأن الحمل من جملة الورثة إذا علم بأنه كان موجودا في البطن عند موت المورث وانفصل حيا ، وإنما يعلم وجوده في البطن إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ مات المورث ؛ لأن أدنى مدة الحمل ستة أشهر ، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر فلا ميراث له إذا كان النكاح قائما بين الزوجين ، وإن كانت معتدة فحينئذ إذا جاءت به لأقل من سنتين منذ وقعت الفرقة بموت أو طلاق فهو من جملة الورثة ، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر منذ مات المورث فإنما يرث إذا انفصل حيا وطريق معرفة ذلك أن يستهل صارخا أو يسمع منه عطاس أو يتحرك بعض أعضائه بعد الانفصال فإن خرج بعضه فتحرك قلنا إن
[ 51 ]
خرج أكثره فتحرك عضو من أعضائه دليل على أنه حي ، وإن خرج أقله فكذلك لا يكون دليل كونه حيا ، وإنما شرطنا وجوده في البطن عند موت المورث ؛ لأن الوراثة خلافة والمعدوم لا يتصور أن يكون خلفا عن أحد فأدنى درجات الخلافة الوجود . ( فإن قيل ) الخلافة لا تتحقق إلا باعتبار صفة الخلافة ؛ لأن الميت لا يكون خلفا عن الميت وأنتم لا تعتبرون ذلك بل تقولون ، وإن كان نطفة في الرحم عند موت المورث فإنه يكون من جملة الورثة ولا حياة في النطفة قلنا نعم تلك النطفة في الرحم ما لم تفسد فهي معدة للحياة ولأن يكون منها شخص حي فيعطى لها حكم الحياة باعتبار المآل كما يعطى للبيض حكم الصيد في وجوب الجزاء على المحرم إذا كسره ، وإن لم يكن فيه معنى الصيدية ، ولهذا قلنا بأن إعتاق ما في البطن صحيح والوصية له صحيحة ، وإن كانت نطفة في الرحم باعتبار الحال ولكن يعتبر المآل فكذلك هنا يعتبر المآل فكذلك يكون من جملة الورثة ولما جعلنا الجنين في البطن كالمنفصل في منفعة المالكية بالإرث اعتبارا لمآله فكذلك النطفة تجعل كالنفس الحية باعتبار المآل ، ثم الأصل أن العلوق يستند إلى أقرب الأوقات إلا في موضع الضرورة ؛ لأن المتيقن به ذلك ، وفي حال قيام النكاح لا ضرورة فاستندنا إلى أقرب الأوقات وذلك ستة أشهر ، فأما بعد ارتفاع النكاح بنا حاجة إلى إسناد العلوق إلى أقرب الأوقات لإثبات النسب ، وإذا أسندنا إلى ذلك الوقت فقد حكمنا بأنه كان موجودا في البطن عند موت المورث ، وعلى هذا الأصل لو قال لأمة لها زوج أنت حرة فجاءت بولد لستة أشهر أو أقل فإن ولاء الولد لمولى الأم ؛ لأنه كان موجودا عند إعتاق الأم فصار مقصودا بالعتق ، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر فولاؤه لموالي الأب ؛ لأنه لو لم يكن موجودا عند إعتاق الأم بتيقن فيكون هو في حكم الولاء تبعا ولو كان الزوج طلقها تطليقتين ، ثم أعتقها مولاها فجاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الطلاق فإن الولد يكون مولى لموالى الأم ؛ لأنا حكمنا بكونه وقت الإعتاق حين أثبتنا نسبه من الزوج فيصير الولد مقصودا بالعتق ، وإنما شرطنا في التوريث انفصال الولد حيا ؛ لأن عند موت المورث لا يمكن معرفته حقيقة ولكن إذا انفصل حيا كان ذلك دليلا للحياة يومئذ وتحركه في البطن غير معتبر لكون تحرك البطن محتملا قد يكون من الريح ، وقد يكون من الولد أما إذا انفصل واستهل فهو دليل حياته وروي عن رسول الله ﷺ قال { إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه } . وكذلك روي عن علي رضي الله عنه والعطاس دليل حياته بمنزلة الاستهلال وتحرك بعض الأعضاء
[ 52 ]
كذلك ، وإذا كان الخارج بعضه فنقول إن كان الخارج هو الأكثر فحكم الأكثر حكم الكل وكأنه خرج كله ، ثم خرج بعض أعضائه ، وإن كان الخارج أقله فكأنه لم يخرج منه شيء بعد إذ الأقل تبع للأكثر بدليل حكم النفاس . ثم اختلفت الروايات في مقدار ما يوقف للحمل من الميراث فروى ابن المبارك عن أبي حنيفة أنه يوقف للحمل نصيب أربع بنين ، وروى هشام عن أبي يوسف أنه يوقف للحمل ميراث ابنين ، وهو قول محمد ، وذكر الخصاف عن أبي يوسف أنه يوقف له ميراث ابن واحد ، وهذا هو الأصح وعليه الفتوى ، وفي رواية ابن المبارك لا اعتبار بما يتوهم ؛ لأن قسمة الميراث لا تكون إلا باعتبار المتيقن ولم ينقل عن المتقدمين أن امرأة ولدت أكثر من أربع بنين ، وفي رواية هشام قال : ولادة المرأة أربع بنين في بطن واحد أندر ما يكون فلا ينبني الحكم عليه ، وإنما ينبني على ما يكون في العادة ، وهو ولادة اثنين في بطن واحد ، وفي رواية الخصاف فإن النادر لا يعارض الظاهر ، والعام الغالب أن المرأة لا تلد في بطن واحد إلا ولدا واحدا فعلى ذلك ينبني الحكم ما لم يعلم خلافه إذا عرفنا هذا فنقول رجل مات وترك ابنا وأم ولد حاملا فعلى رواية ابن المبارك إنما يدفع إلى الابن خمس المال ويجعل كأن الحمل أربع بنين ، وعلى رواية هشام يدفع إلى الابن ثلث المال ويجعل كأن الحمل اثنان ، وعلى رواية الخصاف يدفع إلى الابن نصف المال ويجعل كأن الحمل ابن واحد ، ثم سائر الورثة مع الحمل لا يخلو حالهم إما أن يكون الوارث مع الحمل ممن لا تتغير فريضته بالحمل أو ممن تتغير فريضته بالحمل ولا يخلو إما أن يكون ممن يسقط في بعض الأحوال أو ممن لا يسقط فإن كان ممن لا تتغير فريضته بالحمل فإنه يعطى فريضته حتى إذا ترك امرأة حاملا وجدة فللجدة السدس ؛ لأنها لا تتغير فريضتها بهذا الحمل . وكذلك إذا ترك امرأة حاملا فإنه تعطى المرأة الثمن ؛ لأنها لا تتغير فريضتها بهذا الحمل ولو ترك امرأة حاملا وأخا أو عما لا يعطى الأخ والعم شيئا ؛ لأن من الجائز أن يكون الحمل ابنا فيسقط معه الأخ والعم ولا يعطى من يرث مع الحمل إلا القدر المتيقن به ؛ لأن التوريث في موضع الشك لا يجوز فإذا كان ممن تتغير فريضته بالحمل فالمتيقن له أقل النصيبين فلا يعطى إلا ذلك ، وإذا كان ممن يسقط بحال فأصل الاستحقاق له مشكوك فلهذا لا يعطى شيئا ، ثم إن كان الأقل كنصيب سائر الورثة إن يجعل الحمل ذكرا يجعل ذكرا ، وإن كان الأقل كنصيب سائر الورثة إن يجعل الحمل أنثى فإنما يوقف للحمل أوفر النصيبين ولا يعطى سائر الورثة إلا الأقل احتياطا . بيان ذلك في امرأة ماتت وتركت زوجا وأما
[ 53 ]
وهي حامل من أبيها فإن الحمل يجعل أنثى على الروايات كلها ؛ لأنا لو جعلنا الحمل ذكرا كان للزوج النصف كاملا ثلاثة من ستة وللأم الثلث سهمان والباقي ، وهو سهم للأخ ، وإذا جعلنا الحمل أنثى فعلى رواية ابن المبارك الحمل بمنزلة أربع أخوات ، وعلى رواية هشام الحمل بمنزلة أختين فيكون لهما الثلثان وتعول المسألة بسهمين للزوج ثلاثة وللأم السدس وللأختين أربعة ولا شك أن ثلاثة من ثمانية دون ثلاثة من ستة . وكذلك على رواية الخصاف ؛ لأنا إذا جعلنا الحمل أنثى فالقسمة من ثمانية للزوج ثلاثة وللأم سهمان فإن الأخت الواحدة لا تحجب الأم من الثلث إلى السدس وللأخت ثلاثة فتكون القسمة من ثمانية فلهذا جعلنا الحمل أنثى ويوقف لها ثلاثة من ثمانية فإن ولدت ابنة فالموقوف يكون لها وتبين صحة القسمة ، وإن ولدت ابنا فقد بطلت القسمة الأولى ، وإن ولدت ابنتين انتقصت القسمة ويسترد من الأم أحد السهمين فيكون للأختين ، وإنما يقسم المال من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث سهمان والباقي ، وهو سهم للأخ بالعصوبة. فإن ترك ابنا وامرأة حاملا فولدت الحامل ولدين أحدهما ذكر والآخر أنثى واستهل أحدهما ولم يستهل الآخر أو لا يدرى أيهما استهل بأن كان ليلا أو لكثرة الزحمة لم يعلم من استهل منهما والتخريج في هذه المسألة أن نقول هنا حالتان فإن كان الذي استهل منهما الابن فإنما ترك الرجل ابنين وامرأة فتكون القسمة من ستة عشر للمرأة سهمان ولكل ابن سبعة ، ثم مات أحد الإخوة الاثنين عن أخ وأم فللأم الثلث والباقي للأخ وقسمة سبعة أثلاثا لا يستقيم فتضرب ستة عشر في ثلاثة فيكون ثمانية وأربعين للأم ستة بالميراث من الزوج ولكل ابن أحد وعشرون ، ثم لها سبعة من ابنها فيكون لها ثلاثة عشر وللابن خمسة وثلاثون ، وإن كان الذي استهل الابنة فإنما مات الرجل عن ابن وابنة وامرأة فتكون القسمة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة وللابنة سبعة ، ثم ماتت الابنة عن أم وأخ وقسمة سبعة بينهما أثلاثا لا تستقيم فنضرب أربعة وعشرين في ثلاثة فتكون اثنين وسبعين للمرأة تسعة وللابنة أحد وعشرون وللابن اثنان وأربعون ، ثم قد ورثت الأم من الابنة سبعة فيكون لها في الحاصل ستة عشر وللابن ستة وخمسون إلا أن بين ستة عشر وستة وخمسين موافقة بالنصف فيقتصر على الثمن من كل واحد منهما وثمن ستة عشر اثنان وثمن ستة وخمسين سبعة فذلك تسعة فتكون القسمة بينهما في هذه الحالة على تسعة ، وفي الحالة الأولى للأم ثلاثة عشر وللابن خمسة وثلاثون ولا موافقة بينهما في شيء إلا أن بين
[ 54 ]
تسعة وبين ثمانية وأربعين ، وهو جملة السهام في الحالة الأولى موافقة بالثلث فيقتصر على الثلث من أحدهما ويضرب في جميع الآخر وذلك إما ستة عشر في تسعة أو ثلاثة في ثمانية وأربعين فيكون ذلك مائة وأربعة وأربعين ، ثم ضعف ذلك ؛ لأن الحالة حالتان فيكون مائتين وثمانية وثمانين منه تصح القسمة كان للأم سهمان من تسعة ضربناها في ستة عشر فيكون اثنين وثلاثين ، ثم أضعفنا فيكون أربعة وستين فهو نصيب الأم ، وكان للابن سبعة ضربنا ذلك في ستة عشر فتكون مائة واثنا عشر ، ثم أضعفنا ذلك فيكون أربعة وعشرين فهو نصيب الابن فاستقام التخريج ومتى انفصل الحمل ميتا لا يرث إذا انفصل بنفسه ، فأما إذا انفصل بسبب فهو من جملة الورثة ، وبيانه إذا ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا فهذا الجنين من جملة الورثة ؛ لأن الشرع أوجب على الضارب الغرم ووجوب الضمان بالجناية على الحي دون الميت فإذا حكمنا بحياته كان له الميراث وبعد عنه نصيبه كما يورث عنه بدل نفسه ، وهو الغرة ، والله أعلم بالصواب . فصل في ميراث المفقود قال رضي الله عنه : وإنما ألحقنا هذا الفصل بما سبق لاستواء حالهما فالمفقود متردد الحال بين الحياة والموت كالجنين في البطن ، ثم الأصل فيه أن المفقود يجعل حيا في ماله ميتا في مال غيره حتى لا يورث عنه ماله ولا يقسم بين ورثته ما لم يعلم موته ولا يعطى له ميراث أحد من قرابته إذا مات قبل أن يتبين حاله ولكن يوقف نصيب المفقود كما يوقف نصيب الحمل ؛ لأن حياته كانت معلومة وما علم ثبوته فالأصل بقاؤه إلا أن الحكم بحياته باعتبار استصحاب الحال فهو حجة في إبقاء ما كان على ما كان وليس بحجة في إثبات ما لم يكن ثابتا ؛ لأن ثبوته لانعدام الدليل المزيل لا لوجود الدليل المنفي فنقول في مال نفسه يجعل حيا لا بقاء ما كان على ما كان ، وفي مال غيره لا تثبت حياته ؛ لأن الحاجة إلى استحقاق الميراث لدفع استصحاب الحال لا يكفي لذلك ، ثم اختلفت الروايات أنه متى يحكم بموته فعلى ظاهر الرواية قال : إذا لم يبق أحد من أقرانه ، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة إذا مضى من مولده مائة وعشرون سنة ، وفي رواية أخرى مائة سنة ، وقد بينا هذا في كتاب المفقود ، ثم إذا وقف نصيبه من ميراث غيره فإن ظهر حيا أخذ ذلك ، وإن لم يظهر حاله حتى حكم بموته لم يستحق شيئا مما وقف له بمنزلة الحمل إذا انفصل حيا استحق الميراث ، وإن انفصل ميتا لم يستحق شيئا فإذا مضت مدة يعلم أنه لا يعيش
[ 55 ]
إلى تلك المدة فإنه يحكم بموته ويقسم ميراثه بين ورثته ، وإنما يعتبر من ورثته من يكون باقيا في هذه الحالة ولا يرثه أحد ممن مات قبل هذا شيئا ؛ لأنه إنما يحكم بموته في هذه الحالة وشروط التوريث بقاء الوارث حيا بعد موت المورث فلهذا لا يرثه إلا من كان باقيا من ورثته حين حكم بموته ، والله أعلم بالصواب . باب المناسخة ( قال رحمه الله ) : وإذا مات الرجل ولم تقسم تركته بين ورثته حتى مات بعض ورثته فالحال لا يخلو إما أن يكون ورثة الميت الثاني ورثة الميت الأول فقط أو يكون في ورثة الميت الثاني من لم يكن وارثا للميت الأول ، ثم لا يخلو إما أن تكون التركة الثانية وقسمة التركة الأولى سواء أو تكون قسمة التركة الثانية غير الوجه الذي هو قسمة التركة الأولى ، ثم لا يخلو إما أن تستقيم قسمة نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول بين ورثته من غير كسر أو بكسر فإن كانت ورثة الميت الثاني هم ورثة الميت الأول ولا تغيير في القسمة فإنه يقسم قسمة واحدة ؛ لأنه لا فائدة في تكرار القسمة بيانه إذا مات وترك بنين وبنات ، ثم مات أحد البنين أو إحدى البنات ولا وارث له سوى الإخوة والأخوات فإن قسمة التركة بين الباقين على صفة واحدة للذكر مثل حظ الأنثيين فيكتفي بقسمة واحدة بينهم . وأما إذا كان في ورثة الميت الثاني من لم يكن وارثا للميت فإنه تقسم تركة الميت الأول أولا لتبين نصيب الثاني ، ثم تقسم تركة الميت الثاني بين ورثته فإن كان يستقيم قسم نصيبه بين ورثته من غير كسر فلا حاجة إلى الضرب ، وبيانه فيما إذا ترك ابنا وابنة فلم تقسم التركة بينهما حتى مات الابن وخلف ابنة وأختا فإن تركة الميت الأول تقسم أثلاثا ، ثم مات الابن عن سهمين وترك ابنة وأختا فللابنة النصف والباقي للأخت بالعصوبة مستقيم ولا ينكسر ، وإن كان لا يستقيم قسمة نصيب الثاني بين ورثته ، فأما أن يكون بين سهام فريضته موافقة بجزء أو لا يكون بينهما موافقة فإن كان بينهما موافقة بجزء فإنه يقتصر على الجزء الموافق من سهام فريضته ، ثم يضرب سهام فريضة الأول في ذلك الجزء فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الأول أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من فريضة الميت الثاني ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الثاني أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من نصيب الميت الثاني
[ 56 ]
من تركة الميت الأول فما بلغ فهو نصيبه ، وإن لم يكن بينهما موافقة بشيء فالسبيل أن تضرب سهام فريضة الميت الأول في سهام فريضة الميت الثاني فتصح المسألة من المبلغ . ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الأول أن تضرب نصيبه في فريضة الميت الثاني فما بلغ فهو نصيبه ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الثاني أن تضرب نصيبه في نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول فما بلغ فهو نصيبه ، وبيانه عند الموافقة أن يخلف الرجل ابنا وابنة ولم يقسم تركته حتى مات الابن عن ابنة وامرأة وثلاثة بني ابن ففريضة الميت الأول من ثلاثة ، ثم مات الابن عن سهمين وخلف امرأة وابنة وثلاثة بني ابن فتكون فريضته من ثمانية للمرأة الثمن سهم وللابنة النصف أربعة والباقي ، وهو ثلاثة بين بني الابن إلا أن قسمة سهمين على ثمانية لا تستقيم ولكن بين سهمين وثمانية موافقة بالنصف فيقتصر من فريضة الميت الثاني على النصف ، وهو أربعة ، ثم تضرب فريضة الميت الأول ، وهو ثلاثة في فريضة الميت الثاني ، وهو أربعة فيكون اثني عشر منه تصح المسألة ومعرفة نصيب الابن من فريضة الميت الأول أن تضرب نصيبه وذلك سهمان في الجزء الموافق من فريضة الميت الثاني ، وهو أربعة فتكون ثمانية ومعرفة نصيب الابنة من فريضة الميت الثاني أن تضرب نصيبها ، وهو أربعة في الجزء الموافق من نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول ، وهو سهم فيكون أربعة ومعرفة نصيب المرأة أن تضرب نصيبها ، وهو سهم في هذا الجزء الموافق أيضا ، وهو سهم فيكون لها سهما واحدا والباقي ، وهو ثلاثة بين بني الابن لكل واحد منهم سهم ، وبيان المسألة عند عدم الموافقة أن نقول رجل مات عن ابن وابنة ولم تقسم تركته حتى مات الابن عن ابن وابنة ففريضة الميت الأول ثلاثة ، ثم مات الابن عن سهمين وفريضته أيضا ثلاثة وقسمة سهمين على ثلاثة لا تستقيم ولا موافقة في شيء فتضرب الفريضة الأولى في الفريضة الثانية وذلك ثلاثة في ثلاثة فتكون تسعة ومعرفة نصيب الابن أنه كان نصيبه من تركة الأول سهمين تضربهما في الفريضة الثانية ، وهو ثلاثة فيكون ستة . ومعرفة نصيب ابن الميت الثاني أن تضرب نصيبه وذلك سهمان في نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول وذلك سهمان أيضا فتكون أربعة ومعرفة نصيب ابنة الميت الثاني أن تضرب نصيبها وذلك سهم في نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول وذلك سهمان فيكون لها سهمان وللابن أربعة فكذلك إن مات بعض ورثة الميت الثاني قبل قسمة التركة على ورثته فهو على التقسيمات التي بينا ، وإن كان في ورثة الميت الثالث من لم يكن
[ 57 ]
وارثا للأولين فالسبيل أن تجعل فريضة الأولين كفريضة واحدة بالطريق الذي قلنا ، ثم تنظر إلى نصيب الميت الثالث من تركة الأولين فإن كان يستقيم قسمته بين ورثته من غير كسر قسمته بينهم ، وإن كان لا يستقيم نظرت فإن كان بين نصيبه من التركتين وبين فريضته موافقة بجزء فتقتصر على الجزء الموافق من فريضته ، ثم تضرب فريضته الأولى والثانية في ذلك الجزء فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب الميت الثاني من تركة الأولين أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من سهام فريضته فما بلغ فهو نصيبه ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الثالث أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من نصيب الميت الثالث من تركة الأولين فما بلغ فهو نصيبه ، وإن لم يكن بينهما موافقة بشيء ضربت مبلغ الفريضتين في سهام الفريضة الثالثة فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب الميت الثالث أن تضرب نصيبه في نصيب فريضته فما بلغ فهو نصيبه من التركتين . ومعرفة نصيب كل واحد من ورثته أن تضرب نصيبه في نصيب الميت الثالث من التركتين فما بلغ فهو نصيبه ، وبيان هذا أن نقول رجل مات وترك ابنين فلم تقسم تركته حتى مات أحدهما عن ابنة وعن تركة الميت الأول ، وهو أخ ، ثم ماتت الابنة عن زوج وأم وعن تركة الميت الأول ، وهو عمها ففريضة الميت الأول من سهمين فإنما مات أحد الابنين عن سهمين وفريضته من سهمين أيضا للابنة النصف والباقي للأخ وقسمة سهم على سهمين لا تستقيم فتضرب اثنين في اثنين فتكون أربعة ، ثم ماتت الابنة عن زوج وأم وعم فتكون فريضتها من ستة للزوج النصف وللأم الثلث سهمان والباقي للعم وقسمة سهم على ستة لا تستقيم ولا موافقة في شيء فتضرب أربعة في ستة فتكون أربعة وعشرين منه تصح المسألة نصيب الابن من الميت الأول اثنا عشر ومن الميت الثاني ستة فيكون ثمانية عشر ونصيب الابنة ستة يضرب نصيبها ، وهو سهم في فريضتها ، وهو ستة ومعرفة نصيب الزوج أن يضرب نصيبه ، وهو ثلاثة في نصيب الميت الثالث من الفريضة الأولى وذلك سهم فيكون ثلاثة أسهم فللأم سهمان وما بقي ، وهو سهم فهو للعم . وأما عند وجود الموافقة فصورته فيما إذا ترك امرأة وأما وثلاث أخوات متفرقات فماتت الأم وتركت زوجا وعما ومن تركه الميت الأول وهما الابنتان فأخت الأول لأب وأم وأخته لأم ابنا الميت الثاني وأخته لأبيه أجنبية عنهما ، ثم لم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب وأم وتركت زوجا وابنة ومن تركه الميت الأول والثاني وهما الأخت لأب وأم والأخت لأم فالسبيل أن تصح فريضة الميت الأول
[ 58 ]
فيكون أصله من اثني عشر للمرأة الربع ثلاثة وللأم السدس سهمان وللأخت لأب وأم النصف ستة وللأخت لأب السدس سهمان وللأخت لأم السدس سهمان فتعول بثلاثة فتكون القسمة من خمسة عشر ، ثم ماتت الأم عن سهمين وتركت زوجا وعما وابنتين ففريضتها من اثني عشر للزوج الربع ثلاثة وللبنتين الثلثان ثمانية والباقي للعم ، وهو سهم واحد وقسمة سهمين على اثني عشر لا تستقيم ولكن بينهما موافقة بالنصف فيقتصر على الجزء الموافق وذلك ستة ، ثم تضرب الفريضة الأولى وهي خمسة عشر في ستة فتكون تسعين ومعرفة نصيب الأم إنه كان نصيبها سهمين يضرب ذلك في ستة فيكون اثني عشر بين ورثتها مستقيم ، ثم ماتت الأخت لأب وأم وتركت زوجا وابنة وأختا لأم وأختا لأب ففريضتها من أربعة للزوج الربع سهم وللابنة النصف سهمان وللأخت لأب الباقي سهم فتكون القسمة من أربعة ، ثم ننظر إلى نصيبها من التركتين فنقول كان لها من التركة الأولى ستة ضربناها في ستة فتكون ستة وثلاثين ، وكان لها من التركة الثانية أربعة فضربناها في الجزء الموافق من نصيب الأم من تركة الأولى ، وهو سهم فكان أربعة فيكون نصيبها من التركتين أربعين وقسمة أربعة على أربعين تستقيم. ولو مات وترك ابنين وأبوين فمات أحد الابنين عن ابنة ومن تركه الميت الأول ، وهو أخ وجد وجدة فنقول فريضة الميت الأول من ستة للأبوين السدسان والباقي ، وهو أربعة بين الابنين ، ثم مات أحد الابنين عن سهمين وخلف ابنا وجدا وجدة وأخا فالفريضة من ستة للابنة النصف ثلاثة وللجدة السدس سهم والباقي ، وهو سهمان بين الجد والأخ فالمقاسمة نصفان في قول زيد وقسمة السهمين على ستة لا تستقيم ولكن بينهما موافقة بالنصف فيقتصر على النصف ، وهو ثلاثة ، ثم تضرب الفريضة الأولى وذلك ستة في ثلاثة فتكون ثمانية عشر منه تصح المسألة ومعرفة نصيب الميت الثاني أن تأخذ نصيبه من تركة الأول وذلك سهم تضربه في الجزء الموافق من فريضته وذلك ستة فتكون ستة ومعرفة نصيب ابنته أن تضرب نصيبها ، وهو ثلاثة في الجزء الموافق من نصيب الميت الثاني وذلك سهم فيكون ذلك ثلاثة فهو لها وللجدة سهم والباقي بين الأخ والجد نصفان بالمقاسمة. رجل مات وترك امرأة وابنتين له منها وأبوين فماتت إحدى الابنتين عن زوج ومن تركه الميت الأول ، وهو جدها أب أبيها وجدتها أم أبيها وأختها لأب وأم ففريضة الميت الأول أصلها من أربعة وعشرين وقسمتها من سبعة وعشرين وهي المنبرية ، ثم ماتت إحدى الابنتين عن ثمانية أسهم ، وإنما تقسم فريضتها
[ 59 ]
من ستة في الأصل للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث سهمان وللجد السدس سهم وللأخت النصف ثلاثة تعول بثلاثة فتكون من تسعة ، ثم ما أصاب الجد والأخت يقسم بينهما أثلاثا فتضرب تسعة في ثلاثة فتكون سبعة وعشرين منه تصح المسألة ولا موافقة بين سبعة وعشرين وبين ثمانية في شيء فالسبيل أن تضرب الفريضة الأولى في الفريضة الثانية فتصح المسألة من المبلغ والطريق في التخريج ما بينا . رجل مات وترك امرأة وأبوين وثلاث أخوات متفرقات فلم تقسم تركته حتى ماتت الأم وخلفت من خلف الميت الأول فلم تقسم التركة حتى مات الأب وخلف امرأة ومن خلف الميت الأول فلم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب وأم وخلفت زوجا ومن خلفه الأولون فلم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب وخلفت زوجا وابنتين ومن خلفه الأولون فلم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأم وخلفت زوجا وثلاث بنات وأبوين فنقول قوله خلفت الأخت لأم زوجا وثلاث بنات وأبوين غلط وقع من الكاتب ؛ لأنه ذكر في وضع المسألة أن الأم ماتت أولا فكيف يستقيم قوله بعد ذلك خلفت أبوين ، وإنما الصحيح خلفت أبا وزوجا وثلاث بنات ، ثم وجه التخريج أن فريضة الميت الأول من اثني عشر سهما للمرأة الربع ثلاثة وللأم السدس سهمان والباقي ، وهو سبعة أسهم للأب ولا شيء للأخوات ، ثم إن الأم ماتت عن زوج وابنتين فإن الأخت لأب وأم والأخت لأم ابنتاها فلهما الثلثان والربع للزوج وأصله من اثني عشر إلا أن بين نصيبها - وهو سهمان - وبين سهام فريضتها موافقة بالنصف فيقتصر على النصف ، وهو ستة ، ثم تضرب اثني عشر في ستة فيكون اثنين وسبعين ، وكان لهما سهمان ضربناه في ستة فيكون اثني عشر للزوج ثلاثة ، وكان له من الفريضة الأولى سبعة ضربناها في ستة فيكون اثنين وأربعين فحصل له من التركتين خمسة وأربعون ، ثم مات الأب عن امرأة وابنتين وهما الأخت لأب وأم والأخت لأب فتكون فريضته من أربعة وعشرين لا يستقيم ولكن بينهما موافقة بالثلث فيقتصر على الثلث ، وهو ثمانية ، ثم تضرب اثنين وسبعين في ثمانية فيكون خمسمائة وستة وسبعين ، وهكذا تغييره في تركة كل ميت فيعتبر الاقتصاد والضرب إلى أن ينتهي الحساب إلى تسعة وثلاثين ألفا وثلاثمائة واثني عشر فمن ذلك تصح المسألة ، والله أعلم بالصواب .
[ 60 ]
باب طلاق المريض ( قال رضي الله عنه ) وإنما تنبني مسائل هذا الباب على من طلق امرأته ثلاثا في مرضه ، ثم مات وهي في العدة فإنها ترث بحكم الفرار ، وقد تقدم بيان هذه المسائل في كتاب الطلاق والذي زاد هنا أن الفرقة متى وقعت بسبب باشره ابن المريض بأن قبلها بشهوة أو جامعها وهي مكرهة ، ثم مات المريض وهي في العدة فإنها ترثه ؛ لأنه إذا وقعت الفرقة بإيقاع الطلاق جعلنا النكاح كالقائم بينهما في حكم الميراث باعتبار أن الزوج قصد إبطال حقها عن ميراثه فرد عليه قصده ويكون لها الميراث إذا مات الزوج قبل انقضاء العدة فإن مات بعد انقضاء العدة أو كان ذلك قبل الدخول فلا ميراث لها بمنزلة ما لو كان الزوج هو الذي طلقها ولو كان للأب امرأة أخرى والمسألة بحالها لم ترث هذه المبانة شيئا ؛ لأنه لا يتحقق هنا قصد من جهة الابن فإن ميراث النساء يستوي في استحقاقه المرأة الواحدة والثنتان فيبقى جميع ذلك مستحقا عليه للمرأة الأخرى ، وإن اكتسب سبب الفرقة بين الأب وبين هذه فإذا انتفت التهمة لم تجعل العدة قائمة مقام النكاح في بقاء ميراثها كما لو كان فعل ذلك في صحة الأب ، وإن كان من المرأتين جميعا عن شهوة معا بغير رضاهما فلهما الميراث إذا مات الأب قبل انقضاء عدتها ؛ لأن تهمة القصد هنا موجودة ولو وطئ إحداهما ، ثم الأخرى مكرهتين فلا ميراث للأولى وللثانية الميراث ؛ لأن القصد منه إلى إبطال ميراث النساء غير موجود حين وطئ الأولى ، وهو موجود وحين وطئ الثانية ولو وطئها ابن ابنه وهي مكرهة حين وقعت الفرقة بينهما فإن كان ابنه حيا فلا ميراث للمرأة ؛ لأن ابن الابن ليس بوارث الجد في هذه الحالة فلا تتحقق منه تهمة القصد ، وإن كان أبوه ميتا ، وكان ابن الابن وارثا فحينئذ لها الميراث لوجود تهمة القصد . وكذلك لو كان الابن فعل ذلك ، وهو غير وارث بأن كان كافرا أو رقيقا لم يكن لها الميراث ؛ لأن تهمة القصد هنا لم تتحقق فإن كان وطئها ، وهو غير وارث ، ثم صار وارثا بالسبب الذي كان قائما وقت الوطء بأن كان رقيقا فعتق أو كافرا فأسلم أو فعله ابن الابن والابن حي ، ثم مات الابن فإنها ترثه ؛ لأن تهمة القصد باعتبار كون المكتسب لسبب الفرقة وارثا ، والميراث إنما يثبت عند الموت فيعتبر حالة الموت ، وإن كان الابن فعل ذلك ، وهو مجنون أو صبي لم يكن لها الميراث ؛ لأن حكم الفرار باعتبارها تهمة القصد وذلك يبني على قصد
[ 61 ]
معتبر شرعا وليس للصبي والمجنون قصد معتبر شرعا فلا يثبت حكم الفرار بفعلهما كما لا يثبت حكم حرمان الميراث بقتل باشره الصبي والمجنون ، والله أعلم بالصواب . باب ما يسأل عنه من المتشابه في غير ولاء مجوسي ( قال رضي الله عنه ) : ولو أن رجلا سئل عن رجل مات وترك خال ابن عمته وعمة ابن خاله فالسبيل لك أن تقول له خال ابن عمة أخرى وعمة ابن خال آخر غير هذا الأول فإن قال : لم يكن له عمة ولا خال غير هذا فقل الميراث بينهما أثلاثا فإن خال ابن عمته أبوه وعمة ابن خاله أمه ؛ لأن خال ابن عمته هو أخو عمته وأخو عمته أبوه وعمة ابن خاله هي أخت أخي أمه فهي أمه إذا لم يكن سواهما فلهذا كان للأب الثلثان وللأم الثلث . فإن سئل عن خال وعم فورث الخال دون العم فقل ورث الخال ؛ لأنه خال أم بسبب آخر فإن قال : لأنه خال فهذا لا يتصور إلا أن يكون في العم ما يحرمه من رق أو كفر ، وإن قال : لا أبين فقل إن الخال هو ابن أخ الميت ، وكانت صورة هذه المسألة في أخوين لأب تزوج أحدهما أم أم أخته والنكاح صحيح ؛ لأنه لا قرابة بين هذين فإن ولدت له ابنا فهذا الابن ابن أخي الآخر وخاله ؛ لأنه أخو أمه فإنه ابن جدته ولكنه ابن أخي الميت وابن الأخ في الميراث بالعصوبة مقدم على العم . فإن سئلت عن رجل ورثه سبعة إخوة وأخت المال بالسوية فهذا رجل تزوج امرأة وتزوج أمها ابنه فولدت منه سبع بنين فصار بنوه إخوة امرأة أبيه ثم مات الرجل وبقي أبوه حيا ، ثم مات الأب فإنما مات عن امرأة وسبع بني ابن فللمرأة الثمن والباقي بين بني الابن بالسوية وهم أخواتها لأمها فقد ورث لكل واحد منهم ثمن المال بهذا الطريق. فإن سئلت عن أخوين لأب وأم ورث أحدهما المال من رجل دون الآخر فقل لعل في الآخر مانعا من رق أو كفر فإن قال : لا مانع فقل إن الميت ابن أحدهما أو زوجة أحدهما فهو الذي يرثه دون أخيه. فإن سئلت عن أخوين لأب وأم ورث أحدهما ثلاثة أرباع المال والآخر الربع فقل هذه امرأة لها ابنا عم تزوجها أحدهما ، ثم ماتت فللزوج النصف والباقي بينهما نصفين فحصل للزوج منها ثلاثة أرباع المال وللآخر الربع فإن قال : ورث أحدهما الثلثين والآخر الثلث فقل هذه امرأة لها ابنا عم أحدهما أخوها لأمها والآخر زوجها فللأخ لأم السدس وللزوج النصف والباقي بينهما نصفان فتكون القسمة من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأخ لأم السدس سهم والباقي
[ 62 ]
وهو سهمان بينهما نصفان فحصل لأحدهما ثلث المال وللآخر الثلثان فإن قالوا كانوا ثلاث إخوة فورث أحدهم الثلثين وورث اثنان منهم سدسا فقل هذه امرأة لها ثلاث بني عم وهم إخوة فتزوجها أحدهم ، ثم ماتت فصار للزوج النصف وما بقي فبينه وبين الإخوة أثلاثا فصار له الثلثان ولكل واحد منهما السدس. فإن سئلت عن رجل وأخوين ورثوا المال للرجل الثلث ولأحد الأخوين النصف والآخر السدس فقل هذه امرأة لها ابنا عم أحدهما أخوها لأمها والآخر الذي ليس أخاها لأمها له أخ لأم وليس بابن عم لها ، وهو زوجها فماتت فصار لزوجها النصف ولابن العم الذي هو أخوها لأمها السدس وما بقي فبين ابني عميها اللذين أحدهما أخوها لأمها نصفين فحصل لأختها لأمها الثلث ولابن عمها الآخر السدس ، وهو أخ هذه الابنة ولزوجها النصف ، وهو أخ هذا أيضا لأمه. فإن سئلت عن رجل وأخته ورثا المال فصار للرجل سبعة أثمان المال ولأخته الثمن فقل هذا رجل تزوج أم امرأة أبيه فولدت منه غلاما ، ثم مات الرجل ، ثم مات أبوه فصار لامرأته الثمن وما بقي فللغلام ؛ لأنه ابن ابنه ، وهو أخ المرأة لأمها . فإن سئلت عن رجل وابنه ورثا المال نصفين فقل هذه امرأة تزوجها ابن عمها وعمها حي ، ثم ماتت فصار لزوجها النصف وما بقي لأب الزوج ، وهو العم. فإن سئلت عن رجل وابنته ورثا المال نصفين فقل هذه امرأة تزوجت ابن عمها فولدت منه ابنة ، ثم ماتت المرأة فصار لابنتها النصف ولزوجها الربع وما بقي فللزوج أيضا ؛ لأنه عصبتها . فإن سئلت عن رجل وأمه ورثا المال نصفين فهذا رجل زوج ابنته من ابن أخيه فهو عصبته. فإن سئلت عن رجل وامرأتيه ورثوا المال أثلاثا فقل هذا رجل زوج ابنتي ابنيه ابن أخيه ، ثم مات ولا وارث له غيرهم فصار لابنتي الابنين الثلثان وما بقي فلابن أخيه ، وهو زوجهما. فإن سئلت عن رجل ورثه ثلاث نسوة المال أثلاثا إحداهن أم الأخرى فقل هذا رجل زوج ابن ابنه ابنة ابن ابن آخر له فولدت له بنتا ، ثم مات ابن ابنه فهاتان الابنتان إحداهما أم الأخرى ، ثم مات الرجل وله أخت فصار لهما الثلثان والباقي للأخت بالعصوبة. فإن سئلت عن امرأة وابنها وابن ابنها ورثوا المال ثلاثا فقل هذا رجل زوج ابنة ابنه ابن ابن له آخر فولدت له ابنتان ، ثم مات ابن الابن فهاتان الابنتان إحداهما أم الأخرى ، ثم تزوج ابن أخ له ابنة ابن ابن الميت فولدت له ابنا ، ثم مات ابن أخيه ، ثم مات الرجل وترك ابنتي ابنيه فلهما الثلثان وإحداهما أم الأخرى وما بقي فلابن الابنة ؛ لأنه ابن ابن أخيه ، وهو عصبته . فإن سئلت عن رجل ورثه
[ 63 ]
سبعة عشر امرأة ماله بالسوية فقل هذا رجل مات وترك ثمان أخوات لأب وأم وأربع أخوات لأم وثلاث نسوة وجدتين فللأخوات لأب وأم الثلثان ثمانية من اثني عشر وللأخوات لأم الثلث ، وهو أربعة وللنسوة الربع ، وهو ثلاثة وللجدتين السدس سهمان فتعول بخمسة فتكون القسمة من سبعة عشر لكل واحدة منهن سهم. فإن سئلت عن رجل ترك عشرين دينارا فورثه امرأة من ذلك دينارا واحدا فقل هذا رجل ترك أختين لأب وأم وأختين لأم وأربع نسوة فللأختين لأب وأم الثلثان ثمانية من اثني عشر وللأختين لأم الثلث أربعة وللنسوة الربع ثلاثة فتكون القسمة من خمسة عشر للنسوة من ذلك ثلاثة فلا يستقيم بين أربعة فاضرب خمسة عشر في أربعة فتكون ستين للنسوة من ذلك اثنا عشر لكل واحدة منهن ثلاثة واثنا عشر من ستين فهو الخمس في الحاصل وخمس عشرين دينارا أربعة دنانير بينهن لكل واحدة منهن دينار. فإن سئلت عن امرأة ورثت أربعة أزواج لها واحدا بعد آخر صار لها نصف أموالهم جميعا وصار للعصبة النصف فقل هذه امرأة تزوجها أربع إخوة واحدا بعد واحد وبعضهم ورثة بعض معها ، وكان جميع ما لهم ثمانية عشر دينارا لزوجها الأول ثمانية دنانير وللثاني ستة دنانير وللثالث ثلاثة وللرابع دينار فإنما مات زوجها الأول عن ثمانية دنانير فلها الربع وذلك ديناران وما بقي من إخوته وهم ثلاثة لكل واحد دينار فصار لصاحب الستة ثمانية ولصاحب الثلاثة خمسة ولصاحب الدينار ثلاثة ، ثم تزوجها الثاني فمات عنها فيكون لها الربع ثلاثة ، وعن أخوين فيكون لها الربع من تركته وذلك ديناران وما بقي ، وهو ستة بين أخويه لكل واحد ثلاثة فصار للذي كان له خمسة ثمانية وللذي كان له ثلاثة ستة ، ثم تزوجها الثالث فمات عنها وعن أخ فورثته الربع ، وهو ديناران وصار ما بقي لأخته ، وهو ستة فحصل للأخ اثنا عشر دينارا ، ثم تزوجها الرابع فمات عنها فيكون لها الربع ثلاثة والباقي ، وهو تسعة للعصبة فقد ورثت هي من الثلاثة ستة دنانير من كل واحد ديناران ومن الرابع ثلاثة فصار لها تسعة ، وهو نصف مالهم وللعصبة النصف. ولو أن رجلا جاء إلى قوم وهم يقتسمون ميراثا ، فقال لهم لا تعجلوا بقسمة هذا الميراث فإن لي امرأة غائبة فإن كانت حية ورثت ولم أرث ، وإن كانت ميتة ورثت ولم ترث فهذه امرأة ماتت وتركت أختين لأب وأم وأما وأخا لأب ، وهو متزوج بأخت لها لأمها فصار للأختين الثلثان وللأم السدس فإن كانت الأخت من الأم حية فلها السدس الباقي ولا شيء للأخ لأب ؛ لأنه عصبة ولم يبق من
[ 64 ]
أصحاب الفرائض شيء ، وإن كانت ميتة فالسدس الباقي للأخ لأب ؛ لأنه عصبة ، وهذا الذي جاء إليهم ، فقال ما قال فإن قال : إن كانت امرأتي حية ورثت ولم ترث ، وإن كانت ميتة لم أرث أنا ولا هي فهذه امرأة ماتت وتركت جدها أب أبيها وزوجها وأمها وأخا لها لأمها ، وهو متزوج أختها لأمها فصار للزوج النصف فإن كانت الأخت من الأم حية كان للأم السدس والثلث الباقي بين الجد والأخ نصفين بالمقاسمة فيرث في هذه الحالة ، وإن كانت الأخت من الأم ميتة كان للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وسقط الأخ فلا يرث في هذه الحالة شيئا ؛ لأنه لا ينقص الجد عن السدس . فإن جاءت امرأة وقالت : لا تعجلوا بقسمة هذا الميراث فإني حبلى فإن ولدت ولدا حيا ورث معكم غلاما كان أو جارية فإن هذا رجل مات أبوه قبله ولأبيه سرية فمات الرجل بعد ابنه وله امرأة وابنة وعم ، فقالت سريته لا تعجلوا فإني إن ولدت غلاما كان أخا للميت ، وكان عصبته فكان الباقي له دون العم . وكذلك إن ولدت جارية ؛ لأنها أخت الميت لأب والأخت مع الابنة عصبة فكان الباقي لها دون العم فإن قالت : إن ولدت غلاما ورث ، وإن ولدت جارية لم ترث فهذا رجل مات أخوه وله سرية حبلى ، ثم مات هو وترك ابنتين وعما ، فقالت سريته لهم ذلك فهي إن ولدت غلاما كان ابن أخ الميت فهو أولى بالعصوبة من العم ، وإن ولدت جارية كانت ابنة أخ الميت فلا ترث شيئا والباقي للعم بالعصوبة فإن قالت : إن ولدت غلاما لم يرث ، وإن ولدت جارية ورثت فهذه امرأة ماتت عن زوج وأم وأختين لأم وسرية ابنها حبلى وهي التي قالت : له ذلك فإن ولدت جارية كانت أختا لأب فيكون لها النصف ، وإن ولدت غلاما لم يرث شيئا ؛ لأنه عصبة ولم يبق من أصحاب الفرائض شيء فلا شيء له فإن قالت : إن ولدت غلاما لم يرث ، وإن ولدت جارية لم ترث ، وإن ولدتهما جميعا ورثا فهذا رجل مات أبوه وله سرية حبلى ، ثم مات الرجل وترك أمه وأختا لأب وأم وجد فسرية أبيه إن ولدت غلاما كان أخا للابن فكان للأم السدس وما بقي بين الجد والأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين ، ثم يرد الأخ من الأب على الأخت من الأب والأم ما في يديه حتى يستكمل النصف ولا يبقى له شيء فإن الفريضة من ستة للأم السدس سهم وللجد اثنان وللأخ من الأب اثنان وللأخت من الأب والأم واحد ، ثم يرد الأخ ما في يده على الأخت حتى يسلم لها النصف ثلاثة ويخرج بغير شيء ، وإن ولدت جارية كان للأم السدس وما بقي بين الجد والأخت من الأب والأم والأخ من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين ، ثم ردت الأخت
[ 65 ]
من الأب على الأخت من الأب والأم ما في يدها ولم ترث شيئا ، وإن كانت هي ولدت غلاما وجارية كانت الفريضة من ثمانية عشر سهما للأم السدس ثلاثة وللجد ثلث ما بقي خمسة فإن ذلك خير له من المقاسمة وبقي عشرة للأخت لأب وأم منها كمال النصف تسعة والباقي ، وهو سهم بين الأخ والأخت من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فيرثان جميعا في هذه الحالة ، وهذا قول زيد رضي الله عنه . فإن قالت الحبلى إن ولدت غلاما ورث وورثت ، وإن ولدت جارية لم أرث ولم ترث فهذا رجل زوج ابن ابنة ابنه ابنة ابن ابن له آخر ، ثم مات ابن ابنة ابنه وابنة ابن ابنه حبلى من ابن ابنة ابنه ، ثم مات الرجل وترك ابنه وعصبته فجاءت ابنة ابن ابنه هذه ، فقالت ما قالت فهي إن ولدت جارية لم يكن لها ولا للجارية شيء ؛ لأن ابنتي الميت قد أحرزتا الثلثين فريضة البنات فلا شيء لمن دونهما من البنات ولكن الباقي للعصبة ، وإن ولدت غلاما ورثت هي ، وهو ؛ لأنها ابنة ابن ابن الميت وابنها ابن ابن ابن الميت فتصير هي عصبة به ، وكان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن قالت : هذه الحبلى إن ولدت جارية ورثت أنا وهي ، وإن ولدت غلاما لم أرث أنا ولا هو فهذه امرأة تزوج ابن ابنها ابنة ابن ابنها ، ثم مات ابن ابنها وابنة ابن ابنها حبلى ، ثم ماتت المرأة وتركت زوجها وابنتها وأبويها فجاءت الحبلى وقالت ما قالت فهي إن ولدت غلاما لم يرث هو ولا هي ؛ لأن لابنة الميت النصف ولأبويها السدس وللزوج الربع فقد عالت الفريضة ولم يبق لهما شيء فإنها صارت عصبة بالذكر في درجتها فإن لم يبق من أصحاب الفرائض شيء فلا شيء للعصبة ، وإن ولدت جارية كان لابنة الميت النصف ولهذه مع ابنتها السدس تكملة الثلثين ؛ لأنهما ابنتا ابن ابن وللأبوين السدسان وللزوج الربع فكانت الفريضة من خمسة عشر سهما فإن قالت : لا تعجلوا فإني حبلى فإن ولدت غلاما حيا وجارية ميتة ورثت أنا والغلام ، وإن ولدت جارية حية وغلاما ميتا لم يرث واحد منا فهذا رجل له ابنتان وابنة ابن ابن قد تزوجها ابن ابن له آخر ، ثم مات ابن ابنه ، ثم مات الرجل وترك ابنتيه وابنة ابنه وهي حبلى من ابن ابنه فهي إن ولدت غلاما حيا وجارية ميتة صارت هي عصبة بالغلام فورث الغلام وهي ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن ولدت جارية حية وغلاما ميتا لم يرث واحد منهما شيئا ؛ لأن الابنتين قد أحرزتا فريضة البنات ، وكان الباقي للعصبة ، والله أعلم بالصواب .
