المبسوط السرخسي ج 2
[ 1 ] (الجزء الثاني من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيضا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (باب في الصلوات في السفينة) (قال) وان استطاع الرجل الخروج من السفينة للصلاة فالاولى له أن يخرج ويصلى قائما على الارض ليكون أبعد عن الخلاف وان صلى فيها قاعدا وهو يقدر على القيام أو على الخروج أجزأه عند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه استحسانا ولا يجزئه عندهما وهو القياس ووجهه هو أن السفينة في حقه كالبيت حتى لا يصلى فيه بالايماء تطوعا مع القدرة على الركوع والسجود فكما إذا ترك القيام في البيت مع قدرته عليه لا يجزئه في أداء المكتوبة فكذلك في السفينة لان سقوط القيام في المكتوبة للعجز أو للمشقة وقد زال ذلك بقدرته على القيام أو على الخروج. وجه الاستحسان أن الغالب في حال راكب السفينة دوران رأسه إذا قام والحكم ينبنى على العام الغالب دون الشاذ النادر ألا ترى أن نوم المضطجع جعل حدثا على الغالب ممن حاله أن يخرج منه لزوال الاستمساك وسكوت البكر رضا لاجل الحياء بناء على الغالب من حال البكر والشاذ يلحق بالعام الغالب فهذا مثله (وفى) حديث ابن سيرين رضى الله تعالى عنه قال صلينا مع أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه في السفينة قعودا ولو شئنا لخرجنا إلى الحد وقال مجاهد رحمه الله صلينا مع جنادة بن أبى أمية قعودا في السفينة ولو شئنا لقمنا فدل على الجواز (قال) ولا يجوز للمسافر أن يتطوع في السفينة بالايماء بخلاف راكب الدابة فان الجواز له بالايماء هناك لورود النص به وهذا ليس في معناه لان راكب الدابة ليس له موضع قرار على الارض وراكب السفينة له فيها موضع قرار على الارض فالسفينة في حقه كالبيت ألا ترى أنه لا يجريها بل هي تجرى به قال الله تعالى وهي تجرى بهم في موج كالجبال وراكب الدابة يجريها حتى يملك أيقافها
[ 3 ] متى شاء ولهذا جوزنا الصلاة على الدابة حيث كان وجهه وفى السفينة يلزمه التوجه إلى القبلة عند افتتاح الصلاة وكذلك كلما دارت السفينة يتوجه إليها لانها في حقه كالبيت فيلزمه التوجه إلى القبلة لاداء الصلاة فيها ولا يصير مقيما بنية الاقامة وصاحب السفينة وغيره في هذا سواء لان نية الاقامة حصلت في غير موضعها الا أن تكون قريبة من قريته فحينئذ هو مقيم فيها في موضع اقامته فأما إذا كان مسافرا فيها فلا يصير مقيما بنية الاقامة (قال) ولايجوز أن يأتم رجل من أهل السفينة بامام في سفينة أخرى لان بينهما طائفة من النهر الا أن يكونا مقرونين فحينئذ يصح الاقتداء لانه ليس بينهما ما يمنع صحة الاقتداء فكأنهما في سفينة واحدة لان السفينتين المقرونتين في معنى ألواح سفينة واحدة وكذلك أن اقتدى من على الحد بامام في سفينة لم يجز اقتداؤه إذا كان بينهما طريق أو طائفة من النهر وقد بينا هذا فيما سبق (قال) ومن وقف على الاطلال يقتدى بالامام في السفينة صح اقتداؤه الا أن يكون أمام الامام لان السفينة كالبيت واقتداء الواقف على السطح بمن هو في البيت صحيح إذا لم يكن أمام الامام (قال) ومن خاف فوت شئ من مأله وسعه أن يقطع صلاته ويستوثق من ماله وكذلك إذا انقلبت سفينة أو رأى سارقا يسرق شيئا من متاعه لان حرمة المال كحرمة النفس فكما يسعه أن يقطع صلاته إذا خاف على نفسه من عدو أو سبع فكذلك إذا خاف على شئ من ماله ولم يفصل في الكتاب بين القليل والكثير وأكثر مشايخنا رحمهم الله قدروا ذلك بالدرهم فصاعدا وقالوا ما دون الدرهم حقير فلا يقطع الصلاة لاجله. قال الحسن رحمه الله تعالى لعن الله الدانق ومن دنق الدانق. وانما يقطع صلاته إذا احتاج إلى عمل كثير فأما إذا لم يحتج إلى شئ وعمل كثير بني على صلاته لحديث أبى برزة الاسلمي رحمه الله تعالى انه كان يصلى في بعض المغازى فأنسل قياد الفرس من يده فمشى أمامه حتى أخذ قياد فرسه ثم رجع القهقرى وأتم صلاته وتأويل هذا أنه لم يحتج إلى عمل كثير والله سبحانه وتعالى أعلم * (باب السجدة) * (قال رضى الله عنه) ويكره للمرء ترك آية السجدة من سورة يقرؤها لانه في صورة الفرار عن السجدة وليس ذلك من أخلاق المؤمنين ولانه في صورة هجر آية السجدة وليس شئ
[ 4 ] من القرآن مهجورا ولان القارئ مأمور باتباع التأليف قال الله تعالى فإذا قرأناه فاتبع قرآنه أي تأليفه وبغير التأليف يكون مكروها وإذا قرأ آية السجدة من بين آى السورة فالاولى أن يقرأ معها آيات وان اكتفى بقراءة آية السجدة لم يضره لان قراءة آية السجدة من بين الآي كقراءة سورة من بين السور وذلك لا بأس به والمستحب أن يقرأ معها آيات ليكون أدل على المعنى والاعجاز ولانه ربما يعتقد هو أو بعض السامعين منه زيادة فضيلة في آية السجدة ومن حيث ان قراءة الكل سواء فلهذا يستحب أن يقرأ معها آيات (قال) ومن قرأ آية السجدة أو سمعها وجب عليه أن يسجدها عندنا وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه يستحب له ذلك ولا يجب عليه لحديث الاعرابي حين علمه رسول الله ﷺ الشرائع وقال هل على غيرها فقال لا الا أن تطوع فلو كانت سجدة التلاوة واجبة لما ترك البيان بعد السؤال وعن عمر رضى الله تعالى عنه أنه تلا آية السجدة على المنبر وسجد ثم تلاها في الجمعة الثانية فنشز الناس للسجود فقال انها لم تكتب علينا الا أن نشاء (ولنا) حديث أبى هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال إذا تلا ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فلم أسجد فلى النار والاصل ان الحكيم متى حكى عن غير الحكيم ولم يعقبه بالنكير فذلك دليل علي أنه صواب ففيه دليل على ان ابن آدم مأمور بالسجود والامر للوجوب وعن عثمان وعلي وابن عباس رضى الله تعالى عنهم أنهم قالوا السجدة على من تلاها السجدة على من سمعها على من جلس لها أختلفت ألفاظهم بهذه وعلى كلمة ايجاب ولان الله تعالى وبخ تارك السجود بقوله فمالهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون والتوبيخ لا يكون الا بترك الواجب وتأويل حديث عمر لم يكتب علينا التعجيل بها فأراد أن يبين للقوم التأخير عن حالة الوجوب وفي حديث الاعرابي بيان الواجبات ابتداء دون ما يجب بسبب من العبد ألا ترى أنه لم يذكر المنذورة (قال) فان قرأها أو سمعها وهو جنب أو على غير وضوء لم يجزئه التيمم إذا كان يقدر على الماء لانه لا يفوته ولانه باستعماله الماء يتوصل إلى أدائها بخلاف صلاة الجنازة والعيد (قال) ومن سمعها من صبى أو كافر أو جنب أو حائض فعليه أن يسجد لان المتلو قرآن من هؤلاء ولهذا منع الجنب والحائض من قراءته فتقرر السبب الموجب في حق السامع (قال)
[ 5 ] وليس على الحائض سجدة قرأت أو سمعت لان السجدة ركن من الصلاة والحائض لا تلزمها الصلاة مع تقرر السبب وهو شهود الوقت فلا يلزمها السجدة أيضا بخلاف الجنب فانه تلزمه الصلاة بسبب الوقت فتلزمه السجدة بالتلاوة أو السماع (قال) ويستوي في حق التالى إذا تلاها بالفارسية أو بالعربية وفى حق السامع كذلك عند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه فهم أو لم يفهم بناء على أصله بالقراءة الفارسية وعندهما ان كان السامع يعلم أنه يقرأ القرآن فعليه سجود السجدة والا فلا وفي العربية عليه السجدة على كل حال ولكن يعذر بالتأخير ما لم يعلم (قال) وان قرأها ومعه قوم فسمعوها سجد وسجدوا معه ولم يرفعوا رؤسهم قبله لان التالي امام السامعين هكذا قال عمر رضى الله تعالى عنه للتالى كنت امامنا لو سجدت لسجدنا معك فكانوا في حكم المقتدين من وجه فلا يرفعون رؤسهم قبله لهذا وان فعلوا أجزأهم لانه لا مشاركة بينه وبينهم في الحقيقة ألا ترى أنه وان تبين فساد سجدته بسبب لم تفسد عليهم (قال) وليس عليه في قراءة سجدة واحدة أو سماعها مرة بعد أخرى في مجلس واحد قائما أو قاعدا أو مضطجعا أكثر من سجدة واحدة لما روي أن جبريل عليه السلام كان ينزل بالوحي فيقرأ آية السجدة على رسول الله ﷺ ثم يقرؤها رسول الله ﷺ على أصحابه ولا يسجد الامرة واحدة ولان مبنى السجدة على التداخل فان التلاوة من الاصم والسماع من السميع موجبان لها ثم لو تلاها سميع لا يلزمه الا سجدة واحدة وقد وجد في حقه التلاوة والسماع لان السبب واحد وهو حرمة المتلو فالقراءة الثانية تكرار محض بسبب اتحاد المجلس فلا يتجدد به المسبب وهذا الحرف أصح من الاول فانه لو تلاها وسجد ثم تلاها في مجلسه لم يلزمه أخرى والتداخل لا يكون بعد أداء الاول فدل ان الصحيح اتحاد السبب. ولم يذكر الصلاة على رسول الله ﷺ إذا ذكره أو سمع ذكره في مجلس مرارا فالمتقدمون من أصحابنا يجعلون هذا قياس السجدة فيقولون يكفيه أن يصلي عليه مرة واحدة لاتحاد السبب وبعض المتأخرين يقولون يصلي عليه في كل مرة لانه حق رسول الله ﷺ كما قال لا تجفوني بعد موتى قيل وكيف تجفي يارسول الله قال ان أذكر في موضع فلا يصلى علي وحقوق العباد لا تتداخل ولهذا قالوا من عطس وحمد الله في مجلس ينبغي للسامع أن يشمته في كل مرة لانه حق العاطس والاصح انه إذا زاد على الثلاث
[ 6 ] لا يشمته * وفي حديث عمر رضى الله تعالى عنه قال للعاطس بعد الثلاث قم فانتثر فانك مزكوم الا أن يكون ذهب من ذلك المكان ثم رجع فقرأها فعليه سجدة أخرى لانه تجدد له بالرجوع مجلس آخر وبتجدد المجلس يتجدد السبب للتلاوة حكما. وعن محمد رحمه الله قال هذا إذا بعد عن ذلك المكان فأما إذا كان قريبا منه لم يلزمه سجدة أخرى فكأنه تلاها في مكانه لحديث أبى موسى الاشعري رضى الله تعالى عنه انه كان يعلم الناس بالبصرة وكان يزحف إلى هذا تارة والى هذا تارة فيعلمهم آية السجدة ولا يسجد الا مرة واحدة وان قرأ آية أخرى وهو في مجلسه فعليه سجدة أخرى لان السبب قد تجدد فان السجدة الثانية غير الاولى ثم ذكر عدد سجود القرآن وهى أربع عشرة سجدة عندنا وكان ابن عباس رضى الله تعالى عنه يقول عدد سجود القرآن إحدى عشرة سجدة وليس في المفصل عنده سجدة وكان يعد الاعراف والرعد والنحل وبنى إسرائيل ومريم والحج الاولى منها والفرقان والنمل والم تنزيل وص وحم السجدة قال سعيد بن جبير وسألت ابن عمر رضى الله عنهم فعدهن كما عدهن ابن عباس رضى الله تعالى عنه إحدى عشرة سجدة وقال ليس في المفصل شئ منها ؟ وهكذا ذكر الكرخي رضى الله عنه في الجامع الصغير له وليس في المفصل عنده سجدة والذى في سورة ص عنده سجدة شكر والاختلاف بين العلماء في مواضع منها في الحج عندنا سجدة التلاوة الاولى منهما وعند الشافعي رضى الله عنه سجدتان الاولى والثانية لحديث مسرع بن ماهان عن عقبة بن عامر قال رسول الله ﷺ في الحج سجدتان أو قال فضلت الحج بسجدتين من لم يسجدهما فلا يقرأهما وهو مروى عن عمر ومذهبنا مروى عن ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم قال سجدة التلاوة هي الاولى والثانية سجدة الصلاة وهو الظاهر فقد قرنها بالركوع فقال اركعوا واسجدوا والسجدة المقرونة بالركوع سجدة الصلاة وتأويل الحديث فضلت الحج بسجدتين احداهما سجدة التلاوة والاخرى سجدة الصلاة ويختلفون في التى في سورة ص عندنا وهى سجدة التلاوة وعند الشافعي رضى الله عنه سجدة الشكر وفائدة الاختلاف إذا تلاها في الصلاة عندنا يسجدها وعند الشافعي لا يسجدها واستدل بما روى عن النبي ﷺ أنه تلا في خطبته سورة ص فنشز الناس للسجود فقال علام نشزتم انها توبة نبى (ولنا) ما روى أن رجلا من الصحابة قال يارسول الله رأيت فيما يرى النائم كأنى أكتب سورة ص فلما انتهيت إلى
[ 7 ] موضع السجدة سجد الدواة والقلم فقال عليه الصلاة والسلام نحن أحق بها من الداوة والقلم فأمر حتى يكتب في مجلسه وسجدها مع اصحابه (فان قيل) في الحديث زيادة وهو انه قال سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا (قلنا) هذا لا ينفى كونها سجدة تلاوة فما من عبادة يأتي بها العبد الا وفيها معنى الشكر ومراده من هذا بيان سبب الوجوب انه كان توبة داود عليه السلام وانما لم يسجدها في خطبته ليبين لهم أنه يجوز تأخيرها * وقد روى أنه سجدها في خطبته مرة وذلك دليل على الوجوب وعلى انها سجدة تلاوة فقد قطع الخطبة لها. ويختلفون في التى في حم السجدة في موضعها فقال على رضي الله تعالى عنه آخر الآية الاولى عند قوله ان كنتم اياه تعبدون وبه أخذ الشافعي رضى الله تعالى عنه وقال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه عند آخر الآية الثانية عند قوله تعالى وهم لا يسأمون وبه أخذنا لانه أقرب إلى الاحتياط فانها ان كانت عند الآية الثانية لم يجز تعجيلها وان كانت عند الاولى جاز تأخيرها إلى الآية الثانية * ويختلفون في المفصل فعندنا فيه ثلاث سجدات وقال مالك رضى الله تعالى عنه ليس في المفصل سجدة واحدة لقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما (ولنا) حديث على رضي الله تعالى عنه عزائم سجود القرآن أربعة التي في الم تنزيل وحم السجدة وفي النجم واقرأ باسم ربك وعن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال رأيت رسول الله ﷺ قرأ سورة والنجم بمكة فسجد وسجد الناس معه المسلمون والمشركون الا شيخا وضع كفا من التراب على جبهته وقال ان هذا يكفيني فلقيته قتل كافرا ببدر وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه ان رسول الله ﷺ قرأ إذا السماء انشقت فسجد وسجد معه أصحابه (قال) فان تلا آية السجدة راكبا أجزأه أن يومئ بها وقال بشر لا يجزئه لانها واجبة فلا يجوز أداؤها على الدابة من غير عذر كالمنذورة فان الراكب إذا نذر أن يصلى ركعتين لم يجز أن يؤديهما على الدابة من غير عذر (ولنا) أنه أداها كما التزمها فتلاوته على الدابة شروع فيما تجب به السجدة فكان نظير من شرع على الدابة في التطوع فكما تجوز هناك تجوز هاهنا بخلاف النذر فانه ليس بشروع في أداء الواجب فكان الوجوب بالنذر مطلقا فيقاس بما وجب بايجاب الله تعالى (قال) وان تلاها على الدابة فنزل ثم ركب وأداها بالايماء جاز الا على قول زفر رضى الله تعالى عنه فانه يقول لما نزل وجب عليه أداؤها على الارض فكأنه تلاها على الارض (ولنا) أنه لو أداها قبل
[ 8 ] نزوله جاز فكذلك بعد ما نزل وركب لانه يؤديها بالايماء في الوجهين وهو نظير ما تقدم لو أفتتح الصلاة في وقت مكروه (قال) ومن تلاها ماشيا لم يجز أن يومئ لها لان السجدة ركن الصلاة فكما لا يصلى الماشي بالايماء فكذلك لا يسجد بخلاف الراكب (قال) وإذا قرأها في صلاته وهو في آخر السورة الا آيات بقين بعدها فان شاء ركع وان شاء سجد لها هكذا روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما انه كان إذا تلا آية السجدة في الصلاة ركع ولان المقصود الخضوع والخشوع وذلك يحصل بالركوع كما يحصل بالسجود. واختلف مشايخنا في أن الركوع ينوب عن سجدة التلاوة أم السجود بعده فمنهم من قال الركوع أقرب إلى موضع التلاوة فهو الذى ينوب عنها والاصح ان سجدة الصلاة تنوب عن سجدة التلاوة لان المجانسة بينهما أظهر ولان الركوع افتتاح للسجود ولهذا لا يلزمه الركوع في الصلاة ان كان عاجزا عن السجود وانما ينوب ما هو الاصل (قال) فإذا أراد أن يركع بها ختم السورة ثم ركع ونوى هكذا فسره الحسن عن أبي حنيفة رضى الله تعالى عنهما وان أراد أن يسجد لها سجد عند الفراغ من آية السجدة ثم يقوم فيتلو بقية السورة ثم يركع ان شاء وان شاء وصل إليها سورة أخرى فهو أحب إلى لان الباقي من خاتمة السورة دون ثلاث آيات فالاولى إذا قام من سجوده أن يقرأ ثلاث آيات لكيلا يكون بانيا للركوع على السجود (قال) وان كانت السجدة عند ختم السورة فان ركع لها فحسن وان سجد لها ثم قام فلابد أن يقرأ آيات من سورة أخرى ثم يركع لكيلا يكون بانيا للركوع على السجود (قال) فان لم يفعل ولكنه كما رفع رأسه ركع أجزأه ويكره ذلك وان كانت السجدة في وسط السورة فينبغي أن يسجد لها ثم يقوم فيقرأ ما بقى ثم يركع وان ركع في موضع السجدة أجزأه وان ختم السورة ثم ركع لم يجزئه ذلك عن السجدة نواها أولم ينوها لانها صارت دينا عليه بفوات محل الاداء فلا ينوب الركوع عنها بخلاف ما إذا ركع عندها فانها ما صارت دينا بعد لبقاء محلها وبخلاف ما إذا كانت قريبة من خاتمة السورة فانها ما صارت دينا بعد حين لم يقرأ بعدها ما يتم به سنة القراءة وهو نظير من أراد دخول مكة فعليه الاحرام فان لم يحرم ثم خرج من عامه ذلك واحرم بحجة الاسلام ناب عما يلزمه لدخول مكة أيضا وان تحولت السنة ثم أحرم بحجة الاسلام لم يجزئه عما لزمه لدخول مكة لانها صارت دينا عليه بتحول السنة (قال) فان أراد أن يركع بالسجدة بعينها فالقياس ان الركعة والسجدة في ذلك سواء وبالقياس
[ 9 ] نأخذ وفى الاستحسان لا يجزئه الا السجدة وتكلموا في موضع هذا القياس والاستحسان من أصحابنا من قال مراده إذا تلاها في غير الصلاة وركع ففي القياس يجزئه لان الركوع والسجود يتقاربان قال الله تعالى وخر راكعا وأناب أي ساجدا ويقال ركعت النخلة أي طأطأت رأسها والمقصود منهما الخضوع والخشوع فينوب أحدهما عن الآخر كما في الصلاة وفى الاستحسان الركوع خارج الصلاة ليس بقربة فلا ينوب عما هو قربة بخلاف الركوع في الصلاة والا ظهر أن مراده من هذا القياس والاستحسان في الصلاة إذا ركع عند موضع السجدة في الاستحسان لا يجزئه لان سجدة التلاوة نظير سجدة الصلاة فكما أن احدى السجدتين في الصلاة لاتنوب عن الاخرى والركوع لا ينوب عنهما فكذلك لا ينوب عن سجدة التلاوة وفى القياس يجوز التقارب بين الركوع والسجود فيما هو المقصود وكل واحد منهما في الصلاة قربة وأخذنا بالقياس لانه أقوى الوجهين والقياس والاستحسان في الحقيقة قياسان وانما يؤخذ بما يترجح بظهور أثره أو قوة في جانب صحته (قال) وإذا سلم من صلاته وعليه سجدة التلاوة ولا يذكرها فقد ذكرنا أن هذا سلام السهو فلا يخرج من الصلاة حتى لو اقتدى به انسان جاز اقتداؤه ويسجدها الامام إذا ذكرها والمقتدى معه ثم يتشهد لان عوده إلى السجدة ينقض القعدة (قال) فان تكلم قبل أن يذكرها سقطت عنه لان الكلام قاطع لحرمة الصلاة وما وجب بالتلاوة في الصلاة كان من أعمال الصلاة فلا يؤدى بعد انقطاع حرمة الصلاة ولم تفسد صلاته لانها ليست من جملة الاركان (قال) وان وجبت عليه في غير الصلاة ثم ذكرها في الصلاة لم يقضها فيها لانها ليست بصلاتية وحرمة الصلاة تمنع من أداء ما ليس من أعمالها فيها وكذلك ان سمعها في صلاته ممن ليس معه في الصلاة لم يسجدها فيها لانها ليست بصلاتية فان سببها تلاوة في غير الصلاة فلا يؤديها حتى يفرغ منها وان سجدها فيها لم تجزئه لانه أداها قبل وقتها ولا تفسد صلاته الا في رواية محمد رحمه الله تعالى وقد بيناه فيما تقدم (قال) فان سجد للتلاوة لغير القبلة فان كان عالما لم يجزئه وان كان جاهلا أجزأه يعنى إذا اشتبهت عليه القبلة فتحرى وسجد إلى جهة وقد بينا ان الصلاة بالنحرى تجوز إلى غير القبلة فالسجدة أولى. وان ضحك فيها أعادها كما لو تكلم ولم يعد الوضوء لان الضحك عرف حدثا بالاثر وانما ورد الاثر في صلاة مطلقة وهذه ليست بصلاة مطلقة وكانت قياس
[ 10 ] صلاة الجنازة (قال) ولا ينبغى للامام ان يقرأ سورة فيها سجدة في صلاة لا يجهر فيها بالقرآن لانه لو فعل ذلك وسجد لها اشتبه على القوم فيظنون أنه غلط فقدم السجود على الركوع وفيه من الفتنة ما لا يخفى فان قرأ بها سجد لها لتقرر السبب في حقه وهو التلاوة وسجد القوم معه لوجوب المتابعة عليهم وفى حديث أبى سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه قال سجد رسول الله ﷺ في صلاة الظهر فظننا أنه قرأ الم تنزيل السجدة (قال) ويكبر لسجدة التلاوة إذا سجد وإذا رفع رأسه كما في سجدة الصلاة (قال) ولا يسلم فيها لان السلام للتحليل عن التحريمة وليس فيها تحريمة ولم يذكر ماذا يقول في سجوده والاصح أنه يقول في سجوده من التسبيح ما يقول في سجدة الصلاة وبعض المتأخرين استحسن أن يقول فيها سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا لقوله تعالى يخرون للاذقان سجدا الآية واستحسن أيضا ان يقوم فيسجد لان الخرور سقوط من القيام والقرآن ورد به فان لم يفعل لم يضره (قال) رجل قرأ آية السجدة خلف الامام فسمعها الامام والقوم فليس على أحد منهم ان يسجدها في الحال ولا بعد الفراغ من الصلاة عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى يسجدون إذا فرغوا من صلاتهم أما في الصلاة لا يسجدون لانه لو سجدها التالي وتابعه الامام انقلب المتبوع تابعا وان لم يتابعه الامام كان هو مخالفا لامامه وان سجدها الامام وتابعه التالي كان هذا خلاف موضوع السجدة فان التالى المعتد به امام السامعين وأما بعد الفراغ فمحمد رحمه الله تعالى يقول السبب الموجب للسجدة في حقهم قد وجد وهو التلاوة والسماع وحرمة الصلاة منعت الاداء فيها فيسجدون بعد الفراغ كما لو سمعوا من رجل ليس معهم في الصلاة وليس في هذا أكثر من أن المقتدي ممنوع من القراءة خلف الامام وهذا لايمنع وجوب السجدة بتلاوته كالجنب إذا تلاها ولهما حرفان. الاول ان الامام يحمل عن المقتدى فرضا كما يحمل عنه موجب السهو ثم سهو المقتدى يتعطل فكذلك تلاوته. والثانى ان هذه السجدة صلاتية لان سببها تلاوة من يشاركهم في الصلاة والصلاتية إذا لم تؤد في الصلاة لا تؤدى بعد الفراغ منها كما لو تلاها الامام ولم يسجد في الصلاة بخلاف ما إذا سمعوا ممن ليس معهم في الصلاة لانها ليست بصلاتية ألا ترى ان المقتدى إذا فتح على امامه لم تفسد به الصلاة ومن ليس معه في الصلاة إذا فتح على المصلى فسدت صلاته وبه يتضح الفرق وليس هذا كقراءة الجنب لانه غير ممنوع من قراءة
[ 11 ] القرآن الموجب للسجدة وهو ما دون الآية بخلاف المقتدى ولان الجنب ممنوع عن القراءة غير مولى عليه والمقتدى مولى عليه في القراءة والمولى عليه في التصرف لا يتعلق بتصرفه حكم (قال) وإذا سمعها من الامام من ليس معهم في الصلاة فعليه أن يسجدها لتقرر السبب وهو السماع فان دخل مع الامام في صلاته فان كان الامام لم يسجدها بعد سجدها والداخل معه كما لو كان في صلاته عند القراءة وان كان الامام قد سجدها سقطت عن الرجل لانه لا يمكنه أن يسجدها في الصلاة إذا يكون مخالفا لامامه ولا يمكنه أن يسجدها بعد الفراغ لانها صلاتية في حقه كما هي في حق الامام فانه شريك الامام فيها والصلاتية لا تؤدى بعد الفراغ منها. وفى الاصل بعد ذكر هذه المسألة قال ألا ترى لو أن رجلا افتتح الصلاة مع الامام وهو ينوى التطوع والامام في الظهر ثم قطعها فعليه قضاؤها فان دخل معه فيها ينوى صلاة أخرى تطوعا فصلاها معه لم يكن عليه قضاء شئ وهذه المسألة مبتدأة وهى على ثلاثة أوجه اما أن ينوى قضاء الاولى أولم يكن له نية أو نوى صلاة أخرى ففى الوجهين الاولين عندنا سقط عنه ما لزمه بالافساد وقال زفر رضى الله تعالى عنه لا يسقط لان ما لزمه بالافساد صار دينا كالمنذورة فلا بد أن يتأدى خلف الامام حين يصلى صلاة أخرى ولكنا نقول لو أتمها حين شرع فيها لم يلزمه شئ آخر فكذلك إذا أتمها بالشروع الثاني لانه ما التزم بالشروع الا أداء هذه الصلاة مع الامام وقد أداها فان كان قد نوى تطوعا آخر فقد قال ههنا ينوب عما لزمه بالافساد وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف رضي الله تعالى عنهما وفى زيادات الزيادات قال لا ينوب وهو قول محمد رضى الله تعالى عنه. ووجهه انه لما نوى صلاة أخرى فقد أعرض عما كان دينا في ذمته بالافساد فلا ينوب هذا المؤدى عنه بخلاف الاول وجه قولهما انه ما التزم في المرتين الا أداء هذه الصلاة مع الامام وقد أداها (قال) فان قرأها المصلى وسمعها أيضا من أجنبي أجزأه سجدة واحدة وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى انه قال لا تجزئه لان السماعية ليست بصلاتية والتى أداها صلاتية فلا تنوب عما ليست بصلاتية وجه ظاهر الرواية انه أدى ما لزمه بالتلاوة وهو أقوى من السماعية لان لها حرمتين حرمة التلاوة لها وحرمة الصلاة وللسماعية حرمة واحدة والقوى ينوب عن الضعيف ولو استويا ناب أحدهما عن الثاني فلان ينوب القوى عن الضعيف كان أولى (قال) وان تلاها في الصلاة وسجد ثم أحدث فذهب وتوضأ ثم عاد
[ 12 ] إلى مكانه وبنى على صلاته ثم قرأ ذلك الاجنبي تلك السجدة فعلى هذا المصلى أن يسجدها إذا فرغ من صلاته لان بذها به ورجوعه تجدد له مجلس آخر مما لا يكون من صلاته والسماعية ليست من صلاته فيجعل في حقها كأنه لم يكن في الصلاة ومن ليس في الصلاة إذا سمع وسجد ثم ذهب فتوضأ ثم عاد وسمع فعليه سجدة أخرى (قال) وان قرأها في غير الصلاة وسجد ثم افتتح الصلاة في مكانه فقرأها فعليه سجدة أخرى لان التى وجبت للتلاوة في الصلاة صلاتية فلا تنوب عنها المؤداة قبل الشروع في الصلاة لانها أضعف وان لم يكن سجد أولا حتى شرع في الصلاة في مكانه فقرأها فسجد أجزأته عنهما في ظاهر الرواية وفي رواية ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى وهو احدى روايتي نوادر الصلاة لا تجزئه عن الاولى ووجهه أنه لا يمكن ادخال الثانية في الاولى لانها أقوى ولا يمكن ادخال الاولى في الثانية لانه خلاف موضوع التداخل فلا بد من اعتبار كل واحدة منهما على حدة الصلاتية تؤدى في الصلاة وغير الصلاتية وهو الاولى تؤدى بعد الفراغ منها ووجه ظاهر الرواية ان السبب واحد فان المتلو آية واحدة والمكان واحد والمؤداة أكمل من الاولى لان لها حرمتين ولو كانت مثل الاولى لنابت عنها فإذا كانت أكمل من الاولى فأولى أن تنوب عنها (قال) رجل قرأ أية السجدة فسجدها ثم قرأها ثانية بعد ما أطال القعود أجزأته السجدة الاولى لانه لم يشتغل بين التلاوتين بعمل يقطع به المجلس وباتحاد المجلس يتحد السبب فان أكل أو نام مضطجعا أو أخذ في بيع أو شراء أو عمل يعرف انه قطع لما كان قبل ذلك ثم قرأ فعليه سجدة أخرى لان المجلس يبتدل بهذه الاعمال ألا ترى أن القوم يجلسون لدرس العلوم فيكون مجلسهم مجلس الدرس ثم يشتغلون بالاكل فيصير مجلس الاكل ثم يقتتلون فيصير مجلسهم مجلس القتال وصار تبدل المجلس بهذه الاعمال كتبدله بالذهاب والرجوع (قال) وان نام قاعدا أو أكل لقمة أو شرب شربة أو عمل عملا يسيرا ثم قرأها فليس عليه أخرى لان بهذا القدر لا يتبدل المجلس والقياس فيهما سواء أنه لا يلزمه أخرى لبقائه في مكانه حقيقة ولكنا استحسنا إذا طال العمل اعتبارا بالمخيرة إذا عملت عملا كثيرا خرج الامر من يدها وكان قطعا للمجلس بخلاف ما إذا أكلت لقمة أو شربت شربة (قال) وان قرأ بعدها سورة طويلة ثم أعاد قراءة تلك السجدة لم يكن عليه أن يسجدها لان مجلسه لم يتبدل بقراءة القرآن فان قراءة القرآن من السجود فباتحاد المجلس يتحد السبب (قال)
[ 13 ] وان قرأها في الركعة الاولى وسجدها ثم أعادها في الثانية أو الثالثة لم يكن عليه سجود ولم يذكر ههنا اختلافا وقال في الجامع الكبير في القياس وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الآخر ليس عليه سجدة أخرى وفى الاستحسان وهو قوله الاول وقول محمد رحمه الله تعالى عليه سجدة أخري. وجه ذلك ان للقراءة في كل ركعة حكما على حدة حتى يسقط به فرض القراءة فكانت الاعادة في الركعتين نظير الاعادة في الصلاتين. وجه القياس أن المكان مكان واحد وحرمة الصلاة حرمة واحدة والمتلو آية واحدة فلا يجب الا سجدة واحدة كما لو أعادها في الركعة الاولى وقد قررنا هذا الفصل فيما أمليناه من شرح الجامع (قال) وإذا قرأ الامام سجدة في ركعة وسجدها ثم أحدث في الركعة الثانية فقدم رجلا جاء ساعتئذ فقرأ تلك السجدة فعليه أن يسجدها لتقرر السبب في حقه وهو التلاوة ولم يوجد منه أداء قبل هذا وهو في هذه التلاوة مبتدئ وعلى القوم ان يسجدوا معه لانهم التزموا متابعته وإذا سجدها في الصلاة ثم سلم وتكلم ثم قرأها في مكانه فعليه ان يسجدها * وفى نوادر أبى سليمان قال إذا سلم ثم قرأ فليس عليه ان يسجدها وانما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فموضوع المسألة هناك فيما إذ أعادها قبل أن يتكلم وبالسلام لم ينقطع فور الصلاة فكأنه أعادها في الصلاة وهنا موضوع المسألة فيما إذا تكلم وبالكلام ينقطع فور الصلاة ألا تري انه لو تذكر سجدة تلاوة بعد السلام يأتي بها وبعد الكلام لا يأتي بها فيكون هذا في معنى تبدل المجلس (قال) في الاصل وان لم يسجدها في الصلاة حتى سجدها الآن أجزأه عنهما وهو سهو وان كان مراده أعادها بعد الكلام لان الصلاتية قد سقطت عنه بالكلام الا أن يكون مراده أعادها بعد السلام قبل الكلام فحينئذ يستقيم لانه لم يخرج عن حرمة الصلاة وانما كررها في الصلاة وسجد. وان قرأها راكبا ثم نزل قبل أن يسير فقرأها فعليه سجدة واحدة استحسانا وفي القياس عليه سجدتان لتبدل مكانه بالنزول وفى الاستحسان النزول عمل يسير حتى لا يمنعه من البناء على الصلاة فلا يتبدل به المجلس فان كان سار ثم نزل فعليه سجدتان لان سير الدابة كمشيه فيتبدل به المجلس (قال) وان قرأها على الارض ثم ركب فقرأها قبل ان يسير سجدها سجدة واحدة على الارض ولو سجدها على الدابة لا تجزئه عن الاولى لان المؤداة أضعف من الاولى وان سجدها على الارض فالمؤداة أقوى والمكان مكان واحد فتنوب المؤداة عنهما. وان قرأها راكبا ثم
