الرئيسيةبحث

مبسوط السرخسي - الجزء الثاني والعشرون

المبسوط السرخسي ج 22

[ 1 ] (الجزء الثاني والعشرون من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم * (باب الغصب في الرهن) * (قال رحمه الله) وإذا كان العبد رهنا بألف وقيمته ألف فغصبه رجل فقتل عنده قتلا ثم رده فدفعه بالجناية فانه يرجع على الغاصب بقيمته لان المرتهن له يد صحيحة على الرهن وقد أزالها عنه الغاصب فكان ضامنا له ما لم ينتسخ فعله بالرد كما قبض ولم يرده هنا كما قبضه لانه قبضه فارغا عن الجناية ورده مشغولا بها واستحق بذلك الشغل حين دفع بالجناية فكأنه لم يرده أصلا ولو هلك عنده قبل الرد كان للمرتهن أن يرجع عليه بقيمته فيكون رهنا مكانه فان فداه المرتهن كانت القيمة التى يأخذ من الغاصب له مكان الفدء لان ما لحق من الغرم انما لحقه بالجناية عند الغاصب وما كان يتوصل إلى احياء حقه الا بالفداء فكان له أن يرجع على الغاصب بالاقل من القيمة ومما فداه به لان الذى يتيقن باستحقاقه عليه الاقل منهما ويكون ذلك له مكان الفداء لان الغرم مقابل بالغنم ولو كان الرهن يساوي ألفين ففداه الراهن والمرتهن كانت القيمة التى يأخذونها من الغاصب بينهما نصفين لان غرم الفداء كان بينهما نصفين وانما يرجعان بالقيمة باعتبار ما غرما فتكون القيمة بينهما نصفين ولو لم يجن عند الغاصب ولكنه أفسد متاعا لحقه من دين وقيمته ألف ثم رده فانه يباع في الدين الا أن يصلحه المرتهن بقضاء الدين فإذا بيع بدئ بحق صاحب الدين لان حقه مقدم على حق المرتهن فان بقى شئ بعد الدين كان في الرهن ويضمن الغاصب ما دفعو ا في الدين من عنده لان ذلك القدر استحق بسبب كان من العبد في ضمان الغاصب فيرجعون به عليه لان الرد لم يسلم فيه ثم يكون رهنا مع ما بقى من الثمن ولا ينقص من الرهن شئ لان ما فات من ماليته قد أخلف بدلا وهو المستوفى من الغاصب فيبقى جميع الدين ببقاء الخلف ولو كان حين قتل قتيلا في يد الغاصب رده إلى المرتهن فمات عنده بطلت الجناية لان حق ولى الجناية في تملك نفسه بالدفع إليه وقد فات محل حقه حين مات ثم يسقط الدين بموته في يد المرتهن لانه عاد إلى يده كما كان مضمونا بالدين

[ 3 ] إذا هلك ولا شئ على الغاصب لان الرد قد سلم حين لم يؤخذ منه شئ بالجناية التى كانت عند الغاصب وكذلك لو كان الدم عمدا فيه قصاص فعفى ولي الدم أو عفى ولى جناية الخطأ أو أبرأ صاحب المال في الاستهلاك فلا شئ على الغاصب في هذه الفصول لانه لم يوجد شئ من العبد بسبب الفعل الذى كان منه في يد قيم رده وانتسخ به حكم فعله ولو قتل عند الغاصب قتيلا خطأ ثم قتل قتيلا عمدا ثم افسد متاعا مثل قيمته ثم رده عليهم فاختاروا دفعه فانه يدفع بالخطأ ثم يقتله أصحاب العمد كما لو كانت هذه الجناية من العبد في يد المالك وهذا لو نوى القود وان جنى ولى الخطأ ولو نوى بالدفع ما يفوت حق ولى العمد في القصاص ولا فائدة في البدلية في البيع بالدين لانه يفوت به حق ولى الخطأ وإذا استوفى القصاص بطل البيع فلهذا يبدأ بالدفع في الخطأ ثم يقتله اصحاب العمد قصاصا ويكون على الغاصب القيمة ويدفع إلى أولياء الخطأ لان حقهم ثبت في عبد فارغ ولم يسلم لهم ذلك فانه دفع إليهم عبدا مباح الدم بالقصاص والقيمة بدل عنه فثبت حقهم في البدل بثبوت حقهم في الاصل فإذا رفعت إلى أولياء الخطأ أخذها الغرماء ثم يرجع المرتهن على الغاصب بقيمة أخرى لان تلك القيمة استحقت بسبب كان من العبد في ضمانه فيأخذ منه هذه القيمة أصحاب الخطأ أيضا لان القيمة الاولى لم تسلم لهم فانها استحقت من يدهم لحق الغرماء فيدفع إليهم القيمة الثانية للذى استحقت من يده الجناية التى كانت عند الغاصب فيرچع عليه بقيمة أخرى حتى يكون في يد المرتهن قيمة لا تبعة فيها قائمة مقام عبد لم يكن فيه تبعة حين أخذه الغاصب ولو بدأ بالدين ثم ثنى بالعمد ثم ثلث بالخطأ فاختارو الدفع فانه يدفع بالخطأ ثم يقتل قصاصا لما قلنا ثم يكون على الغاصب قيمته للمرتهن ولا سبيل لاولياء الخطأ علي هذه القيمة لان حقهم ما ثبت الا في عبد مشغول فانه حين جنى على وليهم كان مشغولا بالدم مباحا بالقصاص وقد دفع إليهم بهذه الصفقة فليس لهم أن يرجعوا بشئ آخر ولكن هذه القيمة ياخذها الغرماء لانها بدل عن العبد وحقهم كان ثابتا في ماليته فثبت في بدله أيضا فإذا أخذها الغرماء رجع المرتهن على الغاصب بقيمة أخرى فيكون رهنا مكان العبد لان القيمة الاولى استحقها الغرماء بسبب ما في العبد من ضمان الغاصب ولو كان الرهن أمة فغصبها رجل فولدت عنده ولدا وجنى الولد جناية ثم ردهما جميعا فان ولدها يدفع أو يفدى ولا شئ على الغاصب من ذلك لان الولد ما كان في ضمان الغاصب فانه لم يغصب الولد حتى لو مات في يده لم يكن عليه شئ فكذلك

[ 4 ] إذا استحق بجناية كانت عنده وهذا لان المستحق على الغاصب نسخ فعله بالرد ولم يوجد منه فعل في الولد يستحق عليه نسخ ذلك بالرد ولو كان الرهن عبدا يساوى أكثر من عشرة آلاف وهو رهن بمثل قيمته فغصبه رجل فقتل عنده قتيلا ففداه المرتهن رجع على الغاصب بعشرة آلاف الا عشرة دراهم لان رجوع الغاصب بسبب الجناية التى كانت من العبد في ضمانه فان الرد انما لم يسلم لكونه مشغولا بالجناية وقيمة العبد بسبب الجناية لا يزيد على عشرة آلاف الا عشرة (ألا ترى) أن قيمته بسبب الجناية عليه لا تزيد على هذه فكذلك قيمته بسبب الجناية منه وهو نظير المكاتب إذا كان كثير القيمة فجنى جناية لم يلزمه أكثر من عشرة آلاف الا عشرة بمنزلة مالو جنى عليه ولو كانت قيمته عشرين ألفا أو أكثر وهو رهن بمثله فقتل قتيلين عند الغاصب ففداه المرتهن بعشرين ألفا لم يرجع على الغاصب با كثر من عشرة آلاف الا عشرة لان الرجوع عليه بسبب الجناية وقيمته في الجناية لا تزيد على هذا المقدار كما لو لم يغصبه الغاصب من يد المرتهن ولكنه قتله لم يلزمه أكثر من عشرة آلاف الا عشرة ولو لم يفدوه ولكنهم دفعوه رجع على الغاصب أيضا بعشرة آلاف الا عشرة فيدفع نصفها إلى ولى الجناية الاول لان حقه ثبت في جميع العبد فارغا ولم يسلم له الا النصف فيكون له أن يرجع بنصف القيمة التى قامت مقامه حتى يسلم له كمال حقه ولم يرجع المرتهن بذلك على الغاصب لان هذا المقدار استحق من يده بالجناية التى كانت عند الغاصب فتكون هذه العشرة آلاف الا عشرة ذهبا بمثلها من الدين ان كان الدين حالا يأخذها المرتهن قضاء من دينه وان كان مؤجلا يكون رهنا في يده لان حق الراهن في الاجل مرعى ويبطل الفضل لما بينا أن الدراهم لا تكون مضمونة الا بمثلها ولا يتصور أن يستوفى منها أكثر من قدرها من الدين فيبطل الفضل عن الراهن لفوات زيادة المالية في ضمان المرتهن ولو لم يقتله حر ولكن قتله عبد قيمته مائة في يد المرتهن كان رهنا بجميع الدين وقد تقدم بيان الخلاف على هذا الفصل ولو لم يقتل ولم يغصب ولكن المرتهن باعه بعشرين ألفاو كان مسلطا على بيعه فتوى الثمن ذهب من مال المرتهن لان حكم الرهن يتحول إلى الثمن فهلاكه كهلاك العبد في يد المرتهن وكذلك لو باعه العدل ولو كان باعه باقل من الدين رجع بباقى الدين على الراهن لان المرتهن في هذا البيع نائب عن الراهن فيكون بيعه كبيع الراهن وذلك بمنزلة الفكاك ثم يتحول ضمان الدين إلى الثمن بقدر الثمن فما زاد على ذلك يبقي في ذمة الراهن

[ 5 ] بخلاف القتل فانه يقتل وهو مرهون فيسقط من الدين مقدار مالية القيمة الواجبة ولهذا قال أبو يوسف رحمه الله في الامالى انه إذا باعه المرتهن أو العدل فالثمن لا يكون رهنا الا أن يكون شرط ذلك عند البيع أو عند الرهن وجعل البيع في ابطال حق المرتهن عن العين هنا نظير بيع العبد المؤاجر برضا المستأجر فانه يكون مبطلا لحق المستأجر ولكن في ظاهر الرواية في البيع هنا تحقيق مقصود المرتهن لان مقصود المرتهن استيفاء الدين من ماليته وذلك حال قيامه بالبيع يكون والثمن صالح لحقه كما كان الاصل صالحا فلهذا كان الثمن مرهونا فأما في بيع المؤاجر فابطال مقصود المستأجر لان مقصوده الانتفاع بالعين والثمن غير صالح لذلك فيبطل عقد الاجارة إذا كان البيع برضاه ولو كان العبد رهنا بالف وقيمته ألف فرخص السعر حتى صار يساوى مائة وحل المال فقتله حر غرم مائة ولم يكن للمرتهن غيرها لما بينا وكذلك لو قتله الراهن أو المرتهن لان فيما يلزم كل واحد منهما بالقتل لا يكون أشقى من الاجنبي فلا يلزمه قيمته الا وقت القتل وان غصبه الراهن وقيمته الف فجنى عنده جناية ثم رده على المرتهن ففداه فانه يرجع بالاقل من قيمته ومن الفداء على الراهن كما لو كان الغاصب أجنبيا آخر وهذا لان الراهن بعقد الرهن صار من ماليته كاجنبي فغصبه اياه يوجب عليه ما يوجب على الاجنبي ولو كان استعاره الراهن فقتل عنده قتيلا فدفعه الراهن والمرتهن كان الدين على الراهن ولا يضمن قيمة الرهن لانه قبضه على وجه العارية ولا يكون هو فيه دون أجنبي آخر فتكون العين أمانة في يده ولكنه خرج عن ضمان الرهن ما دام في يد الراهن لان ضمان الرهن ضمان استيفاء ولا يتحقق ذلك الا حال ثبوت يد استيفاء المرتهن على الرهن حقيقة وحكما ولا بدل له حال كونه عارية في يد المرتهن فلهذا لا يسقط شئ من الدين بهلاكه وكذلك لو استعاره رجل باذن الراهن ولو استعاره بغير اذن الراهن فجنى عنده فدفع بالجناية كان الراهن بالخيار ان شاء ضمن المرتهن قيمته وان شاء ضمن المستعير قيمته لان كل واحد منهما جان في حق صاحبه المرتهن بالتسليم والمستعير بالقبض ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ لان المستعير ان ضمن فانما ضمن بقبضه لنفسه والمرتهن ان ضمن فقد ملكه بالضمان وتبين أنه أعار ملك نفسه ثم تكون القيمة رهنا مكانه لانها قائمة مقامه ولو كان الراهن أعاره بغير اذن المرتهن فللمرتهن أن يضمن القيمة ان شاء المستعير وان شاء الراهن لان كل واحد منهما جان في حقه وحقه في الرهن مقدم على حق الراهن وإذا كان العبد قيمته ألف درهم رهنا بألف فغصبه

[ 6 ] رجل فجنى عنده جناية واكتسب عنده ألف درهم ثم رده ورد المال ودفع العبد بالجناية فانه يرجع عليه بقيمة العبد والالف التى اكتسب العبد أو وهب له المولى العبد لاحق للمرتهن فيها لانها غير متولدة من العين فوجود هذا في حق المرتهن كعدمه وقد بينا أنه حين دفع بالجناية فالرد لم يصح فيرجع المرتهن عليه بقيمته ويكون رهنا في يده ولو كان الغاصب عبدا فجنى العبد الرهن عنده جناية تستغرق قيمته فذلك في عنق الغاصب يباع فيه أو يفدى لان الضمان على الغاصب بسبب الغصب وضمان الغصب بمنزلة ضمان الاستهلاك فالمستحق به ماليته فيباع فيه أو يفدى بخلاف جناية العبد فالمستحق بالجناية نفسه الا أن يفديه المولى (ألا ترى) أن الغاصب لو كان حرا كانت القيمة في ماله حالة ولو كان سببها الجناية لكانت عليه في ثلاث سنين ولو كان العبد الغاصب يساوى عشرين ألفا والعبد المغصوب يساوى عشرين ألفا فقتل عنده قتيلين فدفع بهما لم يكن في عنق العبد الغاصب الا عشرة آلاف غير عشرة دراهم يباع فيها أو يفدى لما بينا أن الغاصب قد رد المغصوب الا أن الرد لم يسلم لكونه مشغولا بالجناية فيكون الرجوع على الغاصب لاجل شغل الجناية وقيمة العبد في الجناية لا تزيد على هذا المقدار في حق العبد والحر جميعا الا أن هذا المقدار واجب على الغاصب بسبب غصبه فيباع فيه أو يفدى فصار الحاصل أن وجوب هذا الضمان على الغاصب باعتبار السببين جميعا فانه لولا غصبه ما ضمن شيئا بسبب جنايته ولو لا جناية المغصوب عنده لكان رده تاما فلا يرجع عليه بشئ بعد ذلك فانما الرجوع عليه باعتبار الامرين جميعا فلا عتبار الجناية لا يرجع عليه بأكثر من عشرة آلاف الا عشرة ولا عتبار غصبه يباع فيه أو يفدى وفي حق من يرجع السبب هو الاستحقاق من يده بالجناية فلا يرجع الا بعشرة آلاف الا عشرة وفى حق من يرجع عليه هو الغاصب لسبب غصبه فيباع فيه ولو ارتهن عبدا يساوى ألفا فغصبه رجل فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده فغصبه آخر فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده فغصبه آخر فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده واختاروا دفعه فانه يكون بين أصحاب الجنايات أثلاثا سواء حق أولياء الجنايات في رقبته بالاستواء في سبب الاستحقاق فان كل واحد منهم لو انفرد كان مستحقا جميع نفسه بالجناية ولم يضمن الغاصب الاول ثلث قيمته لان المدفوع إلى ولى الجناية الاولى استحق بسبب كان عند الاول فلهذا يضمن الغاصب الاول ثلث قيمته فيدفعها المولى والمرتهن إلى ولي القتيل الاول ثم يرجع على الغاصب الاول

[ 7 ] أيضا بمثله فيدفعه إلى ولي القتيل الاول لان حقه ثبت في العبد فارغا وما سلم له الا ثلثه فيرجع في بدله مرتين حتى يسلم له ثلثى القيمة وثلث العبد فارغ لم يرجع على الغاصب الاول بمثله فيكون رهنا في يده ويرجع على الغاصب الثاني بثلث قيمته فيدفع نصف ذلك إلى ولي القتيل الثاني لانه حين جنى على وليه كان مشغولا بالجناية فانما يثبت حق ولي الثاني في نصفه وقد سلم له الثلث فيرجع إلى تمام حقه وذلك نصف الثلث حتى يسلم له النصف ثم يرجع المرتهن على الغاصب الثاني بذلك فيجعل في يده ثلث القيمة مع ثلث الاول مرهونا ويكون على الثالث ثلث قيمته ولا يدفع إلى ولي القتيل الثالث لانه حين جنى عليه كان مشغولا بجنايتين فانما يثبت حقه في ثلث العبد وقد سلم له ثلثه فيجتمع في يد المرتهن قيمة كاملة ويكون رهنا مكان العبد وهذا التخريج انما يستقيم على أصل أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله فأما عند محمد وزفر رحمهما الله فيستوفى من الغاصب الاول من ثلث القيمة ولا يدفع شئ منه إلى ولي الجناية الاولى لان رجوعه ببدل ما دفعه إلى ولي الجناية الاولى فكيف يجتمع البدل والمبدل في ملكه وبيان هذا الفصل يأتي في كتاب الديات ان شاء الله تعالى وكذلك ان كان الغاصب واحدا فغصب ثم رد أو كان جنى هذه الجنايات في يده قبل أن يرد فالتخريج مثل ذلك أنه يغرم قيمته فيأخذ ولي القتيل الاول ثلثها والثانى سدسها ثم يرجع بذلك كله على الغاصب فيكون رهنا لان المعنى في الكل واحد وفائدة وضعه في ثلثه من الغاصبين ايضاح الكلام وإذا ارتهن أمة تساوى خمسة آلاف بألف فغصبها رجل فجنت عنده جناية دون الخمس ثم ردها فاختاروا فداءها فعلى المرتهن خمس الفداء وعلى الراهن أربعة أخماسه لان خمسها مضمون بالدين والفداء بقدره على المرتهن وأربعة أخماسها امانة والفداء بقدر ذلك على الراهن ولم يرجعوا بذلك على الغاصب ان كانت الجناية أقل من خمسة آلاف وان كانت الجناية خسمة آلاف أو أكثر رجعوا على الغاصب بخمسة آلاف الا عشرة لان الرجوع بسبب الجناية التى كانت منها عند الغاصب وقيمة الامة بسبب الجناية لا يزيد على خمسة آلاف الا عشرة في الروايات الظاهرة وإذا غصب رجل العبد المرهون فاستهلك عنده متاعا فعليه قيمة ذلك المتاع دينا في عنقه بالغا ما بلغ كما لو استهلك عند المالك أو المرتهن فإذا رده فالغريم بالخيار ان شاء استسعاه وان شاء بيع له في ذلك لان لوصوله إلى حقه محلين اما ماليته فيوفيه بالبيع أو الكسب بالاستسعاء وله في أحد الجانبين منفعة التعجيل يعنى في البيع وفي الجانب الآخر منفعة توفير

[ 8 ] حقه عليه فيختار أي ذلك صنع به يضمن الغاصب الاقل من قيمته ومن الدين لان استحقاق ذلك بسبب كان باشره الغاصب الا أن تمام الاستحقاق في مقدار الاول فان الدين ان كان أقل فليس عليه الا ذلك لان الرد انما لم يسلم لشغل الدين وان كانت قيمته أقل فالغاصب ما صار ضامنا الا مقدار قيمته ولا يكون هذا على مالو فات في يده فان استسعى العبد في الدين ولو ألفا فأداه وأخذوا من الغاصب قيمته أيضا كانت هذه القيمة للمولى لانه قام مقام كسبه الذى أخذه الغرماء وقد بينا أن حق المرتهن في الكسب فكذلك فيما قام مقام الكسب والعبد رهن على حاله ولو بيع العبد في الدين فاستوفى الغريم حقه رجعوا على الغاصب بالقيمة وكانت رهنا لان ما يغرمه الغاصب هنا بدل مالية العبد المدفوع إلى الغريم وحق المرتهن كان ثابتا فيه فان باعوه بثلاثة آلاف وقيمته ألفان والدين ألف والرهن الاول ألف قضوا للغرماء ألفا وضمنوا للغاصب ثلث قيمته فتكون هذه الالفان وثلث القيمة رهنا بالمال لا ينقص منه شئ لان قيمته ألفان وقد بقي مثل ذلك فعرفنا انه لم يستقض شيأ من المالية التى هي أصل في ضمان المرتهن وانما ضمن الغاصب ثلث قيمته لان المستحق بالسبب الذى كان عنده ثلث بدل العبد ولو استحق جميع البدل ما كان يرجع عليه الا بقيمته فكذلك إذا استحق ثلث بدله فانما يرجع عليه بثلث القيمة ولو كانوا باعوه بالفين فقضوا غريم العبد ألفين رجعوا على الغاصب بنصف القيمة لان المستحق بالسبب الذى كان عنده نصف بدله وكانت هاتان الالفان رهنا بالمال مكانه لانه لم يفت شئ من مالية الرهن الذى كان موجودا عند قبض المرتهن ولو توى ما على الغاصب كانت هذه الالف التى بقيت رهنا بنصف الدين لان نصف المالية تلف في ضمان المرتهن فان بغصب الغاصب لا يخرج العبد من ضمان المرتهن في حق الراهن ولو كان العبد رهنا بالف على يدى عدل وقيمته الف فباعه العدل بالفين وكان مسلطا على البيع فتوت احداهما وخرجت الاخرى استوفاها المرتهن لان الالف الاخرى زيادة وقد بينا ان ماتوى كان من الزيادة لا من الاصل ولو كانت قيمته الفى درهم عند المرتهن والمسألة بحالها فنصف هذه الالف التى خرجت للمرتهن ونصفها للراهن لما بينا ان نصف المالية مشغول بحق المرتهن ونصفها بحق الراهن فما خرج من البدل يكون نصفين وماتوى عليهما نصفان ولو باعه بثلاثة آلاف فخرجت الالف وتوى ألفان كان ما يخرج بينهما نصفين لان الالف الثالثة زيادة فيجعل التاوي بينهما وانما يعتبر ما كان أصلا وهو

[ 9 ] ألفان فكان هذه ومالو بيع العبد بالفين سواء والله أعلم * (باب جناية الرهن في الحفر) * (قال رحمه الله) وإذا كان العبد رهنا بالف وقيمته ألف ثم غصبه رجل فحفر عنده بئرا في الطريق ووضع في الطريق حجرا ثم رده الغاصب على المرتهن فافتكه الراهن بقضاء الدين ثم وقع في البئر انسان فمات قيل للراهن ادفع عبدك أو افده بالدية لان العبد صار جانيا على لواقع بالحفر السابق عند وقوعه في البئر فانه بالحفر متسبب لا تلافه بازالة ما به كان يستمسك على الارض وهو متعد في هذا التسبيب وحين صنع هذا كان ملكا للراهن وهو على ملكه عند الوقوع أيضا فيخاطب بالدفع أو الفداء كما لو قتله بيده وأى ذلك فعل يرجع على الغاصب بقيمته لان فعل الرد لم يسلم وتبين انه كان قاصرا حين استحق بسبب فعل كان باشره عنده وقيل بل المرتهن هو الذي يرجع على الغاصب بقيمته فيدفعه إلى الراهن لان الغاصب فوت يد المرهون بغصبه ولكن الاول أصح فان حق المرتهن في اليد ما لم يصل إليه دينه وقد وصل إليه حقه فانما المعتبر الآن حق المالك فهو الذى يرجع على الغاصب بالقيمة فان كان الغاصب مفلسا أو غائبا رجع الراهن على المرتهن بالذي قضاه إذا كان الرهن والدين سواء حتى يكون الفداء من مال المرتهن لانه حين حفر كان في ضمان المرتهن فيما بينه وبين الراهن (ألا ترى) انه لو هلك في يد الغاصب وتوت عليه القيمة سقط دين المرتهن وقد تبين أن بالفكاك لم يسلم للراهن حين استحق من يده بسبب كان قبل الفكاك فيجعل كالهالك في يد المرتهن بعد استيفاء الدين وفي هذا ما يلزمه رد المستوفى لانه تبين أنه بالفكاك في يده صار مستوفيا دينه فان عطب بالحفر آخر فمات وقد دفع العبد إلى صاحب البئر فانه يقال لصاحب البئر ادفع نصفه أو افده بعشرة آلاف درهم لان الجنايتين قد حصلتا في ملك رجل واحد وهما من جنس واحد فيكون حق كل واحد منهما في نصف العبد الا أن صاحب البئر قد ملك جميع العبد حين دفع إليه فقام هو في نصيب صاحب الحفر مقام المولى فيخير بين أن يدفع إليه نصفه أو يفديه بعشرة آلاف ولا يتبع المرتهن ولا المولى من ذلك بشئ سوى الذى تبعهم أول مرة لان جنايات العبد وان كثرت لا توجب على المولى الا دفع العبد وقد دفع العبد والذي عطب بالحفر مثل آخر لو وقع في

[ 10 ] البئر لان اوجب واحد في الموضعين وإذا حفر العبد بئرا في الطريق وهو رهن بالف وقيمته ألف فوقع فيها عبد فذهبت عيناه فانه يدفع العبد الرهن أو يفديه بمنزلة مالو فقأ عيني العبد بيده والفداء كله على المرتهن لان العبد كله مضمون بالدين فان فداه فهو رهن على حاله وأخذ المرتهن العبد الاعمى فكان له مكان ما ادى من الفداء وان دفع العبد الرهن وأخذ الاعمى كان رهنا مكان بالالف لانه قائم مقامه في حكم الرهن وان وقع في البئر آخر اشتركوا في العبد الحافر بحصة ذلك أو يفديه مولاه الذى عنده بالالف لان الجنايتين استندتا إلى سبب واحد فكأنهما وجدتا معا فيكون حق الوليين في العبد ولا يلحق الاعمى من ذلك شئ لانه قائم مقام الجاني في حكم الرهن لا في حكم الجناية فانه بالدفع خرج من حكم الرهن ونقرر حكم الجناية فيه فلهذا لا يلحق الاعمى من جنايته شئ وان وقعت في البئر دابة فعطبت أخذ عنها العبد في يدى أصحابه حتى يباع له في ذلك بمنزلة مالو كانت الجنايتان من العبد بيده فان قتل انسانا وأتلف مال آخر فهناك يدفع بالجناية أولا ثم يباع بالدين الا أن يقضي ولى الجناية الدين وهذا لانه لا مجانسة في موجب الفعلين هنا فالمستحق بالجناية نفسه والمستحق بالا ستهلاك بيعه في الدين فلا تثبت المشاركة بينهما ولكن ايفاء الحقين ممكن بان يدفع بالجناية ثم يباع في الدين فلا يلحق الاعمى شئ من ذلك لما قلنا فان بيع العبد في ثمن الدابة ثم وقع في البئر آخر فمات لم يكن له أرش ودمه هدر لان الملك الذى كان فيه حين حفر قد فات وتجدد للمشترى ملك بسبب مبتدأ فلا يستحق عليه هذا الملك بسبب ذلك الفعل وذلك الملك الذى كان قد فات فكأنه مات أو قتل عمدا بخلاف ما قبل البيع في الدين فان ملك المدفوع إليه بالجناية خلف عن ملك المولى فيبقى حكم ذلك الفعل حتى إذا وقع فيه آخر شارك المدفوع إليه في رقبته فان وقعت في البئر دابه أخرى شركوا أصحاب الدابة الاولى في الثمن بقدر قيمتها لان اتلاف الدابتين من العبد أسند إلى سبب واحد وبينهما مجانسة في الموجب فكان حقها في الثمن وهو قائم في يد من حفر بئرا في الطريق وهو رهن بألف وقيمتها ألفان ثم جنى بعد الحفر على عبد ففقأ عينه فدفع واحد العبد فهو رهن مكانه فان وقع في البئر عبد آخر فذهبت عيناه قيل لمولاه الذى هو عنده ادفع نصفه وخذ هذا العبد الاعمى أو افده بقيمة الاعمى لما بينا أن ملكه في العبد المدفوع خلف عن ملك المولى فيبقى فعله باعتباره وموجب الجنايتين واحد فثبتت المشاركة بينهما ويكون حق مولى العبد الواقع في البئر في نصف العبد المدفوع الا أنه

[ 11 ] الآن في ملك المدفوع إليه فيقوم هو في ثبوت الخيار له مقام المولى ان شاء دفع النصف إليه وان شاء فداه بقيمة هذا الاعمى وأخذ الاعمى فكان له بمقابلة ما أدى والعبد الاعمى الاول رهن بألف على حاله لانه قائم مقام المدفوع في حكم الرهن فان كان الاعمى الاول امة فولدت ولدا ثم ماتت هي قسم الالف على قيمتها وقيمة ولدها فيبطل ما أصاب قيمتها لانها مرهونة بجميع الالف فكأنها هي التى رهنت في الابتداء فولدت فيقسم الدين على قيمتها وقيمة ولدها الا أنه تعتبر في القسمة قيمتها عمياء لانها انما تقوم حين ثبت حكم الرهن فيها وانما يثبت حكم الرهن فيها وهى عمياء وإذا احتفر العبد الرهن بئرا في الطريق أو وضع فيها شيئا فعطب به الراهن أو أحد من رقيقه لم يلحقه من ذلك ضمان بمنزلة ما لو جنى بيده على الراهن أو على رقيقه وان وقع فيها المرتهن أو أحد من رقيقه فهذا وما لو جنى عليه بيده سواء فيما اختلفوا وفيما إذا كانت قيمته مثل الدين أو كان في قيمته فضل عن الدين وقد بينا هذه الفصول في جنايته بيده فكذلك في جنايته بحفر البئر وإذا أمره المرتهن أن يحفر بئرا في فنائه فعطب فيها الراهن أو غيره فهو على عاقلة المرتهن لان للمرتهن أن يحفر في فنائه فان الفناء اسم لموضع يتصل بملكه غير مملوك له معد لمنافعه وهو أحق الناس بربط الدواب وكسر الحطب فيه فيكون التدبير في ذلك الموضع إليه وإذا كان له أن يحفر فيه بنفسه فله أن يأمر غيره به وفعل العبد كفعل المرتهن بنفسه ولو فعله هو بنفسه فعطب فيه الراهن كان على عاقلته فكذلك إذا فعله العبد وهذا لانه لما لم يكن هذا الموضع مملوكا له تقيد فعله بشرط السلامة كالمشي في الطريق فإذا لم يسلم كان هو ضامنا لما يعطب بسبب فعله وكذلك لو كان الراهن أمره بذلك في فناء نفسه كان على عاقلة الراهن ولو أمره الراهن أو المرتهن أن يقتل رجلا فقتله فدفع به كان على الذى أمره بذلك قيمته فكيون رهنا مكانه أما موجب الجناية هنا فيتعلق برقبته بخلاف الاول لان الراهن أو المرتهن لا يملكان مباشرة القتل بأيديهما فلا يعتبر أمرهما في نقل فعل العبد اليهما وإذا بقى العبد جانيا كان مؤاخذا بموجب الجناية في الاول واعتبر أمرهما في الحفر في الفناء لما قلنا فينقل فعل العبد إلى الآمر فلهذا لم يكن في رقبة العبد من ذلك شئ ثم الامر في مسألة القتل صار مستعملا للعبد غاصبا فإذا استحق بذلك السبب فعليه ضمان قيمته والقيمة قائمة مقامه فيكون رهنا وكذلك لو بعثه ليسقى دابته فوطئت انسانا لانه بالاستعمال صار غاصبا له وان كان بعثه الراهن باذن المرتهن دفع بالجناية وكان الدين على الراهن لانه خرج من ضمان الدين

