المبسوط السرخسي ج 18
[ 1 ] (الجزء الثامن عشر من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (باب الاقرار بالعارية) (قال رحمه الله وإذا أقر الرجل ان هذا الثوب أو هذه الدار عنده عارية بملك فلان أو بميراثه أو بحق فلان هذا كله اقرار) لان الباء في الاصل للالصاق فقد جعل المقر به ملصقا بملك فلان وميراثه وحقه ولم يتحقق هذا الالصاق الا بعد أن يكون مما له وكالة وقد تكون الباء صلة كما في قوله تعالى ينبت بالدهن وان حملناه علي معنى الصلة هنا كان اقرارا أيضا لانه يصير تقدير كلامه انه ملك فلان أو ميراث فلان أو حق فلان وقد تكون الباء للتبعيض أيضا عند بعضهم كما في قوله تعالى وامسحوا برؤسكم اقتضى المسح ببعض الرأس وإذا حمل على هذا كان اقرارا أيضا لانه جعل المقر به بعض ملكه وميراثه وحقه وكذلك لو قال عارية عندي من ملك فلان أو من ميراثه أو من حقه لان من في الاصل للتبعيض فذلك اقرار يكون المقر به بعض ملكه وقد تكون من صلة كما في قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم وقوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الاوثان وإذا كانت بمعنى الصلة فهو اقرارا أيضا وقد تكون بمعنى الباء قال الله تعالى يحفظونه من أمر الله يعنى بأمر الله فعلي هذا المعنى هذا والاول سواء وقد تكون من للتمييز كما يقال سيف من حديد وخاتم من فضة وعلي هذا يكون اقرارا أيضا لانه ميز المقر به عن سائر ما في يده باقراره ان للمقر ولو قال عارية عندي لملك فلان أو لميراثه كان اقرارا أيضا ولو قال والثوب والدابة عارية عندي لحق فلان لا يكون اقرار لان اللام قد تكون للتأكيد وقد تكون للوقت كما في قوله تعالى لدلوك الشمس وقوله تعالى فطلقوهن لعلتهن وقد تكون للتمليك وقد تكون للتعليل فعلى هذه الوجوه حمل قوله لملك فلان أو لميراث فلان اقرارا مؤكدا وأما إذا قال لحق فلان فنقول الكلام قد تكون بمعنى المجازاة كقول الرجل لغيره أكرمتك لتكرمني وزرتك لتزورني وقد تكون لبيان الحرمة كالرجل يريد ان يضرب عبده فنهاه الغير فيقول تركته لك أي لحرمتك وشفاعتك فهنا قوله لحق
[ 3 ] فلان يحتمل معنى الشفاعة والحرمة يعنى لاجل شفاعته وحرمته اعادة صاحبه فهنا قوله منى فلما احتمل هذا المعنى لم يجعل اقرارا له بالشك بخلاف قوله لملك فلان أو لميراثه فان ذلك لا يحتمل معنى الحرمة والشفاعة وكذلك لو قال هذا الالف مضاربة عندي لحق فلان لم يكن اقرارا لانه محتمل لمعنى الحرمة والشفاعة أي انما رفعها صاحبها إلى مضاربه لاجل شفاعة فلان وحرمته بخلاف مالو أقر بالقرض لحق فلان فانه يكون اقرارا لان القرض لا تجزئ فيه الشفاعة عادة انما تجزئ فيه الكفالات فاذن انتفى معنى الشفاعة في القرض فبقى اقرار لملكه بخلاف العوارى والمضاربة فانه تجزئ فيهما الشفاعات عادة ولو قال هذه الدار عم عندي عارية لحق فلان فهذا اقرار له بها لان العارية في الدراهم قرض فكان هذه والاقرار بالقرض سواء بخلاف الدابة والثوب ولو قال أخذت هذا الثوب منك عارية وقال المقر له بل أخذته منى بيعا فالقول قول الاخذ مع يمينه لانهما تصادقا على أن الاخذ حصل باذن المالك وذلك لا يكون سببا لوجوب الضمان على الاخذ باعتبار عقد الضمان هو من منكر له فكان القول قوله وهذا إذا لم يلبسه فان لبسه فهلك كان ضامنا له لان لبس ثوب الغير سبب لوجوب الضمان على اللابس الا أن يكون باذن من صاحبه واللابس وصاحبه منكران فان (قيل) لا كذلك فان بيع الثوب من الغير تسليط منه على لبسه فلما اقر صاحبه بالبيع فقد ثبت الاذن في اللبس فينبغي أن لا يضمن اللابس كما قلنا في الاخذ (قلنا) التسليط بايجاب البيع من حيث التمليك ليلبس ملك نفسه فإذا لم يثبت الملك له لانكاره لم يثبت تسليط صاحبه اياه علي لبسه وهو في اللبس عامل لنفسه وذلك سبب موجب الضمان عليه في ملك الغير بخلاف الاخذ فقد يكون في الاخذ عاملا للمأخوذ منه كالمودع في أخذ الوديعة ليحفظها فلا يتقرر الضمان عليه بالاقرار بالاخذ إذا لم ينكر صاحبه أصل الاذن ولو قال اقرضني الف درهم فقال المقر له لا بل غصبني فالمقر ضامن لها لانهما تصادقا على كون المال مضمونا عليه للمقر له وان اختلفا في سببه والاسباب مطلوبة لاحكامها لا لاعيانها فعند التصادق على الحكم لا ينظر إلى اختلاف السبب وهذا لان قول المقر له لا بل غصبني لا يكون ردا لاصل الواجب انما يكون ردا للسبب فيبقى اقراره معتبرا في وجوب المال لتصديق المقر له اياه في أنه واجب وان كانت الدراهم بعينها فللمقر له ان يأخذها لانهما تصادقا علي ملك العين للمقر له فبعد ذلك المقر بدعوى القرض يدعي ملكها عليه فلا يصدق الا بحجة ولو قال هذه الدراهم في يدى عارية لفلان أو من فلان أي أو من
[ 4 ] قبل فلان فهذا اقرار له بها لما بينا أن العارية في الدراهم قرض فان الانتفاع بها لا يتأتى فيما هو المقصود الا باستهلاك عينها فكانت الاعارة فيها تسليطا بشرط ضمان الرد وذلك حكم القرض وان قال هذا الدراهم عارية بيدى علي يدى فلان فليس هذا باقرارو ذكر بعد هذا أنه اقرار * وجه هذه الرواية أن قوله على يدى فلان معناه ارسلها صاحبها إلى عارية على يدى فلان فانما اقراره فلانا كان رسولا فيها فلا يصير مقرا بالملك له * ووجه الرواية الاخرى انه أقر بأن وصولها إلى يده كان من يد فلان والمتعين انما يلزمه الرد على من أخذ منه كما يلزم الرد المكارى الذى أخذ منه فوجب عليه بحكم هذا الاقرار ردها على فلان فلهذا كان منه اقرار لفلان * (باب الاقرار بالدراهم عددا) * (قال رحمه الله رجل قال لفلان على مائة درهم عددا ثم قال بعد ذلك هي وزن خمسة أو ستة وكان الاقرار منه بالكوفة فعليه مائة درهم وزن سبعة ولا يصدق على النقصان الا أن بين الوزن موصولا بكلامه) لان ذكر الدراهم عبارة عن ذكر الوزن فانه لا طريق لمعرفة الوزن فيه الا بذكر العدد من الدراهم ومطلق ذكر الوزن ينصرف إلى المتعارف منه فإذا كان اقراره بالكوفة فالمتعارف بها في الدراهم سبعة وكما ينصرف مطلق البيع والشراء بالدراهم إليه فكذلك مطلق الاقرار ينصرف إليه فقوله وزن خمسة بيان معتير لما اقتضاه مطلق اقراره فقد بينا بيانه والتعبير يصح موصولا بالكلام ولا يصح مفصولا ومعني قولنا وزن سبعة أن كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل وكل درهم أربعة عشير قيراطا وإذا كان الدرهم أربعة عشر قيراطا تبني عليه أحكام الزكاة ونصاب السرقة وغيرها وأصل المسألة أن الاوزان في عهد رسول الله ﷺ وعهد أبى بكر رضي الله عنه كانت مختلفة فمنها ما كان الدرهم عشرين قيراطا ومنها ما كان عشرة قراريط وهو الذى يسمى وزن خمسة ومنها ما كانت اثنى عشر قيراطا وهو الذى يسمى وزن ستة فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه طلبوا منه أن يجمع الناس على نقد واحد فأخذ من كل نوع من الانواع الثلاثة درهما وكان الكل اثنين وأربعين قيراطا وأمر أن يضرب من ذلك ثلاثة دراهم متساوية فكل درهم أربعة عشر قيراطا وهو وزن سبعة التى جمع عمر رضى الله عنه عليها الناس وبقى كذلك إلى يومنا هذا وان كان في بلد يتبايعون على دراهم معروفة الوزن بينهم ينقص من وزن سبعة صدق في ذلك لان تعيين
[ 5 ] وزن سبعة لم يكن نص من لفظه انما كان بالعرف الظاهر في معاملة الناس به وذلك يختلف باختلاف البلدان والاوقات فيعتبر في كل موضع عرف ذلك الموضع كما في سائر التصرفات سوى الاقرار وان ادعي وزن دون المتعارف كما في تلك البلدة لم يصدق الا إذا ذكره موصولا بكلامه وان كان في البلد نقود مختلفة فان كان الغالب منها نقدا بعينه ينصرف مطلق الاقرار إليه وان لم يكن البعض غالبا على البعض ينصرف اقراره إلى الاقل لان الاقل متيقن به وعند التعارض لا يقضى الا بقدر المتيقن وهذا لان المقر بين الاول لان الاقل متيقن به وعند التعارض لا يقضى الا بقدر المتيقن وهذا لان المقر بين الاول لا محالة وهذا بيان التفسير حين استوت النقود في الرواج وبيان التفسير صحيح مفصولا كان أو موصولا كبيان الزوج في كنايات الطلاق ولو قال بالكوفة على مائة درهم بيض عددا ثم قال هي تنقص دانقا لم يصدق لان مطلق لفظه انصرف إلى الاقرار بوزن سبعة فدعواه النقصان بمنزلة الاستثناء لبعض ما أقر به والاستثناء لا يصح الا موصولا ولو قال على مائة درهم اسبهبديه عددا ثم قال عنيت هذه الصغار فعليه مائة درهم وزن سبعة من الاسبهبدية لان قوله اسبهبديه يرجع إلى بيان النوع كقوله سود يرجع إلى بيان الصفه فلا يتغير به الوزن والاسبهبديه فارسية معربة معناه اسبه سالادية والصغار هو الذى تسميه الناس مهر تكون ستة منه بوزن درهم ولكنه غير مصدق فيما يدعى من نقصان الوزن مفصولا على ما بينا ولو قال له على مائة درهم من السود الخيار ثم قال هي وزن سبعة وقال الطالب هي مثاقيل فالقول قول المقر مع يمينه لما بينا ان تسمية الدراهم بيان للوزن وقوله من السود بيان للصفة وقوله الخيار بيان العرض وبه لا يزداد الوزن فان ادعى المقر له زيادة عليه فالقول قول المنكر مع يمينه وكذلك لو قال له على درهم صغير فهو على وزن سبعة ووصفه بالصغر اما للاثقال أو لصغر الحجم وبه لا ينتقص الوزن وكذلك لو قال علي درهم كبير ولو قال علي دراهم فعليه ثلاثة دراهم لانه أقر بلفظ الجمع وادنى الجمع المتفق عليه ثلاثة ولا غاية لاقصاه فينصرف إلى الادنى لانه متيقن به وقد بينا ان الاقرار ايجاب لا يقابله الاستيجاب فيكون بمنزلة الوصية في انه يؤخذ بالاقل مما يلفظ به وكذلك لو قال له على دريهمات فهو تصغير بجمع الدراهم وهذا التصغير لا ينقض الوزن فعليه ثلاثة دراهم وكذلك لو قال له على فليس أو قفيز أو رطيل فهو وقوله فلس وقفيز ورطل سواء ينصرف ذلك الي التمام من ذلك وزنا وكيلا ولو قال له على مائه ردهم مثاقيل كما قال
[ 6 ] وكان عليه مائة مثقال عن الدراهم لانه نص علي وزن هو أكثر مما اقتضاه مطلق كلامه ولو نص على وزن هو دونه قبل منه إذا كان موصولا فكذلك إذا نص على وزن هو أكثر الا أن في هذا لا يلحقه التهمة فيصح سواء ذكره موصولا أو مفصولا ولو قال له على ربع حنطة فعليه ربع حنطة بربع البلد الاكبر وان قال عنيت الربع الصغير لم يصدق والربع اسم لمكيال كالقفيز والصاع والمتعارف في المعاملات به الاكبر فينصرف مطلق الاقرار إليه على قياس ما بينا في الوزن. ثوب في يدى رجل فقال وهبه لى فلان فقال نعم أو أجل أو بلى أو صدقت أو قال ذلك بالفارسية فهو اقرار لان ما ذكره في موضع الجواب غير مستقل بنفسه فانه ليس بمفهوم المعنى وهو مما يصلح أن يكون جوابا وما تقدم من الخطاب يصير كالمعاد للجواب قال الله تعالى فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم أي نعم قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا وقال الله تعالى ألست بربكم قالوا بلى أي بلى أنت ربنا فهنا أيضا يصير ما قدم من عقد الهبة معادا في الجواب فيثبت العقد باقراره والقبض موجود فيجعل صادرا عن ذلك العقد وان لم يكن الثوب في يد الموهوب له ولكنه في يد الواهب فادعي الموهوب له الهبة والتسليم وجحد ذلك الواهب فان شهد الشهود بمعاينة القبض قبل بالاتفاق وكان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وان شهدوا على اقرار الواهب بالتسليم كان أبو حنيفة رحمه الله يقول أولا لا يقبل لان تمام الهبة يقبض بحكم والقبض فعل لا يصير موجودا بالاقرار به كاذبا فان المخبر عنه إذا كان باطلا فبالاخبار عنه لا يصير حقا كقرية المقرين وجحود المبطلين فإذا لم يشهدوا بهبة تامة لا تقبل الشهادة ثم رجع وقال الشهادة مقبولة وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لان ثبوت اقراره بالبينة كثبوته بالمعاينة والقبض وان كان فعلا هو يثبت في حق المقر باقراره كالقتل والغصب في حق المقر باقراره فهذا مثله فان أقر الواهب بالهبة والقبض ثم أنكر التسليم بعد ذلك واراد استحلاف الموهوب له لم يحلفه القاضى في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ويحلفه في قول أبى يوسف رحمه الله استحسانا وأصل المسألة البائع إذا أقر بقبض الثمن ثم جحدوا أراد استحلاف المشترى لم يكن له ذلك عندهما وهو لانه مناقض في كلامه راجع عما أقر به من القبض والمناقض لا قول له والاستحلاف ينبنى على دعوى صحيحة واستحسن أبو يوسف رحمه الله بما عرف من العادة الظاهرة ان البائع يقر بالثمن للاشهاد وان لم يكن قبضه حقيقة فاللاحتياط لحقه يستحلف الخصم إذا طلب هو ذلك والله أعلم بالصواب
[ 7 ]
- (باب من الاقرار بألفاظ مختلفة) * (قال رحمه الله رجل قال لفلان علي عشرة دراهم فعليه عشرة دراهم عندنا وقال زفر رحمه الله عشرون وقال الحسن بن درج عليه مائة درهم وجه قول الحسن رحمه الله أن العشرة في العشرة عند أهل الحساب تكون مائة فاقراره بهذا اللفظ محمول على ما هو معلوم عند أهل الحساب) ولنا أن نقول أن حساب الضرب في الممسوحات لا في الموزونات مع أن عمل الضرب في تكثير الاخر لا في زيادة المال وعشرة دراهم وزنا وان تكثرت اجزاؤها لا تصير أكثر من عشرة وزفر رحمه الله يقول حرف في بمعنى حرف نون وقال الله تعالى فادخلي في عبادي أي مع عبادي فيحمل علي هذا تصحيحا لكلامه وكنا نقول حرف في للظرف والدراهم لا تكون ظرفا للدراهم وجعله بمعنى مع مجاز والمجاز قد يكون بمعني حرف مع وقد يكون بمعنى حرف على قال الله تعالي ولاصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل فليس أحدهما بأولى من الاخر بقى المعتبر حقيقة كلامه فيلزم عشرة بأول كلامه وما ذكره في آخر لغو وكذلك لو قال وعشرة دنانير الا أن يقول عنيت هذه وهذه فحينئذ يعمل بيانه بين انه استعمل في بمعنى مع أو بمعنى واو العطف وفيه تسديد عليه فيصح بيانه ولو قال له علي درهم في قفيز حنطة لزمه الدرهم والقفيز باطل لانه لا يجعل وعاء للدرهم عادة فلا يمكن اعبار حقيقة حرف الظرف فيه فيلغوا آخر كلامه ولان الوجوب عليه بقوله علي وقد أقر به وبالدرهم ولم يعطف عليه القفيز؟ ليعتبر كالمقترن به حكما فلهذا لم يلزمه الا الدرهم وكذلك لو قال على قفيز حنطة في درهم لزمه القفيز وبطل الدرهم لان الدرهم لا يكون ظرفا للقفيز وكذلك لو قال له على فرق زيت في عشرة مخاتيم حنطة لزمه الزيت والحنطة باطلة لان الحنطة لا تكون ظرفا للزيت ولو أقر أن عليه خمسة دراهم في ثوب يهودي ثم قال بعد ذلك الثوب اليهودي هو الدين والخمسة دراهم أسلمها إلى فيه فهذا بيان ولكن فيه يعتبر لان موجب أول كلامه كون الخمسة دينا عليه وبما ذكره الان تبين أن الثوب دين عليه دون الخمسة لان رأس المال لا يكون دينا على المسلم إليه حال قيام العقد وبيان التعبير لا يصح مفصولا الا أن يصدقه الطالب في ذلك فان صدقه قلنا الحق لا يدينهما فيثبت ما تصادقا عليه وان جحد كان للمقر أن يحلفه وليه لانه يدعى عليه عقد السلم ولو أقر به لزمه فان أنكر استحلف عليه فان حلف كان له أن يأخذ المقر بخمسة دراهم كما أقر به ولو قال له على درهم