[ 14 ] نزل ثم ركب فقرأها وهو في مكانه فعليه سجدة واحدة لما بينا أن المكان واحد والمتلو آية واحدة وان قرأها راكبا سائرا مرتين فان كان في غير الصلاة فعليه سجدتان لان سير الدابة مضاف إليه فانه يملك ايقافها متى شاء فكان نظير مشيه وهو يتبدل به المجلس بخلاف راكب السفينة فان السفينة في حقه كالبيت وهو لا يجريها بل هي تجري به وان كان في الصلاة لم يكن عليه الا سجدة واحدة لان المكان وان تفرق فان حرمة الصلاة واحدة والسجدة من الصلاة لامن المكان فيراعي فيها اتحاد حرمة الصلاة. ومن أصحابنا من يقول هذا إذا أعادها في ركعة واحدة فان أعادها في ركعتين ينبغي ان يكون على الخلاف الذى بينا في المصلى على الارض ومنهم من قال لا بل الجواب ههنا في الكل واحد والفرق لمحمد بينه وبين المصلى على الارض أن هناك يركع ويسجد وذلك عمل كثير يتخلل بين التلاوتين والراكب يومئ وهو عمل يسير فلهذا لا يتجدد به وجوب السجدة (قال) فان سمعها من غيره مرتين وهو يسير على الدابة فعليه سجدتان لان هذه ليست بصلاتية فيعتبر فيه اختلاف الامكنة لا تحاد حرمة الصلاة فلهذا يلزمه بالسماع في كل مرة سجدة والله سبحانه وتعالى أعلم * (باب المستحاضة) * (قال) وإذا أدركها الحيض في شئ من الوقت وقد افتتحت الصلاة أو لم تفتتحها سقطت تلك الصلاة عنها أما إذا حاضت بعد دخول الوقت فليس عليها قضاء تلك الصلاة إذا طهرت عندنا وقال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى عليها قضاؤها لان الحيض يمنع وجوب الصلاة ولا يسقط الواجب وقد وجب عليها بادراك جزء من أول الوقت بدليل انها لو أدت كانت مؤدية للفرض وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه إذا مضى من الوقت مقدار ما يمكنها أن تصلى فيه ثم حاضت فعليها القضاء لان التمكن من الاداء معتبر لتقرر الوجوب فإذا وجد تقرر وجوب الصلاة عليها فلا تسقط بعد ذلك بالحيض وقال زفر رضى الله تعالى عنه إذا كان الباقي من الوقت حين حاضت مقدار ما يمكنها أن تصلى فيه فليس عليها قضاء تلك الصلاة وان كان دون ذلك فعليها القضاء لان الوجوب في أول الوقت موسع وانما يضيق بآخر الوقت والقضاء يجب بالتفويت فما بقي من الوقت مقدار ما يمكن فيه أداء الصلاة لم تكن هي مفوتة بالتأخير شيئا حتى لا تكون آثمة مفرطة وان كان الباقي دون ذلك فهى آثمة
[ 15 ] مفرطة وكانت مفوتة فيلزمها القضاء كما لو حاضت بعد خروج الوقت ولكنا نقول ما بقى شئ من الوقت فالصلاة لم تصر دينا في ذمتها بل هي في الوقت عين وانما تعذر عليها الاداء بسبب الحيض وذلك غير موجب للقضاء فأما بخروج الوقت فتصير الصلاة دينا في ذمتها والحيض لا يمنع كون الصلاة دينا في ذمتها وقد بينا فيما سبق ان الوجوب يتعلق بآخر الوقت لكونه مخيرا في أول الوقت وما لم يتقرر الوجوب لا يجب القضاء فإذا اقترن الحيض بوقت تقرر الوجوب فلم يتقرر الوجوب وإذا حاضت بعد خروج الوقت فلم يقترن الحيض بحال تقرر الوجوب فتقرر وعلى هذا لو نفست في آخر الوقت بالولادة أو باسقاط سقط مستبين الخلق وكذلك لو أغمى على الرجل بعد دخول الوقت وطال اغماؤه ففى وجوب قضاء تلك الصلاة اختلاف على ما بينا وكذلك لو افتتحت الصلاة في الوقت ثم حاضت وهذا بخلاف التطوع فانه لو أدركها الحيض بعد ما افتتحت التطوع كان عليها قضاء تلك الصلاة إذا طهرت لانها بالشروع التزمت الاداء فكأنها التزمته بالنذر وفي الفريضة بالشروع ما التزمت شيئا وانما شرعت للاسقاط لا للالتزام فإذا أدركها الحيض التحقت بما لو تشرع وانما قلنا هذا لان التزام ما هو لازم لا يتحقق ألا ترى ان من نذر أداء فريضة لم يلزمه بالنذر شئ (قال) وإذا طهرت من الحيض وعليها من الوقت مقدار ما تغتسل فيه فعليها قضاء تلك الصلاة وان كان عليها من الوقت مقدار مالا تستطيع ان تغتسل فيه فليس عليها قضاء تلك الصلاة قال وهذا إذا كانت أيامها دون العشرة فاما إذا كانت أيامها عشرة فانقطع الدم وقد مر عليها من الوقت شئ قليل أو كثير فعليها قضاء تلك الصلاة هكذا فسره في نوادر أبى سليمان رحمه الله تعالى لانه إذا كانت أيامها عشرة فبمجرد انقطاع الدم تيقنا خروجها من الحيض لان الحيض لا يكون أكثر من ذلك فإذا أدركت جزأ من الوقت لزمها قضاء تلك الصلاة سواء تمكنت فيه من الاغتسال أو لم نتمكن بمنزلة كافر أسلم وهو جنب أو صبى بلغ بالاحتلام في آخر الوقت فعليه قضاء تلك الصلاة سواء تمكن من الاغتسال في الوقت أو لم يتمكن واما إذا كانت أيامها دون العشرة فمدة الاغتسال من جملة حيضها على ما قال الشعبى حدثنى سبعة عشر نفرا من الصحابة أن الزوج أحق برجعتها ما لم تغتسل وهذا لان صاحبة هذه البلوى لا تكاد ترى الدم على الولاء ولكنه يسيل تارة وينقطع أخرى فبمجرد الانقطاع لا تخرج من الحيض لجواز أن يعاودها فإذا اغتسلت يحكم بطهارتها شرعا
[ 16 ] فإذا ثبت ان مدة الاغتسال من حيضها قلنا إذا أدركت من الوقت مقدار ما يمكنها أن تغتسل فيه وتفتتح الصلاة فقد أدركت جزأ من الوقت بعد الطهارة فعليها قضاء تلك الصلاة والافلا وعلى هذا حكم القربان للزوج ان كانت أيامها عشرة فمتى انقطع الدم جاز للزوج أن يقربها عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى ليس له ذلك ما لم تغتسل لقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن والاطهار بالاغتسال (ولنا) ان بمجرد انقطاع الدم تيقنا خروجها من الحيض والمانع من الوطئ الحيض لا وجوب الاغتسال عليها ألا ترى أن الطاهرة إذا كانت جنبا فللزوج ان يقربها فكذلك هنا بعد التيقن بالخروج من الحيض للزوج ان يقربها ولو كانت أيامها دون العشرة فانقطع دمها لم يكن للزوج ان يقربها ما لم تغتسل لان مدة الاغتسال من حيضها فان مضى عليها وقت صلاة فللزوج أن يقربها عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى ليس له ذلك لبقاء فرض الاغتسال عليها كما لو كان قبل مضى الوقت ولكنا نقول بمضي الوقت صارت الصلاة دينا في ذمتها وذلك من أحكام الطهارات فثبتت صفة الطهارة به شرعا كما ثبتت بالاغتسال ومن ضرورته انتفاء صفة الحيض فكان له أن يقربها (قال) وإذا كان حيضها خمسة أيام فزاد الدم عليها فالزيادة دم حيض معها إلى تمام العشرة لان عادة المرأة في جميع عمرها لا تبقى على صفة واحدة بل تزداد تارة وتنقص أخرى بحسب اختلاف طبعها في كل وقت فما يمكن أن يجعل حيضا جعلناه لان مبنى الحيض على الامكان ألا ترى أن الصغيرة إذا بلغت فاستمر بها الدم يجعل حيضها عشرة للامكان فهذا كذلك فإذا زاد على العشرة كان حيضها هي الخمسة والزيادة استحاضة لان الحيض لا يكون أكثر من عشرة فتيقنا فيما زاد على العشرة أنها استحاضة وتيقنا في أيامها بالحيض بقى التردد فيما زاد عليه إلى تمام العشرة ان ألحقناه بما قبله كان حيضا وان ألحقناه بما بعده كان استحاضة فلا تترك الصلاة فيه بالشك والحاقه بما بعده أولى لانه ما ظهر الا في الوقت الذي ظهرت فيه الاستحاضة متصلا به والاصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها (قال) ولو كان حيضها خمسة أيام في أول كل شهر فتقدم حيضها بيوم أو بيومين أو خمسة فهى حائض اعتبارا للمتقدم بالمتأخر ولم يذكر الاختلاف في الاصل وذكر في نوادر أبى سليمان رضى الله تعالى عنه. والحاصل ان المتقدم إذا كان بحيث لا يمكن أن يجعل حيضا بانفراده وما رأت في أيامها بحيث يمكن أن يجعل حيضا فالمتقدم
[ 17 ] تبع لايامها والكل حيض بالاتفاق لان مالا يستقل بنفسه تبع لما يستقل بنفسه فأما إذا لم تر في أيامها شيئا ورأت قبل أيامها ما يمكن أن يجعل حيضا من خمسة أيام أو ثلاثة أو رأت في أيامها مع ذلك يوما أو يومين أو رأت قبل أيامها يوما أو يومين لم يكن شئ من ذلك حيض عند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه لانه دم مستنكر مرئى قبل وقته فهى كالصغيرة جدا إذا رأت الدم لا يكون حيضا وعندهما الكل حيض لوجود الامكان فانه مرئى عقيب طهر صحيح وباب الحيض مبنى على الامكان كما قررنا فاما إذا رأت قبل أيامها ما يمكن أن يجعل حيضا بانفراده وفى أيامها ما يمكن أن يجعل حيضا بانفراده فعندهما الكل حيض إذا لم يجاوز العشرة (وعن) أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه فيه روايتان. احداهما أن الكل حيض لان ما رأت في أيامها كان أصلا مستقلا بنفسه فيستتبع ما قبله. والرواية الاخرى ان حيضها ما رأت في أيامها دون ما رأت قبلها وهو رواية المعلى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى لان كل واحد منهما لما كان مستقلا بنفسه لم يكن تبعا لغيرة والمتقدم مستنكر مرئى قبل وقته وهو خلاف المتأخر لان في المتأخر قد صارت هي حائضا بما رأت في أيامها فبقيت صفة الحيض لها بالمرئي بعده تبعا وفي المتقدم الحاجة في اثبات صفة الحيض لها ابتداء وذلك لا يكون بالمستنكر المرئى قبل وقته (قال) وان كان حيضها مختلفا مرة تحيض خمسة ومرة سبعة فاستحيضت فانها تدع الصلاة خمسة بيقين ثم تغتسل لتوهم خروجها من الحيض وتصلى يومين بالوضوء لوقت كل صلاة ثم تغتسل لتوهم خروجها من الحيض وليس لزوجها أن يقربها في هذين اليومين احتياطا لجواز انها حائض فيهما ولو كان هذا آخر عدتها لم يكن للزوج أن يراجعها في هذين اليومين احتياطا (قال) وليس لها أن تتزوج في هذين اليومين احتياطا وهذا كله إذا لم ينقطع الدم في هذين اليومين فتأخذ بالاحتياط في كل جانب وقد بينا فيما سبق ان المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة ولها أن تصلى في الوقت ما شاءت بوضوء واحد من فرض أو نفل أو نذر أو فائتة (قال) فان أحدثت حدثا آخر في الوقت فعليها اعادة الوضوء لان طهارتها تتقدر بالوقت في حق الدم السائل لاجل الضرورة ولا ضرورة في سائر الاحداث فهي فيها كغيرها من الاصحاء وكذلك ان توضأت للحدث أولا ثم سال دم الاستحاضة فعليها الوضوء لان الوضوء الاول لما سبق دم الاستحاضة لم يكن واقعا عن دم الاستحاضة فالحكم لا
[ 18 ] يسبق سببه فكان ذلك في حكم دم الاستحاضة كالمعدوم (قال) ولو كان حيضها خمسة فحاضت ستة ثم حاضت حيضة أخرى سبعة ثم حاضت أخرى ستة فحيضها ستة وكلما عاودها الدم مرتين فحيضها ذلك ومراده إذا استمر بها الدم واحتاجت إلى البناء وهذا الجواب وهو قوله حيضها ستة عندهم جميعا أما عند أبى يوسف رحمه الله تعالى فان العادة تنتقل بالمرة الواحدة فانما تبنى على ما رأت آخر مرة لان عادتها انتقلت إليها وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يحصل انتقال العادة بما دون المرتين ليتأكد بالتكرار فستة قد رأته مرتين فانتقلت إليها واليوم السابع انما رأت الدم فيه مرة فلم يتأكد بالتكرار والبناء في زمان الاستمرار على ما تأكد بالتكرار هذا معنى قوله كلما عاودها الدم مرتين فحيضها ذلك (قال) وان كان حيضها خمسا فحاضتها وطهرت أربعة أيام ثم عاودها اليوم العاشر كله ثم انقطع فذلك كله حيض ولا يجزئها صومها في الاربعة الايام التى طهرت فيها عند أبي يوسف رحمه الله تعالى لان عنده الطهر المتخلل إذا كان دون خمسة عشر يوما لم يكن فاصلا عنده وهو روايته عن أبي حنيفة رضى الله تعالى عنه وكذلك على رواية محمد عن أبى حنيفة رضى الله تعالى عنهما لان الدم محيط بطرفي العشرة وكذلك على رواية ابن المبارك عن أبى حنيفة رضي الله تعالى عنهم لانها رأت في أكثر الحيض مثل أقله وزيادة وكذلك على قول محمد رضى الله تعالى عنه لان الدم غالب على الطهر في العشرة فأما قول الحسن رضى الله تعالى عنه فحيضها خمستها لان عنده إذا بلغ الطهر المتخلل ثلاثة أيام يصير فاصلا والاستقصاء في بيان هذه الرواية في كتاب الحيض (قال) والحمرة والصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض حتى ترى البياض الخالص وقال أبو يوسف رضى الله تعالى عنه لا تكون الكدرة حيضا الا بعد الحيض لان الحيض الدم الخارج من الرحم دون الخارج من العرق ودم الحيض يجتمع في الطهر في الرحم ثم يخرج الصافى منه ثم الكدرة فاما دم العرق فيخرج منه الكدرة أولا ثم الصافى ومن أشكل عليه هذا فلينظر في حال المفتصد فإذا خرجت الكدرة أولا كان ذلك دليلا لنا على انه دم عرق وأما إذا خرج الصافى منه أولا ثم الكدرة عرفنا أنه من الرحم فكان الكل حيضا ولكنا نقول ما يكون حيضا إذا رأته المرأة في آخر أيامها يكون حيضا إذا رأته في أول أيامها كالحمرة والصفرة وهذا لان الحيض بالنص هو الاذى المرئى من موضع مخصوص والكل في صفة
[ 19 ] الاذى سواء (قال) وألوان الدم ستة والبيان الشافي فيه في كتاب الحيض. وانما قال حتى ترى البياض الخالص لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها ان النساء كن يبعثن بالكراسف إليها لتنظرها فكانت إذا رأت كدرة قالت لا حتي ترين القصة البيضاء يعني البياض الخالص قيل وهو بياض الخرقة وقيل هو شبه خيط دقيق أبيض تراه المرأة على الكرسف إذا طهرت (قال) فان حاضت المرأة في شهر مرتين فهى مستحاضة والمراد انه لا يجتمع في شهر واحد حيضتان وطهران لان أقل الحيض ثلاثة وأقل الطهر خمسة عشر. وقد ذكر في الاصل سؤالا فقال لو رأت في أول الشهر خمسة ثم طهرت خمسة عشر ثم رأت الدم خمسة أليس قد حاضت في شهر مرتين ثم أجاب فقال إذا ضممت إليها طهرا آخر كان أربعين يوما والشهر لا يشتمل على ذلك (ويحكي) ان امرأة جاءت إلى على رضى الله عنه فقالت انى حضت في شهر ثلاث مرات فقال رضى الله تعالى عنه لشريح ماذا تقول في ذلك فقال ان أقامت بينة من بطانتها ممن يرضى بدينه وأمانته قبل منها قال على رضى الله عنه قالون وهي بلغة الرومية أصبت ومراد شريح من هذا تحقيق نفى أنها لا تجد ذلك وان هذا لا يكون (قال) وما رأت النفساء من الدم زيادة على أربعين يوما فهى استحاضة تصلى فيها ويأتيها زوجها لان أكثر النفاس يتقدر باربعين يوما عندنا وبيانه في كتاب الحيض فكانت الاربعون للنفاس كالعشرة للحيض فكما أن الزيادة على العشرة هناك تكون استحاضة فكذلك الزيادة على الاربعين هاهنا (قال) وان طهرت قبل الاربعين اغتسلت وصلت لانه لا تقدير في أقل النفاس فانه اسم للدم الخارج عقب الولادة مشتق من تنفس الرحم به والقليل والكثير فيه سواء فإذا طهرت كان عليها أن تغتسل وتصلى بناء على الظاهر لان معاودة الدم اياها موهومة ولا يترك المعلوم بالموهوم (قال) فان كانت عادتها في النفاس ثلاثين يوما فطهرت في عشرين يوما وصلت وصامت عشرة أيام ثم عاودها الدم فاستمر بها حتى جاوز الاربعين فهي مستحاضة فيما زاد على الثلاثين لان صاحبة العادة في النفاس كصاحبة العادة في الحيض وقد بينا هناك أنه متى زاد على عادتها وجاوز العشرة ترد إلى أيام عادتها وتجعل مستحاضة فيما زاد على ذلك فهذا مثله (قال) ولا يجزئها صومها في العشرة التى صامتها قبل الثلاثين قال الحاكم وهذا على مذهب أبى يوسف مستقيم وعلى مذهب محمد فيه نظر وهذا لان أبا يوسف يرى ختم النفاس بالطهر إذا كان بعده دم
[ 20 ] كما يرى ختم الحيض بالطهر إذا كان بعده دم فيمكن جعل الثلاثين نفاسا لها عنده وان كان ختمها بالطهر ومحمد لا يرى ختم النفاس والحيض بالطهر فنفاسها عنده في هذا الفصل عشرون يوما فلا يلزمها قضاء ما صامت في العشرة الايام التى بعد العشرين (قال) ودم الحامل ليس بحيض وان كان ممتدا عندنا وقال الشافعي رضى الله عنه هو حيض في حكم ترك الصوم والصلاة وحرمة القربان دون أقراء العدة قال لان الحامل من ذوات الاقراء فان المرأة اما صغيرة أو آيسة أو ذات قرء والحامل ليست بصغيرة ولا آيسة ولان ما ينافي الاقراء ينافى الحبل كالصغر واليأس وإذا ثبت أنها من ذوات الاقراء وقد رأت من الدم ما يمكن أن يجعل حيضا جعل حيضا لها والاصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت أبى حبيش إذا أقبل قرؤك فدعى الصلاة الا انا لا نجعل حيضها معتبرا في حكم أقراء العدة لانها لا تدل على فراغ الرحم في حقها وهى المقصود باقراء العدة ومذهبنا مذهب عائشة رضى الله عنها فانها قالت الحامل لا تحيض ومثل هذا لا يعرف بالرأى فيحمل على أنها قالت ذلك سماعا ثم ان الله تعالى أجرى العادة ان المرأة إذا حبلت انسد فم رحمها فلا يخلص شئ إلى رحمها ولا يخرج منه شئ فالدم المرئي ليس من الرحم فلا يكون حيضا والدليل عليه أنه لما نزل قوله تعالى يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء قالت الصحابة فان كانت آيسة أو صغيرة فنزل قوله واللائى يئسن فقالوا فان كانت حاملا فنزل قوله وأولات الاحمال أجلهن أو يضعن حملهن ففى هذا بيان أن الحامل لا تحيض وانها ليست من ذوات الاقراء وتبين بهذا أن قوله إذا أقبل قرؤك يتناول الحائل دون الحامل (قال) فان ولدت ولدا وفى بطنها آخر فالنفاس من الاول في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد وزفر رحمهما الله تعالى من الآخر لانها بعد وضع الاول حامل بعد. والحامل لا تصير نفساء كما لا تحيض والدليل عليه حكم انقضاء العدة فانه معتبر بالولد الآخر وهما يقولان النفاس من تنفس الرحم بالدم من خروج النفس الذى هو الولد أو من خروج النفس الذى هو عبارة عن الدم وقد وجد ذلك كله بالولد الاول وانما لا تحيض الحامل لا نسداد فم الرحم وقد انفتح بالولد الاول فكان الدم المرئى بعده من الرحم وفى حكم انقضاء العدة العبرة بفراغ الرحم ولا يحصل ذلك الا بالولد الآخر (قال) وإذا توضأت المستحاضة والدم سائل ولبست خفيها فلها أن تمسح عليهما ما دامت في وقت تلك الصلاة
[ 21 ] عندنا (وقال) زفر رضي الله عنه تمسح كمال مدة المسح وقد بينا هذا في باب المسح على الخفين (قال) وإذا وجب الوضوء بذهاب الوقت وهي في الصلاة استقبلت الصلاة وإذا وجب بسيلان الدم بنت على صلاتها ومعنى هذا إذا كان الدم سائلا حين توضأت أو سال بعد الوضوء قبل خروج الوقت فخرج الوقت وهي في الصلاة فعليها ان تستقبل لان خروج الوقت ليس بحدث ولكن عند خروج الوقت تنتقض طهارتها بالدم السائل مقرونا بالطهارة أو بعدها في الوقت وقد أدت جزأ من الصلاة بعد ذلك الدم واداء جزء من الصلاة بعد سبق الحدث يمنع البناء عليها فاما إذا توضأت والدم منقطع وخرج الوقت في خلال الصلاة قبل سيلان الدم ثم سال الدم فانها تتوضأ وتبنى لان وجوب الوضوء بالدم السائل بعد خروج الوقت ولم يوجد بعده اداء شئ من الصلاة فكان لها أن تتوضأ وتبنى (قال) وصاحب الرعاف السائل كالمستحاضة فانه يتوضأ لوقت كل صلاة (قال) وان سال الدم من أحد المنخرين فتوضأ له ثم سال من المنخر الآخر فعليه الوضوء لان هذا حدث جديد لم يكن موجودا وقت الطهارة فلم تقع الطهارة له فهو والبول والغائط سواء. وان كان سال منهما جميعا فتوضأ لهما ثم انقطع أحدهما فهو على وضوء ما بقى الوقت لان وضوءه وقع لهما وما بقي بعد انقطاع أحدهما حدث كامل ألا ترى أنه لو لم يكن توضأ في الابتداء الا لواحد كان يتقدر وضوؤه بالوقت لا جله فكذلك في حكم البقاء وما انقطع صار كان لم يكن وعلى هذا حكم صاحب القروح إذا كان البعض سائلا ثم سال من آخر أو كان الكل سائلا فانقطع السيلان عن البعض والله تعالى أعلم * (باب صلاة الجمعة) * (قال) رضى الله عنه اعلم أن الجمعة فريضة بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله والامر بالسعي إلى الشئ لا يكون الا لوجوبه والامر بترك البيع المباح لا جله دليل على وجوبه أيضا. والسنة حديث جابر رضى الله عنه قال خطبنا رسول الله ﷺ فقال أيها الناس توبوا إلى ربكم قبل ان تموتوا وتقربوا إلى الله بالاعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وتحببوا إلى الله بالصدقة في السر والعلانية تجبروا وتنصروا وترزقوا واعلموا أن الله تعالى كتب عليكم الجمعة في يومى هذا في شهرى هذا في مقامي
[ 22 ] هذا فمن تركها تهاونا بها واستخفافا بحقها وله امام جائر أو عادل فلاجمع الله شمله ألا فلا صلاة له ألا فلا صوم له الا أن يتوب فان تاب تاب الله عليه وفى حديث ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم قالا سمعنا رسول الله ﷺ على أعواد منبره يقول لينتهين أقوام عن ترك الجمعة أو ليختمن الله على قلوبهم وليكونن من الغافلين. والامة أجمعت على فرضيتها وانما اختلفوا في أصل الفرض في الوقت فمن العلماء من يقول أصل الفرض الجمعة في حق من تلزمه اقامتها وكانت فريضة الجمعة بزوال الشمس في هذا اليوم كفريضة الظهر في سائر الايام وهو قول الشافعي وأكثر العلماء على أن أصل فرض الوقت في هذا اليوم ما هو في سائر الايام وهو الظهر ولكنه مأمور باسقاط هذا الفرض بالجمعة إذا استجمع شرائطها لان أصل الفرض في حق كل أحد ما يتمكن من ادائه ولا يتمكن من أداء الجمعة بنفسه وانما يتمكن من أداء الظهر ولو جعلنا أصل الفرض الجمعة لكان الظهر خلفا عن الجمعة عند فواتها وأربع ركعات لا تكون خلفا عن ركعتين فعلمنا ان أصل الفرض الظهر ولكنه مامور باسقاط هذا الفرض عن نفسه باداء الجمعة إذا استجمع شرائطها فهى تختص بشرائط منها في المصلى ومنها في غيره (قال) أما الشرائط في المصلى لوجوب الجمعة فالاقامة والحرية والذكورة والصحة لحديث جابر رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله ﷺ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة الا مسافر ومملوك وصبى وامرأة ومريض فمن استغني عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه والله غنى حميد. والمعنى أن المسافر تلحقه المشقة بدخول المصر وحضور الجمعة وربما لا يجد أحدا يحفظ رحله وربما ينقطع عن أصحابه فلدفع الحرج أسقطها الشرع عنه والمملوك مشغول بخدمة المولى فيتضرر منه المولى بترك خدمته وشهود الجمعة وانتظاره الامام فلدفع الضرر عنه أسقطها الشرع عنه كما أسقط عنه الجهاد بخلاف الظهر فانه يتمكن من أدائه حيث هو بنفسه فلا ينقطع عن خدمة المولى أو ذلك القدر مستثنى عنه من حق المولى إذ ليس فيه ضرر كثير عليه وتحمل الضرر اليسير لا يدل على تحمل الضرر الكثير (قال) والمرأة كذلك مشغولة بخدمة الزوج منهية عن الخروج شرعا لما في خروجها إلى مجمع الرجال من الفتنة والمريض يلحقه الحرج في شهود الجمعة وانتظار الامام. وعلى هذا قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه الاعمى لا يلزمه شهود الجمعة وان وجد قائدا لانه عاجز عن السعي بنفسه ويلحقه من الحرج ما يلحق
[ 23 ] المريض وعندهما إذا وجد قائدا تلزمه لانه قادر على السعي وانما لا يهتدى إلى الطريق فهو كالضال إذا وجد من يهديه إلى الطريق غير أن هذه شرائط الوجوب لا شرائط الاداء حتى ان المسافر والمملوك والمرأة والمريض إذا شهدوا الجمعة فأدوها جازت لحديث الحسن رضى الله تعالى عنه كن النساء يجمعن مع رسول الله ﷺ ويقال لهن لا تخرجن الا تفلات أي غير متطيبات ولان سقوط فرض السعي عنهم لا لمعنى في الصلاة بل للحرج والضرر فإذا تحملوا التحقوا في الاداء بغيرهم (قال) فأما الشرائط في غير المصلى لاداء الجمعة فستة المصر والوقت والخطبة والجماعة والسلطان والاذن العام أما المصر فهو شرط عندنا وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه ليس بشرط فكل قرية سكنها أربعون من الرجال لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا تقام بهم لما روى أن أول جمعة جمعت في الاسلام بعد المدينة جمعت بجواثى وهى قرية من قرى عبد القيس بالبحرين وكتب أبو هريرة إلى عمر رحمه الله تعالى يسأله عن الجمعة بجواثى فكتب إليه أن جمع بها وحيثما كنت (ولنا) قوله عليه الصلاة والسلام لا جمعة ولا تشريق الا في مصر جامع وقال على رضى الله تعالى عنه لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى الا في مصر جامع ولان الصحابة حين فتحوا الامصار والقرى ما اشتغلوا بنصب المنابر وبناء الجوامع الا في الامصار والمدن وذلك اتفاق منهم على أن المصر من شرائط الجمعة وجواثى مصر بالبحرين وتسمية الراوى اياها بالقرية لا ينفى ما ذكرنا من التأويل قال الله تعالى لتنذر أم القرى ومن حولها ومعنى قول عمر رضى الله تعالى عنه وحيثما كنت أي مما هو مثل جواثى من الامصار وظاهر المذهب في بيان حد المصر الجامع أن يكون فيه سلطان أو قاض لا قامة الحدود وتنفيذ الاحكام. وقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أن يتمكن كل صانع أن يعيش بصنعته فيه ولا يحتاج فيه إلى التحول إلى صنعة أخرى وقال ابن شجاع رضى الله تعالى عنه أحسن ما قيل فيه ان اهلها بحيث لو أجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم ذلك حتى احتاجوا إلى بناء مسجد الجمعة فهذا مصر جامع تقام فيه الجمعة ثم في ظاهر الرواية لا تجب الجمعة الا على من سكن المصر والارياف المتصلة بالمصر. وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى ان كل من سمع النداء من أهل القرى القريبة من المصر فعليه أن يشهدها وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه لظاهر قوله تعالى إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة الآية وقال مالك رضى الله تعالى عنه من سكن من
[ 24 ] المصر على ثلاثة أميال أو دونها فعليه أن يشهدها وقال الاوزاعي رضى الله تعالى عنه من كان يمكنه أن يشهدها ويرجع إلى أهله قبل الليل فعليه أن يشهدها والصحيح ما قلنا ان كل موضع يسكنه من إذا خرج من المصر مسافرا فوصل إلى ذلك الموضع كان له أن يصلى صلاة السفر فليس عليه أن يشهدها لان مسكنه ليس من المصر. ألا ترى أن المقيم في المصر لا يكون مقيما في هذا الموضع. وأما الوقت فمن شرائط الجمعة يعنى به وقت الظهر لما روى أن رسول الله ﷺ لما بعث مصعب بن عمير رضى الله تعالى عنه إلى المدينة قبل هجرته قال له إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة وكتب إلى سعد بن زرارة رحمه الله تعالى إذا زالت الشمس من اليوم الذى يتجهز فيه اليهود لسبتهم فازدلف إلى الله تعالى بركعتين والذى روى ان ابن مسعود أقام الجمعة ضحى معناه بالقرب منه ومقصود الراوى انه ما أخرها بعد الزوال وكان مالك رضى الله عنه يقول تجوز اقامتها في وقت العصر بناء على مذهبه من تداخل الوقتين وقد بينا فساده (قال) والخطبة من شرائط الجمعة لحديث ابن عمر وعائشة رضى الله عنهما انما قصرت الجمعة لمكان الخطبة ولظاهر قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله يعنى الخطبة والامر بالسعي دليل على وجوبها ولان رسول الله ﷺ ما صلى الجمعة في عمره بغير خطبة فلو جاز لفعله تعليما للجواز (قال) بعض مشايخنا الخطبة تقوم مقام ركعتين ولهذا لا تجوز الا بعد دخول الوقت والاصح أنها لا تقوم مقام شطر الصلاة فان الخطبة لا يستقبل القبلة في أدائها ولا يقطعها الكلام ويعتد بها وان أداها وهو محدث أو جنب فبه تبين ضعف قوله انها بمنزلة شطر الصلاة (قال) والجماعة من شرائطها لظاهر قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله ولانها سميت جمعة وفي هذا الاسم ما يدل على اعتبار الجماعة فيها. ويختلفون في مقدار العدد فقال أبو حنيفة رضى الله عنه ثلاثة نفر سوى الامام وقال أبو يوسف رضى الله عنه اثنان سوى الامام لان المثنى في حكم الجماعة حتى يتقدم الامام عليهما وفى الجماعة معنى الاجتماع وذلك يتحقق بالمثنى وجه قولهما الاستدلال بقوله تعالى إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وهذا يقتضى مناديا وذاكرا وهو المؤذن والامام والاثنان يسعون لان قوله فاسعوا لا يتناول الا المثنى ثم ما دون الثلاث ليس بجمع متفق عليه فان أهل اللغة فصلوا بين التثنية والجمع فالمثنى وان كان فيه معنى الجمع من وجه فليس بجمع مطلق واشتراط الجماعة ثابت مطلقا ثم يشترط في الثلاثة أن
[ 25 ] يكونوا بحيث يصلحون للامامة في صلاة الجمعة حتى أن نصاب الجمعة لا يتم بالنساء والصبيان ويتم بالعبيد والمسافرين لانهم يصلحون للامامة فيها وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه النصاب اربعون رجلا من الاحرار المقيمين وهذا فاسد فان مصعب بن عمير اقام الجمعة بالحديبية مع اثنى عشر رجلا وأسعد بن زرارة أقامها بتسعة عشر رجلا ولما نفر الناس في اليوم الذى دخل فيه العير المدينة كما قال الله تعالى وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها بقى رسول الله ﷺ مع اثنى عشر رجلا فصلى بهم الجمعة ولا معنى لاشتراط الاقامة والحرية فيهم لان درجة الامامة أعلى فإذا لم يشترط هذا في الصلاحية للامامة فكيف يشترط فيمن يكون مؤتما ولا وجه لمنع هذا فقد أقام رسول الله ﷺ الجمعة بمكة وهو كان مسافرا حتى قال لاهل مكة أتموا يا أهل مكة صلاتكم فانا قوم سفر (قال) والسلطان من شرائط الجمعة عندنا خلافا للشافعي رضى الله عنه وقاسه باداء سائر المكتوبات فالسلطان والرعية في ذلك سواء (ولنا) ما روينا من حديث جابر رضى الله عنه وله امام جائر أو عادل فقد شرط رسول الله ﷺ الامام لا لحاقه الوعيد بتارك الجمعة وفى الاثر أربع إلى الولاة منها الجمعة ولان الناس يتركون الجماعات لاقامة الجمعة ولو لم يشترط فيها السلطان أدى إلى الفتنة لانه يسبق بعض الناس إلى الجامع فيقيمونها لغرض لهم وتفوت على غيرهم وفيه من الفتنة مالا يخفى فيجعل مفوضا إلى الامام الذى فوض إليه أحوال الناس والعدل بينهم لانه أقرب إلى تسكين الفتنة. والاذن العام من شرائطها حتى ان السلطان إذا صلى بحشمه في قصره فان فتح باب القصر وأذن للناس اذنا عاما جازت صلاته شهدها العامة أو لم يشهدوها وان لم يفتح باب قصره ولم يأذن لهم في الدخول لا يجزئه لان اشتراط السلطان للتحرز عن تفويتها على الناس ولا يحصل ذلك الا بالاذن العام وكما يحتاج العامة إلى السلطان في اقامتها فالسلطان يحتاج إليهم بان يأذن لهم اذنا عاما بهذا يعتدل النظر من الجانبين (قال) فان صلى الامام باهل المصر الظهر يوم الجمعة أجزأهم وقد أساؤا في ترك الجمعة أما الجواز فلانهم أدوا أصل فرض الوقت ولو لم نجوزها لهم أمرناهم باعادة الظهر بعد خروج الوقت والامر باعادة الظهر عند تفويتها في الوقت وما فوتوها وأما الاساءة فلتركهم أداء الجمعة بعد ما استجمعوا شرائطها وفي حديث ابن عمر قال رسول الله ﷺ من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع على قلبه (قال)