[ 12 ] حين بعثه الراهن في حاجته باذن المرتهن بمنزلة ما لو أعاره المرتهن من الراهن ولو مات في هذه الحالة لم يسقط من الدين شئ فكذلك إذا استحق بجناية في هذه الحالة وكذلك لو كان بعثه المرتهن باذن الراهن لان المرتهن لو استعاره من الراهن فما دام يعمل له بحكم العارية لا يكون مضمونا بالدين لو هلك فكذلك إذا استحق بجناية في هذه الحالة وإذا أقر الراهن بالامة الرهن لرجل فزوجها ذلك الرجل جاز النكاح لانه بالاقرار سلط المقر له على تزوجها ولو زوجه بنفسه جاز النكاح فكذلك إذا زوجها ذلك الرجل جاز النكاح لانه بالاقرار سلط المقر له على تزويجها ولو زوجه بنفسه جاز النكاح فكذلك إذا زوجها غيره بتسليطه وقد بينا نظيره في العتق فالتزويج بمنزلة العتق في انه لا يشترط صحة القدرة على التسليم ولكن ليس للزوج أن يقربها لان الراهن ممنوع من غشيانها بنفسه لحق المرتهن فكذلك يمنع منه المقر له أو من زوجها منه المقر له وهذا لانه لو غشيها الزوج ربما تحمل فتنقص ماليتها بسبب الحبل وربما تتعسر عليها الولادة فتموت منها وفي ذلك من الضرر على المرتهن مالا يخفى ولو رهن رجل أمة لها زوج كان الرهن جائزا لان المنكوحة مال متقوم يمكن استيفاء الدين من ماليتها بالبيع فيكون رهنا جائزا فان غشيها الزوج فهلكت من ذلك ففى القياس تهلك من مال الراهن لان الزوج انما غشيها بتسليط الراهن حين زوجها منه فيجعل فعله كفعل الراهن بنفسه (ألا ترى) أنه لو زوجها بعد الرهن فوطئها الزوج فماتت من ذلك كانت من مال الراهن فكذلك إذا كان التزويج قبل الرهن لان موتها من الوطئ لا من التزويج والوطئ في الفصلين ابتداء فعل من الواطئ بعد الرهن ولكنا نستحسن أن يجعلها هالكة من الرهن حتى سقط دين المرتهن لانه لم يوجد من الراهن بعد عقد الرهن فعل يصير به مسلطا على اتلافها بل المرتهن حين قبل الرهن فيها مع علمه أنها منكوحة فقد صار راضيا بها على هذه الصفة واكثر ما فيه انه لم يرض بوطئ الزوج اياها ولكن لا معتبر برضاه في ذلك لان حق الزوج كان مقدما على حقه والمولى لا يملك ابطال حق الزوج بالرهن هنا فلهذا يجعل كأنها ماتت من غير صنع أحد فسقط الدين بخلاف ما إذا كان التزويج بعد الرهن فقد وجد هناك من الراهن بعد الرهن تسليط الزوج على وطئها ولم يوجد الرضا من المرتهن بذلك والزوج ممنوع من وطئها لحق المرتهن هنا فان حقه سابق على حق الزوج فلهذا إذا هلكت من الوطئ يجعل كأنها هلكت بفعل الراهن فلا يسقط دين المرتهن وإذا أشهد الراهنان بالرهن

[ 13 ] لانسان لم تجز شهادتهما لان عقد الرهن لازم من جهة الراهنين فهما بهذه الشهادة يريدان السعي في نقض ما قد تم بهما وابطال يد الاستيفاء المستحقة للمرتهن عليهما ولو شهد به المرتهنان جاز لانهما ممكنان من رد الرهن متى شاآ فليس في هذه الشهادة ابطال حق مستحق عليهما بل في هذه الشهادة ضرر عليهما لان حق استيفاء الدين من مالية الرهن كان ثابتا لهما ويبطل ذلك بشهادتهما فتقبل الشهادة لانتفاء التهمة ولو شهد به كفيلان بالمال لم تجز شهادتهما لانهما بمنزلة الراهنين ولو شهد به ابنا الراهن أو ابنا الكفيل والاب منكر جازت الشهادة لانهما يشهدان على أبيهما وكذلك لو شهد به ابنا المرتهن لانهما شهدا على أبيهما ببطلان حقه في ثبوت يد الاستيفاء ولو كان الراهن مكاتبا أو عبدا تاجرا فشهد مولياه بذلك وهو منكر جازت الشهادة لانهما يشهدان على مكاتبهما أو عبدهما في استحقاق الملك والكسب عليه ويبطلان العقد الذى باشره وإذا ادعى رجل على الرهن انه له وان راهنه سرقه منه وسأل المرتهن أن يخرجه حتى يقيم البينة فأبى ذلك المرتهن فانه يجبر على اخراجه لانه لا ضرر في اخراجه على المرتهن وفيه منفعة للمدعى لانه لا يتمكن من اثبات دعواه بالبينة الا بعد احضار العين ليشير إليه في الدعوى ويشير إليه الشهود في الشهادة والمرتهن في الامتناع من الاحضار متعنت قاصد الاضرار به فيمنعه القاضى من ذلك وإذا ارتهن الرجل رهنا وأقر أن قيمته ألف ثم جاء به بعد ذلك وقيمته مائة درهم ولم يتغير فقال الراهن ليس هذا متاعي فالقول قوله في ذلك لانهما تصادقا على صفة متاعه انه يساوى الفا والذى أحضره ليس على تلك الصفة فالظاهر شاهد للراهن فيجعل القول قوله في ذلك وإذا قبلنا قوله كان على المرتهن ان يجئ بمتاع يساوى الفا أو يحكم بان الرهن هلك في يده فيسقط دينه وإذا باع رجلان شيأ من رجل إلى رجل على أن يرهنهما هذا العبد ففعل ثم شهدا ان الرهن لفلان فان قالا فنحن نرضى أن يكون دينا إلى أجل بغير رهن جازت شهادتهما لخلوها عن التهمة فانه لا منفعة لهما في قبول هذه الشهادة حين أسقطا حقهما في المطالبة برهن آخر بل عليهما فيه ضرر وان قالا لا نزيد رهنا غيره أو يرد علينا متاعنا ابطلت شهادتهما لتمكن التهمة فيها فانهما يشهدان لا نفسهما بثبوت حق مطالبة الراهن برهن آخر أو رد المتاع عليهما وإذا باع متاعا من رجل على أن يرهنه رهنا بعينه فاستحق أو هلك قبل الرهن أو رهنه رهنا يرضى به أو أعطاه قيمة ذلك الرهن فيكون رهنا عنده أو رد عليه ماله وقد بينا هذا

[ 14 ] الفصل فيما تقدم وإذا زاد الراهن مع الرهن رهنا آخر نظر إلى قيمة الاول يوم رهنه والى قيمة الزيادة يوم قبضها المرتهن في قسمة الدين لان حكم الرهن في الزيادة انما يثبت بقبض المرتهن فتعتبر قيمتها حين ثبت حكم الرهن فيها كما يعتبر ذلك في قيمة الاصل ولو كان لرجل على رجل عشرون درهما فرهنه بعشرة منها ما يساوى عشرة ثم قضاه عشرة فله أن يجعلها بما في الرهن ويقبض الرهن أما جواز هذا الرهن فللشيوع في الدين ولا شيوع في الرهن والشيوع في الدين لا يمنع جواز العقد ثم القاضى هو الذى ملك المستوفى هذه العشرة واليه بيان الجهة التى أوفاها فإذا قال انما أوفيتها مما كان في الرهن ولو كان رهنه الثوب لجميع المال لم يكن له أن يقبضه حتى يؤدى جميع المال قلت قيمته أو كثرت لان الرهن محبوس بكل جزء من الدين لاتحاد الصفقة ولو رهنه بعشرة منها ثوبا يساوى عشرين ثم زاده ثوبا آخر رهنا بالعشرة الاخرى فهو جائز لما قلنا وان جعله رهنا بالعشرين جميعا فهو جائز فان هلك الثوب الاول ذهب بثلثي العشرة و ان هلك الثوب الآخر ذهب بثلث العشرة التى بها الرهن الاول ويجمع العشرة الاخرى لانه لما رهنه الثوب الاخرى بجميع العشرين كان نصفه بالعشرة التى لارهن بها ونصفه زيادة في الرهن الاول بالعشرة الآخر فيقسم ملك العشرة على قيمة الثوب الاول يوم رهنه وذلك عشرون وعلى قيمة نصف الثوب الثاني وذلك عشرة فيقسم أثلاثا ثلثاها في الثوب الاول فإذا هلك هلك به وثلثها مع العشرة الاخرى في الثوب الثاني فإذا هلك هلك به لان في قيمته وفاء بالدين وزيادة وإذا كان لرجل على رجلين مال وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فأعطاه أحدهما رهنا بجميع المال يساويه ثم أعطاه الآخر رهنا بجميع المال يساويه فهو جائز وأيهما هلك هلك بنصف المال لان كل واحد منهما مطالب بجميع المال هنا فهما كشخص واحد في ايفاء هذا الدين حتى لو أداه أحدهما رجع على صاحبه بنصفه فيجعل الرهن من الثاني زيادة في الرهن الاول فيقسم الدين على قيمة الرهنين وقيمتهما سواء فانهما هلك ذهب بنصف المال وكذلك لو كانا مكاتبين مكاتبة واحدة وكذلك لو كان المال على أحدهما والآخر به كفيل وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله هذا الفصل وقال عند زفر رحمه الله إذا هلك أحدهما يهلك جميع المال لان كل واحد منهما ما رضى بالرهن في متاعه الا بجميع الدين ولكل واحد منهما في ذلك غرض صحيح فغرض الكفيل في ذلك أن يصير موفيا جميع الدين بهلاكه ليرجع بالكل على الاصيل وغرض الاصيل أن

[ 15 ] يصير موفيا جميع الدين بهلاكه حتى لا يرجع الكفيل عليه بشئ وعلى قول أبى يوسف رحمه الله ان لم يعلم الثاني بالرهن الاول فكذلك الجواب وان علم به فالثاني رهن بنصف المال والاول رهن بجميع المال لوجود الرضا من الثاني بان يكون رهنه زيادة في الرهن الاول حين علم به ولو أن المديون رهن متاعه بالدين الذى عليه وتبرع انسان بان رهن به متاعا آخر له فقد روى هشام عن محمد رحمهما الله قال ان هلك رهن المطلوب هلك جميع الدين وان هلك رهن المتبرع هلك نصف الدين لان رهن المطلوب صار مضمونا بجميع الدين فالمتبرع لا يملك فيعتبر موجب عقده عليه وأما رهن المتبرع فهو زيادة في رهن المطلوب فيكون بنصف الدين ولو رهنه بعشرين درهما دينارا يساوى عشرة ثم رخص الورق فصارت عشرون درهما بدينار فهلك الدينار فانما يهلك بالعشرة لان المعتبر قيمة الرهن حين قبضه المرتهن ولو كان له عليه عشرة دراهم فرهن له دينارا يساوي عشرة ثم غلا الورق فصارت خمسة بدينار ثم رهنه دينارا آخر فهما جميعا رهن بالعشرة فان هلك الدينار الاول ذهب بثلثي العشرة وان هلك الآخر ذهب بثلثها لان المعتبر في الانقسام قيمة كل واحد منهما حين ثبت حكم الرهن فيه ولو كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بخمسمائة منها عبدا يساوى خمسمائة ثم زاده أمة رهنا بالالف كلها تساوى الفا فولدت بنتا تساوى خمسمائة ثم مات العبد والامة بقى الولد بسدس الخمسمائة التى كان العبد رهنا بها وبثلث الخمسمائة الاخرى لان نصف الامة رهن بخمسائة ونصفها زيادة في رهن العبد بالخمسمائة الاخرى فتقسم تلك الخمسمائة على قيمة العبد وقيمة نصف الامة وهما سواء فانقسم نصفين وصار في الامة نصف الخمسمائة الاول مع الخمسمائة الاخر فلما ولدت ولدا يساوي خمسمائة انقسم ما فيها على قيمتها وعلى قيمة ولدها أثلاثا لان قيمتها حين رهنت ألف وقيمة ولدها خمسمائة فصار في الولد ثلث الخمسمائة الاخرى وسدس الخمسمائة الاولى فيبقى ذلك القدر ببقاء الولد ويسقط ما سوى ذلك بموت العبد والامة وإذا ارتهن عبدا بخمسمائة وهو يساوى ألفا ثم زاده المرتهن خمسمائة على أن زاده الآخر أمة رهنا بجميع المال ففى قول ابى حنيفة ومحمد رحمهما الله تكون الامة رهنا بجميع المال نصفها مع العبد في الخمسمائة الاولى ونصفها بالخمسمائة الاخرى وعند أبى يوسف رحمه الله هما جميعا يكونان رهنا بالالف كلها لان أبا يوسف رحمه الله يجوز الزيادة في الرهن والدين وهما يجوزان الزيادة في الرهن دون الدين فلهذا كان العبد مع نصف الامة رهنا بالخمسمائة

[ 16 ] الاول ونصف الامة رهنا بالخمسمائة الاخرى وليس في العبد من الخمسمائة الاخرى شئ ولو كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بخمسمائة منها جارية تساوى خمسمائة فولدت كل واحدة منهما ابنا قيمته مثل قيمة امه فالاولى وابنها ونصف الآخر ونصف ابنها رهن بالخمسمائة الاول ونصف الآخر ونصف ابنها رهن بالخمسمائة الاخرى فان ماتت الام الاخرى ذهب ربع هذه الخمسمائة التى فيها خاصة ويبقى نصف ابنها بثلاثة ارباع ويذهب من الخمسمائة الاول خمسون درهما لان الجارية الاخرى ثمنها خمسمائة فكل واحد من الولدين تبع لامه فنصف الجارية الاخرى زياده في رهن الخمسمائة الاولى ونصفها رهن بالخمسمائة الاخرى وقيمة هذا النصف مائتان وخمسون والرهن مضمون بالاقل من قيمته ومن الدين فصار ثلث المائتين وخمسين من هذه الخمسمائة مقسوما على نصف قيمتها ولدها وهما سواء والذى فيها من هذه الخمسمائة ربعها مائة وخمسة وعشرون فلهذا يسقط بهلاكها ربع هذه الخمسمائه وبقي نصف ابنها بثلاثة أرباعها فأما الخمسمائة الاولى فانقسمت على قيمة الجارية الاولى وهى ألف وعلى قيمة نصف الجارية الثانية وهو مائتان وخمسون فإذا جعل كل مائتين وخمسين بينهما انقسم أخماسا خمس ذلك وهو مائة في نصف الجارية الاخرى ثم انقسم ذلك على نصف قيمتها ونصف قيمة ولدها نصفين فكان الذى فيها من الخمسمائة الاولى خمسون درهما فيذهب ذلك القدر بهلاكها ولو كان لرجل على رجل ألف درهم وزن سبعة فرهنه بخمسمائة منهما أمة تساوى ثمانمائة رهنا بالمال كله فولدت كل واحدة منهما ابنا قيمته مثل قيمة امه ثم ماتت الاولى ذهب من الخمسمائة الاولى السدس لان نصف الامة الثانية زيادة في الرهن بالخمسمائة الاولى ونصفها رهن بالخمسمائة الاخرى فالخمسمائة الاولى انقسمت على قيمة الجارية الاولى وهو مائتان وعلى نصف قيمة الاخرى وهو أربعمائة فيقسم اثلاثا ثلثها في الجارية الاولى وثلثها في نصف الجارية الاخرى ثم انقسم ما في الاولى وهو ثلث الخمسمائة على قيمتها وقيمة ولدها نصفين فحاصل ما بقى فيها سدس الخمسمائة وذلك ثلاثة وثمانون وثلث فإذا هلكت هلكت ولو لم تمت الاولى وماتت الاخرى ذهب من الخمسمائة الاولى ثلثها ومن الخمسمائة الاخرى خمساها لان ثلثي الخمسمائة الاولى كان في نصفها وقد انقسم ذلك عليها وعلى نصف ولدها نصفين فانما بقى فيها من تلك الخمسمائة ثلثها فيهلك بذلك وقد كان نصفها مرهونا بالخمسمائة الاخرى الا أن قيمة نصفها اربعمائة فلا يثبت فيه من الضمان الا قدر قيمتها ثم نصف ذلك قد تحول

[ 17 ] إلى نصف ولدها فانما بقى فيها من الخمسمائة الاخرى مائتان وذلك خمساها فلهذا هلك بذلك ولو كان رهنه بخمسمائة من الالف أمة تساوي الفا ورهنه بالخمسمائة الباقية عبدا يساوى الفا ثم زاده أمة رهنا فالمال كله يساوى ألفا ثم ولدت كل واحدة من الامتين أمة تساوى ألفا ثم ماتت الاخرى ذهب سدس المال لانها كانت زيادة في الكل فنصفها مع الامة رهن بالخمسمائة الاولى ونصفها مع العبد رهن بالخمسمائة الاخرى ثم كل خمسمائة تنقسم اثلاثا على نصفها وعلى جميع قيمة ما هو مرهون بها خاصة وهو الف فحاصل ما ثبت فيها بالانقسام ثلث الالف ثم انقسم هذا القدر عليه وعلى ولدها نصفين فانما بقي فيها سدس المال فيهلك بذلك وكذلك لو ماتت الاولى ذهبت بسدس المال لان الذى كان فيها ثلثا الخمسمائة الاولى وهو ثلث جميع المال وقد تحول نصف ذلك إلى أولادها فانما بقى فيها سدس المال وهو أن بالعبد ذهب ثلث الدين لان الذى أصاب العبد بالقسمة ثلثا الخمسمائة الثاينة وذلك ثلث جميع الدين فبموته يسقط ذلك العدد ولو لم يمت العبد فقضي المطلوب الطالب خمسمائة كان له أن يأخذ ان شاء العبد الاول وان شاء الامة الاولى وابنها لانه هو المالك فيكون له أن يصرف ذلك إلى أي الرهنين شاء فيسترد ذلك وليس له أن يقبض الامة الآخرة ولا ولدها حتى يؤدي جميع المال لان الامة الآخرة رهن بجميع المال فتحبس بكل جزء من اجزاء المال وولدها بمنزلتها وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله انه لو رهن جاريتين بالف درهم فاستحقت احداهما فعلى قول أبى يوسف رحمه الله الاخرى رهن بحصتها من الالف وعلى قول زفر رحمه الله الاخرى رهن بجميع الالف ان هلكت وذلك قيمتها يملكها به ولا يفتكها الا بجميع المال ولو ظهر أن احداهما مدبرة أو أم ولد فالاخرى رهن بجميع المال بالاتفاق وان هلكت هلكت به فزفر رحمه الله قاس استحقاق الغير احداهما باستحقاقها نفسها وأبو يوسف رحمه الله فرق بينهما فقال المستحق محل للرهن بدليل انه لو رهنها برضا صاحبها جاز فينقسم الدين على قيمتها فانما صارت الاخرى رهنها بحصتها فإذا هلكت هلكت به والمدبرة وأم الولد ليست بمحل للرهن فيكون جميع الدين في الاخرى فإذا هلكت وفي قيمتها وفاء بذلك صار المرتهن مستوفيا جميع دينه والله أعلم بالصواب * (كتاب المضاربة) * (قال رحمه الله) قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو

[ 18 ] بكر محمد بن أبى سهل السرخسي رحمه الله إملاء المضاربة مشتقة من الضرب في الارض وانما سمى به لان المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله فهو شريكه في الربح ورأس مال الضرب في الارض والتصرف وأهل المدينة يسمون هذا العقد مقارضه وذلك مروي عن عثمان رضى الله عنه فانه دفع إلى رجل مالا مقارضة وهو مشتق من القرض وهو القطع فصاحب المال قطع هذا القدر من المال عن تصرفه وجعل التصرف فيه إلى العامل بهذا العقد فسمى به وانما اخترنا اللفظ الاول لانه موافق لما في كتاب الله تعالى قال الله تعالى وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله يعنى السفر للتجارة * وجواز هذا العقد عرف باسنة والاجماع فمن السنة ماروى أن العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه كان إذا دفع مالا مضاربة شرط على المضارب أن لا يسلك به بحرا وان لا ينزل واديا ولا يشترى به ذات كبد رطب فان فعل ذلك ضمن فبلغ رسول الله ﷺ ذلك فاستحسنه وكان حكيم بن حزام رضي الله عنه إذا دفع مالا مضاربة شرط مثل هذا وروى أن عبد الله وعبيد الله ابنا عمر رضي الله عنهم قدما العراق ونزلا على أبى موسى رضى الله عنه فقال لو كان عندي فضل مال لاكرمتكما ولكن عندي مال من مال بيت المال فابتاعا به فإذا قدمتما المدينة فادفعاه إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه ولكما ربحه ففعلا ذلك فلما قدما على عمر رضى الله عنه أخبراه بذلك فقال هذا مال المسلمين فربحه للمسلمين فسكت عبد الله وقال عبيد الله لا سببيل لك إلى هذا فان المال لو هلك كنت تضمننا قال بعض الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين اجعلهما بمنزلة المضاربين لهما نصف الربح وللمسلمين نصفه فاستصوبه عمر رضى الله عنه وعن القاسم بن محمد قال كان لنا مال في يد عائشة رضى الله عنهما وكانت تدفعه مضاربة فبارك الله لنا فيه لسعيها وكان عمر رضى الله عنه يدفع مال اليتم مضاربة على ما روى محمد رحمه الله وبدا به الكتاب عن حميد بن عبد الله بن عبيد الانصاري عن أبيه عن جده أن عمر رضى الله عنه أعطاه مال يتيم مضاربة وقال لا أدرى كيف كان الشرط بينهما فعمل به بالعراق وكان بالحجاز اليتيم كان يقاسم عمر رضى الله عنه بالربح وفيه دليل جواز المضاربة بمال اليتيم وان للامام ولاية النظر في مال اليتامى وان للمضارب والاب والوصى المسافرة بمال اليتيم في طريق آمن أو مخوف بعد أن كانت القوافل متصلة فقد كان عمر رضى الله عنه اعطى زيد بن خليدة رضى الله عنه مالا مضاربة فاسلمه إلى عتريس بن عرقوب

[ 19 ] في حيوان معلوم باثمان معلومة إلى أجل معلوم فحل الاجل فاشتد عليه فأتى عتريس عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه يستعين به عليه فذكر ذلك فقال له عبد الله رضى الله عنه خذ رأس مالك ولا تسلمه شيأ مما لنا في الحيوان وفيه دليل جواز المضاربة وفساد السلم وانما اشتد على عتريس بن عرقوب لفساد العقد أيضا فلا يظن به المماطلة في قضاء ما هو مستحق عليه مع قوله ﷺ خيركم أحسنكم قضاء وبعث رسول الله ﷺ والناس يتعاملون بالمضاربة بينهم فأقرهم على ذلك وندبهم أيضا إليه على ما قال صلوات الله وسلامه عليه من عال ثلاث بنات فهو أسير فاعينوه يا عباد الله ضاربوه داينوه ولان بالناس حاجة إلى هذا العقد فصاحب المال قد لا يهتدى إلى التصرف المربح والمهتدى إلى التصرف قد لا يكون له مال والربح انما يحصل بهما يعنى المال والتصرف ففى جواز هذا العقد يحصل مقصود هما وجواز عقد الشركة بين أثنين بالمال دليل على جواز هذا العقد لان من جانب كل واحد منهما هناك ما يحصل به الربح فينعقد بينهما شركة في الربح ولهذا لا يشترط التوقيت في هذا العقد ولكل واحد منهما أن ينفرد بفسخه لان انعقاده بطريق الشركة دون الاجارة ولهذا العقد أحكام شتى من عقود مختلفة فانه إذا أسلم رأس المال للمضارب فهو امين فيه كالمودع وإذا تصرف فيه فهو وكيل في ذلك يرجع بما يلحقه من العهدة على رب المال كالوكيل فإذا حصل الربح كان شريكه في الربح وإذا فسد العقد كانت اجارة فاسدة حتى يكون للمضارب أجر مثل عمله وإذا خالف المضارب كان غاصبا ضامنا للمال ولكن المقصود بهذا العقد الشركة في الربح وكل شرط يؤدى إلى قطع الشركة في الربح بينهما مع حصوله فهو مبطل للعقد لانه مفوت لموجب العقد ومن ذلك ما رواه عن إبراهيم رحمه الله انه كان يكره المضاربة بالنصف أو الثلث وزيادة عشرة دراهم قال أرأيت ان لم يربح الا تلك العشرة وهو إشارة إلى ما بينا من قطع الشركة في الربح مع حصوله بان لم يربح الا تلك العشرة وعن إبراهيم رحمه الله في المضاربة والوديعة والدين سواء يتحاصون ذلك في مال الميت وبه نأخذ والمراد مضاربة أو وديعة غير معينة فالامين بالتجهيل يصير ضامنا فهو والدين سواء فاما ما كان معينا معلوما فصاحبه أولى به لان حق الغريم بموت المديون يتعلق بماله الا بما كان امانة في يده لغيره وعن إبراهيم رحمه الله قال في الوصي يعطى مال اليتيم مضاربة وان شاء أبضعه وان شاء تجر إلى غير ذلك وكان خيرا لليتيم فعل لقوله تعالى قل اصلاح لهم خير وقال الله تعالى ولا تقربوا

[ 20 ] مال اليتيم الا بالتى هي أحسن والاحسن والاصلح في حقه أن يتجر بماله قال ﷺ ابتغوا في أموال اليتامى خيرا كيلا تأكلها الصدقة يعنى النفقة فان احتسب بالتصرف فيه أو وجد أمينا يحتسب ذلك والا نفع لليتيم أن يدفعه إليه بضاعة وان لم يجز ذلك وربما لا يرغب في أن يتصرف فيه مجانا فلا بأس بأن يتصرف فيه على وجه المضاربة وهو أنفع لليتيم لما يحصل له من بعض الربح وبما لا يتفرغ الوصي لذلك فيحتاج إلى أن يدفعه مضاربة إلى غيره وإذا جاز منه هذا التصرف مع نفسه فمع غيره أولى وذكر عن على رضى الله عنه قال ليس على من قاسم الربح ضمان وتفسيره أنه المواضعة على المال في المضاربة والشركة وهو مروي عن علي رضى الله عنه قال المواضعة على المال والربح على ما اشترطا عليه وبه أخذنا فقلنا رأس المال أمانة في يد المضارب لانه قبضه باذنه ليتصرف فيه له وعن على رضى الله عنه أنه كان يعطى مال اليتيم مضاربة ويقول قال رسول الله ﷺ رفع القلم عن ثلاثة عن الغلام حتى يحتلم وعن المجنون حتى يصح وعن النائم حتى يستيقظ وفيه دليل أن ولاية النظر في مال اليتيم للقاضي إذا لم يكن له وصي لعجز اليتيم عن النظر لنفسه واليه أشار على رضى الله عنه فيما استدل به من الحديث وعن الشعبي رحمه الله أنه سئل عن رجل أخذ مالا مضاربة فأنفق في مضاربته خمسمائة ثم ربح قال يتم رأس المال من الربح وبه أخذنا فقلنا للمضارب أن ينفق من مال المضاربة إذا سافر به لان سفره كان لاجل العمل في مال المضاربة فيستوجب النفقة فيه كالمرأة تستوجب النفقة على زوجها إذا زفت إليه لانها فرغت نفسها له فقلنا الربح لا يظهر ما لم يسلم جميع رأس المال لرب المال لان الربح اسم للفضل فما لم يحصل ما هو الاصل لرب المال لا يظهر الفضل قال ﷺ مثل المؤمن كمثل التاجر لاتخلص له نوافله ما لم تخلص له فرائضه فالتاجر لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس ماله وعن الشعبي رحمه الله أنه سئل عن رجل دفع إلى رجل أربعة آلاف درهم مضاربة فخرج بها إلى خراسان وأشهد عند خروجه أن هذا المال مال صاحب الاربعة الآلاف ليس لاحد فيها حق ثم أقبل فتوفى في الطريق فأشهد عند موته أيضا بذلك ثم ان رجلا جاء بصك فيه ألف مثقال مضاربة مع هذا الرجل له بها بينة وهى قبل الاربعة الآلاف بأحد وعشرين سنة فقال عامر رحمه الله أشهد في حياته وعند موته أن المال لصاحب الاربعة الآلاف وبه نأخذ فان حق الآخر صار دينا في ذمته بتجهليه عند موته وقد بينا أن حق الغريم يتعلق بشركة الميت لا بما في يده من الامانة

[ 21 ] وانما أفتى الشعبي رحمه الله بهذا لاقراره بالعين لصاحب الاربعة الآلاف في حال صحته لا لاقراره عند موته فاقرار المريض بالدين أو العين لا يكون صحيحا في حق من ثبت دينه بالبينة لكونه متهما في ذلك واقراره في الصحة بذلك مقبول لانه غير متهم فيه وعن الحسن رحمه الله أنه كان يكره المضاربة والشركة بالعروض وبه نأخذ وقد بيناه في كتاب الشركة وقال أبو حنيفة رحمه الله لا تكون المضاربة الا بالدراهم والدنانير وهو قول أبى يوسف رحمه الله وقال محمد رحمه الله أستحسن أن تكون المضاربة بالفلوس كما تكون بالدراهم والدنانير لانها ثمن مثل الدراهم والدنانير والحاصل أن في المضاربة بالفلوس عن محمد رحمه الله رواية واحدة انها تجوز لانها ما دامت رائجة فهى ثمن لا يتعين في العقد مقابلتها بجنسها وبخلاف جنسها عند محمد رحمه الله فالعقد بها يكون سواء بثمن في الذمة لا بيعا فيكون الربح للمضارب على ضمان الثمن فهو والمضاربة بالدراهم سواء وهكذا روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله أن المضاربة بالفلوس جائزة لانها ثمن لا يتعين عند المقابلة بخلاف جنسها وهكذا ذكره ابن سماعة عن أبى يوسف رحمهما الله وفي الاصل روى عنهما أن المضاربة بالفلوس لا تجوز لانها إذا كسدت فهى كالعروض فهى ثمن من وجه مبيع من وجه وهى ثمن لبعض الاشياء في عادة التجار دون البعض فكانت كالميكل والموزون فانها ثمن دينا ومبيع عينها فلا تصح المضاربة بها وهذا الاستدلال مروى عن أبى يوسف رحمه الله فانه سئل عن المضاربة بالدراهم التجارية فقال لو جوزت ذلك جاوزت المضاربة بالطعام بمكة يعني أن أهل مكة يتبايعون بالطعام كما أن أهل بخارى يتبايعون بالبر بعينه قال الشيخ الامام الاجل رحمه الله وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول الصحيح جواز المضاربة بها عندي لانها من أعز النقود عندنا كالدنانير في سائر البلدان وظاهر ما ذكر هنا يدل على أن المضاربة بالتبر لا لا تجوز والدراهم والدنانير اسم للمضروب دون التبر وذكر في غير هذا الموضع أن التبر لا يتعين بالتعيين ولا يبطل العقد بهلاكه فذلك دليل جواز المضاربة به والحاصل أن ذلك يختلف باختلاف البلدان في الرواج ففى كل موضع يروج التبر رواج الاثمان وتجوز المضاربة به وفي كل موضع هو بمنزلة السلع لا تجوز المضاربة به كالمكيل والموزون وإذا دفع الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان أو قال ما كان في ذلك من ربح أو قال ما رزقك الله في ذلك من ربح أو ما ربحت في ذلك من شئ فهو كله سواء لان الحكم يبني على ما هو المقصود ولا ينظر إلى اختلاف العبارة