[ 8 ] مع درهم فالاصل في جنس هذه المسائل انه متى ذكر الوصف بين الاثنين فان ألحق به حرف الهاء يكون الوصف منصرفا إلى المذكور آخرا ولم يقرن به حرف الهاء يكون نعتا للمذكور أولا كالرجل يقول جاءني زيد قبل عمرو يكون قبل نعتا لمجئ زيد ولو قال جاءني زيد قبله عمرو يكون قبل نعتا لمجئ عمرو إذا عرفنا هذا فنقول إذا قال له علي ألف درهم مع أو معه درهم فكلمة مع الضم والقران سواء جعل نعتا للمذكور أولا أو آخرا وصار مقرا بهما لضمه احدهما إلى الآخر في الاقرار ولو قال له على درهم قبل درهم يلزمه درهم واحد لان قبل نعت للمذكور أولا فكأنه قال قبل درهم آخر يجب علي ولو قال قبله درهم فعليه درهمان لانه نعت للمذكور آخرا أي قبله درهم قد وجب علي ولو قال درهم بعد درهم أو بعده درهم يلزمه درهمان لان بعد درهم قد وجب على أو بعده درهم قد وجب لا يفهم من الكلام الا هذا وكذلك لو سمى احدهما دينارا أو قفيز حنطة وفي قوله بعده درهم الاقرار مخالف للطلاق قبل الدخول لان الطلاق بعد الطلاق هناك لا يقع والدرهم بعد الدرهم يجب دينا وكذلك لو قال درهم لان الواو للعطف وموجب العطف الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر فصار مقرا بها ولو قال درهم فدرهم يلزمه درهمان عندنا وقال الشافعي رحمه الله لا يلزمه الا درهم واحد لان الفاء ليست للعطف فلا يثبت به الاشتراك بل معنى قوله فدرهم أي فعلي ذلك الدرهم وكنا نقول الفا للوصل والتعقيب فقد جعل الثاني موصولا بالاول ولا يتحقق هذا الوصل الا بوجوبهما وكان هذا الوصل في معنى العطف وكذلك التعقيب يتحقق في الوجوب بينهما ان كان لا يتحقق في الواجب فكان معنى كلامه أن وجوب الثاني بعد الاول في هذا عمل بحقيقة كلامه فهو أولى من الاضمار الذى ذكره الخصم لان الاضمار في الكلام للحاجة ولا حاجة هنا ولو قال درهم درهم لزمه درهم واحد لانه كرر لفظه الاول والتكرار لا يوجب المغايرة إذا لم يتخللها حرف العطف بخلاف ما إذا تخللها حرف الواو فان المعطوف غير المعطوف عليه وكذلك لو قال درهم بدرهم فعليه درهم واحد لان حرف الباء يصحب الاعواض فكان معنى كلامه بدرهم استقرضته أو بدرهم اشتريته منه فلا يلزمه الا درهم واحد ولو قال له على درهم على درهم لزمه درهم واحد منهم من يذكر هذه المسألة على درهم على درهم والاصح ما قلنا أن المسألة علي درهم على درهم وقد أعاد في بعض النسخ قوله له في الكلام الثاني فقال له علي درهم وبهذا ترتفع الشبهه ولا يلزمه
[ 9 ] الا درهم واحد لانه كرر كلامه الاول وبالتكرار لا يزداد الواجب لان الاقرار خبر والخبر يكرر ويكون الثاني هو الاول قال الله تعالى أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ولو قال له علي درهم ثم درهمان لزمه ثلاثة دراهم لان كلمة ثم للتعقيب مع التراخي وقد بينا ان التعقيب في الوجوب بين المذكورين يتحقق وان كان لا يتحقق في الواجب فصار مقرا بهما علي ان وجوب الدرهمين عليه كان بعد وجوب الدرهم فيلزمه ثلاثة ولو قال مائة درهم لا بل مائتان في القياس يلزمه ثلثمائة وبه قال زفر رحمه الله وفي الاستحسان يلزمه مائة درهم * وجه القياس ان كلمة لا بل لاستدراك الغلط بالرجوع عن الاول واقامة الثاني مقام الاول فرجوعه عن الاقرار بالمائة باطل واقراره بالمائتين على وجه الاقامة مقام الاول صحيح فيلزمه المالان كما لو قال له علي مائة درهم لا بل مائة دينار أو قال لامرأته أنت طالق واحدة لا بل اثنين يقع ثلاث تطليقات * وجه الاستحسان ان الاقرار اخبار والغلط يتمكن في الخبر والظاهر أن مرارده بذكر المال الثاني استدراك الغلط بالزيادة علي المال الاول لا ضم الثاني إلى الاول (ألا ترى) ان الرجل يقول سنى خمسون لا بل ستون كان اخبار الستين فقط ويقول حججت حجة لا بل حجتين كان اخبارا بحجتين فقط بخلاف ما إذا اختلف جنس المالين لان الغلط في مثل هذا يقع في القدر عادة لا في الجنس وعند اختلاف الجنس لا يمكن أن يجعل كانه أعاد القدر الاول فزاد عليه لان ما أقر به أولا غير موجود في كلامه الثاني بخلاف ما إذا اتفق الجنس (ألا ترى) انه لا يقول حججت حجة لا بل عمرتين ويقول حججت حجة لا بل حجتين وهذا بخلاف الطلاق فانه وان كان بصيغة الاخبار فهو ايقاع وانشات وفي الانشاآت لا يقع الغلط فلا يمكن حمل الثاني على الاستدراك حتى لو خرج الكلام هنا مخرج الاخبار وقال كنت طلقتها أمس واحدة لا بل اثنتين كان اقرارا بالثنتين استحسانا كما في هذه المسألة وعلى هذا لو قال له على مائتان لا بل مائة فعليه أزيد المالين وهو المائتان لانه قصد استدراك الغلط بالرجوع عن بعض ما أقر به أولا فلم يعمل وفي القياس يلزمه المالان وعلى هذا لو قال له على مائة جياد لا بل زيوف أو قال له على مائة زيوف لا بل جياد في جواب الاستحسان يلزمه أفضل المالين فقط وفي القياس يلزمه المالان لان الجنس واحد والتفاوت في الجنس بمنزلة التفاوت في العدد وإذا أقر الرجل على نفسه بمائة درهم في موطن وأشهد شاهدين ثم أقر له بمائة درهم في موطن آخر وأشهد شاهدين آخرين فعند أبى حنيفة رحمه الله يلزمه المالان
[ 10 ] جميعا وعلي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا يلزمه الا مال واحد وذكر في بعض نسخ أبى سليمان ان أبا يوسف رحمه الله كان يقول أولا بقول ابى حنيفة ثم يرجع على قول محمد رحمهما الله * وجه قولهما ان الاقرار خبر وهو مما يتكرر ويكون الثاني هو الاول فلا يلزمه بالتكرار مال آخر بل قصده من هذا التكرار ان يؤكد حقه بالزيادة في الشهود (ألا ترى) ان الاقرارين لو كانا في مجلس واحد وكذلك لو كان أشهد على كل اقرار شاهدا واحدا أو لم يشهد على واحد من الاقرارين لم يلزمه الامال واحد وكذلك لو اراد صكا على الشهود وأقر به عند كل فريق منهم أو أقر بالمائة وأشهد شاهدين ثم قدمه إلى القاضى فأقر به لا يلزمه الا مال واحد وأبو حنيفة رحمه الله يقول ذكر المائة في كلامه منكر والمنكر إذا أعيد منكرا كان الثاني غير الاول قال الله تعالى فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا فان الثاني غير الاول حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما لن يغلب عسر يسرين فصار هذا بمنزلة مالو كتب لكل واحد منهما صكا على حدة وأشهد على كل صك شاهدين وهذا لان كلام العاقل مهما أمكن حمله على الافادة لا يحمل التكرار والاعادة فإذا صار المال الاول مستحكما بشهادة شاهدين فلو حملنا اقراره الثاني علي ذلك المال كان تكرارا غير مفيدا بخلاف ما لو شهد على كل اقرار شاهدا واحدا لان بالشاهد الواحد المال لا يصير مستحكما ففائدة اعادته استحكام المال باتمام الحجة وكذلك لو أقر به ثانيا بين يدى القاضى لان فائدة الاعادة اسقاط مؤنة الاثبات بالبينة عن المدعى مع ان المدعى ادعى تلك المائة فادعاه معرفا لا منكرا والمنكر إذا أعيد معرفا كان الثاني هو الاول قال الله تعالى فأرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول وبخلاف ما إذا أراد الصك علي الشهود لان الاقرار هنا كان معرفا بالمال الثابت في الصك وقد ذكرنا ان المنكر إذا أعيد معرفا كان الثاني عين الاول فأما إذا كان الاقرار في مجلس واحد في القياس على قول أبى حنيفة رحمه الله يلزمه ما لان ولكنه استحسن فقال للمجلس أن يتبصر في جميع الكلمات المتفرقة وجعلها في حكم كلام واحد (ألا ترى) الاقارير في الزنا في مجلس واحد بخلاف ما إذا اختلف المجلس فكذلك هنا وعلى هذا الخلاف لو أقر بمائة في مجلس وأشهد شاهدين ثم ثمانين وأشهد شاهدين في مجلس آخر أو بمائتين ثم بمائة عند أبى حنيفة رحمه الله يلزمه المالان وعندهما يدخل الاقل في الاكثر فعليه أكثر المالين فقط ولو قال لفلان عندي مائة درهم بضاعة قرضا فهذا دين عليه لان
[ 11 ] عنده عبارة عن القرب وهو يحتمل القرب من يده فيكون اقرارا بالامانة ومن ذمته فيكون اقرارا بالدين بقى لفظان أحدهما للامانة وهو قوله بضاعة والاخر للدين خاصة وهو القرض ومتى جمع بين لفظين أحدهما يوجب الامانة والاخر الدين يترجح الدين لان صيرورته دينا يعترض على كونه أمانة فان المودع إذا استهلك أو خالف واستقرض صار دينا عليه والامانة لا تطرى على الدين فان ما كان دينا في ذمته لا يصير أمانة عنده بحال فإذا اجتمعا يرد على صاحبه وان قال له علي مائة درهم فهذا اقرار بالدين لان كلمة علي خاصة للاخبار واستحقاقه من وانما يعلوه إذا كان دينا في ذمته لا يجد بدا من قضائه ليخرج عنه وكذلك لو قال قبل فهو اقرار بالدين لان هذه عبارة عن اللزوم (ألا ترى) أن الصك الذى هو حجة الدين يسمى مالا وان الكفيل يسمى به قبيلا لانه ضامن للمال وان قال عندي فهذا اقرار بالوديعة لانه لما كان محتملا كما بينا لم يثبت به الاقل وهو الوديعة وكذلك لو قال معى أو في يدى أو في بيتى أو كيسى أو في صندوقى فهذا كله اقرار بالوديعة لان هذه المواضع انما تكون محتملا للعين لا للدين فان الدين محله الذمة ولو قال له في مالى مائة درهم فهذا اقرار له ولم يبين في الكتاب انه اقرار بمادي وكان أبو بكر الرازي رحمه الله يقول ان كان ماله محصورا فهو اقرار له بالشركة بذلك القدر وان لم يكن ماله محصورا فهو اقرار بالدين لانه جعل ماله ظرفا لما أقر به فقد خلطه بمال كان مستهلكا له فكان دينا عليه وان لم يخلطه فقوله في مالى بيان أن محل قضاء ما أقر به ماله وانما يكون ماله محلا لقضاء ما هو دين في ذمته والاصح انه اقرار بالدين على كل حال سواء كان ماله محصورا أو غير محصور لان المال المشترك لا يضاف إلى أحد الشريكين خاصة فلا يحمل قوله في مالى الا على بيان محل القضاء ولو قال له من مالى الف درهم أو من دراهمي هذه درهم فهذه هبة لا تتم الا بالقبض والدفع إليه لان كلمة من للتبعيض فانما جعل له بعض ماله كلامه وذلك لا يكون الا بانشاء الهبة ولا يتم الا بالقبض والقسمة وان قال من مالى الف درهم لا حق لى فيها فهذا اقرار بالدين لانه بين تأخير كلامه أن مراده من أوله ليس الهبة فاخبر بانتهاء حقه عنه ولا ينتفى حقه عن الموهوب ما لم يسلم فعرفنا بآخر كلامه أن مراده من أوله الاقرار وان من للتميز لا للتبعيض فجعل ذلك القدر مميزا من ماله باقراره لفلان لا حق لى فيه وان قال له عندي مائة درهم وديعة قرض أو مضاربة قرض فهو قرض لما بينا أن الوديعة والمضاربة قد تنقلب قرضا فاما القرض لا تنقلب وديعة ولا مضاربة ولو قال لفلان على أو قلبى الف درهم
[ 12 ] وديعة فهى وديعة لان آخر كلامه تفسير للاول وهو محتمل لما فسره فان قوله على أي حفظها لا عينها لان المودع ملتزم حفظ الوديعة ومتى فسر كلامه بما يحتمل كان مقبولا منه وان قال له عندي الف درهم دين لان قوله عندي محتمل وقد فسره بأحد المحتملين فكان وان قال قبلى له مائة درهم دين وديعه أو ديعة دين فهو دين لما بينا أن أحد اللفظين إذا كان للامانة والآخر للدين فإذا جمع بينهما في الاقرار يترجح الدين والله أعلم بالصواب * (باب الاقرار بالزيوف) * (قال رحمه الله رجل قال لفلان على درهم من ثمن متاع الا أنها زيوف أو نبهرجه لم يصدق في دعوى الزيافة وصل أو فصل في قول أبى حنيفة رحمه الله وعلى قولهما يصدق ان وصل ولا يصدق ان فصل * وجه قولهما أن الزيوف من جنس الدراهم حتى يحصل بها الاستيفاء في الصرف والسلم فكان آخر كلامه بيانا ولكن فيه تعبير لما اقتضاه أول الكلام من حيث العادة) لان بياعات الناس تكون بالجياد دون الزيوف ومثل هذا البيان يكون صحيحا إذا كان موصولا كقوله لفلان على الف درهم وفلان خمسة * توضيحه أن قوله الا انها زيوف استثناء للوصف وكان بمنزلة استثناء بعض المقدار بأن قال الامانة وذلك صحيح إذا كان موصولا فهذا مثله وأبو حنيفة رحمه الله يقول الزيافة في الدراهم عيب ومطلق العقد لا يقتضى سلامة الثمن عن العيب فلا يصدق هو في دعوى كون الثمن المستحق بالعقد معينا كما لو ادعى البائع أن المبيع معيب وقد كان المشترى عالما به فلم يقبل قوله في ذلك إذا أنكره المشترى وهذا لان دعواه العيب رجوع عما اقر به لان باقراره بالعقد مطلقا يصير ملتزما ما هو مقتضى لمطلق العقد وهو السلامة عن العيب وفي قوله كان معيبا يصير راجعا والرجوع عن الاقرار غير صحيح موصولا كان أو مفصولا وليس هذا من باب الاستثناء لان الصفة مما يتناوله اسم الدار مطلقا حتى يستثنى من الكلام ولكن ثبوت صفة الجودة بمقتضى مطلق العقد بخلاف استثناء بعض المقدار لان أول كلامه يتناول القدر واستثناء الملفوظ صح ليصير الكلام عبارة عما وراء المستثنى ولان الصفة بيع للاصل فثبوته بثبوت الاصل فأما بعض المقدار لا يتبع النقض فيصح استثناء بعض القدر وهذا بخلاف قوله الا أنها وزن خمسة فان ذلك ليس ببيان للعيب بل هو في معنى استثناء بعض المقدار علي ما قدمناه ولو قال
[ 13 ] له على ألف درهم من قرض الا أنها زيوف فهو على الخلاف أيضا في ظاهر الرواية لان المستقرض مضمون بالمثل فكان هو وثمن البيع سواء والاستقراض متعامل به بين الناس كالبيع وذلك في الجياد عادة وذكر في غير رواية الاصول عن أبى حنيفة رحمه الله ان هنا يصدق إذا وصل لان المستقرض انما يصير مضمونا علي المستقرض بالقبض فهو بمنزلة الغصب ولو أقر بألف ردهم غصب فادعى انها زيوف كان القول قوله فكذلك هنا الا أن هنا لا يصدق إذا فصل لما فيه من شبه البيع من حيث المعاملة بين الناس بخلاف الغصب ولو قال له على ألف درهم زيوف فقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله هو على الخلاف أيضا لان مطلق الاقرار بالدين ينصرف إلى الالتزام بطريق التجارة فهو ما لو بين سبب التجارة سواء ومنهم من قال هنا يصدق إذا وصل بالاتفاق لان صفة الجودة انما تصير مستحقة بمقتضى عقد التجارة فإذا لم يصرح في كلامه بجهة التجارة لا تصير صفة الجودة مستحقة عليه وهذا لانا لو حملنا مطلق اقراره على جهة التجارة لم يصح قوله الا انها زيوف ولو حملناه علي جهة أخرى يصح ذلك منه فحمل كلامه علي الوجه الذى يصح أولى وإذا أقر بالمال غصبا أو وديعة وقال هو نبهرجة أو زيوف صدق وصل أم فصل لانه ليس للغصب والوديعة موجب في الجياد دون الزيوف ولكن الغاصب يغصب ما يجد والمودع انما يودع غيره مما يحتاج إلى الحفظ فلم يكن في قوله انها زيوف معتبر في أول كلامه فلهذا صح موصولا كان أو مفصولا ولو قال في الغصب والوديعة الا أنها ستوقة أو رصاص فان قال موصولا صدق وان قال مفصولا لم يصدق لان الستوقة ليس من جنس الدراهم حقيقة ولهذا لا يجوز التحور بها في باب الصرف والسلم فكان في هذا البيان تعبيرا لما اقتضاه أول كلامه من تسمية الدراهم لان ذلك اللفظ يتناول الدراهم صورة وحقيقة وتأخير كلامه يتبين ان مراده الدراهم صورة وحقيقة فليس في بيانه تعبير لاول كلامه ولو قال له كر حنطة من ثمن بيع أو قرض ثم قال هو رديئ فالقول قوله في ذلك وصل أم فصل لان الرداءة في الحنطة ليست بعيب فان العيب ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة والحنطة قد تكون رديئة في أصل الخلقة فهو في معنى بيان النوع وليس لمطلق العقد مقتضي في نوع دون نوع ولهذا صح الشراء بالحنطة ما لم يبين انها جيدة أو وسط أو رديئة فليس في بيانه هذا تعبير موجب أول كلامه فيصح موصولا كان أو
[ 14 ] مفصولا وكذلك سائر الموزونات والمكيلات على هذا فالرداءة ليست بعيب في شئ من هذا وان كان الجيد أفضل في المالية لزيادة الرغبة فيه ولكن تلك الزيادة لا تصير مستحقة بمطلق التسمية وكذل لو أقر بكر حنطة غصب أو وديعة ثم قال هو رديئ فالقول قوله لانه لما صدق في ثمن البيع ففى الغصب والوديعة أولى وكذلك لو أتى بطعام فقد أصابه الماء وعفن فقال هذا الذى غصبته أو أودعته فالقول قوله في ذلك لما بينا انه ليس للغصب والوديعة موجب في التسليم منه دون العيب ولكنه بحسب ما يتفق فكان بيانه مطلقا للفظه (الا ترى) انه لو قال غصبته يوما يهوديا ثم جاء بثوب منخرق خلق فقال هو هذا كان مصدقا في ذلك وكذلك لو قال استودعني عبدا ثم جاء بعبد معيب فقال هو هذا فالقول قوله في ذلك لان الاختلاف متى وقع في صفة المقبوض فالقول قول القابض أمينا كان أو ضمينا وكذلك إذا وقع الاختلاف في عينه لان القابض ينكر قبضه في شئ منه سوى ما عينه والقبض على وجه العيب والوديعة يتحقق فيما عينه فيخرج به عن عهدة اقراره وإذا خرج به عن عهدة اقراره كان القول في انكار قبض ما عينه في قوله ولو قال لفلان على عشرة أفلس قرض أو ثمن بيع ثم قال هي من الفلوس الكاسدة لم يصدق في قول أبى حنيفة وصل أم فصل لان المعاملات فيما بين الناس في الفلوس الرائجة فدعواه الجياد في الفلوس كدعوى الزيافة في الدراهم وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في القرض هو مصدق إذا وصل وكما لو ادعى الزيافة في الدراهم فان الكاسدة من جنس الفلوس وبالجياد نقل رغائب الناس فيها كما نقل بالزيافة في الدراهم فأما في البيع كان أبو يوسف رحمه الله يقول أولا لا يصدق وان وصل لان هذا بيان يفسد البيع فان من اشترى بفلوس فكسدت قبل القبض فسد البيع واقراره بمطلق البيع يكون اقرار الصحة فلا يصدق في دعوى الفساد موصولا كان أو مفصولا كما لو ادعى الفساد لجياد أو أجل مجهول بخلاف الزيافة في الدراهم فليس في هذا دعوى فساد البيع لانه إذا كان يدعى فساد البيع فكأنه قال ليس له على فلوس وبأول كلامه صار مقرا بوجوبها عليه وكان رجوعا وبه فارق القرض لان بدعوى الكساد هناك لا يصير مدعيا أنه لا فلوس عليه فان بالكساد لا يبطل القرض ثم رجع أبو يوسف رحمه الله فقال يصدق في البيع إذا وصل وعليه قيمة المبيع وهو قول محمد رحمه الله لان الكاسدة من الفلوس من جنس الرائجة منها وانما ينعدم صفة الثمينة ليثبت الكساد فهو ودعواه الزيافة في الدراهم