[ 26 ] ويخطب الامام يوم الجمعة قائما لما روى ان ابن مسعود رضى الله عنه لما سئل عن هذا فقال أليس تتلو قوله تعالى وتركوك قائما كان رسول الله ﷺ يخطب قائما حين انفض عنه الناس بدخول العير المدينة وهكذا جرى التوارث من لدن رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا والذى روى عن عثمان رضى الله تعالى عنه أنه كان يخطب قاعدا انما فعل ذلك لمرض أو كبر في آخر عمره وفى حديث جابر بن سمرة رضى الله تعالى عنه ان رسول الله ﷺ كان يخطب قائما خطبة واحدة فلما أسن جعلها خطبتين يجلس بينهما جلسة ففي هذا دليل انه يجوز الاكتفاء بالخطبة الواحدة بخلاف ما يقوله الشافعي رضى الله تعالى عنه وفى هذا دليل على ان الجلسة بين الخطبتين للاستراحة وليست بشرط عندنا خلافا للشافعي رضى الله تعالى عنه انها شرط (قال) امام خطب جنبا ثم أغتسل فصلى بهم أو خطب محدثا ثم توضأ فصلى بهم أجزأهم عندنا وعند أبي يوسف رضى الله تعالى عنه لا يجزئهم وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه لان الخطبة بمنزلة شطر الصلاة حتى لا يجوز أداؤها الا في وقت الصلاة وفى الاثر انما قصرت الجمعة لمكان الخطبة فكما تشترط الطهارة في الصلاة فكذلك في الخطبة (ولنا) ان الخطبة ذكر والمحدث والجنب لا يمنعان من ذكر الله ما خلا قراءة القرآن في حق الجنب وليست الخطبة نظير الصلاة ولا بمنزلة شطرها بدليل أنها تؤدى غير مستقبل بها القبلة ولا يفسدها الكلام وتأويل الاثر انها في حكم الثواب كشطر الصلاة لا في اشتراط شرائط الصلاة فيها وقد ذكرنا في باب الاذان انه يعاد أذان الجنب ولم يذكر اعادة خطبة الجنب ولا فرق بينهما في الحقيقة غير أن الاذان لا يتعلق به حكم الجواز فذكر استحباب الاعادة والخطبة يتعلق بها حكم الجواز فذكر الجواز هنا. واستحباب الاعادة هاهنا كهو في الاذان (قال) وينبغى للامام أن يقرأ سورة في خطبته لقوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له قيل الآية في الخطبة سماها قرآنا لما فيها من قراءة القرآن وكان رسول الله ﷺ يبلغهم ما أنزل الله تعالى في خطبته وذكر السورة لانها أدل على المعنى والاعجاز ولو اكتفى بقراءة آية طويلة جاز أيضا لان فرض القراءة في الصلاة يتأدى بهذا فسنة القراءة في الخطبة أولى (قال) وإذا أحدث الامام يوم الجمعة بعد الخطبة وأم رجلا يصلى بالناس فان كان الرجل شهد الخطبة جاز ذلك لانه قام مقام الاول وهو مستجمع
[ 27 ] شرائط افتتاح الجمعة ويستوى ان كان الامام مأذونا في الاستخلاف أولم يكن بخلاف القاضى فانه إذا لم يكن مأذونا في الاستخلاف لا يكون له أن يستخلف لان القضاء غير مؤقت لا يفوت بتأخيره عند العذر والجمعة مؤقتة تفوت بتأخيرها عند العذر إذا لم يستخلف ومن ولاه لما أمره بذلك مع علمه انه قد يعرض له عارض يمنعه من ادائها في الوقت فقد صار راضيا باستخلافه. وان لم يكن المأمور شهد الخطبة لم يجزله أن يصلى بهم الجمعة لان الخطبة من شرائط افتتاح الجمعة وهو المفتتح لها فإذا لم يستجمع شرائطها لم يجزله افتتاحها كالاول إذا لم يخطب وهذا بخلاف مالو افتتح الاول الصلاة ثم سبقه الحدث فاستخلف من لم يشهد الخطبة أجزأهم لان هناك الثاني بان وليس بمفتتح والخطبة من شرائط الافتتاح وقد وجد ذلك في حق الاصيل فيتعين اعتباره في حق التبع * فان قيل لو أفسد البانى صلاته ثم افتتح بهم الجمعة جاز أيضا وهو مفتتح في هذه الحالة * قلنا نعم ولكنه لما صح شروعه في الجمعة وصار خليفة الاول التحق بمن شهد الخطبة حكما فلهذا جاز له افتتاحها بعد الافساد (قال) وان كان المأمور جنبا وقد شهد الخطبة فلما أمره الامام بذلك أمر هو رجلا طاهرا قد شهد الخطبة فصلى بهم أجزأه لان استخلاف الامام اياه يثبت له ولاية اقامة الجمعة بدليل أنه لو اغتسل وصلى بهم أجزأهم فيفيدة ولاية الاستخلاف أيضا بخلاف ما إذا كان المأمور الاول لم يشهد الخطبة فأمر غيره ممن شهد الخطبة لم يجزله أن يصلى بهم الجمعة لان أمر الامام اياه لم يفده ولاية اقامة الجمعة بنفسه فلا يفيده ولاية الاستخلاف الذى هو تبع له وكذلك ان كان المأمور الاول صبيا أو معتوها أو كافرا أو امرأة فأمر غيره بذلك لم يجز له اقامة الجمعة بأمره لانه لم يفده ولاية اقامتها بنفسه وولاية الاستخلاف تثبت تبعا لثبوت ولاية الاقامة بنفسه (قال) وإذا أحدث الامام قبل افتتاح الصلاة فلم يأمر أحدا فتقدم صاحب الشرط اماما أو القاضى أو أمر رجلا قد شهد الخطبة فتقدم وصلى بهم أجزأهم لان اقامة الجمعة من أمور العامة وقد فوض إلى القاضي وصاحب الشرط ما هو من أمور العامة فنزلا فيه منزلة الامام في الامامة والاستخلاف (قال) ولا ينبغي للامام أن يتكلم في خطبته بشئ من حديث الناس لانه ذكر منظوم والتكلم في خلاله يذهب بهاءه فلا يشتغل به كما في خلال الاذان والذى روى ان عثمان رضي الله عنه كان يسأله الناس عن سعر الشعير وعن سعر الزيت فقد كان
[ 28 ] ذلك قبل الشروع في الخطبة لا في خلالها والذى روى ان عمر رضى الله عنه قال لعثمان رضى الله عنه حين دخل وهو يخطب أية ساعة المجئ هذه الحديث فقد كان ذلك منه أمرا بالمعروف والخطبة كلها وعظ وأمر بمعروف والذى روى أن النبي ﷺ كان يخطب إذ دخل أعرابي وقال هلكت المواشى وتقطعت السبل وخشينا القحط فاستسقى رسول الله ﷺ قيل كان ذلك قبل نزول قوله تعالى وإذا قرئ القرآن الآية وقيل كان ملكا مقيضا هبط في الجمعتين ليذكر رسول الله ﷺ دعاء الاستسقاء ودعاء الفرج من خوف الغرق والخطبة فيها الدعاء (قال) ولا ينبغى للقوم ان يتكلموا والامام يخطب لقوله تعالى فاستمعوا له وانصتوا الآية ولانه في الخطبة يخاطبهم بالوعظ فإذا اشتغلوا بالكلام لم يفد وعظه اياهم شيئا وفى حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال من قال لصاحبه والامام يخطب انصت فقد لغا ومن لغا فلا صلاة له وقرأ رسول الله ﷺ سورة في خطبته فقال أبو الدرداء لابي بن كعب رحمهما الله تعالى متى انزلت هذه السورة فلم يجبه فلما فرغ من صلاته قال اما ان حظك من صلاتك ما لغوت فجاء إلى رسول الله ﷺ يشكوه فقال عليه الصلاة والسلام صدق أبى. وسمع ابن عمر رجلا يقول لصاحبه يوم الجمعة والامام يخطب متى تخرج القافلة فقال صاحبه غدا فلما فرغ ابن عمر رضى الله تعالى عنهما من صلاته قال للمجيب أما انك فقد لغوت وأما صاحبك هذا فحمار. فان كان بحيث لا يسمع الخطبة فظاهر الجواب أنه يسكت لان المأمور به شيآن الاستماع والانصات فمن قرب من الامام فقد قدر عليهما ومن بعد عنه فقد قدر على أحدهما وهو الانصات فيأتى بما قدر عليه وكان محمد بن سلمة رضى الله تعالى عنه يختار السكوت ونصير بن يحيى رضى الله تعالى عنه يختار قراءة القرآن في نفسه والحكم بن زهير كان ينظر في الفقه وهو من كبار أصحابنا وكان مولعا بالتدريس قال الحسن بن زياد رضى الله تعالى عنه ما دخل العراق أحد أفقه من الحكم بن زهير قلت فهل يردون السلام ويشمتون العاطس ويصلون على النبي ﷺ ويقرؤن القرآن قال أحب الي أن يستمعوا فقد أظرف في هذا الجواب ولم يقل لا ولكنه ذكر ما هو المأمور به وهو الاستماع والانصات ولم يذكر ان العاطس هل يحمد الله تعالى والصحيح أنه يقوله في نفسه فذلك لا يشغله عن الاستماع وأما التشميت ورد السلام فلا يأتي بهما عندنا خلافا للشافعي رضى الله تعالى عنه
[ 29 ] وهو رواية عن أبى يوسف رضى الله تعالى عنه لان رد السلام فرض والاستماع سنة ولكنا نقول رد السلام انما يكون فريضة إذا كان السلام تحية وفى حالة الخطبة المسلم ممنوع من السلام فلا يكون جوابه فرضا كما في الصلاة ثم ما طلب أبو الدرداء من أبى بن كعب رضى الله تعالى عنهما من تاريخ المنزل فقد كان فرضا عليهم ليعرفوا آية الناسخ من المنسوخ وقد جعله رسول الله ﷺ من اللغو في حالة الخطبة فكذلك رد السلام. وأما الصلاة على النبي ﷺ فقد روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى ان الخطيب إذا قال يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه ينبغي لهم أن يصلوا عليه وهو اختيار الطحاوي لانه يبلغهم أمرا فعليهم الامتثال. وجه ظاهر الرواية أن حالة الخطبة كحالة الصلاة في المنع من الكلام فكما أن الامام لو قرأ هذه الآية في صلاته لم يشتغل القوم بالصلاة عليه فكذلك إذا قرأها في خطبته (قال) الامام إذا خرج فخروجه يقطع الصلاة حتى يكره افتتاحها بعد خروج الامام وينبغي لمن كان فيها أن يفرغ منها يعنى يسلم على رأس الركعتين لحديث ابن مسعود وابن عباس رضى الله تعالى عنهم موقوفا عليهما ومرفوعا إذا خرج الامام فلا صلاة ولا كلام وقال عقبة بن عامر رضى الله تعالى عنهما الصلاة في حالة الخطبة خطيئة ولان الاستماع واجب والصلاة تشغله عنه ولا يجوز الاشتغال بالتطوع وترك الواجب وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه يأتي بالسنة وتحية المسجد إذا دخل والامام يخطب لحديث سليك الغطفانى أنه دخل المسجد ورسول الله ﷺ يخطب فجلس فقال له رسول الله ﷺ أركعت ركعتين فقال لا فقال قم فاركعهما ودخل أبو الدرداء المسجد ومروان يخطب فركع ركعتين ثم قال لا أتركهما بعد ما سمعت رسول الله ﷺ بقول فيهما ما قال. وتأويل حديث سليك أنه كان قبل وجوب الاستماع ونزول قوله وإذا قرئ القرآن وقيل لما دخل وعليه هيئة رثة ترك رسول الله ﷺ الخطبة لاجله وانتظره حتى قام وصلى ركعتين والمراد أن يرى الناس سوء حاله فيواسوه بشئ وفي زماننا الخطيب لا يترك الخطبة لاجل الداخل فلا يشتغل هو بالصلاة وقال أبو حنيفة رضى الله عنه يكره الكلام بعد خروج الامام قبل ان يأخذ في الخطبة وبعد الفراغ من الخطبة قبل الاشتغال بالصلاة كما تكره الصلاة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تكره الصلاة في هذين الوقتين ولا يكره الكلام لما جاء في الحديث خروج الامام
[ 30 ] يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام ولان الصلاة تمتد وربما لا يمكنه قطعها حين يأخذ الامام في الخطبة والكلام يمكن قطعه متى شاء والنهى عنه لوجوب استماع الخطبة فيقتصر على حالة الخطبة وأبو حنيفة رضى الله عنه استدل بما روى عن رسول الله ﷺ قال إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المساجد يكتبون الناس الاول فالاول الحديث إلى أن قال فإذا خرج الامام طووا الصحف وجاؤا يستمعون الذكر وانما يطوون الصحف إذا طوي الناس الكلام وأما إذا كانوا يتكلمون فهم يكتبونه عليهم قال الله تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ولان الامام إذا صعد المنبر ليخطب فكان مستعدا لها فيجعل كالشارع فيها من وجه ألا ترى ان في كراهة الصلاة جعل الاستعداد لها كالشروع فيها فكذلك في كراهة الكلام ووجوب الانصات غير مقصور على حال تشاغله بالخطبة حتى يكره الكلام في حالة الجلسة بين الخطبتين (قال) وينبغى للرجل ان يستقبل الخطيب بوجهه إذا أخذ في الخطبة وهكذا نقل عن أبى حنيفة رضى الله عنه أنه كان يفعله لان الخطيب يعظهم ولهذا استقبلهم بوجهه وترك استقبال القبلة فينبغي لهم أن يستقبلوه بوجوههم ليظهر فائدة الوعظ وتعظيم الذكر كما في غير هذا من مجالس الوعظ ولكن الرسم الآن أن القوم يستقبلون القبلة ولم يؤمروا بترك هذا لما يلحقهم من الحرج في تسوية الصفوف بعد فراغه لكثرة الزحام إذا استقبلوه بوجوههم في حالة الخطبة (قال) وإذا خطب بتسبيحة واحدة أو بتهليل أو بتحميد أجزأه في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يجزئه حتى يكون كلاما يسمى خطبة وقال الشافعي رضى الله عنه لا يجزئه حتى يخطب خطبتين يقرأ فيهما شيئا من القرآن ويجلس بينهما جلسة واستدل بالتوارث من لدن رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا والتوارث كالتواتر ولكنا قد روينا أن النبي ﷺ في الابتداء كان يخطب خطبة واحدة فلما أسن جعلها خطبتين وجلس بينهما فدل على انه أنما فعل ذلك ليكون أروح عليه لا لانه شرط وأبو يوسف ومحمد قالا الشرط الخطبة ومن قال الحمد لله أو قال لا اله الا الله فهذه الكلمة لا تسمى خطبة وقائلها لا يسمى خطيبا فما لم يأت بما يسمى خطبة لايتم شرط الجمعة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بما روى ان عثمان رضى الله عنه لما استخلف صعد المنبر فقال الحمد الله فارتج عليه فقال ان أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يعدان لهذا المكان مقالا
[ 31 ] أو قال يرتادان أنتم إلى امام فعال أحوج منكم إلى امام قوال وستأتى الخطب الله أكبر ما شاء الله فعل ونزل وصلى الجمعة ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فدل انه يكتفى بهذا القدر. ولما أتى الحجاج العراق صعد المنبر فقال الحمد لله فارتج عليه فقال يا أيها الناس قد هالنى كثرة رؤسكم واحداقكم إلى باعينكم واني لا أجمع عليكم بين الشح والعي ان لى نعما في بنى فلان فإذا قضيتم الصلاة فانتهبوها ونزل وصلى معه من بقى من الصحابة كابن عمر وأنس ابن مالك رضى الله عنهما ولان المنصوص عليه الذكر قال الله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله وقد بينا أن الذكر بها ثبت بالنص والذكر يحصل بقوله الحمد لله فما زاد عليه شرط الكمال لا شرط الجواز وهو نظير ما قال أبو حنيفة ان فرض القراءة يتأدى بآية واحدة ثم قوله الحمد لله كلمة وجيزة تحتها معان جمة تشتمل على قدر الخطبة وزيادة والمتكلم بقوله الحمد لله كالذاكر لذلك كله فيكون ذلك خطبة لكنها وجيزة وقصر الخطبة مندوب إليه جاء عن عمر رضى الله عنه قال طولوا الصلاة وقصروا الخطبة وقال ابن مسعود رضى الله عنه طول الصلاة وقصر الخطبة من فقه الرجل الا ان الشرط عند أبى حنيفة رضى الله عنه ان يكون قوله الحمد لله على قصد الخطبة حتى إذا عطس وقال الحمد لله يريد به الحمد على عطاسه لا ينوب عن الخطبة هكذا نقل عنه مفسرا في الامالى (قال) والاذان إذا صعد الامام المنبر فإذا نزل أقام الصلاة بعد فراغه من الخطبة هكذا كان على عهد رسول الله ﷺ والخليفتين من بعده إلى أن أحدث الناس الاذان على الزوراء على عهد عثمان رضى الله عنه وقد بينا ذلك في باب الاذان (قال) رجل ذكر في الجمعة ان عليه الفجر فهذا على ثلاثة أوجه. أحدها انه لا يخاف فوت الجمعة لو اشتغل بالفجر فعليه أن يقطع الجمعة ويبدأ بالفجر ثم بالجمعة لمراعاة الترتيب فانه واجب عندنا. والثانى ان يخاف فوت الوقت لو اشتغل بالفجر فهذا يتم الجمعة لان الترتيب عنه ساقط بضيق الوقت. والثالث ان يخاف فوت الجمعة دون الوقت لو اشتغل بالفجر فهذا في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى نظير الفصل الاول يلزمه مراعاة الترتيب وعند محمد رحمه الله تعالى نظير الفصل الثاني لان شروعه في الجمعة قد صح وهو يخاف فوتها لو اشتغل بالفجر فلا يلزمه مراعاة الترتيب كما لو تذكر العشاء في خلال الفجر وهو يخاف طلوع الشمس لو اشتغل بالعشاء بل أولى فان هناك لا يفوته أصل الصلاة انما يفوته الاداء في الوقت وههنا
[ 32 ] يفوته أصل الصلاة وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا الجمعة في هذا اليوم كالظهر في سائر الايام فكما انه لو تذكر الفجر في خلال الظهر وهو يخاف فوت الجماعة دون الوقت يلزمه مراعاة الترتيب فكذلك ههنا وهذا لان أصل فرض الوقت لا يفوته وقد بينا أنها كالظهر وهو يتمكن من أدائها في الوقت مع مراعاة الترتيب بخلاف ما إذا كان يخاف فوت الوقت (قال) رجل زحمه الناس يوم الجمعة فلم يستطع أن يسجد فوقف حتى سلم الامام فهذا واللاحق سواء يمضى في صلاته بغير قراءة لانه أدرك أولها فكان مقتديا في الاتمام ولا قراءة عليه كالذى نام أو سبقه الحدث فان لم يقم في الركعة الثانية مقدار قراءة الامام ولكنه كما استتم قائما ركع أجزأه لان الركن أصل القيام في كل ركعة لا امتداده ألا ترى أن الامام في سائر الصلوات لو لم يطول القيام في الشفع الثاني أجزأه لانه لا قراءة فيهما فهذا مثله (قال) ولا يجزئه التيمم في الجمعة وان خاف فوتها لانها تفوت إلى خلف وهو الظهر وقد بينا هذا في باب التيمم (قال) مريض لا يستطيع أن يشهد الجمعة فصلى الظهر في بيته بأذان واقامة فهو حسن لان هذا اليوم في حقه كسائر الايام إذ ليس عليه شهود الجمعة فيه (قال) ومن صلى الظهر لمرض أو سفر أو بغير عذر ثم صلى الجمعة مع الامام فالجمعة هي الفريضة عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى ان كان مريضا أو مسافرا ففرضه الظهر وان لم يكن له عذر ففرضه الجمعة ولا يجزئه الظهر قبل فراغ الامام من الجمعة فالكلام في فصلين أحدهما في المعذور وجه قول زفر رحمه الله تعالى ان هذا اليوم في حقه كسائر الايام وفى سائر الايام لو صلي الظهر في بيته ثم أدرك الجماعة كان فرضه ما أدى في بيته فكذلك هنا ولكنا نقول الجمعة أقوى من الظهر ولا يظهر الضعيف في مقابلة القوى وانما فارق المريض الصحيح في الترخص بترك السعي إلى الجمعة فإذا شهدها فهو والصحيح سواء فيكون فرضه الجمعة والفصل الثاني في الصحيح المقيم إذا صلى الظهر في بيته ولم يشهد الجمعة أجزأه عندنا وقد أساء وقال زفر رحمه الله تعالى لا يجزئه الظهر الا بعد فراغ الامام من الجمعة وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يجزئه الظهر الا بعد خروج الوقت لان من أصل زفر والشافعي أن الفرض في حقه الجمعة والظهر بدل فانه مأمور بالسعي إلى الجمعة وترك الاشتغال بالظهر ما لم يتحقق فوت الجمعة وهذا صورة الاصل والبدل فإذا أدى البدل مع قدرته على الاصل لا يجزئه وعند زفر رحمه الله تعالى فوات الاصل بفراغ الامام لانه يشترط السلطان
[ 33 ] لا قامة الجمعة وعند الشافعي رحمه الله تعالى فوات الاصل بخروج الوقت لان السلطان عنده ليس بشرط لاقامة الجمعة فأما عندنا فاصل فرض الوقت الظهر قال عليه الصلاة والسلام وأول وقت الظهر حين تزول الشمس ولم يفصل بين هذا اليوم وغيره ولانه ينوى القضاء في الظهر إذا أداه بعد خروج الوقت فلو لم يكن أصل فرض الوقت في حقه الظهر لما احتاج إلى نية القضاء بعد فوات الوقت فإذا ثبت أن أصل الفرض هو الظهر وقد أداه في وقته فيجزئ عنه. وقد روى عن محمد رحمه الله تعالى قال لا أدرى ما أصل فرض الوقت في هذا اليوم ولكن يسقط الفرض عنه بأداء الظهر أو الجمعة يريد به ان أصل الفرض أحدهما لا بعينه ويتعين بفعله (قال) ولو صلى الظهر ثم سعى إلى الجمعة فوجد الامام قد فرغ منها فان كان خروجه من بيته بعد فراغ الامام منها فليس عليه اعادة الظهر وان كان قبل فراغ الامام منها فعليه اعادة الظهر عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ليس عليه اعادة الظهر ما لم يفتتح الجمعة مع الامام. وجه قولهما انه أدى فرض الوقت بأداء الظهر فلا ينتقض الا بما هو أقوى منه وهو الجمعة فأما مجرد السعي فليس بأقوى مما أدى ولا يجعل السعي إليها كمباشرتها في ارتفاض الظهر به كالقارن إذا وقف بعرفات قبل أن يطوف لعمرته يصير رافضا لها ولو سعى إلى عرفات لا يصير به رافضا لعمرته. وجه قوله ان السعي من خصائص الجمعة لانه أمر به فيها دون سائر الصلوات فكان الاشتغال بما هو من خصائصها كالاشتغال بها من وجه فيصير به رافضا للظهر ولكن السعي إليها انما يتحقق قبل فراغ الامام منها لا بعده وفى مسألة القارن في القياس ترتفض عمرته بالسعي إلى عرفات وفى الاستحسان لا ترتفض لان السعي هناك منهى عنه قبل طواف العمرة فضعف في نفسه وههنا مأمور به فكان قويا في نفسه (قال) وإذا لم يفرغ الامام من الجمعة حتى دخل وقت العصر فسدت الجمعة لان الوقت من شرائطها فإذا فات قبل الفراغ منها كان بمنزلة فواته قبل الشروع فيها لان شرائط العبادة مستدامة من أولها إلى آخرها كالطهارة للصلاة فان قهقه لم يلزمه وضوء وهذا قول محمد رضى الله عنه وهو احدى الروايتين عن أبى حنيفة رحمه الله لان التحريمة انحلت بفساد الجمعة فأما عند أبى يوسف وهو احدى الروايتين عن أبى حنيفة رحمه الله فلم تنحل التحريمة بفساد الفريضة فإذا قهقه فعليه الوضوء لمصادفة القهقهة حرمة الصلاة (قال) وإذا فزع الناس فذهبوا بعد ما خطب الامام لم يصل الجمعة الا
[ 34 ] أن يبقى معه ثلاثة رجال سواء لان الجماعة من شرائط افتتاح الجمعة. وقد بينا اختلافهم في مقدارها. وان بقى معه ثلاثة من العبيد أو المسافرين يصلى بهم الجمعة لانهم يصلحون للامامة فيها بخلاف ما إذا بقى ثلاثة من النساء أو الصبيان وان كان صلى بالناس ركعة ثم ذهبوا أتم صلاته جمعة عندنا (وقال) زفر رحمه الله تعالى يستقبل الظهر إذا ذهبوا قبل أن يقعد مقدار التشهد لان الجماعة شرط الجمعة كالوقت ولكنا نقول الجماعة شرط افتتاح الجمعة وقد وجد ذلك حتى صلى بهم ركعة فكان له أن يتمها جمعة بخلاف الوقت فانه شرط الاداء لا شرط الافتتاح وتمام الاداء بالفراغ من الصلاة. ألا ترى أن المسبوق إذا أدرك ركعة مع الامام قام بعد فراغه فأتم الجمعة كما قال رسول الله ﷺ من أدرك ركعة من الجمعة مع الامام فقد أدرك ومثله لو خرج الوقت قبل فراغه من قضاء الركعة الثانية فسدت به جمعته فاتضح الفرق ولو ذهبوا بعد ما كبر الامام وكبروا معه قبل تقييد الركعة بالسجدة فعلى قول أبى حنيفة رضى الله عنه يستقبل الظهر وعندهما يتمها جمعة لان الافتتاح بالتكبير يحصل وقد كان شرط الجماعة موجودا عنده وقياسا بالخطبة فان الامام بعد ما كبر لو سبقه الحدث فاستخلف من لم يشهد الخطبة أتم الجمعة وكان استخلافه اياه بعد التكبير كاستخلافه بعد أداء ركعة فهذا مثله. وأبو حنيفة رحمه الله يقول الجماعة شرط صلاة الجمعة ولا يصير مصليا ما لم يقيد الركعة بالسجدة فكان ذهاب الجماعة قبل تقييدها كذهابهم قبل التكبير ثم الجماعة شرط الافتتاح وما لم يقيد الركعة بالسجدة فهو مفتتح لكل ركن بخلاف ما بعد تقييد الركعة بالسجدة فانه معيد للاركان لا مفتتح وليس كالخطبة فان الذى يستخلفه هناك بان على صلاته وشرط الخطبة موجود في حق الاصل وههنا الامام أصل في افتتاح الاركان فلا بد من وجود شرط الجماعة عند افتتاح كل ركن (قال) رجل صلى الجمعة بالناس بغير اذن الامام أو خليفته أو صاحب الشرط أو القاضى لم يجزئهم لما بينا أن السلطان شرط لاقامتها وقد عدم ولم يذكر أنه لو مات من يصلى الجمعة بالناس فاجتمعوا على رجل فصلى بهم الجمعة هل يجزئهم والصحيح أنه يجزئهم فقد ذكر ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى أنه لو مات عامل افريقية فاجتمع الناس على رجل فصلى بهم الجمعة أجزأهم لان عثمان رحمه الله تعالى لما حصر اجتمع الناس على على رضى الله عنه فصلى بهم الجمعة ولان الخليفة انما يأمر بذلك نظرا منه لهم فإذا نظروا لانفسهم
[ 35 ] واتفقوا عليه كان ذلك بمنزلة أمر الخليفة اياه (قال) ومن صلى الجمعة في الطاقات أو في السدة أو في دار الصيارفة أجزأه إذا كانت الصفوف متصلة لان اتصال الصفوف يجعل هذا الموضع في حكم المسجد في صحة الاقتداء بالامام بدليل سائر الصلوات والاصطفاف بين الاسطوانتين غير مكروه لانه صف في حق كل فريق وان لم يكن طويلا وتخلل الاسطوانة بين الصف كتخلل متاع موضوع أو كفرجة بين رجلين وذلك لا يمنع صحة الاقتداء ولا يوجب الكراهة (قال) ومن أدرك الامام في التشهد في الجمعة أوفي سجدتي السهو فاقتدى به فقد أدركها ويصليها ركعتين في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى يصلى أربعا لما روى أن النبي ﷺ قال من أدرك ركعة من الجمعة مع الامام فقد أدرك وان أدركهم جلوسا صلى أربعا. وهما استدلا بقوله ﷺ ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا وقد فاته ركعتان ثم هو بادراك التشهد مدرك للجمعة بدليل أنه ينويها دون الظهر حتى لو نوى الظهر لم يصح اقتداؤه به ثم الفرض بالاقتداء تارة يتعين إلى الزيادة كما في حق المسافر يقتدى بالمقيم وتارة إلى النقصان كما في حق الجمعة ثم في اقتداء المسافر بالمقيم لا فرق بين الركعة وما دونها في تعين الفرض به فكذا هنا وتأويل الحديث وإذا أدركهم جلوسا قد سلموا والقياس ما قالا الا أن محمدا رحمه الله تعالى احتاط وقال يصلى أربعا احتياطا وذلك جمعته ولهذا ألزمه القراءة في كل ركعة وكذلك تلزمه القعدة الاولى على ما ذكره الطحاوي عنه كما هو لازم للامام وفى رواية المعلى عنه لا تلزمه القعدة الاولى لانه ظهر من وجه فلا تكون القعدة الاولى فيه واجبة وهذا الاحتياط لا معنى له فانه ان كان ظهرا فلا يمكنه ان يبنيها على تحريمة عقدها للجمعة وان كان جمعة فلا تكون الجمعة أربع ركعات (قال) امام خطب يوم الجمعة فلما فرغ منها قدم أمير آخر يصلى فان صلى القادم بخطبة الاولى صلى الظهر لان الخطبة من شرائط افتتاح الجمعة وهو غير موجود في حقه وان خطب خطبة أخرى صلى ركعتين لا ستجماع شرائط الجمعة وان كان صلى الاول الجمعة بالناس فان لم يعلم بقدوم الثاني اجزأهم لانه لا ينعزل ما لم يعلم بقدوم الثاني وان علم به لم يجزئهم الا أن يكون الثاني امر باقامتها فحينئذ يجزئهم لانه مستجمع لشرائطها وقد قيل لا يجزئهم لان الثاني لما لم يملك اقامتها لعدم شهود الخطبة لم يصح أمره الاول بها وقد بينا هذا فيما سبق (قال) ويكره أن يصلى الظهر يوم الجمعة في المصر
[ 36 ] جماعة في سجن أو في غير سجن هكذا روى عن على رضى الله عنه ولان الناس أغلقوا أبواب المساجد في وقت الظهر يوم الجمعة في الامصار فدل أنه لا يصلى جماعة فيها ولان المأمور به في حق من يسكن المصر في هذا الوقت شيئان ترك الجماعة وشهود الجماعة وأصحاب السجن قدروا على أحدهما وهو ترك الجماعة فيأتون بذلك ولو جوزنا للمعذور اقامة الظهر بالجماعة في المصر ربما يقتدى بهم غير المعذور وفيه تقليل الناس في الجامع وهذا بخلاف القرى فانه ليس على من يسكنها شهود الجمعة فكان هذا اليوم في حقهم كسائر الايام (قال) والخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة هكذا فعله رسول الله ﷺ وقد بينا انها من شرائط الجمعة (قال) ويجهر بالقراءة في صلاة الجمعة به جرى التوارث وهكذا نقل عن رسول الله ﷺ حتى حفظ عنه أصحابه ما قرأ فيها ونقلوه قال أبو هريرة رضى الله عنه قرأ في الركعة الاولى سورة الجمعة وفى الثانية المنافقين وقال النعمان بن بشير رحمه الله تعالى قرأ في الاولى سبح اسم ربك الاعلى وفى الثانية هل أتاك حديث الغاشية (قال) ومن أدرك الامام بعد ما رفع رأسه من الركوع فاحدث الامام وقدمه سجد بهم السجدتين ولم يحتسب بهما من صلاته لانه خليفة الاول فيأتى بما كان يأتي الاول الا أن شرط الاحتساب بهما لم يوجد في حقه وهو تقدم الركوع * فان قيل فإذا لم يحتسب بهما كان تطوعا في حقه فكيف يجوز اقتداء القوم به وهم مفترضون * قلنا لا كذلك بل هما فرض في حقه حتى لو تركهما لم تجز صلاته ولكنه لا يحتسب بهما لانعدام شرط الاحتساب في حقه (قال) وإذا أمر الامام مسافرا أو عبدا يقيم الجمعة بالناس جاز ذلك الا عند زفر رحمه الله تعالى وقد بينا هذا (قال) وما قرأ من القرآن في الجمعة فهو حسن كما في سائر الصلوات الا أنه لا يوقت لذلك شيئا لانه يؤدى الي هجر ما سوى ما وقته وليس شئ من القرآن مهجورا الا أن يتبرك بقراءة سورة ثبت عنده أن النبي ﷺ قرأها فيها فيقتدى به (قال) وإذا قام الامام من الركعة الثانية في الجمعة ولم يقعد فانه يعود ويقعد لانها قعدة الختم في هذه الصلاة فيعود إليها كما في سائر الصلوات والجمعة في حق المقيم كالظهر في حق المسافر (قال) وللرجل ان يحتبي في يوم الجمعة في المسجد ان شاء لان قعوده لانتظار الصلاة فيقعد كما شاء وقد صح أن النبي ﷺ في التطوعات في بيته كان يقعد محتبيا فإذا جاز ذلك في الصلاة ففي حالة انتظارها أولى والله تعالى أعلم
[ 37 ]
- (باب صلاة العيدين) * الاصل في العيدين حديث أنس رضى الله عنه قال قدم رسول الله ﷺ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال قد أبدلكم الله سبحانه وتعالى بهما خيرا منهما الفطر والاضحى واشتبه المذهب في صلاة العيد انها واجبة أم سنة فالمذكور في الجامع الصغير انها سنة لانه قال في العيدين يجتمعان في يوم واحد فالاولى منهما سنة وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه تجب صلاة العيد على من تجب عليه صلاة الجمعة وقال في الاصل لا يصلى التطوع في الجماعة ما خلا قيام رمضان وكسوف الشمس فهو دليل على ان صلاة العيد واجبة والاظهر أنها سنة ولكنها من معالم الدين أخذها هدى وتركها ضلالة وانما يكون الخروج في العيدين على أهل الامصار دون أهل القرى والسواد لما روينا لا جمعة ولا تشريق الا في مصر جامع والمراد بالتشريق صلاة العيد على ما جاء في الحديث لا ذبح الا بعد التشريق * والحاصل أنه يشترط لصلاة العيد ما يشترط لصلاة الجمعة الا الخطبة فانها من شرائط الجمعة وليست من شرائط العيد ولهذا كانت الخطبة في الجمعة قبل الصلاة وفى العيد بعدها لانها خطبة تذكير وتعليم لما يحتاج إليه في الوقت فلم تكن من شرائط الصلاة كالخطبة بعرفات والخطبة يوم الجمعة بمنزلة شطر الصلاة لما ذكرنا والدليل على أن الخطبة في العيد بعد الصلاة ماروى أن مروان رحمه الله تعالى لما خطب في العيد قبل الصلاة قام رجل فقال أخرجت المنبر يامروان ولم يخرجه رسول الله ﷺ وخطبت قبل الصلاة ولم يخطب هو قبلها وانما كان يخطب بعد الصلاة فقال مروان ذاك شئ قد ترك فقال أبو سعيد الخدرى رضي الله عنه أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله ﷺ يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان يعنى أضعف افعال الايمان فقد كانت الخطبة بعد الصلاة في عهد رسول الله ﷺ والخلفاء الراشدين حتى أحدث بنو أمية الخطبة قبل الصلاة لانهم كانوا في خطبتهم يتكلمون بما لا يحل فكان الناس لا يجسلون بعد الصلاة لسماعها فأحدثوها قبل الصلاة ليسمعها الناس والخطبة في العيدين كهي في الجمعة يخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة خفيفة ويقرأ فيها سورة من القرآن