[ 66 ]
( باب السؤال في بنات الابن والإخوة ) ( قال رضي الله عنه ) : قد بينا أكثر مسائل هذا الباب في العويص في ميراث الأولاد والإخوة والجدات فلا نعيد ههنا شيئا مما ذكرنا ، وإنما نذكر ما لم نذكره ثمة فنقول : رجل ترك ثلاثة بنات ابن بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة منهن عمة أو عمة عمها قال رضي الله عنه : اعلم بأن أهل الكوفة يجيبون في هذه المسائل بأكثر مما يكون من العدد وأقرب ما يكون من النسب وأهل المدينة يجيبون فيها بأقل مما يكون من العدد وأقرب ما يكون من النسب وما ذهب إليه أهل الكوفة رحمهم الله أولى ؛ لأن فيه تصحيح كلام السائل بأصله ووصفه وفيما ذهب إليه أهل المدينة ألغى بعض كلام السائل ؛ لأن ذلك يؤدي إلى العبارة عن شخص واحد بعبارات وذلك تكرار محض لا فائدة فيه وفيما ذهب إليه أهل الكوفة ألغى صفة كلامه ، وهو صفة الوراثة لبعضهم فإنه إذا حمل على أبعد ما يكون من النسب لم يكن وارثا فلهذا اخترنا طريق أهل الكوفة في ذلك فنقول عمة العليا ابنة الميت وعمة عمتها أخت الميت وعمة الوسطى درجة العليا وعمة عمتها ابنة الميت أيضا فإنما ترك الميت ابنتين وأختا فللابنتين الثلثان والباقي للأخت بالعصوبة ، وعلى ما ذهب إليه أهل المدينة عمة الوسطى هي العليا وعمة عمتها هي عمة العليا فإنما ترك الميت ابنة وابنة ابن وأختا فللابنة النصف ولابنة الابن السدس والباقي للأخت فإن كان مع كل واحدة منهن عمها فعم العليا ابن الميت فيكون المال كله له ، وإن كان مع كل واحدة منهن عمتها وعمة عمتها وأختها وابنة أختها وجدتها وأمها فلعمة العليا وعمة الوسطى الثلثان ؛ لأنهما ابنتا الميت ولجدة العليا الثمن ؛ لأنها امرأة الميت وما بقي فللعليا ولأختها ولابن أختها ولابنة أختها وللوسطى ولأختها ولعمتها ولعمة السفلى وعمة عمتها بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين لاختلاط الذكور بالإناث في درجة الذكور أو فوقهم فيكونون عصبة فيما بقي . ولو أن رجلا مات وترك ابن ابنته وابنة ابنه مع كل واحدة منهما خال وعم فخال ابن الابنة هو ابن الميت . وكذلك عم ابنة الابن هو ابن الميت فيكون المال بينهما نصفان فإن كان مع كل واحد منهما خالته وعمته فخالة ابن الابنة ابنة الميت وعمة ابنة الابن كذلك ابنة الميت فلهما الثلثان والباقي للعصبة. فإن ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاثة عمومة متفرقين فللأخوات فرضهن للأخت لأب وأم النصف وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين
[ 67 ]
وللأخت لأم السدس والباقي لعم الأخت من الأب والأم لأب وأم ولعم الأخت من الأب لأب وأم فإنهما عمتا الميت لأبيه وأمه إذا حمل ذلك على أقرب ما يكون من النسب كما هو اختيار أهل الكوفة فإن كان مع كل واحدة أبوها وأخوها فإنه يحصل في هذا السؤال أن أب الميت حي فهو يحرز الميراث دون الإخوة والأخوات فإن كان مع كل واحدة منهن جدها فإنه يحصل في هذا السؤال أن أب أبي الميت حي ، وقد سبق الكلام في توريث الإخوة والأخوات مع الجد. فإن ترك ثلاث عمات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاثة بني إخوة متفرقين وثلاثة عمومة متفرقين فالمال لابن أخي العمة لأب وأم لابنها وأمها ؛ لأنه ابن عم الميت لأبيه وأمه فهو أقرب العصبات . فإن ترك أخوين لأب أحدهما لأم فالذي لأم أخ لأب وأم فيكون الميراث له دون الآخر فإن ترك أخوين لأم أحدهما لأب فالذي لأب أخ لأب فالميراث كله له. ولو أن امرأة ماتت وتركت ابني عمها أحدهما أخوها لأمها وتركت أخوين لأم أحدهما ابن عمها فثلاثة منهم إخوة لأم فالثلث بينهم أثلاثا والباقي بين اللذين هما ابنا عم من هؤلاء الثلاثة وبين الرابع الذي ليس هو أخ لأم أثلاثا في قول علي وزيد رضي الله عنهما ، وقد بينا خلاف ابن مسعود في هذه المسألة فإن تركت ابني عمتها إحداهما أختها لأمها وأختين لأم إحداهما ابنة عم فإنما تركت ثلاث أخوات لأم فلهن الثلث والباقي للعصبة ولا شيء لبنات العم. فإن ترك ابنتي عمة إحداهما امرأته والأخرى أخته لأبيه وثلاثة إخوة لأم أحدهم ابن عم فإنما ترك الميت في الحاصل أختا وثلاثة إخوة لأم فلهم الثلث بينهم بالسوية وترك امرأته فلها الربع وترك ابنة عم ، وهو أخوه لأمه فله ما بقي فإن ترك ابن أخ لأم ، وهو ابن أخت لأب وخالة وابن عم فالمال لابن الأخ من الأم الذي هو ابن الأخت لأب في قول يعقوب ومحمد قاساه على قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يريد به في توريث ذوي الأرحام باعتبار القرابة وتقديم الأقرب ، وقد بينا هذا في باب ذوي الأرحام وما ذكره بعده من الجدتين من جهتين أو الجدة قد بيناه في باب الجدات ، والله أعلم بالصواب . ( باب من متشابه النسب ) ( قال رضي الله عنه ) : ولو أن رجلين ليست بينهما قرابة تزوج كل واحد منهما أم الآخر فولدت كل واحدة منهما غلاما فقرابة ما بين الغلامين أن كل واحد منهما عم الآخر
[ 68 ]
لأمه ولا يرث واحد منهما من صاحبه شيئا إن مات وله عصبة ، وإن تزوج كل واحد منهما ابنة الآخر والمسألة بحالها فقرابة ما بين الغلامين أن كل واحد منهما ابن خال الآخر فلا يرث مع أحد من العصبات فإن تزوج أحدهما أم الآخر وتزوج الآخر ابنته فولد لكل واحد منهما غلام فقرابة ما بينهما أن ابن المتزوج بالأم خال ابن الذي تزوج الابنة وعمه وابن الذي تزوج الابنة ابن أخت الذي تزوج الأم وابن أخيه لأمه فلا يرث واحد منهما من صاحبه شيئا ؛ لأن العم لأم وابن الأخ لأم من جملة ذوي الأرحام فلا يرثون مع أحد من العصبات. ولو أن رجلا تزوج امرأة وزوج ابنتها من ابنه فولد لكل واحد منهما غلام فقرابة ما بين الغلامين أن أب الذي تزوج الأم عم ابن الابن الذي تزوج الابنة وخاله وابن الابن ابن أخ الأب وابن أخته فأيهما مات ورث صاحبه هنا من قبل العم من الأب عصبته . وكذلك ابن الأخ لأب عصبة فإذا كان كل واحد منهما عصبة صاحبه من أحد الوجهين كان وارثا له فإن تزوج الأب الابنة وتزوج الابن الأم فولدت كل واحدة منهما غلاما فقرابة ما بين الوالدين أن ابن الأب عم ابن الابن وابن أخته وابن الابن خال ابن الأب وابن أخته فأيهما مات ورثه صاحبه بالعصوبة وفيه حكاية عبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى فإنه جلس يوما للمظالم فقام رجل ، فقال : إني تزوجت امرأة وزوجت أمها ابني فمر بعطائي ، فقال : لو كان على عكس هذا كان أولى وإني أسألك عن مسألة فإن أحسنت جوابها أمرت بعطائك ، وإن لم تحسن جوابها لا أعطيك شيئا ، فقال : هات ، فقال : إن ولد لك غلام ولابنك غلام فأي قرابة تكون بين الغلامين فلم يحسن الرجل الجواب وقال : سل القاضي الذي وليته ما وراء مجلسك فإن أحسن الجواب فاصرف عطائي إليه وإلا فاعذرني فلم يحسن القاضي ولا أحد من القوم إلا رجل في أخريات الناس فقام ، فقال : إن أجبت فأحسنت هل تقضي حاجتي ؟ قال : نعم فأجاب كما ذكرنا فاستحسن جوابه وقال : لله در هذا العالم ما حاجتك ، فقال : إن عاملك أسقط حرفا من كلام الله تعالى قال : وما ذاك قال : إن الله تعالى يقول { خذ من أموالهم صدقة } فهو يسقط حرف من فيأخذ أموالنا قال : هذا أحسن من الأول وعزل ذلك العامل ، والله أعلم بالصواب. ( فصل فيما يسأل عنه من المحال الذي لا يكون ) ( قال رضي الله عنه ) ولو أن رجلا سأل عن رجل مات وترك والديه وما ولدا فهذا
[ 69 ]
لا يكون ؛ لأن ما ولدا هو الميت فكيف يترك الميت نفسه إلا أن يقول وما ولدا سواه فإن سئل عن أم وأبوين فهو محال ؛ لأن الأم أحد الأبوين فإن سئل عن امرأة وأبوين وزوج فهذا محال ؛ لأن الميت إما رجل له امرأة أو امرأة لها زوج ولا يتصور ميت ترك زوجا وامرأة فإن سئل عن ابني عم أحدهما أخ فهذا لا يكون ؛ لأن ابن عم الرجل لا يكون أخاه لأبيه فإن سئل عن ابني عم أحدهما ابن أخ لأب أو لأب وأم فهذا لا يكون أيضا ؛ لأن ابن العم لا يكون ابن الأخ بحال فإن سئل عمن ترك ابنته وأبوي ابنته فهذا محال ؛ لأن الميت أحد أبوي البنت فإن سئل عن عم لأب هو أخ لأب فهذا لا يكون ؛ لأن العم هو جد الميت فليس له أن يتزوج امرأة ابن أبيه فإن سئل عمن مات وترك عم ابن أخيه ولم يكن لابن أخيه عم فهذا لا يكون ؛ لأن الميت هو ابن أخ عمه وما ذكرناه يهديك إلى ما يكون من هذا الجنس ، والله أعلم بالصواب . ( باب إقرار الرجل بالنسب ) ( قال رضي الله عنه ) : وإذا كان الرجل ذا قرابة أو وارث معروف لم يجز إقراره إلا بأربعة نفر الولد والوالد والمرأة ومولى العتاقة ولا يجوز إقرار المرأة إلا بثلاث الزوج والولد والمولى ؛ لأن إقرار المرأة على نفسها حجة ، وعلى غيرها ليس بحجة فالرجل بالإقرار بالأب يلزم نفسه بالانتساب إليه ؛ لأنه يجب على الولد أن ينسب إلى أبيه شرعا قال : عليه السلام { من انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا } . وكذلك إن أقر بمولى العتاقة فإنما يقر على نفسه بوجوب الانتساب إلى المولى . وكذلك إذا أقر بالمرأة فإنه يقر لها على نفسه بحقوق النكاح . وكذلك إذا أقر بابن فإنما يقر على نفسه ؛ لأن الأب يحمل نسب الولد على نفسه . وكذلك إذا أقر بمولى العتاقة الأسفل ؛ لأن الولاء بمنزلة النسب فإذا كان يحمله على نفسه كان مقبول القول في ذلك إذا صدقه صاحبه في جميع هذه الفصول إلا في الولد إذا كان صغيرا في يده أو كان مملوكا لا يحتاج إلى التصديق والمرأة في الإقرار بالأب والزوج ومولى العتاقة إنما تقر على نفسها أيضا والأبوية لا تمنع صحة إقرارها فإذا أقرت بابن فإنما أقرت به على غيرها ؛ لأن نسب الولد يثبت باعتبار الفراش فإنما يثبت من صاحب الفراش أولا ، وهو الزوج وإقرارها ليس بحجة على الزوج يوضحه أنه مع قيام النكاح بينها وبين هذا الزوج
[ 70 ]
لا يتحقق بسبب صحيح بينها وبين غيره يثبت به نسب ولدها من ذلك الغير دون هذا الزوج ، وفي جانب الرجل يتحقق بسبب صحيح للنسب بينه وبين امرأة أخرى سوى المعروفة بالنكاح أو الملك يوضحه أن النسب يثبت من الرجل باعتبار الأعلاق حقيقة وذلك لا يقف عليه غيره فلا بد من قوله في ذلك . وأما النسب من المرأة إنما يثبت باعتبار الولادة ، وهو ظاهر يقف عليه غيرها وهي القابلة فلا يجعل مجرد قولها في ذلك حجة وسواء كان هذا الإقرار في صحة أو مرض ؛ لأن حالة المرض إنما تخالف حالة الصحة باعتبار تعلق حق الغرماء والورثة بالتركة فما لا يتعلق به حق الغرماء والورثة كان الإقرار به في الصحة والمرض سواء والنسب والنكاح والولاء لا يتعلق به حق الغرماء والورثة فإن كان للمقر أب معروف أو مولى عتاقة معروف لم يجز إقراره بأب آخر ولا بمولى آخر لثبوت حق الأول ، ولأنه مكذب في هذا الإقرار شرعا فلا يكون ذلك دون تكذيب المقر له . وكذلك لا يجوز إقرار المرأة بزوج ولها زوج معروف ؛ لأن المقر له حق الغير وإنها مكذبة في هذا الإقرار شرعا بخلاف الرجل يقر بامرأة وله امرأة معروفة فإنه غير مكذب في هذا الإقرار شرعا ، ولأنه لا حق له فيما أقر به . ( ألا ترى ) أنها لا تملك ذلك بطريق الإنشاء ولا يجوز إقرار واحد منهما بمن سوى هؤلاء من ابن ابن أو جد أو أخ ؛ لأنه يقر على الغير فإن نسب النافلة لا يثبت منه إلا بواسطة الأب فكان هذا إقرارا منه على أبيه . وكذلك أحد الأخوين لا ينسب إلى صاحبه إلا بواسطة الأب فكان إقرارا منه على ابنه . وكذلك الجد فإن جمع في الإقرار بين من يجوز إقراره به ومن لا يجوز إقراره به كان المال لمن جاز إقراره به إن كان ممن يرث جميع المال في حال انفراده نحو ما إذا أقر بابن وابنة ابن فالمال كله للابن بالفرض والفرد لأن إقراره بنسبه صحيح فيكون ثبوت نسبه بإقراره كثبوته بالبينة ، وإن كان ممن لا يرث جميعه مثل الزوج والزوجة كان له حظه كاملا والباقي بين الأخوين اللذين لا يثبت نسبهما بإقراره على حسابهما لو كانا معروفين ولم يترك لهما إلا باقي المال بيانه فيما إذا أقر بامرأة وابنة ابن وأخت فللمرأة الربع كاملا والباقي بين ابنة الابن والأخت على سبعة لابنة الابن أربعة وللأخت ثلاثة لأن إقرار فريضتهما من ثمانية إلا أنه لم يصدق في إدخال النقصان على المرأة فأخذت الربع كاملا ، وهو مصدق في حق الآخرين فتضرب ابنة الابن بنصيبها أربعة والأخت بثلاثة . ولو أقر بابنتي ابن والمسألة بحالها فالباقي بين ابنتي الابن والأخت على أحد وعشرين سهما لأن في زعمه
[ 71 ]
أن الفريضة على أربعة وعشرين لابنتي الابن الثلثان ستة عشر وللمرأة الثمن ثلاثة وللأخت ما بقي ، وهو خمسة فلم يصدق في حق المرأة وأخذت الربع كاملا فتضرب ابنتا الابن في الباقي بستة عشر سهما والأخت ، وإن تصادق بعضهم فيما بينهم بجميع نصيب المتصادقين فاقتسموها على حساب ما تصادقوا عليه ؛ لأن الثابت فيما بينهم بتصادقهم كالثابت بالبينة أو أقوى منه فإذا مات الرجل وأقر بعض ورثته بوارث وأنكره الآخرون دخل معه في نصيبه فاقتسماه على سهامهما نحو ما إذا ترك ابنا فأقر بأخ له فإنه لا يثبت نسبه ولكنه يأخذ نصف ما في يد المقر إلا في رواية عن أبي يوسف أنه يثبت نسبه ، وقد بينا المسألة في العين والدين . فلو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ له فإنه يعطيه نصف ما في يده لإقراره أن حقهما في التركة سواء ، وإن لم يقر بأخ ولكنه أقر بابنة لأبيه فإنه يعطيها ثلث ما في يده لإقراره أن حقها مثل نصف حقه فإن لم يقر بذلك ولكنه أقر بامرأة لأبيه فإنه يقاسمها ما في يديه على تسعة لها سهمان وله سبعة ؛ لأنه يزعم أن الفريضة من ستة عشر سهما للمرأة سهمان وله سبعة ولأخيه سبعة وكذا لو أقر مقر منهم بوارث آخر فإنه يجمع جميع ما في أيدي المقرين فيقسم بينهم وبين المقرين له على مقدار حقهم وذلك بأن تصحح الفريضة لو كان المقر به ثابتا في الأصل ، ثم يضرب كل واحد منهم بنصيبه بيانه فيما إذا ترك ابنين وابنتين فأقر أحد الابنين بأخ فإنهما يقاسمانه جميعا ما في أيديهما على خمسة للأخ المقر سهمان وللأخت المقرة سهم وللأخ المقر به سهمان ؛ لأنهما زعما أن الفريضة من ثمانية لكل أخ سهمان ولكل أخت سهم فما وصل إليهما يقسم بينهما وبين المقر به باعتبار زعمهم ، وفي المسائل التي تخرج على الأصول التي بيناها كثرة ولكن بالقدر الذي بينا يتيسر تخريج الكل عند التأمل ، والله أعلم بالصواب . ( باب إقرار الورثة بوارث بعد وارث ) ( قال رضي الله عنه ) : وإذا أقر بوارث معه وأعطاه نصيبه بقضاء قاض ، ثم أقر بوارث آخر ولم يصدق الأول قاسمه ما بقي في يديه على حساب نصيبهما إلا أن يصدقه الأول ؛ لأن الأول قد استحق نصيبه بالإقرار السابق منه فكما لا يملك إبطال حقه بالرجوع عن الإقرار فكذلك لا يملك إثبات الشركة للغير معه فيما صار مستحقا له ويجعل ثبوت الاستحقاق للأول بإقراره في حقه كثبوته بالبينة أو يكون نسبه معروفا ولا يكون إقراره للغير بعد ذلك
[ 72 ]
حجة عليه إلا باعتبار تصديق يكون منه ولا ضمان عليه في شيء مما دفعه إلى الأول ؛ لأنه بمجرد الإقرار للأول ما أتلف على الثاني شيئا والدفع كان بقضاء القاضي فلا يكون موجبا للضمان عليه ولكن يجعل ذلك القدر في حكم التاوي فكان جميع المال مقدار ما بقي يده فيقاسمه المقر له الآخر على حساب نصيبهما ، وبيانه لو أن رجلا مات وترك ابنين ، ثم أقر أحدهما بأخ فإنه يعطيه نصف ما بقي في يديه أيضا بخلاف ما لو أقر أحد الابنين بأخوين معا أو بواحد بعد واحد بكلام متصل فإنهما يأخذان ثلثي ما في يده ؛ لأنه إذا أقر بهما فقد زعم أن حق كل واحد منهما مثل حقه . وكذلك إن أقر أحدهما بعد الآخر في كلام موصول ؛ لأن في آخر كلامه ما يغير حكم أوله فيتوقف أوله على آخره ، فأما إذا فصل بين الكلامين فقد استحق الأول نصف ما في يده بتقدم الإقرار له فلا يكون إقراره بعد ذلك حجة على الأول في إدخال شيء من النقصان عليه فإن أقر بهما معا فأعطاهما ثلثي ما في يديه بقضاء ، ثم أقر بأخ أعطاه نصف ما بقي في يديه ؛ لأن ما أخذه الأولان في حكم التاوي كما بينا . ولو ترك ابنين وأقر أحدهما بأخ وأعطاه نصف ما في يديه بقضاء قاض ، ثم أقر بامرأة أعطاها عشر ما بقي في يده ؛ لأنه بزعم أن الميت ترك امرأة وثلاثة بنين فتكون القسمة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة ولكل ابن سبعة والأصل في جميع هذه المسائل أن المقر به أولا يجعل معتبرا في المقاسمة مع المقر به آخرا أو المقر به آخرا لا يعتبر في المقاسمة مع المقر به أولا ؛ لأنه حين أقر بالثاني فحق المقر به الأول ثابت بتقديم الإقرار له فيكون ذلك كالثابت بالبينة وحين أقر بالأول لم يكن حق المقر به الثاني ثانيا فلا يكون هو معتبرا في المقاسمة مع الأول . ولو ترك ابنة وعصبة فأقرت الابنة بامرأة فإنها تعطيها خمس ما في يدها ؛ لأنها زعمت أن الفريضة من ثمانية لها سهم وللابنة أربعة فكل واحد منهما يضرب فيما في يد الابنة بحقها فلذا أخذت خمس ما في يدها فإن أعطتها ذلك بقضاء قاض ، ثم أقرت بامرأة أخرى أعطتها سهما من تسعة أسهم مما بقي في يدها ؛ لأنها زعمت أن للميت امرأتين وإن القسمة من ستة عشر للمرأتين سهمان لكل واحدة سهم ولها ثمانية فتعطيها سهما من تسعة فإن أعطت ذلك بقضاء قاض ، ثم أقرت بامرأة أخرى أعطتها سهما من ثلاثة عشر سهما مما بقي في يدها ؛ لأنها زعمت أن للميت ثلاث نسوة وإن القسمة من أربعة وعشرين للنسوة ثلاثة لكل واحدة سهم ولها اثنا عشر فتعطيها سهما من ثلاثة عشر بهذا الطريق فإن أعطتها ذلك بقضاء قاض ، ثم أقرت بامرأة أخرى أعطتها سهما من سبعة عشر
[ 73 ]
سهما مما بقي في يدها ؛ لأنها زعمت أن للميت أربع نسوة وإن القسمة من اثنين وثلاثين للنسوة الثمن أربعة لكل واحدة سهم ولها النصف ستة عشر فهي تضرب فيما بقي في يدها بستة عشر والمرأة بسهم فلهذا أعطتها سهما من سبعة عشر . ولو ترك أخا فأقر الأخ بابنة للميت أعطاها نصف ما في يده ؛ لأنه زعم أن الميت خلف ابنة وأخا فيكون المال بينهما نصفين فإن أعطاها ذلك بقضاء ، ثم أقر بابنة أخرى أعطاها نصف ما في يده أيضا ؛ لأنه يزعم أن الميت خلف ابنتين وأخا فيكون للابنتين الثلثان وللأخ ما بقي فحق الثانية بزعمه مثل حقه فلهذا يعطيها نصف ما في يده فإن أعطاها مثل ذلك ، ثم أقر بابنة أخرى أعطاها خمسي ما في يده ؛ لأن للميت بزعمه ثلاث بنات وأخا فتكون القسمة من تسعة للبنات الثلثان ستة بينهن لكل واحدة سهمان والباقي ، وهو ثلاثة للأخ فيضرب الأخ فيما بقي في يده بثلاثة وهي بسهمين فلهذا يعطيها خمسي ما في يده فإن أعطى ذلك بقضاء ، ثم أقر بابنة أخرى أعطاها ثلث ما في يده ؛ لأن للميت بزعمه أربع بنات وأخا فللبنات الثلثان أربعة من ستة لكل واحدة سهم والباقي للأخ فهو يضرب في الباقي بسهم والأخ بسهمين فلهذا يعطيها ثلث ما في يده . ولو أقر الأخ أولا بابنة وأعطاها نصف ما في يده بقضاء ، ثم أقر بابنة ابن فإنه يعطيها ثلث ما في يده ؛ لأن للميت بزعمه ابنة وابنة ابن وأخا فللابنة النصف ثلاثة ولابنة الابن سهم والباقي ، وهو سهمان للأخ فبهذا الطريق يعطيها ثلث ما بقي فإن أعطاها ذلك بقضاء ، ثم أقر بابنة ابن أسفل منها فلا شيء لها ؛ لأنه ما أقر لها بشيء من المال فإن مع الابنة وابن الابن لا ترث ابنة ابن الابن شيئا والثابت بإقراره لا يكون أقوى من الثابت بالبينة . ولو أقر الأخ أولا بابنة ابن ابن فأعطاها نصف ما في يده بقضاء ، ثم أقر بابنة ابن أعطاها ثلاثة أخماس ما بقي في يده ؛ لأنه يزعم أن الميت ترك ابنة ابن وابنة ابن ابن وأخا فلابنة الابن النصف ثلاثة ولابنة ابن الابن السدس والباقي ، وهو سهمان للأخ فتضرب هي في فيما بقي في يدها بثلاثة ، وهو بسهمين فلهذا يعطيها ثلاثة أخماس ما بقي في يده فإن أعطاها ذلك بقضاء ، ثم أقر بابنة للميت أعطاها أيضا ثلاثة أخماس ما بقي في يده ؛ لأنه زعم أن لها النصف ثلاثة ولابنة الابن السدس والباقي للأخ فبهذا الطريق يعطيها ثلاثة أخماس ما بقي في يده ولو لم يقر من ذلك بشيء ولكنه أقر بابن ابن فإنه يعطيه جميع ما في يده ؛ لأن الميت بزعمه ترك ابن ابن وأخا فالمال كله لابن الابن وزعمه معتبر فيما في يده فإن أعطاها ذلك بقضاء القاضي ، ثم أقر بابن للميت فلا ضمان على الأخ ؛ لأنه دفعه بقضاء القاضي ولا يدخل الابن مع
[ 74 ]
ابن الابن فيما في يده ؛ لأن إقرار الأخ ليس حجة عليه . ولو أقر الأخ بامرأة للميت فدفع إليها ربع ما في يده بقضاء ، ثم أقر بامرأة أخرى أخذت سبع ما في يده ؛ لأن الميت بزعمه خلف امرأتين وأخا فتكون القسمة من ثمانية لكل امرأة سهم وللأخ ستة فلهذا يعطيها سبع ما في يده فإن أعطاها ذلك بقضاء ، ثم أقر بامرأة أخرى أعطاها عشر ما في يده ؛ لأن للميت بزعمه ثلاث نسوة والقسمة من اثني عشر لكل واحدة سهم وللأخ تسعة فإن أعطاها العشر بقضاء ، ثم أقر بامرأة أخرى فإنها تأخذ منه سهما من ثلاثة عشر مما بقي في يده ؛ لأن للميت بزعمه أربع نسوة والقسمة من ستة عشر للنسوة الربع أربعة لكل واحدة سهم والباقي ، وهو اثنا عشر للأخ . ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بامرأة للميت وأعطاها تسعى ما في يده بقضاء ، ثم أقر بامرأة أخرى فإنه يعطيها ثمن ما بقي في يده ؛ لأن للميت بزعمه ابنين وامرأتين فتكون القسمة من ستة عشر لكل امرأة سهم ولكل ابن سبعة فإن أعطاها ذلك بقضاء ، ثم أقر بامرأة أخرى أعطاها سهمين من ثلاثة وعشرين سهما مما بقي في يده ؛ لأنه يزعم أن للميت ابنين وثلاث نسوة فيكون أصل الفريضة من ثمانية للنسوة سهم بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي ، وهو سبعة بين الابنين لا يستقيم فيضرب ثلاثة في اثنين فيكون ستة ، ثم يضرب ثمانية في ستة فيكون ثمانية وأربعين للنسوة ستة بينهن لكل واحدة سهمان ولكل ابن أحد وعشرون فبهذا الطريق يعطيها مما بقي في يده سهمين من ثلاثة وعشرين فإن أعطاها ذلك بقضاء ، ثم أقر بامرأة أخرى أعطاها جزءا من خمسة عشر جزءا مما في يده ؛ لأن للميت بزعمه أربع نسوة والثمن بينهن أرباعا لا يستقيم والباقي ، وهو تسعة بين الابنين لا يستقيم إلا أن أربعة تجزي عن سهمين فيضرب ثمانية في أربعة فيكون اثنين وثلاثين للنسوة الثمن أربعة لكل واحدة سهم ولكل ابن أربعة عشر فبهذا الطريق يعطيها مما بقي في يده جزءا من خمسة عشر جزءا ، وإذا دفع إلى المقر به الأول بغير قضاء قاض ، ثم أقر بوارث آخر ضمن له جميع نصيبه من الأصل من حصته دون حصة الباقين من الورثة لأن فيما أخذه سائر الورثة لم يوجد منه صنع يوجب الضمان وفيما دفعه إلى المقر به بغير قضاء القاضي قد وجد منه الصنع الموجب للضمان ، وهو الدفع باختياره ، وهو بإقراره الثاني زعم أنه استهلك ذلك بالدفع إلى الأول باختياره فيجعل محسوبا عليه في حق الثاني ويكون بمنزلة القائم في يده ، وبيانه لو ترك ابنا فأقر بابن آخر فأعطاه نصف ما في يديه بغير قضاء ، ثم أقر بآخر فإنه يعطيه ثلثي ما بقي في يده ؛ لأنه زعم أن حق الثاني في ثلث
[ 75 ]
جميع التركة والباقي في يده نصف التركة فيعطيه ثلثي ذلك النصف ، وهو جميع نصيبه بزعمه فإن أعطاه بغير قضاء ، ثم أقر بابن آخر فإنه يعطيه ربع جميع المال ؛ لأن في زعمه أن للميت أربع بنين والباقي في يده سدس المال فيعطيه ذلك ويغرم له نصف السدس من مال نفسه فإن دفع إليه بغير قضاء ، ثم أقر بآخر فإنه يغرم له خمس جميع المال من مال نفسه باعتبار زعمه . ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ، ثم أقر بآخر أعطاه ثلث جميع ما كان في يده ؛ لأنه غير ضامن شيئا مما أخذه الابن المعروف ؛ لأنه أخذه بنسب له معروف ، وهو ضامن في حق الثاني ما دفعه إلى الأول زيادة على حقه بزعمه ؛ لأنه دفعه بغير قضاء فيجعل ذلك كالقائم في يده فيغرم للآخر جميع نصيبه مما كان في يده بزعمه ، وهو ثلث ما في يده فإن أعطاه ذلك بغير قضاء ، ثم أقر بأخ آخر فإنه يعطيه ربع جميع ما كان في يده ، وهو ثمن جميع المال لما بينا أن ما دفع إلى الأول والثاني بغير قضاء زيادة على حقهما يجعل كالقائم في يده . ولو ترك أخا فأقر بأخ آخر وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ، ثم أقر بابن للميت فإنه يعطيه جميع ما بقي في يده ويغرم له أيضا جميع ما أعطى الأخ ؛ لأنه زعم أن جميع المال للابن وأنه مستهلك بعض المال بدفعه إلى الأخ باختياره . ولو ترك عما فأقر العم بأخ للميت وأعطاه المال بغير قضاء ، ثم أقر بابن للميت غرم له مثل جميع المال ؛ لأنه زعم أنه أعطى للأول ما ليس له فإن أعطاه ذلك بغير قضاء ، ثم أقر بابن ابن لم يغرم له شيئا ؛ لأنه بعد الإقرار بالابن لا يكون هو مقرا بشيء من المال لابن الابن بمنزلة ما لو كانا معروفين . ولو ترك أخا فأقر الأخ بابن ابن وأعطاه جميع ما في يده بغير قضاء ، ثم أقر بابن وغرم له مثل جميع المال ودفع ذلك بغير قضاء ، ثم أقر بابن آخر فإنه يغرم للابن الثاني مثل نصف جميع المال فإنه مستهلك عليه نصف المال بالدفع إلى الابن الأول باختياره فإن دفع ذلك بغير قضاء ، ثم أقر بامرأة للميت فإنه يغرم مثل ثمن جميع المال باعتبار زعمه في حقه فإن أعطاها بغير قضاء ، ثم أقر بأم للميت فإنه يعطيها مثل سدس جميع المال باعتبار إقراره أن ذلك حقها وإنه دفعه إلى غيرها باختياره. ولو ترك أخا فأقر الأخ بأخ آخر وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ، ثم أقر بأخ آخر وأعطاه ثلث جميع المال بقضاء ، ثم أقر بأخ آخر فإنه يعطيه سدس المال وثلث سدس المال ؛ لأن ما دفع إلى الثاني بقضاء القاضي ، وهو ثلث المال لا يكون ذلك مضمونا عليه فيجعل ذلك كالتاوي يبقى ثلثا المال ، وفي زعمه أن ذلك بينه وبين الأول والثاني أثلاثا وأنه دفع إلى الأول زيادة على حقه بغير قضاء فيجعل ذلك كالقائم
[ 76 ]
في يده فيعطى الثالث كمال حقه وذلك سدس وثلث سدس ، وفي يده سدس فيعطيه ذلك ويغرم له ثلث سدس ذلك من ماله فإن أعطاه ذلك بقضاء ، ثم أقر بابن للميت فإنه يغرم له نصف المال الذي دفع الأول بغير قضاء قاض ؛ لأنه دفع ذلك باختياره وزعم أنه دفع إلى من ليس له ولا يغرم النصف الآخر ؛ لأنه دفعه إلى الثاني والثالث بقضاء القاضي . وإذا أقر بعض الورثة بوارثين فصدقه واحد من الورثة في أحدهما فإن أبا يوسف رحمه الله قال ينظر في نصيب الذي اجتمعا عليه من حصة المقر بهما لو كان أقر بهما فيعطي ذلك مما في يد المقر بهما فيضمه إلى ما في يد الذي صدق به ويقتسمانه على قدر نصيبهما في الأصل ويقسم الباقي في يد المقر بهما بينه وبين الآخر على حساب نصيبهما في الأصل لو كانا معروفين وزعم أن هذا الأصل هو قياس قول أبي حنيفة رحمه الله باعتبار أن حق المقر بهما يجعل كأن الآخر صدقه فيهما وفي حق المجحود يجعل كأن الآخر كذبه فيهما ، وبيان هذا الأصل من المسائل أن رجلا مات وترك فأقر أحدهما بأخوين معا وصدقه الآخر في أحدهما فإن المتفق عليه يأخذ من المقر بهما ربع ما في يدهما ؛ لأن الآخر لو صدقه فيهما لكان يأخذ منه ربع ما في يده فإن زعم أن حق كل واحد منهما في ربع التركة ، وفي يده جزء من التركة فإذا أخذ منه ذلك ضمه إلى ما في يد المصدق فيقتسمانه نصفين وما بقي في يد المقر بهما بينه وبين المجحود نصفين باعتبار زعمهما . وأما عند محمد فالمتفق عليه يأخذ من المقر بهما خمس ما في يدهما ؛ لأنه يقول أنا قد أقررت بأن حقك في سهم وحقي في سهم وحق المجحود في سهم إلا أن أخي حين صدق بك فقد يحمل عني نصف مئونته فإنما بقي حقك فيما في يدي في نصف سهم وحق المجحود في سهم فيضعفه للكسر بالإنصاف فلهذا يأخذ منه خمس ما في يده ، ثم التخريج بعد ذلك كما قاله أبو يوسف ، وقد قدم هذه المسألة في كتاب الإقرار وأعادها ليبني عليها أخواتها ، فقال : لو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ وأخت معا وصدقه الآخر في الأخت وكذبه في الأخ . فإن الأخت تأخذ من المقر بهما سبع ما في يده في قول أبي يوسف ؛ لأنه يزعم أن الميت خلف ثلاث بنين وابنة وأن القسمة من سبعة للأخت السبع من التركة فيعطيها سبع ما في يده فيضمه إلى ما في يد المصدق بها ويقاسمه للذكر مثل حظ الأنثيين باعتبار تصادقهما وما بقي في يد المقر بهما بينه وبين المجحود نصفان وقال محمد الأخت تأخذ تسع ما في يد المقر بهما ؛ لأنه يزعم أن الميت خلف ثلاث بنين وابنة وأن حق الابنة في سهم وحقه في سهمين وحق المجحود في
[ 77 ]
سهمين إلا أن السهم الذي هو لها نصفه في يد المصدق ، وقد أقر بها فذلك يصل إليها من جهته فإنما تضرب هي فيما في يده بنصف سهم وهما بأربعة فانكسر بالإنصاف فأضعف الحساب فيكون تسعة فلهذا أخذت تسعي ما في يده ، ثم التخريج كما قال أبو يوسف ولو أقر أحدهما بأخ فلم يعطه شيئا حتى أقر بابن آخر وصدقه الابن المعروف في الآخر أخذ المقر به الأول نصف ما في يده لما بينا أن إقراره للثاني في كلام مفصول غير معتبر في حق الأول فيأخذ منه نصف ما في يده لهذا ويأخذ الآخر خمس ما في يده ؛ لأنه أقر له بسهم أيضا لكن الابن الآخر حين صدقه فيه فقد يحمل عنه نصف مؤنته فإنما يضرب هو فيما في يده بنصف سهم فلهذا يأخذ الآخر منه خمس ما في يده ويضمه إلى ما في يد المصدق فيقتسمانه نصفين ولو كان الأخ صدقه في المقر به الأول وكذبه في الآخر فإن المقر به الأول يأخذ من المقر ثلث ما في يده ؛ لأن في زعمه حين أقر به أولا أن حقه في ثلث التركة ولكن بعض التركة في يد الآخر ، وهو مصدق به فذلك يصل إليه من جهته فلهذا يأخذ مما في يده مقدار ما أقر له به ، وهو الثلث فيضمه إلى ما في يد المصدق به فيقتسمانه نصفين لتصادقهما وما بقي في يد المقر بهما بينه وبين الآخر لاعتبار إقراره في حقه. ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ وأعطاه نصف ما في يده بقضاء قاض ، ثم أقر بعد ذلك بأخت فإن الأخت تأخذ ربع ما في يد المقر بالأول ؛ لأن المقر بالأول إنما أقر لها بسبع المال فإن للميت بزعمه ثلاث بنين وابنة فتكون القسمة من سبعة لها سبع التركة ، وفي يده جزء من التركة فلها سبع ذلك والباقي بين المقر والمقر به الأول نصفان لكل واحد منهما ثلاثة ، وقد أخذ الأول زيادة على حقه بقضاء القاضي فيجعل ذلك كالتاوي فتضرب الأخت فيما في يد المقر بسهم والمقر بثلاثة فلهذا أخذت ربع ما في يده وضمته إلى ما في يد الذي صدق بها فاقتسماه للذكر مثل حظ الأنثيين لتصادقهما على أن حقهما في التركة مثل نصف حقه. ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بامرأتين لأبيه معا وصدقه الآخر في أحديهما فإن المتفق عليها تأخذ من المقر بهما نصف ثمن ما في يده ؛ لأن حقها بزعمه في نصف ثمن التركة ، وفي يده جزء من التركة فيعطيها نصف ثمنه فيضمه إلى ما في يد الآخر فيقتسمانه على تسعة ؛ لأن بزعم الآخر أن الميت خلف ابنين وامرأة وأن القسمة من ستة عشر للمرأة سهمان وله سبعة يقسم ما في يدهما على ذلك باعتبار تصادقهما ، ثم يقاسم المقر المرأة المجحودة وما بقي في يده على ثمانية ؛ لأن بزعمه أن القسمة من ستة عشر وأن لها سهما وله سبعة فيقسم ما في يده
[ 78 ]
بينهما على ذلك. ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بامرأة وأعطاها تسع ما في يده بقضاء قاض ، ثم أقر بامرأتين معا وصدقه أخوه في أحديهما فإن المتفق عليها تأخذ من المقر بهن جزءا من عشرين جزءا وخمس جزء وثلاثة أخماس جزء مما بقي في يده ؛ لأن الفريضة بزعمه من ثمانية وأربعين فإنه يزعم أن الميت خلف ابنين وثلاث نسوة فللنسوة الثمن بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي ، وهو سبعة بين الابنين لا يستقيم فيضرب اثنين في ثلاثة فتكون ستة ، ثم ثمانية في ستة فتكون ثمانية وأربعين للنسوة الثمن من ذلك ستة لكل واحدة سهمان ولكل ابن أحد وعشرون إلا أنه دفع إلى الأولى تسع ما في يده والذي في يده كان أربعة وعشرين وتسعاه خمسة وثلث سهمان من ذلك حقها بزعمه وثلاثة وثلث أعطاها زيادة على حقها وما أعطاها زيادة من حق الأخرتين لا يكون مضمونا عليه ؛ لأنه دفع ذلك بقضاء القاضي ولكنه ما أعطاها من حقه يكون محسوبا من نصبيه فإذا تأملت ذلك كان ما أعطى من نصيبه سهما وثلاثة أخماس سهم وخمسي خمس سهم ، وقد كان نصيبه أحدا وعشرين إذا انتقص منه هذا القدر من حقه بقي تسعة عشر سهما وخمس وثلاثة أخماس خمس وحق المتفق عليها سهمان ولكن أحدهما في يد الابن الآخر ، وهو مصدق بها فإنما تضرب هي بسهم فيما بقي في يد المقر ، وهو مقدار حقه فتكون الجملة عشرين سهما وخمس سهم وثلاثة أخماس خمس سهم فلهذا أخذت سهما من ذلك قال الحاكم رحمه الله . وهذا الجواب غير سديد على الأصل المذكور في هذا الباب ؛ لأنه حذف في هذه القسمة نصيب امرأتين ، وكان صوابه أن يحذف نصيب المرأة التي أخذت نصيبها بقضاء القاضي ويقسم ما بقي في يده على نصيبه ونصيب المرأتين الباقيتين فيعطي المجمع عليها سهما من اثنين وعشرين سهما وأربعة أخماس خمس سهم ، وقد فحصت في أصل التخريج والأصل جميعا ولم يتضح لي ذلك بالتأمل وعسى يتضح إذا تيسر وصولي إلى كتبي أو أصيب وقت فراغ خاطري فإذا أخذت ذلك من المقر بهن فضممته إلى ما في يد الذي صدقه بها فاقتسماه على تسعة أسهم ؛ لأن بزعمه أن الميت خلف ابنين وامرأة وأن القسمة من ستة عشر للمرأة سهم ولكل ابن سبعة فيقسم ما في أيديهما بينهما على تسعة باعتبار زعمهما ويقاسم المقر بهن المرأة المجحودة ما بقي في يده على ثلاثة وعشرين سهما لأن باعتبار زعمهما أن القسمة من ثمانية وأربعين وأن لها سهمين وله أحد وعشرون سهما فيقسم ما بقي في يده على اعتبار زعمهما على ثلاثة وعشرين لها سهمان وله أحد وعشرون سهما ، وفي هذا أيضا بعض شبهة باعتبار ما ذكرنا أن ما دفع إلى الأول من نصيبه محسوب عليه حتى ينتقص ذلك
[ 79 ]
القدر من نصيبه ولم يعتبر ذلك بالقسمة مع المجحودة. ولو ترك أخوين فأقر أحدهما بابنتين للميت وصدقه أخوه في أحديهما فإن المتفق عليها منهما تأخذ من المقر بها ثلث ما في يده ؛ لأن بزعمه أن الميت خلف ابنتين وأخوين فللابنتين الثلثان والباقي بين الأخوين نصفين ، فأما أن يقول هو قد أقر لهذه بثلث التركة ، وفي يده جزء من التركة فيعطيها نصف ذلك أو يقول قد أقر أن حقه مثل نصف حقها ؛ لأنه يقول حقها ثلث التركة ويبقى نصف الثلث فلهذا أخذت ثلث ما في يده ، ثم ضم ذلك إلى ما في يد الآخر واقتسماه أثلاثا ؛ لأن الآخر يزعم أن الميت خلف بنتا وأخوين فلها النصف والباقي بين الأخوين نصفين لكل واحد منهما الربع فحقه مثل نصف حقها فلهذا اقتسما ما وصل إليهما أثلاثا لها سهمان وله سهم وتقاسم الأخرى المقر بهما ما بقي في يده أثلاثا لأنه زعم أن لها الثلث وله السدس فيقسم ما بقي بينهما على هذا لها سهمان وله سهم ولو كان أقر بثلاث بنات وصدقه أخوه في واحدة منهن فإن المتفق عليها تأخذ من المقر بهن تسعي ما في يده ؛ لأن بزعمه أن الميت خلف ثلاث بنات وأخوين فيكون للبنات الثلثان بينهن أثلاثا والباقي بين الأخوين نصفين فيحتاج إلى حساب ينقسم ثلثاه أثلاثا وثلثه نصفين وأقل ذلك ثمانية عشر للبنات اثنا عشر لكل واحدة منهن أربعة فهو إنما أقر للمتفق عليها بأربعة من ثمانية عشر وذلك تسعا التركة ، وفي يده جزء من التركة فيعطيها تسعي ما في يده لهذا فيضمه إلى ما في يد المصدق بها ويقاسمه أثلاثا ؛ لأن بزعمه أن لها نصف التركة وله الربع ، ثم يقاسم المقر بهن الباقيتين ما بقي في يده على أحد عشر سهما لها ثمانية وله ثلاثة ؛ لأن بزعمه القسمة من ثمانية عشر ولكل واحدة منهما أربعة وله ثلاثة فيقسم ما في يده بينهم على أحد عشر سهما لهذا قال في الأصل ، وهذا كله إذا كان قد دفع إلى الأول شيئا أو لم يدفع حتى اختصموا ، ثم دفع بقضاء ، وكان ذلك إقرارا من الورثة ولم تكن شهادة ؛ لأنه إذا شهد شاهدان من الورثة لآخر أنه وارث ثبت نسبه وصار وارثا ودخل على القوم جميعا إذا لم يكونوا دفعوا شيئا حتى شهدوا ؛ لأنه لا تهمة في شهادتهم بل عليهم ضرر في ذلك ، وإن كانا قد دفعا من حصتهما نصيب الوارث ، ثم جاءا بشاهدين لا تقبل شهادتهما لتمكن الشبهة فيهما ، فأما في حق الواحد الإقرار والشهادة سواء ؛ لأن الحجة لا تتم بشهادة الواحد. ولو ترك ابنين وامرأة فأقر أحد الابنين بامرأة أخرى وكذبه الأخ فيها والمرأة المعروفة فإنه يقاسمها ما في يده على ثمانية ؛ لأن القسمة بزعمه من ستة عشر لكل امرأة سهم ولكل ابن سبعة فإن دفع ثمن ما في
[ 80 ]
يده إليها بقضاء أو بغير قضاء ، ثم أقر بامرأة أخرى فصدقته المرأة المعروفة بذلك فإن المقر بها أخيرا تأخذ نصف ما في يد المرأة المعروفة ولا تدخل في نصيب الابن ؛ لأن ميراث النساء في يد المعروفة والابن إنما أقر أن حصتها في يد المعروفة وهي قد صدقته في ذلك فلهذا لا تأخذ مما بقي في الابن شيئا بخلاف الأولى فإن المعروفة هناك كذبت بها فلا يصل إليها نصيبها مما في يد المعروفة فلا بد أن تدخل مع المقر فيما في يده ؛ لأن ما في يده جزء من التركة ، وكان حقها في التركة . وعلى هذا لو ترك ابنا وامرأة ، ثم أقر الابن بامرأة وصدقته المعروفة فإنها تأخذ نصف ما في يد المعروفة ولا سبيل لها على ما في يد الابن. ولو ترك ابنين وامرأة فأقر أحد الابنين بامرأتين معا وصدقته المعروفة في أحديهما وكذبته في الأخرى فإن المعروفة تقاسم التي أقرت بها ما في يدها نصفين ؛ لأن ميراث النساء في يدها ، وقد صدقت بهذه وزعمت أن حقهما سواء ويقاسم الابن المرأة الباقية ما في يده على ثلاثة وعشرين سهما ؛ لأن القسمة بزعمه من ثمانية وأربعين لكل امرأة سهمان ولكل ابن أحد وعشرون فهو يضرب في الباقي بأحد وعشرين وهي بسهمين فيكون بينهما على ثلاثة وعشرين سهما لها من ذلك سهمان وله أحد وعشرون . ولو ترك ابنا وامرأة فأقرت المرأة بابن وصدقها الابن المعروف في ذلك فإن المقر به يقاسم المعروف ما في يده نصفين ؛ لأن ميراث البنين في يده والذي في يد المرأة ميراث النساء ولا حظ للبنين في ذلك ، وإن أقرت بابنين وصدقها المعروف في أحدهما فإن المتفق عليه لا يدخل في نصيب المرأة لما بينا والابن الآخر يقاسم المرأة ما في يدها على عشرة ؛ لأن القسمة بزعمها من أربعة وعشرين لها ثلاثة لكل ابن سبعة. ولو ترك ابنا وامرأة فأقر الابن بثلاث نسوة وصدقته المعروفة في امرأتين منهن كان المعروفة تقاسم هاتين ما في يدها أثلاثا ؛ لأن ميراث النساء في يدها ، وقد أقرت بهاتين بالزوجية فإن حقهما مثل حقها ويقاسم الابن المرأة الباقية ما في يده على تسعة وعشرين سهما ؛ لأن القسمة بزعمه من اثنين وثلاثين للنسوة الثمن أربعة ولكل واحدة منهن سهم وللابن ثمانية وعشرين فهي تدخل معه فيما في يده فتضرب بسهم ، وهو بثمانية وعشرين فإن تصادق النسوة كلهن فيما بينهن فإنهن يدخلن مع المعروفة فيما في يدها فيقسم ذلك بينهن أرباعا ؛ لأن ميراث النساء في يدها ، وقد أقرت لهن بالزوجية ولو كانت المرأة هي التي أقرت بثلاثة بنين فصدقها الابن في أحدهم فالذي صدق الابن به يقاسمه ما في يده نصفين ويقسم ما في يد المرأة على ثمانية عشر لها أربعة ولكل ابن سبعة