[ 15 ] سواء ثم فساد البيع وسقوط الفلوس هنا كان لمعنى حكمي لا بسبب من جهة المقر فلا يصير كلامه به رجوعا بخلاف ما إذا ادعى شرطا مفسدا لان فساد العقد هناك بالشرط الذى ذكره وإذا صدق هنا صار الثابت باقراره كالثابت بالمعاينة ولو عايناه استوى بفلوس ثم كسدت قبل القبض كان عليه رد المبيع ان كان قائما وان هلك في يده فعليه قيمته كذلك هنا وكذلك الاختلاف في قوله له علي عشرة دراهم ستوقه من قرض أو ثمن بيع لان الستوقة كالفلوس فانه مموه من الجانبين وقوله ستوقة فارسية معربة سر طاقة الطاق الاعلي والاسفل فضة والاوسط صفر والزيوف اسم لما زيفه بيت المال والنبهرجة التجارة ولو قال غصبته عشرة أفلس أو قال أودعتها ثم قال من الفلوس الكاسدة كان مصدقا في ذلك وصل أم فصل لان الكاسدة من الفلوس من جنس الفلوس حقيقة وصورة وليس للغصب والوديعة موجب في الرائجة فلم يكن في بيانه تعبير لاول كلامه فصح منه موصولا كان أو مفصولا والله أعلم بالصواب * (باب ما يكون الاقرار) * (قال رحمه الله رجل قال لآخر اقضي الالف التى عليك فقال نعم فقد أديتها) لان قوله نعم لا يستقل بنفسه وقد أخرجه مخرج الجواب وهو صالح للجواب فيصير ما تقدم من الخطاب كالمعاد فيه فكأنه قال نعم أعطيك الالف التى لك علي وعلى هذا الاصل يبني بعض مسائل الباب وبعض المسائل مبينة علي انه متى ذكر في موضع الجواب كلا ما يستقل بنفسه ويكون مفهوم المعنى يجعل مبتدئا فيه لا محالة الا أن يذكر فيه ما هو كناية عن المال المذكور فحينئذ لابد من أن يحمل على الجواب وبيان ذلك إذا قال سأعطيكها أو غدا أعطيكها أو سوف أعطيكها فان الهاء والالف كناية عن الالف المذكورة فصارت اعادته بلفظ الكناية كاعادته بلفظ الصريح بأن يقول سأعطيك الالف التى لك على وكذلك إذا قال فاقعدها فأثر بها فانتقدها فأقبضها أو لم يقل أقعد ولكن قال أبرها أو انتقدها أو خذها لان الهاء والالف في هذا كله كناية عن المال المذكور فلا بد من حمل كلامه علي الجواب بخلاف ما إذا قال أثرن أو اتقد أو خذ فلهذا لا يكون اقرارا لان هذا الكلام يستقل بنفسه وليس فيه ما هو كناية عن المال المذكور فيحمل على الابتداء وهذا لانه مبتدئ بالكلام حقيقة فترك هذه الحقيقة الي أن
[ 16 ] يجعل كلامه للجواب لضرورة ولا ضرورة هنا فجعلنا ابتداء ومعني قوله أثرن أي اقعد وأرث للناس واكتسب به ولا تؤذيني بدعوى الباطل وكذلك قوله ابتعر وقوله خذ أي خذ حذرك منى فلا أعطيك شيئا بدعوى الباطل فلهذا جعلناه ابتداء ولو قال لم تحل بعد فهذا اقرار فان التاء في قوله لم تحل كناية عن الالف فكان كلامه جوابا وهذا اللفظ منه دعوى التأجيل ولن يكون الاجل الا بعد وجوب أصل المال فلهذا كان مقرا بأصل المال وكذلك لو قال غدا لان هذا غير مفهوم المعنى بنفسه فلا بد من حمله على الجواب وهذا استمهال للقضاء إلى الغد وهذا لا يكون الا بعد وجوب المال وكذلك لو قال أرسل غدا من يزنها أو من يقبضها لان الهاء والالف كناية عن الالف فلا بد من حمل كلامه علي الجواب ومطالبته بارسال من يستوفى منه لا يكون الا بعد وجوب المال علينه وكذلك لو قال ليست؟ اليوم عندي لان التاء كناية علن المال المذكور والتعلل بالعشرة لا يكون الا بعد وجوب المال فكان مقرا بها وكذلك لو قال ليست بمهيأة اليوم بمسرة اليوم وفي بعض النسخ ليس بمسرة اليوم فهو جواب لان التاء كناية عن الالف وكذلك لو قال أجلني فيها فطلب التأجيل لا يكون الا بعد وجوب المال والهاء والالف كناية عن المال المذكور فكان كلامه جوابا وكذلك لو قال ما أكثر ما يتقاضا بها وكذلك لو قال أعممتني بها أو أبرمتنى بها أو أديتني فيها لان التبرم من كثرة المطالبة لا يكون الا بعد وجوب المال فانه لا يتحمل هذا الاذي ولا انتقاد لهذه المطالبة الا إذا كان المال واجبا وكذلك لو قال والله لا يكون لا افضكها ولا ازنها لك اليوم أولا يأخذها منى اليوم الكناية المذكورة في حرف الجواب لانه بقي القضاء والوزن والاخذ في وقت بعينه وذلك لا يكون الا بعد وجوب أصل المال فإذا لم يكن أصل المال واجبا فالقضاء يكون منتفيا أبدا فلا يحتاج إلى تأكد نفى القضاء باليمين لانه في نفسه منتفى ولو قال حتى يدخل على مالى أو حتى يقدم على غلامي فهذا اقرار لان كلامه غير مستقل بنفسه فان حتى للغاية فلا بد من شئ آخر ليكون ما ذكر غاية له وليس ذلك لا بالمال المدعى فكأنه قال لافضكها حتى يدخل على مالى ولو قال اقضي المائة التى لى عليك فان غرمائي لا يدعوني فقال أحل على بها بعضهم أو من تسبب منهم ائتنى منهم أضمنها له أو احتال على بها فهذا كله اقرار بذكر حرف الكناية في موضع الجواب ولانه أمر بالحوالة المقيدة وذلك لا يتحقق الا بعد وجوب الدين في ذمة المحتال عليه للمحيل أو يكون ملك له في يده له بتقيد الحوالة بها ولو قال قد
[ 17 ] قضيتها فهذا اقرار بذكر حرف الكناية ولانه ادعى القضاء وقضاء الدين لا يسبق وجوبه فصار به مقرا بالوجوب وكذلك لو قال أبرأتني منها لان الابراء اسقاط وهو يعقب الوجوب ولا يسبقه فدعواه الاسقاط يتضمن الاقرار بوجوب سابق وكذلك لو قال قد حسبتها لك لان هذا في الحقيقة دعوى القضاء وكذلك لو قال قد حللتني منها فهذا بمعنى دعوي الابراء وكذلك لو قال قد وهبتها إلى أو تصدقت بها علي فهذا دعوى التمليك منه ولا يكون ذلك الا بعد وجوب المال في ذمته وكذلك لو قال قد أحلتك بها لان الحوالة تحويل الدين من ذمة المحتال عليه فدعواه الحوالة يتضمن؟ الاقرار بوجوبها لا محالة وكذلك لو قال غصبتني هذا العبد فادفعه إلى أو قال هذا العبد وديعة في يدك أو عارية فادفعه إلى أو قال هذا العبد وديعة في يدك أو عارية فادفعه إلى فقال غدا فقد أقر له به لان ما ذكره في موضع الجواب غير مفهوم المعنى بنفسه فلا بد من حمله على الجواب وكذلك لو قال سأعطيكها لان الهاء كناية عن العبد فمع ذكر حرف الكناية لابد من حمل كلامه علي الجواب ولو قال بيع منى عبدى هذا أو استأجره منى أو قال أكريتك دارى هذه أو أعرتك دارى هذه فقال نعم فهذا كله اقرار له بالملك لان نعم غير مفهوم المعنى بنفسه فيكون محمولا على الجواب ما تقدم يصير معادا فيه. وكذلك لو قال ادفع إلى حلة عبدى هذا أو أعطني ثوب عبدى هذا فقال نعم فقد أقر له بالثوب والعبد لان نعم غير مفهوم المعنى بنفسه فكان محمولا على الجواب فكأنه قال أعطيك ثوب عبدك وذلك اقرار له بالملك في العبد نصا وفي الثوب دلالة لانه أضاف الثوب إلى العبد الذى اضافه إليه بالملكية فترك اضافته إلى مملوكة يصير بمنزلة اضافته إليه فصار بهما وكذلك لو قال افتح باب دارى هذه أو خصص دارى هذه أو أسرج دابتي هذه أو الجم بغلي هذا أو أعطني سرج بغلى هذا أو لجام بغلى هذا فقال نعم فهذا اقرار لما بينا أن نعم غير مفهوم المعنى بنفسه فلا بد من حمله على الجواب لانه لو لم يحمله عليه صار لغوا وكلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن ولا يحمل على اللغو الا إذ تعذر حمله على الصحة ولو قال لا في جميع ذلك لم يكن اقرارا وفي بعض نسخ كتاب الاقرار قال يكون اقرارا أما إذا قال لا أعطيكها اليوم أو قال لا أعطيكها أبدا فهذا اقرار منصوص عليه في بعض روايات كتاب الاقرار لانه صرح بنفى الاعطاء اما مؤبدا أو مؤقتا والكناية المذكورة في كلامه تنصرف إلى ما سبق فكأنه قال لا أعطيك سرج بغلك أو لجام بغلك ولو صرح بهذا كان اقرارا بملك
[ 18 ] العين له وأما إذا اطلق حرف لا ففى بعض النسخ قال هذا نفى لما طلبه منه وانما طلب منه الاعطاء فكان هذا نفيا للاعطاء فيجعل اقرارا بملك العين له كما في الفصل الاول * ووجه ما ذكر في عامة النسخ ان لا جواب هو نفى فيكون موجبه ضد موجب جواب هو اثبات وهو قوله نعم فإذا جعل ذلك اقرارا عرفنا ان هذا لا يكون اقرارا وهذا لانه نفي جميع ما سبق ذكره فكأنه قال لا أعطيك وليس البغل والسرج واللجام لك لان هذا اللفظ صالح لنفى جميع ذلك بخلاف قوله لا اعطيكها ولو قال الاخر انما لك على مائة درهم فهذا اقرار بالمائة لان كلمة انما لتقرير الحكم في المذكور ونفيه عما عداه قال الله عزوجل انما الله اله واحد ولو لم يذكر حرف التقرير في المائة ولكن قال لك على مائة درهم كان اقرارا فعند ذكر حرف التقرير أولي ولو لقال ليس لك علي مائة ولكن درهم فلم يقر له بشئ لان كلمة ليس للنفي فلا يكون موجبا للاثبات ولا يقال لما خص المائة بالنفى لانه كان دليلا على أن ما دونه ثابت لان تخصيص الشئ بالذكر لا يدل علي نفى ما عداه عندنا والمفهوم ليس بحجة فلا يجعل هذا اللفظ اقرارا بشئ باعتبار المنظوم ولا باعتبار المفهوم ولو قال فعلت كذا إذا كان لك على مائة درهم كان اقرارا بالمائة لان كلمة إذا للماضي وكلمة إذا للمستقبل ومعناه في الوقت الذي كان لك علي مائة فقد عرف وقت فعليه بالمال الذى له عليه وذلك لا يكون الا بعد وجوب المال فصار مقرا بوجوبها وكذلك لو قال فعلت كذا يوم أقرضتني مائة درهم فقد عرفت الوقت الذى أخبر عن الفعل فيه بالزمان الذي أقرضه فيه مائة درهم وذلك اقرار بالاقراض لا محالة وهو سبب لوجوب المال عليه ولو قال أقرضتك مائة درهم فقال لا أعود لها ولا أعود بعد ذلك فهذا اقرار لوجود حرف الكناية؟ في كلامه وهو الهاء ولا يكون العود الا بعد البدإ فيضمن هذا الاقرار بابتداء اقراضه مائة درهم ثم في هذا اظهار وسوء معاملته وقلة مسامحته مع غرمائه وذلك لا يكون الا بعد وجوب المال وكذلك لو قال أخذت منى مائة درهم فقال لا أعود لها فهذا بيان للاخذ عند نفى العود علي من أخذ ضمان المأخوذ إلى أن يرده قال ﷺ على اليد ما أخذت حتى ترد ولو قال لم أغصبك الا هذه المائة كان اقرارا بالمائة لان الاستثناء من النفى اثبات قال الله تعالى ما فعلوه الا قليل منهم والاستثناء من النفى آكد ما يكون من الاثبات دليله كلمة لا إله الا الله فيكون مقرا بغصب المائة بما هو آكد الالفاظ وغير وسوى من حروف الاستثناء بمنزلة قوله الا وكذلك
[ 19 ] لو قال لا أغصبك بعد هذه المائه شيئا فهذا اقرار بالمائة لان معنى كلامه بعد غصبي منك هذه المائة لا أغصبك شيئا فهذا اظهار للتوبة من غصب باشره ووعد من نفسه أن لا يعود إلى مثله وكذلك لو قال لم أغصبك مع هذه المائة شيئا لان مع للضم والقران فقد نفى انضمام شئ إلى المائة في حال غصبه اياها وذلك لا يتحقق الا بعد غصب المائة وكذلك لو قال لم أغصب أحدا بعدك أو قبلك أو معك فهذا كله اقرار بانه قد غصبه اياه لما بينا ولو قال أقرضتك مائة درهم فقال ما استقرضت من أحد سواك أو من أحد غيرك أو من أحد قبلك اولا أستقرض من أحد بعدك أو لم أستقرض من أحد معك فليس شئ من هذا كله اقرار لان معني كلامه لا استقرضت منك ولو صرح بهذا اللفظ لم يلزمه شئ فكذلك إذا أتى بما يدل عليه هذا لان الاستقراض طلب القرض فان أهل النحو يسمون هذه السين سين السؤال وليس كل من طلب شيئا وجده ولا من سئل شيئا أعطى فلم يكن في كلامه ما يكون اقرارا بالسبب الموجب وهذه من أعجب المسائل فان اقراره بفعل الغير بهذا اللفظ موجب للمال عليه بأن يقول أقرضنى مائة درهم واقراره بفعل نفسه لا يكون موجبا بان يقول استقرضت منك ولو قال مالك على مائة درهم أو سوى مائة درهم فهذا اقرار بالمائة لانه استثناء من النفى وذلك دليل الاثبات وكذلك لو قال مالك على أكثر من مائة درهم لان نفيه الزيادة علي المائة دليل على وجوب المائة وما ثبت بالدلالة فهو كالثابت بالنص ولو قال مالك علي أكثر من مائة درهم ولا أقل لم يكن هذا اقرار وكان ينبغى أن يجعل هذا اقرارا بالمائة لانه نفى أن يكون الواجب عليه أكثر من مائة أو اقل من مائة وذلك اقرار بالمائة ولكنه اعتبر الفرق الظاهر وقال في العادة نفى القليل والكثير يكون مبالغة في النفى كمن يقول اليس لك على قليل أو كثير ولا قليل ولا كثير فهذا لا يكون مساسا ثم في كلامه تصريح بنفى ان يكون ما دون المائة واجبا وذلك بنفى أن يكون المائة واجبة ضرورة لان المائة إذا وجبت كان ما دونها واجبا وانما قلنا انه تصريح بنفى وجوب ما دون المائة لان قوله ولا اقل عطف وحكم العطف حكم المعطوف عليه فإذا كان المعطوف عليه نفيا للوجوب فكذلك المعطوف ولو قال لى عليك الف درهم فقال بل تسعمائة كان اقرارا بتسعمائة لان كلامه لا يستقل بنفسه فلا بد من حمله على الجواب معناه بل الواجب تسعمائة وكلمة بل لاستدراك الغلط فقد استدرك غلطه في الزيادة علي هذا القدر في دعواه وذلك لا يكون الا بعد وجوب هذا المقدار فلهذا كان مقرا بتسعمائة. رجل قال
[ 20 ] لآخر أخبر فلانا أن لفلان على الف درهم كان هذا اقرار لان قوله لفلان على ألف درهم اقرار تام من غير ان ينضم إليه الامر بالاخبار فكذلك إذا انضم إليه الامر بالاخبار وفائدته طمأنينة قبل صاحب الحق أنه غير جاحد لحقه بل هو يظهر لذلك عند الناس حين أمرهم بأن يخبروه بذلك الاقرار وكذلك لو قال أعلم فلانا ان لفلان علي ألف درهم أو بشره أو قل له أو أشهد فلانا ان لفلان علي ألف درهم هذا فهذا مثل الاول بل أظهر فان الخبر قد يكون صدقا وقد يكون كذبا والاعلام والبشارة والاشهاد لا يكون الا بما هو صدق وكلمة الاقرار في هذا كله قوله لفلان على ألف درهم ولو قال أخبر فلانا ان لفلان عليك ألف درهم أو أعلمه أو أبشره أو أقول له أو اشهد فقال نعم فهذا كله اقرار لان قوله نعم ليس بمقهوم المعنى بنفسه وهو مذكور في موضع الجواب فصار ما سبق من الخطاب معادا فيه فلهذا كان اقرارا ولو قال وجدت كتابي أن لفلان على ألف درهم أو وجدت في ذكرى أو حسابى أو بخطى أو قال كتبت بيدى أن لفلان على ألف درهم فهذا كله باطل لانه حكى ما وجوده في كتابه وما وجده مكتوبا في كتابه قد يكون غيره كاتبا له وقد يكون هو الكاتب لتجزئة الخيط والعلم والبياض فلا يتعين جهة الاقرار في شئ من هذا الالفاظ بخلاف ما سبق لان قوله هناك لفلان على ألف درهم كلام انشاء والتكلم به من غير انه حكى عن غيره أو عن موضع وجده فيه وكان اقرارا وجماعة أئمة بلخ رحمهم الله قالوا في يذكار الباعه ان ما يوجد فيه مكتوبا بخط البياع فهو لازم عليه لانه لا يكتب في يذكاره الا ما له علي الناس وما للناس عليه ليكون صيانة له عن النسيان كذلك بقلمه والبناء في العادة الظاهرة واجب فعلى هذا إذا كان قال البياع وجدت في يذكارى بخطى أو كتبت في يذكارى بيدى ان لفلان علي ألف درهم كان هذا اقرارا ملزما اياه وان قال بيدى لفلان على صك بألف درهم فهذا اقرار لان الصك اسم خاص لما هو وثيقة بالحق الواجب وقد عابوا على محمد رحمه الله في قوله كتبت بيدي فقالوا الكتابة لا تكون الا باليد فاى فائدة في هذا اللفظ وكنا نقول مثل هذا يذكر للتأكيد قال الله تعالي ولا طائر يطير بجناحيه وقال الله تعالى ولا تخطه بيمينك وهذا لان الكتابة قد تضاف إلى الامر بها عادة وان لم يكتب بنفسه فكان قوله بيدى بيانا يزول به هذا الاحتمال ولو كتب لفلان على نفسه صكا بألف درهم والقول ينظرون إليه فقال لهم اشهدوا على بهذا كان اقرارا جائزا لانه أشهدهم على ما أظهره ببيانه فكأنه أشهدهم ببيانه