[ 22 ] بعد اتحاد المقصود والمقصود بهذه الالفاظ اشتراط التناصف في الربح وكذلك لو شرط للمضارب عشر الربح والباقى لرب المال فهو جائز لان المشروط للمضارب جزء شائع معلوم وهذا الشرط لا يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في الربح مع حصوله فما من شئ يحصل من الربح قل أو كثر الا وله عشر ويستوى ان كانت الالف المدفوعة جيدة أو زيوفا أو نبهرجة لان الفضة تغلب على العشر في هذه الانواع فهو في حكم الدراهم المضروبة من النقرة فيها ولو قال على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فللمضارب من ذلك مائة درهم فهذه مضاربة فاسدة لان هذا الشرط يوجب قطع الشركة بينهما في الربح مع حصوله فربما لا يربح الا مقدار المائة فيأخذه من شرط له ويجيب الآخر وفى هذه الشرط عيب يمكن التحرز عنه أيضا وربما يربح أقل من مائة درهم فلا يسلم جميع المائة لمن شرط له مع حصول الربح فلهذا فسد العقد فان عمل ذلك فربح مالا أو لم يربح شيئا فله أجر مثله فيما عمل وليس له من الربح شئ لان استحقاق الشركة في الربح بعقد المضاربة والعقد الفاسد لا يكون بنفسه سببا للاستحقاق وانما يستوجب أجر المثل لانه عمل لرب المال وابتغى عن عمله عوضا فإذا لم يسلم له ذلك استحق أجر المثل كما في الاجارة الفاسدة ثم ان كان حصل الربح فله أجر مثله بالغا ما بلغ في قول محمد رحمه الله وقال أبو يوسف رحمه الله لا يجاوز بأجر مثله ما سمي له وهو بناء على ما بينا في كتاب الشركة من اختلافهما في شركة الاحتطاب والاحتشاش وان لم يحصل الربح فقد روى عن أبى يوسف رحمه الله أنه قال استحسن أن لا يكون للمضارب شئ لان الفاسد من العقد معتبر بالصحيح في الحكم ولا طريق لمعرفة حكم العقد الفاسد الا هذا وفي المضاربة الصحيحة إذا لم يربح لا يستحق شيأ فكذلك في المضاربة الفاسدة وجه ظاهر الرواية أنه لا يستحق بهذا العقد شيأ من الربح بحال وانما يعتبر حصول الربح في حق من يستحق الربح ثم الفاسد انما يعتبر بالجائز إذا كان انعقاد الفاسد مثل انعقاد الجائز كالبيع وهنا المضاربة الصحيحة تنعقد شركة لا إجارة والمضاربة الفاسدة تنعقد اجارة فانما تعتبر بالاجارة الصحيحة في استحقاق الاجر عند ايفاء العمل ولو تلف المال في يده فله أجر مثله فيما عمل ولا ضمان عليه ذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله أنه ضامن للمال فقيل المذكور في الكتاب قول أبى حنيفة رحمه الله وهو بناء على اختلافهم في الاجير المشترك إذا تلف المال في يده من غير صنعه فان هذا العقد انعقد اجارة وهو بمنزلة الاجير المشترك لان له أن يأخذ المال بهذا الطريق من غير واحد والاجير

[ 23 ] المشترك لا يضمن عند أبى حنيفة رحمه الله إذا هلك المال في يده من غير صنعه وعندهما هو ضامن إذا هلك في يده فما يمكن التحرز عنه فكذلك الحكم في كل مضاربة فاسدة ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله في ذلك من شئ فللمضارب ربح نصف المال أو قال ربح عشر المال أوقال ربح مائة درهم من رأس المال فهذه مضاربة جائزة لان في هذا المعنى اشتراط جزء شائع من الربح للمضارب إذ لا فرق بين أن يشترط له عشر الربح وبين أن يشترط له ربح عشر المال ولا أجر للمضارب في عمله هنا ان لم يحصل الربح لان عند صحة المضاربة هو شريك في الربح فإذا لم يحصل الربح لم يستحق شيئا لانعدام محل حقه لو قال على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فللمضارب ربح هذه المائة بعينها أو ربح هذا الصنف بعينه من المال فهى مضاربة فاسدة لان هذا الشرط يؤدي إلى قطع الشركة في الربح مع حصوله فمن الجائز أن لا يربح فيما يشترى بتلك المائة والاصل فيه ما روى عن النبي ﷺ أنه سئل عن المزارعة بما سقت السوانى والماذيانات فافسدها وكان المعنى فيه أن ذلك الشرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في الخارج مع حصوله فيتعدى ذلك الحكم إلى هذا الموضع بهذا المعنى فان عمل فله أجر مثله لانه أوفي العمل بحكم عقد فاسد وإذا دفع إليه ألف درهم فقال خذ هذه الالف مضاربة بالثلث أو قال بالخمس أو قال بالثلثين فأخذها وعمل بها فهى مضاربة جائزة وما شرطه من ذلك فهو للمضارب وما بقى لرب المال لان المضارب هو الذى يستحق الربح بالشرط فأما رب المال فانما يستحق الربح باعتبار أنه بما ملكه فمطلق الشرط ينصرف إلى جانب من يحتاج إليه وعرف الناس يشهد بذلك والثابت بالعرف من التعيين كالثابت بالنص فكأنه قال الثلثان من الربح لك حتى إذا قال انما عنيت أن الثلثين لي لم يصدق لانه يدعى خلاف ما هو الظاهر المتعارف والقول في المنازعات قول من يشهد له الظاهر وحرف الباء دليل عليه لانه انما يصحب الاعواض فهو دليل على أن بالثلثين لم يستحق الربح عوضا وهو المضارب وأنه في المعنى يستحق الربح عوضا عن عمله فلهذا كان المنصوص عليه للمضارب وكذلك لو قال خذها معاوضة بالنصف أو معاملة بالنصف لان العبرة في العقود للمعانى دون الالفاظ (ألا ترى) أنه لا فرق بين أن يقول بعتك هذا الثوب بألف أو المكيل بألف ولو قال خذها على أن ما رزق الله تعالى فيها من شئ فهو بيننا ولم تزد على هذا فهو مضاربة جائزة بالنصف لان كلمة بين تنصيص على الاشتراك ومطلق الاشتراك

[ 24 ] يقتضي المساواة (ألا ترى) أن في الوصية والاقرار إذا قال ثلث مالي بين فلان وفلان أو هذا المال بين فلان وفلان كان مناصفة بينهما فكذلك قوله الربح بيننا منزل منزلة اشتراط المناصفة في الربح والدليل على أن مطلق كلمة بين تقتضي المساواة قوله تعالى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم والمراد التسوية بدليل قوله تعالى لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولو قال خذها فاعمل بها على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بيننا نصفين ولم يقبل مضاربة فهى مضاربة جائزة لانه خرج بمعنى المضاربة وان لم ينص على لفظ المضاربة وما هو المقصود يحصل بالتصريح بالمعنى وليس لهذا العقد حكم يدل لفظ المضاربة خاصة على ذلك الحكم بخلاف لفظ المفاوضة في شركة المفاوضة على ما قررنا في كتاب الشركة وكذلك لو قال اعمل بهذه الالف على أن لك نصف ربحها أو جزأ من عشرة أجزاء من ربحها فهو جائز لان المضارب هو الذى يستحق الربح بالشرط وقد نص على شرط نصيبه من الربح وكذلك لو قال خذ هذه الالف فاعمل بها بالنصف أو قال بالثلث فهى مضاربة جائزة استحسانا وفى القياس لا يجوز لانعدام التنصيص على من شرط له الثلث ولكن في الاستحقاق قال انما يراد بهذا في العرف اشترط ذلك للمضارب وحرف الباء دليل عليه فكأنه صرح بذلك وللقياس وجه آخر وهو أنه لما لم ينص على المضاربة فيحتمل أن يكون مراده ايجاب الثلث له من أصل الالف بمقابلة عمله ويحتمل أن يكون المراد ايجاب الثلث له من الربح ولكنه استحسن فقال في عرف الناس المراد بهذا اللفظ اشتراط الثلث له من الربح فهو ومالو أتى بلفظ المضاربة سواء (ألا ترى) انه لو قال في وصيته أوصيت لك بثلثي بعد موتى جاز استحسانا وكان وصية له بثلث المال لاعتبار العرف فهذا مثله ولو دفع الالف إليه على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو كله للمضارب فقبض المال على هذه فربح أو وضع أو هلك المال قبل أن يعمل به فهو قرض عليه وهو ضامن له والربح كله له لان اشتراط جميع التركة له يكون تنصيصا على تمليك أصل المال منه فانه لا يستحق جميع الربح ما لم يكن مالكا للمال وللتمليك طريقان الهبة والاقراض فعند التردد لا يثبت الا أدنى الوجهين لانه متيقن به وأدنى الوجهين القرض فلهذا جعل مقرضا المال منه ولو كان قال على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو كله لرب المال فهذه بضاعة مع المضارب وليس له فيها ربح ولا أجر ولاضمان عليه في المال ان هلك لانه ما ابتغى عن عملي عوضا فيكون هو في العمل معينا لصاحب المال والمعين في

[ 25 ] التجارة مستصنع فيكون المال في يده أمانة ورب المال لم يعنه في شئ حين شرط جميع الربح لنفسه وهذا الاصل الذي قلنا لان العبرة للمقصود في كل عقد دون اللفظ ولو قال خذ هذه الالف مضاربة أو مقارضة ولم يذكر ربحا فهى مضاربة فاسدة لان المضارب شريك في الربح والتنصيص على لفظ المضاربة يكون استرداد الجزء من ربح المضارب وذلك الجزء غير معلوم وجهالته تفضى إلى المنازعة بينهما ومثله إذا كان في صلب العقد يكون مفسدا للعقد فيكون الربح كله لرب المال وللمضارب أجر مثله ربح أو لم يربح ولو قال على ان لرب المال ثلث الربح ولم يسم للمضارب شيأ فهذه مضاربة فاسدة في القياس لانهما لم يبينا ما هو المحتاج إليه وهو نصيب المضارب من الربح وانما ذكر اما لا يحتاج إليه وهو نصيب رب المال ولا حاجة به إلى ذلك فرب المال لا يستحق بالشرط وليس من ضرورة اشتراط الثلث لرب المال اشتراط ما بقى للمضارب فان ذلك مفهوم والمفهوم لا يكون حجة للاستحقاق ومن الجائز أن يكون مراده اشتراط بعض الربح لعامل آخر يعمل معه وهذا بخلاف ما إذا بين نصيب المضارب خاصة لانه ذكر هنا ما يحتاج إلى ذكره وهو بيان نصيب من يستحق بالشرط ووجه الاستحسان أن عقد المضاربة عقد شركة في الربح والاصل في المال المشترك انه إذا بين نصيب أحدهما كان ذلك بيانا في حق الآخر ان له ما بقى قال الله تعالى وورثه أبواه فلامه الثلث معناه وللاب ما بقى وهنا لما دفع إليه المال مضاربة فذلك تنصيص على الشركة بينهما في الربح فإذا قال على ان لى ثلث الربح يصير كانه قال ولك ما بقى كما لو قال على ان لك ثلث الربح يصير كانه قال ولى ما بقى ولو صرح بذلك لكان العقد صحيحا على ما اشترطا فهذا مثله وهذا عمل بالمنصوص لا بالمفهوم ولو قال على ان للمضارب ثلث الربح أو سدسه كانت المضاربة فاسدة لانه لم ينص في نصيب المضارب على شئ معلوم ولكن ردده بين الثلث والسدس وبهذا اللفظ تمكن فيما يستحقه المضارب جهالة تفضى إلى المنازعة وكذلك لو قال على ان لي نصف الربح أو ثلثه لان معنى هذا الكلام ولك ما بقى النصف أو الثلث فيفسد العقد لجهالة تفضى إلى المنازعة فيما شرط للمضارب ولو شرط للمضارب ثلث الربح ولرب المال نصف الربح فالثلث للمضارب كما شرط إليه والباقى كله لرب المال لان استحقاق المضارب بالشرط وما شرط له الا الثلث ورب المال يستحق ما بقى لكونه بما ملكه وهذا موجود في المسكوت عنه فيكون له ولو قال خذ هذه الالف لتشترى بها هرويا بالنصف أو قال لتشترى بها رقيقا

[ 26 ] بالنصف فهذا فاسد لانه استأجره ببعض ما يحصل بعمله وهو نصف المشترى وذلك فاسد ثم هذا استئجار باجرة مجهولة وانما جعلناه استئجارا لانه أمره بالشراء خاصة والربح لا يحصل بالشراء وانما يحصل به وبالبيع وهو بالامر بالشراء لا يملك البيع عرفنا ان هذا العقد ليس شركة بينهما في الربح فبقى استئجارا على الشراء باجرة مجهولة وهذا فاسد يعنى به الاجارة فاما الوكالة بالشراء فجائزة وما اشتري بها يكون لرب المال وللمضارب أجر مثله فيما اشترى لانه ابتغى في عمله عوضا وليس له أن يبيع ما اشترى الا بامر رب المال فان باع بغير أمره فحكمه حكم بيع الفضولي لا يجوز الا باجازة المالك فان تلف ما باع ولم يقدر على المشترى منه فالمضارب ضامن لقيمته حين باع لانه بالبيع والتسليم غاصب والثمن الذى باع به المضارب ملكه بالضمان فينفذ بيعه من جهته فان كان فيه فضل على القيمة التى غرم فينبغي له أن يتصدق به الا على قول أبى يوسف رحمه الله وأصله في المودع إذا تصرف في الوديعة وربح وإذا أجاز رب المال بيع المضارب فان كان المبيع قائما بعينه نفذ بيعه لان الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وكذلك ان كان لا يدرى انه قائم أم هالك لان التمسك بالاصل المعلوم واجب حتى يعلم غيره وقد علمنا قيامه فجاز البيع باعتبار الاصل والثمن لرب المال لا يتصدق منه بشئ كما لو كان أمره بالبيع في الابتداء وان علم هلاكه عند الاجازة فاجارته باطلة لان الملك يثبت للمشترى بالعقد عند الاجارة فلا بد من قيام المعقود عليه على وجه يقبل ابتداء العقد حتى ينفذ العقد فيه بالاجارة فإذا بطلت الاجارة كان المضارب ضامنا للقيمة يوم باعه والثمن له يتصدق بالفضل إذا كان فيه ولو قال خذ هذه الالف فابتع بها متاعا فما كان من فضل فلك النصف ولم يزد على هذه فهو فاسد في القياس ايضا لان الابتتاع عبارة عن الشراء فهذا وقوله اشتربها بالنصف سواء وفي الاستحسان هذه مضاربة جائزة لان لفظ الابتياع عام يقع على البيع والشراء جميعا وبقوله فما كان من فضل تبين أن مراده البيع والشراء جميعا لان الفضل لا يحصل الا بهما فيكون له أن يشترى مابدا له ويبيعه وانما شرط له نصف الربح فكانت مضاربة جائزة وكذلك لو قال خذها بالنصف فهو جائز استحسانا وفى القياس هذه أفسد من قوله اشتر بها هرويا بالنصف والفرق بينهما على وجه الاستحسان ان هنا لم ينص على شئ من العمل وانما ذكر حرفا يدل على المعاوضة وهو حرف الباء وهو تنصيص على العوض له وانما يستحق العوض باعتبار عمله وعمله الذى يستحق باعتباره عوضا مسمى هو

[ 27 ] البيع والشراء جميعا فكأنه نص عليهما وبهذه تبين ان مراده اشتراط نصف الربح له فأما هناك فنص على العمل الذى أوجب له العوض بمقابلته وهو الشراء فيكون استئجارا باجرة مجهولة وكذلك لو قال خذها على النصف لان حرف على وحرف الباء مستعملان في مثل هذا المحل استعمالا واحدا ويكون دليلا على المعاوضة وكذلك لو قال اعمل بهذه على النصف لانه نص على العمل هنا وانما ينصرف للعمل الذى يحصل به الربح وذلك الشراء والبيع جميعا ولو دفع إليه مضاربة على أن يعطى المضارب رب المال ما شاء من الربح أو على أن يعطى رب المال المضارب ما شاء من الربح فهذه مضاربة فاسدة لجهالة حصة المضارب من الربح في الفصلين فان المشيئة المشروطة لاحدهما لا تكون لا زمة في حق الآخر وله أن يرجع عن ذلك متى شاء وعند رجوعه نتمكن منهما المنازعة باعتبار جهالة نصيب المضارب وكذلك لو اشترط لاحدهما بعينه ما شاء من الربح وللاخر ما بقى فهذه مضاربة فاسدة لجهالة نصيب المضارب سواء كان صاحب الشرط أو صاحب ما بقى ولو اشترطا لرب المال من الربح مائة درهم والباقى للمضارب فهذه مضاربة فاسدة لان هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة في الربح مع حصوله فربما لا يحصل الا قدر المائة وكذلك لو اشترطا للمضارب نصف الربح الا عشرة دراهم أو نصف الربح وزيادة عشرة دراهم فهذه فاسدة لان هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة ولان هذه مخاطرة لا مضاربة فربما يكون الحاصل من الربح دون العشرة فيتعذر مراعاة الشرط عليهما مع حصول الربح ولو دفعها إليه مضاربه على مثل ما شرط فلان لفلان من الربح فان كانا قد علما جميعا ما شرطه فلان لفلان فهو مضاربة لانهما جعلا المشروط لفلان عيارا فإذا كان ذلك معلوما عندهما ضاربا به وان لم يكن معلوما لهما أولم يعلمه أحدهما فهى مضاربة فاسدة لان حصة المضارب من الربح لابد أن تكون معلومة لهما وبما ذكرا في العقد لم يصر ذلك معلوما لهما ففسد العقد لجهالة نصيب المضارب عندهما أو عند أحدهما وقت العقد وإذا دفع الرجل إلى رجل دراهم مضاربة ولا يدرى واحد منهما ما وزنها فهي مضاربة جائزة لان الاعلام بالاشارة إليه أبلغ من الاعلام بالتسمية ورأس المال أمانة في يد المضارب كالوديعة والدراهم تتعين في الامانة وعند الشراء بها يعلم مقدارها بالوزن ويقبل قول المضارب فيه لكونه أمينا فجهالة المقدار عند العقد لا تفضي إلى المنازعة فان اختلفا في مقدار رأس المال عند قسمة الربح فالقول قول المضارب مع يمينه لانه هو القابض والقول في مقدار المقبوض قول القابض

[ 28 ] ذلك من شئ فللمضارب ثلثه ولرب المال ثلثه ولعبد المضارب ثلثه فهو جائز وثلثا الربح للمضارب لان المشروط للعبد الذي دين عليه كالمشروط لمولاه فان كسب العبد مملوك لمولاه فكان هذا بمنزلة اشتراط المضارب ثلثى الربح لنفسه فكذلك لو لم يشترط للعبد المضارب ولكنه شرط لعبد رب المال فقلنا الربح لرب المال لان المشروط لعبده كالمشرط له أو يجعل هذا في حقه كالمسكوت عنه ولو كان اشترط الثلث لعبد المضارب وعليه دين يحيط بكسبه فالثلثان من الربح لرب المال في قول أبى حنيفة رحمه الله لان من أصله أن استغراق كسب العبد بالدين يمنع ملك المولى في كسبه ويكون المولى من كسبه كأجنبي آخر فالمشروط للعبد في هذه الحالة كالمشروط لاجنبي آخر ولو شرط ثلث الربح لاجنبي كان ذلك لرب المال لان الربح لا يستحق الا بعمل أو مال وليس للمشروط له عمل ولا مال في هذا العقد فيلغو ما شرط له ويجعل ذلك كالمسكوت عنه فيكون لرب المال ولا تفسد المضاربة بين المضارب ورب المال وهذا لان الشرط الفاسد ليس من صلب العقد وانما صلب العقد بيان حصة المضارب من الربح بالشرط ولا فساد في ذلك وعقد المضاربة نظير عقد الشركة لا يفسد بالشرط الفاسد إذا لم يكن متمكنا في صلب العقد بخلاف ما إذا شرط للمضارب مائة درهم فالشرط الفاسد هناك فيما هو من صلب العقد ولكن ما نحن فيه نظير ما لو شرط أن تكون الوضيعة عليهما فان هذا الشرط فاسد والوضيعة على المال ولا يفسد العقد لانه ليس من صلب العقد وأما عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فثلثا الربح للمضارب لان عندهما الولي يملك كسب عبده وان كان مستغرقا بالدين فالمشروط لعبد المضارب كالمشروط للمضارب عندهما ولو كان اشترط ثلث الربح لامرأة المضارب أو لابنه أو لمكاتبه كان ذلك الشرط باطلا ولا يفسد به العقد لانه ليس من صلب العقد والمضاربة جائزة وثلثا الربح لرب المال لانه ليس للمرأة والابن في هذا العقد مال ولا عمل فلا يستحق شيأ من الربح ولكن ما شرط له كالمسكوت عنه فيكون لرب المال وكذلك لو كان اشترط الثلث لامرأة رب المال أو ولده أو لاجنبي آخر ولو كان الثلث للمساكين أو للحج أو في الرقاب فهو كذلك لان ما سمي له ثلث الربح ليس من جانبه رأس مال ولا عمل فالشرط له يلغو واشتراطه للمساكين تصدق بما لم يملكه بعد فكان باطلا ويجعل ذلك كالمسكوت عنه فيكون لرب المال لانه لو فسد جميع المضاربة كان جميع الربح لرب المال فكذلك إذا فسد بعض الشرط كان ذلك لرب المال وهذا لان المضارب انما يملك بالشرط

[ 29 ] أمينا كان أو ضمينا والبينة بينة رب المال لاثباته الزيادة ببينة وإذا كان لرجل عند رجل ألف درهم وديعة فأمره أن يعمل بها مضاربة بالنصف فهو جائز لانه أضاف العقد إلى رأس مال هو عين وهو شرط صحة المضاربة ولا فرق في ذلك بين أن يكون في يد رب المال أو في يد المضارب لانه لا بد من تسليمه إلى المضارب عقيب العقد ولم يذكر ما لو كانت الدراهم مغصوبة في يد ذى اليد فقال اعمل بها مضاربه بالنصف وفي اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله قال عند أبى يوسف رحمه الله هذا والوديعة سواء لانه أضاف العقد إلى رأس مال عين وذلك منه رضاء بقبض المضارب واسقاطه لحقه في الضمان فيلحق بالامانة وعلى قول زفر رحمه الله هذا لا يجوز لان شرط صحة المضاربة أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب وهذا الشرط لا يحصل بنفس العقد لان الغاصب لا يصلح قابضا من نفسه للمغصوب منه حتى ينسخ به حكم الغصب ولهذا لو وكل الغاصب بيع المغصوب لا يبرأ عن الضمان حتى يببيعه ويسلمه فإذا لم يوجد الشرط هنا لا تصح المضاربة ولو كان لرجل على رجل ألف درهم دين فأمره أن يعمل بها مضاربة ويشترى بها ما بدا له من المتاع ثم يبيعه بالنصف بهذا فاسد لان شرط صحة المضاربة كون رأس المال عينا ولم يوجد ذلك عند العقد ولا بعده فالمديون لا يكون قابضا للدين من نفسه لصاحبه وصاحب الدين لا يمكن أن يبرئه عن الضمان مع بقائه بدون القبض فإذا لم تصلح المضاربة فما اشتراه المديون فهو له لا شئ لرب المال منه في قول أبى حنيفة رحمه الله ودينه عليه بحاله وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ما اشترى فهو لرب المال والمضارب برئ من دينه وله على رب المال أجر مثله فيما عمل وهو بناء على مسألة كتاب البيوع إذا قال لمديونه اشتر بمالى عليك ثوبا هرويا وقد بيناها ثمة ثم عندهما المضاربة فاسدة فلهذا كان الربح كله لرب المال وللمضارب أجر مثله ولو قال رب المال لرجل آخر اقبض مالي على فلان ثم اعمل به مضاربة بالنصف فهو جائز لانه وكيل رب المال في قبض الدين منه فإذا قبضه كان المقبوض بمنزلة الوديعة في يده فتنعقد المضاربة بينهما برأس مال هو عين في يده وذكر في النوادر أن هذا يكره لانه شرط لنفسه منفعة قبل عقد المضاربة ليس ذلك مما حصل به الربح وهو تقاضي الدين وقبضه فالكراهة لهذا والله أعلم * (باب اشتراط بعض الربح لغيرهما) * (قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في

[ 30 ] بفساد الشرط في البعض لا يزداد الشرط في جانب المضارب فلا يزداد حقه ولو دفع إليه الف درهم مضاربة على أن ثلث الربح للمضارب وثلثه يقضي به دين المضارب الذى للناس عليه أو مالى الذى لفلان عليه فثلث الربح لرب المال والمضاربة جائزة وثلثا الربح للمضارب لان المديون انما يقضى الدين بملك نفسه فما شرط لقضاء الدين الذى على المضارب يكون مشروطا للمضارب ولا يجبر على قضاء الدين منه لان الاختيار إلى المديون في تعيين المحل الذى يقضى به الدين من ماله والذى سبق منه وعد بقضاء الدين من بعض الربح الذى يستحقه والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم ولو دفع رجلان إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن للمضارب ثلث ربح جميع المال وما بقى من الربح فثلثه لاحد صاحبي المال بعينه والثلثان للآخر فعمل المضارب على هذا وربح فثلث جميع الربح للمضارب كما شرط والباقى بين صاحب المال نصفين لاستوائهما في رأس المال وذلك يوجب التسوية بينهما في استحقاق الربح والذى شرط لنفسه ثلثى ما بقى يكون شارطا لنفسه شيأ من ربح مال صاحبه من غير أن يكون له فيه رأس مال أو عمل وهذا الشرط باطل ولكنه ليس في صلب العقد بينهما وبين المضارب فبقي العقد بينهما وبينه صحيحا ولو كان المضارب اشترط ان له ثلث الربح ثلثا ذلك من حصة أحدهما بعينه والثلث من حصة الاخر على أن ما بقى من الربح فهو بين صاحبي المال نصفان فللمضارب ثلث الربح على ما اشترطا ثلثا ذلك من حصة الذى اشترط ذلك والثلث من حصة الاخر وما بقي من الربح فهو بين صاحبي المال على اثني عشر سهما خمسة للذي شرط للمضارب من حصته ثلثى ثلث الربح وسبعة للاخر لانك تحتاج إلى حساب له نصف وثلث ينقسم ثلثه أثلاثا وأقل ذلك ثمانية عشر فقد شرط للمضارب ثلث ذلك ستة أسهم ثلثا ذلك وهو أربعة من نصيب الذى شرط له ثلثى الثلث وثلثه وهو سهمان من نصيب الاخر وذلك جائز لان نصيب كل واحد منهما بمنزلة مال على حدة دفعه إليه مضاربة والمضارب قد يستقصى فيما يشترطه لنفسه بعمله فيما لزيد ويسامح فيما يشترطه لنفسه من مال عمرو فإذا صح هذا الشرط قلنا ربح كل واحد منهما سبعة أسهم فالذي شرط للمضارب أربعة من نصيبه يبقى له خمسة والذى شرط للمضارب سهمين من نصيبه يبقى له سبعة فكان الباقي مقسوما بينهما على مقدار ما بقى من حق كل واحد منهما فيكون على اثنى عشر سهما واشتراط المناصفة بينهما باطل لان من بقى له خمسة اشترط لنفسه سهما من ربح مال صاحبه من غير

[ 31 ] أن يكون له فيه رأس مال أو عمل وذلك باطل ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على أن ثلث الربح للمضارب وثلثه لرب المال وثلثه لمن شاء المضارب فالثلثان من الربح لرب المال والشرط باطل لانه ليس في شرط المشيئة منفعة للمضارب فلا يجعل ذلك القدر كالمشروط فيكون لرب المال بخلاف المشروط في قضاء الدين فعلى المضارب لان فيه منفعة ظاهرة له وهى براءة ذمته فيجعل ذلك كالمشروط للمضارب ولو قالا ثلث الربح لمن شاء رب المال فهو والمسكوت عنه سواء فيكون لرب المال وإذا دفع رجل إلى رجلين ألف در هم مضاربة على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فلاحدهما بعينه نصف الربح وللآخر سدس الربح ولرب المال ثلث الربح فهو جائز على ما اشترطا لان رب المال شرط على كل واحد من المضاربين جزأ معلوما من الربح وفاوت بينهما في الشرط لتفاوتهما في الهداية في التجارة المربحة وذلك صحيح ولو دفع رجلان إلى رجلين الف درهم مضاربة على أن لاحد المضاربين بعينه من الربح الثلث وللآخر السدس وما بقي من صاحبي المال لاحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه فعملا وربحا فنصف الربح للمضاربين على ما اشترطا ثلثاه لاحدهما وللآخر ثلثه لان الاستحقاق لهما بالشرط وهكذا شرط لهما والنصف الآخر بين صاحبي المال نصفين لان استحقاقهما باعتبار رأس المال وقد تفاوتا في ذلك فاشتراط الفضل لاحدهما فيما بقى من غير أن يكون له في نصيب صاحبه مال أو عمل يكون شرطا فاسدا ولو قال للمضاربين نصف الربح بينكما لفلان منه الثلثان من نصيب أحد صاحبي المال ثلثاه ومن نصيب الآخر الثلث ولفلان الآخر منه الثلث ثلثا ذلك من نصيب صاحبي المال وهو الذى أعطى له نصيبه وثلث ذلك من نصيب الآخر والنصف الآخر بين صاحبي المال نصفين فعملا فربحا فنصف الربح بين المضاربين على ما اشترطا والنصف الآخر بين صاحبي المال على تسعة أسهم للذى شرط للمضارب ثلثى النصف من نصيبه من ذلك أربعة أسهم وللآخر خمسة وتخرج المسألة على نحو تخريج المسألة الاولى بأن يجعل الربح على ثمانية عشر نصيب كل واحد منهما تسعة والمشروط لاحد المضاربين ثلثا الربح وهو ستة من تسعة ثلثا ذلك وهو أربعة من نصيب أحدهما وثلثه وهو سهمان من نصيب الآخر والذى شرط له ثلث النصف ثلثه ثلث ذلك وهو سهم ممن أعطى الآخر أربعة وثلثاه وهو سهمان ممن أعطى الآخر سهمين فالذي شرط ثلثى الربح لاحدهما استحق عليه أحد المضاربين من نصيبه أربعة والآخر سهما واحدا فإذا دفعت ذلك من تسعة

[ 32 ] بقى له أربعة أسهم والآخر استحق عليه كل واحد من المضاربين سهمين بقي له خمسة أسهم فيقسم الباقي بينهما على مقدار ما بقى من حق كل واحد منهما فيكون على تسعة لاحدهما خمسة وللآخر أربعة واشتراطهما المناصفة فيما بقي باطل لما قلنا وإذا دفع إلى رجل الف درهم مضاربة على أن يخلطها المضارب بالف من قبله ثم يعمل بهما جميعا على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فللمضارب ثلثاه وللدافع ثلثه فهو جائز على ما اشترطا لان العامل شرط لنفسه ربح مال نفسه وثلث ربح مال صاحبه فكأنه أخذ منه الالف مضاربة بثلث الربح وذلك جائز ولو كان الدافع اشترط لنفسه ثلثى الربح وللعامل ثلثه فالربح بينهما نصفان على قدر مالهما لان الدافع شرط لنفسه جميع ربح ماله فيكون دافعا المال من وجه البضاعة وشرط أيضا لنفسه جزأ من ربح مال العامل وهذا منه طمع في غير مطمع لانه ليس له في مال العامل رأس مال ولا عمل فيبطل هذا الشرط ويكون الربح بينهما على قدر رأس مالهما نصفين ولو دفع إليه الف درهم مضاربة على أن يخلطها بالف من قبله ويعمل بهما جميعا على أن للمضارب ثلثى الربح نصف ذلك من ربح الف صاحبه ونصفه من ربح ألفه خاصة وعلى أن ما بقى من الربح للدافع فهو جائز للمضارب ثلثا الربح على ما اشترطا والثلث لرب المال لما بينا انه شرط الدافع للمضارب جزأ من ربح ماله بعمله فيه وذلك مستقيم ثم يقول في بيان العلة لان سدس الربح صار للدافع من ربح مال المضارب وصار له سدس مثله من ربح ألفه الذى صار للمضارب قال الشيخ الامام الاجل رضى الله عنه وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول هذا التعليل لا يصح فمبادلة ربح لم يوجد بربح لم يوجد كيف يكون صحيحا وانما معنى هذا التعليل أنه ليس في هذا التفصيل فائدة لاحدهما لان بعد خلط المالين لافرق في حق كل واحد منهما بين سدس الربح الذى يكون من ألفه وبين مثله من ألف صاحبه والشرط انما يراعى إذا كان مفيدا لهما أو لاحدهما فما لم يكن مفيدا يكون لغوا ويبقى اشتراط ثلثى الربح للمضارب مطلقا فيكون صحيحا على ما اشترطا ولو دفع إليه ألفى درهم على أن يخلطهما بألف من قبله على أن الربح بينهما نصفان فهذا جائز لان العامل شرط لنفسه ربح ألفه وربع ربح مال الدافع ودفع المال مضاربة بربع الربح صحيح فان كان الدافع شرط لنفسه ثلاثة ارباع الربح وللعامل ربعه فالربح بينهما أثلاثا على قدر مالهما لان الدافع شرط الزيادة على الثلثين لنفسه وطمع في جزء من ربح مال العامل وليس له فيه رأس مال ولا عمل فكان هذا الشرط باطلا والله أعلم