[ 81 ]
لأن القسمة بزعمها من اثنين وثلاثين فإن الميت خلف أربعة بنين وامرأة فيكون للمرأة الثمن أربعة ولكل ابن سبعة فما في يدها يقسم بينها وبين الابنين المجحودين على مقدار حقهم ولو صدقها الابن فيهم جميعا دخلوا معه في نصيبه فيقتسمون ذلك أرباعا ولم يأخذوا من المرأة شيئا ؛ لأن نصيب الأولاد في يد الابن المعروف ، وقد صدقهم فهم بمنزلة أولاد معروفين للميت. وإن أقر أحد الورثة بوارث ، ثم أنكره ، ثم أقر بآخر لم يصدق على الذي أقر به أولا في إبطال حقه ؛ لأن رجوعه عن إقراره بعد صحة الإقرار لا يصح فإن المقر لا يملك الرجوع بعد الإقرار ويكون الآخر على حقه فيما في يده على ما وصفنا أن لو لم يكن أنكر الأول ، وبيان هذا الأصل رجل مات وترك ابنين فأقر أحدهما بأخ ، ثم أنكره ، ثم أقر بأخ فإن الأول يأخذ نصف ما في يده ؛ لأن بالكلام الأول أقر بأن حقهما في التركة على السواء فيضم ما في يده فيقتسمانه بينهما نصفين ، ثم يأخذ الآخر نصف ما في يده ؛ لأنه بالكلام الآخر أقر أن حقهما في التركة سواء فما بقي في يده يقسم بينهما نصفان فإن قيل لماذا لم يجعل إنكاره حجة عليه حتى يكون هو مستهلكا نصف ما في يده كما لو لم يكن أنكر حقه بعد الإقرار ويأخذ الآخر نصف ما في يده عند الإقرار للأول ، وهو جميع ما بقي في يده ؛ لأن ذلك يكون محسوبا عليه من نصيبه قلنا ؛ لأنه بالإقرار ما صار مستهلكا شيئا ، وإنما يكون الاستهلاك بالدفع ، وهو يجبر على ذلك بالحكم فلا يكون ذلك محسوبا. ولو ترك الميت أخاه فأقر بأن للميت ابنا ، ثم أنكره ، ثم قال : لا بل فلان ابنه فإن الأول يأخذ جميع ما في يده ولا شيء للآخر ؛ لأنه صار مقرا للأول بجميع ما في يده ، ثم إنكاره رجوع فيكون باطلا ولا شيء للآخر ؛ لأنه دفع إلى الأول جميع ما في يده بقضاء القاضي فلا يصير ضامنا للآخر شيئا ولو كان الإقرار منه بعد الدفع بغير قضاء قاض كان ضامنا للثاني جميع ما دفع إلى الأول ؛ لأنه دفعه باختياره وحين أنكره فقد زعم أنه لم يكن له في التركة حق ، وإنما كانت التركة للباقي ، وقد استهلكها عليه بالدفع إلى غير المستحق باختياره. رجل مات وترك دارا وابنا ، ثم مات الابن وترك ابنين فأقر أحدهما بابن للميت الأول أعطاه ثلثي ما في يده ؛ لأنه زعم أن الميت الأول خلف ابنين وأن نصف تركته للمقر به والنصف الآخر بينه وبين أخيه نصفين بالميراث من أبيهما فحقه مثل نصف حق المقر به بزعمه فلهذا يعطيه ثلثي ما في يده ، وإن كان الابن حين مات ترك ابنتين فأقرت إحداهما بابن للميت الأول أعطته أربعة أخماس ما في يدها ؛ لأنها زعمت أن للمقر به النصف بالميراث من أبيه
[ 82 ]
وأن النصف الباقي قد صار أثلاثا بموت أبيها للابنتين الثلثان وللأخ ما بقي فإذا بزعمها لها سدس الدار وللمقر به أربعة أسداس فيقسم ما في يدها بينهما على ذلك أخماسا. ولو ترك ابنين من أم ولد له وترك دارا ، ثم مات أحدهما وترك ابنا وترك عبدا سوى نصيبه من الدار ، ثم إن عم الجارية أقر بأخ لأب فإنه يعطيه نصف ما وصل إليه من الدار ولا يعطيه مما ورث من العبد شيئا أما لا يعطيه من العبد شيئا ؛ لأن حصته من العبد ميراث من أخيه وبزعمه أن أخاه مات عن ابنه وأخ لأب وأم وأخ لأب ولا شيء للأخ لأب مع الأخ لأب وأم . وأما الدار فهي ميراث من ابنه ، وهو يزعم أن المقر به مساو له فيما ورث من أبيه فلهذا يعطيه نصف ما وصل إليه من الدار ، قالوا : وهذا غير صحيح ؛ لأن الواصل إليه في الحاصل ثلاثة أرباع الدار نصفه بالميراث من أبيه والربع بالميراث من أخيه وحق المقر به بزعمه في ثلث الدار فلا معنى لقوله يعطيه نصف ما وصل إليه من الدار إلا أن يكون مراده نصف ما وصل إليه بالميراث من أبيه ، وهو محتمل أيضا ؛ لأن بعض ما وصل إليه بالميراث من أخيه وذلك سدس الدار فهو يزعم أن رد ذلك كان مستحقا على أخيه وأنه أخذه بذلك الطريق فيثبت حق المقر به في ذلك الجزء فلا وجه سوى أن يقال موضوع المسألة فيما إذا خلف أحد الابنين ابنتين فحينئذ العائد إلى الأخ ثلث النصف فيجتمع في يده ثلث الدار فيؤمر بتسليم نصف ذلك إلى المقر به لإقراره أن ثلث الدار له إرث عن أبيه ولو أقر بأخ لأب وأم قاسمه ما وصل إليه من الدار والعبد نصفين لأن بزعمه أن المقر به مساو له في التركتين جميعا فما وصل إليه من التركتين يكون بينهما نصفين. ولو مات وترك ابنين ، ثم مات أحدهما وترك ابنة فأقر الثاني بامرأة للميت وأنها أمهما وأنكرت الابنة ذلك فإنه يعطيها مما في يده تسعة عشر سهما من خمسة وسبعين ؛ لأن فريضة الأول بزعمه من ستة عشر للمرأة سهمان ولكل ابن سبعة ، ثم مات أحد الابنين وترك أما وابنة وأخا فتكون هذه الفريضة من ستة ونصيبه من التركة الأولى سبعة وقسمة سبعة على ستة لا يستقيم فبضرب ستة عشر في ستة فيكون ستة وتسعين كان للأم من التركة الأولى سهمان ضربتهما في ستة فذلك اثني عشر ولكل ابن اثنان وأربعون ، ثم للأم من التركة الثانية السدس ، وهو سبعة فإذا ضممت سبعة إلى اثني عشر تكون تسعة عشر وللمقر من التركة الأولى اثنان وأربعون ومن التركة الثانية أربعة عشر فيكون ذلك ستة وخمسين فإذا جمعت بينهما كان خمسة وسبعين فلهذا يعطيها مما في يدها تسعة عشر سهما
[ 83 ]
من خمسة وسبعين. رجل مات ترك ابنين وألفي درهم فأخذ كل واحد منهما ألفا ، ثم مات أحدهما وترك مائة درهم والأخ وارثه وهما أخوان لأب وأم ، ثم إن الثاني أقر بأخ لأب فإنه يقاسمه هذه الألف ومائة درهم نصفين ؛ لأنه زعم أن حق الميت الثاني كان في ثلثي الألف وأن ما أخذه زيادة على حقه كان مستحق الرد عليه ، وإنما استوفى ذلك من تركته قضاء مما كان مستحقا عليه فيكون ذلك كله تركة للميت الأول ، وقد زعم أن هذا المقر به مساو له في تركته فلهذا قاسمه ما في يده نصفين . وكذلك لو كان ترك أكثر من مائة درهم إلى ثلاثة آلاف فإن كان ترك أكثر من ثلاثة آلاف أخذ من ذلك ثلث الألف وأخذ من المقر ثلث الألف الذي كان في يده ولا حق له فيما بقي ؛ لأن المقر زعم أن حق المقر به في ثلث كل ألف ، وأن ذلك دين له على الميت الثاني فيأخذ ذلك القدر من تركته ، ثم ما بقي من ميراث الميت الثاني ، وقد ترك أخا لأب وأم وأخا لأب فيكون الميراث كله للأخ لأب وأم. ولو أن رجلا في يده ألف درهم ورثها عن أبيه ، وهو مجهول النسب فأقر بأخ له من أبيه ، فقال المقر به : أقررت أن هذا الألف تركها أبي وأنك تزعم أنك ابنه ولست ابنه فادفعها إلي فالقول قول الذي في يده الألف وللمقر به نصفها ؛ لأنه كان مستحقا لما بيده ، وإنما أقر للمقر به بنصفها ولا يأخذ أكثر من ذلك إلا أن يقيم البينة على نسبه فحينئذ يأخذ الجميع ؛ لأنه أثبت سبب استحقاقه بالبينة وليس للآخر سبب مثله فلا يزاحمه ، وفي الأول سبب استحقاقه بإقرار ذي اليد ، وهو ما أقر له إلا بالنصف وصحة إقرار ذي اليد باعتبار كونه وارثا للميت قال : كذلك كل وارث ما خلا الزوج والمرأة إذا أقر أحدهما بوارث من جهة القرابة وأنكره المقر له أخذ جميع ما في يده إلا أن يقيم البينة على الزوجية ، وقد بينا هذا الفرق وما في المسألة من اختلاف الرويات في كتاب العين والدين. رجل مات وترك أخاه لأبيه وأخاه لأمه فاقتسما المال ، ثم ادعى رجل أنه أخو الميت لأبيه وأمه ، فقال الأخ من الأب أنت أخي لأبي وأمي ، وقال الأخ من الأم أنت أخي لأبي وأمي فإن المقر به يقاسم الأخ من الأب بما في يده نصفين ؛ لأنه أقر أنه أخو الميت لأب مساو له في التركة والمقر له صدقه في ذلك وادعى زيادة عليه فيقاسمه ما في يده نصفين ، وفي يده خمسة أسداس التركة فقد وصل إلى المقر به سدسان ونصف سدس ولا يدخل في نصيب الأخ من الأم ؛ لأن الأخ من الأم يزعم أنه مثله أخ لأم وأن نصيبه من التركة السدس ، وقد وصل إليه أكثر من ذلك فلهذا لا يزاحمه بشيء مما في يده ولو قال الأخ
[ 84 ]
من الأم أنت أخي لأبي وأمي وأنكره الأخ من الأب فإنه يقاسم الأخ من الأم ما في يده نصفين لإقراره أنه مساو له في تركة الميت ولم يصل إليه شيء من التركة فيعطيه المقر نصف ما في يده ولو قال الأخ من الأم أنت أخو الميت لأبيه وأمه كما قلت وقال الأخ لأب أنت أخي لأبي وأمي فإن المقر به يقاسم الأخ لأب ما في يده نصفين لما قلنا ، ثم يضم ذلك النصف إلى ما في يد الأخ من الأم فيقتسمان ذلك على ستة للأخ من الأم سهم وللمقر به خمسة ؛ لأن في زعم الأخ من الأم أن الميت خلف ثلاثة إخوة متفرقين فيكون للأخ لأم السدس والباقي للأخ لأب وأم ولا شيء للأخ لأب فإنما أخذ هو ما أخذ ظلما فيجعل ذلك كالتاوي ، وإنما حاصل التركة ما في أيديهما فيقسم بينهما أسداسا باعتبار زعمهما ولو كان صدقه الأخ من الأب فإنه يأخذ جميع ما في يد الأخ لأب ؛ لأن المستحق بالعصوبة ما في يده ، وقد أقر أنه مقدم عليه في الاستحقاق بالعصوبة ولا يدخل في نصيب الأخ من الأم سواء أقر له بذلك أو أنكره ؛ لأن ما ادعى من الأخوة لو كان ظاهرا كان السدس سالما بالفرضية للأخ لأم وليس في يده أكثر من ذلك ولو قال الأخ لأم أنت أخو الميت لأبيه وكذبه الأخ لأب فإنه يقسم ما في يد الأخ لأم على سبعة ؛ لأن بزعمه أن الميت خلف أخا لأم وأخوين لأب فتكون القسمة من اثني عشر للأخ لأم سهمان وللأخ من الأب خمسة فيضرب المقر به فيما في يده بخمسة والمقر بسهمين فيكون ذلك بينهما أسباعا. ولو ادعى رجلان أنهما أخو الميت لأبيه وأمه ، فقال الأخ لأب لأحدهما أنت أخي لأبي وأمي وكذب الآخر وقال الأخ لأم للآخر أنت أخي لأبي وأمي وكذب المقر بهما فيما بينهما فالذي أقر به الأخ لأب يأخذ منه نصف ما في يده لإقراره أنه مساو له في التركة والذي أقر به الأخ لأم يأخذ أيضا منه نصف ما في يده لإقراره أنه مساويه في التركة ولا يرجع أحدهما على الآخر بشيء ؛ لأن كل واحد منهما مكذب لصاحبه إلى أن يتصادق المقر بهما فحينئذ يقتسمان ما أخذ بينهما نصفين باعتبار تصادقهما ولو قال الأخ لأب لأحدهما أنت أخ الميت لأبيه وأمه كما قلت وكذب الآخر وقال الأخ لأم للآخر أنت أخ الميت لأبيه كما قلت وكذب بالذي أقر به الأخ لأب وكذب المقر بهما فيما بينهما فإن الذي أقر به الأخ من الأب يأخذ منه جميع ما في يده لإقراره أنه مقدم عليه فيما هو مستحق بالعصوبة ويقاسم الذي أقر به الأخ من الأم ما في يد الأخ من الأم على ستة لإقراره أن له خمسة أسداس التركة وللمقر السدس ، وفي يده جزء من التركة فيقاسمه
[ 85 ]
ما في يده أسداسا ، وإن تصادق المقر بهما بعضهما ببعض أخذ الذي أقر به الأخ لأب منه جميع ما في يده وقاسم ذلك الآخر نصفين ولا يرجع في نصيب الأخ لأم بشيء ؛ لأنه قد استوفى جميع حصته من الميراث بزعمه ( ألا ترى ) أنها لو قامت بينة بذلك أخذا جميعا ما في يد الأخ لأب ولو لم يكن لهما سبيل على ما في يد الأخ لأم ولو قال الأخ لأب لأحدهما أنت أخي لأبي وأمي وقال الآخر أنت أخي لأم وخرج الكلام منهما معا وصدقه الأخ لأم في الذي أقر أنه أخ لأم فالذي أقر به الأخ من الأم يأخذ من الأخ لأب السدس من جميع المال ؛ لأنه يزعم أن الميت خلف أخوين لأم وأخوين لأب فيكون للأخوين لأم الثلث لكل واحد منهما السدس ، وقد أخذ المعروف منهما السدس فيأخذ هذا المقر به سدسا آخر ولا يدخل في نصيب الأخ من الأم بشيء ، ثم ما بقي في يد الأخ لأب يقسم بينه وبين الآخر الذي أقر له بالأخوة لأب نصفين ولو كان الأخ لأب أقر بأخ من أبيه فرفع إليه نصف ما في يده بقضاء أو بغير قضاء ، ثم أقر بأخ لأم وصدقه فيه الأخ لأم . فإن كان دفع النصف إلى الأول بقضاء قاض فإن المقر به الآخر يأخذ ثلث ما بقي في يده ؛ لأنه يزعم أن لهذا المقر به سدس التركة وأن له ثلث التركة وللمقر به الأول الثلث ، وقد دفع إلى الأول زيادة على حقه بقضاء القاضي فلا يكون ضامنا لذلك ولكن يقسم ما بقي في يده بينه وبين المقر به على مقدار حقهما فإذا أخذ ثلث ما في يده ضمه إلى ما في يد الأخ لأم فيقتسمان ذلك نصفين ؛ لأن تصادقهما أن حقهما في التركة سواء ، وإن كان دفع إلى الأول بغير قضاء أخذ منه خمس ما في يده ، وهو سدس جميع المال ولا يدخل في نصيب الأخ لأم ؛ لأن الأخ لأب قد أقر له بسدس كامل وما دفعه إلى الأول بغير قضاء محسوب عليه من نصيبه فيجعل ذلك كالقائم في يده فلهذا يعطيه كمال نصيبه بزعمه. . وإن ترك الرجل أخا لأم وأختا لأب وعما فاقتسموا التركة وأخذت الأخت لأب النصف والأخت لأم السدس والعم ما بقي فادعت امرأة أنها أخت الميت لأب وأم ، فقالت الأخت من الأم أنت أختي لأبي وأمي وقالت الأخت لأب أنت أختي لأبي وأمي وكذبهما العم فالمقر بها تأخذ نصف ما في يد الأخت لأب ولا يدخل في نصيب الأخت لأم لأن الأخت لأب أقرت أنها تساويها في تركة الميت فتأخذ نصف ما في يدها والأخت لأم زعمت أن نصيبها سدس التركة ، وقد وصل إليها الربع فكيف يدخل في نصيبها سدس التركة ولو كذبتها الأخت من الأب مع العم قسم ما في يد الأخت من الأم
[ 86 ]
بينهما نصفين لإقرارها أنها تساويها في سبب الاستحقاق ولم يصل إليها شيء من التركة ولو قالت الأخت من الأم أنت أخت الميت لأبيه وأمه وكذبت الأخرتان بها قسم ما في يد الأخت لأم على أربعة ؛ لأنها تزعم أن لها النصف من التركة ثلاثة من ستة فتضرب هي فيما في يد الأخت لأب بثلاثة والأخت لأم بسهم فإن صدقت الأخت من الأب بما قالت الأخت من الأم قسم ما في يد الأخت من الأب وما في يد الأخت من الأم على خمسة ثلاثة أسهم للمقر بها وسهم للأخت من الأب وسهم للأخت من الأم ؛ لأنهم تصادقوا فيما بينهم على أن نصيب كل واحدة منهن من التركة هذا المقدار ولو لم يقر بها واحدة منهما ولكن العم أقر بأخت للميت لأب وأم قسم ما في يد العم على أربعة ؛ لأن العم يزعم أن حقها في نصف التركة ثلاثة وحقه في سهم فإنما تضرب هي بثلاثة والعم بسهم. ولو ترك أباه وأمه فأقرت الأم بأخوين للميت وكذبها الأب في ذلك فالفريضة من ستة للأم السدس وللأب الثلثان ويوقف السدس الباقي في يد الأم ؛ لأنها أقرت أن هذا السدس للأب دونها فإن الأخوين يحجبانها من الثلث إلى السدس والأب كذبها في هذا الإقرار وزعم أن الثلث لها فيبقى موقوفا في يدها إلى أن يصدقها الأب ولا شيء للأخوين ؛ لأنهما لو كانا معروفين ما استحقا شيئا مع الأب . وكذلك إن صدقها الأب في أحدهما لم تأخذ السدس حتى يصدقها فيهما ؛ لأن الأخ الواحد لا يحجب الأم من الثلث إلى السدس فإذا صدقها فيهما أخذ سدس الباقي لأنها أقرت له بذلك بسبب لا يحتمل الفسخ فلا يبطل بتكذيبه وتصديقه إياها في الانتهاء كتصديقه إياها في الابتداء. ولو ترك ابنته وأخاه لأبيه وأمه وامرأته فأقرت الابنة بامرأة للميت فإن صدقتها المعروفة في ذلك فالمقر بها تقاسم المعروفة ما في يدها نصفين ولا تدخل في نصيب الابنة ؛ لأن ميراث النساء في يد المعروفة ، وقد أقرت بها ، وإن كذبتها المعروفة قسم ما في يد الابنة على سبعة وعشرين سهما ؛ لأن بزعم الابنة أن الفريضة من ثمانية للمرأتين الثمن بينهما نصفين لا يستقيم فتكون القسمة من ستة عشر للابنة من ذلك ثمانية ولكل امرأة سهم فالابنة تضرب فيما في يدها بثمانية والمقر بها بسهم فتكون القسمة على تسعة ، وفي الكتاب خرجه من ثلاثة أمثاله فأعطى المقر بها ثلاثة من سبعة وعشرين ولا فرق بين سهم من تسعة وبين ثلاثة من سبعة وعشرين ولو كانت المرأة المعروفة هي التي أقرت بابنة للميت فصدقتها الابنة المعروفة جمع ما في يد الابنة وما في يد المرأة المعروفة فاقتسموا ذلك على تسعة عشر سهما ؛ لأنهما اتفقا على
[ 87 ]
أن القسمة من أربعة وعشرين للابنتين الثلثان ستة عشر وللمرأة الثمن ثلاثة فيقسم ما في أيديهما على ما اتفقا عليه ولا يقال عند تصديق الابنة ينبغي أن لا تدخل المقر بها في نصيب المرأة كما في المسألة الأولى ، وهذا لأن جميع ميراث النساء هناك كان في يد المعروفة وهنا لم يحصل في يد الابنة المعروفة ميراث الابنتين لأن في يدها النصف وميراث الابنتين الثلثان ولو كذبتها الابنة المعروفة قسم ما في يد المرأة على أحد عشر سهما ؛ لأنها تضرب بثلاثة والمقر بها بثمانية كما أقرت لها به ، وإن صدقها الأخ جمع ما في يد الأخ وما في يد المرأة فيقتسمون ذلك على ستة عشر سهما ؛ لأن بزعمهما أن للمرأة ثلاثة وللمقر بهما ثمانية وللأخ خمسة فيقسم ما في يديهما على هذا باعتبار زعمهما فلو لم تقر المرأة بها ولكن الأخ أقر بها فإنه يقسم ما في يد الأخ على ثلاثة عشر سهما ؛ لأن بزعم الأخ لها ثمانية وله خمسة. ولو ترك ابنا فأقر بأخ ودفع إليه نصف ما في يده ، ثم إن المقر به أقر بأخ وكذبه الابن المعروف في ذلك فإن المقر به يأخذ نصف ما في يد المقر به الأول ؛ لأنه صار أحق بما وصل إليه بإقرار الابن المعروف ، وقد زعم أن المقر به الثاني مساو له في ذلك فإن دفع إليه بقضاء أو بغير قضاء ، ثم أقر بأخ له آخر وصدقه فيه الابن المعروف وكذب المقر بهما بعضهما بعضا فإن كان الأخ المقر دفع نصف ما في يده إلى الأول بقضاء أخذ المقر به الآخر منه خمس ما بقي في يده لأنه لا ضمان عليه في شيء مما دفعه إلى الأول بقضاء القاضي يبقى ما في يده ، وهو يزعم أن حقه في سهم من أربعة ونصف ذلك في يده ونصفه في يد أخيه ، وهو مقر له بذلك والباقي ، وهو ثلاثة بين المقر بهما الأولين نصفين لكل واحد منهما سهم ونصف فانكسر بالإنصاف فأضعفه فيكون خمسة فلهذا يأخذ ثلثي ما بقي فإنما يضرب هو فيما في يده بسهم من أربعة والمقر بسهم ونصف فانكسر بالإنصاف فأضعفه فيكون خمسة فلهذا يأخذ خمسي ما بقي في يده فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقتسمان ذلك نصفين لتصادقهما على أن حقهما في التركة سواء ، وإن كان دفع بغير قضاء أخذ منه المقر به الآخر ربع ما كان في يده ؛ لأنه أقر أن له الربع من كل جزء من التركة فإن الميت بزعمه خلف أربعة بنين وما دفعه بغير قضاء محسوب عليه فيجعل كالقائم في يده فيدفع إلى المقر به الآخر جميع حقه ، وهو ربع ما كان في يده فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقتسمان ذلك نصفين فإن تصادق المقر بهما فيما بينهما أخذ المقر به الأخر ثلث ما بقي في يد الابن المعروف ؛ لأنه يزعم أن الميت خلف ثلاثة بنين وأن حق هذا المقر به الآخر في ثلث التركة ، وفي يده جزء من
[ 88 ]
التركة فيدفع ثلث ذلك فيضمه إلى ما في يد المقر به الأول فيقتسمونه أثلاثا لتصادقهم على أن حقهم في التركة سواء ، والله أعلم. باب الإقرار بعد قسم الميراث ( قال رضي الله عنه ) وإذا مات الرجل وترك ابنين وترك عبدين أو عبدا ودارا وأخذ كل واحد منهما أحدهما ، ثم أقر أحدهما بآخر وكذبه الآخر فإنه يعطيه ثلث ما في يده وربع قيمة ما صار لصاحبه ؛ لأن المقر يزعم أن الميت خلف ثلاثة بنين وأن حق المقر به في ثلث التركة ، وفي يده جزء من التركة فيعطيه ثلث ذلك وما أخذه أخوه كان في يدهما في الأصل نصفه في يد الآخر فلا يضمن المقر شيئا من ذلك للمقر به ونصفه كان في يده سلمه لأخيه فيغرم للمقر به حصته من ذلك وحصته نصف ذلك النصف ليستوي به في التركة بزعمه فلهذا يغرم له ربع قيمة ما صار لأخيه ولو أقر أحدهما بأخت وكذبه الآخر أعطاها خمس ما في يده وخمس قيمة ما صار لصاحبه ؛ لأن للميت بزعمه ابنين وابنة فحقها في خمس التركة فيعطيها خمس ما في يده لأن النصف الذي دفعه إلى أخيه لو كان في يده كان حقها في ثلث ذلك ؛ لأن حق المقر ضعف حق المقر به ، وإنما يغرم لها ثلث النصف وذلك سدس الكل ولو أقر بأخ وأخت وكذبه الآخر فيهما وتكاذب فيما بينهما فإنه يعطي الأخت سبع ما بقي في يده وعشر قيمة ما صار لصاحبه ؛ لأن للميت بزعمه ثلاثة بنين وابنة فيكون نصيب الابنة سهما من سبعة فيعطيها سبع ما في يده وعشر قيمة ما صار لصاحبه ؛ لأن النصف الذي دفعه لصاحبه من ذلك لو كان في يده كان يعطيها خمس ذلك النصف فإن ذلك النصف يقسم بين المقر والأخ المقر به والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين فيكون حقها في خمس ذلك وخمس النصف عشر الجميع ويعطي الأخ مثل ذلك ؛ لأن نصيب الأخ بزعمه سهمان من سبعة فيعطيه سبعي ما في يده وخمس قيمة ما صار لأخيه ؛ لأن حقه بزعمه في خمس نصف ذلك ولو كان أقر بأختين معا فإنه يعطي كل واحدة منهما سدس ما في يده ؛ لأن للميت بزعمه ابنين وابنتين فنصيب كل واحدة من الابنتين سدس التركة فيعطي لكل واحدة منهما سدس ما في يده وثمن قيمة ما صار لصاحبه ؛ لأن النصف الذي سلمه إلى صاحبه لو كان في يده كان يعطي كل واحدة منهما ربع ذلك فإن ذلك النصف بين المقر والمقر بهما للذكر مثل حظ الأنثيين فإنما يغرم لكل واحدة منهما ربع ما في يده في الحكم وذلك النصف وربع النصف ثمن الكل . ولو أقر بأخوين معا فإنه يعطي لكل واحد منهما ربع ما في يده ؛ لأن النصف الذي كان في يده من ذلك لو لم يدفعه إلى صاحبه لكان يقسم ذلك بينهم أثلاثا لاستواء حقهم في التركة فإنما يغرم لكل واحد منهما ثلث النصف ، وهو سدس الجميع. ولو ترك ابنين وابنة وعبدين ودارا فاقتسموا فأخذت الابنة عبدا وأخذ أحد الابنين عبدا والآخر الدار فأقرت الابنة بأخ أعطته سبعي ما في يدها وقيمة جزء من خمسة عشر جزءا مما صار لكل واحد من الأخوين لأن للميت بزعمها ثلاثة بنين وابنة فتكون القسمة بينهم على سبعة لكل ابن سهمان فلهذا أعطته سبعي ما في يدها ، وقد كان في يدها مما وصل إلى كل واحد من الأخوين الخمس باعتبار نصيبهم في التركة فذلك الخمس لو كان في يدها لكان بينها وبين المقر به أثلاثا وظهر أن حق المقر به في ثلثي خمس ما صار لكل واحد منهما وذلك جزءان من خمسة عشر جزءا فإن خمس خمسة عشر جزءا ثلاثة وثلثاه جزءان فلهذا تغرم للمقر به جزأين من خمسة عشر مما صار في يد كل واحد من الأخوين ولو كانت أقرت بأخت أعطتها سدس ما في يدها وعشر قيمة ما صار لكل واحد من الأخوين ؛ لأن للميت بزعمها ابنين وابنتين فتكون القسمة من ستة لكل ابن سهمان ولكل ابنة سهم فلهذا أعطتها ثلث ما في يدها ، وكان في يدها مما وصل إلى كل واحد من الأخوين الخمس ، وكان ذلك بينها وبين الأخت المقر بها نصفين وخمس النصف عشر الجميع فلهذا تغرم لها عشر ما صار لكل واحد منهما ولو أقرت بأخ وأخت فإنها تعطي الأخ ربع ما في يدها وعشر قيمة ما صار لكل واحد من الأخوين ؛ لأنه كان في يدها خمس ما صار لكل واحد من الأخوين فكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أرباعا نصف ذلك للأخ والربع لكل أخت ونصف الخمس عشر الجميع فلهذا تغرم عشر قيمة ما صار للأخوين وتعطى الأخت مثل نصف ذلك ؛ لأن حقها مثل نصف الأخ . ولو أقرت بأخوين معا أعطت كل واحد منهما تسعي ما في يدها ؛ لأن للميت بزعمها أربعة بنين وابنة فتكون القسمة من تسعة لكل ابن سهمان فلهذا تعطي كل واحد منهما تسعي ما في يدها وقيمة جزأين من خمسة وعشرين جزءا مما صار للأخوين لأنه كان في يدها خمس ما صار لكل واحد منهما ولو بقي ذلك في يدها لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أخماسا فإنما تغرم لكل واحد منهما خمس الخمس فاحتجنا إلى حساب له خمس ولخمسه خمس وأقل ذلك خمسة وعشرون خمسه خمسة وخمسا خمسة سهمان فلهذا غرمت لكل واحد منهما جزأين من خمسة وعشرين جزءا مما صار للأخوين ولو كانت أقرت بأختين أعطت كل واحدة منهما سبع ما في يدها ؛ لأن للميت بزعمها ثلاث بنات وابنين فتكون القسمة من سبعة فلهذا أعطت كل واحدة سبع ما في يدها وقيمة جزء من خمسة عشر جزءا مما صار للأخوين ؛ لأن ما كان في يدها ، وهو الخمس مما صار للأخوين لو لم تدفعه إلى الأخوين لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أثلاثا فحق كل واحدة منهما في ثلث ذلك الخمس ، وهو جزء من خمسة عشر من الكل ولو كان أحد الابنين أقر بأخ وأخت وكذبه الآخران فيهما فإنه يعطي للأخت ثمن ما في يده ؛ لأن للميت بزعمه ثلاثة بنين وبنتين فتكون القسمة من ثمانية فلهذا أعطى الأخت ثمن ما في يده وقيمة جزء من خمسة وعشرين جزءا مما صار للأخوين فإنه كان في يده باعتبار الأصل خمسا ما صار لكل واحد من الأخوين فلو كان ذلك في يده لكان يقسم بينه وبين المقر بهما أخماسا للأخت خمسا ذلك وخمسا خمسة وعشرين عشرة فخمس ذلك سهمان فلهذا يغرم للأخت قيمة جزأين من خمسة وعشرين جزءا مما صار للأخوين ويعطي الأخ مثل ذلك ؛ لأن حقه في التركة سواء ضعف حق الأخت ولو كان أقر بأخوين معا فإنه يعطي كل واحد منهما تسعي ما في يده ؛ لأن للميت بزعمه أربعة بنين وابنة فتكون القسمة من تسعة ونصيب كل ابن سهمان فيعطي كل واحد منهما تسعي ما في يده لهذا ويغرم لكل واحد منهما جزأين من خمسة عشر جزءا مما صار للأخوين ؛ لأنه كان في يده باعتبار الأصل خمسا ما في يد كل واحد من الأخوين ولو بقي ذلك في يده لكان مقسوما بينه وبين المقر بهما أثلاثا فإنما يغرم لكل واحد منهما ثلثي الخمس لأن ثلثي الخمس جزءان من خمسة عشر جزءا. . ولو ترك ابنا وابنتين وعبدين وأمة فاقتسموا فأخذ الابن الأمة وكل ابنة عبدا ، ثم أقرت إحدى الابنتين بأختين أعطت كل واحدة منهما سدس ما في يدها ؛ لأن للميت بزعمها ابنا وأربع بنات فتكون القسمة من ستة لكل ابنة سهم فهذا تعطي كل واحدة منهما سدس ما في يدها وقيمة جزء من اثني عشر جزءا مما صار للأختين ؛ لأنه كان في يدها باعتبار الأصل ربع ما في يد كل واحدة منهما ولو بقي ذلك في يدها لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أثلاثا بالسوية فإنما تغرم لكل واحدة منهما ثلث الربع ، وهو جزء من اثني عشر ؛ لأن ربع اثني عشر ثلاثة ولو كانت أقرت بأخوين وأخت معا أعطت الأخت تسع ما في يدها ؛ لأن للميت بزعمها ثلاثة بنين وثلاث بنات فتكون القسمة من تسعة ونصيب الأخت سهم فتعطيها تسع ما في يدها وقيمة جزء من أربعة وعشرين جزءا مما صار للأخوين ؛ لأنه كان في يدها ربع ما صار لكل واحد منهما ولو بقي ذلك في يدها لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أسداسا للأخت سدس ذلك وسدس الربع جزء من أربعة وعشرين ؛ لأن ربع أربعة وعشرين ستة وسدسه جزء واحد وتعطي للأخ مثلي ذلك ؛ لأن نصيبه ضعف نصيبها . ولو كان الابن أقر بثلاث أخوات متفرقات معا وكذبته الأختان في ذلك أعطى كل واحدة منهن سبع ما في يده ؛ لأن للميت بزعمه ابنا وخمس بنات فتكون القسمة من سبعة لكل ابنة سهم ويغرم لكل واحدة منهن قيمة جزأين من عشرين جزءا مما صار للاختين ؛ لأنه كان في يده باعتبار الأصل نصف ما صار لكل واحدة منهما فلو بقي ذلك في يده يكون مقسوما بينه وبين المقر بهن أخماسا فإنما يغرم لكل واحدة منهن خمس النصف وخمس النصف عشر الجميع فكان ينبغي أن يقول جزءا من عشرة أجزاء ولكنه بنى هذا على ما تقدم من القسمة بالأرباع حين كانت المقرة بالابنة فجعل في يد الابن جزأين من أربعة فذكر أنه يغرم لكل واحدة منهن جزأين من عشرين لهذا ولو كان أقر بأخوين وأختين معا أعطى كل أخ خمس ما في يده ؛ لأن للميت بزعمه ثلاث بنين وأربع بنات فتكون القسمة من عشرة لكل ابن سهمان وسهمان من عشرة الخمس فلهذا يعطي الأخ خمس ما في يده وثمن ما صار لأختين معا ؛ لأن ما في يده باعتبار الأصل نصف ذلك ولو بقي ذلك في يده لكان مقسوما بينه وبين المقر بهم على ثمانية لكل أخ سهمان ولكل أخت سهم فإنما يغرم للأخ ربع النصف مما صار لكل أخت وربع النصف ثمن الجميع فلهذا قال : يغرم للأخ ثمن ما صار للأختين ، ثم يعطي كل أخت مثل نصف ذلك ؛ لأن نصيب الأخ مثل نصيب الأختين فيكون نصيب كل أخت مثل نصف نصيب الأخ ، وعلى هذا جميع هذا الوجه وقياسه ، والله أعلم بالصواب. كتاب فرائض الخنثى ( قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله ) اعلم بأن الله تعالى خلق بني آدم ذكورا وإناثا كما قال الله تعالى { وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } وقال تعالى { يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور } ثم بين حكم الذكور وحكم الإناث في كتابه ولم يبين حكم شخص هو ذكر وأنثى فعرفنا بذلك أنه لا يجمع الوصفان في شخص واحد وكيف يجتمعان وبينهما مغايرة على سبيل المضادة ، وجعل علامة التمييز عند الولادة الآلة إلى أن يتبين سائر العلامات بمضي الزمان ، ثم قد يقع الاشتباه عند الولادة من وجهين : أحدهما : بالمعارضة بأن يوجد في المولود الآلتان جميعا فيقع الاشتباه إلى أن تترجح إحداهما بخروج البول منه . والوجه الثاني : أن تنعدم آلة التمييز أصلا بأن لا يكون للمولودة آلة الرجال ولا آلة النساء وهذا أبلغ جهات الاشتباه ولهذا بدأ الكتاب به ورواه عن الشعبي رحمه الله أنه سئل عن مولود ولد وليس بذكر ولا أنثى وليس له ما للأنثى وليس له ما للذكر يخرج من سرته كهيئة البول الغليظ فسئل عن ميراثه فقال عمر رضي الله عنه له نصف حظ الأنثى ونصف حظ الذكر . قال محمد رحمه الله وهذا عندنا والخنثى المشكل في أمره سواء والمراد إذا مات قبل أن يدرك فيتبين حاله بنبات اللحية أو بنبات الثديين . اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الخنثى المشكل في الميراث فقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو قول أبي يوسف الأول رحمه الله يجعل في الميراث بمنزلة الأنثى إلا أن يكون أسوأ حاله أن يجعل ذكرا فحينئذ يجعل ذكرا وفي الحاصل يكون له شر الحالين وأقل النصيبين ، وفي قول أبي يوسف الآخر له نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى وهو أقرب من قول الشعبي على ما نبينه ، أما بيان الحالة التي تكون الذكورة فيه شرا له بأن تركت المرأة زوجا وأختا لأب وأم وشخصا لأب هو بهذه الصفة مشكل فإن جعل ذكرا لم يرث شيئا ؛ لأن نصف الميراث للزوج والنصف للأخت لأب وأم فلم يبق للأخ لأب شيء ولو جعل أنثى كان للزوج النصف وللأخت لأب وأم النصف وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين فتعول بسهم والقسمة من سبعة فعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يجعل ذكرا في هذه الحالة ولا شيء له ، وفي قول أبي يوسف الآخر له سهم من أربعة عشر نصف ميراثها أن لو كانت أنثى ، وكذلك لو تركت زوجا وأما وأخا لأم وشخصا هو مشكل لأب وأم فإن جعل هذا المشكل ذكرا فللزوج النصف وللأم السدس وللأخ لأم الثلث ولم يبق للأخ لأب وأم شيء ، وإن كانت أنثى فلها النصف ثلاثة ؛ لأنها أخت لأب وأم وتعول فريضة المسألة بثلاثة فعندهما يجعل ذكرا ولا شيء له ، وفي قياس قول أبي يوسف الآخر لها ثلاثة من ثمانية عشر نصف ميراثها وأن لو كانت أنثى ، وبيان الحال الذي تكون الأنوثة فيه شرا لها ظاهر فإنه لو ترك ابنة وعصبته وولدا هو مشكل فإن كان هذا المشكل ذكرا فله الثلثان ، وإن كان أنثى فله الثلث فيجعل أنثى في قول أبي حنيفة ومحمد ، وفي قول أبي يوسف الآخر نصف في كل حالة نصف الثلثين ونصف الثلث فيكون له في الحال نصف المال وللابنة الثلث والباقي وهو السدس للعصبة . وجه قول أبي يوسف أن متردد والأصل في المسائل اعتبار الأحوال عند التردد ويتوزع المستحق على الأحوال كما في الطلاق المبهم والعتاق المبهم إذا طلق إحدى نسائه الأربع قبل الدخول ، ثم مات يسقط نصف صداقها ويتوزع عليهن باعتبار الأحوال ، وكذلك الميراث بينهن باعتبار الأحوال فكذلك هنا يعتبر الأحوال بل أولى ؛ لأن الاشتباه هنا أكثر والحاجة إلى اعتبار الأحوال بمعنى الاشتباه . ووجه قولهما هو أن اعتبار الأحوال ينبني على التيقن بالسبب وسبب استحقاق الميراث الفرضية والعصوبة ولا يتيقن بواحد من السببين بهذا المشكل وبدون التيقن بالسبب لا يعتبر الأحوال لكن لا يعطى إلا القدر الذي يتيقن بأنه مستحق له بخلاف الطلاق والعتاق فقد تيقنا بالسبب المسقط لنصف الصداق هناك وبالسبب الموجب لعتق رقبته ، وإنما وقع الشك في المستحق كذلك فبعد التيقن بالسبب يصار فيه إلى اعتبار الأحوال . ولو مات وترك ولدا خنثى وعصبة ، ثم مات الولد قبل أن يستبين أمره ومن الاستبانة البول فإن كان يبول من إحدى المبالين فالحكم لذلك ، وإن كان يبول منهما فمن أيهما أسبق فإن خرجا معا ففيه اختلاف يأتيك بيان هذا في كتاب الخنثى ، وإنما الكلام هنا في الميراث فعلى قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبي يوسف أولا لا يعطى إلا ميراث جارية وذلك نصف المال والباقي للعصبة ، وفي قول أبي يوسف الآخر له ثلاثة أرباع المال إما لأنه يستحق الكل في حال والنصف في حال فيعطى نصف الكل ونصف النصف أو لأن النصف اثنان والنصف الآخر يثبت في حال دون حال فيتنصف فله ثلاثة أرباع المال والباقي للعصبة ، فإن كان للميت مع ذلك ابن معروف فعلى قول أبي حنيفة ومحمد للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ لأن أسوأ الحال للخنثى أن يكون أنثى وتكلموا فيما إذا كان الخنثى حيا بعد توهم أن يتبين أمره في الثاني أنه كيف يقسم المال بينهما فمنهم من يقول يدفع الثلث إلى الخنثى والنصف إلى الابن ويوقف السدس كما في الحمل والمفقود فإنه يوقف نصيبهما إلى أن يتبين حالهما ، وأكثرهم على أنه يدفع ذلك إلى الابن ؛ لأن سبب استحقاقه لجميع المال وهو البنوة معلوم فإنما ينتقص من حقه لمزاحمة الغير والخنثى ما زاحمه إلا في الثلث فما وراء ذلك يبقى مستحقا له . يوضحه أنا حكمنا بكون الخنثى أنثى حين أعطيناه الثلث مع الابن وبعد ما حكمنا بالأنوثة في حقه يعطى الذكر ضعف ما يعطى الأنثى وبه فارق الحمل والمفقود فإنا لم نحكم فيها بشيء من موت أو حياة فلهذا يوقف نصيبهما وإذا دفع الثلثين إلى الابن هل يوجد منه الكفيل ؟ قال بعض مشايخنا رحمهم الله على الخلاف المعروف فإن القاضي إذا دفع المال إلى الوارث المعروف لم يأخذ منه كفيلا في قول أبي حنيفة وعندهما يحتاط في أخذ الكفيل منه ، وقيل بل هنا يحتاط في أخذ الكفيل عندهم جميعا ؛ لأنه إن تبين علامة الذكورة في الخنثى كان هو المستحق لما زاد على النصف مما أخذه الابن فيحتاط لحقه بأخذ الكفيل من الابن ، وإنما لم يجوز أبو حنيفة أخذ الكفيل للمجهول وهنا إنما يؤخذ الكفيل لمعلوم فهو طريق مستقيم يصون به القاضي قضاءه وينظر لمن هو عاجز عن النظر لنفسه وهو الخنثى فيأخذ من الابن كفيلا لذلك ، فإن تبين أن الخنثى ذكر استرد ذلك من أخيه ، وإن تبين أنه أنثى فالمقبوض سالم للابن ، وأما في قياس قول الشعبي فقد اختلف أبو يوسف ومحمد في القسمة بين الخنثى والابن المعروف قال أبو يوسف رحمه الله قياس قوله أن يكون المال بينهما على اثني عشر سهما للابن المعروف سبعة وللخنثى خمسة . أما بيان قول محمد فظاهر ؛ لأن الخنثى إن كان ذكرا فالمال بينهما نصفين ، فإن كان أنثى فالمال بينهما أثلاثا فيعطيه نصف كل حالة فاحتجنا إلى حساب ينقسم نصفه نصفين وثلثه نصفين وأقل ذلك اثنا عشر ، فإن كان الخنثى ذكرا فله الستة من اثني عشر ، وإن كان أنثى فله أربعة ، وإما أن تقول له نصف أربعة وهو سهمان ونصف ستة وهو ثلاثة وذلك خمسة وللابن نصف ثمانية وهو أربعة ونصف ستة وهو ثلاثة فيكون سبعة أو تقول الثلث متيقن به للخنثى وهو أربعة وما زاد على ذلك إلى تمام النصف وذلك سهمان يثبت في حال دون حال فينتصف فيكون له خمسة والباقي وهو سبعة للابن فقد فسر محمد قول الشعبي بهذا ولم يأخذ به ، وأما بيان قول أبي يوسف لقول الشعبي أن يقول الخنثى في حال ابن ، وفي حال ابنة فالابنة في الميراث نصف الابن فيجعل له نصف كل حال فيكون ثلاثة أرباع ابن فكأنه اجتمع ابن وثلاثة أرباع ابن فيجعل لكل ربع من الابن سهما فللابن الكامل أربعة أسهم ولثلاثة أرباع ابن ثلاثة فذلك سبعة أو يقول إن الله تعالى جعل للذكر مثل حظ الأنثيين فكأن الذكر بمنزلة الأنثيين ، وإحدى الأنثيين في حق الخنثى معلوم والأنثى الأخرى ثابتة في حال دون حال فينتصف فيكون الخنثى بمنزلة أنثى ونصف . ولو تصور اجتماع ابنة ونصف مع ابنة فإنه يكون المال على سبعة أسهم للابن أربعة ، وللابنة ونصف ثلاثة فهاهنا أيضا يقسم المال بينهما على سبعة أسهم للابن أربعة وللابنة ونصف ثلاثة ، وأشار في الأصل إلى رجوع أبي يوسف إلى التفسير الذي ذكره محمد رحمه الله لقول الشعبي قالوا وهذا غلط والصحيح أن رجوعه إلى التفسير الذي ذكره أبو يوسف فإنه رجع إلى قول الشعبي رحمه الله ثم فسر قوله بما ذكرنا عنه .. قال ولو كان مع الخنثى ابنة معروفة فللابنة ثلث المال وللخنثى نصف المال والباقي يكون للعصبة في قياس قول الشعبي ؛ لأن الخنثى إن كان ذكرا فله ثلث المال ، وإن كان أنثى فلها الثلث فيعطى نصف كل حالة فيكون له نصف المال والباقي للعصبة ؛ لأنه في حال يستحق ثلث المال وهو أن يكون الخنثى أنثى ، وفي حال لا شيء له فيكون له نصف الثلث وهو السدس ، فإن لم يكن للميت عصبة رد الفضل عليها على قدر ما أخذ . معناه يجعل المال في الحاصل بينهما على خمسة سهمان للابنه المعروفة وثلاثة للخنثى ؛ لأنه ليس أحدهما بالرد عليه بأولى من الآخر فيكون المردود بينهما على مقدار أصل حقهما . قال : فإن كان مع الخنثى أب للميت فللخنثى ثلث المال وللأب ثلثه في قياس قول الشعبي ؛ لأن الخنثى إن كان ذكرا فللأب السدس والباقي للابن فله في هذه الحالة خمسة ، وإن كان أنثى فلها النصف والباقي كله للأب بالفرضية والعصوبة فإما أن يقول : للخنثى نصف كل حالة ونصف ثلاثة سهم ونصف ، ونصف خمسة سهمان ونصف فذلك أربعة هو ثلثا المال ، أو يقول : مقدار ثلثه للخنثى بيقين وما زاد إلى تمام خمسة يثبت في حال دون حال فينتصف فيكون له أربعة والسدس للأب بيقين ، وما زاد عليه إلى تمام النصف وذلك سهمان يثبت في حال دون حال فينتصف فيكون للأب سهمان وهو الثلث وللخنثى أربعة وذلك ثلثان . وإن ترك ابنة خنثى وابنة ابن خنثى وعصبة ففي قياس قول الشعبي الفريضة من ستة وثلاثين سهما للخنثى الأعلى خمسة وعشرون سهما وللأسفل سبعة أسهم وللعصبة أربعة أسهم ، فإن لم يكن له عصبة فثلاثة أرباع المال للأعلى وربعه لولد الابن ؛ لأنه ينظر إلى أقل ما يصيب كل واحد منهما وإلى أكثره فيأخذ نصف ذلك ولا ينظر إلى ما بين ذلك ؛ لأن في اعتبار الأقل والأكثر اعتبار ما بين ذلك فيقول النصف للعليا متيقن به ذكرا كان أو أنثى والسدس لا يدعيه العصبة ؛ لأن العصبة تقول هما ابنتان فلهما الثلثان والعليا والسفلى كل واحدة منهما تدعي ذلك فيكون ذلك بينهما نصفان ولا ينظر إلى تفاوت ما بينهما في جهة الدعوى فالأعلى يدعي ذلك من وجه واحد وهو نصف الذكورة لنفسه والأسفل من وجهين إما لأنه ذكر والعليا أنثى أو لأنهما ابنتان وهذا لأن المستحق من وجه يكون مستحقا من كل وجه فلا فرق بين أن يكون استحقاقه لهذا السدس من وجه أو من وجهين والثلث الباقي تدعيه العصبة إن كان الخنثيان أنثيين وتدعيه ابنة الابن إن كانت هي ذكرا والعليا هي أنثى وتدعيه العليا إن كانت ذكرا فلا يفضل فيه البعض على البعض ؛ لأن المعتبر في حقهم الأكثر والأقل فيكون بينهم أثلاثا كأن أصل الفريضة من ستة وقد انكسر السدس بالأنصاف فصار اثني عشر ، ثم انكسر الثلث بالأثلاث فاضرب اثني عشر في ثلاثة فيكون ستة وثلاثين أخذت العليا مرة ثمانية عشر ومرة نصف السدس ثلاثة ومرة ثلث الثلث أربعة فذلك خمسة وعشرون ، وأخذت السفلى مرة ثلاثة ومرة أربعة فذلك سبعة ، وإنما يسلم للعصبة أربعة أسهم ، وإن لم يكن له عصبة فالنصف وهو ستة من اثني عشر للعليا ثلث والثلث بينهما نصفان لما بينا والثلث الباقي إن كانا ذكرين فهو للأعلى ، وكذلك إن كان الأعلى ذكرا ، فإن كانا أنثيين فللعليا ثلاثة أرباعه بالرد ، وإن كان الأسفل ذكرا والأعلى أنثى فالثلث للأسفل وقد بينا أنه يؤخذ بالأكثر والأقل فيكون هذا الثلث بين الأعلى والأسفل نصفين فقد أخذ الأعلى مرة ستة ومرة سهما ومرة سهمين فذلك تسعة من اثني عشر وهو ثلاثة أرباع المال وأخذ الأسفل مرة سهما ومرة سهمين وذلك ربع المال . ابنة أخ خنثى وابنة ابن أخ خنثى وابن ابن ابن أخ معروف فعلى قول أصحابنا رحمهم الله المال بينهم أثلاثا ؛ لأن العليا إن كان ذكرا فله الميراث كله ، وإن كانت أنثى فلا شيء لها والثانية إن كانت أنثى فلا شيء لها ، وإن كان ذكرا والعليا أنثى فالميراث له ، وإن كانتا أنثيين جميعا فالميراث للأسفل ، وإنما يؤخذ في هذا بأكثره وأقله فالذي يسقط من وجه ويرث من وجهين والذي يسقط من وجهين ويرث من وجه سواء في قياس مذهبه ، وإذا كان كل واحد منهم استحق جميع المال من وجه فقد استووا في الاستحقاق فالمال بينهم أثلاثا ، فإن لم يكن للميت وارث غير هذين الخنثيين فالمال كله للعليا في قولنا ؛ لأنهما ابنتان وابنة الأخ مقدمة في الميراث على ابنة ابن الأخ ، وفي قياس قول الشعبي المال بينهما نصفان ؛ لأن الذي يرث من وجوه والذي يرث من وجه واحد عنده سواء فالمال كله للأعلى إن كانا ذكرين أو كان هو ذكرا أو كانا أنثيين ، وإن كانت العليا أنثى والآخر ذكرا فالمال كله له فلهذا جعل المال بينهما نصفين . ، فإن ترك ثلاث بنات أخ خناثى بعضهن أسفل من بعض وأسفل من السفلى ابن أخ ففي قياس قول الشعبي المال بينهم أرباعا لكل واحد منهم الربع ؛ لأن العليا إن كان ذكرا ورث دونهم ، وإن كانت أنثى والثانية ذكرا ورث دونهم ، وإن كانت أنثى والثالثة ذكرا ورث دونهم ، وإن كن إناثا جميعا ورث ابن الأخ الأسفل فكل واحد منهم يستحق جميع المال من وجه وذلك يكفي للمزاحمة فكان بينهم أرباعا ، فإن لم يكن أسفل منهن ذكر ولم يكن للميت عصبة فالمال بينهم أثلاثا ؛ لأن كل واحد منهم يرث جميع المال من وجه ، وإنما يوجد في هذا الأقل والأكثر فكان المال بينهم أثلاثا . ، فإن ترك بنتا خنثى وأختا خنثى ومات قبل أن يستبين أمرهما فللابنة النصف والباقي للأخت في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول ومحمد رحمهم الله ؛ لأنها ابنة والأخت مع الابنة تكون عصبة ، وفي قياس قول الشعبي للابنة ثلاثة أرباع المال وللأخت الربع ؛ لأن النصف للابنة بلا شك والنصف الآخر استوت فيه منازعتهما والابنة إن كانت ذكرا كان هذا النصف له ، وإن كانت أنثى فهذا النصف للأخت ذكرا كان أو أنثى فجعل بينهما نصفين فيجعل للابنة ثلاثة أرباع المال وللأخت ربعه ، وإن ترك أختا خنثى وابنة أخ خنثى ففي قولنا للأخت النصف وللعصبة النصف ؛ لأن الخنثيين أنثيان فللأخت النصف والباقي للعصبة ولا شيء لابنة الأخ ، وإن لم يكن للميت عصبة فالمال كله للأخت بالفرض والرد فإنه لا شيء لذوي الأرحام مع وجود ذي السهم وابنة الأخ من ذوي الأرحام ، وفي قول الشعبي للأخت الثلثان ولابنة الأخ السدس وللعصبة السدس ؛ لأن الأخت لها النصف بلا شك وهي تزاحم الأخرى في النصف الباقي فإنه إن كان ذكرا فله الباقي ، وإن كانت هي أنثى والأخ ذكر فالنصف الباقي له ، وإن كانتا أنثيين فالنصف الباقي للعصبة فكان هذا النصف بينهما أثلاثا ، وإن لم يكن للميت عصبة فللأخت ثلاثة أرباع المال ولابنة الأخ ربع المال ؛ لأن النصف للعليا بلا شك والنصف الآخر للعليا إن كانا ذكرين أو أنثيين ، وإن كانت العليا أنثى والسفلى ذكرا فالنصف الباقي له والذي يسقط من وجه واحد والذي يسقط من وجهين عنده سواء فيكون هذا النصف بينهما نصفين ، وكذلك لو ترك ابنة خنثى وابنة أخ خنثى ولا عصبة له فالجواب على ما وصفنا في الأخت على القولين جميعا ، فإن ترك ابنة خنثى وابنة ابن خنثى وابنة ابن ابن خنثى وعصبة فعلى قولنا الخناثى إناث فللعليا النصف وللوسطى السدس تكملة الثلثين والباقي للعصبة ولا شيء للسفلى . وإن لم يكن للميت عصبة فالباقي يرد على العليا والوسطى أرباعا على قدر مواريثهما ، وفي قول الشعبي للعليا ثمانية أسهم من اثني عشر وللوسطى سهمان وللسفلى سهم وللعصبة سهم ؛ لأن النصف للعليا بلا شك والسدس بينهما وبين الوسطى نصفين ؛ لأن العليا إن كان ذكرا فهذا السدس له ، وإن كانت أنثى فهذا السدس للوسطى ذكرا كان أو أنثى فكان بينهما نصفين وبقي ثلث المال كل واحدة منهن تدعيه وتقول أنا ذكر والثلثان لي والعصبة إناث جميعا تقول هذا الثلث لنا ، فباعتبار هذا المعنى كان الثلث بينهم أرباعا فقد أخذت العليا مرة ستة ومرة سهما ومرة سهما فذلك ثمانية ثلثا المال ، والوسطى أخذت مرة سهمين ومرة سهمين فذلك الثلث ، وإنما أخذت السفلى سهما والعصبة كذلك وذلك نصف السدس ، وإن لم يكن للميت عصبة فللعليا النصف بلا شك والسدس بينهما وبين الوسطى نصفين لما بينا والثلث بينهن أثلاثا فتكون القسمة من ستة وثلاثين للعليا مرة ثمانية عشر ومرة ثلاثة ومرة أربعة وللوسطى مرة ثلاثة ومرة أربعة وللسفلى أربعة ، فإن ترك ابنة وثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض خناثى كلهن وعصبة فعندنا للابنة النصف وللعليا السدس والباقي للعصبة ؛ لأن الخناثى إناث ما لم يستبن حالهن ، وإن لم يكن له عصبة فالباقي رد على الابنة وابنة الابن على قدر ميراثهما أرباعا . وفي قياس قول الشعبي الفريضة من مائة وثمانين سهما للابنة مائة وثمانية عشر سهما وللعليا ثمانية وعشرون سهما وللوسطى ثمانية عشر سهما وللسفلى ثمانية أسهم وللعصبة ثلاثة عشر سهما ؛ لأن للابنة النصف من غير شك ، والسدس بينهما وبين العليا من بنات الابن نصفين لما بينا وثلث الثلث الباقي بين الابنة والعليا والوسطى وللعصبة أرباعا ؛ لأن السفلى لا تدعي من ذلك الثلث إلا بثلثه فإنها تقول أنا ذكر والبواقي إناث والثلث بيني وبين الوسطى أثلاثا ؛ لأن الذكر يعصب من فوقه بدرجة ممن لم يأخذ شيئا كما يعصب من هو في درجته فيخرج ثلث هذا الثلث عن منازعته وكل واحدة من البواقي تدعي ذلك لنفسها بدعواها الذكورة ، والعصبة تدعي ذلك لنفسها أيضا بدعواها أنهن إناث ، وأما ثلث الثلث بينهم جميعا أخماسا ؛ لأن كل واحدة منهن تدعي ذلك لنفسها بدعواها صفة الذكورة والعصبة كذلك فقد انكسر الثلث بالأثلاث والأرباع والأخماس فيضرب ثلاثة في خمسة فتكون خمسة عشر ، ثم خمسة عشر في أربعة فتكون ستين ، ثم في أصل المال ثلاثة فيكون مائة وثمانين فأما الابنة فقد أخذت النصف تسعين وجعلنا السدس بينها وبين العليا نصفين وذلك ثلاثون لكل واحدة خمسة عشر وجعلنا ثلث الثلث وذلك عشرون بين الأربعة سوى السفلى أرباعا لكل واحدة خمسة وجعلنا ثلثي الثلث وذلك أربعون بين الخمسة أخماسا لكل واحدة ثمانية ، فحصل للابنة مرة تسعون ومرة خمسة عشر ومرة خمسة ومرة ثمانية فذلك مائة وثمانية عشر ، ولابنة الابن مرة خمسة عشر ومرة خمسة ومرة ثمانية فذلك ثمانية وعشرون ، وللوسطى مرة خمسة ومرة ثمانية فذلك ثلاثة عشر . وكذلك للعصبة ولم يسلم للسفلى إلا ثمانية أسهم فاستقام التخريج ، فإن كان أسفل منهن غلام معروف فعندنا للابنة النصف وللعليا من بنات الابن السدس تكملة الثلثين والباقي بين الذكر الأسفل وبين الوسطى والسفلى للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ لأنهما بنتان والذكر من أولاد الابن يعصب من فوقه من الإناث ممن لم يأخذ شيئا بالفرضية ، وفي قول الشعبي نصف المال للابنة والسدس بينها وبين العليا نصفين وثلثا سدس المال بين الابنة والعليا والوسطى أثلاثا وثلث سدس المال بينهن وبين السفلى أرباعا وسدس المال الباقي بينهن وبين الغلام أخماسا من قبل أن الغلام يدعي أنهن إناث وأن له نصف ثلث الباقي في الحاصل فنصف الثلث وهو السدس خارج عن دعواه والسفلى تدعي أنه ذكر وأن الثلث الباقي بينه وبين الوسطى أثلاثا فثلثا السدس بزعمه للوسطى وهو ثلث الثلث ، وقد استوت منازعة الابنة العليا والوسطى في هذا الجزء وهو ثلثا السدس كل واحدة منهما تدعي ذلك لنفسها بدعواها صفة الذكورة فيكون بينهما أثلاثا وثلث السدس هما مع السفلى يدعونه فيكون بينهم أرباعا والسدس الباقي هم جميعا مع الغلام يدعونه فيكون ذلك بينهم أخماسا فقد انكسر الثلث بالأرباع والأخماس والأثلاث فإذا ضربت المخارج بعضها في بعض كان ذلك ستين ، ثم في أصل المال وهو ستة فيكون ذلك ثلثمائة وستين فقد أخذت الابنة مرة النصف مائة وثمانين ، ومرة نصف الثلث وذلك ثلاثون فهو مائتان وعشرة ، ومرة ثلث ثلثي السدس أربعين وهو ثلاثة عشر وثلث ، ومرة ربع ثلث السدس وذلك خمسة ، ومرة خمس السدس وذلك اثنا عشر فإذا جمعت ذلك كله كان ذلك مائتين وأربعين وثلثا ، وابنة الابن أخذت مرة ثلاثين ، ومرة ثلاثة عشر وثلثا ، ومرة خمسة ، ومرة اثني عشر فذلك ستون وثلث ، والوسطى أخذت مرة ثلاثة عشر وثلثا ، ومرة خمسة ، ومرة اثني عشر فذلك ثلاثون وثلث ، والسفلى أخذت مرة خمسة ، ومرة اثني عشر ، وما أخذ الغلام إلا اثني عشر فاستقام التخريج . فإن كانت الوسطى أو السفلى معروفتان أيهما ابنتان والمسألة بحالها ففي قول الشعبي للابنة النصف والسدس بينها وبين العليا نصفين ومن الثلث الباقي للابنة ثلاثة وللعليا ثلاثة والثلث بين الوسطى والسفلى والغلام للذكر مثل حظ الأنثيين فصار هذا الثلث مقسوما على اثني عشر سهما فحاجتنا إلى حساب ينقسم ثلثه أرباعا فيكون جملة المال على ستة وثلاثين سهما نصف ذلك ثمانية عشر للابنة الصلبية بغير شك والسدس وهو ستة بينها وبين العليا نصفين ؛ لأن كل واحدة منهما تدعي ذلك بدعواها صفة الذكورة ولا ينازعهما في ذلك الوسطى والسفلى والغلام ؛ لأنهم يزعمون أنهما ابنتان وأن الثلثين لهما فلهذا قسم هذا السدس بينهما نصفين ، وأما الثلث الباقي فالوسطى والسفلى لا يدعيان شيئا من ذلك لأنفسهما إلا بالغلام الذي دونهما ؛ لأنهما ابنتان معروفتان حالهما فيعصبهما الغلام الذي هو دونهما في الباقي فقد استوى في هذا الثلث دعوى الغلام ودعوى العليا وابنة الصلب فيكون ثلاثة لابنة الصلب وثلاثة للعليا باعتبار أن كل واحدة منهما تدعي جميع ذلك لنفسها بدعوى صفة الذكورة . يبقى الثلث فهو بين الغلام والوسطى والسفلى للذكر مثل حظ الأنثيين فحصل لابنة الصلب مرة ثمانية عشر ، ومرة ثلاثة ، ومرة أربعة فذلك خمسة وعشرون وحصل للعليا مرة ثلاثة ، ومرة أربعة فذلك سبعة وحصل للغلام سهمان وللوسطى والسفلى لكل واحدة سهم . وإن كانت السفلى هي المعروفة أنها ابنة والباقون خناثى فعلى قياس قول الشعبي للابنة النصف والسدس بين الابنة والعليا نصفين ونصف السدس بين الابنة والعليا والوسطى أثلاثا والباقي بينهم جميعا أرباعا للابنة ربعه وللعليا ربعه وللوسطى ربعه وربعه بين السفلى والغلام للذكر مثل حظ الأنثيين ، فيحتاج إلى حساب ينقسم ثلثه أسداسا وأرباعا وأثلاثا وذلك بأن تضرب ستة في أربعة فيكون أربعة وعشرين ، ثم في ثلاثة فيكون اثنين وسبعين ، ثم في ثلاثة فيكون مائتين وستة عشر النصف من ذلك مائة وثمانية للابنة بغير شك ، والسدس ستة وثلاثون بين الابنة والعليا نصفين لكل واحدة ثمانية عشر ؛ لأنه لا ينازعهما في الثلثين أحد والثلث نصفان ؛ لأن لكل واحدة ثمانية عشر ؛ لأنه لا ينازعهما في الثلثين أحد والثلث الباقي وذلك اثنان وسبعون فربعه وهو نصف السدس بين الابنة والعليا والوسطى أثلاثا ؛ لأن السفلى إنما تدعي هذا الثلث بالغلام والغلام يزعم أن الوسطى أنثى وأن الثلث الباقي بينه وبين الوسطى والسفلى للذكر مثل حظ الأنثيين أرباعا فربع هذا الثلث لا يدعيه الغلام والسفلى وقد استوى فيه دعوى العليا والوسطى والابنة كل واحدة تزعم أنها ذكر فيكون بينهم أثلاثا لكل واحدة ستة والباقي وهو ثلاثة أرباع الثلث وذلك أربعة وخمسون سهما استوى فيه دعوى الابنة والعليا والوسطى والغلام فيكون أرباعا ربعه للابنة وربعه للعليا وربعه للوسطى وربعه بين الغلام والسفلى للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ لأن الغلام مقر أن ما يصيبه من هذا الميراث بينه وبين السفلى للذكر مثل حظ الأنثيين وإقراره حجة في حقه وربعه ثلاثة عشر ونصف فإذا جعل بينهما أثلاثا كان للغلام تسعة وللسفلى أربعة ونصف ، وإن أردت دفع الكسر بالأنصاف فاضعف الحساب. . امرأة تركت زوجها وأمها وأختا لأب وأم خنثى فماتت قبل أن يستبين أمرها ففي قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للخنثى ؛ لأنهم يجعلون للخنثى أسوأ حالة وأسوأ الأحوال هنا أن يكون ذكرا ، وفي الحقيقة لا يحكم بأنه ذكر ولا أنثى وكيف يحكم بذلك من غير دليل ولكن يعطيه أقل النصيبين ؛ لأنه هو المتيقن به وأقل النصيبين هنا نصف الذكر ؛ لأنه إذا جعل أنثى يستحق النصف وتعول الفريضة بسببها وإثبات العول بدون التيقن لا يجوز ولهذا جعلنا للأخ ما بقي ، وفي قياس قول الشعبي الفريضة من ثمانية وأربعين سهما ؛ لأن الخنثى إن كان ذكرا فالفريضة من ستة ، وإن كانت أنثى فالفريضة من ثمانية للزوج ثلاثة وللأم سهمان وللأخت ثلاثة فتعول بسهمين فالسبيل أن يضرب ستة في ثمانية فيكون ثمانية وأربعين ثلاثة أثمان ذلك وهو ثمانية عشر للزوج يعني وما زاد على ذلك إلى تمام النصف وهو ستة يستحقه في حال وهو أن يكون الخنثى ذكرا ، ولا يستحقه في حال فيعطيه نصف ذلك فيكون للزوج أحد وعشرون والأم لها اثنا عشر يعني وما زاد على ذلك إلى تمام الثلث وهو أربعة يستحقه في حال دون حال فيكون لها نصف ذلك فلها أربعة عشر والخنثى لها ثمانية يعني وما زاد على ذلك إلى تمام ثمانية عشر يستحق في حال دون حال فلها نصف ذلك فحصل لها ثلاثة عشر وللأم أربعة عشر فذلك سبعة وعشرون ، وللزوج أحد وعشرون فذلك ثمانية وأربعون ، وإن كان مع ذلك أخ لأم فللخنثى والزوج مثل ما كان لهما في الوجه الأول في قياس قول الشعبي وللأم والأخ لأم مثل ما كان للأم في الفريضة الأولى بينهما نصفين ؛ لأن في الفريضة الأولى للأم سهمان من ستة أو من ثمانية وهنا للأم سهم وللأخ لأم سهم من ستة أو من ثمانية فعرفنا أن نصيبهما هنا مثل نصيب الأم هناك وأن حالهما فيه على السواء فيقسم أربعة عشر بينهما نصفين وعلى قولنا هذا والأول سواء ؛ لأن نصيب الأخ لأم مع الخنثى يحول نصيب الأم إلى السدس ويكون السدس للأخ لأم فإنما يجعل للخنثى ما بقي وهو السدس باعتبار أنه أقل النصيبين له . رجل مات وترك امرأته وأخوين لأمه وأختا لأب وأم هي خنثى فعندنا للمرأة الربع وللأخوين لأم الثلث وما بقي فهو للأخت الخنثى ؛ لأن أقل النصيبين له نصيب الذكر فإنه يأخذ خمسة من اثني عشر ولو جعلت أنثى كان لها ستة من ثلاثة عشر فلهذا جعلنا له الباقي ، وأما في قياس قول الشعبي الفريضة من مائة وستة وخمسين سهما ؛ لأن الخنثى إن كان ذكرا فالفريضة من اثني عشر ، وإن كان أنثى فالفريضة من ثلاثة عشر للمرأة سبعة وثلاثون ونصف ؛ لأنه ثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا وذلك ستة وثلاثون لها يعني والربع تسعة وثلاثون فما زاد على ذلك إلى تمام الربع لها في حال دون حال فلها سبعة وثلاثون ونصف وللأخوين خمسون ؛ لأن مقدار ثمانية وأربعين لهما بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام الثلث وهو أربعة يثبت في حال دون حال فينتصف وللخنثى ثمانية وستون ونصف ؛ لأن خمسة أجزاء ذلك ستون له بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام سبعة وسبعين وذلك سبعة عشر لها في حال دون حال فينتصف فيكون لها ثمانية وستون ونصف ، فإن كان ترك مع ذلك أما ففي قولنا للأم السدس سهمان من اثني عشر وللمرأة الربع ثلاثة وللأخوين لأم أربعة وللخنثى ما بقي ؛ لأن أقل النصيبين نصيب الذكر هناك ، وفي قول الشعبي الفريضة من مائة وعشرين سهما ؛ لأن الخنثى إن كان ذكرا فالفريضة من اثني عشر ، وإن كانت أنثى فلها ستة وللأم السدس سهمان وللأخوين لأم أربعة وللمرأة ثلاثة تعول بثلاثة فتكون من خمسة عشر إلا أن بين خمسة عشر وبين اثني عشر موافقة بالثلث سيقتصر على الثلث من أحدهما وذلك أربعة ، ثم تضربه في خمسة فيكون ذلك ستين منه تصح المسألة . وإن خرج كما في بعض النسخ من ضعف ذلك وهو مائة وعشرون فقد يخرج مستقيما من ستين فأما مقدار اثني عشر يعني وما زاد على ذلك إلى تمام الربع خمسة عشر وذلك ثلاثة لها في حال دون حال فيكون لها ثلاثة عشر ونصف قلنا ، وإنما إن مقدار اثني عشر لها بيقين ؛ لأن أقل النصيبين لها ثلاثة من خمسة عشر وهو الخمس وخمس ستين اثنا عشر فللأم ثمانية بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام السدس سهمان وهو عشرة لها في حال دون حال فيكون لها تسعة وللأخوين لأم ستة عشر بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام عشرين في حال دون حال فيكون لها ثمانية عشر بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام أربعة وعشرين لها في حال دون حال فيكون تسعة عشر ونصفا ، وإنما خرجه في بعض النسخ من مائة وعشرين للتحرز عن الكسر بالأنصاف ، فإن ترك ابنة وثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض خناثى كلهن ولا عصبة له ففي قياس قول الشعبي الفريضة من مائة وثمانية أسهم من قبل أن النصف للابنة ثابت بغير شك والسدس سهمان بينهما وبين العليا نصفين ؛ لأن الوسطى والسفلى لا يدعيان ذلك فإنهما يزعمان أنهما ابنتان وأن الثلثين لهما ، ثم السفلى تزعم أنها ذكر وأن الوسطى أنثى والثلث الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فهو لا يدعي ثلث هذا الثلث والوسطى والعليا والابنة كل واحدة تدعي ذلك لنفسها بدعواها صفة الذكورة فيكون بينهم أثلاثا يبقى ثلثا الثلث استوت فيه منازعتهن كل واحدة تدعي ذلك لنفسها فيكون بينهن أرباعا فيحتاج إلى حساب ينقسم ثلثه أثلاثا وأرباعا فالسبيل أن يضرب أربعة في ثلاثة فيكون اثني عشر ، ثم اثني عشر في ثلاثة فيكون ستة وثلاثين ، ثم ستة وثلاثين في أصل المال وهو ثلاثة فيكون مائة وثمانية للابنة مرة أربعة وخمسون وهو النصف ، ومرة نصف السدس تسعة فذلك ثلاثة وستون ، ومرة أربعة وهو ثلث ثلث الثلث ، ومرة ربع ثلثي الثلث وذلك ستة فستة وأربعة يكون عشرا إذا ضممت ذلك إلى ثلاثة وستين يكون ثلاثة وسبعين وللعليا مرة تسعة ، ومرة أربعة ، ومرة ستة فذلك تسعة عشر وليس للسفلى إلا ستة عشر فإذا جمعت بين هذه السهام كانت مائة وثمانية فاستقام التخريج والله أعلم بالصواب. كتاب الخنثى ( قال رضي الله عنه ) ذكر عن أبي يوسف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه { عن رسول الله ﷺ أنه سئل عن مولود ولد في قوم له ما للمرأة وما للرجل كيف يرث فقال النبي ﷺ من حيث يبول } وهكذا روي عن علي رضي الله عنه وهكذا نقل عن جابر بن زيد وعن قتادة وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنه يرث من حيث يبول ، وهذا حكم كان عليه العرب في الجاهلية على ما يحكى أن قاضيا فيهم رفعت إليه هذه الحادثة فجعل يقول هو رجل وامرأة فاستبعد قومه ذلك فتحير ودخل بيته في الاستراحة فجعل يتقلب على فراشه ولا يأخذه النوم لتحيره في هذه الحالة وكانت له بنية فغمزت رجليه فسألته عن تفكره فأخبرها بذلك وقالت دع الحال وابتغ المبال فخرج إلى قومه وحكم بذلك فاستحسنوا ذلك منه فعرفنا أن حكمه كان في الجاهلية قرره رسول الله ﷺ وسيجيء من المعنى ما يدل عليه فإن ما يقع به الفصل بين الذكر والأنثى عند الولادة الآلة ، وذلك في الآدمي وفي سائر الحيوانات ، وعند انفصال الولد من الأم منفعة تلك الآلة خروج البول منها وما سوى ذلك من المنافع يحدث بعد ذلك فعرفنا أن المنفعة الأصلية في الآلة أنها المبال ، فإذا كان يبول من مبال الرجل عرفنا أن آلة الفصل في حقه هذا وأن الآخر زيادة خرق في البدن ، فإذا كان يبول من مبال النساء عرفنا أن الآلة هذا وأن هذا بمنزلة مبالين في البدن ، فإن كان يبول منهما جميعا فالحكم لأسبقهما خروجا للبول منه ؛ لأن الترجيح بالسبق عند المعارضة ، والمساواة أصل في الشرع ، ولأنه كما خرج البول من أحدهما فقد حكم باعتبار أنه على تلك الصفة ( ألا ترى ) أنه لو لم يخرج من المبال الآخر بعد ذلك كان ما خرج علامة تمام الفصل وبعد ما حكم له بأحد الوصفين لا يتغير ذلك بخروج ذلك البول من الآلة الأخرى فهو بمنزلة رجل أقام بينة على نكاح امرأة وقضى له بها ثم أقام الآخر البينة لا يلتفت للبينة الثانية وكذلك لو ادعى نسب مولود وأقام البينة وقضى له به ثم ادعاه آخر وأقام البينة لا يلتفت إلى ذلك . وإن كان يبول منهما جميعا معا قال أبو حنيفة رحمه الله لا علم لي بذلك وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يورث بأكثرهما بولا ؛ لأن الترجيح عند المعارضة بزيادة القوة ، وذلك يكون بالكثرة كما يكون بالسبق إذ لا مزاحمة بين القليل والكثير كما لا مزاحمة بين اللاحق والسابق فالظاهر أن الذي يخرج منه البول أكثر هو المبال فالحكم للمبال ، وأبو حنيفة أبى ذلك لوجهين : أحدهما أن كثرة البول تدل على سعة المخرج ولا معتبر لذلك فمخرج بول النساء أوسع من مخرج بول الرجال ، والثاني أن الكثرة والقلة تظهر في البول لا في المبال ، والآلة الفصل المبال دون البول ، وباعتبار السبق يأخذ السابق اسم المبال قبل أن يأخذ الآخر ذلك الاسم ، وأما إذا خرج منهما جميعا فقد أخذا اسم المبال في وقت واحد على صفة واحدة ؛ لأن هذا الاسم لا يختلف بكثرة ما يخرج منه البول وقلته ثم إن أبا حنيفة رحمه الله استقبح الترجيح بالكثرة على ما يحكى عنه أن أبا يوسف رحمه الله لما قال بين يديه يورث من أكثرهما بولا قال يا أبا يوسف وهل رأيت قاضيا يكيل البول بالأواني ؟ ، فقد استبعد ذلك لما فيه من القبح وتوقف في الجواب ؛ لأنه لا طريق للتمييز بالرجوع إلى المعقول ولم يجد فيه نصا فتوقف وقال : لا أدري ، وهذا من علامة فقه الرجل وورعه أن لا يخبط في الجواب على ما حكي أن ابن عمر رضي الله عنه سئل عن مسألة فقال لا أدري ثم قال بخ بخ ، لابن عمر سئل عما لا يدري فقال لا أدري وكذلك أبو يوسف ومحمد قالا إذا استويا في المقدار لا علم لنا بذلك ولم ينقل عن أحد منهم أنه علم ذلك أو وقف فيه على دليل ليكون قول أبي حنيفة وأصحابه لا علم لنا به بقضايا فيهم والله أعلم . وهذا الذي هو مشكل لا يخلو إذا بلغ هذه المعالم وإنما لا يبقى الإشكال فيه بعد البلوغ فلا بد أن يزول الإشكال بظهور علامة فيه فإنه إذا جامع بذكره أو خرجت له لحية أو احتلم كما يحتلم الرجال فهو رجل وقوله في ذلك مقبول ؛ لأنه أمر في باطنه لا يعلمه غيره ، وقول الإنسان شرعا مقبول فيما يخبر عما في باطنه مما لا يعلمه غيره ، وإن كان له ثديان مثل ثديي المرأة أو رأى حيضا كما ترى النساء أو كان يجامع ؟ كالمرأة أو ظهر به حبل أو نزل في ثدييه لبن فهو امرأة ؛ لأن هذه علامات الفصل للبلوغ ولا بد أن يظهر عليه بعضها عند بلوغه ؛ فإنه لا يخلو إذا بلغ عن هذه المعالم . قلنا لا يبقى الإشكال فيه بعد البلوغ وإنما يكون ذلك في صغره إذا مات قبل أن يبلغ وقد بينا اختلاف العلماء في ميراثه قبل أن يستبين أمره فيما سبق . وإن مات قبل أن يستبين أمره وقد راهق لم يغسله رجل ولا امرأة ولكن ييمم الصعيد ؛ لأن الأصل أن النظر إلى العورة حرام وبالموت لا تنكشف هذه الحرمة إلا أن نظر هذا الجنس أخف فلأجل الضرورة أبيح النظر للجنس عند الغسل ، والمراهق كالبالغ في وجوب ستر عورته ، فإذا كان هو مشكلا لا يوجد له جنس أو لا يعرف جنسه أنه من الرجال أو من النساء فيعذر عليه لانعدام من يغسله وهو بمنزلة ما لو تعذر غسله لانعدام ما يغسل به فييمم الصعيد ، وهو نظير امرأة تموت بين رجال ليس معهم امرأة فإنها تتيمم الصعيد فهذا مثله ، فإن كان من ييممه من النساء يممته بغير خرقة ، وكذلك إن كان من الرجال من ذوي الرحم المحرم له ، وإن كان أجنبيا عنه يممه بخرقة ولا بأس بأن ينظر إلى وجهه ويعرض بوجهه عن ذراعيه لجواز أن يكون امرأة ، وفي هذا أخذ بالاحتياط فيما بني أمره على الاحتياط وهو السن والنظر إلى العورة . وإن سجى دبره فهو أحب إلي ؛ لأن فيه نوع احتياط فلعله امرأة ومبنى حالها على الستر ولا بأس بأن يسجي دبر الرجل عند العذر كالحر والبرد والمطر ، واشتباه حاله في العذر أبلغ من ذلك ، وإن حمل على السرير مقلوبا فهو أحب إلي ؛ لأن الرجل يحمل على السرير مستويا بغير نعش والمرأة تحت نعش فإن حمل على السرير بغير نعش وهو امرأة كان فيه تشبيه النساء بالرجال ، وإن جعل على سريره النعش كان فيه تشبيه الرجال بالنساء إذا كان رجلا فأولى الوجهين أن يحمل على سريره مقلوبا ، وإن جعل على السرير النعش فيه المرأة فهو جائز أيضا ؛ لأنه أقرب إلى الستر والستر مندوب إليه عند اشتباه الأمر ، ويدخله قبره ذو رحم محرم منه لقوله تعالى { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } ولأنه إذا كان أنثى فينبغي أن يرمسه من هو ذو رحم محرم منه ، وإن كان ذكرا فلا بأس بأن يرمسه محرمه عند الإدخال في قبره فكان هذا أحوط الوجهين ، ويكفن كما تكفن الجارية فهو أحب إلي ؛ لأنه أقرب إلى الستر ولأن الزيادة في كفن الرجل عند الحاجة جائزة ، واشتباه أمره من أقوى أسباب العذر فلهذا يكفن كما تكفن الجارية . ( ألا ترى ) أن في حالة الحياة يؤمر بالستر وينهى عن الكشف فكذلك بعد الموت ما كان أقرب إلى الستر في حقه فهو أولى والأصل فيه قوله عليه السلام { ما اجتمع الحلال والحرام في شيء إلا غلب الحرام الحلال . }. وأكره في حياته لبس الحلي والحرير ؛ لأن { النبي ﷺ أخذ الذهب بيمينه والحرير بشماله وقال هذان حرامان على ذكور أمتي حل لإناثها } فإنما أباح اللبس بشرط أنوثة اللابس ، وهذا الشرط غير معلوم في الخنثى ، ثم ما يتردد بين الحظر والإباحة يترجح معنى الحظر فيه لقوله عليه السلام { الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك } وترك لبس الحرير لا يريبه ولبسه يريبه ، يوضحه أن الاجتناب عن الحرام فرض والإقدام على المباح ليس بفرض فكان الاحتياط في ترك لبس الحرير لكي لا يكون مواقعا للحرام إن كان رجلا ، وإن قبله رجل بشهوة لم يتزوج أمه حتى يستبين أمره ؛ لأنه إن كان أنثى فتقبيله بعد ما راهق يثبت حرمة المصاهرة فتكون أمه حراما عليه من هذا الوجه ، وترك نكاح امرأة تحل له أولى من نكاح امرأة هي محرمة عليه ، وإن زوجه أبوه رجلا أو امرأة فلا علم لي بنكاحه وهو موقوف إلى أن يبلغ ؛ لأن الذكر يدخل في النكاح دخول المالكين ، والأنثى تصير مملوكة بالنكاح ولا يمكن إثبات واحد من الوصفين في حقه من غير دليل ، ولا وجه لإبطال إنكاح الولي في حال قيام ولايته ما لم يعلم أنه لم يصادف محله فيكون موقوفا إلى أن يبلغ ، فإن ظهرت فيه علامة الرجال وقد زوجه أبوه امرأة حكم بصحة النكاح من حين عقد الأب ؛ لأنه تبين أن تصرفه صادف محله ، وإن لم يصل إليها أجل كما يؤجل العنين ، وإن كان زوجه أبوه من رجل ثم ظهر به علامة الرجال فقد تبين أن هذا التصرف لم يصادف محله فكان باطلا . وإن أحرم وقد راهق قال أبو يوسف لا علم لي بلباسه ؛ لأن الرجل في إحرامه يحرم عليه لبس المخيط ، والمرأة في إحرامها يلزمها لبس المخيط ويحرم عليها الاكتفاء بلبس الإزار والرداء فلما استوى الجانبان لا يمكن ترجيح أحدهما بغير حجة فتوقف فيه وقال لا علم لي بلباسه ، وقال محمد يلبس لباس المرأة ؛ لأنه أقرب إلى الستر ، ومبنى حاله على الستر كما في غير حالة الإحرام ولأن لبس المخيط للرجل في إحرامه جائز عند العذر ، واشتباه أمره من أبلغ الأعذار ، ولا شيء عليه في ذلك ؛ لأنه لم يبلغ ، وكفارة الإحرام بارتكاب المحظور لا تجب على غير البالغ عندنا ويصلي بقناع أحب إلي ؛ لأنه أقرب إلى الستر ولأنه إن كان رجلا فالتقنع لا يمنع جواز صلاته ، وإن كان أنثى فإنها تؤمر بالتقنع في صلاتها إذا كانت مراهقة ، فعند الاشتباه يترجح هذا الجانب ، ويجلس في صلاته كجلوس المرأة معناه يخرج رجليه من جانب ويفضي بأليتيه إلى الأرض ؛ لأنه أقرب إلى الستر ولأن الرجل لا بأس بأن يجلس كذلك عند العذر ، واشتباه الحال أبين الأعذار ، ويكون في الجماعة خلف صف الرجال وأمام صف النساء ؛ لأن تمام الاحتياط فيه ؛ فإنه إن كان رجلا فوقوفه في صف النساء يفسد صلاته ، وإن كانت امرأة فوقوفها يفسد صلاة من عن يمينها وعن يسارها ومن خلفها من الرجال بحذائها ؛ لأن المراهقة في هذا كالبالغة استحسانا فإذا وقف في صف الرجال أمام صف النساء نتيقن بجواز صلاته وصلاة جميع القوم ، فإن وقف في صف النساء فأحب إلي أن يعيد الصلاة ؛ لأن سبب وجوب الصلاة عليه معلوم والسقوط بهذا الأداء مشتبه والأخذ بالاحتياط في باب العبادات أحب إلي إلا أنه لم يلزمه الإعادة قطعا ؛ لأن المسقط وهو الأداء معلوم والمفسد وهو محاذاة المرأة الرجل في صلاة مشتركة موهوم فللتوهم أحب له أن يعيد الصلاة ، وإن أقام في صف الرجال فصلاته تامة ؛ لأنا نتيقن بجواز صلاته ذكرا كان أو أنثى ويعيد الذي عن يمينه وعن يساره ومن خلفه سجدات صلاتهم والمراد على طريق الاستحباب لما بينا أن محاذاة المرأة الرجل في حقهم موهوم ومبنى العبادة على الاحتياط فيستحب لهم أن يعيدوا صلاتهم لهذا . وإن مات هذا الخنثى المشكل فصلى عليه وعلى رجل وامرأة وضع الرجل مما يلي الإمام والخنثى خلفه مما يلي القبلة والمرأة خلف الخنثى اعتبارا بحالة الحياة فإن صف الرجال أقرب إلى الإمام من صف الخناثى لقوله عليه السلام { ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم } فقد أمر بأن يقرب منه من هو أفضل والأصل فيه قوله تعالى { ويؤت كل ذي فضل فضله } وللرجال زيادة درجة على النساء فينبغي أن تكون جنازة الرجل أقرب إلى الإمام من جنازة النساء والخنثى المشكل لتردد الحال فيه تجعل جنازته خلف جنازة الرجل وأمام جنازة المرأة ، فإن دفنوا في قبر واحد من عذر فلا بأس بذلك ؛ لأن { النبي ﷺ أمر يوم أحد أن يدفن جماعة من الشهداء في قبر واحد وأن يجعل بين كل ميتين حاجز من التراب } فيفعل كذلك هنا ويوضع الرجل مما يلي القبلة ثم خلفه الخنثى ثم خلفه المرأة ؛ لأن جهة القبلة أشرف فيكون الرجل بالقرب منه أحق . ( ألا ترى ) في حديث أحد روي أن { النبي ﷺ أمر بتقديم أكثرهم أخذا للقرآن إلى جانب القبلة } ويجعل بين كل ميتين حاجز من الصعيد فيصير ذلك في حكم قبرين . وإن قذف رجلا بعد ما بلغ قبل أن يستبين أمره أو سرق منه أقيم الحد عليه ؛ لأنه صار بالبلوغ مخاطبا وحد القذف والسرقة لا يختلف بالذكورة والأنوثة ، واشتباه حاله لا يمنع بتحقق قذفه موجبا للحد عليه ولا تحقق سرقته والسرقة منه موجب القطع ، وإن قذفه رجل فلا حد على قاذفه بمنزلة المجنون والرتقاء إذا قذفها رجل ، وهذا لأن القاذف يستوجب الحد بنسبة الرجل إلى فعل يباشره ونسبة المرأة إلى التمكين من فعل يباشره غيرها ، ومع اشتباه أمره لا يتقدر السبب ولا يدري أن قاذفه إلى أي فعل نسبه ، فإن كان نسبه إلى مباشرة الفعل وهو امرأة كان قد نسبه إلى محال فيكون بمنزلة قاذف الرتقاء والمجنون ، وإن كان قد نسبه إلى التمكين وهو رجل كان قد نسبه إلى ما هو قاصر في حقه غير موجب للحد عليه ، وعند اشتباه الأمر لا يمكن إقامة الحد على القاذف . وإذا قطع رجل يده أو امرأة قبل أن يستبين أمره فلا قصاص على القاطع ؛ لأن حكم القصاص فيما دون النفس يختلف بالذكورة والأنوثة لا يجري القصاص بين الرجال والنساء وفي الأطراف ، فإن كان القاطع رجلا لم يجب القصاص إذا كانت هي امرأة ، وإن كان القاطع امرأة لم يجب القصاص إذا كان هو رجلا ، فعند الاشتباه يتمكن فيه الشبهة ، والقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات وبه فارق القصاص في النفس فإنه لا يختلف بالذكورة والأنوثة سواء قتله رجل أو امرأة كان عليه القصاص لتيقننا بوجوبه وتقرر سببه ، ولو قطع هذا الخنثى يد رجل أو امرأة أو قتله لم يكن عليه قصاص ولكن الدية على عاقلته ؛ لأنه صغير لم يبلغ فعمده وخطؤه سواء ، ولو صلى بغير قناع قبل أن يدرك لم آمره بالإعادة ؛ لأن أسوأ أحواله أن يكون أنثى والمراهقة إذا صلت بغير قناع لا تؤمر بالإعادة استحسانا زاد في بعض النسخ ، وإن كان بالغا فصلى بغير قناع أمرته أن يعيد ، وهذا بطريق الاحتياط ولكن لا يتصور بقاؤه مشكلا بعد البلوغ ، وإن تصور يحكم بهذا ، وأكره له أن ينكشف قدام الرجال وقدام النساء إذا كان قد راهق حتى يستبين أمره لتوهم أن يكون امرأة والمرأة عورة مستورة ، وهذه المسألة تدل على أن نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى ذوات محارمه لا كنظر الرجل إلى الرجل ؛ لأنه لو كان كنظر الرجل إلى الرجل لجاز للخنثى التكشف من النساء فإنه ليس المراد من التكشف إبداء موضع العورة ؛ لأن ذلك لا يحل لغير الخنثى أيضا ولكن المراد أن يكونا في إزار واحد وفي هذا الفصل روايتان بيناهما في الاستحسان . وأكره أن يخلو به من ليس بمحرم له من رجل أو امرأة لقوله عليه السلام { ألا لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بسبيل فإن ثالثهما الشيطان } وإذا خلى الخنثى برجل فمن الجائز أنه امرأة فتكون هذه خلوة رجل بامرأة أجنبية وإذا خلا بامرأة فمن الجائز أنه ذكر خلا بأجنبية والمراهقة في المنع من هذه الخلوة كالبالغة ؛ لأن المنع لخوف الفتنة . وكذلك يكره أن تسافر معه امرأة محرما كانت أو غير محرم ؛ لأن من الجائز أن الخنثى أنثى فتكون هذه مسافرة امرأتين بغير محرم لهما وذلك حرام ، ويكره أن يسافر الخنثى إلا مع محرم من الرجال ثلاثة أيام فصاعدا ؛ لأن من الجائز أنه أنثى ، ولا يجوز شهادته حتى يدرك ؛ لأن الصغير يعدم أهلية الشهادة ، وأكره له أن يلبس الحلي والذهب حتى يستبين أمره لجواز أن يكون ذكرا . ولو كان لرجل ولدان خنثيان فمات أبوهما أحرزا ميراثه كله في قول الشعبي ؛ لأن عنده يرث كل واحد منهما نصف ميراث رجل ونصف ميراث أنثى ، وعندنا ما زاد على نصيب الابنتين موقوف حتى يستبين أمرهما وقد بينا هذا في فرائض الخنثى ولا يرث الخنثى بولاء الغير ما لم يستبن أمره ؛ لأنه في حكم الميراث أنثى . ولو أوصى رجل لما في بطن امرأة بألف درهم إن كان غلاما وبخمسمائة إن كانت جارية فولدت هذا الخنثى قال يوقف الخمسمائة الفاضلة في قوله حتى يتبين أمره ؛ لأن الوصية أخت الميراث وقد جعلناه في الميراث كالأنثى ما لم يتبين أمره ، وهذا لأنا لا نعطيه إلا بالمتيقن به والمتيقن به هو الأقل وفي قياس قول الشعبي ينبغي أن يكون له سبعمائة ؛ لأنه يجعل الخنثى في الميراث بمنزلة نصف رجل ونصف امرأة فكذلك في الوصية ، وهذا لأن اعتبار الأحوال عند الاشتباه أصل معتبر في الشرع ، ولو قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت طالق أو قال لأمته إن كان أول ولد تلدينه جارية فأنت حرة فولدت الحرة والأمة هذا الخنثى المشكل لم يقع الطلاق ولا العتاق حتى يتبين أمره ؛ لأن المتعلق بالشرط لا ينجز ما لم يوجد الشرط حقيقة ومع الإشكال لا يتبين وجود الشرط فهذا نظير ما لو قال إن لم أدخل دار فلان فعبده حر ثم مات ولا يعلم أدخل أو لم