[ 21 ] ولا يكون الاشهاد الا ما هو الوثيقة بالحق الواجب. رجل لآخر لا تشهد على لفلان بألف درهم لم يكن هذا اقرارا لانه لو قال اشهد على بألف درهم كان اقرارا وقوله لا تشهد ضد لقوله اشهد فكان موجبه ضد موجب قوله اشهد وكال المعنى فيه انه نهاه عن الشهادة بالزور ومعناه انه ليس له علي شئ فلا يشهد له بالزور على بألف درهم فيكون هذا نفيا للمال على نفسه لا اقرارا به وكذلك لو قال ما لفلان على شئ فلا يخبره ان له على ألف درهم أولا يقل له ان له على ألف درهم لم يكن هذا اقرارا لانه صرح به في الابتداء بالنفى وبين انه له علي انه لا شئ له عليه فكان مراده بعد ذلك لا يخبره بما هو باطل ولا يقل له ما هو زور لا أصل له وآخر الكلام مبنى على أوله خصوصا إذا وصله بحرف الفاء فإذا كان أوله نفيا عرفنا ان آخره ليس باقرار ولو ابتداء فقال لا يخبر فلانا ان له علي ألف درهم أولا يقل لفلان ان له علي ألف درهم كان هذا اقرارا لانه لما لم يذكر النفى في الابتداء كان قوله لا يخبر ولا يقل اسكتاما منه له فيكون اقرارا ومعناه ان وجوب المال له على سر بينى وبينك فلا تظهره باختيارك أو قولك لفلان ثم ذكر بعد هذا في آخر الباب قوله لا يخبر بخلاف قوله أخبروا وعلل فقال لا تخبر نفى وقوله أخبر اقرار فحصل في قوله أخبر روايتان وفي قوله لا تشهد أي لفلان علي ألف درهم الرواية واحدة انه لا يكون اقرارا بخلاف قوله اشهد فمن اصحابنا رحمهم الله من قال الصيح في الاخبار هكذا ان قوله لا تخبر لا يكون اقرارا كما فسره في آخر الباب والذى وقع هنا غلط ومنهم من صحح هذه الرواية وفرق بين قوله لا تخبر ابتداء وبين قوله لا تشهد فقال الشهادة سبب لوجوب الحق قوله لا تشهد معناه ليس له على شئ فاياك أن يكتسب سبب الوجوب بالشهادة له على بالزور فأما الخبر ليس بسبب لوجوب المال فلا يكون قوله لا يخبر نهيا عن اكتساب سبب الوجوب ولكنه استكتام ذلك ودليل على وجوب المال عليه ولو قال لفلان على الف درهم لحقه أو بحقه أو من حقه أو لميراثه أو بميراثه أو من ميراثه أو لملكه أو بملكه أو من ملكه أو لاجله أو من اجله أو لشركته أو بشركته أو من شركته أو لبضاعته أو ببضاعته أو من بضاعته فهذا كله اقرار لان قوله لفلان على الف درهم اقرار تام بالدين وهذا كله يرجع إلى تأكيد ما عليه وقد بينا فيما تقدم ان هذا التأكيد لا ينفى اصل الاقرار وان الشفاعات لا تجى في الديون ليحمل معنى اللام على الشفاعة فلهذا جعلناه اقرارا بالمال وإذا قال لفلان علي الف درهم من ثمن متاع
[ 22 ] اشتريته منه ولم اقبضه فقال ذلك موصولا باقراره لم يصدق في قول ابى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهم الله يصدق إذا كان موصولا ولا يصدق إذا كان مفصولا ثم رجع عن حرف منه وقال إذا كان مفصولا يسأل المقر له عن المال أهو ثمن بيع ام لا فان قال من ثمن البيع فالقول قول المقر انى لم أقبضه وان قال من جهة أخرى سوى البيع فالقول قول المقر له وهذا في الحقيقة ليس برجوع ولكنه تفصيل فيما أجمله من الابتداء وهو قول محمد رحمه الله وجه قولهما ان قوله لفلان على ألف درهم اقرار بوجوب المال عليه وقوله من ثمن بيع اشتريته مه بيان لسبب الوجوب فإذا صدقه المقر له في هذا السبب ثبت السبب بتصادقهما ثم المال بهذا السبب يكون واجبا قبل القبض وانما يتأكد بالقبض فصار البائع مدعيا عليه تسليم المعقود عليه وهو منكر لذلك فجعلنا القول قول المنكر في انكاره القبض وان كذبه في السبب فهذا بيان معبر لمقتضى مطلق الكلام لان مقتضى أول الكلام أن يكون مطالبا بالمال في الحال ولكن على احتمال أن لا يكون مطالبا به حتى يحضر المتاع فكان بيانه معبر إلى هذا النوع من الاحتمال وبيان التغيير صحيح إذا كان موصولا ولا يكون صحيحا إذا كان مفصولا * توضيحه ان هذا بيان يتضمن ابطال ما يجب بالكلام الاول لولا هذا البيان لان ثمن المتاع الذى هو غير معين لا يكون واجبا قبل القبض والبيان الذى فيه معنى الابطال صحيح إذا كان موصولا ولا يصح إذا كان مفصولا كالاستثناء وأبو حنيفة رحمه الله يقول هذا رجوع عما أقربه والرجوع باطل موصولا كان أو مفصولا وبيان ذلك انه أقر بوجوب ثمن متاع بغير عينه عليه وثمن متاع يكون بغير عينه لا يكون واجبا على المشترى الا بعد القبض لان مالا يكون بعينه فهو في حكم المستهلك إذ لا طريق للتوصل إليه فانه ما من متاع يحضره الا وللمشترى أن يقول المبيع غير هذا وتسليم الثمن لا يجب الا باحضار المعقود عليه وفرقنا انه في حكم المستهلك وثمن المبيع المستهلك لا يكون واجبا الا بعد القبض فكأنه أقر بالقبض ثم رجع عنه * توضيحه انه أقر بالمال وادعى لنفسه أجلا إلى غاية وهو احضار المتاع ولا طريق للبائع إلى ذلك ولو ادعى أجل ذلك شهرا ونحو ذلك لم يصدق وصل أم فصل فإذا ادعى أجلا مؤبدا أولى أن لا يكون مصدقا في ذلك وعلى هذا لو قال لفلان على ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير لم يصدق في قول أبى حنيفة رحمه الله وصل أم فصل لانه رجوع فثمن الخمر والخنزير لا يكون واجبا على المسلم وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
[ 23 ] يصح إذا وصل لانه بيان السبب وفيه معنى الابطال فيصح موصولا كالاستثناء ولان الخمر متمول يجري فيه الشح والضنة وقد اعتاد الفسقة شراءها واداء ثمنها فيحتمل انه بنى اقراره على هذه العادة فكان آخر كلامه بيانا هو من محتملات كلامه ولكن فيه تعبير فيصح موصولا كما في الفصل الاول علي قولهما ولو قال ابتعت منه شيئا بألف درهم ثم قال لم اقبضه فالقول قوله لانه أقر بمجرد العقد واقراره بالعقد لا يكون اقرارا بالقبض فهو في قوله لم أقبضه منكر لما ادعاه صاحبه لاراجعا عما أقربه ولو قال لفلان على ألف درهم من ثمن هذا العبد الذى هو في يد المقر له فان أقر الطالب وسلمه له أخذه بالمال لان ما ثبت بتصادقها كالثابت بالمعاينة وان قال العبد عبدك لم ابعكه انما بعتك غيره فالمال لازم له لان المقر اخبر بوجوب المال عليه عند تسليم العبد له وقد سلم العبد له حين اقر ذو اليد انه ملكه فيلزمه المال ثم الاسباب مطلوبة لاحكامها لا لاعيانها فلا يعتبر التكاذب في السبب بعد اتفاقهما على وجوب اصل المال فلهذا لزمه المال ولو قال العبد عبدى ما بعته منك انما بعتك غيره لم يكن عليه شئ لانه انما اقر له بالمال بشرط ان يسلم له العبد ولم يسلم له العبد والمتعلق بالشرط معدوم قبله وقد ذكر في آخر هذا الباب ان أبا حنيفة رحمه الله قال يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وهو قولهما وإذا حلفا لم يلزمه المال وهو صحيح لان المقر ادعي عليه البيع في هذا العبد وهو منكر فيحلف عليه والمقر له يدعى وجوب المال لنفسه بسبب بيع متاع قد سلمه إليه والمقر لذلك منكر فيحلف على دعواه ولان هذا الاختلاف بينهما في المبيع والاختلاف في المبيع يوجب التحالف كالاختلاف في الثمن فإذا تحالفا انتفت دعوى كل واحد منهما عن صاحبه فلهذا لا يقضى عليه بشئ من المال والعبد سالم لمن هو في يده ولو قالوا لفلان عندي وديعة الف درهم ثم قال اقبضها فهو لها ضامن لان أول كلامه صريح باقراره بالقبض لانه لا يصير مودعا ولا يحصل المال عنده ما لم يقبضه فكان قوله لم أقبضها رجوعا وكذلك لو قال له على الف درهم قرض ثم قال لم اقبضها لم يصدق وهذا رجوع كما بينا ولو قال أقرضتني الف درهم أو أودعتني الف درهم أو أسلفتني الف درهم أو أعطيتني الف درهم ولكني لم أقبضها فان قال موصولا كلامه فالقول قوله لان أول كلامه اقرار بالعقد وهو القرض والسلم والسلف والعطية فكان قوله لم أقبضها بيانا لا رجوعا وان قال ذلك مفصولا في القياس القول في ذلك قوله أيضا لما بينا أنه اقرار بالعقد فكان هذا وقوله ابتعت من فلان بيعا سواء * توضيحه
[ 24 ] انه أقر بفعل الغير فانه أضاف الفعل بهذا الالفاظ إلى المقر له فيكون القول في انكاره القبض الموجب للضمان عليه قوله لان فعل الغير ليس بسبب موجب للضمان عليه ولكنه استحسن فقال لا يقبل قوله لان القرض لا يكون الا بالقبض وكذلك السلم والسلف أخذ عاجل بآجل وكذلك الاعطاء فعل لا يتم الا بالقبض فكان كلامه اقرار بالقبض علي احتمال أن تكون هذه الالفاظ عبارة عن العقد مجازا فقوله بيان تعبير فيصح موصولا لا مفصولا ولو قال نقدتني الف درهم أو دفعت إلى الف درهم ولكن لم أقبض فكذلك لا جواب عند محمد رحمه الله لان الدفع والاعطاء سواء كما ثبت في قوله أعطيتني فكذلك في قوله دفعت إلى وبعدتني لانه اخبار بفعل الغير وهذا لا يكون سببا لوجوب الضمان عليه وإذا قال موصولا لم أقبضه كان منكر الا راجعا وقال أبو يوسف رحمه الله لا يصدق وان وصل لان النقد لا يتصور الا بالقبض وكذلك الدفع يستدعي مدفوعا فقوله لم أقبض رجوع فلهذا لا يكون الا صحيحا بخلاف قوله أعطيتني فان هذا اللفظ يستعار للعقد (ألا ترى) أن الهبة تسمى عطية فجلعنا كلامه عبارة عن العقد إذا قال موصولا لم اقبضه ولا يوجد مثل ذلك في النقد والدفع والله أعلم بالصواب * (باب الاقرار في المرض) * (قال رحمه الله روى عن ابن عمر رضي الله عنهما انه قال إذا أقر الرجل في مرضه بدين لرجل غير وارث فانه جائز وان أحاط ذلك بماله وان أقر لوارث فهو باطل) الا أن تصدقه الورثة وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله تعالى في الفصلين وقالوا اقرار المريض للاجنبي من جميع المال صحيح واقراره للوارث باطل وهذا الباب لبيان اقراره للاجنبي فيقول أن الاقرار من جنس التجارة ولهذا يصح اقرار المأذون له في التجارة بسبب المرض ولا يلحقه الحجر عن التجارة مع الاجانب فكان اقراره للاجنبي بدين أو بعين في المرض بمنزلته في الصحة فيكون من جميع ماله وهذا لانه من حوائج الميت فانه يحتاج إلى اظهار ما عليه باقراره ليفك رقبته وحاجته مقدمة على حق ورثته ولهذا اعتبر استيلادة من جميع ماله واعتبر الجهاز والكفن من جميع ماله لانه من أصول حوائجه أو يقول صحة اقراره للاجنبي على قياس صحة وصيته له فان الاصل ان كل تصرف يتمكن المرؤ من تحصيل المقصود به آنسا لا تتمكن التهمة
[ 25 ] في اقراره فيكون صحيحا ومتى لم يقدر علي تحصيل مقصوده بطريق الانساء كان متهما في الاقرار به فلا يصح اقراره في حق الغير (ألا ترى) أن الوكيل بالبيع قبل العزل إذا قال كنت بعت كان اقراره صحيحا بخلاف ما بعد العزل والمطلق قبل انقضاء العدة إذا أقر أنه راجعا صح اقراره بخلاف ما بعد انقضاء العدة والمولى قبل انقضاء المدة إذا قال فئت إليها كان اقراره صحيحا بخلاف ما بعد انقضاء المدة إذا عرفنا هذا فنقول هو مالك لايجاب مقدار الثلث للاجنبي بطريق الهبة والوصية فتنتفى التهمة عن الاقراره له في ذلك القدر وإذا صح اقراره بين ان ذلك القدر ليس من جملة ماله فيصح اقراره في ثلث ما بقي باعتبار أنه يملك الحق فيه بطريق الاستثناء ثم لا يزال يدور هكذا حتى يأتي علي جميع المال الي ما لا يمكن ضبطه فلهذا صححنا اقراره للاجنبي بجميع المال وإذا أقر المريض بدين ثم مات في مرضه ذلك تحاص الغرماء في ماله سواء كال الاقرار منه في كلام متصل أو منفصل لان الاقرارين تجمعهما حالة واحدة وهى حال المرض فكأنهما وجدا معا لان حق الغرماء انما يتعلق بماله بموته ويستند إلى أول المرض لانه سبب الموت والحكم إذا انفرد استند إلى سببه فهنا تعلق الدينان جميعا بماله في وقت واحد وهو عند الموت واستند إلى سبب واحد وهو المرض فاستويا فيه والدليل عليه انه كما يصير بسبب الدين الاول محجورا عليه عن التبرع عند الاقرار الثاني يصير بسبب الاقرار الثاني محجورا عليه عن التبرع عند الاقرار الاول لانه لو أقر بدين أولا ثم وهب شيئا لم تصح هبته حتى يقضى الدين وكذلك لو وهب أولا في مرضه ثم أقر بدين لم يصح هبته حتى يقضي الدين فيتبين بهذا ان الدينين استويا في القوة وان سبب كل واحد منهما يثبت الحجر عن التبرع عند الاقرار الاخر فيتحاصان وكذلك لو أقر بدين ثم بوديعة لانه لما سبق الاقرار بالدين فقد ثبت في ذمته علي أن يتعلق بتركته عند موته وما في يده تركته من حيث الظاهر فاقراره بعد ذلك بوديعة بعينها لا يكون صحيحا في ابطال ما كان بفرض الثبوت فهو كالثابت لتقرر سببه وتعلق الدين بالمال عند الموت لخراب الذمة وسبب الموت هو المرض فيستند حكم الخراب إلى أول المرض ويصير كأن الدين كان متعلقا بهذه العين حين أقر بأنه وديعة فلا يقبل اقراره في ابطال حق الغريم عنه وإذا لم يقبل اقراره بذلك صار هو مستهلكا للوديعة بتقديم الاقرار بالدين عليها والاقرار بالوديعة المستهلكة اقرار بالدين فكأنه أقر بدينين فيتحاصان ولو أقر بالوديعة أو لا ثم بالدين فالوديعة أولى لانه حين أقر بها لم يكن
[ 26 ] لاحد فيها حق ثابت ولا كان يعرض الثبوت فصح اقراره بالعين مطلقا وتبين أنها ليست بتركته ثم اقراره بالدين بعد ذلك انما يكون شاغلا لتركته لا لما لم يكن من جملة ملكه وهذا بخلاف ما إذا وهب عينا وسلم ثم أقر بالدين لان الهبة وان نفذها في مرضه صار كالمضاف الي ما بعد الموت حتى تعتبر من ثلثه ولا يتبين بالهبة ان الموهوب لم يكن مملوكا له فيتعلق به حق الغريم المقر به بعد ذلك فكان هو أولى من الموهوب له فأما اقراره بالوديعة لم يصير كالمضاف إلى ما بعد الموت بل ثبت بنفسه كما أقر به ويتبين ان هذه العين لم تكن ملكا له فلهذا لا يثبت حق المقر له بالعين بعد ذلك فيه ولو كان عليه دين في الصحة وأقر في مرضه بدين أو وديعة كان دين الصحة مقدما على ما أقر به في المرض عندنا وقال ابن أبى ليلي رحمه الله ما أقر به في الصحة والمرض من الدين فهو سواء وهو قول الشافعي رحمه الله * وحجتهما في ذلك ان الاقرار من جنس التجارة وبسبب المرض انما يلحقه الحجر عن التبرع لا عن التجارة (ألا ترى) ان سائر تصرفاته من البيع والشراء صحيح في مرضه علي الوجه الذى يصح في صحته وكذلك اقراره وهذا لان الاقرار اظهار للحق الواجب عليه وذلك من أصول حوائجه وقد بينا ان حاجته مقدمة في ماله بخلاف التبرع فانه ليس من حوائجه ولهذا كان معتبرا من ثلث ماله والاقرار يكون معتبرا في جميع ماله والدليل عليه ان الاقرار خبر متمثل بين الصدق والكذب فانما جعل حجة ليترجح جانب الصدق باعتبار أن عقله ودينه يدعوانه إلى الصدق ويمنعانه من الكذب وكذلك شفقته على نفسه وماله تحمله على الصدق وتمنعه من الكذب وهذا المعنى لا تختلف بين الصحة والكذب بل يزداد معنى رجحان جانب الصدق والكذب ولان في حال الصحة كان الامر موسعا عليه فربما يؤثر هواه على ما هو المستحق عليه فيقر بالكذب وبالمرض يضيق الامر عليه في الخروج عن المستحق عليه فلا يؤثر هواه على صرف المال على ما هو المستحق عليه وهو معنى ما قيل ان المرض حال النوبة والانابة يصدق فيه الكاذب ويبر فيه الفاجر فتنتفى تهمة الكذب عن اقراره ويكون الثابت بالاقرار في هذه الحال كالثابت بالبينة فكان مزاحما لغرماء الصحة * وحجتنا في ذلك ان أحد الاقرارين وجد في حال الاطلاق والاخر في حال الحجر فيقدم ما وجد في حال الاطلاق علي ما وجد في حال الحجر وانما قلنا ذلك لان بسبب المرض يلحقه الحجر ليتعلق حق الغرماء والورثة بماله حتى لا يجوز تبرعه بشئ إذا كان عليه دين محيطا وبما زاد على الثلث إذا لم يكن عليه دين لتعلق