[ 38 ] ويستمع لها القوم وينصتوا له لانه يعظهم فانما ينفع وعظه إذا استمعوا (قال) وليس في العيدين أذان ولا اقامة هكذا جرى التوارث من لدن رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا وهو دليل على أنها سنة (قال) وان خطب أولا ثم صلى أجزأهم كما لو ترك الخطبة أصلا (قال) والتكبير في صلاة العيد تسع خمس في الركعة الاولى فيها تكبيرة الافتتاح والركوع وأربع في الثانية فيها تكبيرة الركوع ويوالى بين القراءة في الركعتين وهذه مسألة اختلف الصحابة رضوان الله عليهم فيها والذى بينا قول ابن مسعود رضى الله عنه وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله وقال على رضى الله عنه في الفطر يكبر احدى عشرة تكبيرة ستا في الاولى وخمسا في الثانية فيها تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع والزوائد ثمان تكبيرات وفي الاضحى خمس تكبيرات تكبيرة الافتتاح وتكبيرتا الركوع وتكبيرتان زائدتان واحدة في الاولى والاخرى في الثانية ومن مذهبه البداءة بالقراءة في الركعتين ثم بالتكبير وعن ابن عباس رضى الله عنهما ثلاث روايات روى عنه كقول ابن مسعود وهى شاذة والمشهور عنه روايتان احداهما أنه يكبر في العيدين ثلاث عشرة تكبيرة تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وعشر زوائد خمس في الاولى وخمس في الثانية وفي الرواية الاخرى اثنتى عشرة تكبيرة تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وتسع زوائد خمس في الاولى وأربع في الثانية. وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه رجع إلى هذا وهو قول الشافعي رضى الله عنه وعليه عمل الناس اليوم لان الولاية لما انتقلت إلى بني العباس أمروا الناس بالعمل في التكبيرات بقول جدهم ومن مذهبه البداءة بالتكبير في كل ركعة وانما أخذنا بقول ابن مسعود رضي الله عنه لان ذلك شئ اتفقت عليه جماعة من الصحابة منهم أبو مسعود البدرى وأبو موسى الاشعري وحذيفة بن اليمان رضى الله عنهم فان الوليد بن عقبة أتاهم فقال هذا العيد فكيف تأمرونني أن أفعل فقالوا لابن مسعود علمه فعلمه بهذه الصفة ووافقوه على ذلك وفى الحديث ان النبي ﷺ كبر في صلاة العيد أربعا ثم قال أربع كاربع الجنائز فلا يشتبه عليكم وأشار بأصابعه وحبس ابهامه ففيه قول وعمل واشارة واستدلال وتأكيد وانما قلنا بالموالاة بين القراءتين لان التكبيرات يؤتى بها عقب ذكر وهو فرض ففى الركعة الاولى يؤتى بها عقيب تكبيرة الافتتاح وفى الثانية عقيب القراءة ولانه يجمع بين التكبيرات ما أمكن ففى الركعة
[ 39 ] الاولى يجمع بينها وبين تكبيرة الافتتاح وفي الثانية يجمع بينها وبين تكبيرة الركوع ولم يبين مقدار الفصل بين التكبيرات في الكتاب وروى عن أبى حنيفة رحمه الله قال ويسكت بين كل تكبيرتين بقدر ثلاث تسبيحات. وقال ابن أبى ليلى يأخذ بأي هذه التكبيرات شاء وهو رواية عن أبى يوسف لان الظاهر ان كل واحد منهم انما أخذ بما رآه من رسول الله ﷺ أو سمعه منه فان هذا شئ لايعرف بالرأى ولكنا نقول الآخر ناسخ للاولى فلا وجه لاثبات التخيير بين القليل والكثير (قال) ويرفع يديه في سائر هذه التكبيرات الا في تكبيرتي الركوع وحكى أبو عصمة عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أنه لا يرفع يديه في شئ منها لما جاء في الحديث عن أبن مسعود رضى الله عنه أن النبي ﷺ كان لا يرفع يديه في الصلاة الا في تكبيرة الافتتاح (ولنا) ماروينا لاترفع الايدى الا في سبع مواطن وفيها في العيدين ولان هذا تكبير يؤتى به في قيام مستو فترفع اليد فيه كتكبيرة القنوت وتكبيرة الافتتاح وهذا لان المقصود اعلام من لا يسمع بخلاف تكبيرتي الركوع لانه يؤتى بهما في حالة الانتقال فلا حاجة إلى رفع اليد للاعلام (قال) ولا شئ على من فاتته صلاة العيد مع الامام وقال الشافعي رضى الله عنه يصلى وحده كما يصلى مع الامام وهذا غير صحيح فالصلاة بهذه الصفة ما عرفت قربة الا بفعل رسول الله ﷺ وما فعلها الا بالجماعة ولا يجوز أداؤها الا بتلك الصفة وإذا فاتت فليس لها خلف لان وقتها بعد طلوع الشمس وهذا ليس بوقت لصلاة واجبة في سائر الايام بخلاف من فاتته الجمعة فانه يصلى الظهر لان وقتها بعد الزوال وهو وقت لوجوب الظهر في سائر الايام ولكنه ان أحب صلى ركعتين ان شاء وان شاء أربعا كصلاة الضحى في سائر الايام لحديث عمارة بن رويبة رضى الله عنه كان رسول الله ﷺ يفتتح الضحى بركعتين ولحديث ابن مسعود رضى الله عنه كان رسول الله ﷺ يواظب على أربع ركعات في صلاة الضحى والذى يختص بهذا اليوم حديث على رضى الله عنه عن رسول الله ﷺ قال من صلى بعد العيد أربع ركعات كتب الله تعالى له بكل نبت نبت وبكل ورقة حسنة (قال) وإذا خرج الامام إلى الجبانة لصلاة العيد فان استخلف رجلا يصلى بالناس في المسجد فحسن وان لم يفعل فلا شئ عليه لما روينا ان عليا رضي الله عنه لما قدم الكوفة استخلف من يصلى بالضعفة صلاة العيد في
[ 40 ] الجامع وخرج إلى الجبانة مع خمسين شيخا يمشى ويمشون ويكبر ويكبرون ولان في الاستخلاف نظرا منه للضعفاء وهو حسن وان لم يفعل فلا شئ عليه لان من له قدرة على الخروج لا يترك الخروج إلى الجبانة ومن هو عاجز عن ذلك فليس عليه شهودها (قال) فان أحدث الرجل في الجبانة فخاف ان رجع إلى المصر ان تفوته الصلاة وهو لا يجد الماء يتيمم ويصلى وقد بينا هذا في باب التيمم غير أن اللفظ المذكور هنا يقوى قول من قال من أصحابنا ان هذا في جبانة الكوفة لان الماء بعيد واما في ديارنا فلا يجوز لان الماء محيط بالمصلى وقد قال وهو لا يجد الماء الا أنه قال بعده وصلاة العيد بمنزلة صلاة الجنازة لانها ان فاتت لم يكن عليه قضاؤها فهذا يدل على أنه متى خاف الفوت يجوز له أداؤها بالتيمم في أي موضع كان (قال) وكذلك ان كان الامام هو الذى أحدث وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رضى الله عنهما أنه ليس للامام أن يتيمم لانه لا يخاف الفوت فانه لا يجوز للناس أن يصلوها دونه وجه ظاهر الرواية أنه يخاف الفوت بخروج الوقت فربما تزول الشمس قبل فراغه من الوضوء وكذلك ان أحدث بعد ما دخل في الصلاة وقد بينا الاختلاف في هذا بين أبى حنيفة وصاحبيه (قال) وأى سورة قرأ في صلاة العيد جاز وقد بلغنا عن النبي ﷺ أنه كان يقرأ فيها سبح اسم ربك الاعلى وهل أتاك حديث الغاشية فان تبرك بالاقتداء برسول الله ﷺ في قراءة هاتين السورتين فحسن ولكن يكره له أن يتخذ شيئا من القرآن حتما في صلاة لا يقرأ فيها غيره فربما يظن ظان أنه لا تجوز تلك الصلاة الا بقراءة تلك السورة فكان هو مدخلا في الدين ما ليس منه وقال عليه الصلاة والسلام من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد (قال) وليس قبل العيدين صلاة لما روينا عن على رضى الله عنه أنه كره ذلك لمن رآه يفعله (قال) والمبسوق بركعة في العيد إذا قام يقضى ما فاته بنى على رأى نفسه في عدد التكبيرات ومحلها إذا كان رأيه مخالفا لرأى امامه لانه فيما يقضي كالمنفرد ان كان يرى قول ابن مسعود رضى الله عنه كما فعله الامام بدأ بالقراءة ثم بالتكبير وبه أجاب في الجامع والزيادات وفى نوادر أبى سليمان في أحد الموضعين وقال في الموضع الآخر يبدأ بالتكبير وهو القياس لانه يقضى ما فاته فيقضيه كما فاته ولكنه استحسن فقال لو بدأ بالتكبير كان مواليا بين التكبيرات فان في الركعة المؤداة مع الامام كانت البداءة بالقراءة والموالاة بين التكبيرات لم يقل بها أحد من الصحابة ولو بدأ بالقراءة كان فعله
[ 41 ] موافقا لقول علي رضى الله عنه ولان يفعل كما قال بعض الصحابة أولى من عكسه ولانه لو بدأ بالقراءة كان آتيا بالتكبيرات عقيب ذكر هو فرض جامعا بينها وبين تكبير الركوع وهو أصل ابن مسعود رحمه الله تعالى كما بينا (قال) وليس على النساء خروج في العيدين وقد كان يرخص لهن في ذلك فأما اليوم فانى أكره ذلك يعنى للشواب منهن فقد أمرن بالقرار في البيوت ونهين عن الخروج لما فيه من الفتنة فأما العجائز فيرخص لهن في الخروج إلى الجماعة لصلاة المغرب والعشاء والفجر والعيدين ولا يرخص لهن في الخروج لصلاة الظهر والعصر والجمع في قول أبى حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يرخص للعجائز في حضور الصلوات كلها وفى الكسوف والاستسقاء لانه ليس في خروج العجائز فتنة والناس قل ما يرغبون فيهم وقد كن يخرجن إلى الجهاد مع رسول الله ﷺ يداوين المرضى ويسقين الماء ويطبخن وأبو حنيفة رضى الله عنه قال في صلوات الليل تخرج العجوز مستترة وظلمة الليل تحول بينها وبين نظر الرجال إليها بخلاف صلوات النهار والجمعة تؤدى في المصر فلكثرة الزحام ربما تصرع وتصدم وفى ذلك فتنة فان العجوز إذا كان لا يشتهيها شاب يشتهيها شيخ مثلها وربما يحمل فرط الشبق الشاب على أن يشتهيها ويقصد أن يصدمها فأما صلاة العيد فتؤدى في الجبانة فيمكنها أن تعتزل ناحية عن الرجال كيلا تصدم. ثم أذا خرجن في صلاة العيد ففى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى يصلين لان المقصود بالخروج هو الصلاة وقال عليه الصلاة والسلام لا تمنعوا اماء الله مساجد الله وليخرجن إذا خرجن تفلات أي غير متطيبات وروى المعلى عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهم الله تعالى لا يصلين العيد مع الامام وانما خروجهن لتكثير سواد المسلمين جاء في حديث أم عطية أن النساء كن يخرجن مع رسول الله ﷺ في العيدين حتى ذوات الخدور والحيض ومعلوم أن الحائض لا تصلى فظهر أن خروجهن لتكثير سواد المسلمين فكذلك في زماننا (قال) وللمولى منع عبده من حضور الجمعة والجماعة والعيدين لان خدمته حق مولاه وفى خروجه ابطال حق المولى في خدمته واضرار به فكان له أن يمنعه من ذلك وانما لا يمنعه من أداء المكتوبات لان ذلك صار مستثنى من حق المولى. واختلف مشايخنا فيما إذا حضر مع مولاه ليحفظ دابته فمنهم من قال ليس له أن يصلى الجمعة والعيدين بغير رضاه والاصح أن له ذلك إذا كان لا يخل بحق
[ 42 ] مولاه في امساك دابته (قال) ولا يخرج المنبر في العيدين لما روينا وقد صح أن النبي ﷺ كان يخطب في العيدين على ناقته والناس من لدن رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا اتفقوا على ترك اخراج المنبر ولهذا اتخذوا في المصلى منبرا على حدة من اللبن والطين واتباع ما اشتهر العمل به في الناس واجب (قال) وإذا كبر الامام أكثر من تسع تكبيرات اتبعه المؤتم الا أن يكبر ما لم يقل به أحد من الصحابة لان الامام مجتهد فإذا حصل فعله في موضع الاجتهاد وجب متابعته لقوله عليه الصلاة والسلام فلا تختلفوا عليه وإذا كبر ما لم يقل به أحد من الصحابة كان فعله خطأ مخالفا للاجماع ولا متابعة في الخطأ فأكثر مشايخنا على أنه يتابعه إلى ثلاث عشرة تكبيرة ثم يسكت بعد ذلك وقال بعضهم يتابعه إلى ست عشرة تكبيرة لان فعله إلى هذا الموضع محتمل للتأويل فلعله ذهب إلى أن مراد ابن عباس رضى الله عنهما ثلاث عشرة تكبيرة زوائد فإذا ضممت إليها تكبيرة الافتتاح وتكبيرتي الركوع صارت ست عشرة تكبيرة فلاحتمال هذا التأويل لا يتيقن بخطئه فيتابعه وهذا إذا كان سمع التكبير من الامام فان كان يكبر بتكبير المنادى فلا ينبغى له أن يدع شيئا من التكبيرات وان كثرت لجواز أن هذا الخطأ من المنادى فلو ترك شيئا منها كان المتروك ما أتى به الامام والمأتى به ما أخطأ به المنادى فلهذا لا يدع شيئا منها وقد قالوا إذا كان يكبر بتكبير المنادى ينبغى أن ينوى الصلاة عند كل تكبيرة لجواز أن ما تقدم منه كان خطأ من المنادى وانما كبر الامام للافتتاح الآن ثم لا خلاف أنه يأتي بثناء الافتتاح عقيب تكبيرة الافتتاح قبل الزوائد الا في قول ابن أبى ليلى فانه يقول يأتي بالثناء بعد تكبيرات الزوائد فأما التعوذ فيأتى به عند أبى يوسف رحمه الله تعالى عقيب ثناء الافتتاح قبل التكبيرات الزوائد وعند محمد رحمه الله بعد الزوائد حين يريد القراءة لانها للقراءة عنده وبيان هذا فيما أمليناه من شرح الزيادات والله سبحانه وتعالى أعلم * (باب التكبير في أيام التشريق) * اتفق المشايخ من الصحابة عمر وعلي وابن مسعود رضى الله عنهم أنه يبدأ بالتكبير من صلاة الغداة من يوم عرفة وبه أخذ علماؤنا رضى الله عنهم في ظاهر الرواية لقوله تعالى واذكروا
[ 43 ] الله في أيام معدودات وهي أيام العشر عند المفسرين فيقتضى أن يكون التكبير فيها مشروعا الا ما قام عليه الدليل وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ أفضل ما قلت وقالت الانبياء قبلى يوم عرفة الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ولان هذه التكبيرات لاظهار فضيلة وقت الحج ومعظم أركان الحج الوقوف فينبغي أن يكون التكبير مشروعا في وقته ولهذا قال مكحول البداءة بها من صلاة الظهر يوم عرفة لان وقت الوقوف بعد الزوال ثم قال ابن مسعود رضى الله عنه إلى صلاة العصر من يوم النحر يكبر في العصر ثم يقطع وبه أخذ أبو حنيفة رضى الله عنه لان البداءة لما كانت في يوم يؤدى فيه ركن الحج فالقطع مثله يكون في يوم النحر الذى يؤدى فيه ركن الحج من الطواف ولان رفع الاصوات بالتكبير في أدبار الصلوات خلاف المعهود فلا يثبت الا باليقين واليقين فيما اتفق عليه كبار الصحابة وقال علي رضى الله تعالى عنه إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق يكبر في العصر ثم يقطع وهو احدى الروايتين عن عمر رضى الله عنه وفي الاخرى إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق وأخذ أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى بقول علي رضى الله عنه لقوله تعالى واذكروا الله في أيام معدودات وهى اما أيام التشريق أو أيام النحر فينبغي أن يكون التكبير فيها مشروعا ولانا أمرنا باكثار الذكر ولان يكبر ما ليس عليه أولى من أن يترك ما عليه واتفق الشبان من الصحابة زيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم على أنه يبدأ بها من صلاة الظهر يوم النحر واليه رجع أبو يوسف لقوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم والفاء للتعقيب وقضاء المناسك وقت الضحى من يوم النحر فينبغي أن يكون التكبير عقيبه والناس في هذه التكبيرات تبع للحاج ثم الحاج يقطعون التلبية عند رمى جمرة العقبة ويأخذون في التكبيرات وذلك وقت الضحوة فعلى الناس أن يكبروا عقيب أول صلاة مؤداة بعد هذا الوقت وهي صلاة الظهر ثم قال ابن عمر رضى الله عنهما إلى صلاة الفجر من آخر أيام التشريق وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما إلى صلاة الظهر وقال زيد إلى صلاة العصر وبه أخذ الشافعي رضي الله عنه. والتكبير أن يقول بعد التسليم الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وهو قول على وابن مسعود رحمهما الله تعالى وكان ابن عمر يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وبه أخذ الشافعي رضى الله عنه وكان ابن عباس رضى
[ 44 ] الله عنه يقول الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله والله أكبر لا اله الا الله الحي القيوم يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير وانما أخذنا بقول علي وابن مسعود رضي الله عنهما لانه عمل الناس في الامصار ولانه يشتمل على التكبير والتهليل والتحميد فهو أجمع وهذا التكبير على الرجال المقيمين من أهل الامصار في الصلوات المكتوبات في الجماعة عند أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كل من يصلى مكتوبة في هذه الايام فعليه التكبير مسافرا كان أو مقيما في المصر أو القرية ؟ رجلا أو امرأة في الجماعة أو وحده وهو قول إبراهيم رحمه الله تعالى لان هذه التكبيرات في حق غير الحاج بمنزلة التلبية في حق الحاج وفى التلبية لا تراعى هذه الشروط فكذلك في التكبيرات. وأبو حنيفة رضى الله عنه احتج بما روينا لا جمعة ولا تشريق الا في مصر جامع قال الخليل والنضر بن شميل رحمهما الله تعالى التشريق في اللغة التكبير ولا يجوز أن يحمل على صلاة العيد فقد قال في حديث على رضى الله عنه لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى الا في مصر جامع فقد ثبت في الحديث أنه بمنزلة الجمعة في اشتراط المصر فيه فكذلك في اشتراط الذكورة والاقامة والجماعة ولهذا لم يشترط أبو حنيفة رضى الله عنه فيه الحرية كما لا تشترط في صلاة الجمعة (قال) وان صلى النساء مع الرجال أو المسافر خلف المقيم وجب عليهم التكبير تبعا كما يتأدى بهم فرض الجمعة تبعا وفي المسافرين إذا صلوا في المصر جماعة روايتان رواية الحسن رحمه الله تعالى عليهم التكبير لان المسافر يصلح للامامة في الجمعة والاصح أنه ليس عليهم التكبير لان السفر مغير للفرض مسقط للتكبير ثم لا فرق في تغير الفرض بين أن يصلوا في المصر أو خارجا عنه فكذلك في التكبير (قال) ولا تكبير على المتطوع بصلاته وقال مجاهد عليه التكبير وقاس التكبير في آخر الصلاة بالتكبير في أولها (ولنا) أن الاذان أوجب من التكبير لان ذلك في جميع السنة وهذا في أيام مخصوصة ثم الاذان غير مشروع في التطوعات فكذلك هذه التكبيرات وكذلك لا يكبر عقيب الوتر عندهما لانه سنة وعند أبى حنيفة رضى الله عنه لان الوتر لا يؤدى بالجماعة في هذه الايام وكذلك عقيب صلاة العيد لا يكبرون لانها سنة فأما عقيب الجمعة فيكبرون لانها فرض مكتوبة (قال) ويبدأ الامام إذا فرغ من صلاته بسجود السهو ثم بالتكبير ثم بالتلبية ان كان محرما لان سجود السهو مؤدى في حرمة الصلاة ولهذا يسلم بعده ومن
[ 45 ] اقتدى به في سجود السهو صح اقتداؤه والتكبير يؤدى في فور الصلاة لا في حرمتها حتى لا يسلم بعده ولا يصح اقتداء المقتدي به في حال التكبير والتلبية غير مؤداة في حرمة الصلاة ولا في فورها حتى لا تختص بحالة الفراغ من الصلاة فيبدأ بما هو مؤدى في حرمتها ثم بما هو مؤدى في فورها ثم بالتلبية والمسبوق يتابع الامام في سجود السهو لانه مؤدى في حرمة الصلاة ولا يتابعه في التكبير والتلبية لانها غير مؤداة في حرمة الصلاة وعلى هذا إذا نسي الامام سجود السهو لم يسجد القوم لانه مؤدى في حرمة الصلاة فكانوا مقتدين به لا يأتون به دونه (قال) وإذا نسى التكبير أو التلبية أو تركهما متأولا لم يترك القوم لانها غير مؤداة في حرمة الصلاة وإذا نسى الامام التكبير حتى انصرف فان ذكره قبل أن يخرج من المسجد عاد وكبر وان كان قد خرج أو تكلم ناسيا أو عامدا أو أحدث عامدا سقط لان الانصراف قبل الخروج من المسجد لا يقطع فور الصلاة حتى لا يمتنع البناء عليها لو حصل في خلالها كمن ظن أنه سبقه الحدث فأما الخروج والكلام والحدث العمد فيقطع فور الصلاة حتى يمنع البناء عليها لو حصل في خلالها فان سبقه الحدث فان شاء ذهب فتوضأ ورجع فكبر وان شاء كبر من غير تطهر لان سبق الحدث لا يقطع فور الصلاة حتى لا يمنع من البناء والتكبير غير مؤدى في حرمة الصلاة فلا يشترط فيه الطهارة كالاذان. قال الشيخ الامام والاصح عندي أنه يكبر ولا يخرج من المسجد للطهارة لانه لما لم يكن به حاجة إلى الطهارة كان خروجه قاطعا لفور الصلاة فلا يمكنه أن يكبر بعدها فيكبر للحال والله سبحانه وتعالى أعلم * (باب صلاة الخوف) * اعلم أن العلماء اختلفوا في صلاة الخوف في فصول أحدها أنه مشروع بعد رسول الله ﷺ في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى أولا كذلك ثم رجع فقال كانت في حياته خاصة ولم تبق مشروعة بعده هكذا ذكره في نوادر أبى سليمان رضى الله عنه لقوله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فقد شرط كونه فيهم لاقامة صلاة الخوف ولان الناس كانوا يرغبون في الصلاة خلفه مالا يرغبون في الصلاة خلف غيره فشرع بصفة الذهاب والمجئ لينال كل فريق فضيلة الصلاة خلفه
[ 46 ] وقد ارتفع هذا المعنى بعده فكل طائفة يتمكنون من أداء الصلاة بامام على حدة فلا يجوز لهم أداؤها بصفة الذهاب والمجئ (وحجتنا) في ذلك ان الصحابة أقاموها بعد رسول الله ﷺ روى ذلك عن سعد بن أبى وقاص وأبى عبيدة بن الجراح وأن سعيد ابن العاص سأل عنها أبا سعيد الخدرى فعلمه فأقامها وسببه وهو الخوف يتحقق بعد رسول الله ﷺ كما كان في حياته ولم يكن ذلك لنيل فضيلة الصلاة خلفه فترك المشي واجب في الصلاة ولا يجوز ترك الواجب لاحراز الفضيلة ثم الآن يحتاجون إلى احراز فضيلة تكثير الجماعة فانها كلما كانت أكثر فهى أفضل وقوله وإذا كنت فيهم معناه أنت أو من يقوم مقامك في الامامة كما في قوله خذ من أموالهم صدقة وقد يكون الخطاب مع رسول الله ﷺ ولا يختص هو به كما في قوله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء * والثانى وهو انه لا ينتقص عدد الركعات بسبب الخوف عندنا وكان ابن عباس رضى الله عنه يقول صلاة المقيم أربع ركعات وصلاة المسافر ركعتان وصلاة الخوف ركعة وبه أخذ بعض العلماء واستدل بما روى أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع بكل طائفة ركعة فكانت له ركعتان ولكل طائفة ركعة وتأويل هذا عندنا ولكل طائفة ركعة مؤداة مع رسول الله ﷺ وركعة أخرى صلوها وحدهم * والثالث في صفة صلاة الخوف فالمذهب عندنا أن يجعل الامام الناس طائفتين فيصلى بالطائفة الاولى ركعة فإذا رفع رأسه منها ذهبوا فوقفوا بازاء العدو وجاءت الطائفة الاخرى فيصلى بهم ركعة ويسلم ثم ذهبوا فوقفوا بازاء العدو وجاءت الطائفة الاولى فيتمون صلاتهم بلا قراءة ثم ذهبوا وجاءت الطائفة الاخرى فيصلون الركعة الاولى بقراءة وهكذا روى ابن مسعود رضى الله عنه ان النبي ﷺ جعل الناس طائفتين فصلى بكل طائفة ركعة وقضت كل طائفة ركعة أخرى وهكذا روى سالم عن ابن عمر رضى الله عنه ان النبي ﷺ صلى صلاة الخوف بالطائفتين بهذه الصفة وكان ابن أبى ليلى يقول إذا كان العدو في ناحية القبلة جعل الناس صفين وافتتح الصلاة بهم جميعا فإذا ركع الامام ركعوا معه وإذا سجد الامام سجد معه الصف الاول والصف الثاني قيام يحرسونهم وإذا رفعوا رؤسهم سجد الصف الثاني والصف الاول قعود يحرسونهم فإذا رفعوا رؤسهم سجد الامام السجدة الثانية
[ 47 ] وسجد معه الصف الاولى والصف الثاني قعود يحرسونهم فإذا رفعوا رؤسهم سجد الصف الثاني والصف الاولى قيام يحرسونهم فإذا رفعوا رؤسهم تأخر الصف الاول وتقدم الصف الثاني فصلى بهم الركعة الثانية بهذه الصفة أيضا فإذا قعد وسلم سلموا معه واستدل بحديث ابن عباس الزرقى رضى الله تعالى عنه أن النبي ﷺ صلى صلاة الخوف بعسفان بهذه الصفة وأبو يوسف يجوز صلاة الخوف بهذه الصفة لانه ليس فيها ذهاب ومجئ وعندنا إذا كان العدو في ناحية القبلة فان صلوا بهذه الصفة أجزأهم وان صلوا بصفة الذهاب والمجئ كما بينا أجزأهم لان ظاهر الآية شاهد لذلك قال الله تعالى ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وقال مالك رضى الله عنه يجعل الناس طائفتين فيصلى بالطائفة الاولى ركعة وطائفة تقف بازاء العدو ثم ينتظر الامام حتى تصلى الطائفة الاولى الركعة الثانية ويسلمون فيذهبون إلى العدو وجاءت الطائفة الثانية فيصلى بهم الامام الركعة الثانية ثم يسلم ويقومون لقضاء الركعة الاولى وهكذا روى صالح بن خوات رحمه الله تعالى ان النبي ﷺ فعله بذى قرد وذكر الطحاوي حديث صالح ابن خوات في شرح الآثار أن النبي ﷺ صلى صلاة الخوف يوم ذات الرقاع وذكر فيه أن النبي ﷺ ثبت جالسا للطائفة الاخرى حتى أتمو الا نفسهم ثم سلم بهم وبه أخذ الشافعي رضي الله تعالى عنه أيضا الا أنه يقول لا يسلم الامام حتى تقضى الطائفة الثانية الركعة الاولى ثم يسلم ويسلمون معه وقال كما ينتظر فراغ الطائفة الاولى من اتمام صلاتهم فكذلك يفعل بالطائفة الثانية ولم نأخذ بهذا لان فيه فراغ المؤتم من صلاته قبل فراغ الامام وذلك لا يجوز بحال بخلاف المشى فقد ورد به الاثر في حق من سبقه الحدث مع الامام فجوزنا ذلك في حالة الخوف وروى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي ﷺ لما صلى بالطائفة الاولى ركعة انتظرهم حتى أتموا صلاتهم وذهبوا إلى العدو وجاءت الطائفة الاخرى فبدؤا بالركعة الاولى والنبى عليه الصلاة والسلام ينتظرهم ثم صلى بهم الركعة الثانية ولم يأخذ بهذا أحد من العلماء لانه حكم كان في الابتداء أن المسبوق يبدأ بقضاء ما فاته ثم باداء ما أدرك مع الامام وقد ثبت انتساخه وروى شاذا أن النبي ﷺ صلى بكل طائفة ركعتين فكان له أربع ركعات ولكل طائفة ركعتان ولم نأخذ بهذا لان في حق الطائفة الثانية يحصل اقتداء المفترض بالمتنفل الا أن يكون تأويله
[ 48 ] انه كان مقيما فصلى بكل طائفة ركعتين وقضت كل طائفة ركعتين وهو المذهب عندنا فانه يصلى بكل طائفة شطر الصلاة وأما في صلاة المغرب فيصلى بالطائفة الاولى ركعتين وبالطائفة الثانية ركعة عندنا (وقال) الثوري رحمه الله تعالى يصلى بالطائفة الاولى ركعة وبالطائفة الثانية ركعتين لان فرض القراءة في الركعتين الاوليين فينبغي أن يكون لكل طائفة في ذلك حظ (ولنا) أنه انما يصلى بكل طائفة شطر الصلاة وشطر المغرب ركعة ونصف فثبت حق الطائفة الاولى في نصف ركعة والركعة الواحدة لا تجزئ فثبت حقهم في كلها ولان الركعتين شطر المغرب ولهذا كانت القعدة بعدهما وهى مشروعة للفصل بين الشطرين ثم الطائفة الاولى تصلى الركعة الثالثة بغير قراءة لانهم لا حقون والطائفة الثانية يصلون الركعتين الاوليين بالقراءة ويقعدون بينهما وبعدهما كما يفعله المسبوق بركعتين في المغرب (قال) ومن قاتل منهم في صلاته فسدت صلاته عندنا وقال مالك رضى الله عنه لا تفسد وهو قول الشافعي رضى الله عنه في القديم لظاهر قوله تعالى وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم والامر بأخذ السلاح لا يكون الا للقتال به ولكنا نقول القتال عمل كثير وهو ليس من أعمال الصلاة ولا تتحقق فيه الحاجة لا محالة فكان مفسدا لها كتخليص الغريق واتباع السارق لا سترداد المال والامر بأخذ الاسلحة لكيلا يطمع فيهم العدو إذا رآهم مستعدين أو ليقاتلوا بها إذا احتاجوا ثم يستقبلون الصلاة (قال) ولا يصلون وهم يقاتلون وان ذهب الوقت لان النبي ﷺ شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن بعد هدء من الليل وقال شغلونا عن صلاة الوسطى ملا الله قبورهم وبطونهم نارا فلو كان تجوز الصلاة في حالة القتال لما أخرها رسول الله ﷺ. وكذلك من ركب منهم في صلاته عند انصرافه إلى وجه العدو فسدت صلاته لان الركوب عمل كثير وهو مما لا يحتاج إليه بخلاف المشى فانه لا بد منه حتى يقفوا بازاء العدو وجواز العمل لا جل الضرورة فيختص بما يتحقق فيه الضرورة (قال) ولا يصلون جماعة ركبانا لان بينهم وبين الامام طريقا فيمنع ذلك صحة الاقتداء الا أن يكون الرجل مع الامام على دابة فيصح اقتداؤه به لانه ليس بينهما مانع وقد روي عن محمد رحمه الله تعالى أنه جوز لهم في الخوف ان يصلوا ركبانا بالجماعة وقال استحسن ذلك لينالوا فضيلة الصلاة بالجماعة فقد جوزنا لهم ما هو أعظم من ذلك وهو الذهاب والمجئ لينالوا فضيلة الجماعة ولكنا نقول ما أثبتناه
[ 49 ] من الرخصة اثبتناه بالنص ولا مدخل للرأى في اثبات الرخص (قال) وان صلوا صلاة الخوف من غير أن يعاينوا العدو جاز للامام ولم يجز للقوم إذا صلوا بصفة الذهاب والمجئ لان الرخصة انما وردت إذا كانوا بحضرة العدو فإذا لم يكونوا بحضرته لم يتحقق سبب الترخص بالذهاب والمجئ فلا تجوز صلاتهم بها وأما الامام فلم يوجد منه الذهاب والمجئ فتجوز صلاته ولو رأوا سوادا فظنوا أنه العدو فصلوا صلاة الخوف فان تبين أنه سواد العدو فقد ظهر أن سبب الترخص كان متقررا فتجزئهم وان ظهر أن السواد سواد إبل أو بقر أو غنم فقد ظهر أن السبب لم يكن متقررا فلا تجزئهم والخوف من سبع يعاينونه كالخوف من العدو لان الرخصة لدفع سبب الخوف عنهم ولا فرق في هذا بين السبع والعدو والله تعالى أعلم * (باب الشهيد) * (قال) وإذا قتل الشهيد في معركة لم يغسل وصلى عليه عندنا وقال الحسن البصري رضى الله تعالى عنه يغسل ويصلى عليه وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يصلى عليه أما الحسن فقال الغسل سنة الموتى من بني آدم جاء في الحديث أن آدم لما مات غسلته الملائكة وصلوا عليه ثم قالوا هذه سنة موتاكم يا بنى آدم والشهيد ميت بأجله ولان غسل الميت تطهير له حتى تجوز الصلاة عليه بعد غسله لا قبله والشهيد يصلى عليه فيغسل أيضا تطهيرا له وانما لم يغسل شهداء أحد لان الجراحات فشت في الصحابة في ذلك اليوم وكان يشق عليهم حمل الماء من المدينة وغسلهم لان عامة جراحاتهم كانت في الايدى فعذرهم لذلك (ولنا) ماروى أن النبي ﷺ قال في شهداء أحد زملوهم بدمائهم ولا تغسلوهم فانه ما من جريح يجرح في سبيل الله الا وهو يأتي يوم القيامة وأوداجه تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح المسك وما قاله الحسن من التأويل باطل فانه لم يأمر بالتيمم ولو كان ترك الغسل للتعذر لامر أن ييمموا كما لو تعذر غسل الميت في زمان لعدم الماء ولانه لم يعذرهم في ترك الدفن وكانت المشقة في حفر القبور للدفن أظهر منها في الغسل وكما لم يغسل شهداء أحد لم يغسل شهداء بدر كما رواه عقبة بن عامر وهذه الضرورة لم تكن يومئذ وكذلك لم يغسل شهداء الخندق وخيبر فظهر أن الشهيد لا يغسل وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يصلى