يدخل لا يحكم بوقوع العتق لهذا المعنى فكذلك هنا ، فإن فرض لهذا الخنثى في الغنيمة لم يجز حتى يستبين أمره وإن شهد الوقعة وصح له بسهم ؛ لأنه صغير ما دام مشكل الحال وقد بينا أن الإشكال لا يبقى بعد البلوغ ولأنه متردد الحال فلا يثبت في حقه إلا أدنى الأمرين وكذلك الرضخ دون السهم . وإن أخذ الخنثى أسيرا من الكفار أو ارتد بعد الإسلام لم يقتل ؛ لأن القتل عقوبة يندرئ بالشبهات فإما أن يكون هذا في حال الصغر والصغير لا يستوجب العقوبة أو بعد البلوغ فيتوهم كونه أنثى ، وإن كان الخنثى من أهل الذمة لم يوضع عليه خراج رأسه لهذين المعنيين وكذلك لا يدخل الخنثى في القسامة مع العقلاء ولتوهم الأنوثة . ولو قال رجل كل عبد لي حر أو قال كل أمة لي حرة وله مملوك خنثى لم يعتق حتى يستبين أمره ، وإن قال القولين جميعا عتق ؛ لأنه عند تيقن الجمع فإن الإيجاب يتناوله بأحد اللفظين ، وعند الانفراد بأحد اللفظين لا يتيقن ذلك والرق فيه يقين ، وكذلك إن قال إن ملكت عبدا فامرأته طالق فاشترى الخنثى لم تطلق وكذلك إن قال القولين جميعا طلقت بشراء الخنثى لتيقننا بوجود الشرط . وإن قال الخنثى أنا رجل أو قال أنا امرأة لم يقبل قوله إن كان قد علم أنه مشكل ؛ لأنه يحارف عما يخبر به عن نفسه فإنه لا يعلم من ذلك إلا ما يعلم غيره . ويكره أن تجسسه رجل وامرأة حتى يبلغ ويستبين أمره ؛ لأن المراهق بمنزلة البالغ في وجوب ستر عورته ، ونظر الجنس إلى خلاف الجنس لا يباح في حالة الاختيار فسواء جسسه رجل أو امرأة يتوهم نظر خلاف الجنس ولكن يشتري له جارية عالمة بذلك من ماله تجسسه ؛ لأنه يملكها بالشراء حقيقة فإن كان الخنثى امرأة فهذا نظر الجنس إلى الجنس فإن كان رجلا فهذا نظر المملوكة إلى مالكها ، قال محمد رحمه الله إن كان معسرا اشترى له الإمام جارية بمال بيت المال فتجسسه ثم باعها وجعل ثمنها في بيت المال ، وأبو حنيفة وأبو يوسف لا يخالفان محمدا رحمه الله في هذا ولكنه خص قوله ؛ لأنه لم يحفظ جوابهما ثم مال بيت المال معد لمصالح المسلمين ، وهذا من جملتها وفيه إقامة ما هو ظهره بمنزلة المستحقة شرعا فيكون للإمام أن يحصل ذلك بمال بيت المال ولم يذكر في الكتاب أنه يزوج امرأة خناثة وكأن الشيخ الإمام رحمه الله يقول إنما لم يذكر ذلك ؛ لأنه لم يتيقن بصحة نكاحه ما لم يتبين أمره ، ولكن لو فعل مع هذا كان مستقيما ؛ لأن الخنثى إن كان امرأة فهذا نظر الجنس إلى الجنس والنكاح لغو ، وإن كان رجلا فهذا نظر المنكوحة إلى زوجها ، وإن زوجه أبوه قبل أن يبلغ رجلا أو زوجه امرأة فإن ذلك موقوف لا يجيزه ولا يبطله ولا يتوارث حتى يستبين أمره . أما لا نبطله لأن العاقد ولي ولا نجيزه ؛ لأنا لا نعلم بمصادفة هذا العقد محله ، ولا يتوارث ؛ لأن التوارث من حكم انتهاء العقد الصحيح بالموت ، وإن قتل خطأ قبل أن يستبين أمره فعلى قول الشعبي على القاتل نصف دية المرأة ونصف دية الرجل باعتبار الأحوال ، وعندنا القول قول القاتل وعلى أولياء القتيل البينة ؛ لأن القاتل منكر للزيادة فكان القول قوله مع يمينه وعلى مدعي الزيادة إثباتها بالبينة . رجل مات وترك ابنا وامرأة وولد من هذه المرأة خنثى فمات الخنثى بعد أبيه فادعت أمه أنه كان غلاما يبول من حيث يبول الغلام وادعى الابن أنه كان يبول من حيث تبول الجارية فالقول قول الابن ؛ لأنها تدعي الزيادة في ميراثها منه والابن منكر للزيادة فالقول قوله مع يمينه على علمه ؛ لأنه يستحلف على فعل الغير ، والبينة بينة الأم سواء أقامت هي وحدها أو أقاما جميع البينة ؛ لأنها تثبت الزيادة في حقها والابن ينفي بينة تلك الزيادة ، ولو أقامت الأم بينة على ذلك وأقام رجل البينة أن الميت زوجه هذه الصبية على ألف درهم وأنها كانت تبول من حيث تبول النساء وطلب ميراثه منها قال فالبينة بينة الزوج ؛ لأن في بينته زيادة إثبات ؛ فإنه يثبت صحة النكاح والميراث لنفسه فكانت بينته أولى بالقبول ، ثم للأم نصيبها من الصداق وغيره ، ولا يقال هي تنكر وجوب الصداق فكيف تأخذ نصيبها منه لأنها صارت مكذبة فيما زعمت في الحكم ، وقد بينا أن زعم الزاعم يسقط اعتباره إذا جرى الحكم بخلافه ، وكذلك إن أقام كل واحد منهما البينة أنه كان يبول من المبال الذي ادعاه ولم يكن يبول من المبال الآخر ؛ لأن قوله ولم يكن يبول نفي والشهادة بلفظ النفي لا تكون مقبولة فوجود هذه الزيادة كعدمها . ولو أقامت امرأة البينة أن أباها زوجها إياه في حال حياته وأمهرها عنه ألف درهم وأنه كان غلاما يبول من حيث يبول الغلام خاصة وأقامت الأم البينة أنه كان يبول من حيث تبول النساء فالبينة بينة المرأة لما فيها من إثبات الزيادة وهو أصل النكاح والمهر والميراث ، وكذلك لو صدقتها الأم فيما ادعت وأقام الابن البينة أنه كان جارية فالبينة بينة المرأة لما بينا ، ولو أقامت هذه المرأة البينة على ما وصفنا وأقام الزوج البينة على ما وصفنا في المسألة الأولى فالبينة بينة المرأة وهو إثبات الصداق فتترجح بذلك ؛ لأن البينتين تعارضتا في إثبات النكاح والميراث وفي بينة المرأة زيادة وهو إثبات الصداق فتترجح لذلك ، وإن وقعت البينتان في وقتين فالوقت الأول أولى ؛ لأن صاحب الوقت الأول يثبت عقده وحده في الخنثى في وقت لا ينازعه غيره فيه وبعد ما ثبت ذلك في الوقت الأول الذي استند إليه تصير البينة الثانية محالا ، وإن كان الخنثى حيا أبطلت ذلك كله ولم أقض بشيء منه ؛ لأن في حال حياته المقصود هو الحل وقد تعارضت البينتان فيه وانتفتا لاستحالة أن يكون الشخص الواحد زوجا وزوجة بخلاف ما بعد موته فالعقد قد ارتفع هناك على أي وجه كان وإنما المقصود المهر والميراث فصرنا إلى الترجيح بإثبات الزيادة ، وهو نظير أختين ادعيا نكاح رجل بعد موته وأقامت كل واحدة منهما البينة قضي لهما بالميراث منه ولو كان الرجل حيا لكان يبطل البينتين إذا لم يوقتا . وكذلك لو ادعى رجلان نكاح امرأة فهو على هذا في الفرق بين ما بعد الموت وقبله . قال : وليس يكون الخنثى مشكلا بعد الإدراك على حال من الحالات ؛ لأنه إما أن تحبل أو تحيض أو تخرج له لحية أو يكون له ثديان كثديي المرأة وبهذا يتبين حاله ، وإن لم يكن له شيء من ذلك فهو رجل ؛ لأن عدم نبات الثديين يكون دليلا شرعيا على أنه رجل ، وإذا قال أبوه أو وصيه هو غلام أو قال هي جارية فالقول قوله إذا كان لا يعلم ، فإن كان لا يعلم أنه مشكل لم يقبل قوله ؛ لأنه قائم مقام الصغير فيكون إخباره بذلك كإخبار الخنثى بنفسه ، وإذا مات الخنثى بعد موت أبيه وهو مراهق فأقام الرجل البينة أن أباه زوجه على هذا الوصيف فأمر بدفعه إليها وأنه كان يبول من مبال النساء وأنه قد طلقها في حياته قبل أن يدخل بها فوجب له نصف هذا العبد ، وأقامت امرأة البينة أن أباها زوجها إياه في حياته على ألف درهم وأنه كان يبول من مبال الغلام فإن وقتت البينتان وقتين فصاحب الوقت الأول أولى ؛ لأنه أثبت دعواه في وقت لا ينازعه غيره فيه والإبطال للمعارضة وقد انعدم هذا ، وإن لم توقت البينتان ولا يعرف أيهما أول أبطلت ذلك كله ؛ لأن البينتين استويا في معنى الإثبات ففي كل واحد منهما إثبات النكاح والميراث وإثبات المهر أيضا ؛ لأن الرجل يثبت ببينته الملك لنفسه في نصف الوصيف والمرأة تثبت المهر ، والجمع بينهما ممتنع فللتعارض قلنا بأنه تبطل البينتان بخلاف ما تقدم فهناك إثبات المهر في بينة المرأة دون بينة الرجل ، وكذلك لو أقام الرجل البينة أن أباه زوجها إياه برضاها وأنه دخل بها فولدت هذا الغلام أبطلت ذلك كله ؛ لأنه في كل واحدة من البينتين إثبات النكاح والنسب والميراث فاستويا والجمع بينهما محال ، وإذا لم يعرف الحق منهما أبطلت ذلك كله ، ولو قامت إحدى البينتين وقضى القاضي بها ثم جاءت الأخرى لم يلتفت إليها ؛ لأنا نتيقن بكذب أحد الفريقين فمن ضرورة القضاء بصدق الفريق الأول الحكم بكذب الفريق الثاني هذا هو الصحيح من الجواب . وقع في بعض ذلك تشويش في الرواية فقال إذا لم يكن هناك ولد وقامت البينتان ولم يوقتا ولم يقض القاضي بواحدة منهما فإني أبطل ذلك كله وأرده ، وهذا الجواب إنما يكون في حال حياة الخنثى فأما بعد موته فقد بينا أن بينة المرأة أولى لما في بينتها من إثبات الزيادة وهو المهر . ولو كان الخنثى من أهل الكتاب فادعى مسلم أن أباه زوجه إياها على مهر مسمى وأقام بينة من أهل الكتاب وادعت امرأة من أهل الكتاب أنه زوجها وأقامت بينة من أهل الكتاب قضيت ببينة المسلم ؛ لأن المسلم أقام ما هو حجة عليها وهي أقامت ما ليست بحجة عليه ، وكذلك لو كان الرجل من أهل الكتاب وبينته من أهل الإسلام قضيت بها له ؛ لأن إبطال البينتين بحكم المعارضة والمساواة ولا معارضة بين شهادة المسلمين وشهادة الكفار فلا يجوز أن تجعل شهادة المسلمين مردودة لمكان شهادة الكفار . وإذا مات هذا الخنثى فادعت أمه ميراث غلام وجحد الورثة ذلك وأقر الوصي به قال إذا جاءت الأموال والديون لم أصدق الوصي ؛ لأن عند الدعوى والجحود الحاجة إلى حجة حكمية ، وقول الوصي لا يكفي لذلك في حق الورثة بخلاف ما إذا لم يكن هناك دعوى المال فأخبر الوصي أنه غلام أو جارية فإنه يقبل قوله ؛ لأن الوصي قائم مقامه وهو لو أخبر بنفسه في حياته كان قوله مقبولا إذا لم يعرف خلاف ذلك منه إلا فيما يرجع إلى إلزام الغير فكذلك قول الوصي بعد موته ، وإن كان الوصي أخاه فزوجه امرأة ثم مات الخنثى فقال الوصي هو غلام وقال بقية الورثة هو جارية لم يصدق الأخ إلا في نصيبه يرث من ذلك القدر معه ؛ لأن الوصي أحد ورثة الخنثى وقد أقر بصحة نكاحه وأن لها منه ميراث النساء ، وأحد الورثة إذا أقر بوارث آخر بسبب القرابة أو النكاح صدق في نصيب نفسه وإن لم يثبت أصل النسب بإقراره ، فإن كان له أخ آخر فأقر أنه جارية وزوجه رجلا ثم مات الخنثى وهو مراهق لم يتبين حاله فنكاح الأول جائز على الزوج دون غيره ، ولا يجوز نكاح الثاني على الثاني ولا على غيره من الورثة ؛ لأن كل واحد من الأولين يستند بالعقد كأنه ليس معه غيره فحين زوجه أحدهما لا يحكم ببطلان النكاح ليكون المزوج وليا ، ولو جعلنا النكاح من الثاني معتبرا كان من ضرورته الحكم ببطلان النكاح الأول وذلك لا وجه له ولأنه لما استويا ترجح الأول بالسبق فيتعين جهة البطلان في العقد الثاني وبالعقد الباطل لا يستحق الميراث ، فإن لم يعرف أيهما أول أبطلت ذلك كله ولم أورثهما شيئا لتحقق المعارضة والمساواة بينهما وتنافي الجمع بينهما ، ويجوز عتق هذا الخنثى عن الرقبة الواجبة ؛ لأن الواجب رقبة مطلقة يستوي فيه الذكر والأنثى والخنثى على أحد الوصفين لا محالة . ولا يحضر - إن كان مراهقا - غسل امرأة ولا رجل كما لا يغسله إذا مات رجل ولا امرأة لتوهم نظر الجنس إلى خلاف الجنس . وإذا زوج خنثى من خنثى وهما مشكلان على أن أحدهما رجل والآخر امرأة لم أجز النكاح ولم أبطله حتى يتبين أمرهما ؛ لأن العقد صدر بين الوليين فلا يحكم ببطلانه ما لم يعلم أنه لم يصادف محله ولا يحكم بجوازه لتوهم كونهما أنثيين أو ذكرين أو على عكس ما قدره الوليان ، وإن ماتا لم يتوارثا ؛ لأن الإرث إنما يكون بعد الحكم بصحة النكاح ، وإن كان لم يعرف كل واحد منهما أنه مشكل أجزت النكاح إذا كان الأبوان هما اللذان زوجا ؛ لأن أب الزوج منهما أخبر أنه غلام ، وأب المرأة منهما أخبر أنها امرأة وخبر كل واحد منهما مقبول شرعا ما لم يعرف خلاف ذلك فوجب الحكم بصحة النكاح بناء على ذلك ، فإن ماتا بعد ذلك الأبوين وأقام كل واحد من ورثتهما البينة أنه هو الزوج وأن الأخرى هي الزوجة لم أقض بشيء من ذلك ، فأما إذا قامت البينة بخلاف ما جرى الحكم به فهو مردود بلا إشكال ، وإن لم يعلم أيهما كان الزوج فقد تعارضت البينتان واستويا في أن كل واحدة منهما تنقض الأخرى ، وإن قامت إحدى البينتين أولا واتصل القضاء بها تعين البطلان للبينة الأخرى . وإذا شهد شهود على خنثى أنه غلام وشهد شهود آخرون أنه جارية فإن كان يطلب ميراثا بهذه البينة قضيت بشهادة الشهود الذين شهدوا أنه غلام ؛ لأن فيه إثبات الزيادة ، وإن كان لا يطلب ميراثا وكان رجل يدعي أنها امرأته قضيت بأنها جارية ؛ لأن في هذه البينة إثبات النكاح والحل ، وإن كان لا يطلب شيئا ولا يطلب من قبله شيء لم أسمع هذه البينة ؛ لأن قبول البينة تنبني على دعوى صحيحة ولا تصح الدعوى لصحة الذكورة والأنوثة إذا لم يدع بها شيئا فلهذا لا تقبل البينة وهو بمنزلة من أثبت الأخوة بالبينة وهو لا يدعي بذلك شيئا إذ الثابت بالبينة كالثابت بالإقرار ، وقد بينا أنه بعد ما عرف كونه مشكلا إذا أقر أنه على أحد الوصفين لم يقبل إقراره بذلك إذا قامت البينة به والله أعلم بالصواب. كتاب حساب الوصايا قال الشيخ الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله اعلم بأن مسائل هذا الكتاب من تفريع الحسن بن زياد وقد كان هو المقدم في علم الحساب من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله ويوجد غير هذه المسائل في تصنيف له سماه التكملات وإنما جمعها محمد بن الحسن رحمه الله في هذا التصنيف بعد ما صنف كتب الحساب وسماه حساب الوصايا ؛ لأن مقصوده تحقيق طريق التعميم الذي هو الأصل لأهل الكوفة في تخريج مسائل الحساب عليه والحساب قل ما يعتمدون ذلك الطريق ولكن الفقهاء رحمهم الله قدموه على سائر الطرق ؛ لأنه أقرب إلى طريق الفقه ، ومن سلك طريق الورع من أصحابنا لا يشتغل في شرح مسائل كتب الحساب بطريق الحساب . ويقولون : إنا لا نقف على حقيقة تلك الطرق ولا ندري أنها توافق فقه الشريعة أم لا ، وليس في الاشتغال بها كثير فائدة فيكتفى بما هو طريق الفقهاء رحمهم الله ومنهم من اشتغل بذكر ذلك الطريق وقالوا : إن الحساب كسبي في الابتداء ضروري في الانتهاء ، وفي الفقه كسبي في الابتداء والانتهاء ؛ لأن المجتهد في الابتداء لا يدري أيصيب يقينا أم لا وبعد ما اجتهد لا يدري أنه أصاب يقينا أم لا وفي الحساب نتيقن إن أصاب في الابتداء فهو ضروري في الانتهاء فذكر طريق الحساب في مسائل الفقه لبيان أنه قد يستدل بطريق الفقه على ما يكون بمنزلة الضروري في الانتهاء وقد ذكرنا طرق الحساب في بعض ما تقدم من المسائل فيكتفى في بيان مسائل هذا الكتاب بما اعتمده محمد رحمه الله وهذا طريق التعميم وقد سماه ثم الكسر والتعميم هو الأصل فنقول رجل مات وترك ابنا وابنة وأوصى بمثل نصيب الابن فأجاز الابن ولم تجز الابنة فالقسمة من خمسة وأربعين سهما للابنة عشرة وللابن ثمانية عشر وللموصى له سبعة عشر ؛ لأنا نصحح الوصية لو أجازا جميعا فنقول : عند إجازتهما تكون الفريضة من خمسة أسهم ؛ لأن قبل الوصية المال بين الابن والابنة أثلاثا وقد أوصى بمثل نصيب الابن ومثل الشيء غيره فيزداد للموصى له سهمان فتكون الفريضة من خمسة ثم تصحح الفريضة ؛ لو لم يجز فنقول : الفريضة من تسعة ؛ لأن الموصى له يأخذ ثلث المال والباقي بين الابن والابنة أثلاثا فتكون الفريضة من تسعة فإذا أجاز أحدهما ولم يجز الآخر فالسبيل أن نضرب تسعة في خمسة فيكون خمسة وأربعين خمسة عشر سهما وهو الثلث من ذلك للموصى له بلا منة الإجازة وللابنة ثلث ما بقي عشرة أسهم ؛ لأنها لم تجز الوصية فتأخذ كمال حقها من الثلثين والابن قد أجاز الوصية وباعتبار الإجازة حقه في خمسي المال وكل خمس تسعة ؛ فله ثمانية عشر فهو يأخذ من الباقي ثمانية عشر ويدفع سهمين إلى الموصى له فيحصل للموصى له سبعة عشر وللابن ثمانية عشر وإذا لم تجز الابنة أخذت حقها عشرة فانتقص بما كان يسلم للموصى له بالإجازة سهم وبقي سهمان وضرر الإجازة يكون عليهما بقدر نصيبهما والتفاوت ما بين حالة الإجازة وعدم الإجازة للموصى له ثلاثة أسهم سهمان من ذلك من نصيب الابن وسهم من نصيب الابنة ، والابن قد رضي بالتزام هذا الضرر ورضاه يعمل في نصيبه دون نصيب الابنة فلهذا دفع سهمين من نصيبه إلى الموصى له . فإن قيل ترك ثلاث بنين وأوصى لشخص بمثل نصيب أحدهم ولآخر بثلث ما بقي من الثلث فالقسمة من ثلاثة وثلاثين للموصى له بمثل نصيب أحدهم ثمانية وللآخر سهم ولكل ابن ثمانية . والطريق في تخريجه أن تأخذ عدد البنين وهو الثلاثة فتزيد عليها سهما للوصية بمثل النصيب ثم تضرب ذلك في ثلاثة لمكان وصيته بثلث ما بقي من الثلث فيكون اثنا عشر ثم ادفع منه ما زدت للنصيب وهو واحد ؛ لأن الوصية بثلث ما بقي بعد النصيب فيبقى أحد عشر سهما فهو الثلث وجملة المال ثلاثة وثلاثون . وإذا أردت أن تعرف النصيب فخذ النصيب وهو السهم واضربه في ثلاثة فيكون تسعة ثم ارفع منه سهما كما رفعته من أصل الثلث يبقى ثمانية فهو النصيب إذا رفعت ذلك من الثلث يبقى ثلاثة للموصى له بثلث ما بقي سهم وترد الباقي ، وذلك سهمان على ثلثي المال فيكون أربعة وعشرين مقسوم بين ثلاثة بنين لكل ابن ثمانية مثل النصيب قال في الأصل فإن أردت أن تحسبه بالجامع ومراده طريق الخطأين وفي تخريجه ثلاث طرق أحدها يسمى طريق التقدير والآخر يسمى طريق الجامع الأصغر ، والآخر طريق الجامع الأكبر فالذي ذكر في الكتاب أن قال : خذ مالا فوق العشرة له ثلث وهو اثنا عشر فأخرج ثلثه وهو أربعة وأعط بالنصيب منه سهما وبثلث ما يبقى من الثلث سهما بقي سهمان فردهما على ثلثي المال فيصير عشرة وحاجتك إلى ثلاثة فظهر الخطأ بسبعة فاحفظ ذلك معك وخذ مالا آخر له ثلث وهو أحد وعشرون فأخرج منه الثلث سبعة ثم أعط بالنصيب سهما وبثلث ما يبقى سهمين بقي أربعة فزدها على الثلثين فيكون ثمانية عشر وحاجتك إلى ثلاثة فظهر الخطأ الثاني بزيادة خمسة عشر فاضرب الثلث الأول وهو أربعة في الخطإ الثاني وهو خمسة عشر فيكون ستين وثلث الثاني وهو سبعة في الخطإ الأول وهو سبعة فيكون تسعة وأربعين ، اطرح الأقل من الأكثر يبقى أحد عشر وهو الثلث ومعرفة النصيب أن تطرح أقل الخطأين من أكثرهما بلا ضرب فإن طرحت سبعة من خمسة عشر بقيت ثمانية فهو النصيب فهو الذي أشار إليه الجامع الأكبر والفقهاء رحمهم الله يعبرون عنه بتضعيف الثلث سوى النصيب فهو كذلك فقد جعل الثلث الأول أربعة والثلث الثاني سبعة وعلى طريق التقدير في الخطأين أن تقول : لما ظهر الخطأ الأول بزيادة سبعة تجعل ثلث المال أربعة ثم تعط بالنصيب سهمين وبثلث ما يبقى ثلثا سهم يبقى سهم وثلث تضمه إلى ثلثي المال فيصير تسعة وثلثا وحاجة الورثة إلى ستة ظهر الخطأ بزيادة الثلاثة وثلث وكان الخطأ الأول بزيادة سبعة ، فلما زدنا في النصيب سهما أذهب خطأ ثلاثة وثلاثين ويبقى خطأ ثلاثة . وثلث فتزيد في النصيب ما يذهب الخطأ الباقي وذلك عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا ؛ لأن كل سهم يؤثر في أحد عشر فتنفذ الوصية في سهمين وعشرة أجزاء بقي سهم وجزء من أحد عشر جزءا للموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك فقد انكسر فتضرب أربعة في أحد عشر فيكون أربعة وأربعين النصيب من ذلك اثنان وثلاثون يبقى من الثلث اثنا عشر للموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك وهو أربعة ، والباقي وهو ثمانية رده على ثلثي المال ثمانية وثمانين فيكون ستة وتسعين بين ثلاث بنين لكل ابن اثنان وثلاثون مثل النصيب وبين هذه الأجزاء موافقة بالربع فإذا اقتصرت على ذلك كان الثلث أحد عشر والنصيب ثمانية وثلث يبقى من الثلث واحد وعلى طريق الجامع الأصغر تقول : لما ظهر أن الخطأ الأول بزيادة سبعة والثاني بزيادة ثلاثة وثلث فتضرب ثلث الأول وهو أربعة في الخطإ الثاني وهو ثلاثة فيكون اثني عشر وثلث ثلث الثاني هو أربعة في الخطإ الأول وهو سبعة فيكون ثمانية وعشرين ، اطرح الأقل من الأكثر يبقى أربعة عشر وثلثان وقد انكسر بالأثلاث فاضربه في ثلاثة فيكون أربعة وأربعين . ومعرفة النصيب أن تضرب نصيب الأول وهو سهم في الخطإ الثاني وهو الثلاثة والثلث ونصيب الثاني في الخطإ الأول وهو سبعة فيكون أربعة عشر ، ثم اطرح الأقل من الأكثر يبقى عشرة وثلثان اضربه في ثلاثة فيكون اثنين وثلاثين فهو النصيب . وإذا أردت الاقتصار فبين هذه الأعداد موافقة بالربع كما بينا . وحاصل طريق الخطأين أنه متى كان الخطأ إلى زيادة أو نقصان فالسبيل طرح الأقل من الأكثر ومتى كان أحدهما إلى زيادة والآخر إلى نقصان فالسبيل هو الجمع بينهما ومسائل الحساب تخرج مستقيما على طريق الخطأين إذا لم يخالطه حذر فإن خالطه ذلك فقد يخرج مستقيما وفي الأغلب لا يخرج مستقيما فلهذا لا يشتغل به أكثر أهل الحساب . قال فإن ترك ثلاث بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم والثلث والربع مما يبقى من الثلث فالثلث أحد وأربعون سهما والنصيب منه تسعة وعشرون والثلث والربع مما يبقى من الثلث سبعة وثمانون وطريق التخريج أن تأخذ عدد البنين ثلاثة فتزيد عليه سهما بوصيته بمثل النصيب ثم تضرب ذلك في اثني عشر لحاجتنا إلى حساب له ثلث وربع لأنه أوصى بالثلث والربع مما بقي من الثلث فيصير ثمانية وأربعين سهما ثم اطرح من ذلك سبعة وهو ثلث اثني عشر وربعه ؛ لأن هاتين الوصيتين بعد النصيب فيبقى أحد وأربعون سهما فهو ثلث المال والثلثان اثنان وثمانون وإذا أردت معرفة النصيب فخذ النصيب وهو واحد . واضربه في ثلاثة يكون ثلاثة ثم اضربه في اثني عشر فيكون ستة وثلاثين ، ثم اطرح من ذلك سبعة ثلث اثني عشر وربعه ؛ يبقى تسعة وعشرون فهو النصيب إذا رفعته من أحد وأربعين بقي اثنا عشر للموصى له الآخر ثلث هذا الباقي وربعه وهو سبعة يبقى خمسة فتضم ذلك إلى ثلثي المال فيكون سبعة وثمانين مقسوما بين ثلاث بنين لكل ابن تسعة وعشرون مثل النصيب الكامل فكان مستقيما ولو أوصى بثلث نصيب أحدهم وربع وثلث وسدس ما يبقى من الثلث الآخر والثلث مما يبقى من ذلك الآخر فالثلث ثمانية وثلاثون والنصيب ستة وعشرون ويبقى من الثلث اثني عشر فثلثها وربعها وسدسها تسعة وثلث ما يبقى بعد ذلك سهم واحد وهذا من التعميم الكثير أيضا فطريق التخريج فيه أن تأخذ عدد البنين الثلاثة فتزيد عليه النصيب واحدا ، ثم تضربه في مال له ثلث وربع وسدس وثلث ما يبقى بعد ذلك وذلك اثنا عشر إذا ضربت أربعة في اثني عشر تكون ثمانية وأربعين ، ثم اطرح من ذلك ثلث اثني عشر وهو أربعة ، وربعه وهو ثلاثة ، وسدسه وهو اثنان ، وثلث ما يبقى بعد ذلك وهو واحد فيكون جملة ما طرحته عشرة يبقى ثمانية وثلاثون فهو ثلث المال ومعرفة النصيب وهو واحد فتضربه في ثلاثة ثم في اثني عشر فيكون ستة وثلاثين ثم اطرح من ذلك عشرة كما طرحته من الثلث وهو ثلث اثني عشر وربعه وسدسه وثلث ما بقي بعد ذلك يبقى ستة وعشرون فهو النصيب إذا رفعته من ثمانية وثلاثين يبقى من الثلث اثنا عشر فللموصى له الآخر ثلثها وربعها وسدسها وذلك تسعة يبقى ثلاثة للموصى له الآخر ثلث ذلك وهو سهم يبقى سهمان تضمهما إلى ثلثي المال ستة وسبعين فيصير ثمانية وسبعين بين ثلاث بنين لكل ابن ستة وعشرون مثل النصيب الكامل فاستقام التخريج . وإن ترك خمسة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم وثلث ما يبقى من الثلث فالثلث سبعة عشر والنصيبان أربعة عشر والباقي بعدهما من الثلث ثلاثة فيعطى ثلثيها وهو سهمان ويرد السهم الباقي إلى الثلثين وطريق التخريج فيه أن تأخذ عدد البنين خمسة فتزيد عليه النصيبين وهو اثنان فيصير سبعة ثم تضرب في ثلاثة لمكان وصيته بثلثي ما يبقى من الثلث لكنا نطرح باعتبار كل نصيب سهما فإذا كانت الوصية بثلثي ما يبقى من الثلث تطرح باعتبار كل نصيب سهمين ؛ لأن الثلثين ضعف الثلث ، وهذا هو الأصل في هذا الجنس فإذا طرحنا أربعة من أحد وعشرين يبقى سبعة عشر وهو الثلث ومعرفة النصيبين أن تأخذ النصيبين وذلك اثنان فتضرب ذلك في ثلاثة فيصير ستة ثم ستة في ثلاثة فتكون ثمانية عشر ثم تطرح من ذلك أربعة باعتبار النصيبين لما بينا يبقى أربعة عشر فهو مقدار النصيبين كل نصيب سبعة إذا رفعت ذلك من سبعة عشر يبقى ثلاثة للموصى له بثلثي ما يبقى من الثلث سهمان ثلثا ذلك ويبقى من الثلث سهم فرده على ثلثي المال أربعة وثلاثين فيكون خمسة وثلاثين بين خمس بنين لكل ابن سبعة مثل النصيب الواحد ولو كان قال وثلث ما بقي من الثلث كان الثلث تسعة عشر والنصيبان ستة عشر والطريق فيه أن تزيد على عدد البنين سهمين فيكون سبعة ، ثم تضرب ذلك في ثلاثة فيكون أحدا وعشرين ثم تطرح باعتبار النصيبين هنا سهمين ؛ لأنه أوصى بثلث ما يبقى من الثلث فيبقى تسعة عشر سهما فهو الثلث وإذا أردت معرفة النصيبين فخذ اثنين واضربهما في ثلاثة فتصير ستة ، ثم ستة في ثلاثة فتصير ثمانية عشر ثم ارفع من ذلك اثنين يبقى ستة عشر فهو النصيبان كل نصيب ثمانية ، فإذا رفعت من الثلث ستة عشر يبقى ثلاثة فللموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك ؛ يبقى سهمان فردهما على ثلثي المال وهو ثمانية وثلاثون ؛ فيصير أربعين بين خمسة بنين لكل ابن ثمانية مثل النصيب . قال : ولو ترك ثلاث بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب فالثلث ثلاثة عشر والنصيب عشرة والاستثناء سهم واحد وطريق التخريج فيه أن تأخذ عدد البنين ثلاثة فتزيد عليه للوصية بالنصيب سهما ثم اضربه في ثلاثة فيصير اثني عشر سهما ، ثم زد عليه مقدار النصيب وهو واحد ؛ لأن الوصية الثانية هنا بطريق الاستثناء فيكون المستثنى من النصيب فكان الطريق فيه الزيادة بقدر النصيب بخلاف ما سبق فهناك الوصية الثانية كانت بما بقي من الثلث بعد النصيب فكان الطريق طرح الزيادة والنصيب من الجملة فإذا زدت سهما على اثني عشر يكون ثلاثة عشر فهو ثلث المال ، وإذا أردت معرفة النصيب فخذ واحدا واضربه في ثلاثة فيصير تسعة ، ثم زد عليه واحدا كما زدت على أصل الثلث فيكون عشرة فهو النصيب إذا رفعته من الثلث يبقى ثلاثة فاسترجع من النصيب مثل ثلث ما يبقى من الثلث وهو سهم واحد فيحصل في يدك من الثلث أربعة وتسلم للموصى له بالنصيب تسعة ثم تزيد هذه الأربعة على ثلثي المال ستة وعشرين فيصير ثلاثين سهما بين ثلاثة بنين لكل ابن عشرة مثل نصيب الكامل . ولو ترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب ابن رابع لو كان وثلث ما يبقى من الثلث ؛ فالثلث اثنان وأربعون والنصيبان أربعة وعشرون وثلث الباقي ستة والطريق فيه أن تأخذ عدد البنين ثلاثة ، وتزيد عليه النصيب وهو واحد فيصير أربعة ثم اضرب ذلك في ثلاثة فيصير اثني عشر فإن قسمته بين ثلاث بنين ؛ كان لكل ابن أربعة وإن قسمته بين أربعة ؛ كان لكل واحد ثلاثة فتبين أن نصيب الرابع لو كان ثلاثة فزدنا على الاثني عشر مثل نصيب رابع لو كان وهو ثلاثة أسهم فيصير خمسة عشر سهما ، ثم اضرب خمسة عشر في ثلاثة ؛ لأنه قال : وثلث ما يبقى من الثلث ؛ فيصير خمسة وأربعين ثم اطرح منه نصيب رابع لو كان وهو ثلاثة يبقى اثنان وأربعون فهو ثلث المال فإذا أردت معرفة النصيب فخذ مثل نصيب رابع من اثني عشر وهو ثلاثة فاضربه في ثلاثة فيكون تسعة ثم تسعة في ثلاثة فيكون سبعة وعشرين ثم اطرح منه أيضا ثلاثة يبقى أربعة وعشرون فهو نصيب رابع لو كان إذا رفعت ذلك من الثلث يبقى ثمانية عشر سهما للموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك وهو ستة يبقى من الثلث اثنا عشر فزده على ثلثي المال وهو أربعة وثمانون فيصير ستة وتسعين سهما إن قسمته بين ثلاثة بنين ؛ كان لكل ابن اثنان وثلاثون سهما ولو قسمته بين أربعة كان لكل ابن أربعة وعشرون سهما فعرفنا أن نصيب رابع لو كان أربعة وعشرين وقد نفذنا الوصية للموصى له في ذلك القدر فاستقام . رجل ترك ثلاثة بنين وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم ولآخر بربع ماله فأجازوا فالمال ستة عشر للموصى له بالربع منه أربعة وللموصى له بمثل النصيب ثلاثة والطريق فيه أن تأخذ عدد البنين وذلك ثلاثة ، فتزيد عليه بالنصيب واحدا لوصيته بمثل النصيب ، ثم تزيد عليه للوصية الأخرى مثل ثلثه وذلك سهم وثلث ؛ لأنك إذا زدت على العدد مثل ثلثه تكون الزيادة ربع الكل ثم تضرب خمسة وثلثا في ثلاثة فتصير ستة عشر فهو مبلغ المال وقد أوصى لأحدهم بربع جميع المال وذلك أربعة من ستة عشر فإذا أخذ ذلك يبقى اثنا عشر للموصى له بمثل النصيب ثلاثة ؛ لأنا جعلنا النصيب واحدا وضربنا كل سهم في ثلاثة فإذا أخذ ذلك يبقى تسعة بين ثلاث بنين لكل ابن ثلاثة مثل النصيب وسمي هذا في الأصل : المنكوس ؛ لأن الأصل فيه أن تزيد أقل مما أوصى به فإنه إن كان أوصى بربع ماله تزيد مثل ثلث ما معك وإن كان أوصى بخمس ماله تزيد مثل ربع ما معك وإن كان أوصى بسدس ماله تزيد مثل خمس ما معك ؛ فلهذا سماه المنكوس فإن ترك ثلاثة بنين وأوصى بربع ماله وبثلث ماله وبدرهم فالمال على أربعة وعشرين فالسبيل في تخريجه أن تأخذ حسابا له ثلث وربع وذلك اثنا عشر فتطرح منه الثلث وهو أربعة والربع وهو ثلاثة فيبقى خمسة ثم تطرح منه الدرهم فيبقى أربعة فإذا قسمته بين البنين الثلاثة لم تستقم سهامهم صحاحا فتعول إلى اثني عشر فتعزل منه الثلث والربع ولا تعزل منه الدرهم فيبقى . خمسة وكان قد بقي في المرة الأولى أربعة فإذا جمعت بينهما كان تسعة وهو مستقيم بين البنين الثلاثة لكل ابن من ذلك ثلاثة فاضرب أصل الحساب وهو اثنا عشر في اثنين وإنما ضربت ذلك في اثنين ؛ لأنك جمعت ما بقي من المال الأول والمال الآخر فصار مرتين فلهذا تضرب أصل الحساب في اثنين فيصير أربعة وعشرين فهو المال الذي تخرج منه الوصايا فإذا رفعت منه الثلث وهو ثمانية يبقى ستة عشر وإذا رفعت منه الربع أيضا للوصية الأخرى وهو ستة يبقى عشرة فإذا رفعت منه الدرهم لوصيته به تعول بدرهم يبقى تسعة مثل عدد الباقي من المالين بعد ما جمعت بينهما فيكون مقسوما بين ثلاث بنين لكل ابن ثلاثة أسهم . ولو ترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم ودرهم وثلث وربع ما يبقى من الثلث ودرهم فالمال كله على مائة وتسعة وعشرين سهما والنصيب ثلاثون سهما وخرج هذه المسألة على طريق الخطأين بطريق الجامع الأصغر فقال : السبيل أن تأخذ مالا إذا رفعت منه النصيب والدرهم كان له الثلث والربع والدرهم وأقل ذلك أربعة عشر فتجعل ثلث المال أربعة عشر وتعطي بالنصيب واحدا فيبقى ثلاثة عشر ثم تعطي واحدا آخر بقوله ودرهم فيبقى اثنا عشر فتعطي بالوصية الثانية ثلث وربع ما يبقى وذلك سبعة فيبقى خمسة فتعطي منه واحدا آخر بقوله ودرهم فيبقى أربعة فتزيدها على ثلثي المال وهو ثمانية وعشرون فيصير اثنين وثلاثين ثم تخرج منه نصيب البنين ثلاثة ؛ لأنا جعلنا النصيب واحدا فتكون حاجة البنين إلى ثلاثة أسهم فظهر الخطأ بزيادة تسعة وعشرين فعد إلى الأصل وخذ مالا آخر فوق المال الأول بواحد وهو خمسة عشر فارفع منه النصيب اثنين فبقي ثلاثة عشر فارفع منه الدرهم يبقى اثنا عشر فارفع من ذلك الثلث والربع والدرهم يبقى أربعة فرده على ثلثي المال وهو ثلاثون فيصير أربعة وثلاثين وحاجة البنين إلى ستة ؛ لأنا جعلنا النصيب سهمين فظهر الخطأ الثاني بزيادة ثمانية وعشرين فاضرب المال الأول وهو أربعة عشر في الخطإ الثاني وهو ثمانية وعشرون فيصير ثلاثمائة واثنين وتسعين ثم اضرب المال الثاني وهو خمسة عشر في الخطإ الأول وهو سبعة وعشرون فيصير أربعمائة وخمسة ثم اطرح الأقل من الأكثر فيبقى ثلاثة وأربعون سهما فهو ثلث المال وجملة المال مائة وتسعة وعشرون . ومعرفة النصيب أن تأخذ نصيب الأول وذلك سهم فتضربه في الخطإ الثاني وهو ثمانية وعشرون فيكون ثمانية وعشرين فتأخذ النصيب الثاني وذلك اثنان فتضربه في الخطإ الأول وهو تسعة وعشرون فيصير ثمانية وخمسين اطرح الأقل من الأكثر يبقى ثلاثون فإذا رفعت من الثلث بالنصيب ثلاثين فيبقى ثلاثة عشر ثم ترفع واحدا بقوله ودرهم يبقى اثنا عشر فترفع بالوصية الأخرى ثلثها وربعها ودرهما وذلك ثمانية يبقى أربعة فرده على ثلثي المال وهو ستة وثمانون فيصير تسعين سهما بين ثلاث بنين لكل ابن ثلاثون مثل النصيب ثم خرج المسألة على الجامع الأكبر أيضا على نحو ما خرجنا عليه بعض ما تقدم من المسائل الأول وحاصل الفرق بين الطريقين أن في الجامع الأصغر بعد الخطإ الأول تزيد في النصيب خاصة فتضعفه وفي الجامع الأكبر بعد الخطإ الأول تضعف المال سوى النصيب فمن حيث إن التضعيف هناك أكبر سماه الجامع الأكبر ومن حيث التضعيف هنا أقل سماه الجامع الأصغر وعلى هذا النحو تخريج ما ذكر بعده . إذا أوصى بمثل نصيب أحدهم ودرهم فإنك تطلب حسابا إذا رفعت بالنصيب منه واحدا ودرهما يبقى ماله ثلث ثم التخريج إلى آخره كما بينا . رجل ترك ثلاث بنين وامرأة وترك عشرين درهما وثوبين وأوصى بمثل نصيب امرأته وثلث ما يبقى من الثلث ودرهم فصار أحد الثوبين بقيمته لأجل البنين فالثوب الآخر بقيمته لامرأته ما قيمة كل ثوب فالسبيل في معرفة ذلك على طريق الجامع أن ننظر أولا كم نصيب المرأة من نصيب الابن فنقول : أصل الفريضة من ثمانية والقسمة من أربعة وعشرين للمرأة الثمن ثلاثة ولكل ابن سبعة فظهر أن نصيب المرأة ثلاثة أسباع نصيب الابن فنقول الابن يأخذ العشرين الذي ترك ويقوم الثوب الذي أخذه الابن بأربعة دراهم والثوب الآخر الذي أخذته المرأة بالدرهم وخمسة أسباع درهم ثلاثة أسباع أربعة فيجمع بينهما فتكون خمسة وعشرين وخمسة أسباع ثم يخرج الثلث منها ؛ لأنه أوصى من الثلث فذلك ثمانية وأربعة أسباع درهم فتعطى منها مثل نصيب المرأة وهو درهم وخمسة أسباع درهم يبقى ستة دراهم وستة أسباع فتعطى بالوصية الثانية ثلثها وذلك درهمان وسبعان فيبقى أربعة دراهم وأربعة أسباع درهم فتعطى منها درهم بقوله ودرهم فيبقى ثلاثة وأربعة أسباع فتجمعه إلى الثلثين وهو سبعة عشر درهما وسبع فيكون عشرين درهما وخمسة أسباع فتقسمه بين البنين والمرأة لكل ابن أربعة دراهم وللمرأة درهم وخمسة أسباع فيكون ذلك ثلاثة عشر درهما وخمسة أسباع إذا رفعنا ذلك من عشرين درهما وخمسة أسباع يبقى سبعة دراهم فقد ظهر الخطأ بزيادة سبعة فاحفظها وعد إلى الأصل فقوم الثوب الذي أخذه الابن بسبعة دراهم والثوب الذي أخذته المرأة بثلاثة دراهم ؛ لأن نصيبها مثل ثلاثة أسباع نصيب الابن فيكون عشرة ثم يضم ذلك إلى عشرين درهما . التي تركها الميت فيكون ثلاثين الثلث منها عشرة فتعطى منها بالوصية بالنصيب ثلاثة مثل نصيب المرأة وبالوصية الأخرى درهمين وثلثا ؛ لأن ثلث ما بقي من الثلث وهو سبعة هذا ، يبقى أربعة وثلثا درهم فتعطى درهما أيضا بقوله " ودرهم " فيبقى ثلاثة دراهم وثلثا درهم فتزيده على الثلثين الباقيين وذلك عشرون فتصير ثلاثة وعشرين وثلثي درهم فاقسمه بين البنين والمرأة لكل ابن سبعة وللمرأة ثلاثة فجملة ذلك أربعة وعشرون ظهر الخطأ الثاني بنقصان ثلث درهم وقد بينا أن الخطأين متى كان إلى الزيادة أحدهما والآخر إلى النقصان فالطريق هو الجمع بينهما وإذا جمعت بينهما كان سبعة وثلثا فانكسر بالأثلاث فاضربه في ثلاثة فيكون اثنين وعشرين بالأجزاء فاحفظ هذا ثم اضرب الخطأ الأول وهو سبعة في القيمة الثانية لثوب الابن وهو سبعة فيكون تسعة وأربعين ثم اضرب الخطأ الثاني وهو ثلث في قيمة الثوب الأول وهو أربعة فيكون درهما وثلثا ثم تجمع بينهما فيكون خمسين وثلثا ثم يضرب ذلك في ثلاثة للكسر بالثلث كما ضرب سبعة وثلث فيكون مائة وأحدا وخمسين ثم تقسمها على الأجزاء التي حفظتها وذلك اثنان وعشرون وإذا قسمت مائة وأحدا وخمسين على اثنين وعشرين فكل قسم من ذلك ستة دراهم وتسعة عشر جزءا فهذا هو نصيب الابن . وتبين أن قيمة ثوب الابن ستة دراهم وتسعة عشر جزءا ونصيب المرأة مثل ثلاثة أسباع نصيب الابن فظهر أن قيمة ثوبها درهمان وعشرون جزءا وخمسة أسباع جزء فظهر المقصود وهو معرفة قيمة كل ثوب . ولو ترك خمسة بنين وأوصى بدرهم من ماله وبسدس ماله بعد الدرهم فتخرج المسألة من سبعة ؛ لأنك تأخذ عدد البنين خمسة فتزيد عليها درهما لوصيته بسدس ماله ؛ لأن الطريق في مثله أن تزيد مثل خمس ما معك والذي معك خمسة وواحد فيصير معك ستة ثم تزيد درهما من أجل الوصية الأولى وهو الوصية بدرهم قبل السدس فيكون سبعة ترفع من ذلك بالوصية الأولى درهما وبالوصية الثانية سدس ما معك بعد الدرهم والذي معك ستة فسدسها درهم ثم يبقى خمسة بين البنين لكل ابن سهم فكان مستقيما . ولو كان ترك أربعة بنين وأوصى بدرهم وبسدس ماله بعد الدرهم ودرهم بعد السدس فهو يخرج من سبعة أيضا ؛ لأنك تأخذ عدد البنين أربعة فتزيد عليها درهما من أجل قوله ودرهم بعد السدس فإن ذلك بمنزلة الوصية بمثل نصيب أحدهم فيكون معك خمسة ثم تزيد عليها خمسها وهو درهم من أجل وصيته بسدس ماله فيكون ستة ثم تزيد عليها درهما من أجل الوصية الأولى وهو الوصية بدرهم فيكون ذلك سبعة رفع منها درهم بالوصية الأولى وبالوصية الثانية سدس ما بقي وهو درهم أيضا وبالوصية الثالثة درهم ؛ لأنه قال وبدرهم بعد السدس فيبقى أربعة بين أربعة بنين مستقيم لكل ابن درهم . فإن ترك ثلاث بنين وأبوين وأوصى بمثل نصيب إحدى البنات لبعضهم وبثلث ما يبقى من الثلث لأخرى وأوصى لإحدى البنات بتكملة الثلثين مع نصيبها فأجازوا فالثلث خمسون والنصيب عشرون وثلث الباقي عشرة والتكملة ثلاثون والطريق في ذلك أن تأخذ أصل الفريضة وهو ثمانية عشر لحاجتك إلى حساب ينقسم ثلثاه بين البنات أثلاثا وذلك ثمانية عشر : للبنات الثلثان ، اثنا عشر بينهن لكل واحدة أربعة وللأبوين السدسان وهو ستة لكل واحد ثلاثة ثم تضرب ثمانية عشر في ثلاثة من أجل وصيته بثلث ما يبقى من الثلث فيصير أربعة وخمسين ثم تطرح منها أربعة أسهم مثل سهام إحدى البنات من أصل الفريضة فيبقى خمسون فهو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك فيكون جملة المال مائة وخمسين إذا أردت قسمتها فالسبيل أن ترفع منها ثلثها يبقى مائة ثم تأخذ من هذه المائة مثل أصل الفريضة ثمانية عشر ، مرة بعد مرة حتى يكون الباقي منها دون ثمانية عشر فإذا رفعت منها خمس مرات