[ 27 ] حق الورثة بماله ولانا نقول بان الحجر يلحقه عن التبرع لانه تبرع بل لانه مبطل حق الغرماء عن بعض ماله وكما يبطل حقهم عن بعض ماله بالتبرع فكذلك يبطل حقهم باثبات المزاحمة للمقر له في المرض معهم فكان مجحورا عن الاقرار لحقهم بخلاف سائر التجارات فانه ليس فيه ابطال حق الغرماء عن شئ مما يتعلق حقهم به فانه تعلق حقهم بالمالية والتجارة لا سيما المال فليس فيه ابطال شئ من حقهم حتى لو كان البيع بمحاباة لم تصح المحاباة في حقهم لما فيه من ابطال حقهم عن بعض المالية ولانا قد بينا أن حق الغرماء وان كان يتعلق بالموت بماله يستند حكم التعليق إلى أول المرض لانه سبب الموت كالبيع بشرط الخيار إذا أخبر استند حكم الملك إلى أولى البيع حتى يستحق المشترى الزوائد فيتبين بهذا أن حق الغرماء الصحة تعلق بماله بأول المرض وصار ماله كالمرهون في حقهم فبعد ذلك اقراره في المرض غير صحيح فيما يرجع إلى ابطال حقهم لان اقرار المقر محمول على الصدق في حقه حتى يكون حجة عليه فاما في حق الغير هو محمول على الكذب لكونه متهما في حق الغير وهذا بخلاف السبب المعاين من غصب أو استهلاك لانه لا تمكن فيه التهمة فيظهر السبب في حق غرماء الصحة كما يظهر في حق المريض فيكون ذلك بمنزلة الدين الثابت بالبينة في مرضه وقوله بأن المرض دليل على صدقه في اقراره قلنا هذا في حق من ترجح أمر دينه علي هواه على أمر دينه فهذه الحال حال المبادرة إلى ما كان يريده ويهواه ما كان قدم بعينه فيها فلما آيس من نفسه أثر من يهواه على ما هو المستحق بماله وليس معتاد كندر تمييز احدى الحالين عن الاخرى فجعلنا الدليل معنى شرعيا وهو إذا كان ممكنا من تحصل مقصوده بطريق الانساء لا تتمكن التهمة في اقراره ففى حال الصحة كان متمكنا من تحصيل مقصوده لطريق الانساء فلا تتمكن التهمة في اقراره فاما إذا مرض وعليه دين فهو غير متمكن من تحصيل مقصوده مالانساء لان الدين مقدم على تبرعه فيحمله ذلك على الاقرار كاذبا لتحصيل مقصوده بهذا الطريق فلهذا لا يصدقه في حق غرماء الصحة ولو استقرض في مرضه مالا أو اشترى شيئا وعاين الشهود قبضه ذلك فهذا يحاص غرماء الصحة لانه لا يتمكن التهمة فيما يثبت بمعاينة الشهود وليس فيه ابطال حق الغرماء عن شئ بل فيه تحويل حقهم من محل إلى محل بعد له فظهر هذا السبب في حقهم وكان صاحبه مزاحما لهم في الشركة ولو لم تكن التركة الا عين المال الذى أخذه قرضا أو بيعا فهو كذلك لان بالقبض ثم ملكه فكان من جملة تركته عند موته يتعلق به حق جميع غرمائه والبائع انما
[ 28 ] يكون أحق بالمبيع ما لم يسلم فاما إذا سلم فقد أبطل حقه في الاختصاص كالمرتهن إذا رد الرهن كان مساويا لسائر الغرماء فيه ولما التحق ما وجب بالسبب المعاين في المرض بالواجب في حال الصحة حتى استوى به كان مقدما على ما أقر به في المرض بمنزلة دين الصحة وهذا لان السبب المعاين أو الثابت بالبينة يكون أقوى من الثابت بالاقرار والحكم يثبت بحسب السبب والحقوق تترتب بحسب القوة والضعف (ألا ترى) أن الكفن مقدم على الدين في التركة لقوة سببه ثم الدين مقدم على الوصية والميراث فكذلك هنا ولو قضي دين هذا الذى أخذ منه في المرض كان جائزا وهو له دون غرماء الصحة لانه حول حق الغرماء من محل إلى محل بعدله فليس في هذا القضاء لفظا ابطال حقهم عن شئ فكانت مباشرته في المرض والصحة سواء أرأيت لو ردما استقرض بعينه أو فسخ البيع ورد المبيع بعيب أكان يمتنع سلامته للمردود عليه لحق غرماء الصحة لا يمتنع ذلك فكذلك إذا رد بدله لان حكم البدل حكم المبدل ولو قضي بعض غرماء الصحة دينه ثم مات لم يسلم المقبوض للقابض بل يكون ذلك بين الغرماء بالحصص عندنا وعند الشافعي رحمه الله يسلم له وهو بناء على أصله أن بسبب المرض لا يلحقه الحجر عن السعي في فكاك رقبته وقضاء الدين سعى منه في فكاك رقبته فكان فعله في المرض والصحة سواء وهذا لانه ناظر لنفسه فيما يصنع فانه قضي دين من كان حاجته أظهر ومن يخاف أن لا يسامحه بالابراء بعد موته بل يخاصمه في الاخر وتصرفه علي وجه النظر منه لنفسه يكون صحيحا لا يرد ولنا ان حق سائر الغرماء تعلق بماله بالمرض فهو بقضاء دين بعضهم مبطل حق سائر الغرماء عما دفعه إلى هذا وهو لا يملك ابطال حق الغرماء عن شئ مما تعلق حقهم به كما لو وهبت شيئا بخلاف ما تقدم من قضاء الثمن وبدل القرض لانه ليس فيه ابطال حق الغرماء عن شئ من المالية كما قدرنا * توضيحه ان هذا إيثار منه لبعض الغرماء بعد ما تعلق حقهم جميعا بماله فهو نظير ايثاره بعض الورثة بالهبة والوصية له بعد ما تعلق حق الورثة بماله وذلك مردود عليه مراعاة لحق سائر الورثة فكذلك هذا ولو قرض وفي يده ألف درهم وليس في يده ألف درهم وليس عليه دين الصحة فأقر بدين ألف درهم ثم أقر بأن الالف التى في يده وديعة لفلان ثم أقر بدين ألف درهم ثم مات قسمت الالف بينهم أثلاثا لانه لما قدم الاقرار بالدين فاقراره بالوديعة بعده بمنزلة الاقرار بالدين فكأنه أقر بثلاثة ديون في مرضه فيقسم ما في يده بينهم بالسوية ولو قال صاحب الدين الاول لا حق لى قبل الميت أو قد أبرأته من دينى كانت
[ 29 ] الالف بين صاحب الوديعة وبين الغريم الاخر نصفين لان مزاحمة الثالث قد زالت فيتحاصان فيه ولا يبطل حق الغريم الآخر بما قال الغريم الاول اما إذا ابرأه فظاهر لان بالابراء لم يتبين انه دينه لم يكن واجبا وكذلك ان قال لا حق لى على الميت لان اقراره كان صحيحا ملزما ما لم يرده المقر له وذلك كان مانعا من سلامة العين للمقر بالوديعة وقد تثبتت المزاحمة للغريم الاخر معه فإذا رد المقر له الاول ورده عامل في حقه لا في ابطال حق الغريم الاول فكان في حقه وجود هذا الرد وعدمه بمنزلة واحدة فلهذا كانت الالف بين صاحب الوديعة والغريم الاخر نصفين. رجل قال لفلان على أبى ألف درهم وجحد ذلك وجحد المقر عليه ثم مرض المقر ومات الجاحد والمقر وارثه وعلى المقر دين في الصحة ثم مات وترك ألفا ورثها عن الجاحد (قال) غرماء المقر في صحته أحق بهذا الالف من غرماء الجاحد لان أصل الاقرار من المقر لم يكن صحيحا لكونه حاصلا علي غيره ولا ولاية له على الغير فإذا مات الجاحد والمقر وارثه الان صح اقراره باعتبار ان تركته صارت مملوكة للمقر ارثا ويجعل هو كالمحدود لاقراه في هذا الحال وهو في هذه الحال مريض لو أقر على نفسه لم يكن المقر له مزاحما لغرماء الصحة فإذا أقر على مورثه أولا أن يكون المقر له مزاحما لغرماء الصحة ولان صحة القراره علي مورثه لما كان باعتبار ما في يده من التركة صار هذا بمنزلة الاقرار منه بالعين واقرار المريض يصح في حق غرماء الصحة فكذلك اقراره على مورثه والدليل علي انه جعل كالمحدود للاقرار في الحال انه لو كان أقر على مورثه بعتق عبده ثم مات المورث حتى نفذ اقراره كان معتبرا من ثلث مال المريض وجعل كانه آنسا للاقرار بالعتق في الحال فكذلك هنا يجعل كانه الاقرار فلا يزاحم المقر له الغرماة في حال الصحة وإذا أقر المريض بألف درهم بعينها انها لقطة عنده ليس له مال غيرها فانه يصدق بثلثها فيتصدق بالثلث في قول أبى يوسف رحمه الله وقال محمد رحمه الله ان لم تصدقه الورثة فهى ميراثه كلها لا يتصدق بشئ منها * وجه قوله انه أقر بالملك فيها لمجهول والاقرار للمجهول باطل كما لو أقر لواحد من الناس بعين أو دين وإذا بطل الاقرار صار كأن لم يوجد ثم اقراره بأنها لقطة لا يتضمن الاقرار بالتصدق بها لان التصديق باللقطة ليس بلازم وللملتقط أن يمسكها ولا يتصدق بها وان طالت المدة وانما يرخص له في التصدق بها ان بينا حفظا على المالك لانه لما تعذر عليه اتصال عينها إليه يوصل ثوابها إليه بالتصدق بها وليس ذلك بمستحق عليه شرعا
[ 30 ] (ألا ترى) انه لو حضر المالك بعد ما تصدق بها كان له أن يضمنه فيثبت أن اقراره باللقطة لا يتضمن الامر بالتصدق بها لا محالة فلهذا لا يجب على الورثة التصدق بشئ منها ولابي يوسف رحمه الله انه أقر ان ملكه عن هذا المال مستحق والارث عنه منتفى لقربه تعلقت به حقا للشرع فوجب تقييد تلك القربة عند اقراره من ثلث ماله كما لو أقر بمال في يده أنه صدقه للمساكين بزكاة واجبة عليه أو عشر أو نذر وجب تقيده من الثلث وانما قلنا ذلك لان السبيل في اللقطة التصدق بها عند تعذر اتصالها إلى مالكها هكذا نقل عن ابن مسعود رضى الله عنه انه تصدق بمال في يده لغائب ثم قال هكذا يصنع باللقطة ولاية في التصدق بها في الملتقط لانه يخرج به عما لزمه عن عهدة الحفظ واقرار المريض معمول به فيما يرجع إلى حاجة خروجه عما لزمه من العهدة لا طريق له إلى ذلك الا بالتصدق بها فصار اقراره كالامر للورثة أن يتصدقوا به دلالة وما يثبت بدلالة النص فهو كالمنصوص عليه فعليهم أو يتصدقوا به من ثلثه * يقرره انهم لو صدقوه في ذلك كان عليهم أن يتصدقوا بها وفي مقدار الثلث المريض مستغن عن تصديق الورثة فيما هو موجب تصرفه فإذا كان عند تصديقهم يجب التصديق به بحكم ذلك الاقرار فكذلك عند عدم تصديقهم يجب التصديق من ثلث ماله. وإذا تزوج المريض امرأة على ألف درهم وهي مهر مثلها كانت المرأة استوت لغرماء الصحة في مهرها لان وجوب دينها بسبب لا تهمة فيه وهو النكاح ثم هذا السبب من حوائج المريض لان النكاح في الاصل عقد مصلحة مشروع للحاجة وبمرضه تزداد حاجته إلى ما يتعاهده وهو غير محجور عن التزام الدين بمباشرة ما هو من حوائجه كاستئجار الاطباء وشراء الادوية ثم مهر المثل لا يجب بالتسمية بل انما يجب شرعا بصحة النكاح (ألا ترى) انه بدون التسمية يجب فلا يكون المريض بالتسمية قاصدا إلى ابطال حق الغرماء عن شئ مما يتعلق حقهم به فلهذا صح منه وكانت مزاحمة غرماء الصحة مقدمة علي ما أقر ما به في مرضه من دين أو وديعة لقوة سبب حقها ولو أوفاها المهر وعليه دين في الصحة لم يسلم لها ما قبضت لانه خصها بقضاء دينها وقد بينا ان المريض لا يملك تخصيص بعض غرماء الصحة بقضاء الدين وهذا لان المهر بمقابلة البضع والبضع ليس بمال متقوم يتعلق به حق الغرماء فكان هذا في حق الغرماء ابطالا لحقهم بايثارها بقضاء دينها بخلاف بدل المستقر أو المستقرض لان ما وصل إليه بمقابلة مال يتعلق به حق الغرماء فلم يكن في تصرفه ابطال حقه عن شئ معين فلهذا كان صحيحا والله أعلم
[ 31 ]
- (باب الاقرار للوارث وغيره من المريض) * (قال رحمه الله ولا يجوز اقرار المريض لوارثه بدين أو عين عندنا وقال الشافعي رحمه الله يجوز بناء علي اصله باكثر من الثلث فكان قدر الثلث في حق الوارث بمنزلة ما زاد عليه في حق الاجنبي والدليل عليه أن اقراره بالوارث صحيح فكذلك اقراره للوارث) لان في كل واحد من الاقرارين اصرار بالوارث المعروف * وحجتنا في ذلك قول النبي ﷺ الا لا وصية للوارث ولا الاقرار بالدين الا أن هذه الزيادة سائرة غير مشهورة وانما المشهور قول ابن عمر رضى الله عنه لما روينا وقول الواحد من فقهاء الصحابة رضى الله عنهم عندنا مقدم علي القياس والمعنى فيه انه آثر بعض ورثته بشئ من ماله بمجرد قوله فلا يصح منه كما لو أوصي له بشئ وهذا لان محل الوصية هو الثلث فانه خالص حق الميت قال ﷺ قال ان الله تعالى يصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة على أعمالكم ثم لم يجز وصيته به للوارث مع أنه خالص حقه فيكون ذلك دليلا علي أنه محجور عن اتصال المنفعة إلى الوارث واقرار المحجور لا يصح كاقرار الصبي والمجنون الا أن هذا الحجر لحق الورثة فإذا صدقوه نفذ كما إذا أجازوا وصيته * توضيحه أن جميع المال محل الاقرار بالدين كما أن الثلث محل الوصية ثم لم يجز تصرفه مع الوارث بالوصية في محلها وكذلك لا يجوز مع الوارث بالاقرار في ماله وهذا لان حق الورثة قد تعلق بماله بمرضه فيكون اقراره لبعضهم إيثارا منه للمقر له بعد ما تعلق حقهم جميعا به فلا يصح ويجعل اقراره محمولا علي الكذب في حقهم ولان الاقرار وان كان اخبارا في الحقيقة فقد جعل كالايجاب من وجه حتى أن من اقر لانسان بجارية لا يستحقق أولادها فإذا كان كالايجاب من وجه فهو ايجاب مال لا يقابله مال والمريض ممنوع عن ميله مع الوارث أصلا فرجحنا هذا الجانب في حق الوارث ورجحنا جانب الاقرار في حق الأجنبي وصححناه في جميع المال وقد بينا في الباب المتقدم أن صحة اقراره للاجنبي باعتبار وصيته له وهذا لا يوجد في حق الوارث فاما الاقرار بالوارث فلم يلاق محلا يتعلق به حق الورثة لان حق الورثة انما يتعلق بالمال قال ﷺ انك ان تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ولان الاقرار بالسبب من حوائج الميت كيلا يضيع ماؤه فكان مقدما على حق ورثته (ألا ترى) أن الحجر
[ 32 ] بسبب المرض وكما لا يصح اقرار المريض بادين لوارثه فكذلك اقراره باستيفاء دينه من وارثه الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله فانه فرق بينهما فقال الوارث لما عامله في الصحة فقد استحق براءة ذمته عند اقراره باستيفاء الدين منه فلا يتغير ذلك الا ستحقاق بمرضه (الا ترى) أنه لو كان دينه على أجنبي فاقر باستيفائه في مرضه كان صحيحا في حق غرماء الصحة وان كان اقراره بالدين لا يصح في حق غرماء الصحة * وحجتنا في ذلك ان اقراره بالاستيفاء في الحاصل اقرار بالدين لان الديون يقضى بامثالها فيجب للمديون على صاحب الدين عند القبض مثل ما كان له عليه ثم يصير قصاصا بدينه فكان هذا بمنزلة الاقرار بالدين للوارث ليس بصحيح فكذلك اقراره بالاستيفاء منه وهذا بخلاف اقراره بالاستيفاء من الاجنبي لان المنع هناك لحق غرماء الصحة وحق الغرماء عند المرض لا يتعلق بالدين انما يتعلق بما يمكن استيفاء ديونه منه والدين ليس بمال على الحقيقة ولا يمكن استيفاء ديونه منه فاقراره بالاستيفاء لم يصادف محلا يتعلق حقهم به فاما حق الورثة يتعلق بالعين والدين جميعا لان الورثة خلافة والمنع من الاقرار للوارث انما كان لحق الورثة واقراره بالاستيفاء في هذا كالاقرار بالدين لانه يصادف محلا هو مشغول بحق الورثة وإذا أقر المريض لوارثه بدين فلم يمت المريض حتى صار الوارث غيره بأن كان أقر لاخيه فولد له ابن أو كان ابنه كافرا أو رقيقا فأسلم أو عتق وصار هو الوارث دون الاخ جاز اقراره له لان المانع من صحة الاقرار كونه وارثه والوراثة انما تثبت عند المورث فإذا لم يكن من ورثته عند الموت كان هو والاجانب سواء (ألا ترى) انه لو تبرع عليه بهبة أو وصية جاز من ثلثه ولان الاقرار من المقر صحيح في حقه حتى إذا لم يكن له وارث سوى المقر له جاز الاقرار وكان هو مؤاخذا بما أقر به ما لم يمت لان بطلان اقراره بمرض الموت ولا يدرى أيموت في هذا المرض أو يبرأ فعرفنا أن اقراره للحال صحيح انما يبطل عند موته باعتبار صفة الوارثة في المقر له فإذا لم يوجد نفى صحيحا وجعل خروج المقر له من أن يكون وارثا بمنزلة من لم يقر في مرضه وان كان أقر له وهو غير وارث ثم صار وارثا يوم موته بان أقر لاخيه وله ابن ثم مات الابن قبله حتى صار الاخ وارثا بطل اقراره له عندنا وقال زفر رحمه الله اقراره له صحيح لان الاقرار موجب الحق بنفسه فانما ينظر إلى حال الاقرار وقد حصل لمن ليس بوارث فلا يبطل بصيرورته وارثا بعد ذلك كما لو أقر له في صحته ثم مرض وكما لو أقر لاجنبية ثم تزوجها وبهذا فارق