[ 33 ]

  • (باب المضاربة بالعروض) * (قال رحمه الله) ذكر عن إبراهيم والحسن رحمهما الله قالا لا تكون المضاربة بالعروض انما تكون بالدراهم والدنانير وبه نأخذ وقال مالك رحمه الله المضاربة بالعروض صحيحة لان العرض مال متقوم يستريح عليه بالتجارة عادة فيكون كالنقد فيما هو المقصود بالمضاربة وكما يجوز بقاء المضاربة بالعرض يجوز ابتداؤها بالعروض ولكنا نستدل بنهي النبي ﷺ عن ربح مال يضمن والمضاربة بالعروض تؤدى إلى ذلك لانها أمانة في يد المضارب وربما ترتفع قيمتها بعد العقد فإذا باعها حصل الربح واستحق المضارب نصيبه من غير أن يدخل شئ في ضمانه بخلاف النقد فانه يشتري بها وانما يقع الشراء بثمن مضمون في ذمته فما يحصل له يكون ربح ما قد ضمن * توضيحه ان الربح هنا لما كان يحصل بمجرد البيع يصير في المعنى كانه استاجره لبيع هذه العروض باجرة مجهولة وفى النقد الربح لا يحصل الا بالشراء و البيع جميعا فتكون شركة ولان تقدير المضاربة بالعروض كانه قال بع عرضى هذا على أن يكون بعض ثمنه لك ولو قال على ان جميع ثمنه لك لم يجز فكذلك البعض وإذا كان رأس المال نقدا يصير كانه قال اشتر بهذه الالف وبع على أن يكون بعض ثمنه لك ولو قال على أن جميع ثمنه لك صح فكذلك البعض * توضيحه ان الربح في المضاربة لا يظهر الا بعد تحصيل رأس المال ورأس المال إذا كان عرضا فطريق تحصيله وطريق معرفة قيمته الحزر والظن فلا يتيقن بالربح في شئ ليقسم بينهما بخلاف النقود فان كان رأس المال مكيلا أو موزونا من غير النقود فالمضاربة فاسدة أيضا عندنا وقال ابن أبى ليلى رحمه الله هي جائزة لانها من ذوات الامثال فيمكن تحصيل رأس المال بمثل المقبوض ثم قسمة الربح بينهما ولان المكيل والموزون يجوز الشراء بهما ويثبت دينا في الذمة ثمنا فيكون ذلك بمنزلة النقود في أن المضارب انما يستحق الربح بالضمان وحجتنا في ذلك أن المكيل والموزون يتعين في العقد كالعروض وأول التصرف بهما يكون بيعا وقد يحصل بهذا البيع ربح بان يبعيه ثم يرخص سعره بعد ذلك فيظهر ربحه بدون الشراء فيكون هذا استئجار للبيع باجرة مجهولة وذلك باطل كما في العروض فان اشترى وباع فربح أو وضع فالربح لرب المال والوضيعة عليه ولا ضمان على المضارب وله أجر مثله فيما عمل كما هو الحكم في المضاربة الفاسدة وقد بينا حكم المضاربة بالفلوس والنبهرجة والستوقة الزيوف والتبر زاد هنا فقال (ألا ترى) أن رجلا

[ 34 ] لو اشترى عبدا بذهب تبر بعينه أو بفضة تبر بعينها فهلك التبر قبل التسليم بطل البيع فقد أشار في كتاب الصرف إلى أن التبر لا يتعين في الشراء ولا ينتقض العقد بهلاكه وقد بينا هناك وجه الراويتين أن هذا يختلف باختلاف البلدان في رواج التبر نقدا أو عرضا وإذا دفع إلى رجل فلوسا مضاربة بالنصف فلم يشتر شيأ حتى كسدت تلك الفلوس وأحدثت فلوس غيرها فسدت المضاربة لان على قول من يجيز المضاربة بالفلوس انما يجيز باعتبار صفة الثمنية وهى ثمن ما دامت رائجة فإذا كسدت فهى قطاع صفر كسائر الموزونات ولو اقترن كسادها بعقد المضاربة لم تصح المضاربة فكذلك إذا كسدت بعد العقد قبل حصول المقصود به وقد بينا في كتاب الشركة أن الطارئ بعد العقد قبل حصول المقصود به كالمقارن للعقد فهذا مثله فان اشترى بها المضارب بعد ذلك فربح أو وضع فهو لرب المال وللمضارب أجر مثل عمله فيما عمل هو الحكم في المضاربة الفاسدة ولا فرق فيه بين الفساد الطارئ والفساد المقارن (ألا ترى) انه لو اشترى بهذه الفلوس الكاسدة شيأ فضاعت قبل أن ينقدها انتقض البيع فعرفنا أنها بالكساد صارت كالعروض ولو لم تكسد حتى اشترى بها المضارب ثوبا ودفعها وقبض الثوب ثم كسدت فالمضاربة جائزة على حالها لان بالشراء حكم المضاربة تحول إلى الثوب وصار مال المضاربة الثوب دون الفلوس فلا يتغير الحكم بكساد الفلوس بعد ذلك ولكن المقصود قد حصل بالشراء وما يعرض بعد حصول المقصود لا يجعل كالمقترن بالسبب فإذا باع الثوب بدراهم أو عرض فهو على المضاربة فان ربح ربحا وأرادوا القسمة أخذ رب المال قيمة فلوسه يوم كسدت لانه لابد من رد رأس المال إليه ليظهر الربح ورأس المال كان فلوسا رائجة وهى للحال كاسدة فقد تعذر رد مثل رأس المال وهذا التعذر انما يتحقق يوم الكساد فيعتبر قيمتها في ذلك الوقت وفرق بين هذا وببن ما إذا غصب شيأ من ذوات الامثال فانقطع المثل من أيدى الناس ان عند أبى حنيفة رحمه الله تعتبر قيمته يوم الخصومة لان المثل هناك باق في الذمة والقدرة على تسليمه متعذرة أو انه حاصل وانما يتحول الحق إلى القيمة عند الخصومة فتعتبر قيمته يومئذ وهنا الوقت في تحصيل المثل غير منتظر لان ما كسد من الفلوس قد لا يروج بعد ذلك قط ولا يدرى متى يروج فانما يتحول الحق إلى القيمة عند تحقق فوات مثل تلك الفلوس وذلك وقت الكساد فتعتبر قيمته عند ذلك ثم الباقي بينهما ربح على الشرط وإذا دفع إلى رجل شبكة ليصيد بها السمك على ان ما صادتها

[ 35 ] من شئ فهو بينهما فصاد بها سمكا كثيرا فجميع ذلك للذي صاد لقوله ﷺ الصيد لمن أخذ ولان الآخذ هو المكتسب دون الآلة فيكون الكسب له وقد استعمل فيه آلة الغير بشرط العوض لصاحب الآلة وهو مجهول فيكون له أجر مثله على الصياد وكذلك لو دفع إليه دابة يستقي عليها الماء ويبيع عليها أو لينقل عليها الطين ليبيعه أو ما أشبه ذلك بخلاف ما إذا أمره أن يؤاجر الدابة فالغلة هناك لصاحب الدابة وللعامل أجر مثله وقد تقدم بيان هذا في الاجارة انه إذا آجر الدابة فالاجر بمقابلة منافعها والعامل وكيل لصاحبها وإذا استعملها العامل في نقل شئ عليها وبيع ذلك فهو لنفسه ولو دفع إلى حائك غزلا على أن يحوكه سبعة في أربعة ثوبا وسطا على أن الثوب بينهما نصفان فهذا فاسد وهو في معنى قفيز الطحان وقد بينا ما فيه من اختيار بعض المتأخرين رحمهم الله باعتبار العرف في ذلك في بعض البلدان في كتاب الاجارة والثوب لصاحب الغزل وللحائك أجر مثله وإذا دفع إلى رجل أرضا بيضاء على أن يبني فيها كذا كذا بيتا وسمى طولها وعرضها وكذا كذا حجرة على أن ما بنى من ذلك فهو بينهما نصفان وعلى أن أصل الدار بينهما نصفان فبنى فيها كما شرط فهو فاسد لانه أمر بان يجعل أرضه مساكن بآلات نفسه فيكون مشتريا بالآلات وهى مجهولة وقد جعل العوض نصف ما يعمل لنفسه من المساكن وذلك فاسد وقد قررنا في الاجارات أن هذا المعنى في الارض يدفعها إليه ليغرسها أشجارا على أن تكون الارض والشجر بينهما نصفين فهو في البناء كذلك ثم جميع ذلك لرب الارض وعليه للثاني قيمة ما بنى لانه يصير قابضا له بحكم العقد الفاسد فان بناء الغير له بامره كبنائه بنفسه فعليه ضمان القيمة لما تعذر رد العين باعتبار انه صار وصفا من أوصاف ملكه وللعامل أجر مثله فيما عمل لانه أقام العمل له وقد ابتغى من عمله عوضا فإذا لم ينل ذلك استوجب أجر المثل ولو دفع إليه أرضا على أن يبنى فيها دسكرة ويؤاجرها على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان فبناها كما أمره فاجرها فأصاب مالا فجميع ما أصاب من ذلك فهو للبانى والبناء له لان صاحب الارض هنا شرط البناء لنفسه فيكون الثاني عاملا لنفسه في البناء وإذا كان البناء ملكا له فعليه البناء أيضا وانما يستأجر البيوت للسكنى وذلك باعتبار البناء ولهذا لو انهدم جميع البناء لم يكن على المؤاجر للمستأجر أجر بعد ذلك فلهذا كان الاجر كله لصاحب البناء ولرب الارض أجر مثل أرضه على البانى لانه أجر الارض بنصف ما يحصل من غلة البناء وهى مجهولة وقد استوفى منفعة الارض

[ 36 ] بهذا العقد الفاسد فيلزمه أجر مثلها وينقل الثاني بناءه عن أرض رب الارض لان الارض باقيه على ملك صاحبها فعلى الثاني أن يفرغها ويردها على صاحبها لفساد عقد الاجارة بينهما في الارض ولو كان اشترط مع ذلك أن الارض والبناء بينهما نصفان كان ذلك كله مع ما أجرها به لرب الارض لانه صار مشتريا لما بنى به هنا بنصف الارض أو أمره بان يجعل أرضه دسكرة بآلات نفسه على أن له بعض ما يحصل بعمله وذلك فاسد ولكنه صار قابضا مستهلكا بشراء فاسد فعليه قيمته يوم بني البانى وأجر مثله فيما عمل وأجر مثله فيما أجر من الدسكرة لانه في كل ذلك عامل لصاحب الارض باجرة مجهولة بخلاف الاول فهناك صاحب الارض ما شرط لنفسه شيئا من البناء فيكون الثاني عاملا لنفسه وهنا اضاف البناء إلى نفسه حين شرط لنفسه نصف البناء وجعل النصف الآخر اجرة للبانى فلهذا كان البناء كله لصاحب الارض هنا وإذا دفع إلى رجل بيتا على أن يبيع فيه البر على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان فقبض البيت فباع فيه وأصاب مالا فالمال كله لصاحب البر لانه ثمن ملكه وهو في البيع كان عاملا لنفسه ولرب البيت أجر مثل بيته لانه اجر البيت باجرة مجهولة ولو كان رب البيت دفع إليه البيت ليؤجره ليباع فيه البر على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان فهذا فاسد فان أجر البيت فالاجر لرب البيت لان الاجر عوض منفعة البيت هنا والعامل كالوكيل لصاحب البيت في اجارته ولكنه ابتغى عن عمله له عوضا لم يسلم له فيستوجب اجر مثله فيما عمل وإذا قال خذ هذا العبد مضاربة وقيمته الف درهم على أن رأس مالي قيمته على أن يبيعه ويشتري بثمنه ويبيع فما رزق الله تعالى في ذلك من شئ أخذت منه رأس ما لي قيمة الغلام وما بقى فهو بينهما نصفان فهذه مضاربة فاسدة لان رأس المال فيها العبد وهو متعين كسائر العروض ولا يمكن أن يجعل قيمة رأس المال لان القيمة تختلف باختلاف المقومين ولا يمكن تحصيلها يقينا ليظهر الربح بعدها وإذا فسد العقد فجميع ذلك ما باع واشترى لرب العبد وللمضارب اجر مثله ولو قال بع عبدي هذا واقبض ثمنه واعمل فيه مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في ثمنه من شئ فهو بيننا نصفان فهو جائز على ما اشترطا لانه وكله ببيع العبد أولا فكان بيع الوكيل له كبيعه لنفسه ثم عقد المضاربة على الثمن المقبوض من دراهم أو دنانير وهو أمانة في يد الوكيل فقد وجد شرط صحة المضاربة وأكثر ما فيه أنه أضاف عقد المضاربة إلى ما بعد البيع وقبض الثمن وذلك

[ 37 ] لا يفسد المضاربة غير أنى أكره أن يقول بعه وخذ الثمن مضاربة على أن الربح بيننا نصفان لان بيع العبد ليس من المضاربة وقد صار كأنه شرط فيها فلهذا كره فان شبهة الشئ كحقيقته في وجوب التحرز عنه قال ﷺ من اتقى الشبهات سلم له دينه ولو شرط على المضارب في المضاربة منفعة له سوى ما يحصل به الربح كان ذلك الشرط فاسدا فكذلك شرط بيع العبد لما صار في معنى ذلك ولكنه ينبغى أن يأمره بييعه ولا يذكر المضاربة فإذا قبض الثمن أمره ان يعمل به مضاربة وكذلك هنا الحكم في جميع العروض من المكيلات والموزونات ولو باع المضارب العبد بعشرة اكرار حنطة وعمل بها فهذا في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله مضاربة فاسدة لانه وكيل بالبيع مطلقا ومن أصل أبى حنيفة ان الوكيل بالبيع يملك البيع بالمكيل والموزون فلا يصير هو ضامنا ولكنه يصير كانه دفع إليه الحنطة مضاربة فتكون المضاربة فاسدة وجميع ما ربح لرب المال وللمضارب أجر مثله فيما عمل بالثمن لانه في بيع العبد معين وانما يصير أجيرا باعتبار المضاربة وأوان ذلك بعد قبض الثمن وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله المضارب ضامن لقيمة العبد وجميع ما ربح له لان عندهما الوكيل بالبيع لا يملك البيع الا بانقود فإذا باع بالحنطة كان مخالفا ضامنا لقيمة العبد كالغاصب فإذا ضمن القيمة بعد البيع من جهته والحنطة التى قبضها له بمقابلة العبد فانما ربح على مال نفسه ولا يتصدق بالفضل لانه ربح ما قد ضمن فان قيل عند أبى حنيفة ينبغى أن يكون الجواب كذلك لانه قال اعمل بثمنه مضاربة فبهذا اللفظ ينبغى أن تنفد الوكالة بالبيع بما يصلح أن يكون رأس المال في المضاربة وهو النقد قلنا لا كذلك فكون المضاربة بالعروض والمكيل فاسدة من الدقائق قد خفى ذلك على بعض العلماء فلعله خفى ذلك على صاحب المال أيضا أو كان ممن يعتقد جواز المضاربة بها فمطلق الوكالة لا يتقيد بمثل هذا الكلام المحتمل ولو باعه بمائة درهم وقيمته ألف درهم وعمل بها فهى مضاربة جائزة في المائة عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما المضارب ضامن قيمة العبد لرب المال بناء على اختلافهم في الوكيل بالبيع مطلقا يبيع بالغبن الفاحش وإذا كان للرجل دراهم ودنانير واكرار حنطة ودقيق فقال خذ أي أصناف مالى شئت واعمل به مضاربة بالنصف فأخذ المضارب أحد الاصناف فعمل به فان كان أخذ الدنانير والدراهم فعمل بهما فهو جائز على الشرط وان أخذ غيرهما فهو فاسد فإذا اشترى وباع فهو لرب المال وعليه وضيعته وللمضارب أجر مثله لان تعيين

[ 38 ] الضارب صنفا بامر من رب المال كتعيين رب المال ذلك بنفسه فان كان المعين من النقود انعقد العقد صحيحا والا فالمضاربة فاسدة ولو قال خذ أي مالى شئت فبعه ثم اعمل بثمنه مضاربة فأخذ عبدا فباعه بدراهم أو دنانير ثم عمل به مضاربة فهو جائز كما لو كان رب المال دفع العبد إليه وأمره بذلك ولو قال اشتر لي عبدا بألف درهم نسيئة سنة ثم بعه واعمل بثمنه مضاربة فاشترى به كما أمره وقبضه ثم باعه بدراهم أو دنانير ثم عمل بالثمن فهذه مضاربة جائزة لانه في شراء العبد وبيعه وكيل للآمر معين فكان الآمر فعل ذلك بنفسه ثم انما عقد المضاربة بعد قبض الثمن على المقبوض وهو تعد فكانت المضاربة جائزة ورأس المال ثمن العبد الذى باعه به المضارب فأما الثمن الذى اشترى به المضارب فليس من المضاربة بل هو دين له على رب المال كما هو الحكم في الوكالة أن البائع يستوجب الثمن على الوكيل والوكيل على الموكل والله أعلم * (باب ما يجوز للمضارب في المضاربة) * قال رحمه الله وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة ولم يقل اعمل فيه برأيك فله أن يشترى به ما بداله من أصناف التجارة ويبيع لانه نائب عن صاحب المال في التجارة فان قصده بالدفع إليه تحصيل الربح وذلك بطريق التجارة فكذلك ما هو من صنع التجار يملكه المضارب بمطلق العقد ويبيع بالنقد والنسيئة عندنا وقال ابن ابى ليلي رحمه الله ليس له أن يبيعه بالنسيئة لان ذلك تصرف يوجب قصر يده عن مال المضاربة والتصرف فيه فيكون ضدا لما هو مقصود رب المال بمنزلة الاقراض (ألا ترى) أن البيع بالنسيئة من المريض يعتبر من الثلث فعرفنا أنه بمنزلة التبرع ولكنا نقول البيع بالنسيئة من صنع التجار وهو أقرب إلى تحصيل مقصود رب المال وهو الربح فالربح في الغالب انما يحصل بالبيع بالنسيئة دون البيع بالنقد ولان تسليط المضارب على المال ليس بمقصود رب المال انما مقصوده تحصيل الربح بطريق التجارة وذلك حاصل والدليل على أن البيع بالنسيئة تجارة مطلقة قوله تعالى إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فهذا يبين أن التجارة قد تكون غائبة وليس ذلك إلا بالبيع بالنسيئة وله أن يبضعه لان الابضاع من عادة التجار ويحتاج المضارب إليه لتحصيل الربح فالتجارة نوعان حاضرة في بلده وغائبة في بلدة أخرى ولا يتمكن من مباشرتهما بنفسه ولو لم يجز له الابضاع والتوكيل والايداع لفاته أحد نوعي التجارة لاشتغاله بالنوع الآخر وله أن يستأجر معه الاجراء

[ 39 ] يشترون ويبيعون ويستأجر البيوت والدواب للامتعة التي يشتريها لان ذلك من صنع التجار فالمضارب لا يستغنى عن ذلك في تحصيل الربح وللمنافع حكم المال عند العقد والاجارة والا ستئجار تجارة من حيث انه مبادلة مال بمال وله أن يسافر به وروى أصحاب الاملاء عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهم الله انه ليس له أن يسافر به ما لم يأذن له فيه صاحب المال لان فيه تعريض المال للهلاك وجه ظاهر الرواية ان اشتقاق المضاربة من الضرب في الارض وانما يتحقق ذلك بالمسافرة ولان مقصوده تحصيل الربح وانما يحصل ذلك في العادة بالسفر بالمال فيملكه بمطلق عقد المضاربة وقد بينا في الوديعة ان المودع له أن يسافر بمال الوديعة ففى المضارب أولى وروى عن أبى يوسف رحمه الله انه قال ان دفع المال في مصر وهو من أهل ذلك المصر فليس له أن يسافر به وان دفع المال إليه في غير مصر فله أن يسافر به لان العام الغالب أن الانسان يرجع إلى وطنه ولا يستديم الغربة مع امكان الرجوع فلما أعطاه مع علمه انه غريب في هذا الموضع كان ذلك منه دليل الرضا بالمسافرة بالمال عند رجوعه إلى وطنه وذلك لا يوجد فيما إذا دفع المال إليه وهو مقيم في مصره ولكن هذا التفصيل فيما له حمل ومؤنة بناء على ماروينا عن أبى يوسف رحمه الله في المودع انه لا يسافر بالوديعة إذا كان لها حمل ومؤنة وليس له أن يقرضه لان الاقراض تبرع قال النبي ﷺ قرض مرتين صدقة مرة ولانه ليس في الاقراض تحصيل شئ من مقصود رب المال لان المقبوض بحكم القرض مضمون بمثله لا يتصور فيه زيادة شرط ولا غيره وليس له أن يخلطه بماله لان في الخلط بماله أو بمال غيره ايجاب الشركة في المال المدفوع إليه على وجه لم يرض به رب المال وكذلك لا يدفعه مضاربة لان بالدفع مضاربة سوى غيره بنفسه في حق الغير وهو لا يملك ذلك (ألا ترى) أن الوكيل بالبيع مطلقا لا يوكل به غيره ولانه موجب لغيره شركة في الربح ورب المال لم يرض بالشركة لغيره في ربح ماله ولايشارك به أيضا لان الشركة بمنزلة الدفع مضاربة بل أقوى منه فان قيل أليس ان المضارب بأذن لعبد من مال المضاربة في التجارة ويصح ذلك منه واطلاق التصرف بالاذن في التجارة بمنزلة الدفع مضاربة أو فوقه قلنا قد روى ابن رستم عن محمد رحمهما الله أنه لا يملك الاذن في التجارة بمنزلة الدفع مضاربة والفرق بينهما على ظاهر الرواية ان المأذون لا يصير شريكا في الربح فيكون الاذن في التجارة نظير الابضاع لا نظير الدفع مضاربة والشركة به فان كان قال له اعمل فيه برأيك فله أن يعمل

[ 40 ] جميع ذلك الا القرض لانه فوض الامر في هذا المال إلى رأيه على العموم وقد علمنا ان مراده التعميم فيما هو من صنع التجار عادة فيملك به المضاربة والشركة والخلط بماله لان ذلك من صنع التجار كما يملك الوكيل توكيل غيره بما وكل به إذا قيل له اعمل فيه برأيك ولا يملك القرض لانه تبرع ليس من صنع التجار عادة فلا يملكه بهذا اللفظ كالهبة والصدقة وإذا دفعه إليه مضاربة على أن يعمل به في الكوفة ليس له أن يعمل به في غيرها لان كلمة على للشرط والشرط في العقد متى كان مفيدا يجب اعتباره وهذا شرط مفيد لصاحب المال ليكون ماله محفوظا في المصر يتمكن منه متى شاء فيتقيد الامر بما قيده به وليتبين له أن يعطيه بضاعة ممن يخرج به لانه انما يستعين في هذا المال في غير الكوفة فلا يملك أن يتسعين بغيره أيضا ويقاس التوقيت من حيث المكان بالتوقيت من حيث الزمان فان أخرجه من الكوفة فلم يشتر به شيأ حتى رده إليها فهو ضامن على حاله يتصرف فيها لان خلافه لا يتحقق باخراج المال ما لم يعمل خارجا من الكوفة فانه قيد الامر بالعمل بالمكان وانما يمتنع عليه اخراج المال من الكوفة على قصد التصرف لكيلا يكون مخالفا لما شرط عليه صاحبه فعرفنا ان بالاخراج لا يتحقق خلافه ولو تحقق فهو أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق فيكون أمينا كما كان وان اشترى ببعضه في غير الكوفة واشترى بما بقى منه في الكوفة فهو مخالف فيما اشتراه بغير الكوفة ضامن لذلك القدر من المال فله ربحه وعليه وضيعته لتحقق الخلاف منه في ذلك القدر وفيما بقى من المال فهو متصرف على المضاربة لانه ليس من ضرورة صيرورته مخالفا ضامنا لبعض المال انتفاء حكم المضاربة فيما بقى ما لم يتقرر فيه الخلاف والبعض معتبر بالكل ولو دفعه إليه مضاربة على أن يعمل به في سوق الكوفة فعمل به في الكوفة في غير ذلك المكان ففى القياس هو مخالف ضامن لانه خالف شرطا نص عليه الدافع وفي الاستحسان ينفذ تصرفه على المضاربة ولا يكون ضامنا لان الشرط إذا لم يكن مفيدا لا يكون معتبرا ولا فائدة في تقييد تصرفه بالسوق لان مقصوده سعر الكوفة لا عين السوق ففى أي موضع من الكوفة تصرف كان تصرفه واقعا على ما شرطه الدافع أرأيت لو أمره أن يعمل بها في الصيارفة فعمل بها في سوق آخر أو أمره أن يعمل في بيت فلان فعمل في غير ذلك المكان كان ضامنا ولا يكون ضامنا في شئ من ذلك بسبب اتحاد المصر ولو دفعه إليه على أن يعمل به في سوق الكوفة وقال له لاتعمل به الا في السوق فعمل به في غير السوق فهو مخالف ضامن لانه

[ 41 ] منعه من التصرف بقوله لا تعمل به واستثنى تصرفا مخصوصا وهو ما يكون في السوق فما يكون على الوجه المستثنى ينفذ منه ومالا فلا بخلاف الاول فهناك ما حجر عليه عن التصرف انما أمره بالتصرف وقيد الامر بشرط غير مفيد فلا يعتبر تقييده وينفذ تصرفه باعتبار صحة الامر ولو قال خذه مضاربة تعمل به في الكوفة أو قال فاعمل به في الكوفة فعمل به في غير الكوفة فهو ضامن لان قوله تعمل به تفسير لقوله خذه مضاربة والكلام المبهم إذا تعقبه تفسير فالحكم لذلك التفسير وقوله فاعمل به في معنى التفسير أيضا لان الفاء للوصل والتعقيب والذى يتصل بالكلام المبهم ويتعقبه تفسير وكذلك لو قال خذ مضاربة بالنصف بالكوفة لان الباء للالصاق فذلك يقتضى أن يكون موجب كلامه ملصقا بالكوفة وموجب كلامه العمل بالمال وانما يتحقق الصاقه بالكوفة إذا عمل بها وكذلك لو قال خذه مضاربة بالنصف في الكوفة لان حرف في للظرف والمكان انما يكون ظرفا للعمل إذا كان حاصلا فيه فهذا كله اشتراط العمل في الكوفة وقد بينا ان هذا شرط مفيد ولو قال خذه مضاربة بالنصف واعمل به في الكوفة فله أن يعمل به حيث شاء لان الواو للعطف والشئ لا يعطف على نفسه وانما يعطف على غيره وقد تكون الواو للابتداء خصوصا بعد الجملة الكاملة وقوله خذه مضاربة بالنصف جملة تامة وقوله واعمل عطف أو ابتداء فيكون مشورة أشار به عليه لا شرطا في الاول فان قيل لماذا لم يجعل بمعنى الحال كما في قوله أد إلى الفا وأنت حر قلنا لانه غير صالح للحال هنا فحال العمل لا يكون وقت الاخذ وانما يكون العمل بعد الاخذ مع أن الواو تستعار للحال مجازا وانما يصار إليه للحاجة إلى تصحيح الكلام والكلام صحيح هنا باعتبار الحقيقة فلا حاجة إلى حمل حرف الواو على المجاز ولو قال خذه مضاربة على أن تشترى به الطعام أو قال فاشتر به الطعام أو قال تشترى به الطعام أو قال خذه مضاربة بالنصف في الطعام فهذا كله بمعنى الشرط كما في الاول وهو شرط مفيد وقد يكون المرء مهتديا إلى التصرف في الطعام دون غيره فيعتبر التقييد ثم يصرف لفظ الطعام في هذا الموضوع إلى الحنطة والدقيق خاصة ليس له أن يشتري به غيرهما لانه ذكر لفظ الطعام عند ذكر الشراء وذلك ينصرف إلى الحنطة والدقيق خاصة باعتبار عرف الناس فان بائع الطعام في عرف الناس من يبيع الحنطة ودقيقها وسوق الطعام الموضع الذى يباع فيه الحنطة ودقيقها وقد قررنا هذا في الاقرار والايمان وله أن يستأجر ببعضه شيأ يجوز فيه الطعام أو يبيعه فيه أو سفينة ليحمل

[ 42 ] فيها الطعام من مصر إلى مصر أو دواب لان هذا كله من صنع التجار في الطعام ولا يجد منه بدا فلما أمره صاحب المال بذلك مع علمه انه لا يجد بدا من ذلك فقد صار اذنا له بجميع ذلك وكذلك كل صنف سماه فهو عليه خاصة لانه تقييد مفيد فان اشترى غيره فهو ضامن للخلاف وكذلك لو قال خذه مضاربة في الرقيق فليس له أن يشترى به غير الرقيق لما بينا أن حرف في للظرف ولا يتحقق ذلك الا من حيث العمل في الرقيق وله أن يشترى ببعضه كسوة للرقيق وطعاما لهم ومالا بدلهم منه ويستأجر ما يحملهم عليه لان التاجر في الرقيق يحتاج إلى هذا كله عادة فيكون هذا من توابع التجارة في الرقيق وبمباشرة البيع لا يصير مخالفا ولو قال خذه مضاربة بالنصف واشتر به البر وبع فله أن يشترى به ما بداله من البر وغيره لان قوله واشتر به البر مشورة وليس بشرط وكذلك لو قال واشتر به من فلان أو قال وانظر فلانا وعامله فيه واشتريه البر وبع لان هذا مشورة لاشرط فيبقى الامر الاول بعده على اطلاقه ولو دفع إليه مضاربة على أن يشترى من فلان ويبيع منه فليس له أن يشترى من غيره ولا أن يبيع من غيره لان هذا تقييد بشرط مفيد والناس يتفاوتون في المعاملة في الاستقضاء والمساهلة ويتفاوتون في ملاءة الذمة وقضاء الديون ولو دفعه إليه مضاربة على أن يشترى به من أهل الكوفة ويبيع فاشترى وباع بالكوفة من رجل ليس من أهل الكوفة فهو جائز لان مقصوده هنا تقييد العمل بالكوفة لاتعيين من يعامله وتقييد ذلك بأهل الكوفة لان طريق جميع أهل الكوفة في المعاملة وقضاء الديون لا يتفق فعرفنا أن مراده تقييد التصرف بالكوفة وقد وجد ذلك سواء تصرف بالكوفة مع أهل الكوفة أو مع الغرباء بها وكذلك لو دفعه إليه مضاربة في الصرف على أن يشترى من الصيارفة ويببع كان له أن يشترى من غير الصيارفة وما بداله من الصرف لانه لما لم يعين شخصا لمعاملته عرفنا أنه ليس مراده الا التقييد بالمكان وإذا دفع الرجل مالا مضاربة بالنصف فاشترى به حنطة فقال رب المال دفعته اليك مضاربة في البر وقال المضارب دفعته إلى مضاربة ولم يقل شيأ فالقول قول المضارب مع يمينه عندنا وقال زفر رحمه الله القول قول رب المال ولو قال المضارب أمرتني بالبر وقد خالفت فالربح لي قال رب المال لم أسم شيأ فالقول قول رب المال والربح بينهما على الشرط بالاتفاق فزفر رحمه الله يقول الاذن يستفاد من جهة رب المال و لو أنكر الاذن أصلا كان القول قوله فكذلك إذا أقربه بصفة دون صفة وقد تقدم نظيره في