ثمانية عشر يكون ذلك تسعين فيبقى عشرة فاحفظ هذه العشرة واقسم التسعين أولا فأعط الأبوين ثلثها وذلك ثلاثون لكل واحد منهما السدس خمسة عشر ونقسم ستين سهما بين البنات لكل واحدة عشرين فتبين أن نصيب كل ابنة عشرون فادفع إلى الموصى له بمثل النصيب من الثلث الذي عزلت عشرين فيبقى ثلاثون ثم ادفع للموصى له بثلث ما يبقى من الثلث ثلث الباقي وهو عشرة فبقي عشرون فاجمع بينهما وبين العشرة التي بقيت معك من المائة فيكون ثلاثين فردها على نصيب الابنة التي أوصى لها بتكملة الثلثين فإذا زدت الثلاثين على عشرين تبلغ الجملة خمسين وهو ثلث المال فاستقام التخريج . رجل مات وترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم وبثلث ما يبقى من الثلث ودرهم فالمال ثلاثون سهما والثلث عشرة والنصيب سبعة وثلث ما يبقى من الثلث سهم فالسبيل في ذلك أن تأخذ مالا له ثلث صحيح وذلك ثلاثة فترفع بالنصيب واحدا وبالدرهم آخر فيبقى واحد فاقسمه بين البنين الثلاثة لكل ابن ثلثا درهم ثم تأخذ عدد البنين وذلك ثلاثة فرده على نصيب أحدهم وهو الثلث فيكون ثلاثة وثلثا اضربه في ثلاثة فيصير ذلك عشرة فهو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك فيكون المال ثلاثون وإذا أردت معرفة النصيب فانظر ما بين المال الذي أخذته أول مرة وهو ثلاثة وبين الثلث وهو عشرة فتجد ذلك سبعة . فهو النصيب إذا رفعت سبعة من الثلث يبقى ثلاثة للموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك وهو سهم وللموصى له بالدرهم مثل ذلك يبقى من الثلث واحد فرده على ثلثي المال وذلك عشرون وهو مقسوم بين ثلاثة بنين لكل ابن سبعة مثل النصيب ، وإن كان قال وبربع ما يبقى من الثلث وبدرهم فتخريجه على هذا النحو أن تأخذ مالا له ربع وهو أربعة فترفع بالنصيب منه واحدا وترفع الدرهم الذي قال يبقى سهمان فاقسمهما بين البنين الثلاثة لكل ابن ثلثي سهم فرد ما أصاب واحدا منهم على أصل الفريضة وهو أربعة فيصير أربعة وثلاثين اضرب ذلك في ثلاثة فيصير أربعة عشر فهو الثلث . وإذا أردت معرفة النصيب نظرت إلى ما بين أصل الفريضة وهو أربعة وبين الثلث وهو أربعة عشر فذلك عشرة فهو النصيب إذا رفعته من الثلث يبقى أربعة للموصى له بربع ما يبقى من الثلث سهم وللموصى له بالدرهم آخر يبقى سهمان فردهما على ثلثي المال وهو ثمانية وعشرون فيكون ثلاثين بين البنين الثلاثة لكل ابن عشرة مثل النصيب فإن قال وبثلث وربع ما يبقى من الثلث ودرهم فهو على هذا القياس تأخذ مالا له ثلث وربع وهو اثنا عشر فترفع منه الثلث وهو أربعة والربع وهو ثلاثة يبقى خمسة فترفع منه الدرهم أيضا يبقى أربعة يقسم ذلك بين البنين الثلاثة لكل ابن سهم وثلث ثم تزيد ما أصاب أحدهم وهو سهم وثلث على أصل الفريضة وهو اثنا عشر فيصير ثلاثة عشر وثلثا ، اضربه في ثلاثة فيصير أربعين سهما فهو الثلث وإذا أردت معرفة النصيب فانظر ما بين المال الأول وهو اثنا عشر وبين الثلث وهو أربعون فتجد ما بينهما ثمانية وعشرين فهو النصيب إذا رفعت ذلك من الثلث يبقى اثنا عشر فتعطي الموصى له بثلث ما يبقى وهو أربعة والموصى له بربع ما يبقى ثلاثة والموصى له بالدرهم درهما يبقى أربعة فرد ذلك على ثلثي المال وهو ثمانون ثم اقسمه بين البنين الثلاث لكل ابن ثمانية وعشرون مثل النصيب . فإن ترك خمس بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم وثلث ما يبقى من الثلث ودرهم صحيح يعني لا كسر فيه فإنا إلى الآن خرجنا على حساب وقع فيه كسر فالسبيل في ذلك أن تأخذ أدنى مال يكون له ثلث ولثلثه ثلث وأقل ذلك تسعه إلا أنك تبتلى فيه بالتضعيف أيضا فلا يستقيم من تسعة فالسبيل أن تضعفه فيكون ثمانية عشر فاطرح ثلثها ثم اطرح منها الثلث ، والدرهم الثلث سهمان والدرهم سهم يبقى ثلاثة فاحفظها ثم عد إلى الأصل إلى الحساب فخذ عدد البنين خمسة وزد عليها واحدا من أجل الوصية بمثل نصيب أحدهم فتكون ستة فارفع . ثلثها ودرهما يبقى ثلاثة فرد هذه الثلاثة على اثني عشر ثلثي الثمانية عشر الفريضة الأولى فيكون خمسة عشر ثم اقسم هذه الخمسة عشر على الثلاثة التي حفظت من الحساب الأول فيكون كل قسم خمسة فهو النصيب ثم زد هذه الخمسة على الستة وهو ثلث الفريضة الأولى التي أخذت فيكون أحد عشر وهو ثلث المال وجملة المال ثلاثة وثلاثون ثم ترفع النصيب وهو خمسة من الثلث يبقى ستة فأعط الموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك سهمين وأعط الآخر درهما يبقى ثلاثة تضم ذلك إلى ثلثي المال وذلك اثنان وعشرون فيصير خمسة وعشرين مقسوم بين خمسة بنين لكل ابن خمسة مثل النصيب وهذا هو الفرق في التخريج بناء على طريق الحساب في الفرق بين الصحاح والكسور ثم ذكر محمد رحمه الله في آخر الكتاب أن هذا شيء وضعه الحساب لا نأخذ به في القضاء ؛ لأن الميت إذا أوصى بالدرهم إنما يضرب في الثلث بدرهم من مال الميت فأما أن تجعل له سهما بتسمية الدرهم ثم تشتغل بالفرق بين أن تقول صحيح أو لا يقول فهذا ليس بطريق القضاء ولكنه بيان على طريق الحساب . فإن ترك ابنا وابنة فاختلس كل واحد منهما مالا ثم قال الابن أنا أرد مما اختلسته الثلث وتردين أنت الربع فيصير ما يبقى في يد كل واحد منا على قدر ميراثه ويقسم ما يزيد على فرائض الله تعالى كم كان مع كل واحد منهما فالجواب أنه كان مع الابنة اثنا عشر ومع الابن سبعة وعشرون والطريق في تخريجه أن تأخذ مالا له ربع صحيح وهو أربعة فتجعله في يد الابنة تطرح منه الربع يبقى ثلاثة ثم تنظر مالا إذا ألقيت منه ثلاثة يبقى ستة وهو تسعة تجعله في يد الابن فتطرح منه الثلث ثم تجمع بين ما طرحت من المالين وذلك ثلاثة وواحد فيكون أربعة فلا يستقيم قسمها على فرائض الله تعالى بين الابن والابنة أثلاثا فاضرب أصل ما مع كل واحد منهما في ثلاثة فالذي كان مع الابنة أربعة إذا ضربته في ثلاثة يكون اثني عشر والذي مع الابن تسعة إذا ضربته في ثلاثة يكون سبعة وعشرين فيرد الابن من سبعة وعشرين الثلث وهو تسعة يبقى له ثمانية عشر وترد الابنة من اثني عشر الربع وهو ثلاثة يبقى تسعة فهو بينهما على فرائض الله تعالى للابن ثمانية عشر وللابنة تسعة ثم تجمع بين تسعة وثلاثة فيكون اثني عشر فاقسمها بينهما على فرائض الله تعالى للابن ثمانية وللابنة أربعة فيصير مع الابن ستة وعشرون ومع الابنة ثلاثة عشر على فرائض الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين . فإن ترك خمسة بنين وأوصى لأحدهم بتكملة الثلث وللآخر بثلث ما يبقى من الثلث . فالثلث ثلاثة عشر والنصيب ستة والتكملة سبعة وطريق تخريج هذه المسألة أن تأخذ عدد البنين وهم خمسة وتطرح نصيب أحدهم وهو الموصى له بالتكملة فيبقى أربعة ثم تضرب ذلك في ثلاثة لوصيته بثلث ما يبقى من الثلث فيكون اثني عشر ثم تزيد عليه ما طرحته في الابتداء وهو سهم فيكون ثلاثة عشر فهو الثلث ومعرفة النصيب أن تأخذ النصيب وهو واحد فتضربه في ثلاثة ثم تطرح منه واحدا كما فعلت في الابتداء يبقى سهمان فاضربهما في ثلاثة كما ضربت أربعة فيكون ستة فهو النصيب إذا رفعت ستة من الثلث وهو ثلاثة عشر يبقى سبعة فظهر أن الوصية بتكملة الثلث إنما كانت بسبعة أسهم فإذا رفعت سبعة من الثلث يبقى ستة للموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك سهمان يبقى أربعة فرده على ثلثي المال وهو ستة وعشرون فيكون ثلاثين إذا قسمته بين خمسة بنين كان لكل ابن ستة مثل النصيب فاستقام التخريج . فإن كان أوصى لأحدهم بتكملة الثلث ولآخر بثلث ما دخل على هذا من الرفع فتخريجه على قياس ما سبق بأن تأخذ عدد البنين وهم خمسة فتطرح منه نصيب أحدهم يبقى أربعة فاضربه في ثلاثة فيصير اثني عشر ثم اطرح منه واحدا يبقى أحد عشر فهو ثلث المال وإذا أردت معرفة النصيب فخذ النصيب وهو واحد فاضربه في ثلاثة ثم اطرح منه النصيب وهو واحد يبقى سهمان اضربهما في ثلاثة فيصير ستة ثم اطرح منه واحدا كما فعلت في أصل الحساب يبقى خمسة فهو النصيب إذا رفعت النصيب وهو خمسة من أحد عشر يبقى ستة وهو مقدار الربع أي الميل الذي مال به الموالي للموصى له بالتكملة وإن أوصى لآخر بثلث هذا وهو سهمان إذا رفعتهما يبقى من الثلث ثلاثة فرد ذلك على ثلثي المال وذلك اثنان وعشرون فيكون خمسة وعشرين بين خمسة بنين لكل ابن خمسة مثل النصيب فإن كان أوصى لأحدهم بتكملة الثلث ولآخر منهم بتكملة الربع ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث له لثلث أربعة وأربعون والنصيب ثمانية عشر وتكملة الثلث ستة وعشرون وتكملة الربع خمسة عشر وتخريج هذا أيضا على قياس ما تقدم بأن تأخذ عدد البنين خمسة فتطرح منه سهما نصيب الموصى له بتكملة الثلث وسهما آخر نصيب الموصى له بتكملة الربع ثم انظر إلى تفاوت ما بين الثلث والربع وذلك واحد فإن الثلث من اثني عشر أربعة والربع ثلاثة فتفاوت ما بينهما واحد فخذ ذلك للموصى له بالثلث وثلثا آخر للموصى له بالربع فذلك ثلثا سهم ضمه إلى ما بقي من خمسة وهو ثلاثة فيكون ثلاثة وثلثين ثم اضرب ذلك في ماله ثلث وربع وهو اثنا عشر فإذا ضربت ثلاثة وثلثين . في اثني عشر يكون ذلك أربعة وأربعين ؛ لأن الثلاثة في اثني عشر ستة وثلاثون وثلثان في اثني عشر ثمانية فذلك أربعة وأربعون فهو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك فيكون المال كله مائة واثنين وثلاثين سهما ومعرفة النصيب أن تأخذ مالا له ثلث وربع وذلك اثنا عشر فتطرح منه الثلث والربع ؛ يبقى خمسة ثم تنظر إلى تفاوت ما بين الثلث والربع وذلك واحد فتجمع بينه وبين النصيبين فيكون ذلك ثلاثة أسهم فتأخذ ثلث ذلك وهو سهم فتزيده على الخمسة التي بقيت من اثني عشر فتصير ستة ثم اضرب هذه الستة في ثلاثة فتصير ثمانية عشر فهو النصيب وثلث المال أربعة وأربعون فإذا رفعت منه النصيب وهو ثمانية عشر يبقى ستة وعشرون فهو الوصية للموصى له بتكملة الثلث وربع المال يكون ثلاثة وثلاثين إذا رفعت منه ثمانية عشر يبقى خمسة عشر فهو الوصية بتكملة الربع فإذا رفعت من الثلث وهو أربعة وأربعون ستة وعشرين للموصى له بتكملة الثلث وخمسة عشر للموصى له بتكملة الربع يبقى ثلاثة للموصى له بثلث ما بقي ثلث ذلك وهو سهم يبقى سهمان فردهما على ثلثي المال وهو ثمانية وثمانون فيكون تسعين مقسوما بين خمسة بنين لكل ابن ثمانية عشر مثل النصيب فاستقام تخريج الجواب والله أعلم بالصواب.
كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى ( رحمهما الله تعالى ) ( قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله ) اعلم أن أبا يوسف رحمه الله كان يختلف إلى ابن أبي ليلى رحمه الله في الابتداء فتعلم بين يديه تسع سنين ثم تحول إلى مجلس أبي حنيفة وكان تسع سنين أيضا ، وقيل كان سبب تحوله إلى أبي حنيفة تقلد ابن أبي ليلى القضاء فإن أبا يوسف كره له تقلد القضاء فحمله ذلك إلى التحول إلى مجلس أبي حنيفة رحمه الله تعالى فابتلاه الله تعالى حتى تقلد القضاء وصار ذلك صفة له يعرف بها من بين أصحاب أبي حنيفة فيقال أبو يوسف القاضي ولا يقال ذلك لأحد سواه ممن تقلد منهم القضاء وممن لم يقلد وقيل كان سببه أنه كان تبع ابن أبي ليلى وقد شهد ملاك رجل فلما نثر السكر أخذ أبو يوسف رحمه الله بعضا فكره له ذلك ابن أبي ليلى وأغلظ له القول وقال أما علمت أن هذا لا يحل فجاء أبو يوسف إلى أبي حنيفة رحمه الله فسأله عن ذلك فقال لا بأس بذلك بلغنا { أن رسول الله ﷺ مع أصحابه رضي الله عنهم كان في ملاك رجل من الأنصار نثير الثمر فجعل رسول الله ﷺ يرفع ذلك ويقول لأصحابه انتهبوا } وبلغنا { أن النبي ﷺ في حجة الوداع لما نحر مائة بدنة أمر بأن يؤخذ له من كل بدنة قطعة ثم قال من شاء أن يقتطع فليقطع } فهذا ونحوه من الهبة مستحسن شرعا فلما تبين له تفاوت ما بينهما تحول إلى مجلس أبي حنيفة وقيل كان سبب ذلك أنه كان يناظر زفر رحمه الله وتبين بالمناظرة معه تفاوت ما بين فقه أبي حنيفة رحمه الله وابن أبي ليلى فتحول إلى مجلس أبي حنيفة ثم أحب أن يجمع المسائل التي كان فيها الاختلاف بين أستاذيه فجمع هذا التصنيف وأخذ ذلك محمد رحمه الله وروى عنه ذلك إلا أنه زاد بعض ما كان سمع من غيره فأصل التصنيف لأبي يوسف والتأليف لمحمد رحمة الله عليهما فعد ذلك من تصنيف محمد ولهذا ذكره الحاكم رحمه الله في المختصر ثم بدأ فقال : رجل غصب جارية من رجل فباعها وأعتقها المشتري فالبيع والعتق باطل في قول أبي حنيفة وبه نأخذ وهو قول أبي يوسف ومحمد وقال ابن أبي ليلى عتقه جائز وعلى الغاصب القيمة ، وجه قوله أن البيع منعقد فإن انعقاد البيع لوجود الإيجاب والقبول ممن هو من أهله في محله وقد وجد في الإيجاب كلام الموجب وهو تصرف منه في حقه ، والمحل قابل للعقد ولهذا ينفذ العقد فيه بإجازة المالك ولو كان هذا العقد بإذن المالك كان نافذا ، ولا تأثير للإذن في إثبات الأهلية والمحلية ، فإذا ثبت انعقاد العقد ثبت أنه موجب للملك لأن الأسباب الشرعية غير مطلوبة لعينها بل لحكمها والحكم الخاص بالبيع والشراء الملك فإنما يثبت العتق بعد الملك لقوله ﷺ { لا عتق إلا فيما يملكه ابن آدم } . وإذا نفذ العتق تعذر على الغاصب رد العين فيجب عليه ضمان القيمة وقد صار هو متلفا للجارية بتمليكها من المشتري وتسليط المشتري على إعتاقها فيجعل كأنه أتلفها بالقتل فيضمن قيمتها ، ويتقرر الثمن على المشتري لأنه بالعتق صار قابضا منهيا لملكه فيها ، ويكون الثمن للبائع لأنه وجب بعقده ولأنه بضمان القيمة قد ملكها والثمن بدل الملك فيكون للغاصب . وحجتنا في ذلك أن العتق من المشتري لم يصادف ملكه ولا عتق فيما لا يملكه ابن آدم وهذا لأن عين المملوك محفوظة على المالك بصفة المالكية فكما لا يجوز إبطال حق الملك عن المالكية بإعتاق يصدر من غيره فكذلك لا يجوز إبطال حقه من غير ملكه . ( ألا ترى ) أن الغاصب لو أعتقه بنفسه لم ينفذ عتقه مراعاة لحق المالك فكذلك المشتري منه . فأما قوله العقد موجب للملك وقد انعقد ، ففيه طريقان لنا أحدهما أن العقد انعقد بصفة التوقف قلنا والحكم يثبت بحسب السبب فإنما يثبت بالعقد الموقوف ملكا موقوفا . ( ألا ترى ) أن بالعقد النافذ الصحيح يثبت ملك حلال وبالعقد الفاسد يثبت ملك حرام بحسب السبب ، فبالعقد الموقوف يثبت ملك موقوف ، والملك الموقف دون الملك الثابت للمكاتب والمكاتب لا يملك الإعتاق بذلك النوع من الملك فكذلك بالملك الموقوف لأن الإعتاق إنهاء للملك والموقوف لا يحتمل ذلك ، والثاني : أن الأسباب الشرعية لا تكون خالية عن الحكم ولكن لا يشترط اتصال الحكم بالسبب بل يقترن به تارة ويتأخر عنه أخرى ( ألا ترى ) أن البيع بشرط الخيار للبائع منعقد ويتأخر الحكم إلى سقوط الخيار ، والبيع الفاسد منعقد ويتأخر الحكم وهو الملك إلى ما بعد القبض ، والبيع الموقوف منعقد ويتأخر الحكم إلى ما بعد إجازة المالك ، وهذا لأن الضرر مدفوع وليس في انعقاد العقد ضرر بالمالك . فأما في ثبوت الملك للمشتري إضرار بالمالك فربما يكون المشترى قريب المشتري فيعتق عليه لو ثبت الملك بنفس الشراء وفيه ضرر بالمالك لا محالة فيتأخر الملك إلى وجود الرضا من المالك بإجازة العقد فإذا لم يجز ذلك بطل البيع والعتق جميعا فردت الجارية عليه . وإذا اشترى جارية فوطئها ثم استحقها رجل قضى له القاضي بها وبمهرها على الواطئ لأن الحد قد سقط عنه بشبهة فلزمه المهر ؛ إذ الوطء في غير الملك لا ينفك عن حد أو مهر وهذا الوطء حصل في غير الملك عندنا فوجب المهر وعند ابن أبي ليلى الملك وإن ثبت للمشتري فهو ليس بملك متقرر يستفاد به حل الوطء فيجب المهر كالمشتري شراء فاسدا إذا قبض الجارية ووطئها ثم استردها البائع فعلى المشتري في أظهر الروايتين وإن كان هو بالقبض قد ملكها ، ثم الواطئ يرجع بالثمن على البائع ولا يرجع بالمهر عندنا ، وقال ابن أبي ليلى يرجع بالثمن والمهر لأنه صار مغرورا من جهة البائع فإنه أخبره أن الجارية ملكه وأن منفعة الوطء تسلم للمشتري بغير عوض بعد ما يشتريها منه فإذا لم يسلم له ذلك رجع به على البائع كما يرجع بقيمة الولد لو استولدها . وذلك الحكم وإن كان مخصوصا من القياس باتفاق الصحابة رضي الله عنهم ولكن من أصل أبي حنيفة أن المخصوص من القياس لا يقاس عليه غيره وحجتنا في ذلك أن المهر إنما لزمه عوضا عما استوفى بالوطء وهو المباشر للاستيفاء ومنفعة المستوفى له حصلت له فلا يرجع ببدله على غيره كمن وهب طعاما لإنسان فأكله الموهوب له ثم استحقه رجل وضمن الآكل لم يرجع به على الواهب ، وإنما الغرور إنما يكون سببا للرجوع باعتبار المعاوضة ، والثمن إنما كان عوضا عن العين دون المستوفى بالوطء وفي حق المستوفى بالوطء لا فرق بين أن يكون الملك ثابتا بالشراء أو بالهبة ، وبه فارق قيمة الولد لأن الولد حر ومتولد من العين مع أن ذلك حكم ثبت بخلاف القياس باتفاق الصحابة رضي الله عنهم والمخصوص من القياس عندنا لا يقاس عليه غيره لأن قياس الأصل يعارضه ثم الغرور بمنزلة العيب في إثبات حق الرجوع فإنما يثبت ذلك الحكم في العين وفيما هو متولد من العين . فأما المستوفى بالوطء في حكم الثمرة فلا يثبت فيه حكم الرجوع بسبب العيب فلهذا لا يرجع بالمهر . وإذا اشترى الرجل أرضا وفيها نخل له ثمرة ولم يشترطها فإن أبا حنيفة قال النخل للمشتري والثمرة للبائع إلا أن يشترطها المشتري وبه أخذ محمد رحمه الله وقال ابن أبي ليلى رحمه الله الثمرة للمشتري وإن لم يشترطها لأن الثمرة متصلة بالمبيع اتصال خلقة فتدخل في المبيع من غير ذكر كأطراف العبد وأغصان الشجر والدليل عليه أن النخل جعل تبعا للأرض بسبب الاتصال حتى يدخل في بيع الأرض من غير ذكر فكذلك الثمرة لأن الاتصال موجود فيها وحجتنا في ذلك حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال { من اشترى نخلا قد أثمر فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع ومن اشترى غلاما وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط ذلك المشتري } والمعنى فيه أن الثمرة بمنزلة المتاع الموضوع في الأرض لأن اتصالها بالنخل ليس بالقرار بل للفصل إذا أدرك . ( ألا ترى ) أنه يجد بعد الإدراك وأنه يسقط أو يفسد إذا ترك كذلك فكان الاتصال في معنى العارض فيجعل كالمنفصل لا يدخل في المبيع إلا بالذكر ، بخلاف النخل فاتصاله بالأرض بالقرار ما بقي بمنزلة البناء فكما يدخل البناء في بيع الأرض من غير ذكر فكذلك يدخل النخل ، وقال أبو يوسف إن اشترى الأرض بحقوقها ومرافقها دخل الثمار في العقد وإلا لم تدخل . فأما على قول محمد وهو قول أبي حنيفة لا تدخل الثمار إلا بالتنصيص عليها سواء ذكر الحقوق أو لم يذكر بمنزلة المتاع الموضوع في الأرض وحكي أن أبا يوسف رحمه الله كان أملى هذه المسألة على أصحابه وكان محمد حاضرا في المجلس فلما ذكر هذا القول قال محمد رحمه الله في نفسه ليس الأمر كما يقول فبادأه المستملي هنا من يخالفك رحمك الله فقال : من هو ؟ فقال : محمد بن الحسن فقال أبو يوسف : ما نصنع بقول رجل قعد عن العلم أي ترك الاختلاف إلينا فسكت محمد ولم يجبه احتراما له . وإذا اشترى الرجل دابة فوجد بها عيبا وقال بعتني وهذا العيب بها وأنكره البائع ولا بينة للمشتري فعلى البائع اليمين وإنما أراد بهذا عيبا يتوهم حدوثه في مثل تلك المدة وهو عارض فيحال بحدوثه على أقرب الأوقات وهذا حال كونها في يد المشتري فإذا ادعى استناد العيب إلى وقت سابق وأنكره البائع كان القول قول البائع مع اليمين ولأن مقتضى مطلق البيع اللزوم فالمشتري يدعي لنفسه حق الفسخ بسبب العيب والبائع ينكر ذلك فكان القول قوله مع يمينه ، فإن قال البائع أنا أرد اليمين عليه يعني يحلف المشتري حتى أقبله منه فعندنا لا يرد اليمين عليه وكان ابن أبي ليلى إذا اتهم المدعي في ذلك رد عليه اليمين قال لأن المشتري من وجه منكر ؛ فإنه ينكر لزوم العقد إياه ووجوب إبقاء الثمن عليه ولكنه في الظاهر مدع فاعتبرنا الظاهر إذا لم يكن هو متهما . فأما إذا اتهمه استحلفه لاعتبار معنى الإنكار في كلامه وهذا لأن الاستحلاف مشروع لدفع التهمة فإن المدعى عليه يثبت في جانبه نوع تهمة فيحلف المدعى عليه لأنه أتى بخبر متمثل بين الصدق والكذب فلا يكون حجة بنفسه ولكن يورث تهمة فيحلف المدعى عليه لدفع تلك التهمة عنه ، فإذا أوجد مثل تلك التهمة في جانب المدعي رد عليه اليمين ، ولكنا نستدل بقوله عليه السلام { البينة على المدعي واليمين على من أنكر } فقد جعل رسول الله ﷺ جنس اليمين في جانب المنكر فلا يبقى يمين في جانب المدعي ، ولا يجوز تحويل اليمين عن موضعها الذي وضعه رسول الله ﷺ فيه ، والمشتري مدع هنا حق الفسخ فلا يمين في جانبه وهذا لأن اليمين في موضعها لإبقاء ما كان على ما كان والمدعي يحتاج إلى إثبات حق غير ثابت له فلا يكون اليمين حجة في جانبه وهذا لأن اليمين مشروعة للنفي في موضعه لا يثبت بها حكم النفي حتى لو أوجد المدعي البينة فأقامها وقضى له بعد اليمين فهي في غير موضعها لأنها لا يثبت بها ما لم يكن ثابتا أولا . وإذا اشترى الرجل شيئا فادعى رجل فيه دعوى حلف المشتري ألبتة عندنا ، وقال ابن أبي ليلى على العلم لأن المشتري يحلف البائع في الملك كما أن الوارث يحلف المورث ثم فيما يدعى في التركة إنما يستحلف الوارث على العلم فكذلك المشتري وهذا لأن أصل الدعوى على البائع ( ألا ترى ) أن المدعي لو أقام البينة صار البائع مقضيا عليه حتى رجع المشتري على البائع بالثمن فكان هذا في معنى الاستحلاف على فعل الغير فيكون على العلم ، وحجتنا في ذلك أن الشراء سبب متجدد للملك فإنما يثبت به ملك متجدد للمشتري وصار ثبوت هذا الملك له بالشراء كثبوته بالاصطياد والاسترقاق ثم هناك إذا ادعى إنسان في المملوك دعوى يستحلف المالك على الثبات فهذا مثله بخلاف الإرث فإن موت المورث ليس بسبب متجدد لإثبات ملك الوارث ، ثم يقول المدعي يدعي على المشتري وجوب تسليم العين إليه وأنه غاصب في أخذه ومنعه منه ولو ادعى عليه أنه غصبه منه كان الاستحلاف على الثبات فهنا كذلك أيضا وهكذا يقول في الوارث إذا أخذ عين التركة فادعى إنسان أن العين ملكه يستحلف على الثبات لهذا المعنى وهذا لأن أصل الاستحلاف على الثبات ، وإنما اليمين على العلم لدفع الضرر عن الخصم في موضع لا يمكنه أن يحلفه على الثبات ، ولما كان الشراء من ذي اليد شيئا موجبا للملك له كان ذلك مطلقا له اليمين على دعوى المدعي فلا حاجة إلى استحلافه ، قال والبراءة من كل عيب جائزة روي عن عمر رضي الله عنه أنه باع عبدا له بثمانمائة درهم بالبراءة فطعن المشتري بعيب فخوصم إلى عثمان بن عفان فقال يمينك ما بعته وبه عيب علمته وكتمته فأبى أن يحلف فرده عليه فصلح عنده فباعه بألف درهم وأربعمائة درهم وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه باع بالبراءة وعن شريح رحمه الله قال لا يبرأ منه حتى يسمي كل عيب وكان ابن أبي ليلى يقول لا يبرأ حتى يسمي العيوب بأسمائها وقد بينا المسألة في كتاب البيوع والصلح وفيها حكاية قال : إن أبا حنيفة رحمه الله وابن أبي ليلى اجتمعا في مجلس أبي جعفر الدوالقي فأمرهما بالمناظرة في هذه المسألة وكان من مذهب ابن أبي ليلى أنه لا يبرأ حتى يرى المشتري موضع العيب فقال أبو حنيفة أرأيت لو باع جارية حسناء في موضع المأتي منها عيب أكان يحتاج البائع إلى كشف عورتها ليري المشتري ذلك العيب ، . أرأيت لو أن بعض حرم أمير المؤمنين باع غلاما حبشيا على رأس ذكره برص أكان يحتاج إلى كشف ذلك ليريه المشتري فما زال يشنع عليه بمثل هذا حتى أفحمه وضحك الخليفة فجعل ابن أبي ليلى بعد ذلك يقول : يحتاج إلى أن يسمي العيوب بأسمائها لأن صفة المبيع وماهيته إنما تصير معلومة بتسمية ما به من العيوب ، ولكنا نقول الإبراء عن العيوب إسقاط للحق والمسقط يكون متلاشيا فالجهالة لا تمنع صحته ، ثم البائع بهذا الشرط يمنع من التزام تسليم العين على وجه لا يقدر على تسليمه فربما يلحقه الجرح في تسمية العيوب والجرح مدفوع وأكثر ما فيه أنه يمكن جهالة في الصفة بترك تسمية العيوب ولكن البائع يلاقي العين دون الصفة فيصح البيع بشرط البراءة عن العيوب ويصح الإبراء عن الجهالة لكونه إسقاطا . وإذا كان لرجل على رجل مال من ثمن بيع قد حل فأخره عنه إلى أجل فهو جائز وليس له أن يرجع عنه عندنا وقال ابن أبي ليلى له أن يرجع في الأجل إلا أن يكون ذلك على وجه الصلح بينهما وذهب في ذلك أن التأجيل معتاد جرى فيما بينهما أن لا يطالبه بالمال إلا بعد مضي المدة ، والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم إلا أن يكون شرطا في عقد لازم ، ولهذا لا يثبت الأجل في القرض والعارية لأنه ليس بمشروط في عقد لازم فكذلك لا يثبت في الثمن وغيره من الديون إلا أن يكون شرطا في عقد لازم . وكذلك الصلح أو أصل البيع إذا ذكر فيه الأجل ، ولكنا نقول لو باعه بثمن مؤجل في الابتداء يثبت الأجل فكذلك إذا أجله في الثمن في الانتهاء لأن هذا التأجيل يلتحق بأصل العقد بمنزلة الزيادة في الثمن والمثمن بأصل العقد ويصير كالمذكور فيه ، والدليل عليه أن الأجل بمنزلة الخيار لأنه يؤثر في تغير حكم العقد فإن توجه المطالبة في الحال من حكم العقد ويتغير بالأجل وثبوت الملك في الحال من حكم العقد ويتغير بشرط الخيار ، ثم الخيار لا فرق بين أن يكون مشروطا في أصل العقد أو يجعله أحدهما لصاحبه بعد العقد فكذلك في حكم الأجل وهذا لأن العقد قائم بينهما يملكان التصرف فيه بالرفع والإبقاء فيملكان التصرف فيه بما يغير حكمه على وجه هو مشروع وتعتبر حالة الانتهاء بحالة الابتداء وبهذه المعاني يظهر الفرق بين الثمن وبدل القرض . ولو كان لرجل على رجل مال فتغيب حتى حط الطالب بعضه ثم ظهر لم يكن له أن يرجع فيما حط عنه وقال ابن أبي ليلى له أن يرجع فيه لأنه كان مضطرا في هذا الحط فإنه كان لا يتمكن من خصمه ليستوفي منه كمال حقه ، وبهذا النوع من الضرورة ينعدم تمام الرضا منه بالحط كما ينعدم بالإكراه فكما أنه لو أكره على الحط لم يصح حطه لعدم تمام الرضا فكذلك هنا ، ولكنا نقول الحط إسقاط وهو يتم بالمسقط وحده فإذا أسقطه وهو طائع صح ذلك منه فلا رجوع له فيه بعد ذلك لأن المسقط يكون متلاشيا وإنما يتحقق الرجوع في القائم دون المتلاشي والدليل عليه أن إسقاط البعض معتبر بإسقاط الكل ولو أبرأه عن جميع دينه لم يكن له أن يرجع فيه وإن ظهر خصمه بعد ذلك فكذلك إذا حط بعضه . وقوله إنه مضطر ، قلنا : لا كذلك فإنه متمكن من أن يصير إلى أن يظهر خصمه فالتأخير لا يفوت شيئا من حقه ، فإذا لم يكن يفعل كان مختارا طائعا في الحط والصلح بمنزلة المغصوب منه إذا أخذ القيمة بعد ما أبق المغصوب ثم عاد من إباقه لم يكن له على العبد سبيل ولهذا المعنى صححنا إبراءه عن الكل وفرقنا بينه وبين المكره على الإبراء فكذلك الحط . وإذا اشترى الرجل ثمرا قبل أن يبلغ من أصناف الثمار كلها أو اشترى طلعا حين يخرج جاز العقد عندنا وقال ابن أبي ليلى لا خيار في شيء من ذلك واستدل في ذلك بما روي أن { النبي ﷺ نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها } وفي رواية حتى تشقح أي تدرك وفي رواية حتى تزهو أي تنجو من العاهة وهذا بالإدراك وحجتنا في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام { من باع نخلا مؤبرة فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع } والمؤبرة هي التي يخرج طلعها فإذا شرط المبتاع ذلك فقد صار مشتريا الثمرة مقصودة فإنها لم تدخل في العقد إلا بالذكر فهذا تنصيص على جواز بيعها قبل الإدراك ولأن محل البيع عين هو مال متقوم والمالية بالتمول التقوم بكونه منتفعا به شرعا وعرفا وقد تم هذا كله في الثمار قبل الإدراك ، والعقد متى صدر من أهله في محله كان صحيحا ولا معنى لقوله أنه غير مقدور التسليم إلا بالقطع وفيه ضرر فيكون ذلك مفسدا للعقد كبيع الجذع في السقف لأن البائع قادر على التسليم من غير ضرر يلحقه في ذلك وإنما يلحق الضرر المشتري وهو قد رضي بالتزام هذا الضرر فلا يمتنع صحة العقد بسببه ، وتأويل الحديث أن المراد بيعها مدركة قبل الإدراك بدليل أنه عليه السلام قال في آخر الحديث { أرأيت لو أذهب الله تعالى الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه } والمراد به السلم في الثمار قبل أن يبدو صلاحها بدليل أنه قال في بعض الروايات { لا تتلقوا في الثمار حتى يبدو صلاحها } فيحمل على ذلك ليكون جمعا بينه وبين ما روينا . فإن كانت الثمار قد تلفت يعني انتهى عظمها فاشتراها بشرط الترك إلى أجل معلوم فالعقد فاسد عندنا وقال ابن أبي ليلى العقد صحيح هكذا قال محمد رحمه الله فيما إذا شرط الترك مدة يسيرة لأنه بعد ما يتناهى عظمها لا تزداد من ملك البائع وإنما تنضجها الشمس بتقدير الله تعالى وتأخذ اللون من القمر والذوق من النجوم بتقدير الله تعالى فليس في هذا اشتراط شيء مجهول من ملك البائع وهو شرط متعارف بين الناس فيكون سالما للعقد باعتبار العرف وباعتبار أن العرف فيه تقريب إلى مقصود المشتري بمنزلة ما لو اشترى بغلا وشراكين بشرط أن يحدوها البائع أو اشترى حطبا في المصر بشرط أن يوفيه في منزله ، وجه قولنا أن هذه إعارة أو إجارة مشروطة في البيع فيبطل بها البيع { لنهي النبي ﷺ عن صفقتين في صفقة } وبيانه أنه إن كان بمقابلة منفعة الترك في شيء من البدل فهي إجارة مشروطة في البيع ، وإن لم يكن بمقابلها شيء من البدل فهي إعارة مشروطة في البيع والعرف إنما يعتبر إذا لم يكن هناك نص بخلافه . فأما مع وجود النص فلا إذ العرف لا يعارض النص وهكذا كان ينبغي في القياس أن لا يجوز العقد فيما استشهد به ولكن تركنا القياس هناك للعرف فإنه لا نص فيه بخلافه . ثم هذا ليس في معنى ذلك لأن في هذا الشرط حيلولة بين البائع وبين ما لم يدخل تحت العقد من ملكه وهو النخيل ومثل هذا الشرط لا يلائم العقد وفيه يعتبر ما يتناوله العقد فيكون بمنزلة ما لو اشترى حنطة بشرط أن يطحنها البائع وذلك مفسد للعقد فكذلك هنا إذا شرط الترك إلى مدة يفسد بها العقد . وإذا اشترى الرجل مائة ذراع مكسرة من أذرع مقسومة أو عشرة أجربة من أرض غير مقسومة لم يجز الشراء في قول أبي حنيفة وقال ابن أبي ليلى هو جائز وبه أخذ أبو يوسف ومحمد وقد بينا هذا في البيوع أن الذراع اسم لجزء شائع عندهم بمنزلة السهم إلا أن السهم غير معلوم المقدار في نفسه وإنما يصير معلوما بالإضافة فسهم من سهمين النصف وسهم من عشرة العشر فلا بد من أن يبين سهما من كذا سهما والذراع معلوم المقدار في نفسه فلا حاجة إلى أن يقول من كذا كذا ذراعا والجريب كذلك معلوم المقدار بالذراع فإن اشترى عشرة أجربة وجملة الأرض مائة جريب فإنما اشترى عشرها وذلك مستقيم . وكذلك إن اشترى مائة ذراع فإذا ذرع الكل فكان ألف ذراع عرفنا أنه اشترى عشرها ، والمكسرة المعروفة من الذراع بين الناس سميت مكسرة لأنها كسرت من ذراع الملك قبضة وأبو حنيفة يقول الذراع اسم لجزء معين من الأرض وهو ما يقع عليه الذراع فإذا اشترى مائة ذراع أو عشرة أجربة فإنما سمى في العقد جزءا معينا وهو عشر معلوم في نفسه فإن جوانب الأرض تختلف في الجودة والمالية فتتمكن المنازعة بهذا السبب بين البائع والمشتري في التسليم وذلك مفسد للعقد كما لو اشترى بيتا من بيوت الدار ، ثم إذا جاز العقد عندهم فإن كانت مائة ذراع فهي للمشتري ، وإن كانت مائتي ذراع فالمشتري يكون شريكا بقدر مائة ذراع ، وإن كانت دون مائة ذراع فللمشتري أن يردها إن شاء لتغيير شرط العقد عليه وإن شاء أخذها بحصتها من الثمن لأنه سمى جملة الثمن بمقابلة مائة ذراع فإذا لم يسلم له إلا خمسون ذراعا لم يكن عليه إلا نصف الثمن وهذا بخلاف ما لو اشترى الأرض على أنها مائة ذراع فوجدها خمسين ذراعا واختار أخذها لزمه جميع الثمن لأن هناك الثمن بمقابلة العين وذكر الذراع على وجه بيان الصفة وهنا الثمن بمقابلة ما سمي من الذراع هنا لبيان مقدار المعقود عليه فإذا لم يسلم له إلا نصف المسمى لا يلزمه إلا نصف الثمن كما لو اشترى عشرة أقفزة حنطة فوجدها خمسة أقفزة . وقال ابن أبي ليلى لا يجوز عتق من قد فلسه القاضي وحبسه في الدين ، وعندنا ينفذ عتقه إلا أن عند أبي حنيفة لا سعاية على العبد وعلى قول أبي يوسف ومحمد يلزمه السعاية في قيمته للغرماء وهو بناء على مسألة الحجر بسبب الدين وقد بينا ذلك في كتاب الحجر . فأما ابن أبي ليلى قال : إن ماله بالتفليس والحبس صار حقا لغرمائه فإعتاقه صادف محلا هو حق الغير وفيه إضرار بمنزلة الحق فلا ينفذ عتقه لدفع الضرر عن صاحب الحق عملا بقوله عليه السلام { لا ضرر ولا ضرار في الإسلام } وهذا قريب من قول الشافعي في المرهون أنه لا ينفذ عتق الراهن لاشتغاله بحق المرتهن وقد بينا ذلك في الرهن ولكنا نقول العبد لا يزول عن ملكه بالتفليس والحبس في الدين ولا يصير مملوكا للغريم ( ألا ترى ) أن شيئا من تصرفات الغريم لا ينفذ فإذا بقي على ملك صاحبه نفذ عتقه فيه لأن شرط نفوذ العتق ملك المحل والأهلية في العتق وبعد وجودهما لا يمتنع نفوذه لدفع الضرر عن الغير . ( ألا ترى ) أن عتق أحد الشريكين ينفذ في نصيبه وإن كان يتضرر به صاحبه وكذلك عتق المشتري في المبيع قبل القبض ينفذ وإن كان يتضرر به البائع خصوصا إذا كان المشتري مفلسا . وإذا أعطى الرجل الرجل متاعا يبيعه له ولم يسم بالنقد ولا بالنسيئة فباعه بالنسيئة فالبيع جائز ولا ضمان على البائع عندنا وقال ابن أبي ليلى البائع ضامن لقيمة المتاع يدفعها إلى الآمر لأن مطلق الأمر بالبيع معتبر بمطلق إيجاب البيع وذلك منصرف إلى النقد خاصة فكذلك هذا وإذا انصرف إلى النقد كان هو مخالفا إذا باعه بالنسيئة فيكون بمنزلة الغاصب ضامنا قيمته للآمر ولأن الإنسان إنما يأمر غيره ببيع متاعه لحاجته إلى الثمن إما لقضاء الدين أو للإنفاق على عياله والثابت بالعرف كالثابت بالنص ولو صرح بهذا للوكيل كان هو مخالفا في بيعه بالنسيئة فكذلك إذا ثبت بالعرف ولكنا نقول الأمر مطلق فتقييده بالبيع بالنقد يكون زيادة ومثل هذه الزيادة لا تثبت إلا بدليل والعرف لا يصلح مقيدا لهذا فالعرف مشترك لأن الإنسان قد يأمر غيره بالبيع للاسترباح ، والربح إنما يحصل أكثره بالبيع بالنسيئة ثم يفسد المطلق في معنى نسخ حكم الإطلاق فلا يثبت بمجرد العرف لأن العرف لا يعارض النص والشيء لا ينسخه ما دونه بخلاف ما إذا نص على التقييد وليس هذا نظير إيجاب البيع لأن العمل هناك بالإطلاق غير ممكن فإن البيع لا يكون إلا بثمن مقيد بوصف إما النقد أو النسيئة . ( ألا ترى ) أنه لو قال بعته منك بألف درهم إن شئت بالنقد وإن شئت بالنسيئة ؛ لم يجز العقد بخلاف التوكيل فإن العمل بالإطلاق هنا ممكن بدليل أنه لو قال : بعه بالنقد أو بالنسيئة كان صحيحا وهذا لأن البيع قد نفذ بسبب حرام وهذه الحرمة كانت لحق الأمر فعليه أن يدفع الفضل إلى الآمر ، وإن كان أقل من القيمة لم يرجع البائع على الآمر بشيء لأنه هو الذي أضر بنفسه حين باعه بأقل من قيمته على وجه صار مخالفا وهو البيع بالنسيئة فيكون الخسران عليه . وإذا باع الرجل جارية بجارية وتقابضا ثم وجد أحدهم بالجارية التي قبض عيبا فإنه يردها ويأخذ جاريته عندنا وقال ابن أبي ليلى يردها ويأخذ قيمتها صحيحة . وكذلك هذا في كل حيوان أو عرض . وجه قوله أن كل واحد منهما في العوض الذي من جهة صاحبه مشترى اشتراه بعوضه وفي العوض الذي من جانبه بائع والبيع غير الشراء فإذا وجد عيبا بما اشترى فرده يبطل الشراء ولكن لا يبطل البيع وإذا بقي العقد في العوض الآخر كان على صاحبه تسليم البدل إليه كما التزمه بالعقد صحيحا وقد عجز عن ذلك فيلزمه رد قيمته كما في النكاح إذا وجدت المرأة بالصداق عيبا فاحشا فردت رجعت على الزوج بقيمته وكل واحد منهما عقد معاوضة فإذا كان هناك حكم الرد يقتصر على المردود ولا يتعدى إلى العوض الآخر فكذلك هنا يوضحه أن القيمة سميت قيمة لقيامها مقام العين فصارت قدرته على تسليم قيمتها صحيحة كقدرته على تسليم عينها فيبقى العقد في البدل الموجود على شرط العقد بقيمة الآخر . وجه قولنا إن بالرد بالعيب ينفسخ القبض في المردود من الأصل ويتحقق عجز بائعها عن تسليمها كما أوجبه العقد وذلك مبطل للعقد . ( ألا ترى ) أنه لو هلك أحد العوضين قبل القبض يبطل العقد فيهما جميعا فكذلك إذا ردتا بالعيب ، وبه فارق النكاح فإن هناك لو تعذر التسليم بالهلاك قبل القبض لزمه قيمته فكذلك إذا تعذر التسليم بالرد بالعيب وهذا لأن العجز عن التسليم في الابتداء هناك لا يمنع صحة العقد والتسمية بأن يزوج امرأة على عبد الغير فإن التسمية تصح . وإذا عجز عن تسليم المسمى يجب قيمته فهنالك العجز في الانتهاء وهنا العجز عن التسليم في الابتداء يمنع صحة العقد فإنه لو اشترى جارية بعبد الغير لا يصح الشراء فكذلك إذا عجز عن التسليم في الانتهاء بطل العقد فيلزمه رد المقبوض بحكمه ، ثم القيمة إنما تقوم مقام العين ، والحاجة هنا إلى تسليم ما تناوله العقد وهي جارية صحيحة لا إلى تسليم العين لأن العين قد كانت مسلمة إليه فلو قلنا بأنه يأخذ قيمتها لكان يأخذ بحكم العقد ولا يجوز أن يستحق بالعقد القيمة دينا في الذمة فلهذا لا يبقى العقد بعد ردها بالعيب ، ولهذا لو اشتراها بالدراهم ثم ردها بالعيب استرد دراهمه ولم يرجع بقيمتها فهذا مثله . وإذا اشترى الرجل سلعة فطعن فيها بعيب قبل أن ينقد الثمن فله أن يردها إذا أقام البينة على العيب عندنا وقال ابن أبي ليلى لا تقبل شهادة شهود على العيب حتى ينقد الثمن لأن قبول البينة ينبني على دعوى صحيحة وإنما تصح الدعوى من المشتري عند وجود العيب لأنه يطالب البائع برد الثمن عليه وذلك لا يتحقق قبل إنقاد الثمن وبدون دعوى صحيحة لا يقبل