[ 33 ] الهبة والوصية لانها مضافة إلى ما بعد الموت حقيقة أو حكما (ألا ترى) أنه لو وهب لاجنبية ثم تزوجها ثم مات لم تصح الهبة ونظر فيه إلى وقت الموت لا إلى وقت الهبة بخلاف الاقرار فكذلك هنا ولنا أنه ورث بسبب كان يثبت قائما وقت الاقرار فيتبين أن اقراره حصل لوارثه وذلك باطل وهذا لان الحكم مضاف إلى سببه فإذا كان السبب قائما وقت الاقرار تثبت صفة الوارثة للمقر له من ذلك الوقت بخلاف الاجنبية إذا تزوجها لانها صارت وارثة بسبب حادث بعد الاقرار والحكم لا يسبق سببه فلا يتبين أن الاقرار حين حصل كان للوارث وبخلاف ما لو أقر في الصحة ثم حصل له مرض حادث بعد الاقرار فالحجر بسببه لا يستند إلى وقت الاقرار؟ ثم الفرق بين الاقرار والوصية أو الهبة في حق من صار وارثا بسبب حادث من مولاته؟ أو زوجته أن الاقرار ملزم بنفسه وتبيين أن المقر به ليس من تركته فالوارثة الثالثة بسبب حادث بعده لا يكون مؤثرا فيه فاما الهبة والوصية كالمضاف إلى ما بعد الموت فإذا صار من ورثته بسبب حادث كان المانع قائما وقت لزومه فلهذا لا يصح وهو نظير اقرار المريض بالوديعة مع الهبة علي ما بينا في الباب المتقدم وان كان يوم أقر له وارثه بموالاه أو زوجته ويوم مات وارثه وقد خرج فيما بين ذلك من أن يكون وارثه يثبتونه أو فسخ الموالاه فالاقرار باطل في قول أبى يوسف رحمه الله وهو دائر في قول محمد رحمه الله * وجه قوله انه انما ورث بسبب حادث بعد الاقرار فلا يؤثر ذلك في ابطال الاقرار كما في الفصل المتقدم وهذا لان عقد الاول قد ارتفع ولم يرث به فكان وجوده عند الاقرار كعدمه والعقد الثاني متجدد وهو غير الاول ولا أثر له في ابطال الاقرار وهو قياس ما لو أقر به في مرضه ثم صح ثم مرض ومات وأبو يوسف رحمه الله يقول الاقرار حصل للوارث وتثبت له هذه الصفة عند الموت وكان الاقرار باطلا كما لو ورث باخوة كانت قائمة وقت الاقرار وهذا (لا؟) انما لا يصح ليمكن تهمة الايثار فإذا كان سبب الوارثة موجدا وقت الاقرار كانت هذه التهمة متمكنة والعقد المتحدد قام مقام العقد الاول في تقرر صفة الوارثة عند الموت فيجعل كأن الاول قائم له بخلاف ما إذا انعدمت صفة الوارثة عند الاقرار لان تهمه الوارثة غير متقررة ثمة فصح الاقرار مطلقا ولو أقر لوارثه أو لاجنبي ثم مات المقر له ثم مات المريض ووارث المقر له من ورثه المريض لم يجز ذلك الاقرار في قول أبو يوسف الاول رحمه الله وهو جائز في قول الاخر وهو قول محمد
[ 34 ] رحمه الله * وجه قوله الاول أن لاقرار حصل وسبب الوراثة بينه معين لمقر له قائم وحكمه عند الموت فانما يتم لمن هو وارثه فلم يجز الاقرار ليمكن تهمة لايثار ووارث المقر له حلف عنه قائم مقامه فيما هو حكم الاقرار فإذا كان هو وارثا للمقر جمل بقاؤه عند موت المقر كبقاء المقر له بنفسه * وجه قوله الاخر أن حياة الوارث عند موت المورث شرط ليتحقق له صفة الوارثة وهنا المقر له لما مات قبله فقد تبين له أن الاقرار حصل لغير الوارث فيكون صحيحا ووارث لنقر له ليس بملكه من جهة المقر انما يملكه بسبب الوراثة بينه وبين المقر وذلك غير مبطل للاقرار (ألا ترى) أنه لو أقر بعين لاجنبي فباعه الاجنبي من وارث المقر أو وهبه له أو تصدق؟ به عليه كان الاقرار صحيحا فكذلك هنا وكذلك اقرار المريض بعبد في يده انه لاجنبي فقال الاجنبي بل هو لفلان وارث المريض لم يكن لى فيه حق علي قول أبى يوسف رحمه الله اقرار المريض باطل لان المقر له لما حوله إلى وارث المريض صار كأن المريض أقر لوارثه ابتداء وهذا بخلاف ما إذا ملكه بسبب أنساه لان ذلك ملك آخر يحدث للوارث بسبب متجدد غير الملك الحاصل باقرار المريض فاما هنا انما يحصل له ذلك الملك الثابت باقرار المريض لانه حوله بعينه إلى وارث المريض ونفاه عن نفسه وفي قوله الاخر يقول الاقرار صحيح لان وارث المريض لم يملكه باقرار المريض وانا يملكه باقرار الاجنبي له بالملك واقراره له بالملك صحيح وقوله الاخر أقرب إلى القياس من قوله الاول آخذا بالاحتياط لتمكن تهمة المواضعة بين المريض والاجنبي على أن يقر المريض له ليقر هو لوارثه فيحصل مقصوده في الايثار بهذا الطريق ولو أقر الاجنبي أن العبد حر الاصل وان المريض كان أعتقه في صحته عتق ولا شئ عليه في القولين جميعا أما على قوله الاخر فغير مشكل وعلي القول الاول كذلك لان اعتاقه من جهة المريض هنا غير ممكن فانه يعقب الولاء وليس للمقر له فلا بد من أن يجعل كالقاتل لاقرره ثم العتق بخلاف الاقرار فهناك يمكن تحويل الملك الثابت له بالاقرار إلى الوارث على أن يتقدم عليه فيحصل الملك له باقرار المريض من غير ان يحصل للمقر له الاول واقراره بالتدبير والكتابة بمنزلة اقراره بالعتق من حيث أن يجعل كالقابل لاقرار المريض ثم المستثنى للكتابة والتدبير من جهته ولا يجوز اقرار المريض لقاتله بدين إذا مات في ذلك من جنايته لان الاقرار للقاتل بمنزلة الاقرار للوارث فانه عاجز عن اتصال النفع إليه بانساء التبرع لان الهبة والوصية للقابل لا تصح كما لا يصح
[ 35 ] للوارث فيكون متهما في اخراج الكلام مخرج الاقرار فان (قيل) العاقل لا يؤثر قائله على ورثته بالاقرار له كاذبا فتنتفى تهمة الكذب عن اقراره هنا (قلنا) قد بينا ان الصدق والكذب في اقراره لا يعرف حقيقة فانما يعتبر فيه الدليل الشرعي وهو تمكنه من تحصيل مقصوده بانساء التبرع وعدم تمكنه من ذلك وهذا لان أحوال الناس مختلفة في هذا فقد يؤثر الشخص قابله لمثل في قلبه إليه أو قصده إلى مجازات اساءته بالاحسان فتتمكن التهمة باعتبار هذا المعنى ولكن الشرط أن يموت من جنايته لانه إذا مات من غير جنايته لم يكن قابلا له بل يكون خارجا له وعلى قول الشافعي رحمه الله الاقرار للقابل صحيح على قياس مذهبه في الاقرار للوارث وان لم يكن يوم أقر صاحب فراش جاز اقراره لان المريض انما يفارق الصحيح بكونه صاحب فراش فان الانسان قل ما يخلو عن نوع مرض عادة ولا يعطى له حكم المريض ما لم يكن صاحب فراش فإذا صار بجنايته صاحب فراش فهو مريض وإذا لم يصر صاحب فراش فهو صحيح والاقرار الصحيح جائز لقائله ولوارثه كما يجوز تبرعه عليه وبهذا تبين فساد قول من يقول من مشايخنا رحمهم الله إذا كان خطا بنفسه ثلاث خطوات أو أكثر فهو ليس بمريض في حكم التصرفات لانه اعتبر أن يكون صاحب فراش وصاحب الفراش قد يمشى بنفسه لجنايته وقد يتكلف بخطوات يخطوها فلا يخرج به من أن يكون مريضا ولا يجوز اقرار المريض لعهد وارثه ولا لعبد قائله ولا لمكاتب لان كسب العبد لمولاه فانه يخلفه في الملك بذلك السبب بخروج العبد من أن يكون أهلا للملك فكان الاقرار للعبد بمنزلة الاقرار لمولاه وكذلك للمولي في كسب المكاتب حق الملك وينقلب ذلك حقيقة ملك بعجزه فيمن هذا الوجه اقراره للمكاتب بمنزلة اقراره لمولاه وفرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبين الهبة فقال إذا وهب لعبد أخيه لم يجعل بمنزلة الهبة لاخيه في المنع من الرجوع وهنا جعله كالاقرار للمولي في انه باطل والفرق ان المبطل للاقرار هنا انتفاع الوارث باقرار المريض ومنفعة المالية ويمكن تهمة الايثار له على سائر الورثة وهنا متحقق في الاقرار للعبد والمكاتب وهناك المثبت لحق الرجوع قصده عند الهبة إلى العوض والمكافأت وعدم سلامة هذا المقصود له وذلك قائم إذا كان القائل للهبة أجنبيا وان كان الملك يحصل لذى لرحم المحرم فلهذا يثبت له حق الرجوع فيه ولو اقر المريض بدين لوارثه ولاجنبي فاقراره باطل لما فيه من منفعة الوارث فان ما يحصل للاجنبي بهذا الاقرار يشاركه الوارث فيه بخلاف ما إذا
[ 36 ] أوصى لوارثه ولاجنبي فان الوصية تصح في نصب الاجنبي لان ذلك أنسا عقدا فإذا صححناه في حق الاجنبي لم ينتفع به الوارث والاقرار اخبار بدين مشترك بينهما فإذا صححناه في نصب الأجنبي انتفع الوارث بالمشاركة معه في ذلك فان كان كاذبا بالشركة بينهما أو أنكر الاجنبي الشركة وقال لى عليه خمسمائة ولم يكن بينى وبين وارثه هذا شركة لم يصح اقراره ايضا في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وصح في قول محمد رحمه الله في نصب الاجنبي وجه قوله أنه لمهما بالمال وادعى عليها الشركة في المقر به وقد صدقاه فيما اقر وكذباه فيما ادعى عليهما أو أنكر الاجنبي الشركة التى ادعاها إليه فلم تثبت الشركة بوقله وإذا لم تثبت الشركة بقى اقراره للاجنبي صحيحا لان المانع من صحة الاقرار كان منفعة الوارث وعند انتفاع الشركة لا منفعة للوارث في صحة اقراره للاجنبي * وجه قولهما أن الاقرار وقع فاسدا بمعنى من جهة المقر وهو قصده إلى اتصال المنع وإلى وارثه فلا ينقلب صحيحا لمعنى من جهة المقر له لان فساده مانع من صيرورته دينا في ذمة المقر وليس للمقر له ولاية على ذمته في الزام شئ فلا نقدر على تصحيح اقراره لما فيه من الزام الدين في ذمته بخلاف ما إذا أقر بعبد في يده لهذا أو هذا فاصطلحا كان لهما أن يأخذاه لان فساد الاقرار هناك ليس بمعنى من جهة المقر وهو عجز المجهول عن المطالبة به وقد زال ذلك باصطلاحهم وإذا كان المفسد معنى من جهتهما ولهما ولاية على أنفسهما صح منهما ازالة المفسد بالاصطلاح وكلام محمد رحمه الله ليس بقوى لانه ما أقر لهما بالمال الا بصفة الشركة بينهما ولا يمكن اثباته مشتركا لما فيه من منفعة الوارث ولا يمكن اثباته غير مشترك لان ذلك غير ما أقربه وهذا بخلاف ما لو أقر بالمال مؤجلا لان الاجل ليس بصفة للمال وكيف يكون صفة للمال وهو حق من عليه المال (ألا ترى) ان بعد حلول الاجل يبقى المال كما كان فأما هنا كونه مشتركا بينهما صفة لهذا الدين فلا يمكن اثباته بدون هذه الصفة لان الدين انما وجب بسبب وإذا وجب مشتركا بذلك السبب لا يصير غير مشترك مع بقاء ذلك السبب ما دام دينا لان إيقاع الشركة يكون بالقسمة وقسمة الدين لا تجوز فإذا ثبت انه لا يمكن اثباته غير مشترك كان تجاحدهما وتصادقهما على الشركة سواء ولو استقرض المريض من وارثه مالا بمعاينة الشهود كان هو بمنزلة الاجنبي في ذلك لانه لا تهمة للسبب المعاين ولو أقر بمهر لامرأته يصدق فيما بينه وبين مثلها ويحاص غرماء الصحة لانه لا تهمة في اقراره فوجب مقدار مهر المثل بحكم صحة
[ 37 ] النكاح لا باقراره (ألا ترى) ان عند المنازعة في المرض يجعل القول قولهما لها بزيادة على مهر مثلها فالزيادة باطلة لان وجوبها باعتبار اقراره وهو متهم في حقها لانها من ورثته ولو أقرت المرأة في مرضها بقبض مهرها من زوجها لم يصدق لانه أقر باستيفاء الدين من وارثها فقد بينا بطلان اقرار المريض باستيفاء الدين من وارثه ولو باع المريض من أجنبي شيئا ثم باعه المشترى من وارث المريض أو وهبه لو أو مات فورثه فهو جائز كله لان خروج العين من ملك المريض كان إلى من اشتراه منه لا إلى وارثه ثم. وارثه انما يملكه من جهة المشترى اما بسبب متجدد أو بطريق الخلافة لوراثه فلم يمكن مانع من صحة تصرف المريض وإذا كان دين الصحة يحيط بمال المريض وأقر أنه أقرض رجلا ألف درهم ثم قال استوفيتها لم يصدق على ذلك لان اقراره بالاستيفاء بمنزلة اقراره بالدين في المرض وهذا بخلاف ما إذا كان البيع في الصحة لان حق الغرماء هناك ما لم يكن متعلقا بالمنع فلا يتعلق ببدله ما دام دينا وقد استحق المشترى برأة ذمته عند اقراره بالاستيفاء منه إذا كانت المبائعة في الصحة فلا يبطل استحقاقه بمرض المستحق عليه وإذا كان المبيع في المرض فحق الغرماء كان متعلقا بالمبيع فتحول إلى بدله وما استحقاق المشترى هنا برأة ذمته الا بتسليم مال يقوم مقام المبيع في حق تعلق حق الغرماء به فلهذا لا يصدق في اقراره وكذلك لو كان عليه دين في مرضه ولم يكن الدين في صحته فان كان مراده دينا وجب في مرضه بسبب معاين فهو ودين الصحة سواء وان كان مراده دينا وجب باقراره فمعناه ان اقراره بالاستيفاء لا يكون صحيحا في براءة المستري ولكنه صحيح في اثبات المحاصة بين المشترى وبين الغرماء الاخر الا انه صار مقرا له بمثل ما عليه بالمقاصة فيصير كانه حصة بقضاء دينه وتخصيص المريض بعض غرماء بقضاء دينه لا يصح والله أعلم بالصواب * (باب المقتول عمدا وعليه دين) * (قال رضى الله عنه الاصل في مسائل هذا الباب ان نفس المقتول من جملة تركته في قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه منه سواء كان واجبا بنفس القتل أو عند عفو بعض الشركاء عن القصاص) لان البدل يملك بملك الاصل والحق في نفسه له فكذلك فيما يجب بدلا عن نفسه وأصل آخر وهو أن الدين يقضى عن أيسر المالين قضاء لان حق الغريم مقدم علي حق
[ 38 ] الوارث فلا يسلم الوارث شئ من التركة الا بعد الفراغ من الدين وأصل آخر ان التركة يقسم بعد قضاء الدين وتنفذ الوصية على الورثة على ما كان يقسم عليه ان لم يكن هناك دين أو وصية لان ضرر قضاء الدين وتنفيذ الوصية يكون على الورثة بقدر أنصابهم ويجعل المستحق بالدين والوصية كالمتأدى من التركة والاصل في المال المشترك أن ما ينوى منه ينوى علي الشركة وما يبقي على الشركة إذا عرفنا هذا فنقول رجل قتل عمدا وترك ألف درهم وترك ابنين فعفى أحدهما وعلى المقتول دين ألف درهم فقد سقط القود عن القاتل بعفو أحد الابنين لانه لا حق للغريم في القصاص فان حقه في المال والقصاص ليس بمال فصار عفو أحد الابنين كما لو لم يكن علي المقتول دين وانقلب نصيب الاخر مالا وذلك خمسة آلاف درهم لانه تعذر علي الاخر استيفاء القصاص لمعني من جهته مع بقاء المحل فإذا قبض الخمسة آلاف ضم ذلك إلى الالف المتروكة فيكون تركته ستة آلاف يقضى منها دين المقتول وهو ألف درهم ويقسم ما بقى بين الاثنين على اثنى عشر سهما سهم للمعافي واحد عشر سهما للذى لم يعف لانه لو لم يكن هنا دين كان قسمة التركة سهما هكذا فان الخمسة آلاف كلها حق الذى لم يعف والالف المتروكة بينهما نصفان للمعافى من ذلك خمسمائة درهم فإذا جعلت كل خمسمائة سهما صار حق الذى لم يعف أحد عشر سهما وللمعافي سهم واحد فذلك بعد قضاء الدين فقسم ما بقى بينهما على هذا وكذلك لو كان الدين أكثر من ذلك بأن كان الدين ثلاثه آلاف وقد أوصى لرجل بألف أيضا فانه بعد قضاء الدين فيأخذ الغريم كمال حقه من التركة بعد قضاء الدين ثلاثة آلاف ومقدار وصيته خارج من ثلثه فينفذ له ثم ما بقى بين الابنين على اثنى عشر سهما لما بينا وهذا لان حق الغريم والموصى له لا يتعلق بالقصاص لانه ليس بمال فإذا انقلب مالا تعلق به حقهما لكونه محلا لايفاء حقهما منه ولو كان ترك عبدا يساوي ألف درهم لا مال له غيره وعليه ألف درهم فخاصم الغريم القاضى فيباع العبد في دينه لانه هو المحل الصالح لقضاء الدين منه في الحال فان عفا أحد الابنين عن الدم بعد ذلك وآخذ الاخر نصف الدية فان العافي يتبعه ويأخذ منه نصف سدسها لانه ظهر ان التركة ستة آلاف وان ضرر قضاء الدين يكون عليهما بحسب حقهما وقد صرف نصيب جميع العافى من العبد إلى الدين وان ما كان عليه نصف سدس الدين بقدر نصيبه من التركة فيما زاد علي ذلك استوى من نصيبه وكان قضاؤه واجبا علي شريكه لانه لم يكن متبرعا في ذلك
[ 39 ] القضاء انما الزمه القاضي بغير اختياره فلهذا رجع علي شريكه فله أن يرجع به علي شريكه بنصف سدس خسة؟ الالف وهو أربعمائة وستة عشر وثلثان وان لم يبع العبد وقضى الدين حتى قبض الذى لم يعف خمسة آلاف للغريم أن يأخذ منه جميع دينه لان أيسر المالين لقضاء الدين منه هذا فانه من جنس الدين فان الدية من الخمسة الالاف كان العبد سهما وكان العبد بينهما نصفين ميراثا عن الميت والاربعة آلاف الباقية للذى لم يعف ويرجع الذى لم يعف على العافي بثلاثة وثمانين درهما وثلث وذلك نصف سدس الدين استوفى جميع الدين مما هو خالص حق الذى لم يعف فيرجع على صاحبه بحصة نصيبه من التركة ونصيبه من التركة نصف سدسها فلهذا رجع عليه بنصف سدس الدين فاما أن يؤديها إليه ليسلم له نصف العبد وأما أن يباع نصيبه من العبد فيها لان الدين متعلق بالتركة وهو غير مستحق في ذمة الوارث فكان هو بمنزلة دين واجب في نصيبه من العبد فيه وانما قسمنا العبد هنا نصفين لانه ليس من جنس الدية والاجناس المختلفة لا تقسم قسمة واحدة بل يقسم كل جنس علي حدة بخلاف الاول فان نصف الدية مع المتروك من المال جنس واحد فلهذا ضمنا البعض إلى البعض في القسمة. رجل قتل عمدا وله ابن وامرأة وترك عبدا يساوى الف وعليه دين الف درهم فعفت المرأة عن الدم سقط نصيبها وانقلب نصيب الابن مالا فيقضى له بسبعة أثمان الدية مقدار ذلك ثمنية آلاف وسبعمائة وخمسون فإذا جاء الغريم قبض دينه مما في يد الابن لانه من جنس حقه والعبد بين المرأة والابن بالميراث على ثمانية أسهم للمرأة الثمن وللابن سبعة اثمانه ثم ضرر قضاء الدين لا يكون على الابن خاصة فيكون له أن يرجع على المرأة بمقدار حصتها من التركة وذلك جزء من ثمانية وسبعين جزءا من الالف لان التركة في الحال تسعة آلاف وسبعمائة وخمسون وحق المرأة ثمن العبد فاجعل كل الف على ثمانية فما قبض الذى لم يعف من الدين وهو ثمانية آلاف وسبعمائة وخمسون فإذا جعلت على كل الف مائة يكون سبعين سهما والعبد ثمانية وسبعون سهما سهم واحد من ذلك نصيب المرأة والباقى كله للابن فضرر قضاء الدين عليهما يكون بهذه الصفة أيضا جزء من ثمانية وسبعون جزءا من الدين في نصيبها وقد استوفى مما هو خالص حق الابن فيرجع عليها بذلك فاما أن يدفعه لبسلم لها ثمن العبد أو يباع ثمن العبد ولو قتل وله قتل وله الف درهم وعليه الف درهم دين وترك ابنا وابنتا وامرأة فعفى الابن عن الدم فللابنة والمرأة حصتهما من