[ 43 ] الاجارات إذا قال الحائك أمرتني بستة في أربعة وقال رب الغزل أمرتك بسبعة في خمسة ان القول قول رب الغزل وكذلك المعير مع المستعير إذا اختلفا في صفة الاعارة كان القول فيه قول المعير والوكيل مع الموكل إذا اختلفا كان القول قول الموكل فهذا مثله * وحجتنا في ذلك أن مطلق المضاربة يقتضى العموم لان المقصود تحصيل الربح وتمام ذلك باعتبار العموم في التفويض للتصرف إليه والدليل عليه انه لو قال خذ هذا المال مضاربة بالنصف يصح ويملك به جميع التجارات فلو لم يكن مقتضى مطلق العقد العموم لم يصح العقد الا بالتنصيص على ما يوجب التخصيص كالوكالة وإذا ثبت ان مقتضى مطلق العقد العموم فالمدعى لا طلاق العقد متمسك بما هو الاصل والآخر يدعي تخصيصا زائدا فيكون القول قول من يتمسك بالاصل كما في البيع إذا ادعى أحدهما شرطا زائدا من خيار أو من أجل وبه يتضح الفرق بين هذا وبين ما استشهد زفر رحمه الله مع أنه لا فرق فان هنا كل واحد منهما يدعى التخصيص بشئ آخر وفي المضاربة لو ادعى أحدهما التقييد بالبر والاخر بالحنطة كان القول فيه قول رب المال أيضا لانهما اتفقا على تغيير مطلق العقد فبعد ذلك القول قول رب المال باعتبار أن الاذن يستفاد من جهته فأما هنا فأحدهما متمسك بما هو مقتضى العقد فيترجح قوله لذلك فان أقام كل واحد منهما البينة على ما ادعى من تجارة خاصة أخذ ببينته لانه أثبت بالبينة ما يعين مقتضى العقد وهو محتاج إلى اثبات ذلك ولو دفع إليه مالا مضاربة بالنصف ولم يقل شيأ ثم قال له رب المال بعد ذلك لا تعمل بالمال الا في الحنطة فليس له أن يعمل به الا في الحنطة لان تقييده الامر بعد الدفع مضاربة لتقييده بذلك عند الدفع وهذا لان رأس المال مادام في يد المضارب نقدا فرب المال يملك نهيه عن التصرف فيملك تقييد الامر بنوع دون نوع لان من يتمكن من دفع شى أصلا يتمكن من تغيير وصفه بطريق الاولى وبعد ما صار المال عروضا لو قال لا تعمل به الا في الحنطة لا يعتبر تقييده هذا ما لم يصر المال في يده نقدا لانه لا يملك نهيه عن التصرف بعد ما صار المال عروضا ولو نهاه لا يعمل نهيه ما لم يصر المال في يده نقدا فكذلك لا يملك تغيير صفة الامر بالتقيبد وان كان اشترى ببعض المال ثيابا ثم أمره بان لا يعمل في المال الا في الحنطة فليس له أن يشتري بما بقي في يده من المال الا في الحنطة اعتبارا للبعض بالكل وأما الثياب فله أن يبيعها بما بداله لانه إذا رجع إليه رأس المال الذى كان نقد في الثياب فليس له أن يشترى به الا الحنطة وذلك التقييد بعمل الآن اعتبارا

[ 44 ] للبعض بالكل ولو دفع إلى رجلين مالا مضاربة وأمرهما بان يعملا في ذلك برأيهما فليس لواحد منهما أن يشترى ويبيع الا بامر صاحبه لانه رضى وفوض الامر في العمل إلى رأيهما ورأى الواحد لا يكون كرأي المثنى فباعتبار هذه الزيادة لا ينفذ تصرف أحدهما وحده وفي الوكيلين الجواب كذلك ولو دفع إليه المال مضاربة بالنصف ولم يقل شيأ ثم قال بعد ذلك اشتر به البر وبع فله أن يشتري به غيره وليس هذا بنهي انما هو مشورة كما لو قال عند الدفع خذه مضاربة بالنصف واشتر به البر وان قال رب المال دفعته اليك مضاربة في الطعام خاصة وقال المضارب في البر خاصة فالقول قول رب المال لا تفاقهما على تعيين مقتضي مطلق العقد بالتقييد وان أقام المضارب البينة أن رب المال دفع إليه المال وأمره أن يشتري ما بداله واقام رب المال البينة أنه نهاه أن يشترى به شيأ غير الطعام وقد وقتت البينتان فانه يؤخذ ببينة الوقت الاخير لانه لا تنافى بينهما فيجعل كان البينتين صدقتا والقول الآخر ينقض الاول لان النهى بعد الاذن صحيح والاذن بعد النهى عامل وان لم توقت البينتان وقتا أو وقتت احداهما دون الاخرى فالبينة بينة رب المال لانه هو المحتاج إليها فان القول قول المضارب لدعواه الاطلاق ولان في بينة رب المال زيادة اثبات التقييد ولو كان ادعى كل واحد منهما شيأ خاصاو أقام البينة فان وقتت البينتان أخذ بالوقت الاخير لما بينا أن الثاني ينقض الاول وان وقتت احداهما أو لم توقتا فالبينة بينة المضارب لانه هو المحتاج إلى اثبات ما ادعاه بالبنية فان القول قول رب المال في هذا الفصل ولو دفعه إليه مضاربة على أن يشترى بالنقد ويبيع فليس له أن يشترى الا بالنقد لان هذا تقييد مفيد في حق رب المال وهو أن يكون متمكنا من ماله مستردا فان قال المضارب أمرتني بالنقد والنسيئة وقال رب المال أمرتك بالنقد فالقول قول المضارب مع يمينه عندنا لانه يدعى ما هو مقتضى مطلق العقد والبينة بينة رب المال لانه هو المحتاج إلى اثبات المعين بالبينة ولو أمره أن يبيع بالنسيئة ولا يبيع بالنقد فباع بالنقد فهو جائز لان هذا خير لصاحب المال والخلاف إلى خير في جنس ما أمر به لا يكون خلافا في المضاربة كما لو أمره بان يبيعه بالف درهم ولا يبيعه باكثر من ألف فباعه بالفين لا يصير مخالفا وهذا لانه باشر ما به يحصل مقصود الآمر وزيادة خير فكذلك إذا أمره بالبيع نسئية فباعه بالنقد قالوا وهذا إذا باعه بالنقد بمثل قيمته أو أكثر أو بمثل ما سمي له من الثمن فان كان بدون ذلك فهو مخالف لانه ليس فيه تحصيل مقصود الآمر في القدر

[ 45 ] فالشئ يشتري بالنسيئة باكثر مما يشترى به بالنقد وإذا دفعه إليه مضاربة على أن يشترى به الطعام خاصة فله أن يستأجر لنفسه دابة إذا خرج للطعام خاصة كما يستأجر للطعام لانه لا يجد يدا من ذلك فهو من توابع تجارته في الطعام وله أن يشترى دابة يركبها إذا سافر كما يشترى التجار لان ركوبه إذا سافر في مال المضاربة كنفقته على ما نبينه في بابه ان شاء الله عزوجل وربما يكون شراء الدابة أوفق من استئجاره وذلك من صنع التجار عادة وله أن يشترى أيضا حمولة يحمل عليها الطعام فان ذلك من صنع التجار عادة إذا لم يوجد الكراء أو يكون الشراء أوفق في ذلك من الكراء فان اشترى سفينة يحمل عليها الطعام فان ذلك لا يجوز على رب المال لان هذا ليس من صنع التجار عادة ولا يعد شراء السفينة من توابع التجارة في الطعام فان كان في بلد يشترى للطعام الحمولة فيحمل عليها فاشترى شيأ من الحمولة فهو جائز استحسانا في القياس شراء الحمولة ليس من التصرف في الطعام ولكنه استحسن فقال ما يصنعه التجار عادة إذا خرجوا في حمولة الطعام فذلك يملكه المضارب بتفويض التصرف إليه في هذا المال في الطعام وما ليس من صنع التجار عادة كشراء السفينة يؤخذ باصل القياس فيه ويكون مشتريا ذلك لنفسه فان نقد ثمنها من المضاربة فهو ضامن لما نقد لانه قضى بمال المضاربة دين نفسه ولو كان رب المال دفع المال إليه مضاربة بالنصف ولم يسم فاشترى بها طعاما وسفينة يحمل عليها الطعام أو اشترى دواب جاز ذلك على المضاربة لانه يملك التجارة في المدفوع إليه هنا مطلقا وجميع ما اشترى من عقود التجارة وإذا اختلفا بعد ما اشترى بها في غير المصر فقال أحدهما كانت المضاربة على أن يكون الشراء والبيع في المصر خاصة وقال الآخر لم يسم شيأ فالقول قول الذى لم يسم شيأ لتمسكه بمطلق العقد في مقتضاه والبينة بينة الآخر لانه هو المدعى المحتاج إلى اثبات ما يدعيه بالبينة وإذا دفع إلى رجلين ألف درهم مضاربة ليس لواحد منهما أن يتصرف في المال الا باذن صاحبه فهو جائز وقد زعم بعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله أن ذلك لا يجوز لان صاحب المال ما رضى برأى أحدهما فليس للمضارب أن يرضى بما لم يرض رب المال به وما ذكره في الكتاب أصح لان الذى أذن لصاحبه في التصرف يكون كالموكل وللمضارب أن يوكل ولو وكل انسانا واحدا بالتصرف نفذ تصرف الوكيل بيعا وشراء فكذلك إذا وكل أحدهما صاحبه وان أبضع أحدهما بعض المال بغير أمر صاحبه فاشترى المستبضع وباع وربح أو وضع فربح ذلك للمضارب الذى أبضع ووضيعته عليه لان

[ 46 ] ابضاعه صحيح في حق نفسه غير صحيح في حق صاحبه ولا في حق رب المال فيجعل تصرف المستبضع له كتصرفه بنفسه ولرب المال أن يضمن ان شاء المستبضع ويرجع به المستبضع على الآمر وان شاء ضمن المضارب الآمر لان كل واحد منهما في حقه غاصب فان ضمنه لم يرجع على المستتبضع بشئ لانه ملك المال بالضمان فانما أبضع ملك نفسه ولان المستبضع عامل له لو لحقه ضمان رجع به عليه ورجوع الآمر عليه بالضمان لا يفيده شيأ فان أذن كل واحد من المضاربين لصاحبه في أن يبضع ما شاء من المال فابضع أحدهما رجلا وابضع الآخر رجلا فذلك جائز عليهما وعلى رب المال لان فعل كل واحد منهما باذن صاحبه بمنزلة فعلهما جميعا وان باع المضاربان عبدا من رجل فلكل واحد منهما أن يقبض نصف الثمن من المشترى وان لم يأذن له شريكه في ذلك لان كل واحد منهما بائع للنصف وحق قبض الثمن إلى العاقد والعاقد في ذلك لغيره كالعاقد لنفسه ولا يقبض أكثر من نصف الثمن الا باذن شريكه فان أذن له شريكه في ذلك فهو جائز كما لو وكل به غيره لان حق قبض النصف الآخر للشريك ولو قال لهما حين دفع المال اليهما مضاربة لا تبضعا المال فابضعاه فهما ضامنان له لان هذا نهى مفيد فيكون عاملا مع العقد وبعده وان ابضعاه رب المال فهو جائز على المضاربة لان قبول رب المال البضاعة منهما والشراء لهما به فسخ منه لذلك النهى فيكون بمنزلة مالو أذن لهما في الابضاع أو كان العقد مطلقا وفي ذلك لا فرق بين أن يبضعا رب المال أو غيره وإذا ابضع المضارب في المضاربة الفاسدة فهو جائز على رب المال لان الفاسد يعتبر بالجائز في الحكم فانه لا يمكن تعرف معرفة الحكم الفاسد الا باعتباره بالجائز فكما لا يصير مخالفا به في المضاربة الجائزة فكذلك لا يصير مخالفا في المضاربة الفاسدة وللمضارب أجر المثل فيما عمل المستبضع لان عمل المستبضع له بأمره كعمله بنفسه وقد بينا ان له في المضاربة الفاسدة أجر مثله فيما عمل وكذلك لو كان قال له اعمل فيه برأيك فانه ينفذ منه بعد هذا ما ينفذ في المضاربة الصحيحة فلا يصير به ضامنا ولو دفع إلى رجلين الف درهم مضاربة على أن لا حدهما ثلث الربح وللآخر مائة در هم فثلث الربح للمضارب الذى شرط له ثلث الربح وما بقى من الربح فهو لرب المال وعليه أجر المثل للمضارب الآخر فيما عمل لان المضاربة فيما بينه وبينه فاسدة باشتراطه له مقدارا مسمى من المال وهذا المفسد غير ممكن فيما هو من صلب العقد بينه وبين الذى شرط له ثلث الربح فاستحق هو ثلث الربح بالشرط لصحة العقد بينهما فان لم يعملا به حتى ابضع

[ 47 ] أحدهما المال مع صاحبه فعمل به أيهما كان فكذلك الجواب لانا قد بينا أن عمل أحدهما باذن صاحبه كعملهما إذا كان العقد صحيحا في حقهما أو فاسدا فكذلك إذا كان صحيحا في حق أحدهما فاسدا في حق الآخر والمضارب الذى شرط له مائة درهم أجر مثله في العمل بنصف المال سواء كان هو العامل أو صاحبه لان عمله في النصف لصاحبه وعمل صاحبه في النصف له فيكون كعمله بنفسه وإذا باع المضارب متاع المضاربة وسلمه إلى المشتترى ثم أخر الثمن عن المشترى بعيب أو غير عيب فهو جائز على المضاربة ولا يضمن المضارب بهذا التأخير شيأ بخلاف الوكيل فهناك عند أبى يوسف رحمه الله لا يصح تأجيله في الثمن وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله يجوز ويصير ضامنا للموكل لان المضارب يملك أن يشترى ما باع بمثل ذلك الثمن ثم يبيعه بمثله مؤجلا فكذلك يملك أن يؤجله في ذلك الثمن لان ذلك من صنع التجار وهو يملك ما هو من صنع التجار فاما الوكيل في حق الموكل لا يملك الشراء والبيع ثانيا بثمن مؤجل فكذلك تأجيله في حق الموكل لا يصح وكذلك لو أحال به المضارب على انسان أيسر من المشترى أو أعسر منه لان قبول الحوالة من صنع التجار ولو أقال العقد مع الاول ثم باعه بمثله من المحتال عليه جاز فكذلك إذا قبل الحوالة بالثمن عليه وبه فارق الوكيل والمضارب في هذه ليس نظير الاب والوصي فان قبولهما الحوالة على من هو أعسر من المحيل لا يصح في حق الصغير لان تصرفهما مقيد بشرط الاحسن والا صلح له وذلك لا يوجد في قبول الحوالة على من هو أفلس وتصرف المضارب غير مقيد بمثله بل بما هو من صنع التجار عادة وذلك يوجد هنا وكذلك لوحط شيأ بعيب مثل ما يحط التجار في مثل ذلك العيب أو يتغابن به الناس فذلك جائز لانه من صنع التجار عادة ولو قبله بالعيب ثم باعه منه بغبن يسير ثانيا جاز فكذلك إذا حط عنه هذا المقدار وان حط عنه شيأ فاحشا أو حط بغير عيب جاز ذلك على المضارب خاصة في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وهو ضامن ذلك لرب المال وما قبضه من الثمن فعمل به فهو على المضارب خاصة ورأس المال في ذلك الذى قبضه من المشترى وقال أبو يوسف رحمه الله لا يجوز هذا الحط لان هذا الحط ليس من صنع التجار فلا يملكه بمقتضى عقد المضاربة ولكنه هو العاقد فيكون في هذا الحط كالوكيل بالبيع والحط والابراء عن الثمن من الوكيل بالبيع باطل في قول أبى يوسف رحمه الله صحيح في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو ضامن ذلك للموكل وفي مقدار ما صار ضامنا يبطل حكم المضاربة لان شرط المضاربة

[ 48 ] الصحيحة ان يكون رأس المال امانة في يد المضارب وإذا قال رب المال للمضارب اعمل فيه برأيك فخلطه بماله ثم اشترى به جاز على المضاربة لانه بتعميم التفويض إلى رأيه يملك الخلط بماله فلا يصير به مخالفا ولو لم يقل له اعمل فيه برأيك كان هو بالخلط مخالفا ضامنا للمال والربح له والوضيعة عليه لبطلان حكم المضاربة بفوات شرطها فان لم يخلطه ولكنه اشترى به وبألف من ماله عبدا واحدا وقبضه ونقد الثمن قبل أن يخلط فهو جائز على المضاربة كما لو اشترى نصف العبد بألف المضاربة في صفقة ونصفه بمال نفسه في صفقه أخرى إذ لا فرق بينهما في المعنى وهذا لان الا ختلاط انما يحصل حكما اما لاتحاد الصفقة أو لاتحاد المحل من غير فعل من المضارب في الخلط وبمثله لم يصر مخالفا ضامنا كما لو اشترى العبد بألفين ينفذ شراؤه في النصف على المضاربة وان باع العبد بألفين وقبضه مختلطا فهو جائز على المضاربة لما بينا أن الاختلاط بمعنى حكمي لا بفعل باشره المضارب قصدا فان عزل حصة المضارب ثم اشترى بأحد المالين فربح أو وضع فالربح لهما نصفه للمضارب ونصفه على ما اشترطا في المضاربة والوضيعة عليهما نصفان وقسمته باطلة لانه لا يكون مقاسما لنفسه فلا يكون أمينا في المقاسمة مع نفسه وقد بينا في كتاب القسمة أن القسمة لا تتم الا باثنين فكان هذا وشراؤه ببعض المال قبل القبض سواء والله أعلم * (باب شراء المضارب وبيعه) * (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجلين ألف درهم مضاربة بالنصف وقال لهما اعملا برأيكما أو لم يقل فاشترى أحدهما بنصف المال بامر صاحبه وباعه حتى أصاب مالا وعمل الآخر بنصف المال بغير أمر صاحبه حتى أصاب مالا فالعامل بغير أمر صاحبه مخالف ضامن لنصف رأس المال لان صاحب المال فوض التصرف في المال إلى رأيهما ولم يرض برأى أحدهما فيه والعامل بغير أمر صاحبه ينفرد بالرأى فيه حقيقة وحكما فيكون مخالفا ضامنا وما يحصل بتصرفه من الربح له ويتصدق بالفضل لحصوله له بسبب حرام وأما الذى عمل بأمر صاحبه فتصرفه حاصل برأيهما حكما فيكون على المضاربة يؤخذ مما في يده نصف رأس المال والباقى بين المضاربين ورب المال على الشرط كما لو عملا فيه فان توى ما في يد العامل بغير أمر صاحبه وهو معسر فان رب المال يأخذ جميع رأس المال مما في يد المضارب

[ 49 ] الذى عمل بأمر صاحبه لان الربح لا يظهر ما لم يصل إليه جميع رأس ماله وما أخذه العامل الآخر تاو فهو بمنزلة مالو غصب بعض رأس المال انسان أو استهلكه وتوى بدله عليه ثم عملا بما بقى وفي هذا يأخذ رب المال جميع رأس ماله ثم قسمة الربح بينهما بعد ذلك (ألا ترى) أنه لو هلك جميع المال الا عشرة دراهم فتصرفا فيها حتى أصابا مالا فانه يأخذ رب المال جميع رأس ماله أولا فهذا مثله فان بقى من الربح شئ أخذ رب المال نصفه وأخذ هذا المضارب ربعه والربع الباقي نصيب المضارب المخالف من الربح فلا يدفع إليه لان نصف رأس المال دين عليه وصاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه من مال المديون يأخذه لحقه وإذا ظهر انه لا يدفع إليه قلنا ان كان هذا الربع مثل ما توى من حصته من الربح أخذ رب المال والموافق ربع الربح الذى صار للمخالف فاقتسماه أثلاثا على مقدار حقهما في الربح وان كان ماتوى عليه أكثر من حصته من الربح أو أقل تراجعوا بالفضل وبيان ذلك ان المال الذى كان في يد الموافق ان كان ألفا وخمسمائة فأخذ رب المال رأس ماله ألفا بقي خمسمائة فيجمع إلى نصف رأس المال الذى استهلكه المضارب الآخر فيقسم على أربعة أسهم لرب المال من ذلك النصف وللمضارب العامل بامر صاحبه الربع وذلك مائتان وخمسون وبقيت حصة المضارب الآخر وهو الربع وذلك مائتان وخمسون يحسب لهما عليه ويقسم رب المال والمضارب الآخر خمسمائة العين على ثلاثة أسهم ويرجعان على المضارب الذى استهلك نصف رأس المال بمائتين وخمسين درهما فيقسمانها على ثلاثة أسهم فإذا فعل ذلك وصل إلى رب المال خمسمائة وإلى المضارب الموافق مائتان وخمسون وسلم للآخر مما عليه مائتان وخمسون فاستقام الحساب ولو لم يهلك ما في يده ولكن هلك ما في يد العامل بامر صاحبه فان رب المال يضمن المضارب المخالف نصف رأس ماله ليس له غير ذلك لان نصف رأس المال صار دينا عليه بالخلاف وتصرفه كان لنفسه ولو كانا حين قبضا الالف مضاربة اقتسماها نصفين فاشترى أحدهما بنصف المال عبدا ثم أجاز صاحبه شراءه لم يكن العبد من المضاربة باجازته لان الا جازة انما تعمل في العقد الموقوف والشراء هنا نافذ على المشترى فلا يكون اجازة الآخر تنفيذا للعقد فيكون وجوده كعدمه ولو اشتريا جميعا بالالف عبدا ثم باعه أحدهما بثمن معلوم فأجازه صاحبه جاز لان البيع من أحدهما توقف على اجازة الآخر باعتبار أنه تعذر تنفيذه على العاقد ولان ملك العين لغيره فتكون اجازته في الانتهاء كاذنه في الابتداء وهو

[ 50 ] نظير فضولي باع مال الغير فاجازه المالك ينفذ باجازته ولو اشترى لغيره ينفذ الشراء على العاقد ولا يتغير ذلك باجازة المشترى له وكذلك لو أجازه رب المال لان ملك العين لرب المال والمضارب الآخر عامل له في الاجازة فإذا كان العقد ينفذ باجازة الآخر فباجازة رب المال أولي والبائع هو الذى يلى قبض الثمن من المشترى لان قبض الثمن من حقوق العقد فيتعلق بالعاقد وليس للآخر أن يأخذ المشترى بشئ من الثمن الا بوكالة من البائع لان المشترى لم يعامله بشئ ولو كان أحدهما باع العبد بشئ بعينه فأجازه صاحبه ففى القياس لا تعمل اجازته لان في بيع المقابضة كل واحد من العاقدين يكون مشتريا عرض صاحبه وقد بينا أن الشراء لا يتوقف على الاجازة كما لو اشتراه بالدراهم وإذا لم تعمل اجازته فيما اشتراه صاحبه فكذلك لاتعمل في البدل الآخر وفى الاستحسان ينفذ العقد باجازته ويكون بدله من المضاربة لان في العرض الذى هو من جهته هو بائع وبيعه يتوقف على اجازة صاحبه وتجعل اجازته في الانتهاء بمنزلة اذنه في الابتداء فمن ضرورة اعمال اجازته في نفوذ العقد به في أحد البدلين اعماله في البدل الآخر ثم هذا العقد في أحد البدلين شراء وفي البدل الآخر بيع ولكنا رجحنا جانب البيع لان العوض الآخر مذكور في العقد على وجه الثمن فانهما قرنا به حرف الباء وحرف الباء يصحب الابدال والاثمان وفى ترجيح جانب البيع بصحيح العقد على الوجه الذى قصد العاقد عند الاجازة وبقى الضمان على المتصرف والضمان لا يلزمه بالشك فلهذا رجحنا جانب البيع فان لم يجز الآخر حتى قبض البائع ما باع به العبد فباعه ثم ان المضارب الآخر أجاز ما صنع من ذلك فاجازته باطلة لانه أجاز ما أجاز بيعه قبل اجازته معناه أنه مشتر للعرض الآخر وأكثر ما فيه انه اشتراه ببدل يستحق فيملكه بالقبض وينفذ بيعه من جهته وبعد ما نفذ بيعه من جهة لا يصير للمضاربة باجازة الآخر فإذا بطلت الاجازة يسترد العبد من المشترى فيكون على المضاربة وعلى البائع ضمان الذى قبضه وباعه لانه لما استحق ما يقابله ظهر أنه ملكه بالقبض بسبب فاسد وقد تعذر رده حين باعه فعليه مثله ان كان له مثل وقيمته ان لم يكن له مثل ولو كان رب المال هو الذى أجاز بيع العبد بشئ بعينه قبل ان يحدث العامل في ثمنه شيئا جاز بيع العبد للعامل البائع وله ثمنه وهو ضامن قيمة العبد لرب المال لانه كان اشترى العرض لنفسه وأعطى العبد بمقابلته قرضا على نفسه ورب المال مالك للاقراض فيصير بالاجازة كانه أقرضه العبد واستقرض الحيوان وان كان فاسدا ولكنه يملك بالقبض وينفذ فيه تصرف المستقرض

[ 51 ] وهو ضامن قيمته للمقرض وقد بطلت المضاربة لانها صارت دينا على المضارب البائع وذلك ينافى عقد المضاربة ولم يحصل الحكم عند اجازة المضارب الآخر بهذه الصفة لان المضارب الآخر لا يملك الاقراض في مال المضاربة فلا يمكن اعمال اجازته بطريق اقراض العبد من صاحبه فاشتغلنا بترجيح جانب البيع لا عمال اجازته ورب المال يملك الاقراض فأمكن ان يجعل اجازته اقراضا منه فلهذا لم يشتغل فيه بترجيح جانب البيع وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى عبدا بألف درهم فلما قبضه قال اشتريته وانا أنوى أن يكون بالمضاربة وكذبه رب المال والعبد قائم أو هالك فالقول قول رب المضارب لان ما في ضميره لا يوقف عليه الا من جهته فيقبل قوله فيه ويدفع مال المضاربة في ثمنه لانه أمين فيما في يده من المال فيكون مقبول القول فيه كالوكيل بالبيع إذا قال بعت وقبضت الثمن وهلك في يدى يقبل قوله في ذلك فان لم يدفعه حتى هلك المال ثم قال المضارب اشتريته وانا أنوى المضاربة وقد كان الشراء قبل هلاك المال والعبد قائم أو هالك فالقول قول رب المال والعبد للمضارب لان المضارب يريد بهذا البيان ان يرجع على رب المال بألف أخرى ليدفعه في ثمن العبد وهو لم يكن مسلطا من جهة رب المال على ذمته لالتزام المال فيها بخلاف الاول فهناك انما يريد دفع الالف الذى في يده في ثمنه وهو مسلط على ذلك من جهة رب المال * يوضحه أن هناك تملك هو دفع ما في يده بانشاء الشراء للمضاربة فيملك ذلك بالاقرار به ايضا وفى هذا الفصل لا يملك الزام شئ في ذمة رب المال بانشاء الشراء للمضاربة لان ذلك استدانة على رب المال والمضارب لا يملك ذلك فكذلك بطريق الاقرار وان كان هذا القول من المضارب قبل هلاك المال وكذبه رب المال ثم هلك المال بعد ذلك فان كان العبد قائما فالقول قول المضارب لانه يملك دفع المال بمقابلة هذا العبد بطريق انشاء الشراء فكذلك بطريق الاقرار وان كان العبد هالكا حين قال المضارب هذا القول ثم ضاعت الالف بعد ذلك قبل أن ينقدها المضارب للبائع فالقول قول رب المال لانه حين أقر ما كان يملك انشاء الشراء في هذا العبد لكونه هالكا فلا يمكن جعل اقراره كالانشاء وانما أعملنا اقراره باعتبار انه أمين فيما في يده من المال وذلك المعنى ينعدم بهلاك المال في يده قبل الدفع فكان القول قول رب المال وفي الفصل الاول كان عند الاقرار متمكنا من انشاء الشراء في هذا العبد القائم فيجعل اقراره كانشائه والمضارب إذا اشترى شيئا للمضاربة ثم هلك المال في يده قبل دفع الثمن

[ 52 ] رجع بمثله على رب المال لانه في الشراء كان عاملا له فهذا مثله ولو كان المضارب اشترى العبد بألف المضاربة ثم نقد ثمنه من مال نفسه وقال اشتريته لنفسي وكذبه رب المال فالقول قول رب المال ويأخذ المضارب ألف المضاربة قصاصا بما أداه لان الظاهر شاهد لرب المال فاضافة الشراء إلى الالف المضاربة دليل ظاهر على انه قصد الشراء للمضاربة ثم لا يتغير ذلك الحكم بنقده الثمن من مال نفسه فقد يحتاج المضارب إلى ذلك لتعذر وصوله إلى المضاربة في الموضع الذى يطالبه البائع بايفاء الثمن ولا يكون هو متبرعا فيما نقد من مال نفسه فيما اشتراه للمضاربة لانه قضى به عليه ولكن ياخذ ألف المضاربة قصاصا بما أداه لان ذلك صار دينا له على مال المضاربة ولو كان اشترى العبد بألف درهم ولم يسم مضاربة ولاغيرها ثم قال اشتريته لنفسي فالقول قوله لان الحكم هنا ينبني على قصده فانه يملك الشراء للمضاربة ولنفسه بالالف المرسلة على السواء وما في ضميره لا يوقف عليه الا من جهته فيكون هو مقبول القول فيه ولو اشترى المضارب عبدابألف درهم ولم يسم شيئا ثم اشترى عبدا آخر بألف درهم ولم يسم شيئا ثم قال نويتها للمضاربة ولم ينقدها في واحد منهما وصدقه رب المال أو كذبه فيهما فالعبد الاول من المضاربة لانه حين اشتراه كان في يده من مال المضاربة مثل ثمنه فصح شراؤه للمضاربة ويقبل قوله في ذلك وحين اشترى العبد الثاني هو لم يكن مالكا شراءه للمضاربة لان مال المضاربة صار مستحقا في ثمن الاول فلو نفذ الشراء الثاني على المضاربة كان استدانة والمضارب لا يملك ذلك فصار مشتريا العبد الثاني لنفسه وان قال رب المال انما اشتريت الثاني للمضاربة فالقول قوله لانهما تصادقا على انه اشترى العبد الثاني للمضاربة فيثبت ذلك بتصادقهما وذلك كالاقرار من المضارب أنه ما اشترى الاول للمضاربة فإذا ادعى انه اشترى الاول للمضاربة كان مناقضا والمناقض لا قول له بخلاف مااذا صدقه رب المال فيهما أو في الاول لانه مناقض صدقه خصمه وبخلاف مااذا كذبه رب المال فيهما لانه عند الشراء الاول كان هو مالكا الشراء للمضاربة بيقين فيجب قبول قوله فيه وان كذبه وعند الشراء الثاني ما كان يملك ذلك بيقين فلا يقبل قوله في الثاني مع تكذيب رب المال اياه ولو كان المضارب اشترى العبدين صفقة واحدة كل واحد منهما بألف درهم ثم قال نويت كل واحد بالالف المضاربة وصدقه رب المال في ذلك فنصف كل واحد من العبدين للمضارب ونصفهما للمضاربة لانه انما اشتراهما معا فليس أحدهما بجعله للمضاربة باولى من الآخر وليس قبول المضاربة في أحدهما بأولى