منه البينة . وحجتنا في ذلك أن الرد بخيار العيب كالرد بخيار الشرط والرؤية وذلك صحيح قبل نقد الثمن ؛ إذ الرد بحجة البينة معتبر بالرد بالإقرار ، ولو أقر البائع بالعيب كان للمشتري أن يرد عليه قبل نقد الثمن فكذلك إذا أقام البينة على العيب ، قوله بأن دعواه لا يصح قلنا لا كذلك فإنه يطالب البائع بتسليم الجزء الفائت وذلك حق مستحق له بالعقد فيصح منه دعوى المطالبة بالتسليم ثم إذا تحقق عجز البائع عن تسليمه رد عليه بالعيب ، ثم هو يدعي براءة ذمته عن الثمن بعد رد العين عليه ، ودعوى سبب البراءة من الديون دعوى صحيحة فتقبل بينته على ذلك والعقد لازم من حيث الظاهر في حق كل واحد منهما فهو يدعي انعدام لزومه في جانبه بسبب العيب وهذه دعوى صحيحة منه كدعوى شرط الخيار . وإذا باع الرجل على ابنه وهو كبير دارا أو متاعا من غير حاجة ولا عذر لم يجز ذلك عندنا وقال ابن أبي ليلى بيعه جائز لأن النبي ﷺ قال { أنت ومالك لأبيك } وقال عليه السلام { إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده لمن كسبه فكلوا من كسب أولادكم } ففي الحديثين دليل على أن مال الولد مملوك للوالد بمنزلة مال نفسه فينفذ تصرفه ، ففي الحقيقة المسألة تنبني على هذا فإن عنده مال الولد في حكم المملوك للوالد ولهذا قال : له أن يطأ جارية ابنه إذا لم تكن محرمة عليه ، وعندنا لا ملك له في مال ولده ولا حق ملك لأن الكسب إنما يملك بملك الكاسب وليس له في ولده ملك فكذلك في كسب ولده والدليل عليه أن الولد مالك لكسبه حقيقة حتى ينفذ تصرفه فيه من الوطء وغير ذلك وينفذ فيه إعتاقه ، وإنما يخلف الكاسب غيره في الملك إذا لم يكن هو من أهل الملك . فأما إذا كان هو من أهل حقيقة الملك لا يملك غيره الكسب على وجه الخلافة عنه ولا يملكه ابتداء لأن ثبوت الملك ابتداء يستدعي سببا له ولم يوجد ذلك وإنما كان يتصرف في حال ضره بولايته عليه نظرا للولد لأنه كان عاجزا عن التصرف والنظر وقد زال هذا المعنى ببلوغه فلهذا لا ينفذ تصرفه فيه . ( ألا ترى ) أن تصرفه في نفسه بالتزويج كان ينفذ قبل بلوغه لحاجته إلى ذلك ثم لا ينفذ بعد البلوغ لانعدام الحاجة فكذلك في ماله . وإذا باع الرجل متاعا لرجل وهو حاضر ساكت لم يجز ذلك عليه عندنا وقال ابن أبي ليلى سكوته إقرار بالبيع أي هو بمنزلة الإجازة فينفذ به البيع لنفسه لأنه لو لم يتعين جهة الرضا بسكوته تضرر به المشتري وصار المالك بسكوته كالغار له والغرور حرام والضرر مدفوع فهو قياس سكوت المولى عن النهي عند رؤيته تصرف العبد أنه يجعل إذنا له في التجارة لهذا المعنى ولأن العادة أن صاحب المال لا يسكت إذا رأى غيره يبيع ما أمر بتسليمه ولم يكن من قصده الرضا به فباعتبار العادة يجعل سكوته دليل الرضا . وكذلك لا يحل له السكوت شرعا إذا لم يكن من قصده الرضا وفعل المسلم محمول على ما يحل شرعا فجعل سكوته دليل الرضا لهذا كما جعل الشرع سكوت البكر رضا منها بالنكاح . وحجتنا في ذلك أن سكوته محتمل قد يكون بطريق الرضا وقد يكون بطريق التهاون وقلة الالتفات إلى تصرف الفضولي وقد يكون بطريق التعجب أي لماذا يفعل هذا في ملكه بغير أمره وإلى ماذا تئول عاقبة فعله والمحتمل لا يكون حجة وملك المالك ثابت في العين بيقين فلا يجوز إزالته بدليل محتمل وهذا هو القياس فيما استشهد به من سكوت المولى وسكوت البكر إلا أنا تركنا القياس في سكوت البكر بالنص ، وهذا ليس في معنى ذلك فإن الحياء يحول بينها وبين التصريح بالإجازة هناك وليس هنا ما يحول الحياء بينه وبين النطق ، ولو تعين جهة الرضا في سكوت المولى لم يلزمه بذلك شيء لأن بمجرد الإذن للعبد في التجارة لا يجب على المولى شيء ولا يبطل ملكه عن شيء ؛ فإنه يتمكن من الحجر عليه قبل أن يلحقه دين ، وهنا لو تعين جهة الرضا زال ملك المالك ولزمه حكم تصرف الفضولي ، وحاصل هذا الكلام أن هناك لو لم يجعل السكوت رضا تضرر به من عامل العبد ولو جعلنا السكوت إذنا لم يتضرر به المولى في الحال فرجحنا جانب دفع الضرر ، وهنا لو جعلنا السكوت رضا تضرر به المالك ولزمه حكم تصرف الفضولي لأن ملكه يزول ، ولو لم نجعله رضا تضرر به المشتري فرجحنا جانب المالك لأن حقه في العين أسبق والمشتري هو المقر حين لم يسأل المالك أن البائع وكله أم لا واعتمد سكوتا محتملا ، ثم الحاجة هنا إلى التوكيل لأن المتصرف يكون نائبا عن المالك ولهذا يرجع عليه بما لحقه من العهدة ، والتوكيل بالسكوت لا يثبت . فأما الإذن في التجارة إسقاط من المولى حقه في المنع من التصرف فإن العبد لا يصير نائبا عن المولى في التصرف ولهذا لا يرجع عليه بالعهدة وسكوته إعراض منه عن الرد فيمكن أن يجعل إسقاطا لحقه بمنزلة التصريح بالإذن . وإذا باع الرجل نصيبا في دار غير مقسوم فقد بينا هذه المسألة بوجوهها في آخر الشفعة ولكن هناك ذكر قول أبي يوسف وحده وأن البيع جائز إن لم يعلم المشتري بنصيب البائع وله الخيار إذا علم به وذكر هنا قول محمد مع قول أبي يوسف فعن محمد فيه روايتان قال ابن أبي ليلى : إذا كانت الدار بين اثنين أو ثلاثة أجزت بيع النصيب وإن لم يسم وإن كانت سهاما كثيرة لم أجزه حتى يسمي لأن عند كثرة الشركاء تتفاحش الجهالة والتفاوت إذا لم يكن نصيب البائع معلوما للمشتري ، وعند قلة الشركاء يقل التفاوت والجهالة وفي البيع تفصيل بين الجهالة المتفاحشة والجهالة اليسيرة ( ألا ترى ) أن بيع أحد الأثواب الثلاثة مع اشتراط الخيار للمشتري إذا سمى ثمن كل ثوب منها يجوز وفيما زاد على الثلاثة لا يجوز وكان ذلك باعتبار تفاحش الجهالة وقلة الجهالة ، ولكنا نقول البيع إنما يتناول نصيب البائع ، وذلك لا يختلف بكثرة الشركاء وقلة الشركاء فقد يقل نصيبه مع قلة الشركاء وقد يكثر نصيبه مع كثرة الشركاء فلا معنى للفرق بينهما ، والمعنى الذي لأجله لا يجوز العقد عند كثرة الشركاء جهالة المعقود عليه على وجوه تفضي إلى المنازعة بين البائع وبين المشتري ، وهذا المعنى موجود عند قلة الشركاء ؛ فالمشتري يقول : نصيب البائع النصف والبائع يقول نصيبي من الدار العشر فلهذا لا يجوز العقد ، وشراء أحد الأثواب الثلاث مستحسن من القياس فلا يقاس عليه غيره ثم الجهالة هناك لا تفضي إلى المنازعة إذا شرط الخيار للمشتري . وإذا ختم الرجل على شراء لم يكن ذلك تسليما للبيع عندنا . وقال ابن أبي ليلى هو تسليم للبيع وبيان هذا أن الرجل إذا شهد على بيع الدار فكتب شهادته وختمها ثم ادعى بعد ذلك أن الدار له وأقام البينة فإن بينته تكون مقبولة على المشتري عندنا ويقضى له بالملك وقال ابن أبي ليلى الدار سالمة للمشتري وهذا بناء على ما تقدم فإن على أصله لما جعل السكوت من المالك رضى بالبيع فختم الشهادة أولى أن يكون رضا بالبيع ، قال كتبه الشهادة للتوثق وهذا التوثق إنما يحتاج إليه إذا صح شراؤه فيجعل إقدام الشاهد على ذلك إقرارا منه بصحة شراء المشتري ، ولكنا نقول كتبه الشهادة محتمل قد يكون على وجه تسليم المبيع وقد يكون للتعجب حتى ينظر كيف يقدر البائع على تسليم ملكه أو تحمل الشهادة على معنى التوثق إذا بدا له أن يجيز المبيع أو يحتمل أن يكون الشاهد لم يعلم عند تحمل الشهادة أن المبيع داره فلعله ظن أن المبيع دار أخرى حدودها توافق حدود داره وبالمحتمل لا يزول الملك فلا يجعل ذلك تسليما منه للبيع . وإذا بيع الرقيق أو المتاع في عسكر الخوارج وذلك من مال أهل العدل غلبوهم عليه لم يجز البيع عندنا ، وقال ابن أبي ليلى هو جائز وإن قتل الخوارج قبل أن يبيعوه وهو بعينه رد على أهله عندهم جميعا فابن أبي ليلى جعل منعه للخوارج كمنعه أهل الحرب باعتبار أن المقابلة بين الفريقين تتناول الدين ، والتأويل الذي للخوارج أقرب إلى الصحة من تأويل الكفار فإذا كان هناك باعتبار المنعة والتأويل يملكون ما أخذوا من أموال المسلمين حتى ينفذ تصرفهم فيه فكذلك الخوارج يملكون ذلك حتى ينفذ تصرفهم فيه إلا أنه إذا قتل الخوارج فلم يبق لهم منعة ، وثبوت هذا الحكم كان باعتبار المنعة فإذا لم يبق وجب ردها على أهلها وبهذا لا يستدل على أنهم لا يملكونها كما لو استولى المشركون على أموال المسلمين ثم وقعت في الغنيمة فوجدها أصحابها قبل القسمة ، ردت عليهم محاباة وإن كان المشركون قد ملكوها فهذا مثله والدليل على التسوية أن الخوارج لا يضمنون ما أتلفوا من أموال أهل العدل ونفوسهم ، كما لا يضمن أهل الحرب ذلك للمسلمين فإذا سوى بين الفريقين في حكم الضمان فكذلك في حكم الملك ، وحجتنا في ذلك أن حكم الإسلام ثابت في حق الخوارج فهذا استيلاء المسلم على مال المسلم فلا يوجب الملك كغصب بعض المسلمين مال بعضهم ، وتقرير هذا الكلام أن منعة الخوارج من جملة دار الإسلام ، والملك بطريق القهر لا يثبت ما لم يتم القهر وتمامه بالإحراز بدار تخالف دار صاحب المال وذلك لا يوجد بعد إحراز الخوارج المال بمنعتهم بخلاف أهل الحرب فإن قهرهم يتم بالإحراز بدارهم ، وما كان منعة الخوارج في دار الإسلام إلا كمنعة أهل الحرب في دار الإسلام وهم لا يملكون أموالنا ما داموا في دارنا وإن كانوا ممنوعين فكذلك الخوارج فلا فرق فإنا لو قدرنا على الخوارج استبيناهم ورددنا المال على صاحبه كما لو أنا قدرنا على أهل الحرب في دار الإسلام عرضنا عليهم الإسلام ورددنا المال على صاحبه ، يوضحه أن المال ما دام محرزا بدار الإسلام لا يملك بالقهر لأنه بالإحراز معصوم والقهر يوجب الملك في محل مباح لا في محل معصوم . ( ألا ترى ) أن الصيد المباح يملك بالأخذ والصيد المملوك لا يملك بالأخذ ، فبإحراز المشركين المال بدارهم يبطل حكم الإحراز والعصمة في ذلك المال فلهذا لا يملكونه بإحراز الخوارج المال بمنعتهم ولا يبطل حكم الإحراز والعصمة في ذلك المال فلهذا لا يملكونه ولهذا لو قتل الخوارج وهو باق بعينه رد على صاحبه ، ولو صار ذلك مملوكا لهم لكان ميراثا عنهم إذا قتلوا . فأما سقوط الضمان فهو حكم ثبت باتفاق الصحابة بخلاف القياس على ما روي عن الزهري قال وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله ﷺ متوافرون فاتفقوا على أن كل دم أريق بتأويل القرآن فهو موضوع وكل فرج استحل بتأويل القرآن فهو موضوع وكل مال أتلف بتأويل القرآن فهو موضوع ، وهذا ليس في معنى ذلك المنصوص فإن مع بقاء الإحراز القسمة قد تسقط بالضمان بأسباب ولكن بقاء الإحراز والعصمة لا يملك المال بحال . ثم ذكر مسألة الشهادات إذا باع مسلم دابة من نصراني فاستحقها نصراني من يد المشتري ببينة من النصارى وقد بينا خلاف أبي يوسف في هذه المسألة في كتاب الشهادات وقول ابن أبي ليلى كقول أبي يوسف . وإذا استهلك الرجل الغني مال ولده الكبير فهو ضامن عندنا وقال ابن أبي ليلى لا ضمان عليه وهو ينبني على الأصل الذي بيناه أن عنده الأب مالك مال ولده شرعا ، وإتلاف الإنسان ملكه لا يوجب الضمان عليه ، وعندنا ليس له في مال ولده ملك ولا حق ملك فهو ضامن له إذا أتلفه ، وإن ثبت له شرعا حق التناول منه بالمعروف عند الحاجة فذلك لا ينفي الضمان عند عدم الحاجة كالمرأة فإن لها أن تنفق من مال زوجها بالمعروف فإن أتلفت شيئا من ماله بدون الحاجة كانت ضامنة فالأب كذلك . وإذا اشترى الرجل عبدا مع الجارية وزاد معها مائة درهم ثم وجد بالعبد عيبا وقد ماتت الجارية عند المشتري فإنه يرد العبد ويأخذ المائة وقيمة الجارية ، وإن كانت الجارية هي التي وجد بها العيب وقد مات العبد ردت الجارية وقسمت قيمة العبد على مائة درهم وعلى قيمة الجارية فيكون له ما أصاب المائة ويرد ما أصاب من قيمة الجارية من قيمة العبد عندنا وقال ابن أبي ليلى إن وجد بالعبد عيب رده وأخذ قيمته صحيحة وكانت الدراهم للذي هي في يديه وهذا بناء على ما تقدم فإن عند ابن أبي ليلى برد العبد بالعيب لا ينتقض البيع في الجارية ولكن يرجع بقيمة العبد . وإذا بقي العقد في حصة الجارية من العبد عندنا يبقى في حصة المائة أيضا لأن العقد في ذلك الجزء من العبد وإن كان بيع بدراهم ولكنه بيع كبيع المقابضة وحكم التبع حكم الأصل فلهذا لا فيبطل العقد فيه ويأخذ قيمته لما تعذر على بائع العبد تسليم عينه صحيحا . فأما عند العقد في الجارية يبطل ما يقابله من العبد بالعيب فإذا بطل العقد وجب على قابض الجارية ردها وقد تعذر الرد بهلاكها في يده فيرد قيمتها بمنزلة المشتراة شراء فاسدا إذا هلكت في يد المشتري . وأما في حصة المائة فالعبد كان بيع بالدراهم فإذا رد المعيب بالعيب وجب الرجوع بما يقابله من الثمن ، وإن كان العيب بالجارية فردت وقد مات العبد فقد انتقض العقد فيما يقابل الجارية من العبد لأن في بيع المقابضة هلاك أحد العوضين لا يمنع فسخ العقد برد الآخر بالعيب فإن العقد إنما ينفسخ في المردود مقصودا ويثبت حكم الفسخ فيما بقي ولا ينفسخ في المردود مقصودا ويثبت حكم الفسخ فيما بقي ولا ينفسخ العقد في حصة المائة من العبد لأن ذلك كان بيعا بالدراهم وقد هلك في يد المشتري فلا يمكن فسخ العقد فيه بعد ذلك فلهذا يقسم العبد على المائة وعلى قيمة الجارية فيغرم مشتري العبد ما أصاب قيمة الجارية من قيمة العبد ويسقط عنه ما أصاب المائة الدرهم لبقاء البيع بينهما في ذلك الجزء . وإذا اشترى الرجل ثوبين وقبضهما فهلك أحدهما ووجد بالآخر عيبا فرده ثم اختلفا في قيمة الهالك فالقول فيها قول البائع عندنا وقال ابن أبي ليلى القول قول المشتري لأن البائع يدعي زيادة في قيمة الهالك عند المشتري والمشتري ينكر تلك الزيادة فيكون القول قوله مع يمينه ولأن البائع يدعي زيادة في حقه قبل المشتري بعد رد الثوب الآخر فيقول قيمة المردود ألف وقيمة الهالك في يدي ألف فلي عليك نصف الثمن والمشتري يقول قيمة الهالك في يدي كان خمسمائة فإنما هلك على ثلث الثمن فيكون القول قول المشتري لإنكاره الزيادة كما لو قبض أحد الثوبين وهلك الآخر في يد البائع ثم اختلفا في قيمة الهالك عند المشتري فإنه يكون القول قول المشتري لهذين المعنيين ، وحجتنا في ذلك أن الثمن كله قد تقرر على المشتري بقبض ثوبين ثم رد أحدهما بالعيب يسقط عنه حصته من الثمن فالمشتري يدعي زيادة فيما سقط عنه من الثمن لأنه يقول كان قيمة الهالك في يدي خمسمائة وقيمة المردود ألفا فسقط عنه ثلثا الثمن والبائع يقول قيمة الهالك في يدك كان ألفا فإنما يسقط عنك نصف الثمن وبعد ما تقرر الثمن على المشتري لو أنكر البائع سقوط شيء من الثمن عنه كان القول قوله فكذلك إذا أنكر سقوط الزيادة عنه واعتبار هذا الجانب أولى لأن المقصود ليس هو عين قيمة الهالك بل المقصود سقوط الثمن عن المشتري بالرد وتقرره عليه بالهلاك في يده فإنما ينظر إلى الدعوى والإنكار فيما هو المقصود ، وهذا بخلاف ما إذا هلك أحد الثوبين في يد البائع والآخر في يد المشتري لأن هناك أن جميع الثمن لم يتقرر على المشتري لأن تقرر الثمن عليه بالقبض وهو ما قبض جميع المعقود عليه فالاختلاف بينهما في مقدار ما تقرر على المشتري من الثمن فالبائع يدعي عليه الزيادة وهو ينكرها لأن الاختلاف هناك في مقدار ما قبض من المعقود عليه ، ولو أنكر القبض أصلا كان القول قوله فكذلك إذا أنكر قبض الزيادة ، وهذا الاختلاف في مقدار ما رد من المعقود عليه ولو أنكر البائع رد شيء عليه كان القول قوله فكذلك إذا أنكر رد الزيادة . وإذا اشترى دارا وبنى فيها بناء ثم حضر الشفيع فإنه ينقض بناء المشتري ويأخذ الدار عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى يأخذ الشفيع الدار والبناء ويعطي الثمن وقيمة البناء إن شاء وهو رواية عن أبي يوسف وهو قول الشافعي وقد بينا هذا في كتاب الشفعة . وإذا وجبت الشفعة لليتيم وعلم بها الوصي أو الأب فلم يطلبها فليس لليتيم شفعة إذا أدرك عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وعلى قول محمد وزفر له الشفعة إذا أدرك وهو قول ابن أبي ليلى وقد بيناها في الشفعة ، والصلح على الإنكار جائز عندنا وقال ابن أبي ليلى لا يجوز الصلح على الإنكار وقد بينا هذا في كتاب الصلح . وكذلك إذا صالح رجل عن المطلوب والمطلوب متغيب أو أخر الطالب عنه الدين وهو متغيب جاز عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى لا يجوز شيء من ذلك لأن التأخير تبرع عن المطلوب بالأجل ولو تبرع عليه بالمال لم يتم في حال غيبته فكذلك إذا تبرع عليه بالأجل ، ولكنا نقول التأجيل إسقاط للمطالبة إلى مدة والإسقاط يتم بالمسقط وحده بمنزلة الإبراء وهذا لأنه تصرف من الطالب في حق نفسه فإن المطالبة خالص حقه وليس في التأجيل إلا إسقاط المطالبة فإذا كان تصرفه لا يمس جانب المطلوب كان صحيحا مع غيبته كالعفو عن القصاص في حال غيبة القاتل وإيقاع الطلاق والعتاق في حال غيبة العبد والمرأة . وكذلك الصلح من الفضولي لا يمس المطلوب فإن الطالب يسقط حقه بعوض يلزمه المتوسط وقد صح التزام من المتوسط لأن ذلك تصرف منه في ذمته أو في ماله فغيبة المطلوب لا تمنع صحته بمنزلة ما لو طلق امرأته على مال شرطه على أجنبي وضمن الأجنبي ذلك فإنه يقع الطلاق مع غيبة المرأة ويجب المال على الضامن . وإذا صالح الرجل عن صلح أو باع بيعا أو أقر بدين ثم أقام البينة أن الطالب أكرهه على ذلك فإن أبا حنيفة قال ذلك جائز ولا أقبل البينة بأنه أكرهه وقال ابن أبي ليلى أقبل بينته على ذلك وأرده وقال أبو يوسف ومحمد إذا كان ذلك إكراها في موضعه قبلت البينة عليه وهذه تنبني على ما بينا في كتاب الإكراه أن عند أبي حنيفة الإكراه إنما يتحقق من السلطان فإكراه الرعية ليس بإكراه وعندهما يتحقق الإكراه ممن يكون قادرا على إيقاع ما هدد به سلطانا كان أو غيره فيقولا الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو غائبا أو أكره من عامله على ذلك لم يمتنع نفوذه عند أبي حنيفة وعندهما يمتنع نفوذه فكذلك إذا ثبت ذلك بالبينة إلا أن عندهما إنما تقبل البينة على هذا إذا كان في موضعه بأن كان يتصور الإكراه من مثله له . وعند ابن أبي ليلى تقبل بينته على ذلك على كل حال لأنه أثبت السبب المبطل للعقد أو للدفع لصفة اللزوم بالبينة والثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصم ولو ساعده الخصم على ذلك بطل الصلح والبيع فكذلك إذا أثبت بالبينة . وإذا اختصم رجلان عند القاضي فأقر أحدهما بحق صاحبه بعد ما قاما من عنده وقامت عليه البينة بإقراره وهو يجحد فهو جائز في قول علمائنا رحمهم الله وكان ابن أبي ليلى يقول لا إقرار لمن خاصم إلا عندي ولا صلح لهم إلا عندي وكان لا يقبل البينة على الإقرار والصلح بعد ما قاما من عنده قال لأن القاضي سمع إنكار الخصم وصار له في ذلك علم يقين فكيف يسمع البينة على ما يعلم يقينا بخلافه يوضحه أنهما لما خاصما بين يديه فقد ثبت له ولاية الحكم بينهما بما هو موجب الشرع وهذا أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر وفي الصلح والإقرار من الخصم إبطال هذه الولاية له فلا يكون إلا بمحضر منه ولا يكون صحيحا فهذا أولى . وجه قولنا أنه لو أقام الخصم البينة على إقرار خصمه أو على الصلح بينهما في المجلس الأول كانت بينته مقبولة فكذلك إذا أقام البينة على ذلك في المجلس الثاني لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عاين القاضي صلحهما أو إقرار الخصم يقضي بذلك فكذلك إذا أثبته بالبينة قوله إذا كان علم إنكاره قلنا نعم ولكن بقاؤه على ذلك الإنكار غير معلوم للقاضي إلا بطريق استصحاب الحال والبينة أقوى من استصحاب الحال وقوله : إنه ثبت للقاضي ولاية الحكم بموجب الشرع قلنا نعم ولكن الحكم عليه بالإقرار الثابت بالبينة ، والصلح الثابت بالبينة من موجب الشرع فيكون هذا راجعا إلى تقرير ولاية القاضي وهذا لأن الشرع أمر القاضي أن لا يقضي بشيء مما غاب عنه علمه إلا بشهادة شاهدين وهذا الصلح والإقرار مما غاب عنه علمه فإذا ثبت عنده شهادة شاهدين كان عليه أن يقضي بها بمنزلة صلح أو إقرار كان منهما قبل الخصومة أو يجعل الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم . وقال ابن أبي ليلى إذا كفل رجل لرجل بدين له على آخر فليس للطالب أن يأخذ الأصل بالمال ما لم يتو على الكفيل وإن كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه أخذ به أيهما شاء وقد بينا هذه المسألة في كتاب الكفالة أن الكفالة عندنا لا توجب براءة الأصيل وللطالب أن يأخذ أيهما شاء وعنده مطلق الكفالة بمنزلة الحوالة فإنما يطالب الكفيل بالمال ولا يطالب الأصيل ما لم يتو المال على الكفيل إلا أن يشترط أن يكون كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه فحينئذ يطالب أيهما شاء بالمال لمكان الشرط وبعد ما طالب أحدهما له أن يطالب الآخر وعلى قول ابن شبرمة إذا اشترط هذا الشرط ثم طالب أحدهما فليس له أن يطالب الآخر بعد ذلك ، ويجعل اختياره مطالبة أحدهما إبراء للآخر بمنزلة الغاصب مع صاحب المغصوب إلا أن يشترط أن يؤاخذهما جميعا فحينئذ بعد ما طالب أحدهما له أن يطالب الآخر ، قال : وقد قال بعض مشايخنا أيضا وقيل هو شريك بن عبد الله إن شرط هذه الزيادة ثم اختار أحدهما لم يكن له أن يعود على الآخر إلا أن يفلس هذا ، أو يموت ولا يترك شيئا وقد بينا وجوه هذه الأقاويل في كتاب الكفالة فإن محمدا ذكر هناك صكا يشتمل على هذه الشرائط وقد بينا أنه إنما شرط هذه الزيادات للتحرز من هذه الأقاويل في كتاب الكفالة قال : وكان ابن أبي ليلى لا يجوز الضمان بشيء مجهول غير مسمى كقوله ما كان لك عليه من حق فهو علي أو ما قضى لك القاضي عليه فهو علي لأنه يلزم المال بعقد معتمد تمام الرضا فمع الجهالة المتفاحشة لا يصح التزامه بمنزلة الالتزام بسائر المعاوضات وبيان الجهالة المتفاحشة هنا أنه مجهول الجنس والقدر والصفة ولا جهالة أبلغ من هذا ولكنا نقول الجهالة هنا لا تمنع صحة الالتزام ولكنها جهالة تفضي إلى المنازعة وهذه الجهالة لا تفضي إلى تمكن المنازعة فإن الطالب لا يطالب الكفيل إلا بما ثبت له على الأصيل ولا تتمكن المنازعة بعد ما ثبت له الحق على الأصيل بالحجة أو بعد ما قضى القاضي به عليه ثم الالتزام بالكفالة بمنزلة الالتزام بالإقرار فإنه ليس بمقابلة عوض يجب للكفيل على الطالب وجهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار فكذلك جهالة المكفول به ثم ذكر مسألة الكفالة عن الميت المفلس وبينا أن قول ابن أبي ليلى فيه كقول أبي يوسف ومحمد رحمهم الله وقد بيناها وقال : على قول أبي حنيفة إن كان ترك الأصيل شيئا ضمن الكفيل بقدر ما ترك لأن صحة الضمان عنده باعتبار الوفاء على معنى أنه يجعل المال خلفا عن الذمة في بقاء الواجب باعتباره لأن المال محل صالح لقضاء الدين منه والوجوب غير مطلوب لعينه بل للاستيفاء فإن ما بقي من المال في ذمة الأصيل بقدر ما يصلح أن يكون تركة خلفا وصحة الكفالة باعتبار بقاء المال في ذمة الأصيل في أحكام الدنيا فلهذا لا يصح ضمانه إلا بقدر تركة الأصيل. وقال ابن أبي ليلى كفالة العبد المأذون جائزة لأن الكفالة من صنيع التجارة وهو منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار ولأنه التزام بعوض فإن الكفيل يرجع على الأصيل بما يؤدي والعبد المأذون من أهل هذا النوع من الالتزام وقد جعل أبو حنيفة رحمه الله الكفالة من جنس التجارة فقال إذا كفل أحد المتعاوضين بمال يلزم شريكه فلما جعل في حق المتعاوضين هذا بمنزلة التجارة فكذلك في حق العبد المأذون ولكنا نقول لا تصح كفالة المأذون في حالة رقه لأن الحاجز وهو الرق قائم وإنما أصل الحجر عنه بالإذن فيما هو تجارة أو من توابع التجارة والكفالة ليست بهذه الصفة فإن التجار يتحرزون عن الكفالة غاية التحرز لهذا قيل : الكفالة أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها غرامة ، فبقي محجورا عنه على ما كان قبل الإذن ثم الكفالة بمنزلة الإقراض فإنه تبرع في الالتزام وإن كان عند الأداء يرجع كما أن المقرض تبرع بأداء المال وإن كان له حق الرجوع في المال والعبد المأذون لا يملك الإقراض في حق مولاه فكذلك لا يملك الكفالة وهذا بخلاف المتعاوضين لأن الكفالة في الابتداء تبرع ولكن في الانتهاء معاوضة ولا بد من تصحيحه من المعاوض الذي باشره وإن كان تبرعا فإذا صح منه انقلب معاوضة فيطالب به الشريك أما هنا باعتبار كونه تبرعا لا يصح من العبد المأذون في الابتداء فلا ينقلب معاوضة . وقال ابن أبي ليلى إذا أفلس المحتال عليه رجع الطالب على المحيل وهو بناء على ما سبق أن عند ابن أبي ليلى التفليس والحجر يتحقق وقوله فيه كقولهما أو أبلغ منه لأن عنده بعد التفليس والحبس لا ينفذ عتق المديون في عبده فيتحقق بالتوى بالتفليس على قوله . وإذا توى المال على المحتال عليه كان للطالب أن يرجع على المحيل لقوله عليه السلام { لا توى على مال امرئ مسلم } . فأما على قول أبي حنيفة التوى لا يتحقق لأن التوى أن يهلك عين الشيء أو محله الذي كان قائما به والدين لا يتصور هلاكه حقيقة ومحله قائم بعد الإفلاس ببقاء الذمة محلا صالحا لالتزام الحقوق وإنما يتأخر الاستيفاء بالإفلاس وهذا تأخير يزول ساعة فساعة لأن المال غاد ورائح بخلاف ما إذا مات فإن محل الدين خرج من أن يكون صالحا لالتزام الحقوق وإنما يتأخر الاستيفاء في أحكام الدنيا بخلاف ما لو جحد وحلف لأن الدين هناك صار تاويا حكما حتى انقطع طريق الوصول إليه عن بينة أو إقرار الخصم . وقال ابن أبي ليلى : للوكيل أن يوكل بما وكل به إذا مرض أو أراد سفرا فأما إذا كان حاضرا صحيحا فلا وعندنا بمطلق الوكالة ليس له أن يوكل غيره إلا أن يكون قال له ما صنعت من شيء فهو جائز فحينئذ يكون له أن يوكل غيره به سواء كان حاضرا صحيحا أو غائبا أو مريضا وجه قوله إن الوكيل بقبول الوكالة قد التزم أداء هذه الأمانة وتحصيل مقصود الموكل ؛ فلا يملك أن ينيب غيره منابه في ذلك إلا في حالة العذر من مرض أو سفر بمنزلة شاهد الأصل فإنه لا يكون له أن يؤدي الشهادة بالثابت وهو شاهد الفرع إلا عند السفر أو المرض فهذا . مثله . ولكنا نقول الموكل إنما رضي برأي الموكل فلا يكون له أن يقيم رأي غيره مقام رأي نفسه لأن الناس يتفاوتون في الرأي ومقصود الموكل لا يحصل برأي غيره ثم العذر هنا لا يتحقق بسفره ومرضه لأن الموكل قادر على النظر لنفسه وتحصيل مقصوده بمباشرته بخلاف شاهد الأصل فإن العذر هناك يتحقق عند المرض والسفر لأن صاحب الحق لا يتمكن من إحياء حقه بطريق آخر ولا يكون له أن يطالب شاهدي الأصل بالحضور لأداء الشهادة عند العذر فلهذا قبلت شهادة شهود الفرع على شهادته . فأما إذا قال ما صنعت من شيء فهو جائز فقد رضي هناك برأيه على العموم والتوكيل من رأيه وليس الوكيل في هذا كالوصي لأن الوصي قائم مقام الموصي وثبت له من الولاية ما كان ثابتا للموصي فيملك بولايته التوكيل والإيصال إلى الغير كما كان يملك الموصي ولهذا يستوي فيه حالة العذر وغير حالة العذر . وكان ابن أبي ليلى لا يجوز إقرار الوكيل على الموكل وهو قول زفر والشافعي وقد بينا المسألة في كتاب الوكالة . وقال ابن أبي ليلى تقبل الوكالة في القصاص والحدود وإنما أراد به في الاستيفاء لا في الإثبات وعندنا لا تقبل الوكالة في القصاص والحدود على معنى لا يستوفى في حال غيبة الموكل هو لكون القصاص محض حق العبد والتوكيل من صاحب الحق باستيفاء سائر حقوقه صحيح فكذلك باستيفاء القصاص والحد حق الله تعالى يقيمهما الإمام عند ظهور السبب عنده وقد ظهر بخصومة الوكيل ولكنا نقول لو استوفى في حال غيبة الموكل كان استيفاء مع تمكن الشبهة لأنه يتوهم العفو عن الموكل في القصاص والتصديق من المقذوف بالحد وما يندرئ بالشبهات لا يجوز استيفاؤه مع تمكن الشبهة بخلاف سائر الحقوق التي ثبتت مع الشبهات ولئن كان المراد بهذا التوكيل الثبات فقد بينا الاختلاف في هذه المسألة بين أصحابنا رحمهم الله في كتاب الوكالة . وإذا كان لرجل على رجل مال وللمطلوب على الطالب مثله فهو قصاص عندنا وقال ابن أبي ليلى لا يكون قصاصا حتى يتراضيا به اعتبارا للدين الذي لكل واحد منهما في ذمة صاحبه بالعين التي لكل واحد منهما في يد صاحبه ولو كان لرجل في يد غيره مائة درهم ولآخر في يده مثل ذلك لم يكن أحدهما قصاصا بالآخر وكان لكل واحد منهما أن يطالب صاحبه بملكه فهذا مثله بل أولى فإن مبادلة العين بالعين صحيح ومبادلة الدين بالدين باطل ؛ فلا يمكن أن يجعل كل واحد منهما مستوفيا حقه بطريق المبادلة لأنه مبادلة الدين بالدين ولا يمكن أن يجعل مستوفيا باعتبار أنه عين حقه لأن ما في ذمته حق غيره وحجتنا في ذلك أن مطالبة كل واحد منهما صاحبه بدراهمه اشتغال بما لا يفيد لأنه يستوفى من صاحبه ويرد عليه من ساعته ما كان له قبله ولا يجوز الاشتغال بما لا يفيد وهذا بخلاف العين لأن في الأعيان للناس أغراضا ولا يوجد مثل ذلك الغرض في الدين فإن الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها فلا فائدة لواحد منهما في مطالبة صاحبه هنا لأن التفاوت بين المعنيين متحقق في معنى من المعاني ولا يتحقق التفاوت بين الدينين إذا استويا من كل وجه وإنما يتحقق التفاوت إذا اختلفا في صفة الجودة والحلول ولا أحد يقول عند ذلك لا تقع المقاصة بينهما ومبادلة الدين بالدين إنما تجوز فيما لا يحتاج إلى قبض في المجلس وهنا يحتاج إلى القبض . ( ألا ترى ) أنهما لو تراضيا على المقاصة كان جائزا ومبادلة الدين بالدين حرام شرعا وإن وجد التراضي { لنهي النبي ﷺ عن الكالئ بالكالئ } . وإذا كتب الرجل على نفسه صك حق يعوض ثم أقام البينة أن أصله مضاربة لم تقبل بينته عندنا وقال ابن أبي ليلى أقبل بينته وأجعله مضاربة كذلك لو أقر على نفسه بمال في صك حق من ثمن متاع ثم أقام البينة أنه ربا لم تقبل بينته عندنا وكان ابن أبي ليلى يقبلها منه ويرده إلى رأس المال والقياس ما قلنا لأن قبول البينة ينبني على صحة الدعوى وبعد ما أقر أن المال عليه قرضا لا يصح دعواه أنه مضاربة لأنه مناقض في ذلك وبدون الدعوى لا تقبل البينة . وكذلك بعد ما أقر أن المال واجب عليه من ثمن متاع لا يسمع دعواه أنه ربا لكونه مناقضا في ذلك فإن الربا لا يكون واجبا عليه وبدون الدعوى لا تقبل بينته واستحسن ابن أبي ليلى رحمه الله في الفصلين جميعا لأنه وجد في ذلك عرفا ظاهرا بين الناس أنهم يكتبون القرض للاحتياط وإن كانوا دفعوا المال مضاربة ويقرون بثمن المتاع وإن كان أصل المعاملة قرضا والزيادة ربا شرط عليه فللعرف الظاهر قال تقبل بينته على ذلك ولكن هذا ليس بقوي فهذا العرف يدل على شهادة الظاهر له وذلك دليل قبول قوله مع يمينه لا دليل قبول بينته وبالاتفاق لا يقبل قوله مع يمينه لما سبق من الإقرار فكذلك لا تقبل بينته ولو أقر بمال في صك حق من ثمن بيع ثم قال لم أقبض المبيع فقد بينا هذه المسألة في كتاب البيوع أن على قول أبي حنيفة ومحمد لا يصدق وصل أم فصل ، وفي قول أبي يوسف الأول إن وصل صدق وإن فصل لا يصدق ثم رجع فقال إذا فصل يسأل المقر له عن سبب وجوب المال فإن أقر أنه من ثمن بيع فالقول قول المقر إني لم أقبض المبيع وهو قول محمد وفي قول ابن أبي ليلى سواء فصل أم وصل فالقول قوله بأني لم أقبض المبيع ولا يلزمه شيء حتى يأتي الطالب ببينة على قبض المتاع للعرف الظاهر أن المشتري يقر بوجوب الثمن عليه بعد البيع قبل القبض فلا يكون إقدامه على الإقرار بذلك دليلا على قبضه المبيع فإذا قال لم أقبض فهو منكر للقبض بالحقيقة فالقول قوله مع يمينه وعلى الطالب البينة على تسليم المبيع ولكنا نقول إذا لم يكن المبيع معينا فثمنه لا يكون واجبا عليه إلا بعد القبض وفي إقراره بوجوب المال عليه دليل الإقرار بالقبض فإذا قال بعد ذلك لم أقبض فهو مناقض في كلامه . وإذا شهدت الشهود على زنا قديم أو سرقة قديمة فعلى قولنا لا يقام الحد في ذلك وعند ابن أبي ليلى يقام الحد وقد بينا المسألة في الحدود وفيه حديث عمر رضي الله عنه حيث قال أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرة ذلك فإنما شهدوا على ضغن فلا شهادة لهم . وعن ابن أبي ليلى في حد السكران إن أتي به وهو غير سكران فلا حد عليه لانعدام العلة الموجبة للحد ولكنا نقول الموجب للحد هو الشرب إلى غاية السكر ولا ينعدم ذلك وإن زال ما به من السكر إلا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله فإنهما يشترطا بقاء الرائحة لإقامة الحد عليه وعند محمد لا يشترط ذلك وقد بيناه في الحدود . وإذا ادعى الرجل دينا على ميت شهد له به شاهدان ثم شهد هو وآخر على دين لرجل آخر فشهادتهما جائزة عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى لا تجوز شهادته لأن التركة مشغولة بحق الغرماء وهي كالمستحقة لهم بدينهم فهذا في معنى شهادة أحد الشريكين لشريكه ولكنا نقول الغريم يتضرر بهذه الشهادة لأن بدون هذه الشهادة كان هو أحق بالتركة والآن يثبت لغيره المزاحمة معه في التركة وفي هذا ضرر عليه وإنما تتمكن التهمة في شهادته إذا كان للشاهد منفعة فيها وأما إذا كان عليه ضرر في شهادته فالتهمة لا تتمكن فيها فيجب قبول الشهادة وقد تقدم بيان نظائر هذه المسألة في الوصايا . وإذا أقر الرجل بالزنا عند غير قاض أربع مرات فشهد به عليه الشهود لم يحد عندنا ويحد في قول ابن أبي ليلى رحمه الله اعتبارا للإقرار بالزنا بالإقرار بسائر الأسباب الموجبة للعقوبة كالقتل والقذف فكما أن هناك تقبل البينة على إقراره بذلك ويجعل الثابت من إقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة فكذلك هنا ولكنا نقول الرجوع عن الإقرار صحيح في باب الزنا والحدود التي هي محض حق الله تعالى . ( ألا ترى ) { أن ماعزا رضي الله عنه لما هرب ثم أخبر رسول الله ﷺ بذلك فقال عليه السلام هلا خليتم سبيله } وإنما قال ذلك لأنه جعل هربه دليل رجوعه عن الإقرار فإذا ثبت أن الرجوع صحيح هنا قلنا البينة لا تقبل إلا على منكر وإنكاره رجوع عما سبق من الإقرار لا محالة فإنما شهد الشهود على إقرار باطل وبه فارق القتل والقذف فالرجوع عن الإقرار فيهما لا يكون صحيحا يوضحه أن الإقرار بالزنا في معنى الشهادة ولهذا يشترط فيه عدد الأربع ويصح الرجوع عنه بمنزلة الشهادة وكما أن الشهادة التي تقوم في غير مجلس القضاء لا يقام بها الحدود فكذلك الإقرار عند غير القاضي لا يجوز إقامة الحد به . وإذا شهد قوم من أهل الكوفة أن ذلك الشاهد فاسق فإن شهادتهم لا تكون مقبولة عندنا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله تقبل وترد شهادة الشاهد لأن فسقه لو صار معلوما للقاضي بخبر المخبر رد شهادته فإذا صار معلوما له بشهادة الشهود أولى ولأن الفسق مانع من العمل بشهادته بمنزلة الرق وكونه محدودا في قذف ولو قامت البينة على ذلك لم يجز القضاء بشهادته فكذلك إذا شهد الشهود بفسقه . وجه قولنا أن المقصود بهذه الشهادة النفي لا الإثبات والبينات للإثبات لا للنفي وبيان الوصف أن المقصود نفي وجوب العمل بشهادته وبه فارق الرق وإقامة الحد عليه لأن تلك البينة تقوم لإثبات الرق عليه ولإثبات فعل القاضي في إقامة الحد عليه ثم يتضمن ذلك بطلان شهادته حكما يوضحه أن صفة الفسق ليست بصفة لازمة فإن الفاسق إذا تاب لا يبقى فاسقا فالشاهد لا يعلم بقاء هذا الوصف فيه عند شهادته حقيقة وإنما يقول ذلك باستصحاب الحال وذلك يطلق له الخبر دون الشهادة فكان محارفا في هذه الشهادة بخلاف الرق وإقامة الحد عليه فإن ذلك صفة لازمة له فيجوز للشاهد أن يشهد على ذلك إذا كان قد علم سببه حقيقة ولأن الفسق يثبت بأسباب يختلف الناس في بعضها فلعل الشاهد بذلك يعتمد لسبب عنده أن ذلك فسق وعند القاضي ليس بفسق فلا يجوز له أن يعتمد مجرد شهادته أنه فاسق بخلاف الرق وإقامة الحد عليه . وإذا سافر المسلم فحضره الموت وأشهد على وصيته رجلين من أهل الكتاب لم تجز شهادتهما عندنا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله تجوز شهادتهما وهو قول شريح رحمه الله فإنه كان يقول لا تقبل شهادة أهل الكتاب على المسلمين في شيء إلا في الوصية ولا تقبل في الوصية إلا في حالة السفر وقد نقل ذلك عن إبراهيم النخعي لظاهر قوله تعالى { اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم } يعني من غير أهل دينكم بدليل قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } ولكن نقل عن إبراهيم أنه قال هذه الآية منسوخة نسخها قوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقد نقل عن عكرمة أن المراد من قوله عز وجل { أو آخران من غيركم } أي من غير قبيلتكم وهذا لأن العداوة بين القبائل في الجاهلية كانت ظاهرة فبين الله تعالى أنه لا معتبر بها بعد الإسلام وأن شهادة بعضهم على بعض مقبولة . ( ألا ترى ) أن الله تعالى قال { تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله } وذلك إنما يكون في حق المسلمين الذين يصلون وقد صح الحديث أن النبي ﷺ قال { لا تقبل شهادة أهل ملة على أهل ملة أخرى إلا المسلمين فإن شهادتهم مقبولة على أهل الملل } كلها والمعنى الذي لأجله لا تقبل شهادتهم علينا في سائر الحقوق انقطاع ولايتهم عنا وهذا المعنى موجود في الوصية والمعنى الذي لأجله لا تقبل شهادتهم على وصية المسلم في غير حالة السفر موجود في حالة السفر . وإذا اختلف الشاهدان في المواطن التي شهدا فيها على عمل من قتل أو غصب لم تقبل شهادتهما ولا يعزران على ذلك عندنا وكان ابن أبي ليلى ربما ضربهما وعاقبهما لتمكن تهمة الكذب والمجازفة في الشهادة ولكنا نقول لا ندري أيهما الكاذب منهما فضرب كل واحد منهما عبث ولا بد من تقرر السبب في حقه حتى يجوز الإقدام على ضربه وذلك لا يوجد في حق كل واحد منهما . وكذلك لو شهدا بأكثر مما ادعى فعلى قول ابن أبي ليلى يؤدبان على ذلك لتهمة الكذب