[ 40 ] الدية وذلك عشرة اسهم من أربعة وعشرين سهما فالسبيل أن نصحح الفريضة أولا فنقول للمرأة الثمن سهم من ثمانية والباقي وهو سبعة بين الابن والابنة اثلاثا فاضرب ثلاثة في ثمانية فيكون أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة وللابنة سبعة وللابن أربعة عشر فظهر أن نصيب المرأة والابنة من الدم عشرة من أربعة وعشرين فينقلب ذلك مالا فيعفو الابن ومقداره بالدراهم أربعة الالف ومائة وستة وستون درهما وثلثا درهم لان جميع الدية عشرة آلاف فإذا قسمته علي أربعة وعشرين كان كل سهم من ذلك أربعة وستة عشر وثلثين وعشر مرات أربعمائة وستة عشر وثلثان يكون أربعة الالف ومائة وستة وستين وثلثين لان عشر مرات أربعمائة فيكون أربعة آلاف وعشر مرات ستة عشر وثلثان يكون مائة وستة وستين وثلثين فيضم ذلك إلى الالف المتروكة فتكون جملة التركة خمسة آلاف ومائة وستة وستين وثلثين يقضي جميع الدين من ذلك أولا وما بقى يقسم بينهم بالحصص يضرب فيه الابنة بنصيبها من التركة والدية وهى ثلاثة آلاف درهم ومائتا درهم وثمانية دراهم وثلث وتضرب المرأة بالف وثلثمائة وخمسة وسبعين درهما ويضرب الابن بنصيبه وهو خمسمائة وثلاثة وثمانين وثلث فانما يضرب بهذا القدر فقط وإذا اردت تصحيح الحساب بالسهام والسبيل أن تجعل كل مائة علي اثنى عشر سهما فنصيب الابن يكون أربعة وستين ونصيب المرأة مائة وخمسة وستين سهما ونصيب الابنة ثلثمائة وخمسة وثمانين سهما فإذا ضممت إليه نصيب المرأة مائة وخمسة وستين يكون خمسمائة وخمسين ثم إذا ضممت إليه نصيب الابن وهو أربعة وستون يكون ستمائة وأربعة عشر سهما فينقسم ما بقى من التركه بعد قضاء الدين بينهم على هذه السهام ليكون ضرر قضاء الدين على كل واحد منهم بقدر نصيبه. مريض في يديه الف درهم أقر أنها وديعة بعينها الرجل ثم قتل عمدا فله وليان فعفى أحدهما فانه يقضي للاخر بنصف الدية ويأخذ صاحب الوديعة وديعة ولا شئ للمعافى لان اقراره بالوديعة في المرض للاجنبي صحيح ويتبين به أن الوديعة ليست من تركته بل هي للمودع يأخذها وانما ترك الدم فقط وقد عفى أحد الابنين فانقلب نصيب الاخر مالا والعافي مسقط لنصيب نفسه فلا شئ له وكذلك لو لم يقر بوديعة ولكنه أقر لرجل بدين الف درهم في مرضه وقضاها اياه قبل أن يقتل لان اقراره بالدين في المرض للاجنبي وقضاؤه ايام صحيح إذا لم يكن عليه دين في صحته فخرج المدفوع من أن يكون من تركته وانما تركته عند الموت الدم فقط هذا
[ 41 ] والاول سواء فان لحق الميت دين بعد ذلك فان اتبع صاحب الدين الابن الذى لم يعف فله ذلك لان ما في يده من نصف الدية تركة الميت فيكون له أن يستوفى دينه فإذا استوفاه بقى المقبوض سالما للغريم الاول ولا شئ للذى عفى وان اتبع الغريم الثاني الغريم الاول استرد منه المقبوض لان دينه كان واجبا في صحته فله ذلك لان ما ظهر من دينه الان لو كان ظاهرا كان حقه مقدما على حق المقر له في المرض ولا ثم للمقر له في المرض شئ مما قبض فكذلك هنا له أن ينقض قبضه وإذا نقض قبضه أخذ الالف كلها بدينه واتبع المقر له في المرض الابن الذى لم يعف وأخذ منه ألفا لان ما في يده من نصف الدية تركة الميت ثم يتبع الابن الفا في الابن الذى لم يعف ويأخذ منه نصف سدس أربعة آلاف درهم لان قبض الاول لما انتقض صار كأن الميت لم يعطه شيئا ولكنه مات وترك ألف درهم وعليه دين ألفا درهم وجملة تركته ستة آلاف الالف المتروكة مع نصف الدية فيقضي الدين اولا من جميع التركة ويبقى أربعة آلاف فتقسم بين الاثنين على ما كان يقسم عليه جميع التركة ان لو لم يكن هناك دين وذلك على اثنى عشر سهما سهم منه للعافي واحد عشر للذى لم يعف بخلاف ما إذا لم يتبع الغريم الثاني الغريم الاول لان هناك المقبوض يبقي سالما له فلا يكون محسوبا من تركة الميت ولا شئ للعافي فصار رجوع الغريم الثاني على الغريم الاول نافعا للابن العافي مضرا للغريم الاول في نقض قبضه كما قيل * مصائب قوم عند قوم فوائد * مريض وهب عبدا له لرجل وقبضه وقيمته ألف درهم ولا مال له غيره ثم قتل العبد المريض عمدا وله ابنان فعفى أحدهما للموهوب له فله الخيار بين الدفع والفداء لان الموهوب بالقبض صار مملوكا له قائما حتى ملكه علي الواهب وفي جناية المملوك إذا وجب المال كان المالك بالخيار بين الدفع والفداء وقد وجب المل هنا يعفو أحد الابنين ان اختار أن يفديه بنصف الدية وهو خمسة آلاف يسلم العبد كله له لان نصف الدية مع رقبته من تركة الميت فكانت الرقبة دون الثلث فتنفذ الهبة في جميعه ويكون نصف الدية بين الاثنين للعافي منها نصف سدسها لان العبد انما يسلم للموهوب له بطريق الوصية وضرر تنفيذ الوصية يكون علي جميع الورثة لحصتهم فيقسم ما بقي من التركة بين الابنين علي ما كان يقسم عليه ان لو لم يكن هناك وصية بخلاف ما تقدم من مسألة الوديعة والدين لان الوديعة وما قضى به الدين ليس من جملة تركته عند الموت فلا يثبت فيه حق العافى وهنا ما ينفذ فيه الهبة لا يخرج من أن يكون من جملة التركة لان الهبة في المرض وصية
[ 42 ] والوصية انما تنفذ من التركة فيثبت؟ باعتبار حق العافي فلهذا يقسم ما بقي بعد تنفيذ الوصية بينهما على اثنى عشر سهما وان اختار الدفع رد ثلاثة اخماس العبد يحكم بعض الهبة فيها ويدفع خمس العبد بالجناية إلى الذى لم يعف؟ ويبقى في يده خمس هو سالم له ثم ما اجتمع في يد الابنين وهو أربعة خماس بينهما علي اثنى عشر سهما للعافي منها خمسة أسهم والذى لم يعف سبعة فكان ينبغى أن تنفذ الهبة في ثلث العبد لان الوصية لا تنفذ في أكثر من الثلث ولكن نفذها في خمسي العبد هنا لضرورة الدور وبيان ذلك ان العبد في الاصل يجعل على ستة لحاجتنا إلى ثلث ينقسم نصفين حتى يدفع النصف بالجناية إلى الذى لم يعف فتنفذ الهبة في سهمين وهو الثلث ثم يدفع بالجناية أحدهما إلى الذى يعف فيصير في يد الورثة خمسة وانما حقهم في أربعة فيظهر زيادة سهم في حق الورثة وهذا دائر لانك كلما زدت في تنفيذ الهبة يزداد المدفوع بالجناية فلا يزال يدور كذلك والسبيل في الدور أن يقطع وطريق القطع طرح السهم الزائد من جانب من خرج من قبله لان هذا السهم يباع بالفساد فالسبيل نفيه فيطرح من أصل حق الورثة سهما فترجع سهام العبد فتنفذ الهبة في سهمين ثم يدفع أحدهما بالجناية فحصل عند لورثة أربعة وقد تنفذنا الهبة في سهمين فيستقيم الثلث والثلثان وانما قسمنا أربعة أخماس العبد بين الابنين علي اثنى عشر سهما لان سهام العبد لما صارت على خمسة فحق كل واحد منهما في سهمين ونصف ان لو لم يكن هناك وصية ثم الذي لم يعف أخذ سهما آخر أيضا فيصير حقه في ثلاثه ونصف وحق الاخر في سهمين ونصف فما بقى بعد تنفيذ الهبة يقسم علي أصل حقهما وقد انكسر بالانصاف فأضعفه ليزول الكسر فالذي كان له ثلاثة ونصف صار حقه سبعة والذى كان له سهمين ونصف صار حقه خمسة فلهذا كانت القسمة بينهما علي اثنى عشر سهما وطريق الدينار والدرهم في تخريج هذه المسألة أن يجعل العبد دينارا أو درهمين ثم تنفذ الهبة في درهمين ويدفع أحدهما إلى الذى له يعف فيصير في يد الورثة دينارا ودرهما وحاجتهم إلى أربعة دراهم فاجعل الدرهم قصاصا بمثله يبقى في يدهم دينار يعدل ثلاثة دراهم فاقلب الفضة واجعل آخر الدراهم آخر الدنانير فتصير الدينار بمعنى ثلاثة والدرهم بمعنى واحد ثم عد إلى الاصل فتقول كما جعلنا العبد ينارا وذلك بمعنى ثلاثة ودرهمين كل واحد فذلك خمسة ثم نفذنا بالهبة في درهمين وذلك خمسا العبد والذي حصل للورثة دينار وبمعنى ثلاثة ودرهم بمعنى واحد وذلك أربعة فيستقيم الثلث والثلثان وطريق الجبر والمقابلة فيه أن تنفذ
[ 43 ] الهبة في شئ من العبد ثم يدفع نصفه بالجناية إلى لذى لم يعف فيحصل في يد الورثة عبد الا نصف شئ وهو حاجتهم إلى ستين لانا نفذنا الهبة في شئ فاجبر العبد بنصف شئ ورد فيما يعدله نصف شئ تبين أن العبد الكامل بمعنى ستين ونصف وقد نفذنا الهبة في شئ وشئ من ستين ونصف خمساه فتبين أن الهبة جازت في خمسى العبد وطريق الخطأين فيه أن يجعل العبد علي ستة تنفذ الهبة في سهمين ويدفع بالجناية فيحصل في يد الورثة خمسة وحاجتهم الي أربعة ظهر الخطأ بزيادة سهم فعد إلى الاصل ونفذ الهبة في ثلاثة ثم تدفع بالجناية سهم ونصف فيصير في يد الورثة أو بعفو نصف وحاجتهم إلى ستة ضعف ما نفذنا فيه الهبة فظهر الخطأ الثاني نقصان سهم ونصف وكان الخطاء الاول بزيادة سهم فلما زدنا في الهبة سهما ذهب ذلك الخطأ وجلب خطأ سهم ونصف فعرفنا أن كل سهم يؤثر في سهمين ونصف فالسبيل أن يزيد في الهبة ما يذهب الخطأ ولا يجلب الينا خطأ آخر وذلك خمسا سهم فتنفذ الهبة في سهمين وخمسين فتبقى في يد الورثة ثلاثة وثلاثة اخماس ثم يدفع بالجناية نصف ما نفذنا فيه الهبة وهو سهم وخمس فيصير في يد الورثة أربعة وأربعة اخماس وهو ضعف ما نفذنا فيه الهبة فيستقيم الثلث والثلثان وسهمان وخمسان من ستة يكون خمساها فيتبين أن الهبة انما جازت في خمسي العبد وطريق الجامع الاصغر ان يأخذ المال الاول وهو ستة ويضربه في الخطأ الثاني وهو سهم ونصف فيصير تسعة ويأخذ المال الثاني وهو ستة ويضربه في الخطأ الاول وهو سهم فيكون ستة ثم يجمع بينهما لا أن أحد الخطأين إلى الزيادة والاخر إلى النقصان والطريق في مثله الجمع لا الطرح فصار خمسة عشر فهو جملة المال وبيان معرفة ما جاز فيه الهبة أن يأخذ ما نفذها فيه الهبة أو لا وذلك سهمان فيضرب ذلك في الخطأ الثاني وهو سهم ونصف فيكون ثلاثة ثم يضرب ما جاز فيه الهبة ثانيا وهو ثلاثة في الخطأ الاول وهو واحد فيكون ثلاثة ثم بجمع بينهما فتكون ستة فظهر أن ما نفذنا فيه الهبة ستة من خمسة عشر وذلك خمساها لان كل خمس ثلاثة وطريق الجامع الاكبر انه لما ظهر الخطأ الاول كان يسهم فاضعف المال سوى النصيب والمال سوى النصيب أربعة فإذا ضعفته كان ثمانية وجملة سهام العبد عشر تنفذ الهبة في سهمين يدفع بالجناية أحدهما فيحصل في يد الوارث تسعة وحاجته إلى أربعة ظهر الخطأ بزيادة خمسه فاضرب المال الاول وهو ستة في الخطأ الثاني وهو خمسة فيكون ثلثين واضرب المال الثاني وهو عشرة في الخطأ الاول وهو واحد فيكون عشرة
[ 44 ] واطرح الاقل من الاكثر يبقى عشرون فهو المال ومعرفة ما نفذنا فيه الهبة أن تأخذ سهمين وتضربهما في الخطأ الثاني وهو خمسة فيكون عشرة ثم تأخذ سهمين وهو ما نفذنا فيه الهبة ثانيا وتضربه في الخطأ الاول وهو واحد فيكون اثنين اطرح الاقل من الاكثر يبقى ثمانية فهو القدر الذى جاز فيه الهبة وثمانية من عشرين يكون خمسها كل خمس أربعة فتبين أن الهبة انما جازت في خمسى العبد علي الطرق كلها والله أعلم بالصواب * (باب اقرار الوارث بالدين) * (قال رحمه الله رجل مات وترك الف درهم وابا فقال الابن في كلام واحد موصول لهذا على أبى الف درهم ولهذا الف درهم فالالف بينهما نصفان لانه عطف الثاني علي الاول وموجب العطف الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر ثم في آخر كلامه ما تغير موجب أوله) لان أول كلامه تصير الالف كلها للاول لو سكت عليه وبآخر كلامه به تبين أن الالف بينهما نصفان ومتى كان في آخر الكلام ما يغير موجب أو له يوقف أو له على آخره كما لو ألحق به شرطا أو استثناء ثم اقرار الوارث علي مورثه انما يصح باعتبار ما في يده من التركة فيصير كقوله هذه العين لفلان ولفلان ولو أقر للاول وسكت ثم أقر للثاني فالاول أحق بالالف لانه صار مستحقا بجميع الاف حين أقر له وسكت فاقراره للثاني صادف محلا مستحقا لغيره لان صحة اقراره بالدين علي المورث باعتبار العين التى في يده وهو بمنزلة مالو أقر بعين في يده لزيد وسكت ثم أقر بها لعمرو وهذا بخلاف المريض يقر على نفسه بدين ثم بدين لانه يلاقى ذمته فبوجوب الدين الاول عليه لا تتغير صفة الذمة وهنا صحة اقراره باعتبار ما في يده من التركة فاقراره للاول صادف محلا فارغا فصح ثم اقراره للثاني صادف محلا مشغولا فلم يصح في حق الاول فان دفع الالف إلى الاول بقضاء لم يضمن للثاني شيئا وان دفعها بغير قضاء ضمن للثاني خمسمائة لانه بالكلام الثاني صار مقر بأن نصف الالف حق الثاني وقد دفعه إلى الاول باختياره واقراره حجة عليه فلهذا ضمن للثاني نصفه ولو قال في كلام موصول هذه الالف وديعة لهذا ولهذا الاخر علي أبى ألف درهم دين كان صاحب الوديعة أحق بالالف لما قدم الاقرار بالوديعة صارت هي بعينها مستحقة للمقر له فاقراره بالدين بعد ذلك انما يصح في تركة الميت والوديعة من التركة في
[ 45 ] شئ فقد جعل في هذا الفصل الكلام الموصول والمقطوع سواء لانه ليس في آخر كلامه ما يغير موجبه أوله بأن موجب أول الكلام ان الوديعة ليست من تركة الميت ولم تكن مملوكة له فظاهر وهذا لا يتغير باقراره بالدين فلا يتوقف أول الكلام علي آخره كمن يقول لامرأته قبل الدخول بها أنت طالق وطالق بخلاف الاول فان موجب أول الكلام هناك استحقاق الاول جميع التركة ويتغير ذلك بآخر كلامه فيتوقف أوله على آخره * توضيح الفرق ان الاقرار بالوديعة نفسها ليس من جنس اقراره بالدين لان موجب أحدهما استحقاق ملك الغير وموجب الاخر استحقاق الدين في الذمة على ان يكون مستوفيا من العين فلعدم المحاسبة لم يتحقق العطف فكان الموصول والمقطوع سواء بخلاف الاول فالمجانسة بين الكلامين هناك ثابتة. ولو قال لفلان على أبى ألف درهم وهذه الالف وديعة لفلان تحاصا فيه لانه لما قدم الاقرار صارت الالف كلها مستحقة للغريم بالدين فاقراره بالوديعة صادف محلا مشغولا فمنع ذلك الاختصاص المودع بالعين لما فيه من ابطال حق الاول وانقلب هذا اقر بالدين لانه أقر بوديعة مستهلكة أو بوديعة جهلها المودع عند موته فهو والاقرار بالدين سواء وقد بينا انه لو أقر بدينين في كلام موصول تخاصا فيه ولو قال لهذا علي أبى ألف درهم لابل لهذا فالاف للاول لانه استدرك غلطه بالرجوع عن الاقرار للاول والاقرار به للثاني والرجوع عن الاقرار للاول باطل فيبقى الالف كلها له ولا شركة للثاني معه لان الاشتراك من حكم العطف والوصل فكلمة لا بل للرجوع لا للعطف فلا يثبت به الاشتراك بينهما فان دفعها إلى الاول بعضها لم يضمن للثاني شيئا لان صحة اقراره بالدين على ابنه باعتبار ما في يده من التركة ولم يبقى في يده شئ حقيقة ولا حكما فان المدفوع بقضاء القاضى لا يكون مضمونا عليه وان دفع إلى الاول بغير قضاء القاضى ضمن للثاني مثلها لان اقراره على نفسه صحيح وقد أقر بأن الالف كلها للثاني وانه غلط في الاقرار للاول إذا لم يكن له دين على الاب ودفعها إليه باختياره فيكون ضامنا المدفوع بناء على زعمه. ولو قال له رجل هذه الالف التى تركها أبوك وديعة لى وقال آخر لى على أبيك ألف درهم فقال صدقتما فعلي قول أبى حنيفة رحمه الله الالف بينهما نصفان وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله صاحب الوديعة أولى بها * وجه قولهما ان الاقرار بالوديعة أقوى حتى يصح في كلام موصول تقدم أو تأخر والاقرار بالدين لا تصح إذا تقدم ذكر