[ 50 ] عليه لحديث جابر رضى الله تعالى عنه أن النبي ﷺ ما صلى على أحد من شهداء أحد ولانهم بصفة الشهادة تطهروا من دنس الذنوب كما قال عليه الصلاة والسلام السيف محاء الذنوب والصلاة عليه شفاعة له ودعاء لتمحيص ذنوبه وقد استغنى عن ذلك كما استغنى عن الغسل ولان الله تعالى وصف الشهداء بأنهم أحياء فقال ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء والصلاة على الميت لا على الحى (ولنا) ماروى أن النبي ﷺ صلى على شهداء أحد صلاته على الجنازة حتي روي أنه صلى على حمزة رضى الله تعالى عنه سبعين صلاة وتأويله أنه كان موضوعا بين يديه فيؤتى بواحد واحد فيصلى عليه رسول الله ﷺ فظن الراوى أنه صلى على حمزة في كل مرة فقال صلى عليه سبعين صلاة وحديث جابر رضى الله تعالى عنه ليس بقوى وقيل إنه كان يومئذ مشغولا فقد قتل أبوه وأخوه وخاله فرجع إلى المدينة ليدبر كيف يحملهم إلى المدينة فلم يك حاضرا حين صلى رسول الله ﷺ عليهم فلهذا روى ما روى ومن شاهد النبي ﷺ فقد روى أنه صلى عليهم ثم سمع جابر رضى الله عنه منادى رسول الله ﷺ أن يدفن الموتى في مصارعهم فرجع فدفنهم فيها ولان الصلاة على الميت لاظهار كرامته ولهذا اختص به المسلمون ونهى رسول الله ﷺ عن الصلاة على المنافقين والشهيد أولى بما هو من أسباب الكرامة والعبد وان تطهر من الذنوب فلا تبلغ درجته درجة الاستغناء عن الدعاء له. ألا تري أنهم صلوا على رسول الله ﷺ فلا اشكال أن درجته فوق درجة الشهداء والشهيد حي في أحكام الاخرة كما قال تعالى بل أحياء عند ربهم فأما في أحكام الدنيا فهو ميت يقسم ميراثه وتتزوج امرأته بعد انقضاء العدة وفريضة الصلاة عليه من أحكام الدنيا فكان فيه ميتا يصلى عليه (قال) ويكفن في ثيابه التى هي عليه لقول رسول الله ﷺ زملوهم بدمائهم وكلومهم وروى أن زيد بن صوحان لما استشهد يوم الجمل قال لا تغسلوا عنى دما ولا تنزعوا عنى ثوبا فانى رجل محجاج أحاج يوم القيامة من قتلني ولما استشهد عمار بن ياسر بصفين قال لا تغلسوا عنى دما ولا تنزعوا عنى ثوبا فأني التقى ومعاوية بالجادة وهكذا نقل عن حجر بن عدى غير أنه ينزع عنه السلاح والجلد والفرو والحشو والخف والقلنسوة لانه انما لبس هذه الاشياء لدفع بأس العدو وقد استغنى عن ذلك ولان هذا عادة أهل الجاهلية لانهم كانوا يدفنون
[ 51 ] أبطالهم بما عليهم من الاسلحة وقد نهينا عن التشبه بهم (قال) ويزيدون في اكفانهم ما شاؤا وينقصون ما شاؤا واستدلوا بهذا اللفظ على أن عدد الثلاث في الكفن ليس بلازم ويخيطونه ان شاؤا كما يفعل ذلك بغيره من الموتى انما لا يزال عنه أثر الشهادة فأما فيما سوى ذلك فهو كغيره من الموتى (قال) وان حمل من المعركة حيا ثم مات في بيته أو على أيدى الرجال غسل لانه صار مرتثا وقد ورد الاثر بغسل المرتث ومعناه من خلق أمره في باب الشهادة يقال ثوب رث أي خلق. والاصل فيه أن عمر رضى الله عنه لما طعن حمل إلى بيته فعاش يومين ثم غسل وكان شهيدا على لسان رسول الله ﷺ وكذلك على رضى الله عنه حمل حيا بعد ما طعن ثم غسل وكان شهيدا فأما عثمان رضى الله عنه فاجهز عليه في مصرعه ولم يغسل فعرفنا بذلك أن الشهيد الذى لا يغسل من أجهز عليه في مصرعه دون من حمل حيا وهذا إذا حمل ليمرض في خيمته أو في بيته وأما إذا جر برجله من بين الصفين لكيلا تطؤه الخيول فمات لم يغسل لان هذا ما نال شيئا من راحة الدنيا بعد صفة الشهادة فتحقق بذل نفسه ابتغاء مرضات الله تعالى والاول بحسب ما مرض قد نال راحة الدنيا بعد فيغسل وان كان له ثواب الشهداء كالغريق والحريق والمبطون والغريب يغسلون وهم شهداء على لسان رسول الله ﷺ (قال) وما قتل به في المعركة من سلاح أو غيره فهو سواء لا يغسل لان الاصل شهداء أحد وفيهم من دمغ رأسه بالحجر وفيهم من قتل بالعصا ثم عمهم رسول الله ﷺ في الامر بترك الغسل ولان الشهيد باذل نفسه ابتغاء مرضات الله تعالى قال الله تعالى ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وفي هذا المعنى السلاح وغيره سواء (قال) وان وجد في المعركة ميتا ليس به أثر غسل لان المقتول يفارق الميت بالاثر فإذا لم يكن به اثر فالظاهر أنه لم يكن انزهاق روحه بقتل مضاف إلى العدو بل لما التقى الصفان انخلع قناع قلبه من شدة الفزع فمات والجبان مبتلى بهذا وان كان به أثر لم يغسل لان الظاهر أن موته كان بذلك الجرح وأنه كان من العدو فاجتماع الصفين كان لهذا والاصل أن الحكم متى ظهر عقيب سبب يحال على ذلك السبب فان كان الدم يخرج من بعض مخارقه نظر فان كان الدم يخرج من ذلك الموضع من غير جرح في الباطن غسل وذلك كالانف والدبر والذكر فقد يبتلى بالرعاف وقد يبول دما لشدة الفزع وقد يخرج الدم من الدبر من غير جرح في الباطن وان كان
[ 52 ] يخرج الدم من أذنه أو عينه لم يغسل لان الدم لا يخرج من هذين الموضعين عادة الا بجرح في الباطن فالظاهر أنه ضرب على رأسه حتى خرج الدم من أذنه أو عينه وان كان يخرج من فيه فان كان ينزل من رأسه غسل وجرحه من جانب الفم ومن جانب الانف سواء وان كان يعلو من جوفه لم يغسل لان الدم لا يعلو من الجوف الا بجرح في الباطن وانما يعرف ذلك بلون الدم (قال) ومن صار مقتولا من جهة قطاع الطريق لم يغسل أيضا لانه قتل دافعا عن ماله وقد قال عليه الصلاة والسلام من قتل دون ماله فهو شهيد فلهذا لا يغسل (قال) ومن قتل في المصر بسلاح ظلما لم يغسل أيضا عندنا وقال الشافعي رضى الله عنه يغسل وهو بناء على أن عنده القتل العمد موجب للدية كالخطأ فإذا وجب عن نفسه بدل هو مال غسل وعندنا العمد غير موجب للمال فهذا مقتول ظلما لم يجب عن نفسه بدل هو مال فكان شهيدا والقصاص الواجب ليس ببدل محض بل هو عقوبة زاجرة فلا يخل بصفة الشهادة واعتمادنا فيه على حديث عثمان رضى الله تعالى عنه فقد قتل في المصر وكان شهيدا ولم يغسل وان قتل بغير سلاح غسل لان هذه في معنى الخطأ حتى يجب عن نفسه بدل هو مال وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى أنه إذا قتل بحجر أو عصا كبير فهو عندهما والقتل بالسلاح سواء وعند أبى حنيفة رضى الله عنه يغسل وهو بناء على اختلافهم في وجوب القصاص في القتل بهذه الآلة (قال) ولو قتل بحق في قصاص أو رجم غسل لما روى أن ما عزا لما رجم جاء عمه إلى رسول الله ﷺ فقال قتل ما عز كما تقتل الكلاب فماذا تأمرني ان أصنع به فقال لا تقل هذه فقد تاب توبة لو قسمت توبته على أهل الارض لوسعتهم اذهب فغسله وكفنه وصل عليه ولان الشهيد باذل نفسه لا بتغاء مرضات الله تعالى وهذا لا يوجد في المقتول بحق فانه باذل نفسه لا يفاء حق مستحق عليه وكذلك من مات من حد أو تعزير غسل لما بينا وكذلك من عدا على قوم ظلما فقتلوه غسل لان الظالم غير باذل نفسه لابتغاء مرضات الله تعالى فهو في حكم الغسل كغيره من الموتي (قال) ومن قتله السبع أو احترق بالنار أو تردى من جبل أو مات تحت هدم أو غرق غسل كغيره من الموتى لان هذه الاشياء غير معتبرة شرعا في أحكام الدنيا فهو والميت حتف أنفه سواء. وكذلك من وجد مقتولا في محلة لا يدرى من قتله غسل لانه استحق عن نفسه بدلا هو مال فالقسامة والدية تجب على أهل المحلة (قال) ويصنع بالمحرم ما يصنع بالحلال يعنى يخمر رأسه ووجهه بالكفن عندنا
[ 53 ] وقال الشافعي رضى الله عنه لا يخمر رأسه واستدل بما روى ان اعرابيا محرما وقصت به ناقته في أخافين جردان فاندقت عنقه فقال رسول الله ﷺ لا تخمروا وجهه ولا رأسه فانه يبعث يوم القيامة ملبيا أو قال ملبدا ولانه مات وهو مشغول بعبادة لها أثر فيبقى عليه ذلك الاثر كالغازي إذا استشهد (ولنا) حديث عطاء أن النبي ﷺ سئل عن محرم مات فقال خمروا رأسه ووجهه ولا تشبهوه باليهود * وسئلت عائشة رضى الله عنها عن ذلك فقالت اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم وان عبد الله بن عمر رضى الله عنهما لما مات ابنه واقد وهو محرم كفنه وعممه وحنكه وقال لولا أنا محرمون لحنطناك يا واقد ولان احرامه قد انقطع بموته * وقال عليه الصلاة والسلام إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث والاحرام ليس منها فينقطع بالموت ولهذا لا يبنى المأمور بالحج على احرامه والتحق بالحلال وإذا جاز أن يخمر رأسه ووجهه باللبن والتراب فكذلك بالكفن وحديث الاعرابي تأويله أن النبي عليه الصلاة والسلام عرف بطريق الوحى خصوصيته ببقاء احرامه بعد موته وقد كان رسول الله ﷺ يخص بعض أصحابه باشياء (قال) ومن قتل من أهل العدل في محاربة أهل البغي فهو شهيد لا يغسل لان المحاربة معهم مأمور بها قال الله تعالى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فالمقتول في هذه المحاربة باذل نفسه لابتغاء مرضات الله كالمقتول في محاربة المشركين. ولما قاتل على رضي الله تعالى عنه أهل النهروان لم يغسل من استشهد من أصحابه ولم يذكر في الكتاب أن من قتل من أهل البغي ماذا يصنع به. وروى المعلى عن أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالي انه لا يغسل ولا يصلى عليه وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه يغسل ويصلى عليه لانه مسلم قال الله تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا الآية ولكنه مقتول بحق فهو كالمقتول رجما أو في قصاص (ولنا) حديث على رضى الله تعالى عنه انه لم يغسل أهل النهروان ولم يصل عليهم فقيل له أكفارهم قال لا ولكنهم اخواننا بغوا علينا أشار إلى أن ترك الغسل والصلاة عليهم عقوبة لهم ليكون زجرا لغيرهم وهو نظير المصلوب يترك على خشبته عقوبة له وزجرا لغيره (قال) وإذا أغار أهل الحرب على قرية من قرى المسلمين فقتلوا الرجال والنساء والصبيان فلا خلاف أنه لا يغسل النساء كما لا يغسل الرجال لانهن مخاطبات يخاصمن يوم القيامة من قتلهن فيبقى عليهن أثر الشهادة ليكون شاهدا
[ 54 ] لهن كالرجال فأما الصبيان عند أبى حنيفة رضى الله عنه فيغسلون وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يغسلون قال لان حال الصبيان في الطهارة فوق حال البالغين فإذا لم يغسل البالغ إذا استشهد لانه قد تطهر فالصبي أولى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال ليس للصبى ذنب يمحوه السيف فالقتل في حقه والموت حتف أنفه سواء فيغسل ثم الصبى غير مكلف ولا يخاصم بنفسه في حقوقه في الدنيا فانما الخصم في حقوقه في الآخرة هو خالقه سبحانه وتعالى والله غنى عن الشهود فلا حاجة إلى ابقاء الشهادة عليه (قال) وإذا وجد عضو من أعضاء الآدمى كيد أو رجل لم يغسل ولم يصل عليه لكنه يدفن لان المشروع الصلاة على الميت وذلك عبارة عن بدنه لا عن عضو من أعضائه ولعل صاحب العضو حي ولا يصلى على الحي ولو قلنا يصلى على عضو إذا وجد لكان يصلى عن عضو آخر إذا وجد أيضا فيؤدى إلى تكرار الصلاة على ميت واحد وذلك غير مشروع عندنا. وقال الشافعي رضى الله عنه يغسل ما وجد ويصلى عليه اعتبارا للبعض بالكل فان لاطراف الآدمي حرمة كما لنفسه وعنده لا بأس بتكرار الصلاة على ميت واحد ثم عندنا ان وجد النصف من بدنه مشقوقا طولا لا يصلى عليه لانه لو صلى عليه لكان يصلى على النصف الآخر إذا وجد فيؤدى إلى تكرار الصلاة على ميت واحد فأما إذا وجد أكثر البدن أو النصف ومعه الرأس يصلى عليه لان للاكثر حكم الكل ولا يؤدى هذا إلى تكرار الصلاة على ميت واحد (قال) وإذا وجد ميت لا يدرى أمسلم هو أم كافر فان كان في قرية من قرى أهل الاسلام فالظاهر أنه مسلم فيغسل ويصلى عليه وان كان في قرية من قرى أهل الشرك فالظاهر أنه منهم فلا يصلى عليه الا أن يكون عليه سيما المسلمين فحينئذ يغسل ويصلى عليه وسيما المسلمين الختان والخضاب ولبس السواد وما تعذر الوقوف على حقيقته يعتبر فيه العلامة والسيما قال الله تعالى يعرف المجرمون بسيماهم وقال ولو أرادوا الخروج لا عدوا له عدة (قال) وإذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار فان كانت الغلبة للمسلمين غسلوا وصلى عليهم الا من عرف أنه كافر لان الحكم للغلبة والمغلوب لا يظهر حكمه مع الغالب وان كانت الغلبة لموتي الكفار لا يصلى عليهم الا من عرف أنه مسلم بالسيما فإذا استويا لم يصل عليهم عندنا لان الصلاة على الكفار منهى عنها ويجوز ترك الصلاة على بعض المسلمين وقال عليه الصلاة والسلام ما اجتمع الحلال والحرام الا وقد غلب الحرام على الحلال
[ 55 ] ومن العلماء من قال يصلى عليهم ترجيحا للمسلمين على الكفار وينوى من يصلى عليهم المسلمين لانه لو قدر على التمييز فعلا فعل فإذا عجز عنه ميز بالنية وعلى قول الشافعي رضى الله عنه يستعمل التحرى فيصلى على من وقع في أكبر رأيه انه مسلم وهى مسألة التحرى ولم يبين في الكتاب أي موضع يدفنون فقال بعض مشايخنا إذا لم يصلى عليهم دفنوا في مقابر المشركين وقال بعضهم يتخذ لهم مقبرة على حدة وأصل الاختلاف في نصرانية تحت مسلم حبلت ثم ماتت وفي بطنها ولد مسلم اختلف الصحابة أنها في أي موضع تدفن فرجح بعضهم جانب الولد وقال تدفن في مقابر المسلمين وبعضهم جانبها فان الولد في حكم جزء منها مادام في البطن وقال تدفن في مقابر المشركين. وقال عقبة بن عامر رحمه الله تعالى تتخذ لها مقبرة على حدة (قال) ولا بأس بأن يغسل المسلم أباه الكافر إذا مات ويدفنه لما بينا أن الغسل سنة الموتى من بنى آدم وهو مع كفره منهم والولد المسلم مندوب إلى بر والده وان كان مشركا قال الله تعالى ووصينا الانسان بوالديه حسنا والمراد به الوالد المشرك بدليل قوله تعالى وان جاهداك على أن تشرك بى الآية ومن الاحسان والبر في حقه القيام بغسله ودفنه بعد موته ولما مات أبو طالب جاء على رضى الله عنه إلى رسول الله ﷺ فقال ان عمك الضال قد مات فقال اذهب فغسله وكفنه وواره ولا تحدث حدثا حتى تلقاني فلما رجعت إليه دعا لى بدعوات ما أحب أن يكون لى بها حمر النعم. وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى سأل رجل ابن عباس رضى الله عنه فقال ان أمي ماتت نصرانية فقال غسلها وكفنها وادفنها وأن الحارث بن أبى ربيعة ماتت أمه نصرانية فتبع جنازتها في نفر من الصحابة وانما يغسل الكافر كما تغسل النجاسات بافاضة الماء عليه ولا يوضأ وضوء الصلاة كما يفعل بالمسلم لانه كان لا يتوضأ في حياته وكذلك كل ذى رحم محرم منه وانما يقوم بذلك إذا لم يكن هناك من يقوم به من المشركين فإذا كان خلى المسلم بينه وبينهم ليصنعوا به ما يصنعون بموتاهم ولم يبين أن الابن المسلم إذا كان هو الميت هل يمكن أبوه الكافر من القيام بغسله وتجهيزه وينبغي أن لا يمكن من ذلك بل يفعله المسلمون لان اليهودي لما آمن برسول الله ﷺ عند موته ما قام رسول الله ﷺ حتى مات ثم قال لاصحابه لوا أخاكم ولم يخل بينه وبين والده اليهودي ويكره أن يدخل الكافر قبر أبنه من المسلمين لان الموضع الذى فيه الكافر ينزل فيه السخط واللعنة فينزه قبر المسلم من ذلك وانما يدخل قبره المسلمون
[ 56 ] ليضعوه على سنة المسلمين ويقولون عند وضعه بسم الله وعلى ملة رسول الله والله تعالى أعلم * (باب حمل الجنازة) * السنة في حمل الجنازة أن يحملها أربعة نفر من جوانبها الاربع عندنا وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه السنة حملها بين العمودين وهو أن يحملها رجلان يتقدم أحدهما فيضع جانبي الجنازة على كتفيه ويتأخر الآخر فيفعل مثل ذلك واحتج بما روي عن النبي ﷺ أنه حمل جنازة سعد بن معاذ بين عمودين (وحجتنا) حديث ابن مسعود رضى الله عنه من السنة أن تحمل الجنازة من جوانبها الاربع ولان عمل الناس اشتهر بهذه الصفة وهو أيسر على الحاملين المتداولين بينهم وابعد عن تشبيه حمل الجنازة بحمل الاثقال وقد أمرنا بذلك ولهذا كره حملها على الظهر أو على الدابة. وتأويل الحديث أنه لضيق الطريق أو لعوز بالحاملين ومن أراد كمال السنة في حمل الجنازة ينبغى له أن يحملها من الجوانب الاربع يبدأ بالايمن المقدم لان النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب التيامن في كل شئ والمقدم أول الجنازة والبداءة بالشئ من أوله ثم بالايمن المؤخر ثم بالايسر المقدم ثم بالايسر المؤخر لانه لو تحول من الايمن المقدم إلى الايسر المقدم احتاج إلى المشى أمامها والمشى خلفها أفضل فلهذا يتحول من الايمن المقدم إلى الايمن المؤخر والايمن المقدم جانب السرير الايسر فذلك يمين الميت ويمين الحامل وينبغى أن يحمل من كل جانب عشر خطوات جاء في الحديث من حمل جنازة أربعين خطوة كفرت له أربعون كبيرة (قال) وليس في المشى بالجنازة شئ موقت غير أن العجلة أحب إلى من الابطاء بها لما روى أن النبي ﷺ سئل عن المشى بالجنازة فقال ما دون الخبب فان يكن خيرا عجلتموه إليه وان يكن شرا وضعتموه عن رقابكم أو قال فبعدا لاهل النار (قال) ولا بأس بالمشى قدامها والمشى خلفها أفضل عندنا وقال الشافعي رضى الله عنه المشى أمامها أفضل لما روى أن أبا بكر وعمر رضى الله عنهما كانا يمشيان أمام الجنازة وان الناس شفعاء الميت والشفيع يتقدم في العادة على من يشفع له (ولنا) حديث رسول الله ﷺ أنه كان يمشي خلف جنازة سعد بن معاذ وأن علي بن أبى طالب رضى الله عنه كان يمشى خلف الجنازة فقيل له ان أبا بكر وعمر كانا يمشيان أمام الجنازة فقال يرحمهما الله
[ 57 ] قد عرفا أن المشى خلفها أفضل ولكنهما أرادا أن ييسرا الامر على الناس معناه ان الناس يتحرزون عن المشى أمامها فلو اختار المشى خلفها لضاق الطريق على من يشيعها. وقال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه فضل المشى خلف الجنازة على المشى أمامها كفضل المكتوبة على النافلة ولان المشى خلفها أوعظ فانه ينظر إليها ويتفكر في حال نفسه فيتعظ به وربما يحتاج إلى التعاون في حملها فإذا كانوا خلفها تمكنوا من التعاون عند الحاجة فذلك أفضل والشفيع انما يتقدم من يشفع له للتحرز عن تعجيل من تطلب منه الشفاعة بعقوبة من يشفع له حتى يمنعه من ذلك إذا عجل به وذلك لا يتحقق ههنا (قال) وإذا وضعت الجنازة على الارض عند القبر فلا بأس بالجلوس به أمر رسول الله ﷺ أصحابه حين كانوا قياما معه على رأس قبر فقال يهودى هكذا نصنع بموتانا فجلس وقال لاصحابه خالفوهم وانما يكره الجلوس قبل أن توضع عن مناكب الرجال فربما يحتاجون إلى التعاون قبل الوضع وإذا كانوا قياما أمكن التعاون وبعد الوضع قد وقع الاستغناء عن ذلك ولانهم انما حضروا اكراما له فالجلوس قبل أن يوضع عن المناكب يشبه الازدراء والاستخفاف به وبعد الوضع لا يؤدي إلى ذلك (قال) وحمل الرجال جنازة الصبى أحب إلى من حملها على الدابة لان في حملها على الدابة تشبيها لها بحمل الاثقال وفى حملها على الايدي اكرام للميت والصغار من بني آدم مكرمون كالكبار (قال) ومن ولد ميتا لا يغسل ولا يصلى عليه وفى غسله اختلاف في الروايات فروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يغسل ويسمى ولا يصلى عليه هكذا ذكره الطحاوي رحمه الله تعالى وعن محمد رحمه الله تعالى أنه لا يغسل ولا يسمى ولا يصلى عليه هكذا ذكره الكرخي ووجه هذا أن المنفصل ميتا في حكم الجزء حتى لا يصلى عليه فكذلك لا يغسل ووجه ما اختاره الطحاوي ان المولود ميتا نفس مؤمنة ومن النفوس من يغسل ولا يصلى عليه وأكثر ما فيه أنه في حكم الجزء من وجه وفى حكم النفس من وجه فلاعتبار الشبهين قلنا يغسل اعتبارا بالنفوس ولا يصلى عليه اعتبارا بالاجزاء. وان ولد حيا ثم مات صنع به مايصنع بالموتى من المسلمين لانه نفس مؤمنة من كل وجه حين انفصل حيا (قال) وإذا قتل الرجل شهيدا وهو جنب غسل عند أبى حنيفة رضى الله عنه ولم يغسل عندهما قالا صفة الشهادة تنحقق مع الجنابة وهى مانعة من غسله لابقاء أثر الشهادة عليه وحنظلة بن عامر إنما غسلته الملائكة عليهم السلام اكراما له
[ 58 ] ولو كان الغسل واجبا على بنى آدم لم يكتف رسول الله ﷺ بغسل الملائكة اياه وحيث اكتفى دل أنه لم يكن واجبا ولابي حنيفة رضى الله عنه حديث حنظلة فانه لما استشهد يوم أحد غسلته الملائكة فسأل رسول الله ﷺ أهله عن حاله فقالت زوجته أصاب منى فسمع الهيعة فاعجله ذلك عن الاغتسال فاستشهد وهو جنب فقال عليه الصلاة والسلام هو ذاك. ولما مات سعد بن معاذ رحمه الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام بادروا بغسل سعد لا تبادرنا به الملائكة كما بادرونا بغسل حنظلة فهو دليل على ان حنظلة لو لم تغسله الملائكة حتى علم رسول الله ﷺ حاله لغسله وانما لم يعد لان الواجب تأدى بفعل الملائكة فانهم غسلوا آدم ثم قالوا هذه سنة موتاكم ولم يعد أولاده غسله ثم صفة الشهادة تمنع وجوب الغسل بالموت ولا تسقط ما كان واجبا ألا ترى أنه لو كان في ثوب الشهيد نجاسة تغسل تلك النجاسة ولا يغسل الدم عنه فكذلك ههنا في حق الطاهر الغسل يجب بالموت فصفة الشهادة تمنع منه وفى حق الجنب الغسل كان واجبا قبل الموت فلا يسقط بصفة الشهادة وعلى هذا الاختلاف إذا انقطع دم الحيض ثم استشهدت فان استشهدت قبل انقطاع الدم فيه روايتان عن أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه. احداهما انها لا تغسل لان الاغتسال ما كان واجبا عليها قبل الانقطاع. والاخرى أنها تغسل لان الانقطاع قد حصل بالموت والدم السائل موجب للاغتسال عند الانقطاع والله سبحانه وتعالى أعلم * (باب غسل الميت) * اعلم بان غسل الميت واجب وهو من حق المسلم على المسلم قال عليه الصلاة والسلام للمسلم على المسلم ستة حقوق وفى جملته ان يغسله بعد موته ولكن إذا قام به بعض المسلمين سقط عن الباقين لحصول المقصود ثم ذكر أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم رضى الله عنهما قال يجرد الميت إذا أريد غسله لانه في حالة الحياة كان يتجرد عن ثيابه عند الاغتسال فكذلك بعد الموت يجرد عن ثيابه وقد كان مشهورا في الصحابة حتى انهم لما أرادوا ان يفعلوه برسول الله ﷺ نودوا من ناحية البيت اغسلوا نبيكم ﷺ وعليه قميصه فدل أنه كان مخصوصا بذلك (قال) ويوضع على تخت ولم يبين كيفية وضع
[ 59 ] التخت إلى القبله طولا أو عرضا ومن أصحابنا من اختار الوضع طولا كما كان يفعله في مرضه إذا أراد الصلاة بالايماء ومنهم من اختار الوضع عرضا كما يوضع في قبره والاصح أنه يوضع كما تيسر فذلك يختلف باختلاف المواضع ويطرح على عورته خرقة لان ستر العورة واجب على كل حال والادمي محترم حيا وميتا وروى الحسن عن أبى حنيفة رضى الله عنهما انه يؤزر بازار سابغ كما يفعله في حياته إذا أراد الاغتسال وفى ظاهر الرواية قال يشق عليهم غسل ما تحت الازار فيكتفي بستر العورة الغليظة بخرقة ثم يوضأ وضوءه للصلاة ويبدأ بميامن الميت لانه في حال حياته إذا أراد الاغتسال بدأ بالوضوء فكذلك بعد الموت الا انه لا يمضمض ولا يستنشق لانه يتعذر عليهم أخراج الماء من فيه فكون سقيا لا مضمضة ولو كبوه على وجهه ليخرج الماء من فيه ربما يسيل منه شئ وتغسل رجلاه عند الوضوء بخلاف الاغتسال في حق الحي فانه يؤخر فيه غسل الرجلين لانهما في مستنقع الماء المستعمل وذلك غير موجود هنا ثم يغسل رأسه ولحيته بالخطمى ولا يسرح لان ذلك يفعله الحى للزينة وقد أنقطع عنه ذلك بالموت ولو فعل ربما يتناثر شعره والسنة دفنه على ما مات عليه ولهذا لا تقص أظفاره ولا شاربه ولا ينتف ابطه ولا تحلق عانته ورأت عائشة رضى الله عنها قوما يسرحون ميتا فقالت علام تنصون ميتكم ثم يضجعه على شقه الايسر فيغسل بالماء القراح حتى ينقيه لان البداءة بالشق الايمن مندوب إليه فان النبي ﷺ كان يحب التيامن في كل شئ فيغسل هذا الشق حتى يرى ان الماء قد خلص إلى ما يلي التخت وقد أمر قبل ذلك بالماء فاغلى بالسدر فان لم يكن سدر فحرض فان لم يكن واحد منهما فالماء القراح ثم يضجعه على شقه الايمن فيغسله بالماء القراح حتى ينقيه ويرى ان الماء قد خلص إلى ما يلي التخت ثم يقعده فيمسح بطنه مسحا رفيقا حتى ان بقى عند المخرج شئ يسيل منه لكيلا تتلوث أكفانه فقد فعل ذلك العباس رضى الله عنه برسول الله ﷺ فلم يجد شيئا فقال طبت حيا وميتا وفي رواية فاح ريح المسك في البيت لما مسح بطنه فان سال منه شئ مسحه ثم أضجعه على شقه الايسر فيغسله بالماء القراح حتى ينقيه لان السنة في اغتسال الحي عدد الثلاث فكذلك في غسل الميت ثم ينشفه في ثوب كيلا تبتل أكفانه وقد أمر قبل ذلك بأكفانه وسريره فأجمرت وترا والاصل فيه ماروى أن النبي ﷺ قال للنساء اللاتى غسلن ابنته ابدأن بالميامن واغسلنها وترا
[ 60 ] وأمر باجمار أكفانها وترا وهذا لانه يلبس كفنه للعرض على ربه وفى حياته كان إذا لبس ثوبه للجمعة والعيد تطيب فكذلك بعد الموت يفعل بكفنه والوتر مندوب إليه في ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام لان الله تعالى وتر يحب الوتر ثم تبسط اللفافة وهى الرداء طولا ثم يبسط الازار عليها طولا فان كان له قميص ألبس اياه وان لم يكن لم يضره والمذهب عندنا أن القميص في الكفن سنة * قال الشافعي رضى الله تعالى عنه ليس في الكفن قميص انما الكفن ثلاث لفائف عنده واستدل بحديث عائشة رضى الله عنها أن النبي ﷺ كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولاعمامة (ولنا) حديث ابن عباس رضى الله عنه ان النبي ﷺ كفن في ثلاثة أثواب فيها قميصه ولباسه بعد موته معتبر بلباسه في حياته الا أن في حياته كان يلبس السراويل حتى إذا مشى لم تنكشف عورته وذلك غير محتاج إليه بعد موته فالازار قائم مقام السراويل ولكن في حال حياته الازار تحت القميص ليتيسر المشى عليه وبعد الموت الازار فوق القميص من المنكب إلى القدم لانه لا يحتاج إلى المشى ولم يذكر العمامة في الكفن وقد كرهه بعض مشايخنا لانه لو فعل كان الكفن شفعا والسنة فيه ان يكون وترا واستحسنه بعض مشايخنا لحديث عمر رضى الله عنه انه كان يعمم الميت ويجعل ذنب العمامة على وجهه بخلاف حالة الحياة فانه يرسل ذنب العمامة من قبل القفا لمعنى الزينة وبالموت قد انقطع عن ذلك (قال) ثم يوضع الحنوط في لحيته ورأسه ويوضع الكافور على مساجده يعنى جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وقدميه لانه كان يسجد بهذه الاعضاء فتخص بزيادة الكرامة وعن زفر رضى الله عنه قال يذر الكافور على عينيه وأنفه وفمه لان المقصود أن يتباعد الدود من الموضع الذى ينثر عليه الكافور وانما تخص هذه المخارق من بدنه بالكافور لهذا (قال) ثم يعطف الازار عليه من قبل شقه الايسر ان كان طويلا حتي يعطف على رأسه وسائر جسده فهو أولى ثم يعطف من قبل شقه الايمن كذلك ثم يعطف اللفافة وهي الرداء كذلك لان الميت في حال حياته إذا تحزم بدأ بعطف شقه الايسر ثم يعطف الايمن على الايسر فكذلك يفعل به بعد الموت (قال) وان تخوفت أن تنتشر أكفانه عقدته ولكن إذا وضع في قبره يحل العقد لان المعنى الذى لاجله عقدته قد زال ولم يبين في الكتاب انه هل تحشى مخارقه وقالوا لا بأس بذلك في أنفه وفمه كيلا يسيل منه شئ وقد جوزه الشافعي رضى الله عنه في دبره
[ 61 ] أيضا واستقبح ذلك مشايخنا ثم يحمل على سريره ولا يتبع بنار إلى قبره يعنى الاجمار في القبر قال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى أكره ان يكون آخر زاده من الدنيا نارا وروى أن النبي ﷺ خرج في جنازة فرأى امرأة في يدها مجمر فصاح عليها وطردها حتي توارت بالآكام فإذا انتهى إلى قبره فلا يضره وترا دخله أو شفعا لان في الحديث انه دخل قبر رسول الله ﷺ أربعة نفر على والعباس والفضل بن العباس واختلفوا في الرابع أنه المغيرة بن شعبة أو أبو رافع ولان المقصود وضع الميت في القبر فانما يدخل قبره بقدر ما تحصل به الكفاية الشفع والوتر فيه سواء فإذا وضع في اللحد قالوا بسم الله وعلى ملة رسول الله أي بسم الله وضعناك وعلى ملة رسول الله سلمناك والسنة عندنا ان يدخل من قبل القبلة يعنى توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر ويحمل منه الميت فيوضع في اللحد * وقال الشافعي رضي الله عنه السنة أن يسل إلى قبره وصفة ذلك ان الجنازة توضع على يمين القبلة ثم يؤخذ برجله فيحمل إلى القبر فيسل جسده سلا لما روى أن النبي ﷺ سل إلى قبره ولانه في حال حياته كان إذا دخل بيته دخل برجله والقبر بيته بعد الموت فيبدأ بادخال رجليه فيه (ولنا) ماروى إبراهيم النخعي أن النبي ﷺ أدخل قبره من قبل القبلة فان صح هذا اتضح المذهب وان صح مارووا فقيل انما كان ذلك لاجل الضرورة لان النبي ﷺ مات في حجرة عائشة رضى الله عنها وعن أبيها من قبل الحائط وكانت السنة في دفن الانبياء صلوات الله عليهم أجمعين في الموضع الذى قبضوا فيه فلم يتمكنوا من وضع السرير قبل القبلة لاجل الحائط فلهذا سل إلى قبره وعن ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم قال يدخل الميت قبره من قبل القبلة لان جانب القبلة معظم ألا ترى أن المختار للجلوس في حال الحياة استقبال القبلة قال ﷺ خير المجالس ما استقبلت به القبلة فكذلك بعد الوفاة يختار ادخاله من قبل القبلة (قال) ويلحد له ولا يشق عندنا وقال الشافعي رضى الله عنه يشق واعتمادنا فيه على قوله ﷺ اللحد لنا والشق لغيرنا وكان بالمدينة حفاران أحدهما يلحد والآخر يشق فلما قبض رسول الله ﷺ بعثوا في طلب الحفار فقال العباس رضى الله تعالى عنه اللهم خر لنبيك فوجد الذى يلحد وصفة اللحدان يحفر القبر ثم يحفر في جانب القبلة منه حفيرة فيوضع فيه الميت وصفة الشق أن يحفر حفيرة في