والمجازفة ولكنا نقول لعل المدعي هو الغالط والكاذب والشهود صادقون في شهادتهم وبدون تقرر السبب لا تجب عليهم العقوبة وإن كان لا يعمل بشهادتهم لتكذيب المدعي إياهم . وإذا لم يطعن الخصم في الشاهد فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا يسأل عنه القاضي وعند ابن أبي ليلى يسأل عنه وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن السؤال عن الشهود لصيانة قضائه فإنه ممنوع شرعا من القضاء بشهادة الفاسق وأبو حنيفة يقول العدالة ثابتة بظاهر الإسلام كما قال رسول الله ﷺ { المسلمون عدول بعضهم على بعض } فيعتمد القاضي هذا الظاهر ما لم يطعن الخصم فإذا طعن اشتغل بالسؤال لأن الظاهر من حال الطاعن أنه لا يكذب أيضا فإنه مسلم وقد بينا هذه المسألة بفصولها في أدب القاضي . وشهادة الصبيان بعضهم على بعض لا تكون مقبولة عندنا وكان ابن أبي ليلى يجيزها في الجراحات وتمزيق الثياب التي تكون بينهم في الملاعب ما لم يتفرقوا فإن كانوا تفرقوا لم تجز شهادتهم لأن العدول قل ما يحضرون ملاعب الصبيان فكانت الضرورة داعية إلى قبول شهادة بعضهم على بعض بمنزلة شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال ولكن هذا ما لم يتفرقوا . فأما إذا تفرقوا وعادوا إلى بيوتهم فإنهم يلقنون الكذب هذا هو العادة فلا تقبل شهادتهم لذلك ولكنا نقول المعنى الذي لأجله لا تكون لهم شهادة على البالغين انقطاع الولاية فإن الصبي ليس من أهل الولاية على أحد وهذا المعنى موجود في شهادة بعضهم على بعض . والضرورة التي اعتادوها لا تتحقق فإنا أمرنا أن نمنعهم من الاجتماع للعب فتندفع هذه الضرورة بمنعنا إياهم عن ذلك . ولا يستحلف المدعي شهوده عندنا وكان ابن أبي ليلى يقول عليه اليمين مع شهوده على قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولكنا لا نأخذ به لقوله عليه السلام { البينة على المدعي واليمين على من أنكر } فهذا دليل على أنه لا يمين في جانب المدعي ولأن التقسيم الذي ذكره صاحب الشرع عليه السلام دليل على أنهما لا يجتمعان في جانب واحد يعني البينة واليمين . وإذا لم يكن للمدعي شهود كان اليمين على المدعى عليه فإن قال المدعى عليه أنا أرد اليمين فإنه لا ترد اليمين عليه عندنا وقال ابن أبي ليلى إذا اتهمت المدعي رددت اليمين عليه في دعوى الديون لأنها مشروعة لدفع التهمة بها ولكنا نقول : اليمين لإبقاء ما كان على ما كان لا لإثبات ما لم يكن وحاجة المدعي إلى إثبات ما لم يكن ثابتا واليمين لا تصلح حجة في ذلك ثم هو مخالف للنص فإن { النبي ﷺ قال للمدعي ليس لك إلا هذا شاهداك أو يمينه } فهو تنصيص على أنه لا يمين في جانب المدعي قال وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يستحلف على الصلح في الميراث وغيره ونحن نقول أيضا يستحلف على الصلح في الميراث وغيره فإما أن يكون مراده من ذلك أنه كان يستحلف المدعي فيتحقق فيه الخلاف أو مراده أنه كان يستحلف في ذلك من غير طلب المدعي فيتحقق فيه الخلاف لأن عندنا لا يستحلف في ذلك من غير طلب فيتحقق فيه الخلاف لأن عندنا لا يستحلف إلا عند طلب المدعي فإن اليمين حق المدعي بدليل ما روينا فيه فإنما يستحلف عند طلبه أو يكون مراده أنه يستحلف على العلم في الصلح في الميراث وغيره وعندنا يستحلف على الثبات إذا كان يدعي عليه صلحا باشره لأنه استحلاف على فعل نفسه فيكون على الثبات . وإذا مات الرجل وترك امرأة وولدا ولم يقر بحبل امرأته فجاءت بولد بعد موته بأيام وشهدت امرأة على ولادتها لم يثبت نسبه فلم يرث في قول أبي حنيفة وقال ابن أبي ليلى رحمه الله يثبت نسبه وهو يرث وهو قول أبي يوسف ومحمد وقد تقدم بيان المسألة في كتاب الطلاق أن عند أبي حنيفة شهادة المرأة الواحدة لا تكون حجة على الولادة في إثبات النسب إلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو فراش قائم أو إقرار من الزوج بالحبل وعند انعدام هذه المعاني لا يثبت النسب إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين وعند أبي يوسف ومحمد شهادة القابلة على الولادة حجة تامة لإثبات النسب بدون هذه الشروط وقول ابن أبي ليلى رحمه الله كقولهما . وإذا كان للرجل عبدان ولدا في ملكه من أمته فأقر في صحته أن أحدهما ابنه ثم مات ولم يبين لم يثبت نسب واحد منهما عندنا ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته . وكذلك الأمتان وكان ابن أبي ليلى يقول يثبت نسب أحدهما ويورثهما ميراث ابن واحد ويوجب على كل واحد منهما السعاية في نصف قيمته لأن النسب مما لا يحتمل الدفع بعد ثبوته فالإقرار به للمجهول صحيح كالعتق والطلاق فإنه لو أقر بعتق أحد عبديه أو طلاق أحد المرأتين كان ذلك صحيحا والدليل عليه أنه يعتق أحدهما في هذا الموضع باتفاق وثبوت الحرية لا يكون إلا بعد صحة الإقرار وهو إنما أقر بالنسب فلو لم يصح إقراره بذلك لم تثبت الحرية لواحد منهما ثم قد يختلط ولده بولد أمته فلا يعرف ولده الذي هو ثابت النسب منه من ولد أمته فلو لم يصح إقراره مع هذه الجهالة أدى إلى إلحاق الضرر به ولكنا نقول النسب مما لا يحتمل التعليق بالشرط ، وما لا يحتمل التعليق بالشرط لا يصح إيجابه في المجهول كالنكاح والبيع وهذا لأن الإيجاب في المجهول بمنزلة التعليق بخطر البيان والنسب لا يحتمل التعليق بسائر الأخطار فكذلك بخطر البيان بخلاف العتق والطلاق إلا أن إقراره وإن لم يعتبر في حق النسب فإنه يكون معتبرا في حق العتق بمنزلة ما لو أقر لمن هو معروف النسب من الغير أنه ابنه لا يقبل إقراره وإن لم يعتبر في حق النسب فإنه يكون معتبرا في حق العتق بمنزلة ما لو أقر لمن هو معروف النسب من الغير أنه ابنه لا يقبل إقراره وإن لم يعتبر في حق النسب فإنه يكون معتبرا في حق العتق تميز أحدهما بغير عينه وهو عتق في الصحة فيسعى كل واحد منهما في نصف قيمته . وعند ابن أبي ليلى لما ثبت نسب أحدهما ثبت العتق أيضا وليس أحدهما بأولى من الآخر فيسعى كل واحد منهما في نصف قيمته ويرثان ميراث ابن واحد لثبوت نسب أحدهما واعتبرا هذا بولد جارية بين رجلين ادعياه ثم مات الولد فإنهما يرثانه ميراث أب واحد إلا أن نقول هناك هو ثابت النسب منهما كما قال عمر وعلي رضي الله عنهما وهو ابنهما يرثهما ويرثانه وهنا لا نقول بأن نسبهما ثابت منه ولا يمكن إثبات نسب أحدهما بغير عينه والميراث لا يكون قبل ثبوت النسب . ( ألا ترى ) أن في معروف النسب وإن ثبت العتق بإقراره لا يثبت الميراث فكذلك هنا قال وكان ابن أبي ليلى لا يورث مولى الموالاة شيئا وهو قول زيد بن ثابت وقد بينا المسألة في كتاب الفرائض . وإذا اشترك الرجلان شركة مفاوضة ولأحدهما ألف درهم وللآخر أكثر من ذلك فعندنا هذه ليست بمفاوضة لكنها عنان عام وقال ابن أبي ليلى هي مفاوضة والمال بينهما نصفان فبيننا وبينه اتفاق أن من شرط المفاوضة المساواة في رأس المال وقلنا لما انعدم ما هو شرط صحة المفاوضة لم تكن الشركة مفاوضة بينهما ولكنه عنان عام فكأنهما باشرا شركة العنان ولقباها بلقب فاسد وهو يقول قصدا بصحيح المعاوضة ولا وجه لتصحيحهما إلا بعد أن يصير أحدهما مملكا بعض رأس ماله من صاحبه ليستوي به فيجعل كأنه وهب منه بعض رأس المال حتى يحصل مقصودهما بمنزلة ما لو قال لغيره اعتق عبدك عني على ألف درهم بدرج التملك في كلامه ليحصل مقصودهما وهذا مستقيم على أصله فإنه يجوز هبة المتاع فيما يحتمل القسمة من الشريك وهذا لا يجوز عندنا والظاهر أنهما لم يقصداه لأن اشتراط المساواة في رأس المال في هذه الشركة من دقائق العلوم لا يعرفه إلا الخواص من الناس وبين العلماء رحمهم الله فيه اختلاف فلعل المتعاقدين بنيا هذا العقد على قول من يرى جوازه مع التفاوت في رأس المال ولا يجوز إبطال شيء من الملك على أحدهما بالاحتمال . قال ابن أبي ليلى رحمه الله في عبد بين رجلين كاتبه أحدهما بغير إذن شريكه فالمكاتبة جائزة وليس للشريك أن يردها لأن المكاتبة توجب استحقاق الولاء والعتق فإذا نفذ من أحد الشريكين في ملكه لا يجوز للآخر أن يبطله كحقيقة الإعتاق والكتابة بمنزلة البيع من حيث إنه يعتمد الفسخ ويعتمد التراضي ولا يجوز إلا بتسمية البدل فكما أن أحد الشريكين إذا باع نصيبه لم يكن للآخر أن يبطله فكذلك الكتابة وعندنا للآخر أن يرد الكتابة لأن في إبقاء هذا العقد ضررا على شريكه من حيث إنه يتعذر عليه التصرف في نصيبه وتتعذر عليه استدامة الملك بعد أداء بدل الكتابة ومن تصرف في ملكه تصرفا يلحق الضرر بغيره فإن ذلك الغير يتمكن من دفع الضرر عن نفسه . ( ألا ترى ) أن للشفيع أن يأخذ الشقص بالشفعة لدفع الضرر عن نفسه وهذا العقد يحتمل الفسخ فقلنا يدفع الشريك الضرر عن نفسه بفسخه . ( ألا ترى ) أن المكاتب إذا كسر نجما أو نجمين كان للمولى أن يفسخ الكتابة لدفع الضرر عن نفسه وأن المكاتب متى عجز عن أداء بدل الكتابة كان له أن يفسخ العقد لدفع الضرر عن نفسه وبه فارق حقيقة العتق فإنه غير محتمل للفسخ فدفع الضرر عنه يكون بالتضمين هناك وبه فارق البيع لأنه لا ضرر على الشريك في إبقاء البيع في نصيب الشريك فإذا أعتقه الشريك الآخر نفذ عتقه في نصيبه عندنا لبقاء ملكه في نصيبه بعد الكتابة على ما كان قبله وعند أبي ليلى لا ينفذ عتقه حتى ينظر ما يصنع المكاتب فإن أدى بدل الكتابة عتق وعلى الذي كاتبه نصف قيمته والولاء كله له لأنه استحق ولاءه بعقد الكتابة فلا يملك الشريك إبطال هذا الاستحقاق عليه بالإعتاق كما لا يملكه بفسخ الكتابة عنده وهو بناء على أصله أن الكتابة لا تجزأ فإذا أدى البدل عتق الكل من جهته فصار ضامنا نصف قيمته لشريكه إما لأنه يملك نصيب شريكه أو لأنه أفسد على شريكه نصيبه وإن عجز المكاتب نفذ العتق من الآخر حينئذ لأن المانع قد زال وهو أن للمكاتب حق الولاء وعند أبي حنيفة الكتابة تجزأ فالمكاتب لم يصر مستحقا نصيب الشريك فلهذا نفذ العتق من الشريك في نصيبه ويسعى المكاتب في بدل الكتابة وإن شاء في نصف قيمته للشريك الآخر وهذا الخيار عنده باعتبار أن العتق يحتمل التجزؤ . ولو أن مملوكا بين اثنين دبره أحدهما لم يكن للآخر أن يبيع حصته عندنا وله ذلك عند ابن أبي ليلى وهذا بناء على أن استحقاق العتق يثبت بالتدبير عندنا حتى يمتنع على المدبر بيع نصيبه فيمتنع على الشريك أيضا بيع نصيبه اعتبارا لحق العتق بحقيقة العتق ولابن أبي ليلى أحد الطريقين أما أن يقال التدبير تعليق العتق بالشرط فلا يثبت به استحقاق العتق ولا يمتنع البيع في نصيب المدبر ولا في نصيب شريكه كما هو مذهب الشافعي أو يقول استحقاق العتق بالتدبير باعتبار أنه تعليق بمطلق الموت وهذا المعنى وجد في حق المدبر خاصة فلا يظهر الاستحقاق في حق الشريك ولكن يجعل في حق الشريك هذا كالتعليق بسائر الشروط فلا يمتنع البيع وعلى هذا قال إذا دبره أحدهما ثم أعتقه الآخر فالعتق جائز والتدبير باطل لأن في حق المعتق التدبير بمنزلة التعليق بشرط آخر والعتق عنده لا يتجزأ فينفذ العتق في جميعه ومن ضرورة نفوذ العتق بطلان التدبير فيضمن المعتق نصف قيمته لشريكه إن كان موسرا كما لو أعتقه قبل التدبير ولكن قد ثبت لنا أن بالتدبير يثبت استحقاق العتق كما يثبت بالاستيلاد وقد قررنا هذا في العتق كما أنه إذا نفذ الاستيلاد من أحدهما في نصيبه لم يبطل ذلك بإعتاق الآخر فكذلك إذا نفذ التدبير وهذا لأن الولاء بالتدبير صار مستحقا له حتى إذا عتق بعد موته يكون ولاؤه له فلا يتمكن الآخر من إبطال هذا الولاء عليه . وإذا ورث أحد المتفاوضين مالا ؛ فهو له دون شريكه عندنا وقال ابن أبي ليلى هو بينهما نصفين لأن مقتضى عقد المفاوضة الشركة بينهما في الملك الذي يحدث لأحدهما بعده كما لو ملك أحدهما شيئا بسبب التجارة ولكنا نقول عقد المفاوضة إنما يوجب الشركة بينهما فيما يحصل بطريق التجارة لأن كل واحد منهما يكون وكيلا لصاحبه في ذلك التصرف وهذا في الإرث لا يتحقق ثم الملك بالميراث ليس بحادث فإن الوراثة خلافة فيبقى للوارث الملك الذي كان ثابتا للمورث وسبب هذه الخلافة لم يوجد في حق الشريك ولو قلنا بأن المفاوضة توجب الشركة بينهما في الموهوب والموروث لبطلت في نفسها لأنها تصير في معنى القمار والمخاطرة وذلك باطل شرعا . وإذا كان الموروث للوارث خاصة فإن كان ذلك من النقود التي تصلح أن تكون رأس مال الشركة بطلت المفاوضة لوجود التفاوت في رأس المال والطارئ بعد العتق قبل حصول المقصود به كالمقترن بالسبب . وإذا كاتب الرجل عبدا وللعبد مال فماله لمولاه إلا أن يشترطه المكاتب عندنا وقال ابن أبي ليلى المال للمكاتب لأن المولى يعقد الكتابة بقصد تمكينه من التصرف ليؤدي بدل الكتابة من الكسب الحاصل بتصرفه ولا يتمكن من التصرف إلا برأس المال فباعتبار هذا المعنى يجعل كأنه شرط له ما في يده من المال بخلاف بيعه من غيره فالمقصود هناك تمليك العين وذلك حاصل وإن لم يدخل ماله في العقد وهو نظير الشرب والطريق يدخل في الإجازة من غير ذكر لتحصيل مقصوده وهو الانتفاع وإن كان لا يدخل في البيع إلا بالذكر وقيل في تأويل قوله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } أن المراد هذا وهو أن يترك له ما في يده من الكسب ليتصرف فيه . لكنا نقول : ما اكتسبه قبل عقد الكتابة ملك المولى فهو بمنزلة مال آخر للمولى في يده فلا يستحقه المكاتب بمطلق الكتابة وهذا لأن الاستحقاق بالعقد إنما يثبت فيما يضاف إليه العقد وإنما أضيف العقد هنا إلى رقبته دون ماله فلا يستحق به المال كما في البيع ونحن نسلم أنه بعقد الكتابة يمكنه من التصرف ولكن يمكنه من ذلك لمنافعه لا لماله وبعقد الكتابة يصير هو أحق بمنافع نفسه عندنا ثم يجوز فسخ الكتابة عند غير القاضي عندنا كما يجوز عقد الكتابة وعند ابن أبي ليلى لا يكون رد المكاتب في الرق إلا عند القاضي لأنه ينبني على العجز عنده أداء بدل الكتابة ولا يتحقق العجز إلا بقضاء القاضي وقد بينا هذا في كتاب المكاتب وقول ابن أبي ليلى كقول أبي يوسف أنه لا يرد إلى الرق حتى يجتمع عليه نجمان . وقال ابن أبي ليلى كفالة المكاتب ونكاحه باطلان لأن النكاح يعتمد الولاية والرق يبقي الولاية ، وعندنا لا يملك أن يزوج نفسه ولا عبده ولكن يملك أن يزوج أمته لما فيه من اكتساب المال وبطلان كفالته عنده ليس بطريق أنه ينزع ولكن بطريق انعدام المحلية لأن الكفالة التزام المال في الذمة عنده ولهذا يوجب براءة الأصل ، وقيام الرق فيه يخرجه من أن يكون أهلا لالتزام المال في ذمته عنده فلهذا قال لا تنفذ كفالته بعد ما عتق بخلاف الإعتاق والهبة فإن ذلك منه موقوف عنده فإن عتق بأداء بدل الكتابة نفذ ذلك كله وإن عجز فرد رقيقا بطل ذلك كله لأنه قد ثبت له في كسبه حكم ملك وحقيقة الملك فيه موقوفة فإن عتق تم له الملك بذلك السبب الذي باشره فنفذ تصرفه فإن عجز تم الملك للمولى فتبين أن تصرفه لا في ملك الغير . فأما عندنا عتقه وهبته باطلان عجز أو عتق لأن نفوذ هذا التصرف باعتبار حقيقة الملك والرق ينافي الأهلية لذلك . وأما كفالته فلا تكون صحيحة ما لم يعتق فإذا عتق نفذ بمنزلة كفالة العبد فإن ذمته خالص حقه ولكن الدين لا يجب في ذمة الرقيق إلا شاغلا مالية رقبته وذلك حق المولى فباعتبار أن تصرفه لاقى محلا هو حقه كان صحيحا في حقه وباعتبار أنه معلق بمالية المولى قلنا ثانية تؤخر المطالبة عنه إلى حالة العتق ولو كفل إنسان عنه ببدل الكتابة لمولاه لم يجز عندنا لأن الكفالة تستدعي دينا صحيحا وقيام الرق يمنع وجوب دين صحيح للمولى على مملوكه لأنه التزام للمطالبة والمطالبة ببدل الكتابة لا تقوى في حق المكاتب ولهذا يملك أن يعجز نفسه . وعند ابن أبي ليلى الكفالة صحيحة بمنزلة التبرع بالأداء لأن عنده الكفالة توجب أصل المال في ذمة الكفيل فكما يجوز أن يكون المتبرع مؤديا بدل الكتابة عن المكاتب من مال نفسه يجوز أن يكون ملتزما بدل الكتابة في ذمة نفسه للمولى . رجل قال لعبده إن بعتك فأنت حر فباعه لم يعتق عندنا ، وقال ابن أبي ليلى يعتق من مال البائع وهذا بناء على أصل مختلف فيه بيننا وبينه أن في اليمين بالطلاق والعتاق عندنا يشترط قيام الملك عند وجود الشرط لحصول الجزاء وعنده لا يشترط ويعتبر قيام الملك في المحل بالأهلية في المتصرف وذلك لا يشترط عند وجود الشرط حتى أن من قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر ثم جن الحالف ثم وجد الشرط يقع الطلاق والعتاق ومعلوم أن تأثير الأهلية أكثر من تأثير الملك في المحل . فأما إذ كان يسقط اعتبار الأهلية عند وجود الشرط فلأنه يسقط اعتبار الملك في المحل أولى ، ولكنا نقول المتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز فكما أن تنجيز العتق لا يصح إلا عند قيام الملك في المحل فكذلك بزوال الجزاء عند وجود الشرط إلا أنه يصير كالمنجز بذلك الكلام السابق وذلك الكلام صح منه في حال إقامته والجنون إنما ينافي الأهلية للتكلم بالطلاق والعتاق على وجه يكون إيقاعا في حقه وهذا غير معتبر عند وجود الشرط إذا عرفنا هذا فنقول إذا قال إن بعتك فأنت حر فهذا التعليق عنده صحيح لأن الملك عند التعليق موجود ولا يشترط وجود الملك عند وجود الشرط على مذهبه وقد وجد الشرط هنا بالبيع فيترك العتق بالسبب الذي صح منه قبل البيع ويصير به معلقا رقبته فيبطل البيع ويعتق من مال البائع وعندنا يشترط قيام الملك في المحل عند نزول الجزاء لأن الإيجاب إنما يتصل بالمحل بعد وجود الشرط والشرط هنا هو البيع فإذا زال ملكه بالبيع فقد انعدم الملك في المحل عند وجود الشرط فينحل اليمين ولا يعتق العبد بل يبقى على ملك المشتري وعلى هذا الأصل لو قال لعبده إن كلمت فلانا فأنت حر ثم باعه ثم كلم فلانا أو قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إن كلمت فلانا ثم طلقها واحدة بائنة وانقضت عدتها ثم كلمت فلانا عندنا لا يقع الثلاث وعند ابن أبي ليلى يقع . وإذا استأجر دابة إلى مكان فجاوز بها المكان ثم عطبت بعد ضمن قيمتها عندنا ولم يسقط عنه الأجر وعلى قول ابن أبي ليلى ليس عليه شيء من الأجر لأن الأجر والضمان لا يجتمعان وقد تقرر عليه الضمان ولأنه بالضمان ملك المضمون ولا يوجب عليه الأجر بسبب الانتفاع بملك نفسه ولكنا نقول لما انتهى إلى ذلك المكان فقد انتهى العقد نهايته وتقرر الأجل دينا في ذمته ثم بالمجاوزة صار غاصبا ضامنا فلا يسقط عنه الأجر بذلك بمنزلة ما لو ردها على صاحبها ثم غصبها منه وهذا لأن الملك بالضمان إنما يثبت له من وقت وجوب الضمان عليه وذلك بعد المجاوزة والأجر إنما لزمه بمقابلة منافع استوفاها قبل ذلك . وإذا أدرك الرجل الإمام وهو راكع فكبر معه ولم يركع حتى رفع رأسه فعندنا يسجد معه ولا يعتد بتلك الركعة وعند ابن أبي ليلى يركع ويسجد ويعتد بها لأن حالة الركوع بمنزلة حالة القيام فإن القائم إنما يفارق القاعد في استواء النصف الأسفل منه دون النصف الأعلى والراكع في هذا والمنتصف سواء ولهذا لو ركع معه كان مدركا للركعة فكان إدراكه إياه في حالة الركوع وإدراكه في حالة القيام سواء ولو أدركه قائما ثم سبقه الإمام بالركوع والسجود فإنه يتابعه يركع ويسجد ويكون مدركا للركعة فكذلك هنا ولكنا نقول شرط إدراك الركعة أن يشارك الإمام في حقيقة القيام أو فيما هو مشبه بالقيام وهو الركوع حتى يكون مدركا للركعة فإذا رفع الإمام رأسه قبل أن يركع هو فقد انعدمت المشاركة بينهما في القيام أو فيما هو مشبه بالقيام وهو الركوع فإذا أدركه قائما فقد شاركه في حقيقة القيام وكان مدركا للركعة . وأما إذا أدركه راكعا فهو لم يشاركه في حقيقة القيام فلا بد من أن يشركه فيما هو مشبه بالقيام وهو الركوع حتى يكون مدركا للركعة فإذا رفع الإمام رأسه قبل أن يركع فقد انعدمت المشاركة بينهما في القيام وفيما هو مشبه للقيام فلا يعتد بتلك الركعة كما لو أدرك في السجود يوضحه أن المسبوق لا يمكنه أن يقضي ما فاته قبل أن يشارك الإمام فيما أدرك معه وذلك عمل بالمنسوخ فيكون مفسدا لصلاته فلهذا يسجد ولا يعتد بتلك الركعة . فأما إذا ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فهو مشارك للإمام في القيام والركوع جميعا أما في الركوع فلا يشكل وفي القيام لأن حالة الركوع كحالة القيام فبهذا الحرف يقع الفرق بين الفصلين . فإذا أهل الرجل بعمرة ثم أفسدها فقدم مكة فقضاها فإنه يجزئه أن يقضيها من التنعيم عندنا وقال ابن أبي ليلى لا يجزئه أن يقضيها لا من وقت بلاده لأنه إنما يقضي ما فاته فعليه أن يقضيها كما فاته ثم القضاء بصفة الأداء فإذا كان هو في أداء هذه العمرة إنما أحرم لها من الميقات فكذلك في القضاء ولكنا نستدل بحديث { عائشة رضي الله عنها فإنها لما حاضت بسرف بعدما أحرمت قال لها رسول الله ﷺ ارفضي عمرتك واصنعي جميع ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ثم أمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه أن يعمرها من التنعيم مكان عمرتها التي فاتتها } ولأن ما يلزمه بالشروع معتبر بما يلزمه بالنذر ومن نذر عمرة فأداها من التنعيم خرج عن موجب نذره ولأنه وصل إلى مكة بالإحرام الفاسد فيجعل كما لو وصل إليها بإحرام صحيح فكما أن هناك يكون هو بمنزلة أهل مكة في الإحرام في الحج والعمرة ، الواجب وغير الواجب في ذلك سواء فكذلك هنا هو بمنزلة أهل مكة في حكم قضاء هذه العمرة . ولا بأس بأن يخرج الرجل من تراب الحرم وحجارته إلى الحل عندنا وقال ابن أبي ليلى أكره ذلك لما روي عن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهما كرها ذلك ولكنا نقول ما جاز الانتفاع به في الحرم يجوز إخراجه من الحرم كالنبات وما لا يجوز إخراجه من الحرم لا يجوز الانتفاع به في الحرم كالصيد وبالإجماع له أن ينتفع بالحجارة والتراب في الحرم فيكون له أيضا إخراج ذلك من الحرم وما روي عن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهما شاذ فقد ظهر عمل الناس بخلافه فإنهم تعارفوا إخراج القدور من الحرم من غير نكير منكر وإخراج التراب الذي يجمعونه من كنس سطح البيت ونحو ذلك ويتبركوا بذلك وكل أثر شاذ يكون عمل الناس ظاهرا بخلافه فإنه لا يكون حجة . وأما إذا اقتتل القوم فأحلوا عن قتيل ولا يعلم أيهم أصابه فعلى قول أبي حنيفة ومحمد على عاقلة القبيلة الذين اقتتلوا جميعا وإليه رجع أبو يوسف ذكرنا هنا قوله وقد بينا المسألة في الديات . وإذا قتل الرجل رجلا ضربه بعصا أو حجر أو ضربه ضربات حتى مات من ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله قال : لا قصاص بينهما وقال ابن أبي ليلى بينهما القصاص وهو قول أبي يوسف ومحمد وإذا وقع موقع السلاح وقد بينا المسألة في الديات إلا أن هناك يذكران عندهما إنما يجب القصاص في القتل بالحجر الكبير والعصا الكبير . فأما القتل بالعصا الصغير بالضرب بالموالاة لا يجب القصاص عندنا وإنما يجب عند الشافعي وهنا نص على الخلاف في هذا الفصل أيضا وهكذا ذكره الطحاوي رحمه الله وكان الطحاوي إنما اعتمد هذه الرواية فيما أورده في كتابه وهو الأصح فالمعتبر عندهما القصد إلى القتل بما لا تطيق النفس احتماله والعصا الصغير مع الموالاة في ذلك بمنزلة العصا الكبير . إذا عض رجل يد رجل فانتزع المعضوض يده من فم العاض فقلع شيئا من أسنانه فعندنا لا ضمان عليه في السن وعند ابن أبي ليلى هو ضامن العضة لأنه صار قالعا سنه بنزع اليد من فمه إلا أنه معذور في ذلك وذلك لا يسقط الضمان عنه كالخاطئ والمضطر . ( ألا ترى ) أنه لو جنى على موضع آخر من جسده ليدفع به أذاه عن نفسه كان ضامنا فكذلك إذا نزع يده من فمه ولكنا نقول هو فيما صنع دافع للأذى غير مباشر للجناية فلا يكون ضامنا بمنزلة ما لو قصد قتله فدفعه عن نفسه فسقط فمات يوضحه أن صاحب السن هو الجاني بعضه يد غيره على وجه يسقط سنه بنزع اليد وهذا بخلاف ما إذا جنى على موضع آخر من جسده لأن المعضوض يده هو المباشر لتلك الجناية من غير ضرورة فإنه يتمكن من دفع الأذى عن نفسه بنزع اليد من فمه فإذا اشتغل بالجناية على جسده في محل آخر كان ضامنا لذلك وهنا لا يتمكن من دفع الأذى إلا بنزع اليد من فمه . وإذا قال الخصم للقاضي لا أقر ولا أنكر فإن أبا حنيفة رحمه الله قال لا يجبره القاضي على ذلك ولكن يدعو المدعي بشهوده وقال ابن أبي ليلى لا أدعه حتى يقر أو ينكر لأن الجواب مستحق عليه فإذا امتنع من إيفاء ما هو مستحق عليه مع قدرته على ذلك أجبره القاضي على إيفائه بالحبس ثم شرط قبول البينة إنكار المدعى عليه فلا بد أن يجبره القاضي حتى يجيب بالإقرار فيتوصل به المدعي إلى حقه أو بالإنكار فيتمكن من إثبات حقه بالبينة ولكنا نقول الإنكار حق المنكر لأنه يدفع به المدعي عن نفسه ويثبت به حق نفسه فلا يجوز أن يجبر على الإتيان به ثم السكوت قائم مقام الإنكار لأن المنكر مانع والساكت كذلك والإنكار منازعة بالقول وفي السكوت منازعة بالفعل وهو الامتناع عن التسليم ومن الجواب بعد ما طولب به فيكون ذلك قائما مقام إنكاره ويتمكن المدعي من إثبات حقه بالبينة عند ذلك قال أبو يوسف ومحمد يستحلفه على حق المدعي ويجبره أنه يلزمه القضاء إن لم يحلف فإن لم يحلف قضى عليه بالنكول وإن حلف دعا المدعي شهوده فهما يجعلان سكوته أيضا بمنزلة إنكار إلا أن على قولهما إذا طلب المدعي يمين المدعى عليه استحلفه القاضي فإن زعم المدعي أن له شهودا على حقه فعند أبي حنيفة إنما يشتغل بالاستحلاف إذا قال المدعي لا بينة لي . فأما إذا كانت له بينة لا يشتغل بالاستحلاف لأن { النبي ﷺ قال للمدعي ألك بينة قال لا فقال عليه السلام إذا لك يمينه } ولأنه إنما يشتغل بالاستحلاف في موضع ينقطع المنازعة باليمين وإنما يكون ذلك إذا لم يكن للمدعي بينة . فأما إذا كان له بينة فالمنازعة لا تنقطع بالاستحلاف لأن المدعي يقيم البينة بعده فليس في الاشتغال بالاستحلاف هنا فائدة قطع الخصومة وهما يقولان البينة واليمين كل واحد منهما حق المدعي فله في الاستحلاف مقصود صحيح وهو وصوله إلى حقه في أقرب الأوقات لعلمه أن الخصم لا يحلف كاذبا فكان له أن يطلبه بذلك وعلى القاضي إجابته إليه . ( ألا ترى ) أنه يسأله الجواب في الابتداء رجاء أن يقر فلا يحتاج إلى إقامة البينة فكذلك له أن يستحلفه رجاء أن ينكل عن اليمين فلا يحتاج إلى إقامة البينة . وإذا أنكر الخصم الدعوى ثم جاء بالشهود على الحرج منها فإن ذلك مقبول منه عندنا وكان ابن أبي ليلى لا يقبله وتفسير ذلك أن يدعي قبله مالا فيقول ما له قبلي شيء ثم يقيم الطالب البينة على ماله ويقيم الآخر البينة أنه قد أوفاه فابن أبي ليلى يقول هو مناقض في دعواه الإيفاء بعد إنكاره أصل المال خصوصا إذا قال ما كان له علي ساقط ، وقبول البينة ينبني على دعوى صحيحة ومع التناقض لا تصح الدعوى . . ( ألا ترى ) أنه لو قال ما كان له علي شيء قط ولا أعرفه لم تقبل منه البينة على الإيفاء بعد ذلك لهذا المعنى ولكنا نقول دعواه الإيفاء بعد جحود أصل المال دعوى صحيحة إما باعتبار أنه لا شيء عليه في الحال أو أنه لم يكن عليه شيء قط لكنه ادعى مرة هذه الدعوى الباطلة واستوفى المال بها فإذا كانت الدعوى صحيحة بهذا الطريق من التوثق كان متمكنا من إثباتها بالبينة ثم الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم بخلاف ما إذا قال ما كان له علي شيء قط ولا أعرفه لأن مع ذلك الزيادة في الإنكار متعذر التوفيق بين كلاميه من الوجه الذي قلنا . وإذا ادعى الرجل قبل رجل دعوى وقال : عندي منها المخرج فليس هذا بإقرار منه عندنا وقال ابن أبي ليلى هو إقرار لأن المخرج منها إنما يتحقق بعد الدخول فيها فكان هذا وقوله أوفيتها إياه أو أبرأني منها سواء وذاك إقرار بأصل المال . ولكنا نقول هو ادعى المخرج من دعواه لا من المال فلا يكون ذلك إقرارا بالمال صريحا ولا دلالة وهكذا يقول في الإبراء فإنه لو قال أبرأني من هذه الدعوى لا يكون ذلك إقرارا بالمال ثم المخرج من الدعوى ببيان وجه الفساد فيه ووجه الفساد غير متعين قد يكون ذلك ببيان أنه ما كان واجبا قط وقد يكون ذلك ببيان المسقط بعد الوجوب ومع الاحتمال لا يجب المال . وإذا أقر الرجل عند القاضي بشيء فلم يقض به ولم يثبته في ديوانه ثم خوصم إليه فيه بعد ذلك فعندنا القاضي يقضي به إذا كان يذكره وعند ابن أبي ليلى لا يقضي بذلك عليه وإن كان ذاكرا حتى يثبته في ديوانه والقياس ما قلنا لأن القاضي حين سمع إقراره بذلك كان له أن يقضي به لو طلب الخصم ذلك فكذلك بعد ما مضى على ذلك مدة إذا كان القاضي يذكر ذلك والمقصود من الإثبات في ديوانه أن يتذكر ذلك بالنظر فيه عند الحاجة فإذا كان ذاكرا فما هو المقصود حاصل ولكن استحسن ابن أبي ليلى رحمه الله وقال القاضي لكثرة اشتغاله ربما يشتبه عليه ذلك ولهذا يثبته في ديوانه ليرجع إليه فينبغي له الشهود فإذا لم يثبته في ديوانه لو قضى به كان قضاء مع تمكن الشبهة وربما ينسب به إلى الميل فعليه أن يحتاط في ذلك ولا يقضي بمجرد كونه ذاكرا حتى يثبته في ديوانه . وإذا قال الرجل للرجل لست من بني فلان وأمه أمة أو نصرانية وأبوه مسلم فلا حد عليه عندنا وقال ابن أبي ليلى : عليه الحد وهذا بناء على الأصل الذي بيناه في كتاب الحدود أن قوله لغيره لست من بني فلان يكون قذفا لأمه عندنا فإذا كانت أمه أمة أو نصرانية فهي غير محصنة وقذف غير المحصنة لا يوجب الحد وعند ابن أبي ليلى هذا قذف له في نفسه لأنه يلحقه العار بكونه ولد الزنا كما يلحقه العار بنسبته إلى الزنا فكما أنه لو نسبه إلى الزنا يكون قاذفا له فكذلك إذا أنفاه من أبيه يكون قاذفا له وهو محصن في نفسه فعلى قاذفه الحد . ولو قال لرجل يا ابن الزانيين وقد مات أبواه فعليه الحد عندنا لأن المغلب في حد القذف عندنا حق الله تعالى فعند الاجتماع يتداخل والمقصود يحصل بإقامة حد واحد وهو معنى الزجر للقاذف ودفع العار عن المقذوف وعند ابن أبي ليلى يضرب حدين لأن عنده المغلب في حد القذف حق العبد كما هو مذهب الشافعي وقد بينا هذا في الحدود وذكر أن ابن أبي ليلى فعل ذلك في مقام واحد في المسجد وهذه هي المسألة التي قال أبو حنيفة رحمه الله فيها : إن القاضي أخطأ فيها في سبع مواضع فإن معتوهة كانت بالكوفة آذاها رجل فقالت له يا ابن الزانيين فأتى بها إلى ابن أبي ليلى فاعترفت فأقام عليها حدين فذكر ذلك لأبي حنيفة فقال إنه أخطأ في سبع مواضع ثم فسر ذلك فقال بنى الحكم على إقرار المعتوهة وإقرارها هدر وألزمها الحد والمعتوهة ليست من أهل العقوبة وأقام عليها حدين ومن قذف جماعة لا يقام عليه إلا حد واحد وأقام حدين معا ومن اجتمع عليه حدان لا يوالي بينهما ولكن يضرب أحدهما ثم يترك حتى يبرأ ثم يقام الآخر وأقام الحد في المسجد وليس للإمام أن يقيم الحد في المسجد وضربها قائمة وإنما تضرب المرأة قاعدة وضربها لا بحضرة وليها وإنما يقام الحد على المرأة بحضرة وليها حتى إذا انكشف شيء من بدنها في اضطرابها ستر الولي ذلك عليها فانتشر بالكوفة أن القاضي أخطأ في مسألة واحدة في سبع مواضع . وإذا قال الرجل لامرأته لا حاجة لي فيك وأراد الطلاق لم تطلق عندنا وقال ابن أبي ليلى هي تطلق ثلاثا لأنه نفى حاجته فيها على الإطلاق وحقيقة ذلك إذا صارت محرمة عليه وأما ما دامت محللة في حقه فله فيها حاجة طبعا أو شرعا لأن النساء خلقن لحوائج الرجال إليهن فكان هذا وقوله أنت محرمة علي سواء . ولكنا نقول : قوله لا حاجة لي فيك بمنزلة قوله لا أشتهيك ولا أريدك ولا أهواك ولا أحبك وليس في شيء من هذه الألفاظ ما يدل على الطلاق ، والنية متى تجردت عن لفظ يدل عليه كان باطلا والأصل فيه ما روي { أن امرأة عرضت نفسها على رسول الله ﷺ فلم يرغبها رغبة فقال : لا حاجة لي إلى النساء } الحديث . ومعلوم أنه ما كان الطلاق من محتملات لفظه ذلك . ولو قال لها أنت طالق إن شاء فلان وفلان غائب لا يدري أحي هو أم ميت أو فلان ميت علم بعد ذلك لم تطلق عندنا وقال ابن أبي ليلى هي طالق لأنه لا يتحقق مشيئة فلان بعد موته ويبقى أصل الإيقاع فيقع الطلاق ولكنا نقول التعليق بشرط لا يكون له تحقيقا للنفي فيخرج به كلامه من أن يكون إيقاعا وهذا لأن التعليق بالشرط يخرج كلامه من أن يكون إيقاعا إلى أن يوجد الشرط فإذا كان الشرط مما يتحقق كونه يخرج كلامه من أن يكون إيقاعا إلى أن يوجد الشرط وإذا كان مما لا يتحقق كونه يخرج كلامه من أن يكون إيقاعا أصلا . وكذلك إذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال مولاه طلقها فهذا لا يكون إجازة للنكاح عندنا وعند ابن أبي ليلى هو إجازة لأنه أمره بإيقاع الطلاق والطلاق لا يقع إلا بعد صحة النكاح ولكنا نقول قوله طلقها بمنزلة قوله فارقها أو دعها أو اتركها أو خل سبيلها وشيء من هذا لا يكون إجازة للنكاح يوضحه أن الطلاق مشتق من الإطلاق الإرسال وفي إجازة النكاح إثبات القيد فالأمر بالإرسال لا يكون إثباتا للقيد منه . وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في صحته فجحد ذلك الزوج وادعته المرأة ثم مات الرجل بعد أن استحلفه القاضي على ذلك فلا ميراث لها منه عندنا لوجود الإقرار منها بارتفاع النكاح في حالة الصحة ولأنها تعلم أن سبب الإرث غير متحقق وهو انتهاء النكاح بالوفاة وعلى قول ابن أبي ليلى لها الميراث منه إلا أن يقر بعد موته أنه قد كان طلقها ثلاثا لأن الزوج لما حلف وقضى القاضي بقيام النكاح بينهما كان ذلك تكذيبا منه لها في ذلك الإقرار والمقر متى صار مكذبا شرعا في إقراره يبطل حكم ذلك الإقرار فلهذا كان لها الميراث إلا أن يقر بعد موته إقرارا مستقبلا أنه كان طلقها ثلاثا ولكنا نقول القاضي بعد يمين الزوج لا يقضي بالنكاح ولا يبطل الطلاق الواقع ولكن يمنعها من المنازعة والخصومة من غير حجة ويبقى ما كان على ما كان فلا يتضمن ذلك الحكم تكذيبها في الدعوى . ( ألا ترى ) أن البينة بعد اليمين لا تكون مقبولة وإذا تقرر هذا المعنى كان الإقرار السابق منها والموجود بعد موت الزوج في الحكم سواء . وإذا قال الزوج لامرأته إن ضممت إليك أخرى فأنت طالق واحدة فطلقها واحدة وانقضت عدتها ثم تزوج امرأة أخرى ثم تزوج امرأته هذه التي حلف عليها فإنها لا تطلق عندنا وقال ابن أبي ليلى تطلق لأن عنده اليمين انعقد صحيحا في الملك والشرط وجد في الملك أيضا لأن الشرط ضم امرأة أخرى إليها وهذا الضم إنما يتحقق إذا اجتمعتا في نكاحه وذلك بعد ما تزوج بها ، ولكنا نقول : قوله إن ضممت إليك امرأة أخرى بمنزلة قوله : إن تزوجت عليك وهذا لأن ضم غيرها إليها إنما يتحقق إذا تزوج الأخرى وهي في نكاحه . فأما إذا تزوج الأخرى بعد انقضاء عدتها ثم تزوجها فإنما ضمها هي إلى الأخرى . ( ألا ترى ) أن الشرع حرم ضم الأمة إلى الحرة في النكاح ولو تزوج أمة ثم تزوج حرة بقي نكاح الأمة صحيحا بخلاف ما إذا تزوج حرة ثم تزوج عليها أمة . ولو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فدخلت الدار لم تطلق عندنا وهو قول ابن أبي ليلى أيضا لقوله عليه الصلاة والسلام { من حلف بطلاق أو عتاق واستثنى ؛ فلا حنث عليه } ولأن الاستثناء الموصول يخرج الكلام من أن يكون عزيمة ؛ قال الله تعالى { ستجدني إن شاء الله صابرا } ولم يصبر ولم يعاتب على ذلك والوعد من الأنبياء كالعهد من غيرهم وقد قررنا هذا في الأيمان . ولو قال أنت طالق إن شاء الله ولم يقل إن دخلت الدار فكذلك عندنا وقال ابن أبي ليلى يقع الطلاق هنا . وكذلك العتاق وهذا لأن الاستثناء إنما يعمل عنده في اليمين بالطلاق وبالعتاق . وقوله أنت طالق أو أنت حرة ليس بيمين ثم قوله إن شاء الله في مثل هذا إنما يراد به التحقيق ولا يراد التعليق لأن قوله أنت طالق أو أنت حرة ذكر وصف فيليق به معنى التحقيق ولا يليق به معنى التعليق ، ولكنا نقول : قوله إن شاء الله تأثيره في إخراج الكلام من أن يكون عزيمة والإيقاع في هذا والتعليق سواء والأصل فيه قوله تعالى { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } . وقال أبو حنيفة لا بأس بنثر السكر والجوز اللوز في العرس والختان وأخذ ذلك إذا أذن لك أهله فيه وإنما يكره من ذلك أن يأخذ بغير إذن أهله وبه نأخذ وكان ابن أبي ليلى يكره نثر ذلك وأن يؤخذ منه شيء وقد بينا هذا في أول الكتاب والقياس ما ذهب إليه ابن أبي ليلى قال : هذا تمليك من المجهول لأنه لا يدري من يأخذ وأي مقدار يأخذ والتمليك من المجهول باطل . وإذا بطل التمليك كان النثر تضييعا للمال ولكن تركنا هذا القياس بما روينا فيه من الآثار ، وفي التعامل الظاهر بين الناس أنهم يفعلون ذلك ولم ينقل من أحد أنه تحرز عن نثر ذلك أو عن تحرز أخذه وفي الأخذ بطريق القياس في هذا إيقاع الناس في الحرج وقد أمرنا بترك العسر لليسر قال الله تعالى { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وعلى هذا قلنا لا بأس بالشرب من ماء السقاية فقد يكون الواضع عند الوضع آذنا للناس بالتناول ولا بأس بالتناول مما لا يجري بين الناس فيه الشح والظنة كالثوب ونحو ذلك فإن من غرس الشجرة على ضفة نهر في الطريق فالظاهر أنه أذن للناس في الإصابة من ثمرها فيما لا يجري فيه الشح بين الناس فيجوز التناول منه بهذا النوع من الظاهر وكذلك التقاط النوى وقشور الرمان وقد بينا بعض ذلك في كتاب اللقطة قال وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يكره النبيذ في المزفت والنقير للنهي الوارد في الباب وقال أبو حنيفة رحمه الله لا بأس بذلك لورود النسخ وهو قوله عليه السلام { كنت نهيتكم عن الشرب في الدباء والمزفت فاشربوا في الظروف ولا تشربوا سكرا } وفي رواية فإن الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه فلثبوت النسخ قلنا : لا بأس بالشرب في هذه الأواني والله أعلم بالصواب .