[ 53 ] منه في الآخر ولا يمكن تنفيذ شرائه لهما على المضاربة لما فيه من الاستدانة على المال فصار مشتريا نصف كل واحد منهما للمضاربة ونصفه لنفسه ولو قال رب المال اشتريت هذا بعينه للمضاربة كان القول قوله لتصادقهما انه اشترى ذلك العبد للمضاربة وذلك يمنع المضارب من دعوي الشراء للمضاربة في العبد الآخر ولو قال المضارب اشتريتهما بألف من عندي وبألف من المضاربة فقال رب المال اشتريت هذا بعينه بألف المضاربة فالقول قول المضارب لان رب المال يدعى تفرق الصفقة والمضارب منكر لذلك فالقول قوله ونصف العبدين على المضاربة ونصفهما للمضارب وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف ثم نهاه بعد ذلك أن يبيع ويشترى فان كان المال بعينه في يده فنهى رب المال جائز لان عقد المضاربة لا يتعلق به اللزوم بنفسه فيملك رب المال فسخه بنهيه عن التصرف وهذا في الا بتداء وكالة والموكل يملك عزل الوكيل قبل تصرفه فان اشترى المضارب بعد ذلك فهو مشتر لنفسه لانفساخ المضاربة بنهي رب المال وان كان رب المال نهاه بعد ما اشترى بالمال شيئا فنهيه باطل لان المال بعد ما صار عروضا بتصرف المضارب قد ثبت فيه حقه في الربح فلا يملك رب المال ابطال حقه عليه بالنهي عن التصرف وبخلاف ما قبل الشراء فلا حق هناك للمضارب في المال الذى في يده ثم له أن يبيع ما في يده من العروض بما بداله من العروض والمكيل والموزون ثم يبيع ذلك بما بداله كما قبل نهى رب المال وهذا الان مقصوده وهو الربح قد لا يحصل بالبيع بالنقد فقد لا يجد من يشترى ذلك منه بالنقد فيكون له أن يبيعه بما شاء ليحصل مقصوده من الربح الذي هو حقه فان باع شيئا من ذلك بدراهم بما شاء أو دنانير لم يكن له أن يشترى لان المال صار نقدا في يده فيعمل ذلك النهى بمنزلة مالو كان نقدا في الابتداء حين نهاه عن التصرف ويستوى أن صار بعض المال أو جميعه نقدا في أن النهى يعمل فيما صار منه نقدا فلا يكون له ان يشترى به شيأ الا أن له أن يبيع الدنانير بالدراهم حتى يوفى رب المال رأس ماله لان النقود في حكم المضاربة جنس واحد على ما نبينه فيعمل النهى لذلك ولكن انما يرد رأس المال على رب المال من جنس ما قبض حقيقه وحكما ولا يتهيأ له ذلك الا بمبادلة أحد النقدين بالآخر وكذلك ان كان رأس المال سودا والحاصل في يده بيض فله أن يشترى بها مثل رأس المال وكذلك لو مات رب المال فان موته ونهيه سواء من حيث ان كل واحد منهما لا يعمل فيما يرجع إلى ابطال الحق الثابت للمضارب ولو دفع إليه مالا مضاربة وأجاز ما صنع في ذلك من شئ

[ 54 ] فاشترى بها خمرا أو خنزيرا أو ميتة ومدبرا أو مكاتبا وهو يعلم أولا يعلم فقبض ذلك ودفع الدراهم فهو ضامن للدراهم لان رب المال انما أمره بشراء ما يتمكن من بيعه والربح لا يحصل الا بذلك وقد اشترى بها مالا يجوز بيعه فيه فلا ينفذ شراؤه على المضاربة وانما يكون مشتريا لنفسه سواء علم بذلك أو لم يعلم وان نفذ فيه مال المضاربة فهو ضامن للخلاف ولو اشترى بالمضاربة عبدا شراء فاسدا أو اشترى بها دراهم أكثر منها أو أقل ودفع المال وقبض ما اشترى فلا ضمان عليه فيما دفع من مال المضاربة لانه اشترى ما يملكه بالقبض ويجوز بيعه فيه فالمشترى شراء فاسدا يملك بالقبض فلا يمكن تضمينه بالخلاف لانه لم يخالف والمضارب لا يضمن بالفساد كالوكيل ولو دفع إليه ألفا مضاربة وأمره ان يعمل في ذلك برأيه فاشترى بها عبدا يساوى خمسمائة فهو مخالف مشتر لنفسه ضامن للمال ان دفعه لانه اشترى بما لا يتغابن الناس في مثله والمضارب في الشراء كالوكيل والوكيل لا يملك ان يشترى بما لا يتغابن الناس فيه ولو اشترى العبد بالف درهم وهو يساوى تسعمائة وخمسين جاز على المضاربة لان قدر الخمسين في الالف مما يتغابن الناس في مثله وذلك عفو في حق الوكيل بالشراء ولو اشترى بها عبدا يساوى ألفا ثم باعه بمائة درهم جاز في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله لانه فيما يبيع بمنزلة الوكيل بالبيع ومن أصله ان الوكيل بالبيع يملك البيع بغبن فاحش وقد بينا هذا الفرق له في كتاب الوكالة ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على ان يشترى بها الثياب ويقطعها بيده ويخيطها على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان فهو جائز على ما اشترطا لان العمل المشروط عليه مما يصنعه التجار على قصد تحصيل الربح فهو كالبيع والشراء وكذلك لو قال له على أن يشترى بها الجلود والادم ويخرزها خفافا ودلاء وروايا واجربة فكل هذا من صنع التجار على قصد تحصيل الربح فيجوز شرطه على المضاربة ولو دفع إليه مالا مضاربة على أنهما شريكان في الربح ولم يسم نصفا ولا غيره فهو جائز وللمضارب نصف الربح لان مطلق الشركة يقتضى التسوية قال الله عزوجل فهم شركاء في الثلث ولو قال على ان للمضارب شركا في الربح فكذلك في قول أبى يوسف رحمه الله إذ لا فرق بين الشرك والشركة في اقتضاء ظاهر اللفظ التسوية وقال محمد رحمه الله هذه مضاربة فاسدة لانه بمعني النصيب قال الله تعالى أم لهم شرك في السموات فكأنه قال على ان للمضارب نصيبا وذلك مجهول * توضيحه ان الشركة التى تقتضي التسوية ما يكون مضافا إلى الشريكين كما في قوله على ايهما

[ 55 ] شريكان وهنا أضاف الشركة إلى المضارب خاصة عرفنا أن المراد به النصيب وإذا دفع في مرضه ألف درهم مضاربة بالنصف فعمل المضارب فربح الفا ثم مات رب المال من مرضه ذلك وأجر وأجر مثل المضارب أقل مما شرط له من الربح فيما عمل وعلى رب المال دين يحيط بما به فللمضارب نصف الربح يبدأ به قبل دين المريض لان عقد المضاربة قد صح فنصيب المضارب من الربح لم يكن مملوكا لرب المال قط حتى يكون ايجابه للمضارب بطريق الوصية بخلاف الاجرة فانه يستحق الاجرة على المستأجر فيعتبر ما زاد على أجر مثله بعد الدين بطريق الوصية وهذا لا نهما شريكان في الربح واحد الشريكين لا يتملك على صاحبه شيئا انما يملك كل واحد منهما حصته من الربح كما حدث ابتداء * توضيحه ان المشروط له بعض ما يحدث بعمله وهو يملك أن يجعل جميع ذلك له بان يقرضه المال ليتصرف فيه لنفسه فيكون ربحه كله له لا سبيل للغرماء وورثة المريض عليه فلان يملك جعل بعض الربح له بطريق المضاربة أولى ولو لم يكن سمى للمضارب ربحا كان له أجر مثل عمله ذلك دينا على المريض كسائر الديون فيضرب به مع الغرماء في تركته ولا حق له في شئ من الربح ليستحق التقديم فيه على سائر الغرماء ولو دفع الصحيح ألف درهم مضاربة إلى مريض على ان للمضارب عشر الربح وأجر مثله خمسمائة فربح ألفا ثم مات من مرضه وعليه دين كثير فللمضارب عشر الربح لا يزاد عليه لان الذى من جهته مالا حق فيه للغرماء والورثة وهو العمل بمنافعه ولو تبرع به بان عمل لا على وجه المضاربة بل على وجه البضاعة لم يكن للغرماء والورثة سبيل على صاحب المال فإذا شرط لنفسه بمقابلة عمله شيئا كان ذلك أولى بالجواز وان كان ذلك دون أجر مثله وإذا أراد المضارب أن يرد عبدا اشتراه بالعيب فطلب البائع يمين المضارب ما رضي بالعيب ولا عرضه على بيع منذ رآه فله ذلك لانه لو أقر به تعذر الرد فان نكل عن اليمين بقي العبد على المضاربة لانه مضطر إلى هذا النكول فانه لا يمكنه أن يحلف كاذبا وقد بينا في البيوع ان يكون الوكيل ملزما للموكل فيكون المضارب أولى وكذلك لو أقر المضارب بذلك لان اقراره يتضمن لزوم البيع فيه فهو بمنزلة شرائه ابتداء وهو يملك ذلك بان يقيله العقد ثم يشتريه ثانيا بخلاف الوكيل ولو ادعى البائع الرضا على الآمر لم يكن له أن يستحلف المضارب ولارب المال على ذلك لان رب المال بمنزلة الموكل وقد بينا في كتاب البيوع ان دعوى الرضا على الموكل لا يوجب اليمين على الوكيل ولا على الموكل فكذلك في المضاربة ولو اشترى المضارب عبدا لم يره وقد رآه

[ 56 ] رب المال فللمضارب أن يرده بخيار الرؤية لان رؤية رب المال لا تكون دليل الرضا منه به فانه ماكان يعلم أن المضارب يشترى ذلك العبد بعينه لا عند رؤيته ولا عند عقد المضاربة وبعد الرؤية لو اشتراه رب المال وهو لا يعلم عند الشراء انه ذلك العبد لا يسقط خيار رؤيته فإذا اشتراه مضاربة أولى أن لا يسقط الخيار بتلك الرؤية ولو رآه المضارب ثم اشتراه لم يكن لواحد منهما خيار وان لم يره رب المال لان المضارب عالم عند الشراء بانه يشترى ذلك الذى رآه فالرؤية السابقة منه دليل الرضا به وفيما يبنى على الرضا ولزوم العقد العاقد لغيره كالعاقد لنفسه ولو كان رب المال قد علم أنه أعور قبل أن يشتريه المضارب فاشتراه المضارب وهو لا يعلم به فله أن يرده بالعيب لان رب المال ما كان يعلم أن مضاربه يشترى ذلك العبد بعينه فعلمه بالعور لا يكون دليل الرضا منه بعيبه في ملك نفسه ولان المضارب بمطلق العقد يستحق صفة السلامة فانه ما كان يعلم بالعيب على العبد ولا علم لرب المال بعيبه فبفوات صفة السلامة يثبت له حق الرد والوكيل بشراء عبد بغير عينه بالف در هم بمنزلة المضارب في جميع ما ذكرنا ولو دفع إلى رجل مالا مضاربة على أن يشترى به عبد فلان بعينه ثم يبيعه فاشتراه المضارب ولم يره وقد رآه رب المال فلا خيار للمضارب فيه ولان المضارب نائب عنه في الشراء ورؤية رب المال هنا دليل الرضا منه بذلك العيب حين أمر نائبه وكذلك لو كان المضارب رآه ولم يره رب المال فهذا كالاول في هذا الحكم ولو كان العبد أعور وقد علم به أحدهما لم يكن للمضارب أن يرده أبدا لانه ان كان المضارب عالما به فهو ما استحق صفة السلامة بالا قدام على الشراء بعد علمه بالعيب وان كان رب المال هو الذى علم به فأمره اياه بالشراء بعينه بعد علمه بعيبه دليل الرضا منه بالعيب ورضا رب المال معتبر في اسقاط خيار العيب للمضارب وكذلك الوكيل بشراء عبد بعينه إذا اشتراه وقد كان الآمر رآه أو علم به فليس للوكيل ان يرده لما قلنا وإذا دفع إليه مالا مضاربة على أن يشتري به الثياب ويبيع فاسم الثياب اسم جنس للملبوس في حق بنى آدم فله أن يشترى به ما شاء من ذلك كالخز والحرير والقز وثياب القطن والكتان والاكسية والا نبجانيات والطيالسة ونحو ذلك وليس له أن يشتري المسوح والستور والانماط والوسائد والطنافس ونحو ذلك لان ذلك كله من جنس الفرش لا يتناوله اسم الثياب في العادة مطلقا والدليل عليه ان بايع هذه الاشياء لا يسمى ثيابا بل الثيابى في الناس من يبيع ما يلبسه الناس ومطلق اللفظ محمول على المفهوم عرفا ولو دفعه على أن يشترى به

[ 57 ] البز فليس له أن يشترى به من ثياب الخز والحرير والطيالسة والا كسية شيأ وانما يشترى ثياب القطن والكتان فقط لان البزاز في عرف الناس من يبع ثياب القطن والكتان لا من بيبع الخز والحرير وهذا شئ مبناه على عرف الناس ليس من فقه الشريعة في شئ وانما يعتبر فيه ما هو معروف عند الناس في كل موضع وإذا باع المضارب عبدا من المضاربة ثم قبله بعيب يحدث مثله باقرار أو غيره بحكم أو اقالة فهو سواء وهو على المضاربة بخلاف الوكيل بالبيع لان الوكيل بالبيع لا يملك الشراء للموكل ابتداء والمضارب يملك الشراء كما يملك البيع فقبوله بهذه الوجوه لا يكون فوق شرائه ابتداء فيجوز على المضاربة ولو أنكر المضارب العيب ثم صالحه منه على ان زاده مع العبد دينارا أو ثوبا أو نحو ذلك من المضاربة فهو جائز على رب المال ان كان مثل ذلك العيب أو أكثر مما يتغابن الناس فيه وان كان أكثر مما لا يتغابن الناس فيه أبطلته لان الصلح عن العيب على مثل هذا متعارف بين التجار والمضارب يملك ما هو من صنع التجار فاما الصلح على أكثر من حصة العيب مما لا يتغابن الناس فيه فليس من صنع التجار بل هو كالبر المبتدأ ثم هو مأمور بالصلح لاصلاح مال المضاربة لا لافساد المال وفي الصلح على مثل حصة العيب أو زيادة يسيرة اصلاح فاما في الصلح على أكثر منه مما لا يتغابن الناس فيه فافساد به ولو اشترى المضارب بألف المضاربة من ولده أو والديه أو مكاتبه أو عبده وعليه دين يساوى ألف درهم فهو جائز على المضاربة وان كان يساوى أقل منه مما يتغابن الناس فيه فهو مشتر لنفسه في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله هو جائز على المضاربة الا ما اشترى من عبده أو مكاتبه فان قولهما في ذلك مثل قول أبى حنيفة رحمه الله وقد أطلق في الوكيل جواب هذه المسألة في كتاب البيوع ولم يفصل بين الشراء بمثل القيمة وبين الشراء بغبن يسير ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول تقسيمه هنا تقسيم في الوكيل والخلاف في الفصلين في الشراء بغبن يسير فاما الشراء بمثل القيمة فجائز لان أبا حنيفة رحمه الله يعتبر التهمة وذلك انما يظهر عند الشراء بغبن يسير وفي حق الاجنبي ليس بينهما سبب موجب التهمة فيحمل شراؤه بغبن يسير على أنه خفى عليه ذلك وفي حق الآباء والاولاد بينهما سبب التهمة فيحمل ذلك على الميل إليه وايثاره على الموكل كما في الشهادة فاما في الشراء بمثل القيمة فلا يتمكن معنى التهمة ومنهم من قال بل هذا التقسيم في المضارب فاما الوكيل فلا يملك الشراء من هؤلاء لموكله بمثل القيمة والفرق بينهما لابي حنيفة رحمه الله

[ 58 ] أن المضارب شريك في الربح فيمنعه ذلك من ترك الاستقصاء والنظر وان كان يعامل اباه أو ابنه لانه يؤثر نفسه عليهما فلهذا جازت معاملته معهم بمثل القيمة فاما الوكيل فعامل للموكل ولا حق له فيما يشتريه فالظاهر انه يترك الاستقصاء في المعاملة مع هؤلاء فلهذا لا ينفذ تصرفه معهم على الموكل * يوضحه ان المضارب أعم تصرفا من الوكيل وقد يستبد بالتصرف على وجه لا يملك رب المال نهيه وهو بعد ما صار المال عروضا وقد يكون نائبا محضا في بعض الاحوال فلشبهه بالمستبد بالتصرف قلنا يجوز تصرفه مع هؤلاء بمثل القيمة ولشبهه بالنائب قلنا لا يجوز تصرفه معهم بغبن يسير فاما الوكيل فنائب محض وهو نائب في تصرف خاص فيكون متهما في تصرفه مع هؤلاء في حق الموكل وان كان بمثل القيمة ولو كان العبد يساوى ألفا فأراد المضارب أن يبيعه مرابحة لم يبعه في قول أبى حنيفة رحمه الله حتى يبين وعندهما يبيعه مرابحة من غير بيان الا ما اشتراه من مكاتبه وعبده المديون فانه لا يبيعه مرابحة حتى يبين وقد تقدم بيان هذه المسألة في كتاب البيوع ولو اشترى بألف المضاربة أباه أو أمه أو أخاه أو ولده ولافضل على رأس المال فهو جائز على المضاربة لان المضارب لا يملك شيأ منه إذا لم يكن في المال فضل فهو يتمكن من بيعه وقد بينا أن للمضارب أن يشترى للمضاربة ما يملك بيعه وان كان فيه فضل يوم اشتراه فهو مشتر لنفسه لانه لو نفذ شراؤه على المضاربة ملك منه مقدار حصته من الربح فيعتق عليه ذلك الجزء ولا يمكنه بيعه وقد بينا أن المضارب لا يشترى للمضاربة ما لا يمكن بيعه فكان مشتريا لنفسه فعتق عليه وان نقد ثمنه من مال المضاربة فهو ضامن لذلك لانه قضى بمال المضاربة دين نفسه ولو اشترى أبا رب المال أو ابنه أو أخاه وفيه فضل أولا فضل فيه فهو مشتر لنفسه لانه لو نفذ شراؤه على المضاربة ملكه رب المال وعتق عليه بالقرابة فلا يتمكن المضارب من بيعه وليس له أن يشترى بمال المضاربة مالا يمكنه بيعه فكان مشتريا لنفسه وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فأمر رجلا أن يقبض من المديون جميع ماله عليه ويعمل به مضاربة بالنصف فقبض المأمور نصف ما على المديون ثم عمل به فهو جائز على المضاربة ورأس المال فيه ما قبضه اعتبارا للبعض بالكل وهذا لان الواو للعطف من غير أن تقتضي الترتيب فكان هو في كل جزء من المال مأمورا بالقبض والعمل به مضاربة فإذا قبض البعض وعمل به كان ممتثلا أمر رب المال ولو قال له اقبض جميع الالف التى لى على فلان ثم اعمل بها مضاربة كان مخالفا فيما صنع ضامنا للمال

[ 59 ] والربح له والوضيعة عليه لان حرف ثم للتعقيب مع التراخي فهو أخر الامر بالعمل مضاربة عن قبض جميع المال فما لم يقبض جميع الالف لا يأتي أو ان العمل بالمال مضاربة فإذا عمل بالبعض قبل أن يقبض الكل كان مخالفا (ألا ترى) انه لو قال لزوجته اقبضي جميع المال الذى على فلان ثم أنت طالق فقبضت البعض دون البعض لم تطلق ولو قال اقبضي جميع المال الذى على فلان وأنت طالق طلقت للحال قبل أن تقبض شيأ إذا لم يزد الزوج واو الحال وإذا دفع الرجل إلى الصبي أو إلى العبد المحجور عليه مالا مضاربة فاشترى به فربح أو وضع بغير اذن والد الصبى ومولى العبد جاز على رب المال والربح بينهما على ما اشترطا لانه من أهل التصرف لكونه مميزا وانما يلاقى تصرفه مال رب المال وهو راض بتصرفه ولو استعان به من غير شرط شئ من الربح له نفذ تصرفه في حقه فإذا شرط لهما نصيبا من الربح أولى لان ذلك محض منفعة لهما والعبد والصبى لا يلحقهما الحجر بتمحض منفعة والعهدة في البيع والشراء على رب المال بمنزلة مالو كانا وكيلين له بالبيع لان في الزام العهدة اياهما ضررا وهم محجوران عن اكتساب سبب الضرر فإذا تعذر ايجاب العهدة عليهما لزمت العهدة من ينتفع بهذا العقد بعدهما وهو رب المال ثم لا تنتقل العهدة إلى الصبي وان كبر وتنتقل إلى العبد إذا عتق لان العبد مخاطب من أهل الزام العهدة في حق نفسه ولكن حق المولى كان مانعا من الزام العهدة اياه فاذه زال المانع لزمته العهدة والصبي ليس من أهل الزام العهدة أصلا فلا يلحقه ذلك وان بلغ وهو بمنزلة الكفالة والاقرار ولو مات العبد في عمل المضاربة وقتل الصبى وهو في عمل المضاربة بعد ما ربحا فان مولى العبد يضمن رب المال قيمة عبده يوم عمل في ماله مضاربة بأمره لانه صار غاصبا له باستعماله بغير اذن مالكه وإذا ضمن قيمته في ذلك الوقت ملكه بالضمان فجميع ما ربح العبد لرب المال دون مولى العبد لان ذلك كسب اكتسبه العبد المغصوب والكسب للغاصب إذا ملك العبد بالضمان (ألا ترى) أن المضاربة لو كانت فاسدة كان للعبد أجر مثله في حياته فإذا مات غرم رب المال قيمته وبطل الاجر عنه فهذا مثله وأما الصبى إذا قتل في عمل رب المال بعد ما ربح فعلى عاقلة القاتل الدية وان شاء ورثة الصبي ضمنوا عاقلة رب المال لانه باستعماله صار متسببا لهلاكه وهذا سبب هو متعد فيه فيكون بمنزلة جنايته بيده في ايجاب الدية على عاقلته بمنزلة من غصب صبيا حرا وقربه إلى مسبعة حتى افترسه السبع ثم يرجع على عاقلة رب المال بها على عاقلة القاتل لانهم قاموا

[ 60 ] مقام ورثة الصبي حين ضمنوا لهم ديته وهذا لان القاتل مباشر والمتسبب يرجع بما يلحقه من الضمان على المباشر لانه هو الذى قرر عليه ذلك بمباشرته فكأنه ألزمه اياه ابتداء ثم يسلم لورثة الصبى حصته من الربح لان الصبى الحر لا يملك بضمان الدية ولان عاقلة رب المال انما غرموا الدية بهلاك الصبي في عمله لرب المال لا لاستعمال رب المال اياه (ألا ترى) أن الصبي لو مات ولم يقتل كان رب المال بريئا من دينه فلهذا يسلم حصته من الربح لورثته وإذا دفع الرجل إلى الرجلين ألف درهم مضاربة فمات أحدهما فقال الباقي منهما قد هلك المال فهو مصدق في نصف المال مع ولاضمان عليه في شئ من المال لانه مؤتمن فيما كان في يده فالقول قوله إذا أخبر بهلاكه مع يمينه وأما الميت فان نصف مال المضاربة دين في ماله لان نصف المال كان أمانة في يده وقد مات مجهلا والامين بالتجهيل ضامن لانه عند الموت يصير متملكا فيكون ضامنا وإذا دفع المسلم إلى النصراني مالا مضاربة بالنصف فهو جائز لان المضاربة من المعاملات وأهل الذمة في ذلك كالمسلمين الا أنه مكروه لانه جاهل بشرائع الاسلام فلانا من أن يؤكله حراما اما لجهله أو لقصده فانهم لا يؤدون الامانة في حق المسلمين قال الله تعالى لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا أي لا يقصرون في افساد أمر دينكم ولانه يتصرف في الخمر والخنريز ويعمل بالربا ولا يتحرز في ذلك فيكره للمسلم أن يكتسب الربح بتصرف مثله له ولكن مع هذا جازت المضاربة لان الذى من جانب المضارب البيع والشراء والنصراني من أهل ذلك فان اتجر في الخمر والخنزير فربح جاز على المضاربة في قول أبى حنيفة رحمه الله وينبغى للمسلم أن يتصدق بحصته من الربح وعندهما تصرفه في الخمر والخنزير لا يجوز على المضاربة وهو فرع الاختلاف الذى بينا في البيوع في المسلم يوكل الذمي بشراء الخمر والخنزير فان اشترى ميتة فنقد فيها مال المضاربة فهو مخالف ضامن عندهم جميعا لانه اشترى مالا يمكنه أن يبيعه وان تصرفهم في الميتة لا يكون نافذا والمضارب لا يشترى بمال المضاربة مالا يمكنه أن يبيعه وان أربى فاشترى درهمين بدرهم كان البيع فاسدا لانهم يمنعون من المعاملة بالربا لانفسهم كما يمنعه المسلم منه ولكن لا يصير ضامنا لمال المضاربة والربح بينهما على الشرط لما بينا أن المضارب لا يصير مخالفا بافساد العقد إذا كان هو يتمكن من بيع ما اشتراه والمشترى شراء فاسدا يملك بالقبض فينفذ البيع فيه ولا بأس بان يأخذ المسلم مال النصراني مضاربة ولا يكره له ذلك لان الذى يلى التصرف في المال هنا المسلم وهو

[ 61 ] يتحرز من العقود الفاسدة في تصرفه في مال غيره كما يتحرز عنه في تصرفه في مال نفسه فان اشترى به خمرا أو خنزيرا أو ميتة ونقد المال فهو مخالف ضامن لانه اشترى بمال المضاربة ما لا يمكنه أن يبيعه فيكون مخالفا كما لو كان رب المال مسلما فان ربح في ذلك رد الربح على من أخده منه ان كان يعرفه لانه أخذه منه بسبب فاسد فيستحق رده عليه وان كان لا يعرفه تصدق به لانه حصل له بكسب خبيث ولا يعطى رب المال النصراني منه شيأ لان تصرفه ما وقع له حين اشترى ما لا يمكنه بيعه وصار به مخالفا ولو دفع المسلم ماله مضاربة إلى مسلم ونصراني جاز من غير كراهة لان النصراني هنا لا ينفرد بالتصرف ما لم يساعده المسلم عليه والمسلم لا يساعده في العقود الفاسدة والتصرف في الخمر بخلاف ما إذا كان المضارب نصرانيا وحده فانه ينفرد بالتصرف هناك وإذا دفع الرجل ماله مضاربة إلى عبده وعليه دين أو إلى مكاتبه أو إلى ولده فهو جائز على ما اشترطا لانه من كسب هؤلاء كالاجنبي فكسب العبد المستغرق بالدين حق الغرماء وإذا دفع رجل إلى رجلين ألف درهم مضاربة بالنصف فاشتريا بها عبدا يساوى ألفى درهم وقبضاه فباعه أحدهما بغير أمر صاحبه بعرض يساوى ألفا وأجاز ذلك رب المال فذلك جائز لان المضارب مشتر ذلك العرض لنفسه مستقرض عبد المضاربة حين جعله عوضا عما اشتراه لنفسه ورب المال بالاجازة صار مقرضا العبد منه فتعمل اجازته بهذا الطريق ويكون على المضارب العامل قيمة العبد ألفى درهم ألف من ذلك يأخذها رب المال برأس ماله وألف أخرى ربحه يأخذ رب المال نصفها ونصفها بين المضاربين فيطرح عن العامل مقدار نصيبه من الربح وذلك ربع الالف ويغرم ما سوى ذلك وحق المضارب الآخر بيع لحق رب المال فلا يمتنع لاجله نفوذ اجازة رب المال في حصته ولو كان المضارب باع العبد بالفى درهم وأجاز ذلك رب المال جاز علي المضاربين ولا ضمان على البائع لانه غير مشتر بمال المضاربة شيأ بل هو تابع لمال المضاربة واستقراضه في الفصل الاول كان ضمنا لشرائه لنفسه ولم يوجد ذلك هنا فكان فعله بيعا مطلقا ان أجازه صاحبه نفذ لاجتماع رأيهما عليه وان أجازه رب المال نفذ لان المضارب نائب عنه في التصرف وإذا كان ينفذ العقد باجازة النائب فباجازة المنوب عنه أولى ويؤخذ من المشترى الالفان فيكون ذلك على المضاربة بمنزلة ما لو باعاه جميعا ولو كان المضارب باع العبد باقل من ألفين بقليل أو كثير بما يتغابن الناس في مثله أو لا يتغابن فيه فاجاز ذلك رب المال فاجازته باطلة لان فيه نقصانا يدخل على

[ 62 ] المضارب الآخر (ألا ترى) انه لاربح في المضاربة حتى يستوفى رأس المال فان كان النقصان يدخل عليه لم يجز ذلك عليه الا أن يرضى بالبيع فإذا لم يرض به رب العبد حتى يبعه المضاربان جاز وحاصل المعنى أن الاجازة انما تصح ممن يملك مباشرة العقد ورب المال لا يملك بيع مال المضاربة بغبن يسير مراعاة لحق المضارب في الربح فكذلك لا يملك اجازة البيع بغبن يسير من أحد الماضربين أو من أجنبي آخر وهو يملك مباشرة البيع بمثل القيمة فكذلك يملك اجازة بيع أحدهما بمثل القيمة وهذا لان رب المال غير مسلط على هذا التصرف من جهة من له الحق وهو المضارب فيستوى في حقه الغبن اليسير والفاحش كالمريض في حق ورثته بخلاف الوكيل بالشراء فانه مسلط على التصرف من جهة الموكل فيجعل الغبن اليسير عفوا في حقه بخلاف الوصي فهو مسلط على التصرف في حق الصبي شرعا فيقام ذلك مقام التسليط من جهته أن لو كان من أهله وعلى هذا لو كان رب المال هو الذى باعه وأجازه أحد المضاربين فان كان باعه بمثل القيمة فهو جائز وان باعه بدون القيمة بقليل أو كثير لم يجز حتى يجيزاه جميعا ولو كان أحد المضاربين باع العبد ببعض ما ذكرنا من الثمن فأجازه المضارب الآخر ولم يجز رب المال فهو جائز ان كان باعه بأقل من قيمته بما يتغابن الناس فيه وان كان بما لا يتغابن الناس فيه لم يجز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وهو جائز في قول أبى حنيفة رحمه الله بمنزلة مالو كان باعاه جميعا وأصل المسألة في الوكيلين بالبيع والله أعلم * (باب نفقة المضارب) * (قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل مالا مضاربة بالنصف فعمل به في مصره أو في أهله فلا نفقة له في مال المضاربة ولا على رب المال لان القياس أن لا يستحق المضارب النفقة في مال المضاربة بحال فانه بمنزلة الوكيل أو المستبضع عامل لغيره بأمره أو بمنزلة الاجير لما شرط لنفسه من بعض الربح وواحد من هؤلاء لا يستحق النفقة في المال الذى يعمل فيه الا انا تركنا هذا القياس فيما إذا سافر بالمال لاجل الصرف فبقي ما قبل السفر على أصل القياس وهذا لان مقامه في مصره أو في أهله لكونه متوطنا فيه لا لاجل مال المضاربة (ألا ترى) أنه قبل عقد المضاربة كان متوطنا في هذا الموضع وكانت نفقته في مال نفسه فكذلك بعد المضاربة فاما إذا خرج بالمال إلى مصر يتجر فيه كانت نفقته في مال

[ 63 ] المضاربة في طريقه وفى المصر الذى يأتيه لاجل العادة وهذا لان خروجه وسفره لاجل مال المضاربة والانسان لا يتحمل هذه المشقة ثم ينفق من مال نفسه لاجل ربح موهوم عسى يحصل وعسى لا يحصل بل انما رضى بتحمل هذه المشقة باعتبار منفعة تحصل له وليس ذلك الا بالانفاق من ماله الذي في يده فيما يرجع إلى كفايته بخلاف الوكيل والمستبضع فانه متبرع في عمله لغيره غير طامع في شئ من ماله لاجله وبخلاف الاجير لانه عامل له ببدل مضمون في ذمة المستأجر وذلك يحصل له بيقين فاما هذا فغير متبرع ولا هو مستوجب بدلا مضمونا بل حقه في ربح عسى يحصل وعسى لا يحصل فلابد من أن يحصل له بازاء ما تحمل من المشقة شئ معلوم وذلك نفقته في المال وهو بمنزلة الشريك والشريك إذا سافر بمال الشركة فنفقته في ذلك المال وهو مروى عن محمد رحمه الله فالمضارب كذلك وهذا لانه فرغ نفسه عن اشغاله لاجل مال المضاربة فهو كالمرأة إذا فرغت نفسها لزوجها بالمقام في بيته فاما في المصر فما فرغ نفسه لمال المضاربة فلا يستوجب نفقته فيه ونفقته طعامه وكسوته ودهنه وغسل ثيابه وركوبه في سفره إلى المصر الذى أتاه بالمعروف على قدر نفقة مثله لان هذا كله مما لا بد منه في السفر وفى النوادر عن أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ان دهنه ليس من جملة النفقة وكانهما أرادا به في الموضع الذى لا يحتاج فيه إلى استعمال الدهن عادة فتكون الحاجة إليه نادرة والثابت عرفا لا يثبت فيما هو نادر ومراد محمد رحمه الله إذا سافر إلى المواضع التى يحتاج فيها إلى استعمال الدهن عادة وذلك في ديار الحجاز والعراق ثم المستحق نفح قة المثل وهو المعروف كما في نفقة الزوجة فان أنفق أكثر من ذلك حسب له من ذلك نفقة مثله وكان ما بقى عليه في ماله فإذا رجع إلى مثله وقد بقى معه ثياب أو طعام أو غيره رده في مال المضاربة لان استحقاقه قد انتهى برجوعه إلى مصره فعليه رد ما بقي كالحاج عن الغير إذا بقى معه شئ من النفقة بعد رجوعه وكالمولى إذا بوأ أمته مع زوجها بيتا ثم شغلها بخدمته وقد بقى معها شئ من النفقة كان للزوج أن يسترد ذلك منها فاما الدواء والحجامة والكحل ونحو ذلك ففى ماله خاصة دون مال المضاربة وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله ان ذلك كله في مال المضاربة لان مال المضاربة مدة سفره في حاجته كمال نفسه فكما انه يصرف مال نفسه في هذه الاشياء كما يصرف في النفقة فكذلك مال المضاربة * وجه ظاهر الرواية انه انما يستوجب النفقة في مال المضاربة وثمن الدواء وأجرة الحجام وما يحتاج إليه من العلاج ليس من النفقة