[ 62 ] وسط القبر ويوضع فيه الميت وانما اختاروا الشق في ديارنا لتعذر اللحد فان الارض فيها رخاوة فإذا ألحد انهار عليه فلهذا استعملوا الشق ويجعل على لحده اللبن والقصب جاء في الحديث انه وضع على قبر رسول الله ﷺ طن من قصب ورأى رسول الله ﷺ فرجة في قبر فأخذ مدرة وناولها الحفار وقال سد بها تلك الفرجة فان الله تعالى يحب من كل صانع أن يحكم صنعته والمدرة قطعة من اللبن فدل انه لا بأس باستعمال اللبن ويكره الاجر لانه انما استعمل في الابنية للزينة أو لاحكام البناء والقبر موضع البلى فلا يستعمل فيه الآجر وكان الشيخ الامام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يقول لا بأس به في ديارنا لرخاوة الارض وكان يجوز استعمال رفوف الخشب واتخاذ التابوت للميت حتى قالوا لو اتخذوا تابوتا من حديد لم أر به بأسا في هذه الديار (قال) ويسجي قبر الميت بثوب حتى يفرغ من اللحد لما روى أن فاطمة رضي الله تعالى عنها سجى قبرها بثوب وغشى على جنازتها ولان مبنى حال المرأة على الستر كما في حال حياتها ولا يسجى قبر الرجل لما روى أن عليا رضى الله تعالى عنه رأى قبر رجل سجي بثوب فنحى الثوب وقال لا تشبهوه بالنساء ولان مبنى حال الرجل على الانكشاف والظهور الا إذا كان عند الضرورة لدفع مطر أو ثلج أو حر على الداخلين في القبر فحينئذ لا بأس به (قال) ويسنم القبر ولا يربع لحديث النخعي قال حدثنى من رأى قبر رسول الله ﷺ أبى وابكر وعمر رضى الله تعالى عنهما مسنمة عليها فلق من مدر بيض ولان التربيع في الابنية للاحكام ويختار للقبور ما هو أبعد من أحكام الابنية وعلى قول الروافض السنة التربيع في القبور ولا تجصص لما روى أن النبي ﷺ نهى عن تجصيص القبور وتربيعها ولان التجصيص في الابنية اما للزينة أو لاحكام البناء (قال) وامام الحى أحق بالصلاة على الميت وحاصل المذهب عندنا أن السلطان إذا حضر فهو أحق بالصلاة عليه لان اقامة الجمعة والعيدين إليه فكذلك الصلاة على من كان يحضر الجمعة والعيدين ولان في التقدم على السلطان ازدراء به والمأمور في حقه التوقير. ولما مات الحسن بن على رضي الله تعالى عنهما حضر جنازته سعيد بن العاص فقدمه الحسين رضي الله تعالى عنه وقال لو لا أنها سنة ما قدمتك وكذلك ان حضر القاضي فهو أحق بالصلاة عليه فان لم يحضر واحد منهما فامام الحى عندنا لان الميت كان راضيا بامامته في حياته فهو أحق بالصلاة عليه بعد
[ 63 ] موته. وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه الولى أحق من امام الحي لظاهر قوله تعالى وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض فان لم يحضر امام الحي فالاولياء. وفي الكتاب قال الاب أحق من غيره وهو قول محمد رحمه الله تعالى فأما عند أبى يوسف رحمه الله تعالى فالابن أحق من الاب ولكن الاولى له أن يقدم الاب لانه جده وفي التقدم عليه ازدراء به فالاولى أن يقدمه وعند محمد رحمه الله تعالى الاب أعم ولاية حتى يعم ولاية النفس والمال وهذا نظير اختلافهم في ولاية التزويج كما بينته في كتاب النكاح والحاصل أنه يترتب هذا الحق على ترتيب العصوبة كولاية التزويج وابن العم أحق بالصلاة على المرأة من زوجها ان لم يكن لها منه ابن لما روى أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ماتت امرأة له فقال لاوليائها كنا أحق بها حين كانت حية فأما إذ ماتت فانتم أحق بها ولان الزوجية تنقطع بالموت والقرابة لا تنقطع به (قال) والصلاة على الجنازة أربع تكبيرات وكان ابن أبى ليلى يقول خمس تكبيرات وهو رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى والآثار قد اختلفت في فعل رسول الله ﷺ فروى الخمس والسبع والتسع وأكثر من ذلك الا أن آخر فعله كان أربع تكبيرات فكان هذا ناسخا لما قبله وأن عمر رضى الله عنه جمع الصحابة حين اختلفوا في عدد التكبيرات وقال لهم انكم اختلفتم فمن يأتي بعدكم أشد اختلافا فانظروا آخر صلاة صلاها رسول الله ﷺ على جنازة فخذوا بذلك فوجدوه صلى على امرأة كبر عليها أربعا فاتفقوا على ذلك ولان كل تكبيرة قائمة مقام ركعة في سائر الصلوات وليس في المكتوبات زيادة على أربع ركعات الا أن ابن أبي ليلى رحمه الله يقول التكبيرة الاولى للافتتاح فينبغي أن يكون بعدها أربع تكبيرات كل تكبيرة قائمة مقام ركعة وأهل الزيغ يزعمون أن عليا رضى الله عنه كان يكبر على أهل بيته خمس تكبيرات وعلى سائر الناس أربعا وهذا افتراء منهم عليه فقد روى أنه كبر على فاطمة أربعا وروى أنه انما صلى على فاطمة أبو بكر وكبر عليها أربعا وعمر صلى على أبى بكر وكبر أربعا ثم يثنى على الله تعالى في التكبيرة الاولى كما في سائر الصلوات يثنى عقيب الافتتاح ويصلى على النبي ﷺ في الثانية لان الثناء على الله تعالى تعقبه الصلاة على النبي على هذا وضعت الخطب واعتبر هذا بالتشهد في الصلاة لان الثناء على الله يعقبه الصلاة على النبي ﷺ ويستغفر للميت ويشفع له في الثالثة لان الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه
[ 64 ] وسلم يعقبه الدعاء والاستغفار والمقصود بالصلاة على الجنازة الاستغفار للميت والشفاعة له فلهذا يأتي به ويذكر الدعاء المعروف اللهم اغفر لحينا وميتنا ان كان يحسنه والا يذكر ما يدعو به في التشهد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات إلى آخره ويسلم تسليمتين بعد الرابعة لانه جاء أوان التحلل وذلك بالسلام وفى ظاهر المذهب ليس بعد التكبيرة الرابعة دعاء سوى السلام وقد اختار بعض مشايخنا ما يختم به سائر الصلوات اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب القبر وعذاب النار. فان كبر الامام خمسا لم يتابعه المقتدى في الخامسة الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول هذا مجتهد فيه فيتابعه المقتدى كما في تكبيرات العيد (ولنا) ان ما زاد على أربع تكبيرات ثبت انتساخه بما روينا ولا متابعة في المنسوخ لانه خطأ ثم في احدى الروايتين عن أبى حنيفة رضى الله عنه يسلم حين رأى امامه يشتغل بما هو خطأ وفي الرواية الاخرى ينتظر سلام الامام حتى يسلم معه (قال) ولا يقرأ في الصلاة على الجنازة بشئ من القرآن * وقال الشافعي رضي الله عنه تفترض قراءة الفاتحة فيها وموضعها عقيب تكبيرة الافتتاح لقوله عليه الصلاة والسلام لاصلاة الا بقراءة وهذه صلاة بدليل اشتراط الطهارة واستقبال القبلة فيها وفي حديث جابر رضى الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الصلاة على الجنازة بام القرآن وقرأ ابن عباس فيها بالفاتحة وجهر ثم قال عمدا فعلت ليعلم انها سنة (ولنا) حديث ابن مسعود رحمه الله تعالى قال لم يوقت لنا في الصلاة على الجنازة دعاء ولا قراءة كبر ما كبر الامام واختر من الدعاء أطيبه وهكذا روى عن عبد الرحمن بن عوف وابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنهما قالا ليس فيها قراءة شئ من القرآن وتأويل حديث جابر رضى الله عنه أنه كان قرأ علي سبيل الثناء لا على وجه قراءة القرآن ولان هذه ليست بصلاة على الحقيقة انما هي دعاء واستغفار للميت ألا ترى أنه ليس فيها أركان الصلاة من الركوع والسجود والتسمية بالصلاة لما بينا فيما سبق أن الصلاة في اللغة الدعاء واشتراط الطهارة واستقبال القبلة فيها لا يدل على انها صلاة حقيقة وان فيها قراءة كسجدة التلاوة ولا ترفع الايدى الا في التكبيرة الاولى الامام والقوم فيها سواء وكثير من أئمة بلخ اختاروا رفع اليد عند كل تكبيرة فيها وكان نصير بن يحيى رحمه الله تعالى يرفع تارة ولا يرفع تارة فمن اختار الرفع قال هذه تكبيرات يؤتى بها في قيام مسنون فترفع الايدى عندها كتكبيرات العيد
[ 65 ] وتكبير القنوت والفقه فيما بينا من الحاجة إلى اعلام من خلفه من أصم أو أعمى وجه ظاهر الرواية قوله عليه الصلاة والسلام لا ترفع الايدي الا في سبع مواطن وليس فيها صلاة الجنازة وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال لا ترفع اليد فيها الا عند تكبيرة الافتتاح والمعنى أن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة فكما لا ترفع الايدى في سائر الصلوات عند كل ركعة فكذلك ههنا (قال) وإذا اجتمعت الجنائز فان شاؤا جعلوها صفا وان شاؤا وضعوا واحدا خلف واحد وكان ابن ابى ليلى رحمه الله تعالى يقول توضع شبه الدرج وهو أن يكون رأس الثاني عند صدر الاول وعند أبى حنيفة رضى الله عنه أنه إن وضع هكذا فحسن أيضا لان الشرط أن تكون الجنائز أمام الامام وقد وجد ذلك كيف وضعوا فكان الاختيار إليهم (قال) وان كانت رجالا وسناء يوضع الرجال مما يلى الامام والنساء خلف الامام مما يلى القبلة ومن العلماء من قال على عكس هذا لان الصلاة بالجماعة صف النساء خلف صف الرجال إلى القبلة فكذلك في وضع الجنائز ولكنا نقول في الصلاة بالجماعة الرجال أقرب إلى الامام من النساء فكذلك في وضع الجنائز وان كان جنازة غلام وامرأة وضع الغلام مما يلى الامام والمرأة خلفه مما يلى القبلة لما روى أن أم كلثوم ابنة علي رضي الله عنهما امرأة عمر رضى الله عنه وابنها زيد بن عمر رضي الله عنهما ماتا معا فوضع ابن عمر جنازتهما بهذه الصفة وصلي عليهما ولان الرجل انما يقدم مما يلي الامام للفضيلة بالذكورة وهذا موجود في الغلام والاصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام ليلنى منكم أولو الاحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فصار الحاصل انه توضع جنازة الرجل مما يلى الامام وخلفه مما يلى القبلة جنازة الغلام وخلفه جنازة الخنثى ان كان وخلفه جنازة المرأة (قال) وإذا وقعت الحاجة إلى دفن اثنين أو ثلاثة في قبر واحد فلا بأس بذلك به أمر رسول الله ﷺ أصحابه يوم أحد وقال احفروا وأوسعوا واجعلوا في كل قبر أثنين أو ثلاثة وقدموا أكثرهم أخذا للقرآن فقلنا يوضع الرجل مما يلى القبلة ثم خلفه الغلام ثم خلفه الجنين ثم خلفه المرأة ويجعل بين كل ميتين حاجز من التراب ليصير في حكم قبرين (قال) وأحسن مواقف الامام من الميت في الصلاة عليه بحذاء الصدر وان وقف في غيره أجزأه وكان ابن أبى ليلى رحمه الله يقول يقف من الرجل بحذاء الصدر ومن المرأة بحذاء وسطها لما روى ان أم بريدة صلى عليها رسول الله ﷺ فوقف بحذاء وسطها (ولنا) أن أشرف الاعضاء في البدن الصدر فانه موضع العلم والحكمة
[ 66 ] وهو أبعد من الاذى والوقوف عنده أولى كما في حق الرجال ثم الصدر موضع نور الايمان. قال الله تعالى أفمن شرح الله صدره للاسلام الآية وانما يصلي عليه لايمانه فيختار الوقوف حذاء الصدر لهذا أو الصدر هو الوسط في الحقيقة فانه فوقه رأس ويدان وتحته بطن ورجلان (قال) ويتيمم لصلاة الجنازة إذا خاف فوتها في المصر عندنا وكذلك لو افتتح الصلاة ثم أحدث تيمم وبنى وقد بينا هذا فيما سبق فان صلى على جنازة بالتيمم ثم جئ بجنازة أخرى فان وجد بينهما من الوقت ما يمكنه أن يتوضأ فعليه إعادة التيمم للصلاة على الجنازة الثانية لانه تمكن من استعمال الماء بعد التيمم للاول فان لم يجد فرجة من الوقت ذلك القدر فله أن يصلى بتيممه على الجنازة الثانية عند أبي يوسف رحمه الله تعالى لان العذر قائم وهو خوف الفوت لو اشتغل بالوضوء وعند محمد رحمه الله تعالى يعيد التيمم على كل حال ذكره في نوادر أبى سليمان رحمه الله تعالى لانه تجددت ضرورة أخرى فعليه تجديد التيمم (قال) وإذا كبر الامام تكبيرة أو تكبيرتين ثم جاء رجل فانه ينتظر حتى يكبر الامام فيكبر معه فإذا سلم قضى ما بقى عليه قبل أن ترفع الجنازة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رضى الله تعالى عنه يكبر حين يحضر لقوله عليه الصلاة والسلام اتبع امامك حين تحضر في أي حال أدركته وقاس هذا بسائر الصلوات فان المسبوق يكبر للافتتاح فيها حين ينتهى إلى الامام فهذا مثله وكذلك لو كان واقفا خلف الامام فتأخر تكبيرة عن تكبيرة الامام لم ينتظر أن يكبر الامام الثانية بالاتفاق فهذا مثله ومذهبنا مروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والمعني فيه أن كل تكبيرة في الصلاة على الجنازة قائمة مقام ركعة فلو لم ينتظر تكبير الامام حين جاء كان قاضيا ما فاته قبل أداء ما أدرك مع الامام وذلك منسوخ الا أن أبا يوسف رحمه الله تعالى يقول في تكبيرة الافتتاح معنيان معنى الافتتاح والقيام مقام ركعة ومعنى الافتتاح مرجح فيها بدليل تخصيصها برفع اليد عندها. ولو جاء بعد ما كبر الامام الرابعة لم يدخل معه وقد فاتته الصلاة في قولهما وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يكبر فإذا سلم الامام قضي ثلاث تكبيرات بمنزلة مالو كان خلف الامام ولم يكبر حتى كبر الامام الرابعة والفرق بين الفصلين لهما أن من كان خلف الامام فهو مدرك لتكبيرة الافتتاح فيأتى بها حين حضرته النية بخلاف المسبوق فانه غير مدرك للتكبيرة الاولى وهى قائمة مقام ركعة فلا يشتغل بقضائها قبل سلام الامام كسائر
[ 67 ] التكبيرات (قال) وإذا صلى على جنازة ثم حضر قوم لم يصلوا عليها ثانية جماعة ولا وحدانا عندنا الا أن يكون الذين صلوا عليها أجانب بغير أمر الاولياء ثم حضر الولى فحينئذ له ان يعيدها وقال الشافعي رضى الله عنه تعاد الصلاة على الجنازة مرة بعد مرة لما روى ان النبي ﷺ مر بقبر جديد فسأل عنه فقيل قبر فلانه فقال هلا آذنتموني بالصلاة عليها فقيل انها دفنت ليلا فخشينا عليك هوام الارض فقام وصلى على قبرها ولما قبض رسول الله ﷺ صلى الصحابة عليه فوجا بعد فوج (ولنا) ماروى عن ابن عباس رضى الله عنهما وابن عمر رضى الله عنه انهما فاتتهما الصلاة على جنازة فلما حضرا ما زادا على الاستغفار له وعبد الله بن سلام رضى الله عنه فاتته الصلاة على جنازة عمر فلما حضر قال ان سبقتموني بالصلاة عليه فلا تسبقوني بالدعاء له. والمعنى فيه ان حق الميت قد تأدى بفعل الفريق الاول فلو فعله الفريق الثاني كان تنفلا بالصلاة على الجنازة وذلك غير مشروع ولو جاز هذا لكان الاولى أن يصلى على قبر رسول الله ﷺ من يرزق زيارته الان لانه في قبره كما وضع فان لحوم الانبياء حرام علي الارض به ورد الاثر ولم يشتغل أحد بهذا فدل انه لا تعاد الصلاة على الميت الا ان يكون الولى هو الذى حضر فان الحق له وليس لغيره ولاية اسقاط حقه وهو تأويل فعل رسول الله ﷺ فان الحق كان له قال الله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهكذا تأويل فعل الصحابة فان أبا بكر رضى الله عنه كان مشغولا بتسوية الامور وتسكين الفتنة فكانوا يصلون عليه قبل حضوره وكان الحق له لانه هو الخليفة فلما فرغ صلى عليه ثم لم يصل أحد بعده عليه (وعلى) هذا قال علماؤنا رحمهم الله تعالى لا يصلي على ميت غائب. وقال الشافعي رضي الله عنه يصلى عليه فان النبي عليه الصلاة والسلام صلى على النجاشي وهو غائب ولكنا نقول طويت الارض وكان هو أولى الاولياء ولا يوجد مثل ذلك في حق غيره * ثم ان كان الميت من جانب المشرق فان استقبل القبلة في الصلاة عليه كان الميت خلفه وذلك لا يجوز وان استقبل الميت كان مصليا لغير القبلة وذلك لا يجوز (قال) وإذا كبر الامام على جنازة ثم أتى بجنازة أخرى فوضعت معها قال يفرغ من الصلاة على الاولى ثم يستأنف الصلاة على الثانية لانه شرع في الصلاة على الاولى فيتمها وكذلك ان كبر الثانية ينوى الصلاة عليهما أو لم يحضره نيه فيها فهو في الاولى وان كبر ينوى الصلاة على الثانية كان قاطعا للاولى شارعا في الثانية فيصلى على الثانية
[ 68 ] ثم يستأنف الصلاة على الاولى بمنزلة مالو كان في الظهر فكبر ينوى العصر بخلاف ما إذا نواهما لانه غير رافض للاولى فلا يصير شارعا في الثانية مع بقائه في الاولى (قال) وتكره الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس أو عند غروبها أو نصف النهار لحديث عقبة ابن عامر رضى الله تعالى عنه وأن نقبر فيهن موتانا والمراد الصلاة على الجنازة فلا بأس بالدفن في هذه الاوقات وان صلوها لم يكن عليهم اعادتها لان حق الميت تأدى بما أدوا فان المؤدى في هذه الاوقات صلاة وان كان فيها نقصان. الا ترى ان التطوع انما يلزم بالشروع في هذه الاوقات (قال) وإذا أرداوا ان يصلوا على جنازة بعد غروب الشمس بدؤا بالمغرب لانها أقوى فانها فرض عين على كل واحد والصلاة على الجنازة فرض على الكفاية والبداءة بالاقوى أولى لان تأخير صلاة المغرب بعد غروب الشمس مكروه وتأخير الصلاة على الجنازة غير مكروه (قال) وتكره الصلاة على الجنازة في المسجد عندنا وقال الشافعي رضى الله عنه لا تكره لما روى ان سعد بن أبى وقاص رحمه الله تعالى لما مات أمرت عائشة رضى الله عنها بادخال جنازته المسجد حتى صلي عليها أزواج رسول الله ﷺ ورضى عنهن ثم قالت لبعض من حولها هل عاب الناس علينا بما فعلنا قال نعم فقالت ما أسرع ما نسوا ما صلى رسول الله ﷺ علي جنازة سهل بن أبى البيضاء الا في المسجد ولانها دعاء أو صلاة والمسجد أولى به من غيره (ولنا) حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال قال عليه الصلاة والسلام من صلى على جنازة في المسجد فلا أجر له وحديث عائشة رضى الله عنها دليلنا لان الناس في زمانها المهاجرون والانصار وقد عابوا عليها فدل أنه كان معروفا فيما بينهم كراهة هذا. وتأويل حديث رسول الله ﷺ أنه كان معتكفا في ذلك الوقت فلم يمكنه أن يخرج وأمر بالجنازة فوضعت خارج المسجد وعندنا إذا كانت الجنازة خارج المسجد لم يكره أن يصلى الناس عليها في المسجد انما الكراهة في إدخال الجنازة لقوله عليه الصلاة والسلام جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم فإذا كان الصبي ينحى عن المسجد فالميت أولى (قال) وإذا صلوا على جنازة والامام غير طاهر فعليهم اعادة الصلاة لان صلاة الامام فاسدة لعدم الطهارة فتفسد صلاة القوم بفساد صلاته وان كان الامام طاهرا والقوم على غير طهارة لم يكن عليهم اعادتها لان صلاة الامام قد صحت وحق الميت به تأدى فالجماعة ليست بشرط في الصلاة على الجنازة (قال) وإذا أخطؤا
[ 69 ] بالرأس فوضعوها في موضع الرجلين وصلوا عليها جازت الصلاة لان ما هو شرط وهو كون الميت أمام الامام فقد وجد انما التغير في صفة الوضع وذلك لا يمنع جواز الصلاة الا أنهم ان تعمدوا ذلك فقد أساؤا بتغيير الوضع عما توارثه الناس (قال) وإذا أخطؤا القبلة جازت صلاتهم يعنى إذا صلوا بالتحرى وان تعمدوا خلافها لم تجز على قياس سائر الصلوات فانها في وجوب استقبال القبلة كسائر الصلوات (قال) وان دفن قبل الصلاة عليها صلى في القبر عليها انما لا يخرج من القبر لانه قد سلم إلى الله تعالى وخرج من أيديهم. جاء عن رسول الله ﷺ قال القبر أول منزل من منازل الآخرة ولكنهم لم يؤدوا حقه بالصلاة عليه والصلاة على القبر تتأتي فقد فعله رسول الله ﷺ فلهذا يصلى على القبر ما لم يعلم أنه تفرق لان المشروع الصلاة على الميت لا على أعضائه وفى الامالى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال يصلى عليه إلى ثلاثة أيام وهكذا ذكره ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى لان الصحابة كانوا يصلون على رسول الله ﷺ الي ثلاثة أيام والصحيح أن هذا ليس بتقدير لازم لانه يختلف باختلاف الاوقات في الحر والبرد وباختلاف الا مكنة وباختلاف حال الميت في السمن والهزال والمعتبر فيه أكبر الرأى والذى روى أن النبي ﷺ صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين معناه دعا لهم. قال الله تعالى وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم وقيل انهم كما دفنوا لم تتفرق أعضاؤهم وهكذا وجدوا حين أراد معاوية أن يحولهم فتركهم (قال) ويصف النساء خلف الرجال في الصلاة على الجنازة لقوله عليه الصلاة والسلام خير صفوف النساء آخرها وان وقفت امرأة بجنب رجل لم تفسد عليه صلاته لان الفساد بسبب المحاذاة ثبت بالنص بخلاف القياس وانما ورد النص به في صلاة مطلقة وهذه ليست بصلاة مطلقة ولهذا لا وضوء على من قهقه فيها بخلاف سائر الصلوات (قال) وإذا صلوا قعودا أو ركبانا في القياس يجزيهم لانها دعاء في الحقيقة ولان ركن القيام معتبر بسائر الاركان كالقراءة والركوع والسجود وفى الاستحسان عليهم الاعادة لان فيها شيئين التكبير والقيام فكما ان ترك التكبير يمنع الاعتداد فكذلك ترك القيام والقيام ههنا كوضع الجبهة والانف في سجدة التلاوة فكما لا تتادى السجدة الا بهما كذا هنا (قال) ولو مات رجل في سفر ومعه نساء ليس معهن رجل فان كان فيهن امرأته غسلته لان أبا بكر رضى الله عنه أوصى إلى امرأته أسماء
[ 70 ] أن تغسله وهكذا أبو موسى الاشعري رضى الله عنه وقالت عائشة رضى الله عنها لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله ﷺ الا نساؤه ولان النكاح بينهما في حكم القائم ما لم تنقض العدة فان الموت محول للملك لا مبطل وملك النكاح لا يحتمل التحول إلى الورثة فبقى موقوفا على الزوال بانقضاء العدة كما بعد الطلاق الرجعى ولو ارتفع النكاح بالموت فانما ارتفع إلى خلف وهى العدة وهذه العدة حق النكاح فتقوم مقام حقيقته في ابقاء حل المس والنظر (قال) وان كان فيهن أم ولده لم تغسله في قول أبى حنيفة الآخر وفى قوله الاول لها أن تغسله وهو قول زفر رحمه الله تعالى لانها معتدته من فراش صحيح فهى كالمنكوحة وجه قوله الآخر انها عتقت بالموت فصارت أجنبية منه ووجوب العدة عليها بطريق الاستبراء ولهذا لا يختلف بالحياة والوفاة فلا يثبت باعتباره حل المس والنظر كالعدة من نكاح فاسد (قال) وان كان فيهن امرأة قد بانت منه في حياته لم تغسله سواء كانت البينونة بطلاق أو غير طلاق لان النكاح قد ارتفع في حالة الحياة والعدة الواجبة عليها بطريق الاستبراء ولهذا تقدر بالاقراء وكذلك لو ارتدت قبل موته ثم أسلمت بعد موته لم تغسله عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى لان الردة بعد الموت لا ترفع النكاح فقد ارتفع بالموت بخلاف الردة في حال الحياة ولكنا نقول النكاح كالقائم على احدى الطريقتين فارتفع بالردة وعلى الطريق الآخر فقد بقى حل المس والنظر وكما ترفع الردة مطلق الحل ترفع ما بقى منه وهو حل المس والنظر وعلى هذا لو طاوعت ابن زوجها بعد موته أو وطئت بشبهة فوجب عليها العدة لم تغسله عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى ولو مات الزوج وهي معتدة من وطئ بشبهة فانقضت عدتها لم تغسله عندنا لانه لم يثبت حل الغسل عند الموت لها فلا يثبت بعده خلافا لابي يوسف رحمه الله تعالى وكذلك لو كانت أختها تعتد منه فانقضت عدتها بعد موته فهو على هذا الخلاف وكذلك المجوسية إذا أسلمت بعد موت زوجها المسلم لم تغسله عندنا خلافا لابي يوسف وان كان فيهن أمته لم تغسله وقال الشافعي رضى الله عنه لها ان تغسله لان ملكه فيها يبقى حكما لحاجته إلى من يغسله (ولنا) انها قد انتقلت إلى الوارث وصارت كسائر امائه وهذا لان حل المس يعتمد ملك المتعة لا ملك المالية وملك المتعة في الامة تبع فلا يمكن ابقاؤها له بعد تحول ما هو الاصل وهو ملك الرقبة إلى الوارث وكذلك ان كان فيهن أحد من ذوات محارمه لان
[ 71 ] المحرم في حكم النظر إلى العورة كالاجنبية فكذلك ذوات محارمه ولكن ييمم لانه تعذر غسله لا نعدام من يغسله فصار كتعذر غسله لا نعدام ما يغسل به فان كان من ييممه محرما يممه بغير خرقة لانه حل لها مس هذين العضوين في حياته فكذلك بعد وفاته فان كانت أجنبية يممته بخرقة تلفها على كفها لانه لم يكن لها أن تمسه في حياته فكذلك بعد وفاته ثم يصلين عليه وقام الامام منهن وسطهن كما هو الحكم في جماعة النساء وان كان معهن رجل كافر علمنه غسل الميت ليغسله لان نظر الجنس إلى الجنس أخف وان لم يكن بينهما موافقة في الدين. ألا ترى أن المسلم يغسل قرابته من الكفار ولو ماتت امرأة بين الرجال وفيهم زوجها لم يكن له أن يغسلها عندنا * وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه له ذلك لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبي ﷺ دخل عليها وهى تقول وارأساه فقال وأنا وارأساه لا عليك انك لومت غسلتك وكفنتك وصليت عليك وما جاز لرسول الله ﷺ يجوز لامته الا ما قام عليه دليل وان عليا رضى الله تعالى عنه غسل فاطمة بعد موتها ولان النكاح انتهى بينهما بالموت فيفيد الباقي منهما حل الغسل كالرجل إذا مات وهذا لان المنتهى متقرر في حق أحكامه نحو الارث وغيره ولان الملك جعل كالقائم لحاجة الميت منهما إلى الغسل وملك الحل مشترك بينهما (ولنا) حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله ﷺ سئل عن امرأة تموت بين رجال فقام تيمم الصعيد ولم يفصل بين أن يكون فيهم زوجها أو لا يكون والمعنى فيه أن النكاح بموتها أرتفع بجميع علائقه فلا يبقى حل المس والنظر كما لو طلقها قبل الدخول وبيان الوصف انها بالموت صارت محرمة ألبتة والحرمة تنافي النكاح ابتداء وبقاء ولهذا جاز للزوج ان يتزوج بأختها وأربع سواها بخلاف ما إذا مات الزوج ثم الزوج بالنكاح مالك والمرأة مملوكة فبعد موته يمكن ابقاء صفة المالكية له حكما لبقاء محل الملك فأما بعد موتها فلا يمكن ابقاء الملك مع فوات المحل ومعني قوله عليه الصلاة والسلام غسلتك أي قمت بأسباب غسلك كما يقال بنى فلان دارا وان لم يكن هو بنى وحديث على رضى الله تعالى عنه أنه غسلها فقد ورد ان فاطمة غسلتها أم أيمن ولو ثبت أن عليا رضي الله تعالى عنه غسلها فقد أنكر عليه ابن مسعود رضى الله عنه حتى قال له على أما علمت أن رسول الله ﷺ قال فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة فادعاؤه الخصوصية دليل على انه كان معروفا بينهم ان الرجل لا يغسل زوجته وقد قال عليه الصلاة والسلام كل سبب ونسب
[ 72 ] ينقطع بالموت الا سببي ونسبي فهذا دليل على الخصوصية في حقه وفى حق على رضى الله تعالى عنه أيضا لان نكاحه كان من أسباب رسول الله ﷺ وإذا لم تغسل يممها فان كان من ييممها محرما لها يممها بغير خرقة وان كان أجنبيا ييممها بخرقة يلفها على كفه ويعرض وجهه عن ذراعيها دون وجهها لان في حالة حياتها ما كان للاجنبي أن ينظر إلى ذراعيها فكذلك بعد الموت وان كان معهم امرأة كافرة علموها غسل الميت لتغسلها ثم يصلى عليها الرجال لما بينا (قال) وتكفن المرأة في خمسة أثواب والرجل في ثلاثة أثواب هكذا قال على رضى الله عنه كفن المرأة خمسة أثواب وكفن الرجل ثلاثة أثواب ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ولان حال كل واحد منهما بعد الموت معتبر بحال الحياة والرجل في حياته يخرج في ثلاثة أثواب عادة قميص وسراويل وعمامة والمرأة في خمسة أثواب درع وخمار وازار وملاءة ونقاب فكذلك بعد الموت ولان مبنى حالها على الستر فيزاد كفنها على كفن الرجل وتفسير الاثواب الخمسة درع وخمار وإزار ولفافة وخرقة تربط فوق الاكفان عند الصدر فوق الثديين والبطن حتى لا ينتشر عليها الكفن إذا حملت على السرير وقال زفر رحمه الله تعالى تربط الخرقة على فخذيها لئلا تضطرب إذا حملت على السرير ويوضع الحنوط منها موضعه من الرجال ولا يسدل شعرها خلف ظهرها ولكن يسدل من بين ثدييها من الجانبين جميعا لان سدل الشعر خلف ظهرها في حال الحياة كان لمعنى الزينة وقد انقطع ذلك بالوفاة ثم يسدل الخمار عليها كهيئة المقنعة فوق الدرع وتحت الازار وان كفنت المرأة في ثوبين وخمار ولم تكفن في درع جاز ذلك لان معنى الستر في حال الحياة يحصل بثلاثة أثواب حتى يجوز لها أن تصلى فيها وتخرج فكذلك بعد الموت (قال) والخلق إذا غسل والجديد فيه سواء لحديث أبى بكر رضى الله عنه قال اغسلوا ثوبي هذين وكفنوني فيهما فانهما للمهل والصديد وان الحى أحوج من الميت إلى الجديد (قال) والبرود والبياض كل ذلك حسن لحديث جابر رضى الله عنه ان النبي ﷺ قال أن أحب الثياب إلى الله تعالى البياض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم وقال عليه الصلاة والسلام حسنوا أكفان الموتى فانهم يتزاورون فيما بينهم ويتفاخرون بحسن أكفانهم والحاصل ان ما يجوز لكل جنس أن يلبسه في حياته يجوز أن يكفن فيه بعد موته والسنة في كفن الرجل ثلاثة أثواب كما روى أن النبي ﷺ كفن
[ 73 ] في برد وحلة اسم للزوج من الثياب والبرد اسم للفرد من الثياب وقالت عائشة رضى الله عنها كفن رسول الله ﷺ في ثلاثة أثواب بيض سحولية (قال) وأدنى ما يكفن فيه في حالة الاختيار ثوبان لانه يجوز له أن يخرج فيهما ويصلى فيهما من غير كراهة فكذلك يكفن فيهما (قال) فان كفنوه في واحد فقد أساؤا لان في حالة حياته تجوز صلاته في ازار واحد مع الكراهة فكذلك بعد الموت يكره أن يكفن فيه الا عند الضرورة بأن كان لا يوجد غيره لان مصعب بن عمير رضى الله تعالى عنه لما استشهد كفن في نمرة فكان إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطى بها رجلاه بدأ رأسه فأمر رسول الله ﷺ ان تغطى رأسه ويجعل على رجليه شى ء من الاذخر وكذلك حمزة رضى الله عنه لما استشهد كفن في ثوب واحد لم يوجد له غيره فدل على ان عند الضرورة يجوز هذا (قال) والغلام المراهق كالرجل يكفن فيما يكفن فيه الرجل فاما الطفل الذى لم يتكلم فان كفن في خرقتين إزار ورداء فحسن وان كفن في ازار واحد جاز لان في حال حياته كان يجوز الاقتصار على ثوب واحد في حقه فكذلك بعد الموت (قال) وتغسل المرأة الصبي الذى لم يتكلم لانه ليس لفرجه حكم العورة حتى لا يجب ستره في حال حياته ويجوز النظر إليه (قال) قوم صلوا على ميت قبل ان يغسل قال تعاد الصلاة بعد الغسل لان الطهارة في حقه معتبرة للصلاة عليه كما هي معتبرة في حق من يصلى عليه ولو صلى بغير طهارة على جنازة أعادها بعد الطهارة فكذا هذا وكذلك لو غسلوه وبقى عضو من أعضائه أو قدر لمعة فان كان قد لف في كفنه وقد بقى عضو لم يصبه الماء يخرج من الكفن فيغسل ذلك العضو بالاتفاق وان كان الباقي شيئا يسيرا كالاصبع ونحوه فكذلك عند محمد رحمه الله تعالى لان الاصبع في حكم العضو بدليل اغتسال الحى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يخرج من الكفن لانه لا يتيقن بعدم وصول الماء إلى ذلك القدر فلعله أسرع إليه الجفاف لقلته وهذا الخلاف في نوادر أبى سليمان رحمه الله تعالى (قال) فان كانوا قد دفنوه لم ينبش عنه القبر لما بينا أنه قد خرج من أيديهم فسقط فرض غسله عنهم ثم يصلى على قبره لان الصلاة الاولى لم تصح فكأنهم دفنوه قبل الصلاة عليه (قال) ميت وضع في لحده لغير القبلة أو على شقه الايسر أو جعل رأسه في موضع رجليه قال لا ينبش عنه قبره لان وضعه إلى القبلة سنة وقد تم خروجه من أيديهم بعد ما أهالوا عليه