[ 64 ] (ألا ترى) أن الزوجة لا تستحق شيأ من ذلك على زوجها بخلاف النفقة ثم الحاجة إلى هذه الاشياء غير معتادة بل هي نادرة والنادر لا يستحق بطريق العادة وكذلك جارية الوطئ والخدمة لا يحتسب بثمنها في المضاربة لان ذلك ليس من أصول حوائجه بل يكون للترفه وقضاء الشهوة ولان ما قصد لشرائها لا ترجع منفعته إلى مال المضاربة ولو استأجر اجيرا يخدمه في سفره وفي مصره الذى أتاه ليخبز له ويطبخ ويغسل ثيابه ويعمل له ما لابد له منه احتسب بذلك على المضارب لانه لو لم يستأجر احتاج إلى اقامة هذه الاعمال بنفسه فانه ما لابد له منه وإذا عمل له أجيره تفرغ هو للعمل في مال المضاربة فكان في هذا الا ستئجار منفعة للمضاربة وكذلك لو كان معه غلمان له يعملون في المال كانوا بمنزلته ونفقتهم في مال المضاربة لان نفقتهم كنفقته وهم يعملون له في المال كما يعمل هو ومن يستحق نفقته على انسان يستحق نفقة خادمه كالمرأة على زوجها الا أنها لا تحتاج إلى الزيادة على خادم واحد في عملها للزوج في بيته وقد يحتاج المضارب إلى غلمان يعملون في المال معه فلهذا كانت نفقتهم في مال المضاربة وكذلك لو كان للمضارب دواب يحمل عليها متاع المضاربة إلى مصر من الامصار كان علفها على المضاربة ما دامت في عملها لانها بالعلف تتقوى على حمل المتاع ومنفعة ذلك راجعة إلى مال المضاربة وإذا أراد القسمة بدأ برأس المال فاخرج من المال وجعلت النفقة مما بقي فان بقي من ذلك شئ فهو الربح يقسم بين المضارب ورب المال على ما اشترطا وكذلك لو كان انفق في سفره من المال بعضه قبل أن يشترى به شيأ ثم اشترى بالباقي وباع وربح استوفى رب المال رأس ماله كاملا لان ما أنفقه المضارب يجعل كالتاوى وقد بينا أن العقد يبقى في الكل بعد هلاك بعض رأس المال فيحصل جميع رأس المال وما بقى فهو بينهما على الشرط ولو دفع المال مضاربة إليه فخرج إلى السواد يشترى به الطعام وذلك مسيرة يوم أو يومين فأقام في ذلك المكان يشترى ويبيع فانه ينفق في طريقه ومقامه في ذلك المكان من مال المضاربة وهذا ومسيرة ثلاثة أيام في المعني سواء لانه انما فارق وطنه لعمله في مال المضاربة وكذلك لو أقام في هذا الموضع أيضا فيستوجب النفقة في مال المضاربة ولو كان في المصر الذى فيه أهله الا أن المصر عظم أهله في أقصاه والمقام الذى يتجر فيه في الجانب الآخر وكان يقيم هناك ليتجر ولا يرجع إلى أهله فلا نفقة له في مال المضاربة لان نواح المصر في حكم ناحية واحدة (ألا ترى) أن المقيم في ناحية من المصر يكون مقيما في جميع نواحيه وإذا خرج من أهله على قصد السفر لا يصير مسافرا

[ 65 ] ما لم ينفصل من عمران المصر وقد بينا أن مقامه في المصر لم يكن لا جل المضاربة وعلى هذا قيل لو كان يخرج للعمل إلى موضع قريب ويعود إلى أهله قلبل الليل فانه لا ينفق من مال المضاربة لانه مقيم في أهله إذا كان خروجه إلى موضع لا يحتاج إلى أن يبيت في غير أهله ولو كان له أهل بالكوفة وأهل بالبصرة ووطنه فيهما جميعا فخرج بالمال من الكوفة ليتجر فيه بالصبرة فانه ينفق من مال المضاربة في طريقه فإذا دخل البصرة كانت نفقته على نفسه مادام بها فإذا خرج منها راجعا إلى الكوفة أنفق من مال المضاربة في سفره لان سفره في الذهاب والرجوع لا جل المضاربة أما في البلدتين فهو مقيم في أهله واقامته في أهله ليس لاجل المضاربة ففى البلدتين ينفق من مال نفسه ولو كان أهل المضارب بالكوفة وأهل رب المال بالبصرة فخرج بالمال إلى البصرة مع رب المال ليتجر فيه فنفقته في طريقه وبالبصرة وفى رجوعه إلى الكوفة من مال المضاربة لان مقامه بالبصرة لاجل مال المضاربة إذ ليس له أهل بالبصرة لتكون البصرة وطن الاقامة له ويستوى ان نوى الاقامة بها خمسة عشر يوما أو أقل لان التاجر في المال العظيم قد يحتاج إلى هذا القدر من المقام في بلده لاجل التصرف في المال وبهذه النية تصير البصرة وطنا مستعارا له بخلاف ما لو كان له بها أهل أو تأهل بها لانه حينئذ تصير البصرة وطن اقامته ولو دفع إليه المال مضاربة وهما بالكوفة وليست الكوفة بوطن للمضارب لم ينفق على نفسه من المال ما دام بالكوفة لان اقامته بالكوفة على أي وجه كان ليس لاجل المضاربة (ألا ترى) أنه قبل عقد المضاربة كان مقيما بها فلا يستوجب النفقة في مال المضاربة ما لم يخرج منها فان خرج منها إلى وطنه ثم عاد إليها في تجارته أنفق بالكوفة من مال المضاربة لانه حين سافر بعد عقد المضاربة استوجب النفقة في مال المضاربة وصارت الكوفة في حقه كسائر البلدان لان وطنه بها كان مستعارا وقد انتقض بالسفر فرجوعه بعد ذلك إلى الكوفة وذهابه إلى مصر آخر سواء فان تزوج بها امرأة واتخذها وطنا زالت نفقته عن مال المضاربة لان مقامه بها بعد ما تزوج بها واتخذها دارا لا جل أهله لالا جل مال المضاربة فهى بمنزلة وطنه الاصلى وإذا سافر المضارب بالمال فأعانه رب المال بغلمانه يعملون معه في المضاربة أو أعانه بدوابه لحمل المتاع الذى يشترى بالمضاربة عليها فان المضاربة لا تفسد بهذا كما لو أعانه بنفسه في بعض الاعمال ونفقة الغلمان والدواب على رب المال دون مال المضاربة لان نفقة غلمان رب المال وعلف دوابه كنفقة نفسه ورب المال لو سافر معه ليعينه على العمل في مال المضاربة لم يستوجب نفقة في مال

[ 66 ] المضاربة بهذا السبب فكذلك نفقة غلمانه ودوابه بخلاف غلمان المضارب ودوابه فان نفقتهم كنفقته وهو يستوجب نفقة نفسه في مال المضاربة إذا سافر لاجله فكذلك نفقة غلمانه ودوابه فان أنفق على غلمان رب المال ودوابه من مال المضاربة بغير أمر رب المال ضمنه من ماله بمنزلة ما ينفق على أجنبي آخر لانه صرف مال المضاربة إلى وجه غير مستحق صرفه إليه بحكم المضاربة فيصير كالمستهلك لذلك المال وان كان أنفقه بأمر رب المال حسب ذلك على رب المال لانه صرف إلى ملكه بأمره بمنزلة صرفه إليه فيحسب ذلك على رب المال وفى الاصل أوضح هذا الفرق فقال لو لم أجعل نفقة غلمان المضارب في المضاربة جعلتها على المضارب لا محالة وكل نفقة تلحق المضارب في سفره في المضاربة فذلك في مال المضاربة ونفقه غلمان رب المال لو لم أجعلها في مال المضاربة كان ذلك على رب المال وهذا في المعنى اعتبار نفقه هؤلاء بنفقة نفسه على ما بينا ولو دفع المضارب مال المضاربة إلى عبده ليخرج به إلى مصر فيشترى به ويبيع فخرج به كانت نفقته في مال المضاربة لان نفقة عبده كنفقته وهو لو خرج بنفسه أنفق من مال المضاربة فكذلك عبده إذا خرج (ألا ترى) أنى لو لم أجعل نفقته على المضاربة جعلتها على المضارب ولو كان ذلك عبد رب المال باعانته واذنه فنفقته على مولاه ولا تكون على المضاربة بمنزلة مالو خرج رب المال بنفسه على وجه الاعانة للمضارب في عمله فان كان العبد أنفق على نفسه بامر رب المال فذلك محسوب على رب المال كما لو كان هو الذى أنفق على نفسه ولو أبضعه المضارب مع رجل لم يكن للمستبضع نفقة في مال المضاربة لان المستبضع متبرع ولانه لا يسافر عادة لاجل البضاعة بخلاف المضارب ولو أبضعه المضارب مع رب المال فعمل به فهو على المضاربة والربح بينهما على الشرط لانه معين للمضارب متبرع فيما أقام من العمل فلا يفسد به عقد المضاربة بينهما كالشريكين في المال إذا عمل أحدهما ولم يعمل الآخر شيأ ولانفقة لرب المال على المضاربة لانه بمنزلة المستبضع إذا كان أجنبيا وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة وأمره أن يعمل فيه برأيه فدفعه المضارب إلى اخر مضاربة فسافر الآخر بالمال إلى مصر ليشترى ويبيع فنفقته على المضاربة لانه بمنزلة المضارب الاول فان بعد قول رب المال اعمل فيه برأيك للمضارب أن يدفعه مضاربة ويقوم هو في ذلك مقام رب المال فكما أن نفقة المضارب الاول في سفره في مال المضاربة فكذلك نفقة المضارب الثاني وإذا دفع الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة فخرج المضارب فيها وفى

[ 67 ] عشرة آلاف من مال نفسه إلى مصر ليشترى بها ويبيع فان نفقته على أحد عشر سهما جزء منها في مال المضاربة وعشرة أجزاء في مال نفسه لانه يحتمل أن يكون خروجه لاجل مال المضاربة ويحتمل أن يكون خروجه لاجل مال نفسه احتمالا على السواء فينظر إلى منفعة خروجه وعمله وذلك يختلف بقلة المال وكثرته فيقسم النفقة على قدر ذلك لان المغرم مقابل بالمغنم وكذلك لو قال له اعمل فيه برأيك فخلط ماله بمال المضاربة ثم خرج لانه بعد هذا القول لا يصير ضامنا بالخلط فكان اخراجه المالين بعد الخلط كاخراجه قبل الخلط وكل مضاربة فاسدة فلا نفقة للمضارب فيها على مال المضاربة لان بعد فساد المضاربة هو بمنزلة الا جير (ألا ترى) أنه يستوجب أجر المثل ربح أولم يربح والا جارة الفاسدة معتبرة بالصحيحة فكما أن في الاجارة الصحيحة لا يستوجب النفقة على المال لانه استوجب بدلا مضمونا بمقابلة عمله فكذلك في الاجارة الفاسدة فان أنفق على نفسه من المال حسب من أجر مثل عمله وأخذ بما زاد عليه ان كان أنفق أكثر من أجر المثل لانه صاحب دين ظفر بجنس حقه من مال مديونه وأخذ أكثر من حقه وفي هذا يلزمه رد الزيادة وإذا أنفق في المضاربة الصحيحة في سفره من مال المضاربة فلما انتهى إلى المصر الذى قصده لم يشتر شيأ حتى رجع بالمال إلى مصره فأخذ رب المال ما بقى منه لم يكن على المضارب ضمان ما أنفق لانه أنفق بحق مستحق له فان سفره كان لاجل المضاربة وبان لم يشتر شيأ لا يتبين أن سفره لا يكون لاجل المضاربة فالتاجر لا يشترى بالمال في كل موضع يأتيه للتجارة لا محالة ولكن ان وجد ما يربح عليه اشترى والا رجع بالمال وذلك أرفق الوجهين له فان كان ما فعله من صنع التجار لا يخرج هو به من أن يكون مستحقا للنفقة على المال فلا يضمن ما أنفق وإذا مر المضارب على العاشر بمال المضاربة وأخبره به وأخذ منه العشر فلا ضمان على المضارب فيما أخذ منه العاشر وقد بينا في كتاب الزكاة أن على قول أبى حنيفة الاول رحمه الله العاشر يأخذ به الزكاة وعلى قوله الآخر وهو قولهما لا يأخذ منه شيأ فما أخذه العاشر اما أن يكون تاويا أو مأخوذا بحق فلا ضمان فيه على المضارب وان كان هو الذى أعطى العاشر بغير الزام من العاشر له فهو ضامن لما أعطى وكذلك ان صانعه بشئ من المال حتى كف عنه فهو ضامن لما أعطى لانه أعطى باختياره إلى من لا حق له في أخذه منه فيكون هو مستهلكا لما أعطى كما لو وهبه من أجنبي آخر (قال الشيخ) الامام الاجل رحمه الله وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول الجواب

[ 68 ] في زماننا بخلاف هذا ولا ضمان عل المضارب فيما يعطى من مال المضاربة إلى سلطان طمع فيه وقصد أخذه بطريق الغصب وكذلك الوصي إذا صانع في مال اليتيم لانهما يقصدان الاصلاح بهذه المصانعة فلو لم يفعل أخذ الطامع جميع المال فدفع البعض لاحراز ما بقى من جملة الحفظ في زماننا والامين فيما يرجع إلى الحفظ يكون ضامنا كما لو وقع الحريق في بيت المودع فناول الوديعة أجنبيا فأما في زمانهم فكانت القوة لسلاطين العدل فكان الامين متمكنا من دفع الامر إليهم ليدفعوا الظالم عن الامانة فلهذا قال إذا صانع بشئ من المال فهو ضامن لما أعطى وإذا اشترى المضارب بالمال متاعا أو لم يشتر به شيأ فنهاه رب المال أن يخرج من البلدة فليس له أن يخرجه من ذلك البلد أما قبل الشراء بالمال فالجواب صحيح واضح لانه يملك نهيه عن التصرف أصلا ما بقى المال نقدا في يده فإذا قيد الامر بشئ دون شئ كان أقرب إلى الصحة والحال قبل الشراء بعد العقد كحال العقد في انتفاء صفة اللزوم في حق كل واحد منهما وانعدام حق المضارب فكما أنه يملك التقييد عند العقد فكذلك بعد العقد قبل الشراء بالمال فاما بعد الشراء بالمال فمن أصحابنا رحمهم الله من يقول انما يستقيم الجواب على الرواية التى رويت انه ليس للمضارب أن يسافر بالمال بمطلق المضاربة وموضوع هذه المسألة فيما إذا قال له اعمل برأيك فانما يملك المسافرة باعتبار هذه الزيادة وهو يملك رفع هذه الزيادة بعد الشراء فكذلك يملك التقييد فيما هو مستفاذ بهذه الزيادة فأما على الرواية التى قلنا بمطلق العقد له حق المسافرة بالمال لا يستقيم هذا الجواب لانه بعد صيرورة المال عروضا لا يملك نهيه عما صار مستفادا له بمطلق العقد وهو حق التصرف فيه فكذلك لا يملك التقييد فيه بالنهي عن المسافرة بالمال والاصح أن نهيه عن المسافرة بالمال عامل على الاطلاق وان كان بمطلق المسافرة لدلالة اسم العقد فالمضاربة مشتقة من الضرب في الارض أو لمراعاة ما نص عليه رب المال من حفظه المال بنفسه عند خروجه مسافرا كما في الوديعة وهذا كله ينعدم بالنهي عن المسافرة بالمال بخلاف أصل التصرف فان حق المضارب يثبت بالتصرف حين صار المال عرضا لان ربحه لا يظهر الا بالتصرف ورب المال لا يملك ابطال حقه أما بالنهي عن المسافرة بالمال فليس فيه ابطال حق المضارب لتمكنه من التصرف في البلدة وانما فيه ايفاء حق رب المال في أن يكون ماله مصونا عن أسباب الهلاك وهذا مملوك له بعد ما صار المال عروضا كما كان قبله فان أخرجه ضمنه للخلاف والامين متى خالف ما أمر به نصا كان ضامنا وما أنفق على نفسه

[ 69 ] أو على المال بعد ما صار ضامنا له فهو في ماله خاصة بمنزلة الغاصب فان لم يحدث فيه حدثا حتى رده إلى البلد فهو برئ من ضمانه لانه عاد إلى الوفاق بعد ما خالف والعقد قائم بينهما فيعود أمينا كما كان وكذلك لو لم ينهه ولكن رب المال مات والمضاربة في يد المضارب عين أو متاع فسافر به المضارب بعد موته لان المال بالموت انتقل إلى الورثة ولم يوجد منهم الرضا بسفره به قط وما كان من رضا رب المال به قد انقطع بموته فذلك بمنزلة نهيه عن المسافرة بالمال إذا بلغه فالنهى لا يعمل في حقه ما لم يعلم به ولا فرق في الموت بين أن يعلم به أولا يعلم لانه عزل حكمي فلا يتوقف على العلم به كعزل الوكيل بموت المو كل وإذا سافر المضارب بالمال فاشترى به متاعا في بلد آخر فمات رب المال وهو لا يعلم بموته ثم سافر بالمتاع حتى أتى مصرا فنفقة المضارب بعد موت رب المال على نفسه دون المضاربة لان حكم المضاربة في حق المسافرة بالمال قد انتهى بموت رب المال وان لم يعلم به المضارب وباعتباره كان ينفق من مال المضاربة فنفقته بعد ذلك في سفره على نفسه وهو ضامن لما يهلك من المتاع في الطريق فان سلم حتى يبيعه جاز يبيعه لان بالموت لا يمتنع عليه بيعه في أي موضع باعه كما لا يمتنع عليه ذلك بالنهي عن التصرف بعد علمه به لما في التصرف من حق المضارب وقد سبق ثبوت حقه بثبوت حق الورثة فلا يبطل لحقهم لو كان المضارب خرج بالمتاع من ذلك المصر قبل موت رب المال لم يكن عليه ضمان وكانت نفقته في سفره حتى ينتهى إلى المصر ويبيع المتاع على المال لانه لا يتمكن من المقام في المفازة أو في موضع لا يتمكن من بيع المتاع كما هو عادة التجار فهو في نفقته على السفر إلى أن ينتهى إلى المصر ويبيع المتاع موافق لا مخالف فتكون نفقته في المال ولو كان رب المال مات والمضارب بمصر من الامصار غير مصر رب المال والمضاربة متاع في يده فخرج بها إلى مصر رب المال ففى القياس هو ضامن ولا يستوجب النفقة في المال لانه ينشئ سفرا بالمال بعد ما انعزل عنه بموت رب المال ولا حاجة به إلى ذلك فانه في موضع أمن ويتمكن من التصرف في المال وهذا وسفره إلى مصر آخر سواء وفى الاستحسان لا ضمان عليه ونفقته حتى يبلغ مصر رب المال على المضاربة لان هذا سفر لا يجد المضارب منه بدا فانه لابد من أن يسلم المال إلى الورثة ليسلم له نصيبه من الربح ولا يتأتى له ذلك الا بالعود إلى مصر لان ورثته فيه بخلاف سائر الا مصار والعقد يبقى لاجل الحاجة إليه كما إذا مات صاحب السفينة وهى في لجة البحر أو مات المكارى للدابة في طريق

[ 70 ] الحج بخلاف سفره إلى مصر آخر فانه غير محتاج إلى ذلك وكذلك لو كان رب المال حيا فأرسل إليه رسولا ينهاه عن الشراء والبيع وفي يده متاع فخرج بها إلى مصر رب المال فانى لا أضمنه ما هلك من المتاع في سفره واجعل نفقته في المال استحسانا لانه لا بد من أن يرجع بالمال إلى مصر رب المال كما لا بد له من أن يبيعه إذا نهاه في المصر فكما أن نهيه في ذلك لا يعمل ايفاء لحق المضارب في حصته من الربح فكذلك في هذا المقدار لا يعمل نهيه ولو كانت المضاربة في يده دراهم أو دنانير فمات رب المال والمضارب في مصر آخر وكان رب المال حيا فأرسل إليه ينهاه عن الشراء والبيع فاقبل المضارب بالمال إلى مصر رب المال فهلك في الطريق فلا ضمان عليه لانه لا يجد بدا من رد المال عليه ولا يتمكن من ذلك ما لم يأت به مصره به فيسلمه إليه أو إلى ورثته (ألا ترى) انه لو تركه هناك عند غيره وخرج إلى مصر رب المال كان مخالفا ضامنا وهو بما صنع يتحرز عن الخلاف فلا يضمنه لا نعدام السبب الموجب للضمان فان سلم حتى قدم وقد أنفق منه على سفره فهو ضامن للنفقة لان عقد المضاربة لا يبقى بعد موت رب المال أو نهيه إذا كان المال في يده نقدا فان بقاء العقد ببقاء حق المضارب في المال ولا حق له في المال هنا فهذا المال بمنزلة الوديعة في يده والمودع لا يستوجب النفقة في مال الوديعة (ألا ترى) أنه ليس له أن يشترى به شيأ لرب المال ولو فعل ذلك كان ضامنا بخلاف ما إذا كان المال عروضا فقد بقي العقد هناك لبقاء حق المضارب (ألا ترى) أنه يملك البيع على رب المال فكذلك يستوجب النفقة في سفر لا بد له منه وإذا اشترى المضارب بالمال وباع فصار المال دينا على الناس ثم أبى أن يتقاضاه فان كان فيه فضل أجبر على أن يتقاضاه وان لم يكن له فيه فضل لم يجبر على أن يتقاضاه لانه إذا كان فيه فضل فقد استحق المضارب نصيبه من الربح بعمله فيجبر على اكمال العمل كالاجير وذلك بالتقاضى حتى يقبض المال وان لم يكن فيه فضل فالمضارب كالوكيل في التصرف إذا لم يستوجب بازاء تصرفه شيأ والوكيل بالبيع لا يجبر على تقاضى الثمن ولكن يؤمر بان يحيل به الموكل على المشترى فكذلك هنا يؤمر بأن يحيل به رب المال على الغرماء لانه لا يتمكن من مطالبتهم إذا لم يعاملهم وليس في امتناع المضارب من أن يحيله بالمال عليهم الا التعنت والقصد إلى اتواء ماله فيمنع من ذلك * توضيح الفرق انه إذا كان في المال فضل فلابد للمضارب من أن يتقاضى نصيبه من الربح ويقبض فإذا قبض سلم له ذلك ولكنه يؤمر بتسليمه إلى رب المال

[ 71 ] بحساب رأس المال لانه ما لم يصل رأس المال رب المال لا يسلم شئ من الربح للمضارب ثم يقبض ثانيا مثله فيسلمه إليه فلا يزال هكذا حتى يقبض جميع المال فانه إذا لم يكن في المال فضل فلا حاجة بالمضارب إلى تقاضى شئ منه إذ لا نصيب له في المال فيؤمر أن يحيل به رب المال على الغرماء كما يؤمر به الوكيل وان كان فيه فضل وهو في مصره فانفق في تقاضيه وخصومة أصحابه وطعامه وركوبه نفقة لم يرجع بها في مال المضاربة لان هذا كله بمنزلة تصرفه في المال وقد بينا انه ما دام يتصرف في مصره لا يستوجب النفقة في مال المضاربة ولانه بما صنع يحيى حصة من الربح فهو كبيعه العروض في مصره وان كان الدين غائبا عن مصر المضارب فانفق في سفره وتقاضيه مالا بد له منه حسبب ذلك من مال المضاربة لان سفره وسعيه كان لاجل مال المضاربة فتكون نفقته في المال كما لو سافر للتصرف في المال وبهذا يتبين أن المضارب إذا أنفق في السفر من مال نفسه استوجب الرجوع به في مال المضاربة لانه قد لا يجد بدا من ذلك بأن لا تصل يده إلى مال المضاربة عند كل حاجة إلى نفقة فلا يكون متبرعا فيما ينفق من مال نفسه كالوصي يشترى لليتيم ويؤدى الثمن من مال نفسه كان له أن يرجع به في مال اليتيم الا أن تزيد نفقة المضارب على الدين فلا يرجع بالزيادة على رب المال لان نفقته من مال المضاربة لا في ذمة رب المال فلو استوجب الزيادة انما يستوجبها في ذمة رب المال ولانه انما يستوجب النفقة لان سعيه لاصلاح مال المضاربة ولمنفعة رب المال وهذا المعنى ينعدم في الزيادة على المال وإذا سافر المضارب بمال المضاربة فاشترى طعامه وكسوته واستأجر ما يركب عليه من ماله ليرجع به في مال المضاربة فلم يرجع به حتى توي مال المضاربة لم يرجع على رب المال بتلك النفقة لان حقه كان في المال لا في ذمة رب المال وبهلاك المال فات محل حقه فيبطل حقه كالعبد الجاني أو المديون إذا مات ومال الزكاة إذا هلك لا تبقى الزكاة واجبة بعد هلاك المال وكذلك لو لم يكن نقد ماله في ذلك فكان ثمن الطعام الكسوة وأجرة الدابة دينا عليه لانه التزمه بمباشرة سبب الالتزام فلا يستوجب شيأ من ذلك في ذمة رب المال وهذا بخلاف ما إذا استأجر دابة ليحمل عليها متاع المضاربة أو اشترى طعاما للمضاربة فضاع المال قبل أن ينفذ فانه يرجع بذلك على رب المال لانه فيما يشترى للمضاربة عامل لرب المال بأمره فعليه أن يخلصه من عهدة عمله وذلك في رجوعه عليه بالثمن في الاجرة فيما تعذر ايفاؤه من المال الذى في يده فاما فيما يشترى أو يستأجر

[ 72 ] لحاجة نفسه هو عامل لنفسه وهو فيما هو عامل لنفسه لا يستوجب الرجوع على رب المال بما يلحقه من العهدة وانما كان يرجع في مال المضاربة لان سعيه لاجل مال المضاربة وهذا لا يوجد في مال آخر لرب المال فلا يستوجب الرجوع في ذلك بعد هلاك مال المضاربة وإذا ادان المضارب مال المضاربة في غير مصره وربح فيه فأراد أن يتقاضاه وتكون نفقته منه وقال رب المال بل اتقاضاه ولا أريد أن تكون أنت المتقاضى فان رب المال يجبر على ترك التقاضى للمضارب وتكون نفقته على المال لان حق المضارب ثابت في نصيبه من الربح فلا بد من أن يتقاضى حصة من الربح وإذا أخذ ذلك أخذه رب المال منه بحساب رأس المال ثانيا أو ثالثا فتبين أن المضارب متقاض لرب المال وان نفقته في المال فرب المال فيما يسأل يقصد اسقاط حق المضارب وهو لا يتمكن من ذلك وان لم يكن فيه فضل فقال المضارب انا أتقاضاه وتكون نفقتى منه حتى أقبضه وقال رب المال أحلني به أجبر المضارب على أن يحيل به رب المال لانه لا حصة للمضارب في المال هنا ولاحق فهو بمطالبته يريد أن يلزمه نفقة نفسه في مال غيره فلصاحب المال أن يأبى ذلك ويتقاضى بنفسه وإذا اشترى المضارب بمال المضاربة متاعا وفيه فضل أولا فضل فيه فاراد المضارب أن يمسكه حتى يجد به ربحا كثيرا وأراد رب المال أن يبيعه فان كان لا فضل فيه اجبر المضارب على أن يبيعه أو يعطيه رب المال برأس ماله لانه لا حق للمضارب في المال في الحال فهو يريد أن يحول بين رب المال وبين ماله بحق موهوم عسى يحصل له وعسى لا يحصل وفيه اضرار برب المال والضرر مدفوع وان كان فيه فضل وكان رأس المال ألفا والمتاع يساوى ألفين فالمضارب يجبر على بيعه لان في تأخيره حيلولة بين رب المال وبين ماله وهو لم يرض بذلك حين عاقده عقد المضاربة الا أن للمضارب هنا أن يعطى رب المال ثلاثة ارباع المتاع برأس ماله وحصته من الربح ويمسك ربع المتاع وحصته من الربح وليس لرب المال أن يأبى ذلك عليه لان الربح حق والانسان لا يجبر على بيع ملك نفسه لتحصيل مقصود شريكه وكما يجب دفع الضرر عن رب المال يجب دفعه عن المضارب في حصته والطريق الذى يعتدل فيه النظر من الجانبين ما ذكرنا وإذا دفع مالا مضاربة وأمر المضارب أن يعمل في ذلك برأيه أولم يأمره فاستأجر المضارب ببعضه أرضا بيضاء واشترى ببعضه طعاما فزرعه في الارض فهو جائز على المضاربة بمنزلة التجارة لان عمل الزراعة من صنع التجار يقصدون به تحصيل النماء واليه أشار صاحب الشرع ﷺ

[ 73 ] الزارع يتاجر ربه وما كان من عمل التجار يملكه المضارب بمطلق العقد ولو استأجر أرضا بيضاء على أن يغرس فيها شجرا أو ارطابا فقال ذلك من المضاربة فهو جائز والوضيعة على رب المال والربح على ما اشترطا لانه من صنيع التجار يقصدون به استنماء المال ولو كان دفع إليه مضاربة بالنصف وقال له اعمل فيه برأيك فأخذ المضارب نخلا وشجرا وأرطابا معاملة على أن ما أخرج الله بعد من ذلك فنصفه لصاحب النخل ونصف المضارب على المضارب فعمل وأنفق مال المضاربة عليه فان ما خرج من ذلك بين صاحب النخل والمضارب نصفين ولايكون لرب المال شئ من ذلك لانه انما استحق النصف بعقد المعاملة وفى عقد المعاملة العامل يؤاجر نفسه وصاحب المال انما فوض الا مر إلى رأيه في المضاربة لان منافع يده فيما يستوجب باقامته العمل بمنافعه تكون له خاصة والنفقة التى أنفقها من ماله خاصة وهو ضامن لما أنفق من ذلك من مال المضاربة لانه صرف إلى حاجة نفسه على وجه لم يأذن له رب المال فيه ولو كان المضارب أخذ من رجل أرضا بيضاء على أن تزرعها طعاما فما خرج منها فنصفه لصاحب الارض ونصفه على المضاربة فاشترى طعاما ببعض المال فزرعه في الارض ثم أنفق ما بقى من المضاربة عليه حتى بلغ فهذا جائز لانه مستأجر الارض بنصف الخارج منها ولو استأجرها بدراهم جازت المضاربة فكذلك إذا استأجرها بنصف الخارج منها ولو استأجرها بدراهم جاز على المضاربة لذلك وتصرفه هنا في المال فان استحقاقه للخارج باعتبار أنه بما بذره والبذر من مال المضاربة فلهذا كان نصف الخارج لصاحب الارض ونصفه يباع يستوفى رب المال رأس ماله والباقى بينه وبين المضارب على الشرط وان لم يكن قال له اعمل فيه برأيك فالمضارب ضامن للمضاربة لانه أشرك غيره في مال المضاربة وقد بينا أن بمطلق العقد لا يملك المضارب الا شراك وهو بمنزلة دفعه بعض المال مضاربة إلى غيره وإذا صار مخالفا بتصرفه ضمن مال المضاربة وهو ملك المضمون به فما خرج من الزرع بين المضارب ورب المال نصفين على الشرط والله أعلم * (باب المرابحة في المضاربة) * (قال رضى الله عنه) قد تقدم بيان بعض مسائل الباب في البيوع فمن ذلك أن ما أنفق المضارب على نفسه في سفره لا يلحقه برأس المال في بيع المرابحة بخلاف ما أنفق على المتاع