[ 74 ] التراب فلا يجوز نبشه فان وضع اللبن ولم يهل التراب عليه فانه ينزع اللبن ويوضع كما ينبغي ويغسل ان لم يكن غسل لانه لم يتم خروجه من أيديهم بعد فنزع اللبن بعد الوضع متيسر لا يحتاج فيه إلى حفر بخلاف الاول (قال) وان سقط شئ من متاع القوم في القبر فلا بأس بأن يحفروا التراب في ذلك الموضع ليخرجوا متاعهم من غير أن ينبش الميت لان لمال المسلم حرمة وقد نهى رسول الله ﷺ عن اضاعة المال وفي ابقاء المتاع في القبر اضاعة المال وقد صح في الحديث ان المغيرة بن شعبة رضى الله عنه سقط خاتمه في قبر رسول الله ﷺ فما زال بالصحابة حتى رفع اللبن وأخذ خاتمه وقبل بين عيني رسول الله ﷺ ثم كان يفتخر بذلك ويقول انا آخركم عهدا برسول الله ﷺ (قال) ويكره ان يجعل على اللحد رفوف الخشب لان ذلك يستعمل في الابنية للزينة أو لاحكام البناء وقد بينا انه لا بأس بذلك في ديارنا لرخاوة الارض والله أعلم * (باب صلاة الكسوف) * الاصل فيه حديث ابن مسعود رضى الله عنه (قال) انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن رسول الله ﷺ فقال الناس انما انكسفت الشمس لموته فقال عليه الصلاة والسلام ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم شيئا من هذه الاهوال فافزعوا إلى الصلاة وفى حديث أبى موسى قال انكسفت الشمس فخرج رسول الله ﷺ فزعا يخشى ان تكون الساعة حتى أتى المسجد فصلى ثم قال ان هذه الآيات لا ترسل لموت أحد ولكن يرسلها الله تعالى ليخوفكم بها فإذا رأيتموها فاذكروا الله تعالى واستغفروه * ثم الصلاة في كسوف الشمس ركعتان كسائر الصلوات عندنا كل ركعة بركوع وسجدتين * وقال الشافعي رضى الله عنه كل ركعة بركوعين وسجودين لحديث عائشة رضى الله عنها وابن عباس رضى الله عنهما ان النبي ﷺ صلى في كسوف الشمس ركعتين باربع ركوعات وأربع سجدات ولنا حديث عبد الله بن عمر والنعمان بن بشير وأبى بكرة وسمرة بن جندب بالفاظ مختلفة ان النبي عليه الصلاة والسلام صلى في كسوف الشمس ركعتين كأطول صلاة
[ 75 ] كان يصليها فانجلت الشمس مع فراغه منها وفى الكتاب ذكر حديث إبراهيم رضى الله عنه ان النبي ﷺ صلى ركعتين في الكسوف ثم كان الدعاء حتى تجلت وهو كان مقدما في باب الاخبار فانما يعتمد على ما يصح منها فدل ان الصحيح انها كسائر الصلوات ولو جاز الاخذ بما روت عائشة وابن عباس رضي الله عنهم لجاز الاخذ بما روى جابر رضى الله عنه ان النبي ﷺ صلى في الكسوف ركعتين بست ركوعات وست سجدات * وقال على رضي الله عنه صلى رسول الله ﷺ في الكسوف ركعتين بثمان ركوعات وأربع سجدات وبالاجماع هذا غير مأخوذ به لانه مخالف للمعهود فكذلك ماروت عائشة وابن عباس رضى الله عنهما. وتأويل ذلك أن النبي ﷺ طول الركوع فيها فانه عرض عليه الجنة والنار في تلك الصلاة فمل بعض القوم فرفعوا رؤسهم وظن من خلفهم ان النبي ﷺ رفع رأسه فرفعوا رؤسهم ثم عاد الصف المتقدم إلى الركوع اتباعا لرسول الله عليه الصلاة والسلام فركع من خلفهم أيضا وظنوا انه ركع ركوعين في كل ركعة ومثل هذا الاشتباه قد يقع لمن كان في آخر الصفوف وعائشة رضى الله عنها كانت واقفة في صف النساء وابن عباس في صف الصبيان في ذلك الوقت فلهذا نقلا كما وقع عندهما ولو كان هذا صحيحا لكان أمرا بخلاف المعهود فينقلها الكبار من الصحابة الذين كانوا يلون رسول الله ﷺ وحيث لم يروها أحد منهم دل أن الامر كما قلنا * ثم هذه الصلاة لا يقيمها بالجماعة الا الامام الذى يصلى بالناس الجمعة والعيدين فاما ان يصلى كل فريق في مسجدهم فلا لانه أقامها رسول الله ﷺ وانما يقيمها الآن من هو قائم مقامه وان لم يقمها الامام صلى الناس فرادى ان شاؤا ركعتين وان شاؤا أربعا لان هذا تطوع والاصل في التطوع اداؤها فرادى ان شاؤا ركعتين وان شاؤا أربعا وذلك أفضل ثم ان شاؤا طولوا القراءة وان شاؤا قصروا ثم اشتغلوا بالدعاء حتي تنجلي الشمس فان عليهم الاشتغال بالتضرع إلى أن تنجلي وذلك بالدعاء تارة وبالقراءة أخرى وصح في الحديث أن قيام رسول الله ﷺ في الركعة الاولى كان بقدر سورة البقرة وفى الركعة الثانية بقدر سورة آل عمران فالافضل أن يطول القراءة فيها * قأما كسوف القمر فالصلاة حسنة وكذلك في الظلمة والريح والفزع لقوله عليه الصلاة والسلام إذا رأيتم شيئا من هذه الاهوال فافزعوا إلى الصلاة وعاب أهل الادب على محمد رحمه الله تعالى في هذا
[ 76 ] اللفظ وقالوا انما يستعمل في القمر لفظ الخسوف قال الله تعالى فإذا برق البصر وخسف القمر ولكنا نقول الخسوف ذهاب دائرته والكسوف ذهاب ضوئه دون دائرته فانما أراد محمد هذا النوع بذكر الكسوف ثم الصلاة فيها فرادى لا بجماعة لان كسوف القمر بالليل فيشق على الناس الاجتماع وربما يخاف الفتنة ولم ينقل أن النبي ﷺ صلى فيها بالجماعة والاصل في التطوعات ترك الجماعة فيها ما خلا قيام رمضان لاتفاق الصحابة عليه وكسوف الشمس لورود الاثر به. ألا ترى أن ما يؤدى بالجماعة من الصلاة يؤذن لها ويقام ولا يؤذن للتطوعات ولا يقام فدل أنها لا تؤدى بالجماعة (قال) ولا يجهر بالقراءة في صلاة الجماعة في كسوف الشمس في قول أبى حنيفة رضى الله عنه ويجهر بها في قول أبى يوسف رحمه الله وقول محمد رحمه الله تعالى مضطرب وجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى حديث علي رضى الله عنه أنه جهر بالقراءة في صلاة الكسوف ولانها صلاة مخصوصة تقام بجمع عظيم فيجهر فيها بالقراءة كالجمعة والعيدين. وجه قول أبى حنيفة رضي الله عنه حديث ابن عباس وسمرة بن جندب رضى الله عنهما أن النبي ﷺ لم يسمع منه حرف من قراءته في صلاة الكسوف ولانها صلاة النهار وفى الحديث صلاة النهار عجماء أي ليس فيها قراءة مسموعة وتأويل حديث علي رضى الله عنه أنه وقع اتفاقا أو تعليما للناس أن القراءة فيها مشروعة (قال) ولا يصلى الكسوف في الاوقات الثلاثة التى تكره فيها الصلاة لانها تطوع كسائر التطوعات (قال) ولا صلاة في الاستسقاء انما فيها الدعاء في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى يصلى فيها ركعتين بجماعة كصلاة العيد الا أنه ليس فيها تكبيرات كتكبيرات العيد وهو رواية بشر بن غياث عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى. وقال الشافعي رضى الله عنه فيها تكبيرات كتكبيرات العيد لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي ﷺ صلى بالجماعة في الاستسقاء ركعتين وفى حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة رضى الله عنهما أن النبي ﷺ صلى فيها ركعتين كصلاة العيد ولابي حنيفة قوله تعالى استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا فانما أمرنا بالاستغفار في الاستسقاء بدليل أنه قال يرسل السماء عليكم مدرارا وفى حديث أنس رضى الله عنه أن الاعرابي لما سأل رسول الله ﷺ أن يستسقى وهو على المنبر رفع يديه يدعو فما نزل عن المنبر حتى نشأت سحابة فمطرنا إلى الجمعة القابلة
[ 77 ] الحديث وأن عمر رضى الله عنه خرج للاستسقاء فما زاد على الدعاء فلما قيل له في ذلك قال لقد استسقيت لكم بمجاريح السماء التى يستنزل بها المطر وروى أنه خرج بالعباس رضى الله عنه فأجلسه على المنبر ووقف بجنبه يدعو ويقول اللهم أنا نتوسل اليك بعم نبيك ﷺ ودعا بدعاء طويل فما نزل عن المنبر حتى سقوا فدل أن في الاستسقاء الدعاء وهو الاستغفار والاثر الذى نقل أنه صلى فيها ﷺ شاذ فيما تعم به البلوى وما يحتاج الخاص والعام إلى معرفته لا يقبل فيه شاذ وهذا مما تعم به البلوى في ديارهم ثم عند محمد رحمه الله تعالى يخطب الامام بعد الصلاة نحو الخطبة في صلاة العيد وعن أبى يوسف أنه يخطب خطبة واحدة لان المقصود الدعاء فلا يقطعها بالجلسة وقد ورد بكل واحد منهما أثر عن رسول الله ﷺ وكان الزهري يقول يخطب قبل الصلاة وهو قول مالك رضى الله عنه وقد ورد به حديث ولكنه شاذ فإذا مضى صدر من خطبته قلب رداءه وصفته ان كان مربعا جعل أعلاه أسفله وان كان مدورا جعل الجانب الايمن على الجانب الايسر وقد ورد به حديث أن النبي ﷺ فعله ولا تأويل له سوى أن يقال تغير الهيئة ليتغير الهواء ولا بأس بأن يعتمد في خطبته على عصا وان يتنكب قوسا به ورد الاثر وهذا لان خطبته تطول فيستعين بالاعتماد على عصا وإذا قلب الامام رداءه لم يقلب الناس أرديتهم الا على قول مالك رضى الله تعالى عنه. وقد روى أن الناس فعلوا ذلك حين فعله رسول الله صلى عليه وسلم ولم ينكر عليهم وبه أخذ مالك. وتأويله انهم اقتدوا به على ظن انها سنة كما خلعوا نعالهم حين خلع نعليه في الصلاة لم يأمرهم به رسول الله ﷺ وما يكون من سنة الخطبة يأتي به الخطيب دون القوم كالقيام وعن أبى يوسف رضى الله تعالى عنه قال ان شاء رفع يديه في الدعاء وان شاء أشار باصبعه لان رفع اليد عند الدعاء سنة جاء في الحديث أن النبي ﷺ كان يدعو بعرفات باسطا يديه كالمتضرع المسكين وانما يخرجون في الاستسقاء ثلاثة أيام لم ينقل أكثر من ذلك ولا يخرجون المنبر فيها كما بينا في صلاة العيد (قال) ولا يخرج أهل الذمة في الاستسقاء. وقال مالك رضى الله تعالى عنه ان خرجوا لم يمنعوا من ذلك وقد ورد به أثر انهم خرجوا في عهد بعض الخلفاء مع المسلمين فلم يمنعوا من ذلك ولكنا نقول انما يخرج الناس للدعاء وما دعاء الكافرين الا في ضلال ولانهم بالخروج يستنزلون الرحمة وما ينزل على الكفار الا اللعن
[ 78 ] والسخط وقد أمر رسول الله ﷺ بتبعيد المشركين بقوله أنا برئ من كل مسلم مع مشرك لا تترا آى ناراهما فلهذا لا يمكنون من الخروج مع المسلمين (قال) وينصت القوم لخطبة الامام لانه يعظهم فيها وفائدة الوعظ انما تظهر بالانصات وليس فيها أذان ولا اقامة أما عند أبى حنيفة رضي الله تعالى عنه فلا يشكل لانه ليس فيها صلاة بالجماعة انما فيها الدعاء فان شاؤا صلوا فرادى وذلك في معنى الدعاء وعند محمد رحمه الله تعالى فيها صلاة بالجماعة لكنها تطوع كصلاة العيد وليس فيها أذان ولا اقامة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب الصلاة بمكة في الكعبة) * (قال) وإذا صلى الامام بالناس في المسجد الحرام وقف في مقام إبراهيم وتحلق الناسل حول الكعبة يقتدون به فيجزيهم به جرى التوارث من لدن رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا * والاصل فيه قوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام والقوم كلهم قد استقبلوا القبلة وواحد منهم لم يتقدم الامام في مقامه فيجزيهم الا من كان ظهره إلى وجه الامام وكان مستقبلا الجهة التى استقبلها الامام وهو أقرب إلى حائط الكعبة من الامام فهذا متقدم على الامام فلا يصح اقتداؤه به فان وقفت أمرأة بحذاء الامام تقتدي به وقد نوى امامتها فان استقبلت الجهة التي استقبلها الامام فصلاة الامام والقوم فاسدة لوجود المحاذاة في صلاة مشتركة وان استقبلت الجهة الاخرى لم تفسد صلاة الامام وانما تفسد صلاة ثلاثة نفر من عن يمينها ومن عن يسارها ومن خلفها بحذائها لوجود المحاذاة في حقهم فانهم يستقبلون الجهة التى استقبلتها هي وان كانوا يصلون فرادى لم تفسد صلاة أحد بالمحاذاة وقد بينا هذا فيما سبق (قال) وان كانت الكعبة تبنى وقد أظرف في العبارة في هذا اللفظ لانه كره اطلاق لفظ الانهدام على الكعبة وبهذا اللفظ يفهم هذا المقصود فإذا تحلق الناس حول الكعبة وصلوا هكذا جازت صلاتهم عندنا وقال الشافعي رضى الله عنه ان لم يكن في تلك البقعة شئ موضوع لا يجزئهم لان عنده القبلة هي البناء والبقعة جميعا فان الاستقبال انما يتحقق إلى البناء فاما عندنا فالقبلة هي الكعبة سواء كان هناك بناء أولم يكن ألا ترى أن البناء لو نقل إلى موضع آخر لا يكون قبلة وقد رفع البناء في عهد ابن الزبير حين بنى البيت على قواعد
[ 79 ] الخليل صلوات الله عليه وفى عهد الحجاج حين أعاده إلى ما كان عليه في الجاهلية وكان يجوز الصلاة للناس وان لم يكن هناك بناء الا أنه يكره ترك اتخاذ السترة لما فيه من استقبال الصورة وقد نهى رسول الله ﷺ عن ذلك في الصلاة وان ابن عباس رضى الله تعالى عنه في عهد ابن الزبير رحمه الله تعالى أمر بتعليق الانطاع في تلك البقعة وانما أمر بذلك ليكون بمنزلة السترة لهم (قال) فان صلوا في جوف الكعبة فالمذهب عندنا أنه يجوز اداء الصلاة في جوف الكعبة النافلة والمكتوبة فيه سواء وقال مالك رضى الله عنه لا يجوز اداء المكتوبة في جوف الكعبة لانه ان كان مستقبلا جهة فهو مستدبر جهة أخرى والصلاة مع استدبار القبلة لا تجوز فيؤخذ بالاحتياط في المكتوبة وفى التطوع الامر أوسع وقاس الصلاة بالطواف فان من طاف في جوف الكعبة لا يجزئه طوافه (ولنا) أن الواجب عليه استقبال جزء من الكعبة وقد استقبلها بيقين والفرض والنفل في وجوب استقبال القبلة سواء فإذا جاز اداء النفل في الكعبة بهذا الطريق فكذلك الفرض وليس الصلاة كالطواف فان الطواف بالبيت لافيه ألا ترى أن الطواف خارج المسجد لا يجوز بخلاف الصلاة وقد أختلف الرواة أن النبي ﷺ هل صلى في الكعبة حين دخلها فروى أسامة بن زيد رضى الله تعالى عنه أنه لم يصل فيها وروى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه صلى فيها ركعتين بين الساريتين المقدمتين ومنه إلى الحائط قدر ثلاثة أذرع فان كان الامام في جوف الكعبة والناس قد تحلقوا حولها كما ذكرنا أجزأهم وان كانوا معه في جوف الكعبة فصلاة الامام ومن وجهه إلى ظهر الامام أو إلى يمين الامام أو إلى يساره تجوز. وكذلك من كان وجهه إلى وجه الامام الا أنه يكره استقبال الصورة وانما لا تجوز صلاة من ظهره إلى وجه الامام وصلاة من كان مستقبلا الجهة التى استقبلها الامام وهو أقرب إلى الحائط من الامام لانه متقدم عليه وهذا بخلاف ما إذا تحروا في ظلمة الليل واقتدوا بالامام فانه لا تجوز صلاة من علم انه مخالف للامام في الجهة هناك لان عنده ان امامه غير مستقبل القبلة فلا يصح اقتداؤه به وهاهنا كل جانب قبلة بيقين فهو لا يعتقد الخطأ في صلاة امامه فجاز اقتداؤه به ومن صلى على سطح الكعبة جازت صلاته عندنا وان لم يكن بين يديه سترة وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يجوز الا أن يكون بين يديه سترة بناء على أصله ان البناء معتبر في جواز التوجه إليه للصلاة وعندنا القبلة هي الكعبة فسواء كان بين يديه سترة أو لم يكن فهو مستقبل القبلة
[ 80 ] وبالاتفاق من صلى على أبى قبيس جازت صلاته وليس بين يديه شئ من بناء الكعبة فدل أنه لا معتبر للبناء وبعض أئمة بلخ قالوا بالاتفاق لو صلى على سطح الكعبة ووضع بين يديه إكافا تجوز صلاته ومن المحال أن يتعلق جواز الصلاة باستقبال الاكاف فدل أنه لا معتبر بالبناء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (كتاب السجدات) * (بسم الله الرحمن الرحيم) (قال) الشيخ الامام رحمه الله تعالى مسائل هذا الكتاب مبنية على أصول قد بيناها في كتاب الصلاة. منها ان زيادة ما دون الركعة قبل اكمال الفريضة لا يكون مفسدا للصلاة بخلاف زيادة الركعة الكاملة وانما تتقيد الركعة بالسجدة وفى رواية عن محمد زيادة السجدة الواحدة قبل اكمال الفريضة يفسدها. ومنها ان الترتيب في أفعال صلاة واحدة فيما شرع متكررا لا يكون ركنا وتركها لا يفسد الصلاة عمدا كان أو سهوا. ومنها ان المتروكة إذا قضيت التحقت بمحلها وصارت كالمؤداة في موضعها. ومنها سلام السهو لا يفسد الصلاة وان سجود السهو يجب بتأخير ركن عن محله ويؤدى بعد السلام عندنا. ومنها ان ما تردد بين الواجب والبدعة فعليه أن يأتي به احتياطا لانه لا وجه لترك الواجب وما تردد بين البدعة والسنة يتركه لان ترك البدعة لازم وأداء السنة غير لازم. ومنها ان القعدة الاولى في ذوات الاربع أو الثلاث من المكتوبات سنة وقعدة الختم فريضة. ومنها ان الصلاة إذا فسدت من وجه يجب اعادتها وان كانت تصح من وجوه أخذا بالاحتياط في باب العبادات. ومنها انك تنظر في تخريج هذه المسائل إلى المتروكات من السجدات والى المأتى بها فعلى الاقل منها تخريج المسائل وأدلة هذه الاصول قد بيناها في كتاب الصلاة إذا عرفنا هذا فنقول * قال محمد رحمه الله تعالى رجل صلى الغداة وترك منها سجدة قال يسجد تلك السجدة ويستوى ان ذكرها قبل السلام أو بعده لانه تبين انه سلم وعليه ركن فلم يخرج به من الصلاة فيسجدها فان كانت متروكة من الركعة الاولى التحقت بمحلها وان كانت من الركعة الثانية فهى مؤداة في محلها لان القعدة تنتقض بالعود إليها ثم يأتي بعدها بقعدة الختم ويسلم ويسجد للسهو إما لتأخير ركن عن محله أو لزيادة قعدة أو للسلام ساهيا. ولو ترك سجدتين سجد سجدتين
[ 81 ] ويصلى ركعة لانه ان كان تركهما من ركعتين فعليه سجدتان لان كل ركعة تقيدت بسجدة واحدة وان كان تركهما من الركعة الاخيرة فعليه سجدتان أيضا لانه ركع ثم قعد قبل ان يسجد وان كان تركهما من الركعة الاولى فعليه قضاء تلك الركعة لانه في الحقيقة ركع ركوعين ثم سجد سجدتين فكان مصليا ركعة والمعتبر هو الركوع الاول ان كان بعد القراءة في أصح الروايتين كما بينا في كتاب الصلاة وإذا لم يتذكر انه كيف تركهما أخذ بالاحتياط فسجد سجدتين وصلى ركعة الا انه يبدأ بالسجدتين لانه لو بدأ بالركعة وكان الواجب عليه سجدتان فسدت صلاته لاشتغاله بالنفل قبل اكمال الفريضة وان بدأ بالسجدتين فان كان الواجب عليه قضاء ركعة لم تفسد صلاته لان زيادة السجدة والسجدتين قبل اكمال الفريضة لا يفسد الفريضة فلهذا بدأ بالسجدتين وانما تبين في هذه المسائل وجه الفساد لان الصلاة إذا فسدت من وجه واحد يكفي ذلك لوجوب الاعادة فان سجد سجدتين قعد بعدهما لا محالة لانه ان كان الواجب عليه سجدتين فقد تمت صلاته وقعدة الختم فريضة وان كان الواجب عليه ركعة كانت هذه القعدة بدعة وما تردد بين البدعة والفريضة يجب اداؤه ثم يقوم فيصلى ركعة لجواز أن يكون الواجب عليه قضاء ركعة ثم يتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو * فان قيل فلماذا لا تأمره بركعة أخرى حتى لا يكون متنفلا بركعة واحدة ان كان الواجب عليه سجدتين * قلنا هذا تردد بين التطوع والبدعة وقد بينا انه لا يؤتى بمثله ولو فعله كان متطوعا بعد الفجر قبل طلوع الشمس وذلك منهى عنه وكما يتوهم أن يكون متنفلا بركعة إذا سلم عليها يتوهم ذلك إذا أضاف إليها ركعة أخرى لجواز أن الواجب عليه قضاء ركعة فلا معنى للاشتغال بهذا. وان ترك ثلاث سجدات فنقول هذا في الحقيقة ما سجد الا سجدة واحدة وبالسجدة الواحدة لا يتقيد الا ركعة واحدة فعليه أن يسجد سجدة واحدة ليتم بها ركعة ثم لا يقعد لانه تيقن انه لم يتم صلاته ولكن يصلى ركعة ثم يقعد ويسلم ويسجد للسهو الا أنه ينبغى أن ينوى بالسجدة قضاء المتروكة لجواز أن يكون انما أتى بسجدة بعد الركوع الاول وإذا لم ينو بهذه السجدة القضاء تتقيد بها الركعة الثانية فإذا قام بعدها وصلى ركعة كان متنفلا بها قبل إكمال الفريضة فتفسد صلاته فإذا نوى بها القضاء التحقت بمحلها وانتقض الركوع المؤدى بعدها لان ما دون الركعة يحتمل النقض فلهذا ينوى بها القضاء فان تذكر أنه ترك منها أربع سجدات فهذا ركع ركوعين ولم يسجد شيئا فعليه أن يسجد سجدتين
[ 82 ] ليتم ركعة ثم لا يقعد ولكن يصلى ركعة ثم يقعد ويسلم ويسجد للسهو (قال) رجل صلى الظهر أربع ركعات وترك منها سجدة قال يسجد تلك السجدة وعليه سجدتا السهو لما بينا فان تذكر أنه ترك منها سجدتين يسجد سجدتين ثم يصلى ركعة لانه ان كان تركهما من ركعتين أو من الركعة الاخيرة فعليه سجدتان وان كان تركها من ركعة قبل الركعة الاخيرة فعليه قضاء ركعة فإذا لم يعلم كيف تركهما أخذ بالاحتياط فسجد سجدتين ثم قعد بعدهما لجواز أن يكون قد تمت صلاته ثم قام فصلى ركعة. وان تذكر أنه ترك ثلاث سجدات يسجد ثلاث سجدات ثم يصلى ركعة لانه ان كان تركها من ثلاث ركعات أو سجدتين من الركعة الاخيرة فعليه ثلاث سجدات. وان ترك سجدتين من ركعة قبل الركعة الاخيرة فعليه ركعة وسجدة فيبدأ بالسجود احتياطا فيسجد ثلاث سجدات ثم يقعد لجواز أن صلاته قد تمت ثم يقوم فيصلى ركعة. وان كان ترك منها أربع سجدات يسجد أربع سجدات ثم يصلى ركعتين يقعد بينهما وبعدهما لانه من وجه عليه أربع سجدات فقط وهو أن يكون تركها من أربع ركعات أو ترك سجدتين من الركعة الاخيرة وسجدتين من الركعتين قبلها ومن وجه عليه سجدتان وركعة وهو أن يكون ترك سجدتين من ركعة قبل الركعة الاخيرة وسجدتين من ركعتين ومن وجه عليه قضاء ركعتين وهو أن يكون تركها من ركعتين قبل الركعة الاخيرة فيأخذ بالاحتياط ويبدأ فيسجد أربع سجدات ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الاول ثم يصلى ركعة ويقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الثاني ثم يصلي ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثالث ثم يقعد ويسلم ويسجد للسهو (قال) فان ترك خمس سجدات فنقول المأتى به من السجدات ههنا أقل فنبني التخريج عليها فنقول انما أتى بثلاث سجدات فان كان أتى بها في ثلاث ركعات فعليه قضاء ثلاث سجدات وركعة وان كان أتى بسجدتين في ركعة وسجدة في ركعة فعليه قضاء سجدة وركعتين فيأخذ بالاحتياط فيسجد ثلاث سجدات ثم لا يقعد لان هذه القعدة تتردد بين السنة والبدعة فانه ان تم له ركعتان فالقعدة له سنة وان تم له ثلاث ركعات فالقعدة بدعة فلا يقعد لكن يصلى ركعة ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الاول ثم يصلى ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني. وان ترك منها ست سجدات فانما أتى بسجدتين فان كان أتى بهما في ركعتين فعليه سجدتان وركعتان وان أتى بهما في ركعة فعليه ثلاث ركعات فيحتاط فيسجد سجدتين ثم لا يقعد
[ 83 ] لكنه يقوم فيصلى ركعتين ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الاول ثم يصلى ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني ثم يتشهد ويسلم (قال) فان ترك منها سبع سجدات فهذا ما أتي الا بسجدة واحدة وبالسجدة لواحدة لا يتقيد الا ركعة فيسجد سجدة أخرى ثم يقوم فيصلى ركعة ثم يقعد وهذه القعدة سنة لانها القعدة الاولى من ذوات الاربع ثم يصلى ركعتين ويسجد للسهو. فان ترك منها ثمان سجدات فهذا ركع أربع ركوعات ولم يسجد شيئا فيسجد سجدتين فيتم بها ركعة ثم يصلى ثلاث ركعات وكذلك الجواب في العصر والعشاء (قال) رجل صلى المغرب ثلاث ركعات وترك منها سجدة قال يسجد تلك السجدة ويتشهد ويسلم ويسجد للسهو كما بينا فان ترك سجدتين يسجد سجدتين ثم يصلي ركعة لانه ان تركهما من ركعتين أو من الركعة الاخيرة فعليه سجدتان وان تركهما من ركعة قبل الركعة الاخيرة فعليه ركعة فيسجد أولا سجدتين احتياطا ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الاول ثم يقوم فيصلى ركعة لاحتمال الوجه الثاني ثم يسجد للسهو بعد السلام فان ترك منها ثلاث سجدات فعليه ان يسجد ثلاث سجدات ثم يصلي ركعة لانه ان تركها من ثلاث ركعات أو سجدتين من الركعة الاخيرة فعليه ثلاث سجدات وان ترك سجدتين من ركعة قبل الركعة الاخيرة وسجدة من ركعة فعليه قضاء ركعة وسجدة فيحتاط فيسجد أولا ثلاث سجدات ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الاول ثم يصلي ركعة لاحتمال الوجه الثاني (قال) فان ترك منها اربع سجدات فهذا انما أتى بسجدتين فان كان أتى بهما في ركعتين فعليه سجدتان وركعة وان كان أتى بهما في ركعة فعليه قضاء ركعتين فيبدأ فيسجد سجدتين أولا ثم لا يقعد ولكنه يصلي ركعة ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الاول ثم يصلي ركعة لاحتمال الوجه الثاني (قال) فان ترك منها خمس سجدات فانما سجد سجدة واحدة وبالسجدة الواحدة لا يتقيد الا ركعة فيسجد سجدة ليتم بها ركعة ثم يصلى ركعتين يقعد بينهما وهذه القعدة سنة ويقعد بعدهما وهى قعدة الختم فان ترك منها ست سجدات فهذا ركع ثلاث ركوعات ولم يسجد شيئا فيسجد سجدتين ثم يقوم فيصلى ركعتين (قال) رجل صلى الغداة ثلاث ركعات ولم يقعد في الثانية فصلاته فاسدة لانه أدى ركعة كاملة قبل إكمال الفريضة فان القعدة من أركان الصلاة وهو لم يقعد في الثانية فان تذكر أنه ترك منها سجدة لم يرتفع الفساد لانه لا يخرج بهذا من أن يكون
[ 84 ] مصليا ثلاث ركعات فالركعة تتقيد بسجدة واحدة وكذلك ان ترك منها سجدتين أو ثلاث سجدات لا يرتفع الفساد لجواز أن يكون انما ترك من كل ركعة سجدة فيكون مصليا الركعة الثالثة قبل اكمال الفريضة وهذا هو الاصل في هذا الجنس من المسائل أن المتروكات من السجدات متى كانت أقل من المأتى بها أو مثل المأتى بها لا يرتفع الفساد وان كان المأتى بها أقل فالآن يرتفع الفساد حتى إذا تذكر أنه ترك منها أربع سجدات فهذا انما أتى بسجدتين ولا يتقيد بسجدتين الا ركعتان فقد تيقنا أنه غير مصلى الركعة الثالثة فلهذا يرتفع الفساد ثم يسجد سجدتين ويصلى ركعة لان من وجه عليه سجدتان وهو أن يكون أتى بهما في ركعتين ومن وجه عليه ركعة فيسجد سجدتين ثم يقعد لان صلاته قد تمت من وجه ثم يقوم فيصلى ركعة (قال) وان كان ترك خمس سجدات فهذا ما سجد الا سجدة واحدة فيسجد سجدة أخرى ثم يصلى ركعة ثم يسجد للسهو وهذا كله إذا كان قد صلى الركعة الثالثة وان كان قد تذكر في ركوعه في الركعة الثالثة أو حين رفع رأسه منها قبل أن يسجد لم تفسد صلاته لانه انما زاد ما دون الركعة وبزيادة ما دون الركعة قبل اكمال الفريضة لا تفسد صلاته (قال) رجل صلى الظهر خمس ركعات وترك منها سجدة فصلاته فسادة لانه زاد ركعة كاملة قبل اكمال الفريضة وكذلك لو ترك منها سجدتين أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا لم يرتفع الفساد لجواز أن يكون ترك خمس سجدات من خمس ركعات * فان قيل إذا تذكر أنه ترك منها سجدتين لماذا لا يجعل هاتان السجدتان مما هو خطأ وهو الركعة الاخيرة حتى يرتفع الفساد * قلنا وان جعلناه كذلك لا يرتفع به الفساد لاحتمال أنه تركهما من ركعتين والصلاة متى فسدت من وجه واحد يكفي ذلك لوجوب الاعادة احتياطا فان تذكر أنه ترك منها ست سجدات فقد ارتفع الفساد لانه ما أتى الا بأربع سجدات فيتيقن بأنه لم يصل أكثر من أربع ركعات ثم وجه الاتمام أن يقول من وجه عليه قضاء أربع سجدات وهو أن يكون سجد سجدة في كل ركعة ومن وجه عليه قضاء ركعة وهو أن يكون سجد سجدتين في ركعتين وسجدتين في ركعة ومن وجه عليه قضاء ركعتين وهو أن يكون سجد أربعا في ركعتين فيحتاط فيسجد أولا أربع سجدات ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الاول ثم يصلى ركعة ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الثاني ثم يصلى ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثالث. فان ترك منها سبع
[ 85 ] سجدات فانما أتى بثلاث سجدات فان كان أتي بها في ثلاث ركعات فعليه ثلاث سجدات وركعة وان كان أتى بسجدتين في ركعة وسجدة في ركعة فعليه سجدة وركعتان فيحتاط فيسجد ثلاث سجدات ثم يصلى ركعة ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الاول ثم يصلى ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني فان ترك منها ثمان سجدات فانما أتى بسجدتين فان كان أتى بهما في ركعتين فعليه سجدتان وركعتان وان كان أتى بهما في ركعة فعليه ثلاث ركعات فيسجد أولا سجدتين ثم يصلى ركعتين ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الاول ثم يصلى ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني فان ترك منها تسع سجدات فانما أتى بسجدة واحدة فيسجد سجدة ليتم ركعة ثم يصلى ركعة ثم يقعد وهذه القعدة سنة ثم يصلى ركعتين ويقعد لختم صلاته. فان ترك منها عشر سجدات فهذا قد ركع خمس ركوعات ولم يسجد شيئا فيسجد سجدتين ثم يصلى ثلاث ركعات ويسجد للسهو وكذلك الجواب في العصر والعشاء. فان صلي المغرب أربع ركعات فصلاته فاسدة لانه لم يقعد في الركعة الثالثة حتى صلى بعدها ركعة كاملة فان تذكرانه ترك منها سجدة أو سجدتين أو ثلاثا أو أربعا لم يرتفع الفساد لجواز أنه ترك من كل ركعة سجدة فلا يخرج من أن يكون مصليا أربع ركعات فان تذكر أنه ترك منها خمس سجدات فقد ارتفع الفساد بيقين لانه ما سجد الا ثلاث سجدات فلا يتقيد بها الا ثلاث ركعات فيتيقن أنه غير مصلى أربع ركعات ثم ان كان أتى بثلاث سجدات في ثلاث ركعات فعليه ثلاث سجدات وان كان أتى بسجدتين في ركعة وسجدة في ركعة فعليه سجدة وركعة فيحتاط أولا فيسجد أولا ثلاث سجدات ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الاول ثم يصلى ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني وان تذكر أنه ترك منها ست سجدات فهو ما أتى الا بسجدتين فان كان أتي بهما في ركعتين فعليه سجدتان وركعة وان أتى بهما في ركعة فعليه ركعتان فيحتاط فيسجد سجدتين ثم لا يقعد ولكنه يصلى ركعة ثم يقعد لان صلاته قد تمت باعتبار الوجه الاول ثم يصلى ركعة أخرى لاحتمال الوجه الثاني فان تذكر انه ترك منها سبع سجدات فهذا ما سجد الا سجدة واحدة فيسجد سجدة ليتم ركعة ثم يصلى ركعتين يقعد بينهما وهذه القعدة سنة وبعدهما وهى قعدة الختم وان تذكر انه ترك ثمان سجدات فهذا ركع أربع ركوعات ولم يسجد شيئا فيسجد سجدتين ليتم ركعة ثم يصلى ركعتين يقعد بينهما