[ 74 ] والرقيق مما لا بد منه فانه يلحقه ويقول قام على بكذا من غير أن يفسره لوجود العادة بين التجار في الحاق النفقة على المتاع برأس المال دون الحاق ما أنفقوا على أنفسهم وفي حق المشترى لا فرق بين أن يكون المتصرف مضاربا أو مالكا فكما أن المالك لا يلحق ما أنفقه على نفسه برأس المال لان منفعة ذلك لا ترجع إلى المتاع خاصة فكذلك ما أنفقه المضارب على نفسه وان ألحق ما أنفقه على نفسه برأس المال وباعه مرابحة أو تولية على الجملة من غير بيان فذلك جناية وقد بينا أقاويلهم في الجناية في المرابحة والتولية في البيوع وفى قول زفر كقول محمد رحمهما الله ولو اشترى المضارب متاعا بالف درهم ورقمه بألفى درهم ثم قال للمشترى منه ابتعه مرابحة على رقمه فان بين للمشترى كم رقمه فهو جائز لا بأس به لانه صادق في مقالته فرقمه ما أخبره ولم يخبره أنه قام عليه بذلك وقد بينا في البيوع رواية أبى يوسف في الفرق بين ما إذا كان المشترى عالما بعادة التجار أو غير عالم بذلك وان لم يعلم المشترى كم رقمه فالبيع فاسد لجهله بمقدار الثمن فإذا علم بالرقم كم هو فهو بالخيار ان شاء أخذه وان شاء تركه لانه انما يكشف له الحال الآن وخيار كشف الحال قد بيناه في البيوع عند أبى حنيفة رحمه الله فان قبضه فباعه ثم علم ما رقمه فرضى به فرضاه باطل وعليه قيمته لانه ملكه بالقبض بحكم عقد فاسد فنفذ بيعه فيه وتقرر عليه ضمان القيمة باخراجه من ملكه فلا يتغير ذلك بعلمه بالرقم ورضاه به لان ازالة المفسد انما تصحح العقد إذا كان المعقود عليه قائما في ملكه والتولية في هذه كالمرابحة فان كان المضارب ولاه رجلا برقمه ولا يعلم المشترى ما رقمه ثم باعه المضارب بعد ذلك من آخر بيعا صحيحا جاز ان لم يكن الاول قبضه لان البيع الاول كان فاسدا ولم يملكه المشترى قبل القبض فصح البيع الثاني من المضارب وانتقض به البيع الاول ولذلك لو كان الاول علم برقمه فسكت حتى باعه المضارب من آخر بيعا صحيحا لان بمجرد علمه لا يصح البيع الاول ما لم يرض به فان رضى الاول بعد ما علم ثم باعه المضارب من آخر بيعا صحيحا فالببيع للثاني باطل لان البيع الاول قد تم برضا المشترى به بعد علمه فصار المبيبع مملوكا للمشترى ولو كان الاول قبض المتاع من المضارب في هذه الوجوه ثم باعه المضارب من آخر كان بيعه الثاني باطلا لان الاول بالقبض صار مالكا فما لم يسترده المضارب منه لا ينفذ بيعه من غيره وان علم الاول بالرقم فنقض البيع لم يجز البيع الثاني أيضا لانه سبق عود الملك إليه فلا ينفذ بعوده إليه من بعد كمن باع مالا يملكه ثم ملكه ولو كان المضارب

[ 75 ] اشترى المتاع بألف درهم ثم قال لرجل أبيعك هذا المتاع مرابحة بربح مائة على ألفى درهم ولم يسم رقما ولا غيره فاشتراه برقمه ثم علم أن المضارب كان اشتراه بألف در هم فالبيع لازم بألفى درهم ومائة درهم ولا بأس للمضارب بما صنع لانه ما باعه مرابحة على رأس ماله فيه بل باعه مرابحة على ألفى درهم وانما يكره أن يتكلم بالكذب أو بما فيه شبهة الكذب فاما إذا خلا كلامه عن ذلك فلا بأس ببيعه وقد باعه بثمن مسمى معلوم فيجوز وان كان أسرف فيما أنفق على الرقيق فانما يضم إلى رأس ماله من ذلك نفقة مثله فأما الزيادة على ذلك كالتبضع منه فلا يلحق برأس المال وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى بها جارية ثم باعها بألفين واشترى بألفين جارية تساوى ألفى درهم من الغريم لا بأس بان يبيعها مرابحة ولا يبين أن ثمنها كان دينا بخلاف ما إذا صالحه على هذه الجارية صلحا فانه لا يبيعها مرابحة حتى يبين لان الشراء مبنى على الاستقصاء والصلح مبنى على التجاوز بدون الحق فعند ذلك لفظ الصلح يمكن شبهة الحطيطة والشبهة كالحقيقة في المنع من بيع المرابحة لانه مبنى على الامانة ولو اشترى بالف المضاربة جارية نسيئة سنة فهو جائز لان في يده من مال المضاربة مثل ثمنها فلا يكون هذا استدانة على المضاربة والشراء بالنسيئة من عادة التجار كالشراء بالنقد ثم لا يبيعها مرابحة على الالف مما لم يبين لما في الشراء بالنسيئة من شبهة الزيادة على ثمن المثل وقد بينا هذا في البيوع ولو اشترى ببعض الجارية ثيابا ثم فتلها أو قصرها باجر أو صبغها باجر فله أن يبيعها مرابحة على الثمن والا جر لان هذا مما جرى الرسم به بين التجار في الحاقه برأس المال ولو مر على العاشر فعشره لم يلحق ذلك برأس المال لان ذلك اما أن يكون زكاة فلا يلحقه برأس المال واما أن يكون غصبا فلا بيع على ما غصب منه مرابحة ولو اشترى المتاع بجميع المال ثم قصره من ماله فهو متطوع لا يرجع به على رب المال ولا ضمان عليه ان قال له رب المال اعمل فيه برأيك أولم يقل لان القصارة تزيل الدرن ولا تزيد في العين شيأ من مال المضاربة فلا يصير هو مخالفا بما صنع لانه زاد المتاع خيرا بما صنع وهو متطوع في ذلك لان رب المال لم يرض برجوعه عليه بشئ في ذمته فعمله ذلك في متاع المضاربة ومتاع أجنبي آخر سواء وإذا باعه مساومة أو مرابحة كان الثمن كله على المضاربة وكذلك لو فتل الثوب أو صبغه أسود من ماله فنقصه ذلك أو لم يزد فيه وان صبغه من ماله صبغا يزيد فيه كالعصفر والزعفران وان كان رب المال أمره أن يعمل في ذلك برأيه فلا ضمان عليه وان كان لم يأمره

[ 76 ] بذلك فهو ضامن للثياب لانه خلط ماله بمال المضاربة والصبغ مال متقوم للمضارب وقد بينا أن المضارب بالخلط يصير ضامنا إذ لم يقل له رب المال اعمل فيه برأيك ثم ان لم يكن فيه فضل على رأس المال فرب المال بالخيار ان شاء أخذه برأس ماله وأعطى المضارب ما زاد على الصبغ فيه يوم يختصمون وان شاء سلم له الثوب وضمنه قيمته لان الثوب كله لرب المال والمضارب فيا صنع بمنزلة من غصب ثوب انسان وصبغه فان لم يختر شيأ حتى باعها المضارب مساومة أو مرابحة جاز بيعه لبقاء عقد المضاربة بينهما في الثوب بعد الصبغ لان المضارب في البيع كالوكيل والوكالة باليع لا تبطل بالخلاف من طريق الفعل وبرئ من ضمانه لانه عاد إلى الوفاق من بعد تصرفه على المضاربة ويقسم الثمن في المساومة على قيمة الثوب وقيمة ما زاد الصبغ فيه فيكون حصة الصبغ للمضارب ويستوفى رب المال رأس ماله من حصة الثوب والباقى ربح بينهما على الشرط لان الصبغ عين مال قائم في الثوب للمضارب وقد تناوله البيع كالثوب فيقسم الثمن عليهما بخلاف القصارة وان كان باعه مرابحة قسم الثمن على ما اشترى به المضارب وعلى جر الصبغ يوم صبغ لان الثمن في بيع المرابحة مبنى على الثمن الاول فيقسم عليه وفي بيع المساومة بمقابلة الملك فيقسم على قدر الملك وان كان صبغه أسود فكذلك الجواب عندهما لان السواد عندهما زيادة كالحمرة وعند أبى حنيفة السواد في الثوب نقصان فهو بمنزلة الفتل والقصارة في أنه لا حصة للمضارب من الثمن ولا ضمان عليه لانه لم يخلط مال المضاربة بمال متقوم له وإذا اشترى المضارب المتاع بالف المضاربة وقبضه ولم ينقد الثمن حتى ضاعت فانه يرجع على رب المال بالف أخرى فينقدها اياه لانه في الشراء كان عاملا لرب المال بامره فيرجع عليه بما لحقه من العهدة وهو في هذا كالوكيل إذا دفع إليه الثمن قبل الشراء وهلك في يده بعد الشراء فانه يرجع على الموكل بعد الشراء لان الوكيل لا يرجع الا مرة واحدة فان شراء الوكيل يوجب الثمن عليه للبائع وله على الموكل فإذا رجع على الموكل بعد الشراء صار مقتضيا ما استوجبه دينا عليه وصار مضمونا عليه بالقبض فإذا هلك يهلك من ضمانه فاما المضارب إذا رجع على رب المال فما يقبضه يكون أمانة في يده لانه من رأس المال (ألا ترى) أن عند القسمة يرد على رب المال أو لا جميع ما استوفى ثم يقاسمه الربح ومن شرط المضاربة أن يكون رأس المال أمانه في يد المضارب فإذا هلك ثانيا كان هلاكه على رب المال فيرجع عليه مرة بعد أخرى حتى يصل الثمن إلى البائع ولا يبيع المتاع مرابحة الا

[ 77 ] على ألف درهم لانه اشتراه بالف وما هلك في يده من رأس مال المضاربة فلا يلحقه برأس المال فإذا باع المتاع أخذ رب المال رأس ماله ألفى درهم لانه رجع ذلك إلى المضارب بسبب عقد المضاربة فيكون جميع رأس ماله يرد عليه ثم الباقي ربح بينهما وكذلك لو كان اشترى بالف جارية فلم يقبضها حتى ادعى المضارب انه قد نقد البائع الثمن وجحد البائع ذلك وحلف فان المضارب يرجع على رب المال بالف أخرى فيدفعها إلى البائع ويأخذ الجارية فتكون على المضاربة لان هذه عهدة لحقته في عمل باشره لرب المال وإذا اقتسموا المضاربة أخذ رب المال رأس ماله ألفى درهم لما ذكرنا والمضارب في هذا مخالف للوكيل فان الوكيل بالشراء لو قال دفعت الالف إلى البائع وجحد البائع غرمها الوكيل من ماله فيدفعها إلى البائع ويأخذ منه الجارية فتسلم إلى الآمر لان الوكيل قد أقر انه اقتضى دينه على الموكل بما قضى به دين نفسه من مال الموكل فيسلمها إلى الآمر واقرارهما ليس بحجة على البائع في قضاء الثمن لان ذلك دعوى منه عليه ولكنه حجة عليه في الاقتضاء لان ذلك اقرار منه وبعد ما صار مقتضيا لا يرجع على الموكل بشئ فاما المضارب يدفع الثمن إلى البائع يكون قاضيا لا مقتضيا لانه لو صار مقتضيا كان ضامنا ورأس المال أمانة في يده فإذا لم تصح دعواه في القضاء بحجود البائع بقى المقبوض كالهالك في يده فيرجع على رب المال بالف أخرى (ألا ترى) أن الوكيل لو لم يدفع إليه الثمن حتى اشترى ثم قبض الثمن فهلك في يده لم يرجع على الموكل مرة أخرى والمضارب في مثله يرجع على رب المال ثانيا حتى يدفع الثمن إلى البائع ولو اشترى ثوبا بعشرة دراهم من مال المضاربة ثم باعه مرابحة فقال للمشترى أبيعك هذا الثوب بربح الدرهم درهم فالثمن عشرون درهما لانه سمى بمقابلة كل درهم من رأس المال درهما ربحا والالف واللام للجنس فيما يمكن استغراق الجنس فيه إذ لا معهود له فيه ليحمل على المعهود فهذا وقوله بربح كل درهم درهما سواء وكذلك لو قال بربح كل درهم اثنين فالثمن ثلاثون درهما ولو قال بربح العشرة خسمة أو بربح الدرهم نصف درهم كان الثمن خمسة عشر لانه سمى بمقابلة كل درهم من رأس المال نصف درهم ربحا أو بمقابلة جميع رأس المال خمسة ربحا ولو قال أبيعك بربح العشرة خمسة عشر فالقياس أن يكون بخمسة وعشرين درهما لانه ضم إلى رأس المال خسمة عشر درهما ربحا ولكنا نستحسن أن يكون البيع بخمسة عشر للعادة الظاهرة بين التجار فانهم يقولون يده يازده سود فروحب وانما يريدون به أن الخمسة ربح والعشرة رأس

[ 78 ] مال وكذلك لو قال بربح العشرة أحد عشر أو قال يده يازده فالربح درهم واحد استحسانا لان مطلق اللفظ محمول على معاني كلام الناس وما يتفاهمونه في مخاطباتهم وكذلك لو قال بربح عشرة أحد عشر ونصف فالربح درهم ونصف أو قال أحد عشر ودانق فالربح درهم ودانق ولو قال بربح العشرة عشرة وخمسة أو خمسة وعشرة فالثمن خمسة وعشرون لانه عطف أحد العددين على الآخر في تسمية الربح وضم العدد إلى رأس ماله وليس بين التجار عادة في مثل هذا اللفظ فيجب حمل اللفظ على الحقيقة ويكون ربحه العددين جميعا وان كان الثوب انتقص عنده حتى صار يساوى ثلاثة دراهم ثم باعه بوضيعة الدراهم درهم كان الثمن خمسة دراهم لان بيع الوضيعة كبيع المرابحة فكما أن هذا اللفظ في بيع المرابحة التضعيف على الثمن الاول فكذلك في بيع الوضيعة يوجب التنصيف ولو كان بوضيعة الدرهم درهمين كان الثمن عليه ثلاثة دراهم وثلثا لان هذا اللفظ في بيع المرابحة يوجب أن يكون الربح ضعف رأس المال ففى بيع الوضيعة نصف الثمن وانما يكون ذلك إذا كان النقصان من العشرة ستة وثلاثين لان في بيع المرابحة هذا اللفظ يوجب أن يكون الربح مثل نصف رأس المال ففى الوضيعة يوجب أن يكون النقصان مثل نصف الباقي في ذلك في أن يكون الباقي من الثمن ستة وثلاثين والنقصان ثلاثة وثلثا وكذلك لو قال بوضيعة العشرة خمسة عشر اعتبارا للوضيعة بالمرابحة ولو اشترى المضارب عبدا وقبضه ثم باعه بجارية وقبضها ودفع العبد لم يكن له أن يبيع الجارية مرابحة على الثمن ولا تولية الا من الذى يملك العبد لان بيع المرابحة والتولية بيع بمثل الثمن الاول وزيادة ربح مسمى في عقد المرابحة والعبد لامثل له من جنسه فلو باعها مرابحة أو تولية من غير أن يملك العبد لكان هذا بيعا بقيمة العبد وطريق معرفة القيمة الحزر والظن دون الحقيقة فاما ممن يملك العبد انما يبيعها على العبد بعينه وهو قادر على تسليمه فان باعها تولية جاز وان باعها مرابحة بربح عشرة دراهم جاز ويأخذ العبد عشرة دراهم وان باعها مرابحة بربح عشرة أحد عشر لم يجز لان هذا اللفظ يوجب أن يكون الربح من جنس رأس المال ورأس المال لامثل له من جنسه ليضم إليه مقدار الربح من جنسه بخلاف ما إذا كان اشتراها بماله مثل من جنسه كالمكيل والموزون فان هناك يبيعها مرابحة ممن شاء فسواء سمى مقدارا معلوما من الربح أو قال بربح عشرة أحد عشر لانه لما اشترى بماله مثل من جنسه فهو والمشترى بالنقد سواء ولو كان الذى اشترى العبد باعه من رجل آخر أو

[ 79 ] وهبه وسلمه ثم باعه المضارب الجارية مرابحة أو تولية كان باطلا لانه لم يبق العبد في ملكه فهو في هذا الشراء كأجنبي آخر ولو باع المضارب الجارية من الموهوب له بالغلام مرابحة أو تولية جاز ذلك لان عين الغلام في ملكه وهو قادر على تسليمه فهو بمنزلة الواهب في المسألة الاولى ولو باع المضارب الجارية من رجل لا يملك العبد بربح عشرة دراهم على رأس المال فاجاز رب العبد البيع جاز لانه باجازة رب العبد قدر المشترى على التسليم للعبد فنزل في ذلك منزلة المالك للعبد فان بملكه كان يقدر على التسليم وقد قدر على ذلك باجازة رب العبد والمانع من جواز هذا العقد عجزه عن تسليم العبد ثم الجارية تكون للمشترى من المضارب ويأخذ المضارب الغلام ويأخذ من المشترى منه الجارية عشرة دراهم ويرجع مولى الغلام على المشترى بقيمة الغلام لان المشترى للجارية عامل لنفسه في شرائها فنفذ الشراء عليه ولم يتوقف على اجازة رب الغلام ولكنه استقرض منه الغلام ليدفعه في ثمنها وهو بالا جازة صار مقرضا منه واستقراض الحيوان وان كان فاسدا لكنه مضمون بالقيمة عند تعذر رد العين وقد تعذر رد الغلام بخروجه عن ملك المستقرض وصيرورته على المضاربة ولو كان في يد المضارب جارية من المضاربة فباعها بغلام وتقابضا ثم ان المضارب باع الغلام من صاحب الجارية بربح العشرة أحد عشر كان البيع فاسدا لان موجب هذا اللفظ أن يكون الربح من جنس رأس المال وليس للجارية مثل من جنسها ولو باع الغلام من رب الجارية بوضيعة العشرة أحد عشر كان البيع جائزا ويعطيه المشتري من الجارية عشرة أجزاء من أحد عشر جزأ لان موجب هذا اللفظ في الوضيعة نقصان جزء من أحد عشر جزأ من ثمن الاول وقد بينا ذلك في البيوع فيما إذا كان الثمن عشرة دراهم فكذلك هنا يصير في التقدير كانه باع الغلام من رب الجارية بعشرة أجزاء من أحد عشر جزأ من الجارية ولو قال أبيعك هذا الغلام بربح عشرة دراهم كان جائزا ويأخذ الجارية وعشرة دراهم لان ما سماه ربحا وضمه إلى الجارية دراهم معلومة ولو قال أبيعك بوضيعة عشرة دراهم من رأس المال كان البيع باطلا لان موجب لفظ الوضيعة النقصان وانما ينقص من ثمن الجارية مقدار عشرة دراهم منها وذلك لا يعرف الا بالتقويم والبيع بالوضيعة كالبيع مرابحة في أنه إذا وقعت الجارية إلى التقويم كان باطلا لان طريق معرفة القيمة الحزر والظن * يوضحه انه يصير في التقدير كانه قال بعتك هذا الغلام بهذه الجارية الا مقدار عشرة دراهم منها وذلك باطل

[ 80 ] وان كانت المضاربة بالف درهم بخية فاشترى بها عبدا ثم باعه بالكوفة مرابحة بربح مائة درهم فعلى المشترى ألف درهم بخية ومائة درهم غلة نقد الكوفة ولو قال أبيعك بربح عشرة أحد عشر كان الثمن والربح كله بخية لان موجب هذا اللفظ أن يكون الربح من جنس ثمن الاول بصفته ليكون الربح جزأ من أحد عشر جزأ من جميع الثمن الثاني واللفظ الاول لا يوجب ذلك وانما يوجب أن يكون الربح مائة درهم كما سمى فيه وتسمية مائة درهم في البيع مطلقا ينصرف إلى غلة الكوفة (ألا ترى) أنه لو قال أبيعك بربح دينار كان الثمن ألف درهم بخية ودينارا من نقد الكوفة ولو كان باعه بوضيعة مائة درهم أو بوضيعة عشرة أحد عشر كانت الوضيعة من البخية لان الوضيعة لا تكون أبدا الا من الثمن الاول فان طرح بعض الثمن الاول باى لفظ ذكره لابد أن يكون المطروح جزأ من الثمن الاول والربح ليس من الثمن الاول فلهذا افترقا وإذا دفع مالا مضاربة إلى رجل فاشترى به جارية وقبضها وباعها بغلام وتقابضا فزادت الجارية في يد المشترى أو ولدت ثم باع المضارب الغلام من رب الجارية بربح مائة درهم وهو لا يعلم بالولادة فان كانت الزيادة في البدن أخذ الجارية ومائة درهم لان الزيادة المنفصلة لا تعتبر في عقود المعاوضات (ألا ترى) أنه لو وجد بالجارية عيبا ردها مع الزيادة المنفصلة فكان وجود هذه الزيادة كعدمها وان كانت ولدت فان شاء المضارب أخذ الجارية ومائة درهم وان شاء نقض البيع ولا سبيل له على الولد لانه انما باع الغلام بالجارية والولد منفصل عنها عند هذا العقد فلا يدخل في البيع ولكن ان كانت الولادة نقصت الجارية فلا اشكال في ثبوت الخيار للمضارب لانه وجدها معيبة ولم يكن عالما بعيبها وان لم يلف فيها نقصان الولادة فعلى رواية هذا الكتاب الجواب كذلك فان الولادة في هذه الجارية على رواية هذا الكتاب عيب لازم أبدا بخلاف رواية كتاب البيوع وقد بينا وجه الروايتين ثمة والتولية في هذا كالمرابحة ومقصود بيان الفرق بين هذا وبين الرد بالعيب أنه فسخ للعقد الاول فلو جاز بقى الولد ربحا للمشترى بغير عوض وهو الربا بعينه فأما التولية أو المرابحة فلا توجب فسخ العقد الاول فيمكن تصحيح ذلك في الجارية مع سلامة الولد للمشترى وان كانت المضاربة ألف درهم فاشترى بها جارية وباعها بألف وخمسمائة ثم اشتراها بألف باعها مرابحة على ألف درهم عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وعند أبى حنيفة رحمه الله على خمسمائة وقد بينا هذا في البيوع أن من أصل أبى حنيفة ضم أحد العقدين إلى الآخر

[ 81 ] واعتبار الحاصل مما بقى من ضمانه فانما يبيعه مرابحة على ذلك وذلك خمسمائة هنا ولو كان باعها بألف درهم وكر حنطة وسط أو بالف درهم ودينار ثم اشتراها بالف لم يبعها مرابحة عند أبى حنيفة لانه انما يببعها مرابحة على حاصل ما بقى في ضمانه ولا يعرف ذلك الا بالحزر والظن لانه غرم فيها مرتين ألف درهم ورجع إليه ألف وكر حنطة أو ألف دينار فلا بد من طرح ذلك من الالفين وطرح الحنطة والدينار من الدراهم يكون باعتبار القيمة وطريق معرفتها الحزر والظن ولو كان باعها بمائة دينار وقيمتها أكثر من ألف درهم ثم اشتراها بألف درهم لم يبعها مرابحة في قياس قول أبى حنيفة لان الدراهم والدنانير في الصورة جنسان وفى المعنى كجنس واحد (ألا ترى) أن في شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن جعل الدراهم والدنانير كجنس واحد للا حتياط وفي بيع المرابحه كذلك وإذا كانا كجنس واحد فلا بد من طرح مائة دينار من الالفين التى غرمها في ثمنها مرتين ولا طريق لذلك الا باعتبار القيمه فلهذا لا يبيعها مرابحة عنده ولو كان المضارب باع الجارية بشئ من المكيل أو الموزون أو بعرض قيمته أكثر من ألف درهم ثم اشتراها بألف درهم فله أن يبيعها مرابحة على الالف لان ما عاد إليه ليس من جنس ما غرم فيها حقيقة وحكما وضم بعض العقود إلى البعض كما لا يكون عند اختلاف جنس النقود بان يكون أحد العقدين هبة فكذلك لا يكون عند اختلاف الجنس فيما غرم فيه وفيما عاد إليه وهذا بمنزلة شراء ما باع باقل مما باع قبل نقد الثمن فانه لو اشتراه بكر حنطة قيمته أقل مما باعه به قبل قبض الثمن كان جائزا بخلاف النقود فهذا مثله والله أعلم * (باب * المضارب يبيع المال ثم يشتريه لنفسه باقل من ذلك) * (قال رضى الله عنه) قد بينا في البيوع أن من باع أو بيع له فليس له أن يشترى المبيع باقل من الثمن الاول قبل قبض الثمن إذا لم يتعيب المبيع عند المشترى فعلى ذلك الاصل بنى الباب قال إذا اشترى المضارب بالف المضاربة جارية وقبضها ثم باعها بالف درهم فلم ينقد ثمنها حتى اشتراها لنفسه بخمسمائة لم يجز لانه هو البائع لها والبائع لغيره كالبائع لنفسه في حق قبض الثمن فكذلك في المنع من الشراء باقل قبل قبض الثمن وكذلك لو اشتراها رب المال لنفسه بخمسائة لم يجز لان المضارب باعها له (ألا ترى) انه يرجع عليه بما لحقه من العهدة فكأنه

[ 82 ] باعها بنفسه وكذلك لو كانت قيمتها ألفى درهم يوم اشتراها المضارب وانما أورد هذا لان المضارب في مقدار حصته من الربح يبيعها لنفسه لا لرب المال فكان ينبغى أن يصح شراء رب المال في ذلك الربح لانه ما باعه ولا بيع له ولكنه قال حق المضارب تبع لحق رب المال لا يظهر قبل وصول رأس المال إلى رب المال فبيعه في جميعها كان لرب المال حكما (ألا ترى) انه لو استوفى من المشترى ألفا من الثمن وتوى عليه ألف كان المقبوض كله لرب المال من رأس ماله فيه تبين أن بيعه في جميعها وقع لرب المال وكذلك لو كان المضارب باعها بالفين وقبض الثمن الا درهما ثم اشتراها المضارب لنفسه أو اشتراها رب المال لنفسه باقل من الثمن الا ول لم يجز لان المنع من الشراء باقل من الثمن الاول حكم ثبت لعدم قبض الثمن فيبقى ما بقى شئ من الثمن غير مقبوض كحق الحبس للبائع في المبيع وكذلك لو اشتراها أحدهما بدنانير قيمتها أقل من الثمن الاول لان الدراهم والدنانير في هذا الحكم كجنس واحد استحسانا وقد بيناه في البيوع وكذلك لو اشتراها ابن أحدهما أو أبوه أو عبده أو مكاتبه في قول أبى حنيفة رحمه الله وفي قولهما شراء هؤلاء جائز إلا المكاتب والعبد وقد بينا هذا في البيوع ولو وكل المضارب ابنه بشرائها أو ابن رب المال لم يجز الشراء في قول أبى حنيفة للوكيل وللمو كل لان هذا الوكيل لا يملك شراءها لنفسه بهذا الثمن فلا يملك شراءها لغيره أيضا كالمسلم في الخمر بخلاف ما إذا وكل أجنبيا فان الأجنبي يملك شراءها لنفسه باقل من الثمن الاول فيصح منه شراؤها للمضارب أيضا بناء على أصل أبى حنيفة في المسلم يوكل ذميا بشراء الخمر وقد بينا في البيوع الفرق بين شراء الوكيل للبائع وبين شراء ابن الآمر لنفسه على أصل أبى حنيفة رحمه الله ولو وكل المضارب رب المال أن يشتريها له أو وكل رب المال المضارب بذلك لم يجز لان كل واحد منهما لا يملك شراءها لنفسه وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن يشترى بها من الهروي خاصة والربح بينهما نصفان وما يشترى بها من النسائي فالربح كله لرب المال وما يشترى بها من الزطى فالربح كله للمضارب فهو على ما سمى لانه فوض إلى رأيه ثلاثة أنواع من العمل اما العمل على طريق المضاربة أو على سبيل البضاعة أو على سبيل القرض لنفسه وكل ذلك معلوم عند مباشرته العمل والجهالة عند العقد لا تفضى إلى تمكن المنازعة بينهما فيصح فان كان اشترى الهروي فهو على المضاربة كما اشترطا وان كان اشترى بها النسائي فهو بضاعة في يده والربح لرب المال والوضيعة عليه فان كان اشترى بها الزطية فالمال

[ 83 ] قرض عليه والربح له والوضيعة عليه وإذا اشترى المضارب بمال المضاربة جاريتين تساوى كل واحدة منهما ألف درهم ثم باع احداهما بالف والاخرى بالفين وقبضهما المشترى ثم لقيه المضارب وقال زدنى في ثمنها فزاده مائة درهم وقبضها المضارب ثم وجد المشترى باحدهما عيبا ردها بثمنها ونصف المائة لان الزيادة أضيفت اليهما والتزمها المشترى بمقابلها فيتوزع على قيمتهما كاصل الثمن إذا سمى بمقابلهما جملة وقيمتهما سواء فانقسمت الزيادة عليهما نصفين ولو كان المشترى طعن فيهما بعيب فصالحه المضارب على ان حط من الثمن مائة درهم ثم وجد المشترى بعد ذلك بالذى اشتراها بالف درهم عيبا ردها بالف غير ثلاثة وثلاثين وثلث لانه حط المائة من الثمنين فيقسم على قدر الثمنين ثلثاه من ثمن التى باعها بالفين وثلثه من ثمن التى باعها بالف وثلث المائة ثلاثة وثلاثون وثلث فلهذا ينتقص من ثمنها وهو ألف هذا المقدار وهذا لما قسمنا في الباب الاول ان الحط من الثمن والزيادة ليست من الثمن انما هي مال التزمه المشترى بمقابلة الجاريتين فهو كالمال الذى اشترى به الجاريتين ولو كان المضارب اشترى الجاريتين من المشترى بربح مائة درهم على ما باعهما به ثم وجد باحداهما عيبا ردها بثمنها وحصتها من الربح إذا قسمت على الثمنين لما بينا أن الثمن في بيع المرابحة مبنى على الثمن الاول أصله وربحه ولو كان المشترى اشترى احدى الجاريتين بالف والاخرى بالفين ثم أراد أن يبيعهما مرابحة على ثلاثة آلاف درهم فله ذلك لان حاصل ما غرم في ثمنهما ثلاثة آلاف درهم وان باع كل واحدة منهما على حدة مرابحة على ثمنها جاز عند أبى حنيفة وأبى يوسف وقد بينا هذا في البيوع فان زاد في ثمنهما مائة درهم وأراد أن بيعهما مرابحة باعهما جميعا على ثلاثة آلاف درهم ومائة درهم لانه تيقن بمقدار ما غرم في ثمنهما فيبيعهما على ذلك مرابحة وان أراد أن يبع احداهما مرابحة على حدة لم يكن له ذلك لان المائة الزائدة انما تقسم على قيمتها وطريقة معرفة القيمة الحزر والظن وذلك يمنعه من بيع المرابحة كما لو كان اشتراهما بثمن واحد له أن يبيعهما جميعا مرابحة على الثمن وليس له بيع احداهما مرابحة على حصتها من الثمن والله أعلم * (باب عمل رب المال مع المضارب) * (قال رضى الله) وإذا وقعت المضاربة على أن يعمل رب المال مع المضارب فالمضاربة فاسدة لان من شرط صحتها التخلية بين المضارب وبين رب المال وهذا الشرط بعدم التخلية