[ 86 ] وهذه العقدة سنة وبعدهما وهي قعدة الختم (قال) رجل أفتتح الصلاة خلف الامام ثم نام حتى صلى الامام أربع ركعات وترك من كل ركعة سجدة وانتبه النائم فأحدث الامام وقدمه قال لا ينبغي له أن يتقدم لان المقصود من الاستخلاف اتمام صلاة الامام وغيره أقدر على هذا الاتمام منه فانه لا حق حين أدرك أول الصلاة فعليه أن يبدأ بالاول فالاول فلهذا لا ينبغي له أن يتقدم فان تقدم جاز لان صحة الاستخلاف تعتمد المشاركة بينه وبين الامام في الصلاة وهذا شريكه فيها فيبدأ فيصلى الاولى ويسجد القوم معه لان عليهم قضاء هذه السجدة من هذه الركعة مع الامام ثم يقوم فيصلى ركعة بسجدة من غير أن يصلى القوم معه لانهم قد أدوا هذه الركعة ثم يسجد تلك السجدة التى تركها الامام من الركعة الثانية ويسجد القوم معه لان عليهم قضاء هذه السجدة من هذه الركعة مع الامام ثم يقوم فيصلى الركعة الثالثة بسجدة من غير أن يصلى القوم معه لانهم قد أدوا هذه الركعة ثم يسجد السجدة الثانية من هذه الركعة ويسجد القوم معه لان عليهم قضاء هذه السجدة من الركعة الثالثة مع الامام ثم يقوم فيصلى الركعة الرابعة بسجدة من غير أن يصلي القوم معه لانهم قد أدوا هذه الركعة ثم يسجد السجدة الثانية ويسجد القوم معه لان عليهم قضاء هذه السجدة من هذه الركعة مع الامام ثم يتشهد ويسلم ويسجد للسهو ويسجد القوم معه لانه خليفة الامام الاول وقد كان على الاول سجود السهو فعليه ان يأتي به يقول في الكتاب انه تفسد عليه صلاته قال ولماذا تفسد قلت لان الامام يصير مرة للقوم اماما ومرة غير امام وهذا قبيح ولو كان هذا في ركعة استحسنت أن أجيزه فقد أشار إلى ان في هذه الواقعة تفسد الصلاة في القياس لانه فيما يشتغل به من الاتمام ليس بامام للقوم لانهم قد فرغوا منها فلم يبق لهم امام في المسجد فتفسد صلاتهم وصلاة الامام الاول وصلاة الامام الثاني لانه لاحق واللاحق في حكم المقتدى الا أنى أستحسن في ركعة واحدة لانه لا يتكرر خروجه من حكم الامامة وحرمة الصلاة حرمه واحدة فللقوم ان ينتظروه حتى يصلي الركعة التى بقيت عليه ثم يسجد بهم السجدة المتروكة فاما إذا كان ذلك في أربع ركعات فصلاته وصلاتهم فاسدة لانه يقبح أن يتكرر خروجه من الامامة في كل ركعة حين يشتغل باتمام ما عليه خاصة ثم عوده إلى الامامة حين انتهى إلى السجدة التى تركها الامام من تلك الركعة فلهذا تفسد صلاتهم وعليه ان يستقبل الصلاة بهم والله أعلم
[ 87 ]
- (باب نوادر الصلاة) * (بسم الله الرحمن الرحيم) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسي رحمه الله تعالى بنى مسائل أول الكتاب على ما بينا في كتاب الصلاة ان مراعاة الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت واجب الا في حالة النسيان أو ضيق الوقت أو كثرة الفوائت (وقال) لو أن رجلا نسى الظهر فصلى من العصر ركعة في أول وقتها ثم ذكر فانه يقطع العصر ثم يصلى الظهر ثم يصلى العصر لانه لو كان ذاكرا للظهر عند الشروع لم يصح شروعه في العصر في أول وقتها فإذا ذكرها قبل الفراغ من العصر لا يمكنه إتمام العصر أيضا كالمتيمم إذا أبصر الماء قبل الفراغ من الصلاة وفى قوله يقطع العصر إشارة إلى أنه بمجرد تذكر الظهر لا يصير خارجا من العصر على الاطلاق وهذا لاختلاف العلماء واشتباه الآثار فيه والسبيل في العبادات الاخذ بالاحتياط وتمام الاحتياط في أن يقطع العصر قال فان مضى في العصر لم يجزه لانعدام شرط الجواز فان مراعاة الترتيب بعد التذكر شرط لجواز العصر ثم يجزيه عن التطوع في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وهو أظهر الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى رواه الحسن وفى قول محمد رحمه الله تعالى لا يجزئه عن التطوع وهو رواية عن أبى حنيفة أيضا وهو قول زفر رحمه الله تعالى بناء على مابينا في كتاب الصلاة ان عند محمد رحمه الله تعالى للصلاة جهة واحدة فإذا فسدت صار خارجا من الصلاة وعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى بفساد الجهة لا يفسد أصل الصلاة إذا لم يكن ما اعترض منافيا لاصل الصلاة وتذكر الظهر لا ينافى أصل الصلاة وانما يمنع اداء العصر فيفسد العصر ويبقى أصل الصلاة بمنزلة المكفر بالصوم إذا أيسر في بعض اليوم وعلى هذا لو افتتح العصر الاول وقتها وهو ذاكر للظهر لم يجزه عن العصر وعند محمد رحمه الله تعالى لا يصير شارعا في الصلاة حتى لو ضحك قهقهة لا يلزمه الوضوء وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى وهو رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى يصير شارعا في الصلاة وفرق بين أول الوقت وبين آخر الوقت فقال عند ضيق الوقت عليه أن يبدأ
[ 88 ] بفرض الوقت ولو بدأ بالفائتة أجزأه إذا كان الوقت قابلا للفائتة وعند سعة الوقت عليه أن يبدأ بالفائتة ولو بدأ بفرض الوقت لم يجزه لان عند ضيق الوقت النهى عن البداءة بالفائتة لم يكن لمعنى فيها بل لما فيه من تفويت فرض الوقت ألا ترى أنه كما ينهى عن البداءة بالفائتة ينهي عن الاشتغال بالتطول والنهى متى كان لمعنى في غير المنهي عنه لا يكون مفسدا كالنهي عن الصلاة في الارض المغصوبة وعند سعة الوقت النهى عن البداءة بفرض الوقت لمعنى فيها بدليل انه لا ينهى عن الاشتغال بالتطوع في هذه الحالة والنهى متى كان لمعنى في المنهى عنه كان مفسدا له فان افتتح العصر في آخر وقتها وهو ناس للظهر فصلى منها ركعة ثم احمرت الشمس ثم تذكر أن الظهر عليه فانه يمضى في صلاته لان تذكر الظهر في هذا الوقت لايمنع افتتاح العصر فلا يمنع المضى فيها بطريق الاولى وهذا لانه لو قطعها واشتغل بالظهر لم يجز له أداء الظهر ففيه تفويت الصلاتين عن الوقت فكان تذكر الظهر وجودا وعدما بمنزلة (قال) وهي تامة يعنى من حيث الجواز لا من حيث الاستحباب فان أداء العصر في هذا الوقت مكروه على ما قال ابن مسعود رضى الله تعالي عنه ما أحب أن يكون لى صلاة حين تحمر الشمس بفلسين وان كان قد افتتح العصر لاول وقتها وهو ذاكر للظهر فصلى منها ركعة ثم احمرت الشمس فانه يقطع الصلاة لانه ما صح شروعه في العصر في أول وقتها مع ذكره للظهر والبناء على الفاسد غير ممكن فعليه أن يقطع صلاته ثم يستقتبل العصر وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لان عندهما صار شارعا في التطوع ولكن أداء التطوع بعد ما احمرت الشمس منهى عنه وأداء عصر اليوم مأمور به في هذا الوقت فعليه أن يقطع المنهى عنه ويشتغل بالمأمور به وعلى قول محمد رحمه الله تعالى هو غير شارع في الصلاة أصلا فعليه أن يستقبل العصر وان افتتح العصر والشمس حمراء وهو ذاكر للظهر فانه يجزئه لان هذه ساعة لا يجوز فيها أداء الظهر ولاغيرها من الصلاة سوى عصر اليوم فعليه أن يشتغل بما يكون الوقت قابلا له ولان في تأخير العصر عن هذا الوقت تفويتها لان تأخير العبادة المؤقتة عن وقتها يكون تفويتا لادائها وذلك لا يجوز ولو اشتغل بالفائتة كان متداركا لما فوت بتفويت مثله وذلك لا يليق بالحكمة فان غربت الشمس وهو في العصر فانه يتمها وطعن عيسى في هذا وقال الصحيح أنه يقطعها بعد غروب الشمس ثم يبدأ بالظهر ثم
[ 89 ] بالعصر لان ما بعد غروب الشمس الوقت قابل للظهر والمعنى المسقط لمراعاة الترتيب ضيق الوقت وقد انعدم لغروب الشمس لان الوقت قد اتسع فهو بمزلته مالو افتتح العصر في أول الوقت وهو ناس للظهر ثم تذكر وقد بينا هناك انه يلزمه مراعاة الترتيب فكذلك في هذا الموضع وهذا لان ما يعرض في خلال الصلاة يجعل كالموجود عند افتتاحها كالمتيمم إذا وجد الماء أو العارى إذا وجد الثوب وما ذكره عيسي رحمه الله تعالى فهو القياس ولكن محمدا رحمه الله تعالى استحسن فقال لو قطع صلاته بعد غروب الشمس كان مؤديا جميع العصر في غير وقتها ولو أتمها كان مؤديا بعض العصر في وقتها وكما سقط مراعاة الترتيب لحاجته إلى أداء جميع العصر في وقتها يسقط مراعاة الترتيب لحاجته إلى أداء بعض العصر في وقتها يوضحه أنه بالابتداء كان مأمورا بالشروع في العصر وإن كان يعلم يقينا ان الشمس تغرب قبل فراغه منها ولو كان هذا المعنى مانعا له من اتمام العصر لكان تيقنه به عند الشروع مانعا له من افتتاح العصر وأحد لا يقول انه لا يفتتح العصر عند ضيق الوقت وان كان يعلم ان الشمس تغرب قبل الفراغ منها يوضحه ان عند ضيق الوقت قد سقط عنه مراعاة الترتيب في هذه الصلاة وبعد ما سقط الترتيب في صلاة لا يعود في تلك الصلاة بخلاف حالة النسيان فهناك الترتيب غير ساقط عنه ولكنه يعذر بالجهل فإذا زال العذر قبل الفراغ من الصلاة بقى عليه مراعاة الترتيب كما كان (قال) فان كان افتتح العصر بعد ما غربت الشمس وهو ذاكر للظهر فانه يقطعها ويصلى الظهر ثم العصر ثم المغرب لان الوقت واسع وقد صارت العصر فائتة كالظهر فعليه مراعاة الترتيب بينهما وبين فرض الوقت وان كان ناسيا للظهر حين افتتح العصر بعد غروب الشمس فلما صلى منها ركعة ذكر ان الظهر عليه فانه يفسد عصره ويصلى الظهر لان التذكر في هذا الوقت يمنعه من افتتاح العصر فيمنعه من اتمامها أيضا وهذا لان الترتيب غير ساقط عنه ولكنه يعذر للنسيان فإذا زال العذر في خلال الصلاة صار كأن لم يكن. وان افتتح العصر في أول وقتها وهو ناس للظهر فلما صلى منها ركعة احمرت الشمس ثم ذكر ان الظهر عليه فانه يمضى فيها لان شروعه في العصر قد صح في الابتداء لكونه ناسيا للظهر وانما تذكر بعد ما أحمرت الشمس ومراعاة الترتيب ساقط عنه في هذه الحالة فكان تذكره وجودا وعدما بمنزلة يوضحه انه لو قطع صلاته حين تذكر لكان يستقبل العصر ولا فائدة في ان يقطع عصرا صح شروعه فيه ثم يستقبلها
[ 90 ] بخلاف ما إذا كان ذاكرا للظهر حين افتتحها لان هناك ما صح شروعه في العصر فهو انما يقطع التطوع ليشتغل بأداء العصر في وقتها وذلك مفيد. ثم الحاصل أنه ان أمكنه أداء الظهر والعصر قبل تغير الشمس فعليه مراعاة الترتيب وان كان لا يمكنه أداء الصلاتين قبل غروب الشمس فعليه أداء العصر وان كان يمكنه أداء الظهر قبل تغير الشمس ويقع العصر كله أو بعضه بعد تغير الشمس فعليه مراعاة الترتيب الا على قول الحسن بن زياد رحمه الله تعالى فان عنده ما بعد تغير الشمس ليس بوقت للعصر وقد بينا هذا في كتاب الصلاة وبينا الاختلاف في أن المعتبر تغير الضوء أم تغير القرص ويحكى عن أبى جعفر الهنداونى رحمه الله تعالى انه كان يقول في هذا الفصل على قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يلزمه مراعاة الترتيب وعند محمد رحمه الله تعالى لا يلزمه لان ما بعد تغير الشمس وان كان وقتا للعصر ولكن تأخير العصر إليه مكروه وعلى أصل محمد رحمه الله تعالى معنى الكراهة يسقط مراعاة الترتيب كما أن معنى تفويت الوقت يسقط ذلك بيانه في مصلى الجمعة إذا تذكر الفجر وكان بحيث لو اشتغل بالفجر تفوته الجمعة ولا يفوته الوقت عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يلزمه مراعاة الترتيب وعند محمد رحمه الله تعالى لا يلزمه ولكن يتم الجمعة لان ترك الجمعة للصحيح المقيم في المصر مكروه فينزل ذلك منزلة خوف فوات الوقت في سقوط مراعاة الترتيب فهذا مثله (قال) رضى الله عنه وأكثر مشايخنا على أنه يلزمه مراعاة الترتيب ههنا عند علمائنا الثلاثة والفرق لمحمد رحمه الله أن الجمعة أقوى من الفجر فانها أدعى للشرائط ولهذا لو صلى الظهر ثم أدرك الجمعة كان فرضه الجمعة فالاضعف لا يكون مفسدا للاقوى وخوف فوات الاقوي يمنعه من الاشتغال بالادنى وههنا الظهر والعصر يستويان في القوة فلا يسقط عنه مراعاة الترتيب الا بخوف فوات الوقت (رجل) توضأ بالنبيذ وصلى ثم أصاب الماء في الوقت فصلاته تامة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان من أصله أن نبيذ التمر طهور في حال عدم الماء وهو بدل عن الماء فإذا قدر على الاصل بعد حصول المقصود بالبدل فلا يلزمه الاعادة كالمتيمم إذا وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة والمكفر بالصوم إذا أيسر بعد الفراغ من التكفير بالصوم * فان قيل الوقت باق فينبغي أن يجعل وجود الماء في آخر الوقت كوجوده في أول الوقت * قلنا وجوب استعمال الماء عليه لاجل الصلاة لا لاجل الوقت وما وجد الماء الا بعد الفراغ من الصلاة وكذا المكفر بالصوم
[ 91 ] إذا أيسر بعد الفراغ من التكفير بالصوم فلا يعتبر وجوده في هذه الصلاة وانما يعتبر في صلاة أخرى فعليه أن يتوضأ لصلاة أخرى * رجل فاتته ركعة من الظهر مع الامام فلما رفع الامام رأسه من السجدة الاخيرة قام الرجل ولم يقعد معه فان كان قرأ بعد ما قعد الامام قدر التشهد مقدار ما يتأدى به فرض القراءة جازت صلاته والا لم تجزه لان قيامه وقراءته غير معتد به ما لم يقعد الامام قدر التشهد لمعنيين أحدهما أنه مقتد ما لم يفرغ الامام من التشهد لانه كان شريك الامام مقتديا به فلا يجوز أن يخرج من الاقتداء الا في وقت لو خرج الامام فيه من الصلاة جازت صلاته وما لم يقعد الامام مقدار التشهد لو خرج من الصلاة لم تجزئه صلاته فكذلك لا يخرج هو من الاقتداء ولا يعتد بقراءة المقتدى ولان العود إلى القعود مع الامام مستحق عليه ما لم يفرغ من التشهد فيجعل هو في الحكم كالقاعد وان كان قائما في الصورة فإذا ركع قبل فراغ الامام من التشهد فكأنه ترك القيام والقراءة في هذه الركعة فلا تجزئه صلاته وان قرأ بعد ما قعد الامام قدر التشهد مقدار ما يتأدى به فرض القراءة جازت صلاته بمنزلة مالو قام في هذه الحالة * فان قيل القعدة الاخيرة ركن وقد تركها فينبغي أن تفسد صلاته * قلنا هذه القعدة في حقه ليست هي القعدة الاخيرة وانما تلزمه لمتابعة الامام فان القعدة الاخيرة ما يكون ختم الصلاة بها وذلك بعد فراغه من القضاء وقد أتى بها. وان كان أدرك مع الامام ركعة من الظهر والمسألة بحالها قال ان كان قرأ بعد فراغ الامام من التشهد شيئا قليلا أو كثيرا أجزأته صلاته ان قرأ في الثالثة والرابعة وان كان لم يقرأ بعد قعود الامام مقدار التشهد شيئا استقبل الصلاة ولم يرد حقيقة القراءة وانما أراد القيام فكنى بالقراءة عنه لان القيام محل القراءة * والحاصل انه ان بقى قائما بعد فراغ الامام من التشهد جازت صلاته لان القيام ركن في كل ركعة وفرض القراءة ركن في ركعتين وفرض القيام يتأدى بأدنى ما يتناوله الاسم وقد بينا أنه لا يعتبر قيامه ما لم يفرغ الامام من التشهد فإذا بقى قائما بعد فراغ الامام فقد وجد فرض القيام في هذه الركعة وقد قرأ في الركعتين بعدها فتتم صلاته وان كان ركع قبل أن يقعد الامام قدر التشهد لم تجزئه صلاته لانعدام القيام المعتد به في هذه الركعة * وان افتتح الصلاة قاعدا مع الامام من غير عذر وصلى معه حتى فرغ الامام لم تجز صلاته لان القيام ركن وأما قوله تعالى الذين يذكرون لله قياما وقعودا الآية فالمراد بيان أحوال المصلى بحسب الامكان * قال الله تعالى وقوموا لله قانتين وكذلك
[ 92 ] ان افتتحها قائما ثم قعد من غير عذر فجعل يركع ويسجد وهو قاعد لم تجزه صلاته وان كان حين قعد من غير عذر بعد ما افتتحها قائما جعل يومئ للركرع والسجود فعليه أن يقوم ويتبع الامام في صلاته وهى تامة بخلاف الاول والفرق من وجهين. أحدهما أن ركوعه وسجوده على الارض وهو قاعد يتأدى به التطوع في حال الاختيار فإذا لم يجزئ ما أدى عن الفرض كان نفلا واشتغاله باداء النفل قبل اكمال الفرض مفسد للفرض فعليه استقبال الصلاة وأما الايماء في غير حالة العذر فلا يجوز أداء التطوع به كما لا يجوز أداء الفرض فلم يكن هو مؤديا للنفل ولكنه مؤخر أداء الاركان بعد ما صح اقتداؤه بالامام فعليه أن يقوم ويؤدى أركان الصلاة ويكون مسيئا لمخالفته الامام بالتأخير. والثانى ان الركوع والسجود عمل كثير وهو ليس من عمل صلاته لانه غير معذور واشتغاله بعمل كثير ليس من أعمال صلاته يكون مفسدا لصلاته فاما الايماء فليس بعمل وهو يسير فالاشتغال به لا يكون قطعا لصلاته كالالتفات فلهذا يقوم ويبنى على صلاته. ولو ظن القوم أن الامام قد كبر ولم يكن فعل فكبروا ثم قهقه بعض القوم فلا وضوء عليهم لانه لم يصح شروعهم في الصلاة قبل الامام فضحكهم لم يصادف حرمة الصلاة وقد ذكر في كتاب الصلاة أنه لو كبر قبل الامام ثم كبر الامام ثم كبر الرجل يكون شارعا في صلاة الامام ويكون تكبيره هذا قطعا لما كان فيه وشروعا في صلاة الامام فهذا يدل على أنه شارع في الصلاة بالتكبير قبل الامام فمن أصحابنا من يقول موضوع المسألة هناك انه نوى أصل الصلاة ونوى الاقتداء بالامام فصحت نيته أصل الصلاة ولم تصح نية الاقتداء فيكون شارعا في صلاة نفسه وموضوع المسألة ههنا انه نوى صلاة الامام ولم تصح نيته هذا حين لم يكبر الامام فلا يصير شارعا في الصلاة والاصح ان ما أجاب به في كتاب الصلاة قول أبى يوسف وهو احدى الروايتين عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى لان بفساد الجهة عندهما لا يفسد أصل الصلاة فكذلك في الابتداء واذ لم تصح نية الجهة تبقى نية أصل الصلاة فيصير شارعا في صلاة نفسه وعلى قول محمد رحمه الله تعالى بفساد الجهة يفسد أصل الصلاة فكذلك ببطلان نية الجهة ههنا تبطل نية الصلاة هنا فلا يصير شارعا فيها بالتكبير قبل الامام من غير نية. ولو أن اماما صلى بقوم وسلم من أحد الجانبين فضحك بعض من خلفه أو ضحك الامام بنفسه قبل أن يسلم من الجانب الايسر فصلاته تامة ولا وضوء عليه اما الامام
[ 93 ] إذا ضحك فلانه بالتسليمة الواحدة صار خارجا من الصلاة لقوله عليه الصلاة والسلام وتحليلها التسليم وقد وجد وتسليمه من الجانب الآخر للتحرز عن الجفاء ولتعميم جميع القوم بالسلام فلا يتوقف خروجه من الصلاة على وجوده وإذا صار خارجا بالتسليمة الواحدة فضحكه لم يصادف حرمة الصلاة وأما المقتدى إذا ضحك في هذه الحالة فلانه تبع للامام وثبوت الحكم في التبع ثبوته في المتبوع وكما أنه في حق الامام السلام من الجانب الايسر تبع فلا يتوقف الخروج من الصلاة عليه فكذلك السلام في حق المقتدى تبع فلا يتوقف خروجه من الصلاة عليه وقيل هذا قول محمد وأما عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى فالمقتدى انما يصير خارجا من الصلاة بسلام نفسه وإذا ضحك قبل أن يسلم كان عليه الوضوء لان كل ذكر يكون المقتدى فيه تبعا لامامه لم يأت به المقتدى أصلا كالقراءة ولان التحليل معتبر بالتحريم فكما لا يصير المقتدى شارعا بتكبير الامام لا يصير خارجا من الصلاة بتسليم الامام ومحمد رحمه الله تعالى يقول هو تبع للامام في الصلاة فلو بقى بعد خروج الامام في حرمة الصلاة بقى مقصودا وفيما يكون هو تبعا لا يكون مقصودا (قال) رضى الله تعالى عنه وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول بهذه المسألة يتبين جهل بعض الناس ممن يشتغل بالدعوات بعد تسليم الامام فان الاولى أن يسلم مع الامام ثم يشتغل بالدعوات ليكون خروجه بسلام نفسه لانه إذا أخر صار خارجا بسلام الامام يعنى عند محمد رحمه الله تعالى وعلى ما ذكر في الكتاب من الجواب مطلقا يكون خارجا على قول الكل فان الجواب مطلق في الكتاب أنه يصير خارجا بسلام الامام لا بسلام نفسه فلا تكون دعواته في حرمة الصلاة وقد بينا في كتاب الصلاة أن الاولى عند أبى حنيفة رضى الله عنه أن يكبر مع الامام وكذلك يأتي بسائر الافعال معه وفي التسليم روايتان احداهما أنه يسلم مع الامام لانه شريك الامام والمشاركة تقتضي المقارنة وعندهما الاولى أن يكبر عقيب تكبير الامام وكذلك سائر الافعال لانه تبع لامامه وعلى هذا لو كان الامام حين سلم عن يمينه اقتدى به رجل لم يكن داخلا معه في الصلاة لانه بالتسليمة الواحدة صار خارجا منها فكيف يقتدى به غيره بعد خروجه من الصلاة. ولو نام المقتدى فلم يتشهد حتى سلم الامام فانه لا يصير خارجا بسلام الامام ههنا ولكن ينبغى له ان يتشهد ثم يسلم لانه قد بقى عليه واجب من واجبات الصلاة وانما يصير خارجا بسلام الامام إذا لم يبق عليه شئ من واجبات الصلاة فاما مع
[ 94 ] بقاء شئ من أعمال الصلاة عليه فلا يصير خارجا بسلام الامام كاللاحق والمسبوق فان ضحك الرجل النائم في هذه الحالة كانت صلاته نامة لانه لم يبق عليه شئ من أركانها وقراءة التشهد واجبة وليست بركن ولكن عليه الوضوء لصلاة أخرى لان ضحكه لاقى حرمة الصلاة فيكون حدثا الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول الضحك متى لم يوجب اعادة الصلاة لا يوجب اعادة الوضوء. وان سلم هذا النائم عمدا كانت صلاته تامة لانه لم يبق عليه شئ من أركانها وان سلم ساهيا فعليه ان يتشهد ثم يسلم لانه قد بقى عليه واجب من واجبات صلاته فلا يصير خارجا بسلامه ساهيا كمن سلم ساهيا وعليه سجود التلاوة. ولو أدرك الامام في الركوع فكبر ثم انحط يركع فرفع الامام رأسه قبل أن يركع ثم ركع الرجل لم يجزئ عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يجزئه وهو قول ابن أبى ليلى لان حالة الركوع كحالة القيام فان القائم انما يفارق القاعد في النصف الاسفل لان النصف الاسفل من القاعد منثن ومن القائم مستو فاما النصف الاعلى فيهما سواء والراكع كالقائم في استواء النصف الاسفل منه ولهذا يجعل مدركا للركعة إذا أدرك الركوع مع الامام فيكون اقتداؤه بالامام وهو راكع بمنزلة اقتدائه بالامام قبل ان يركع. ولو كبر قبل ان يركع الامام ولم يتابعه في الركوع حتى رفع رأسه منه جازت صلاته فكذلك ههنا. ولكنا نستدل بحديث أبى بكر رضى الله عنه حيث كبر وركع عند باب المسجد ثم دب راكعا حتى التحق بالصف افلو لم تكن مشاركته مع الامام في الركوع شرطا للادراك لما فعل هكذا ولان القيام ركن في كل ركعة فلا يصير مدركا للركعة الا بمشاركة الامام في حقيقة القيام أو فيما هو مشبه بالقيام وهو الركوع ولم يوجد ذلك حين رفع الامام رأسه قبل ان يركع هو فكان هذا وما لو أدركه في السجود سواء بخلاف ما إذا أدركه في حالة القيام لان هناك قد وجدت المشاركة بينهما في حقيقة القيام. ولو انتهى إلى الامام وهو ساجد فكبر ثم رفع الامام رأسه وسجد السجدة الثانية ولم يسجد هذا الرجل معه واحدة من السجدتين فعليه ان يتبعه في السجدة الثانية دون الاولى لان هاتين السجدتين لا يحتسب بهما من صلاته لعدم شرطه وهو تقدم الركوع فان الركوع افتتاح السجود ولم يوجد في حقه وانما يأتي بهما لمتابعة الامام فانما يلزمه المتابعة فيما أتى به الامام بعد ما صار هو مقتديا به وقد سجد الامام السجدة الاولى قبل أن يصير هو مقتديا به فلا تلزمه بذلك السجدة للمتابعة وسجد السجدة الثانية بعد ما صار هو مقتديا
[ 95 ] به فعليه أن يأتي بها ما لم يركع الامام الركعة الاخرى ويسجد فإذا فعل ذلك فحينئذ لا يشتغل بها وانما يشتغل بما هو الاهم وهو الركوع وسجدة الركعة الثانية لانها محسوبة من صلاته (قال) رجل رفع رأسه من السجود قبل الامام ثم عاد فان نوى عند عوده السجدة الاولى أو متابعة الامام أو لم يكن له نية فهو عائد في السجدة الاولى لان ذلك مستحق عليه وكذلك لو نوى السجدة الثانية ومتابعة الامام لان متابعة الامام تكون فيما فيه الامام وهى السجدة الاولى فصار ناويا لهما والجمع بينهما غير متأت فتلغو نيته ويصير كأنه لم تحضره النية. ولو نوى السجدة الثانية خاصة فلم يزل ساجدا حتى رفع الامام رأسه وسجد السجدة الثانية فذلك يجزئه عن السجدة الثانية لانه سجد للثانية في وقت لو سجدها امامه جاز وقد وقعت المشاركة بينه وبين الامام في آخرها حين أدركه فيها فهو كما لو وقعت المشاركة بينه وبين الامام في أولها بان سجد الثانية مع الامام وان رفع الامام رأسه وسجد الثانية ثم رفع المقتدى رأس فظن ان الامام في السجدة الاولى فسجد ينوى الاولى أو متابعة الامام أو الثانية أو لم يكن له نية فسجوده هذه هي الثانية لان السجدة الاولى قد تمت حين رفع رأسه منها وجاء أوان السجدة الثانية فعلى أي نية أتى بها كانت هي الثانية. ولو أن قارئا اقتدى بأمى ثم قهقهه لم يكن عليه وضوء لان على احدى الطريقتين وان صار شارعا في الصلاة لكن تفسد صلاته إذا جاء أوان القراءة لان الامام يتحمل عنه فرض القراءة فإذا عجز عن ايفائه فسدت صلاتهما فهذا الضحك منه في صلاة لا ركوع فيها ولا سجود فهو كالضحك في صلاة الجنازة. وكذلك لو افتتحها خلف أخرس أو صبى أو مجنون أو مريض يومئ لان هؤلاء لا يصلحون للامامة فلا يصير شارعا في الصلاة إذا اقتدى بهم. ولو أن غلاما صلى العشاء الآخرة ثم نام فاحتلم وانتبه قبل ان يذهب وقت العشاء فعليه ان يعيدها عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى ليس عليه ان يعيدها لان وقت الصلاة في حكم حالة واحدة فالمؤدى في أول الوقت بمنزلة المؤدى في آخر الوقت على معنى ان ما أداه في أول الوقت كان موقوفا فإذا تحققت الفريضة في آخر الوقت وقع المؤدى عن الفرض بمنزلة مالو عجل الزكاة ثم تم الحول ووجبت عليه الزكاة ولكنا نقول المؤدى وقع نفلا لانه لم يكن أهلا للفرض حين أدى فان الاهلية للفرض باعتبار الخطاب والصبي غير مخاطب ثم لما بلغ في آخر الوقت لزمه أداء الفرض والنفل لا يقوم مقام الفرض والقول
[ 96 ] بالتوقف ينبنى على الاهلية للفرض وهو ليس باهل له بخلاف الذى عجل الزكاة لانه أهل للفرض وانما أدى بعد كمال سبب الوجوب. وهذه هي المسألة التى سمعها محمد رحمه الله تعالى من أبى حنيفة رضى الله عنه أولا على ما يحكى عنه انه كان من أولاد بعض الاغنياء فمر يوما ببنى حرام ووقف عند باب المسجد يسمع كلام أبى حنيفة رضى الله عنه كما يفعله الصبيان وكان هو يعلم أصحابه هذه المسألة وكان محمد رحمه الله تعالى قد ابتلى بها في تلك الليلة فدخل المسجد وأعاد العشاء فدعاه أبو حنيفة رضى الله عنه وقال ما هذه الصلاة التى صليتها فأخبره بما ابتلى به فقال يا غلام الزم مجلسنا فانك تفلح فتفرس فيه خيرا حين رآه عمل بما تعلم من ساعته. ولو لم ينتبه حتى طلع الفجر الثاني فقد قال بعض مشايخنا لا قضاء عليه لانه لم يصر مخاطبا في وقت العشاء فانه كان في أول الوقت صبيا وفى آخر الوقت نائما والنوم يمنع توجه الخطاب عليه ابتداء واستدلوا بظاهر لفظ الكتاب فانه شرط الانتباه قبل ذهاب الوقت والاصح انه يلزمه القضاء لان النوم يمنع توجه خطاب الاداء ولكن لايمنع الوجوب ألا ترى ان من بقى نائما وقت صلاة أو صلاتين كان عليه القضاء إذا انتبه وقد جعل النائم كالمنتبه في بعض الاحكام خصوصا على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى فيلزمه القضاء إذا علم انه احتلم قبل طلوع الفجر وان لم يعلم ذلك بان انتبه في آخر وقت الفجر وهو يتذكر الاحتلام ويرى الاثر ولا يدرى متى احتلم فحينئذ لا يلزمه قضاء العشاء لان الاحتلام حادث فانما يحال حدوثه على أقرب الاوقات. ولو ان مسلما صلى الظهر ثم ارتد والعياذ بالله تعالى ثم أسلم في وقت الظهر كان عليه ان يعيدها عندنا خلافا للشافعي رضى الله عنه وهو بناء على الاصل الذي بينا في كتاب الصلاة ان عنده مجرد الردة لا يحبط عمله ما لم يمت عليها قال الله تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر الآية وعندنا بنفس الردة قد حبط عمله قال الله تعالى ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله والتحق بالكافر الاصلى الذى أسلم الآن فيلزمه فرض الوقت لانه أدرك جزأ منه وعلى هذا الاصل لو حج حجة الاسلام ثم ارتد ثم أسلم فعليه حجة الاسلام عندنا وعند الشافعي رضى الله عنه لا يلزمه ذلك. ولو صلى الظهر في منزله ثم جاء وهو ناس انه قد صلى فدخل مع الامام ينوى الظهر ثم ذكر أنه قد صلاها فأفسدها لم يكن عليه قضاؤها الا على قول زفر رحمه الله تعالى لانه شرع فيها على ظن انها عليه فان رعف الامام واستخلف هذا الرجل فصلاتهم جميعا فاسدة لانه متنفل
[ 97 ]
فلا يصلح ان يكون اماما للمفترض واشتغال الامام باستخلاف من لا يصلح ان يكون خليفة له يكون مفسدا لصلاته ثم تفسد صلاة القوم بفساد صلاة الامام. ولو أن الامام قرأ في الاوليين من الظهر ثم أحدث فاستخلف أميا فسدت صلاتهم الا على قول زفر والحسن بن زياد رحمهما الله تعالى قالا لان فرض القراءة في الاوليين وقد أداء الامام وليس في الاخريين قراءة والامى والقارئ فيهما سواء ولكنا نقول القراءة فرض للصلاة تؤدى في محل مخصوص قال عليه الصلاة والسلام لا صلاة الا بقراءة وهذه الصلاة افتتحها القارئ والامي لا يصلح للامامة فيها واشتغال الامام باستخلاف من لا يصلح أن يكون خليفة له يكون مفسدا لصلاته. ولو أن رجلا قال لله على أن أصلى ركعتين فصلاهما عند زوال الشمس لم تجزئه لانه بمطلق النذر يلزمه الصلاة بصفة الكمال والمؤدى في الاوقات المكروهة ناقص ولان بالنذر يلزم أداء صحيح والمؤدى في الاوقات المكروهة يكون فاسدا لما فيه من ارتكاب النهى فلا يحصل الوفاء بها. ولو نسى صلاة في أيام التشريق فذكرها بعد أيام التشريق فقضاها لم يكبر عقيبها وهذه أربع فصول بيناها في الصلاة أحدها هذه والثانية ما إذا نسي صلاة في غير أيام التشريق ثم قضاها في أيام التشريق والثالثة ما إذا نسيها في أيام التشريق وقضاها في أيام التشريق من قابل وفى هذه الفصول لا يكبر لان التكبير مؤقت بوقت مخصوص فلا يقضى بعد مضى ذلك الوقت كصلاة الجمعة ورمى الجمار وهذا لان ما يكون سنة في وقته يكون بدعة في غير وقته وإذا كان يقضى في أيام التشريق صلاة نسيها قبله فالقضاء بصفة الاداء وأما إذا نسيها (1) في أيام التشريق وقضى في أيام التشريق في تلك السنة كبر عقيبها عندهما المنفرد والجماعة فيه سواء وعند أبى حنيفة رضى الله عنه إذا كانوا جماعة كبروا لان وقت التكبير باق والقضاء بصفة الاداء فهو نظير رمى الجمار إذا تركها في اليوم الاول والثانى يقضيها في اليوم الثالث. ولو صلى الوتر في منزله ثم جاء إلى قوم في شهر رمضان يصلون الوتر وهو يرى أنهم في التطوع فدخل في صلاتهم ثم قطع حيث علم انهم في الوتر فعليه قضاء أربع ركعات لانه بالشروع التزم صلاة الامام وصلاة الامام ثلاث ركعات ومن التزم ثلاث ركعات يلزمه أربع ركعات كمن نذر أن يصلى ثلاث ركعات وهذا لان مبنى التطوع على الشفع دون
(1) قوله وأما إذا نسيها الخ هذا هو الفصل الرابع من الفصول الاربعة اه مصححه