[ 46 ] الوديعة فعند الاقتران يجعل الاقوى مقدما كدعوى الاستيلاد مع دعوة التحرير (وتقديره من وجهين) أحدهما ان شرط صحة الاقرار بالدين السبق ولم يوجد ذلك عند الاقتران والسبق ليس بشرط في صحة الاقرار بالوديعة فكان هو الصحيح في حال الاقتران والثانى أن استحقاق العين بالاقرار بالوديعة يسبق لانه يثبت استحقاق العين بنفسه فأما الاقرار بالدين يثبت الدين في الذمة ولم يستحق به العين فكان سبق الوديعة في الموجب كسبق الاقرار بها نصا وأبو حنيفة رحمه الله يقول ما ظهر الاقرار بالوديعة الا والدين ظاهر معه فيمنع ظهور الدين اختصاص المودع بالوديعة لان ما يرفع الشئ إذا سبقه فإذا اقترن به لمنعه أيضا كنكاح الحرة مع الامة وهنا ان سبق الاقرار بالدين رفع حق اختصاص المدفوع بالوديعة فإذا اقترن به مع ثبوت حق الاختصاص له وصار الوارث كالمستهلك الوديعة فصح الاقرار بالدين وبالاقرار بالدين يصير مستهلكا للوديعة فيصير اقرارا بدينين فيتحاصان فيه. رجل مات وترك ثلاثة بنين وثلاثة آلاف درهم فأخذ كل واحد نصيبه وادعى رجل علي أيهم ثلاثة آلاف درهم فصدقه الاكبر فيها وصدقه الاوسط في الفين منها وصدقه الاصغر في ألف منها فعلى قول أبى يوسف رحمه الله يأخذ المقر له من الاكثر جميع ما في يده ومن الاوسط خمسة أسداس ما في يده ومن الاصغر ثلث ما في يده وعند محمد رحمه الله يأخذ من الاوسط جميع ما في يده وباقى الجواب كقول أبى يوسف رحمه الله * وجه قول محمد رحمه الله ان المقر له يبدأ بالاكثر لاقراره انه لا حق له في التركة وان جميع ما في يده للمقر له فهو موافق له من كل وجه فيأخذ ما في يده وهو الالف ثم يثنى بالاوسط لانه أقرب إلى موافقته من الاصغر فيقول للاوسط قد أقررت لى بدين العين وما وصل إلى الالف فقد بقى من دينى ألف بزعمك والدين مقدم على الميراث فيقضى من أيسر المالين قضاء فهات جميع ما في يدك فلا يجد بدا من قوله نعم فيأخذ منه جميع ما في يده ثم يأتي الاصغر بقول انا أقررت ان دينك ألف درهم ثلثه في يدى وثلثاه في يد شريكي وقد وصل اليك ذلك من جهته وزيادة فلا أعطيك الا ما أقررت لك به وهو ثلث ما في يدى فلهذا يأخذ منه ثلث الالف * ووجه قول أبى يوسف رحمه الله أن المعتبر المال المقر به لان المأخوذ هو المال فيقول الف من الجملة وهو ما أقر به الاصغر اتفقت الثلاثة على كونها دينا فيبدأ المقر له باستيفاء تلك الالف من ثلاثتهم من كل أحد منهم ثلثها ثم لم يبق له سبيل على الاصغر ويأتى الاوسط فيقول الاوسط انا قد
[ 47 ] أقررت لك بألف أخرى وقد ساعدني فيه الاكبر وهو بيننا نصفان نصفه في يدى ونصفه في يد الاكبر وهو يسلم لك من جهته فيعطيه نصف الالف فإذا استوفى منه ثلث الالف مرة ونصف الالف مرة أخرى وذلك خمسة اسداس الالف ثم يأتي إلى الاكبر ويقول انك قد أقررت أن الدين يحيط بالتركة ولا ميراث لك وأخذ منه جميع ما في يده بحكم اقراره (قال) تفرقوا عليه فلقى الاصغر أولا وقدمه إلى القاضي أخذ منه جميع ما في يده لان الدين مقدم على الميراث فيقضي من أيسر الاموال وأيسر الاموال في حقه هو ما في يد الاصغر وهو مقر له بدين الف فيأخذ منه جميع ما في يده فان لقى الاوسط بعد ذلك أخذ منه جميع ما في يده أيضا لانه مقر له بدين الفين وقد وصل إليه الف واحد جميع ما في يده بحساب ما بقى من دينه بزعمه فان لقى الاكبر بعد ذلك أخذ منه جميع ما في يده أيضا لاقراره انه قد لقى من دينه الف درهم وان دينه محيط بالتركة فيتوصل إلى جميع حقه بهذا الطريق فان لقى الاكبر أول مرة أخذ منه جميع ما في يده لما قلنا فان لقى الاوسط بعده أخذ منه جميع ما في يده أيضا لانه مقر بانه قد بقى من دينه الف وان لقى الاصغر بعدهما فهو علي وجهين ان أقر الاصغر بان أخويه قد أقرا له بما ذكرنا قضى عليه بثلث الالف الذى في يده لانه يقول حقك في الف ثلثها في يدى كل واحد منا فما أخذت من الاول والثانى زيادة على حقك انما أخذته باقرارهما لك بالباطل فلا تأخذ منى الا قدر ما أقررت لك به وهو ثلث الالف وان جحد فقال لم يقر لك أخواي الا بالالف لم يقض له عليه بشئ لانه يقول له ما أقررنا لك الا بالف درهم دين وقد وصل اليك ذلك القدر من التركة وزيادة فليس لك أن ترجع على بشئ ولا يتمكن المقر له من دفع حجته هذا الا أن يثبت بالبينة اقرارهما له بما ذكرنا فحينئذ يكون الثابت بالبينة في حق الاصغر كالثابت باقرار الاصغر به وان لقى الاوسط أول مرة قضى عليه بالالف كلها لما بينا فان لقى الاصغر بعده فالجواب ما ذكرنا من اقرار الاصغر وانكاره في الاول ومراده من هذا العطف حال انكاره خاصة فانه إذا أقر لك الاوسط بالف كما اقررت به لم يقض له عليه بشئ لانه يحتج عليه فيقول أقررنا لك بالف وقد وصل اليك م نالتركة الف فاما عند اقراره بأن الاوسط اقر له بالفين فهذا نظير الاول ولكن في هذا الوجه يأخذ منه الخمسمائة لانه يقول قد استوفيت منه الالف باعتبار اقرار كان هو صادق في نصفه كاذبا في نصفه ففى النصف وهو الخمسمائة أنت مستوفى حقك منه وفي النصف
[ 48 ] الاخر أنت ظالم عليه فانما يبقى من دينه بزعمه خمسمائة فيدفع إليه مما في يده خمسمائه ثم إذا لقى الاكبر بعد ذلك قضي له عليه بالالف كلها لاقراره أن الدين محيط بالتركة وانه لا ميراث له منها. رجل مات وترك ابنين والفين فأخذ كل واحد منهما الفا ثم ادعي رجل على أبيهما الف درهم وادعى آخر الف درهم فأقرا جميعا لاحدهما وأقر احدهما للاخر وحده فكان الاقرار معا فالذي اتفقا عليه يأخذ من كل واحد منهما خمسمائة لانهما متصادقان على دينه فيبدأ به لقوة حقه فيأخذ من كل واحد منهما نصف دينه حتى يصل إليه كمال حقه كانه ليس معه غيره ثم يأخذ الاخر من الذى أقر له ما بقى في يده وهو خمسمائة لانه مقر بدينه واقرار أحد الورثة بالدين يلزمه قضاء الدين من نصيبه ولم يبق في يده من نصيبه الا خمسمائة فيدفعها إليه ولانه مقر أنه لا ميراث له لانه مثل التركة فيؤمر بتسليم جميع ما في يده إليه باقراره فان غاب الذى أقراله وحصل الذي أقر له احدهما فقدم المقر بحقه إلى الحاكم فقال لى علي أب هذا الف درهم وقد أقر لي بها وصدقه الابن وأوهم أن يجبره بما أقر به لغيره أي سمى بذلك فان القاضي يقضى له عليه بالالف التى في يده لانه مقر له بدين الف والدين يقضى من أيسر الاموال قضاء وهو ما في يده فيلزمه أن يدفع كله إلى المقر له بدينه وان جاء الذى أقر له جميعا وقدم أخاه ققضي له عليه بجميع الالف التى في يديه لانه مقر له بدين الف درهم ولم يصل إليه شئ من دينه فيستوفى منه جميع ما في يده ولا يرجع واحد من الاخوين على أخيه بشئ لان كل واحد منهما لم يتلف على أخيه شيئا وما اخذ من يده انما اخذه بحكم اقراره وكذلك لو كان الذى اقر له حضر اولا فقدم الذى اقر له وحده الي القاضي قضي له عليه بما في يده مقر له بدين الف درهم فان جاء الاخر وقدم اخاه قضي عليه بالالف ولا يرجع واحد من الاخوين على اخيه بشئ لان ما اخذ من كل واحد منهما انما اخذه بحكم اقراره وكذلك لو كان الميراث مائتي دينار أو كان الميراث شيئا مما يكال أو يوزن والدين مثله فهذا والدراهم سواء علي ما بينا. رجل مات وترك عبدين قيمة كل واحد منهما الف درهم وترك ابنين واقتسما ذلك فأخذه كل واحد منهما عبد ثم أقرا جميعا ان أباهما أعتق أحد العبدين بعينه وهو الذى في يد الاصغر منهما في صحته وأقر الاكبر ان أباه أعتق العبد
[ 49 ] الذى في يده في صحته والاقرار بجميع ذلك منهما معا فهما حران أما الذى اتفقا عليه فظاهر وأما الآخر فلان من هو في يده مالك له وقد أقر بعتقه واقرار المالك في ملكه صحيح فإذا أعتق ضمن الاكبر للاصغر نصف قيمة العبد في يده لانه أقر أنه ما أعطاه شيئا فان الذى أعطاه كان حرا باتفاقهما والذى أخذ الاكبر في الظاهر مملوك لهما والاكبر بالاقرار بعتقه صار متلفا نصيب الاصغر منه لان اقراره ليس بحجة عليه فلهذا ضمن له نصف قيمته وهذا الضمان ليس بضمان العتق حتى يختلف باليسار والاعسار ولكنه ضمان اتلاف لانه كان ماله بالقسمة وقد ظهر فساد القسمة ولكن ان تعذر عليه رد عليه نصيبه لعينه باقراره بخلاف مسألة الدين فان كل واحد من الابنين هناك أخذ الفا كما أخذ صاحبه ثم استحق ما في يد كل واحد منهما باقراره فلهذا لا يتبع واحد منهما صاحبه بشئ وكذلك الاقرار بالوديعة في العبدين بأن أقر باحدهما بعينه أنه وديعة فلان وأقر الاخر بما في يده أنه وديعة لفلان فهذا والاقرار بالعتق سواء كما بينا والمعنى هنا أظهر لان من أقر بما في يده خاصة فهو مقر أنه أعطى صاحبه بدلا مستحقا وقد تعذر عليه رد نصيبه مما في يده لاقراره به لغيره فيضمن له قيمته ولو كانت التركة الفى درهم فاقتسماها وأخذ كل واحد منهما الفا ثم أقر احدهما لرجل بدين خمسمائة على أبيه وقضى القاضى به عليه ثم أقرا جميعا أن على أبيهما الفا دينا فانه يقضى عليهما أثلاثا لان المقر له الاول استحق مقدار خمسمائة مما في يد المقر بدينه ويخرج ذلك القدر من أن تكون تركة الميت تبقى الفا وخمسمائة الف في يد الجاحد وخمسمائة في يد المقر فالدين الذى ثبت باتفاقهما يجب عليهما قضاؤه بقدر ما في يديهما من التركة بمنزلة ما لو ترك ابنا وامرأة وأقرا بدين الميت فعليهما قضاؤه من نصيبيهما أثمانا بقدر نصيبيهما فهنا أيضا يلزمهما قضاء الدين بحساب ما في يديهما من التركة فتكون أثلاثا ولو كان الاول أقر بالف ودفعها بقضاء قاض ثم أقرا جميعا بالالف الثانية قضى بالالف كلها مما في يد الجاحد لان الدين مقضى من التركة وباقى التركة في يد الجاحد والمقر الاول لا يصير ضامنا شيئا لانه دفع بقضاء القاصي فلا يكون للجاحد أن يتبع أخاه بشئ منه لان الاستحقاق عليه كان بقضاء القاضى وهذه المسألة تبين ما سبق من فصول الدين ولو كانا اقرا أولا لرجل بدين مائة درهم ثم أقر أحدهما للآخر بدين مائة درهم فالمائة الاولى عليهما نصفين لانهما حين أقرا به كان في يد كل واحد منهما من التركة مثل ما في يد صاحبه فعليهما قضاء تلك المائة نصفين ثم ان أقر أحدهما بدين
[ 50 ] بعد ذلك لآخر فانما يصح فيما بقى في يده من التركة فان أخذ المتفق عليه المائة من أحدهما رجع على أخيه بنصفها لان هذا الدين ثبت في حقهما فالمؤدى منهما لا يكون متبرعا بل هو قاضى دين أبيه فيرجع على شريكه بحصته منه ولو بدأ أحدهما فاقر لرجل بمائة درهم ثم أقر بعد ذلك لآخر بمائة درهم فالاول يأخذ من المقر مائة درهم مما في يده لاقرار حمله به والمائة التى هي حق المنفق عليه في مالهما على تسعة عشر سهما لان الباقي من التركة في يد المقر تسعمائة وفي يد الجاحد الف وقضاء الدين عليهما بقدر ما في بديهما من التركة فإذا جعل كل مائة سهما كان على تسعة عشر سهما فان أخذ المائة من احدهما رجع على صاحبه بحصته منها وكذلك لو كان الاقرار منهما جميعا فالمائة التى أقر بها أحدهما عليه في نصيبه خاصة والمائة الاخرى عليهما على تسعة عشر سهما وقضية هذه المسائل أن الوارث إذا اقر بدين وقضاه من نصيبه لا يصير ضامنا شيئا مما قضاء لانه باقراره قصد تفريغ ذمة مورثه وما أتلف عليه بعد شيئا ثم دفعه بعد ذلك بقضاء القاضى لا يصيره ضامنا وإذا لم يضمن صار ذلك القدر كانه لم يكن أصلا فما يثبت من الدين بعد ذلك كان عليهما بقدر ما في أيديهما من التركة والله أعلم * (باب الاقرار بترك اليمين) * قال رحمه الله (رجل ادعى عبدا في يد رجل ولم يكن له بينة وطلب يمينه فنكل المدعى عليه عن اليمين فانه يقضى بالعبد للمدعى) وقد بينا هذا في كتاب الدعوى (قال) وهذا بمنزلة الاقرار وهو بناء على قولهما فان النكول عندهما يدل على الاقرار لان أصل حق المدعى عليه في الجواب وحقه في الجواب هو الاقرار ليتوصل إلى حقه (ألا ترى) أن القاضى يقول له ماذا تقول ولا يقول ماذا تفعل فإذا منعه ذلك الجواب فانكاره حق إلى الشرع وحقه اليمين فإذا نكل يعاد إليه أصل حقه وهو والاقرار سواء وعند أبى حنيفة رحمه الله بمنزلة البدل لان به يتوصل المدعى إلى حقه مع بقاء المدعى عليه محقا في انكاره فلا يجوز ان يجعله مبطلا في انكاره من غير حجة وضرورة وقد بينا هذا الخلاف في مسألة الاستحلاف في النكاح ونظائره فان اقر بعد ذلك ان العبد كان لآخر لم يصح اقراره لانه صادف ملك الغير ولا ضمان عليه في ذلك لانه ما أتلف شيئا ولكنه تحرز عن اليمين ودفع إلى الاول بأمر القاضى
[ 51 ] وقضاؤه لا يضمن للثاني شيئا وان أقر قبل ان يستحلف ان العبد لفلان الغائب لم تندفع عنه الخصومة بهذه المقالة ما لم يقم البينة وهى المسألة المخمسة التى ذكرناها في كتاب الدعوى فان استحلف المدعى عليه فأبى أن يحلف دفعه إلى المدعى فان جاء المقر له الاول كان له أن يأخذه من المقضي له لانه أقر له بالملك قبل نكوله للمدعى دون اتصال تصديقه بذلك الاقرار فكان له أن يأخذه كمن أقر بعين لغائب ثم أقر بها لحاضر وسلمه اياه ثم رجع الغائب فصدقه كان هو أولى بها ثم المدعى على حجته مع المقر له فان أقام البينة والا استحلفه علي دعواه ولو ادعى غصب العبد علي ذى اليد فاستحلف فنكل فقضي له به ثم جاء مدع آخر به على الغاصب الذى كان العبد في يده وطلب منه فانه يستحلف له أيضا لانه بدعوى الغصب عليه يدعى ضمان القيمة في ذمته ولو أقربه لزمه فإذا أنكر استحلف له بخلاف ما إذا ادعى عليه ملكا مطلقا لان دعوى الملك المطلق دعوى العين فلا تصح الا علي من في يده والعين ليست في يد المقضى عليه فأما دعوى الغصب فدعوى الفعل الموجب للضمان وهو صحيح سواء كان العبد في يده أو لم يكن وكذلك هذا في الوديعة والعارية لانه يدعي عليه فعلا موجبا للضمان فان المودع والمستعير بالتسلم يصير ضامنا إلى رد الملك وجميع أصناف الملك في هذا سواء ما خلا العقار فانه لا يضمن شيئا للثاني في قول أبى حنيفة رحمه الله وفي قول أبى يوسف رحمه الله الاخر ولا يمين له عليه وفي قوله الاول وهو قول محمد رحمه الله يتوجه عليه اليمين ويصير ضامنا إذا لم يحلف وهذا بناء على مسألة غصب العقار وهى معروفة. رجل مات وترك ابنا وفي يده عبد فادعى رجل انه استودع العبد أباه فان الابن يستحلف له على علمه لانه قام مقام المورث فجحوده الوديعة كجحود المورث ولو أقر به أمر بالتسليم إليه فإذا أنكر يستحلف عليه غير ان هذا استحلاف على فعل الغير فيكون على العلم فان أبى أن يحلف دفع العبد إليه لانه بالنكول صار باذلا أو مقرا فان ادعى آخر مثل ذلك لم يستحلف له الابن لانه لو أقر للثاني لم يلزمه شئ فكيف يستحلف عند جحوده وانما لا يصير ضامنا شيئا لان الوديعة لم يباشرها هو حتى يكون ملتزما حفظها بعقده ثم بالنكول لا يكون تاركا للحفظ بل هو رجل امتنع من اليمين وأمره القاضي بتسليم ما في يده عند ذلك فلا يصير ضامنا شيئا بخلاف ما إذا كان يدعى عليه انه أودعه اياه فان هناك لو أقر به لزمه الضمان بسبب ترك الحفظ الذى التزمه بالعقد حين أقر وعند أبى حنيفة أنه يحلف للاول وهذا يكون على قول محمد رحمه الله
[ 52 ] أيضا فانه يصير ضامنا للثاني فأما عند أبى يوسف رحمه الله فلا يصير ضامنا للثاني وان كان يدعى عليه الايداع إذا كان الدفع حصل بقضاء القاضى ولا يمين عليه وكذلك ما ادعى على الاب من غصب أو عارية فلا ضمان للثاني على الابن لما بينا وتأويل هذا إذا لم يكن في يد الابن شئ من التركة سوى ما قضى به للاول فان كان في يده شئ استخلف للثاني وإذا أبى اليمين صار مقرا بالدين على أبيه للثاني في الغصب بلا شبهة وفي الوديعة والعارية بموته مجهلا وصار متملكا غاصبا فيؤمر بقضاء الدين من التركة (قال) والرجل والمرأة والعبد والتاجر والمكاتب والصبي المأذون في ذلك سواء وفي هذا بيان ان الصبي المأذون يستحلف في الدعوى لان هذه اليمين حق المدعى وفي حقوق العباد الصبى المأذون كالبالغ وهذا الا يستحلف لرجاء النكول الذى هو قائم مقام الاقرار فكل من كان اقراره صحيحا يستحلف إذا جاء نكوله وعند أبي حنيفة النكول بمنزلة البذل والبذل المقيد صحيح من المملوك والصبي فان أبى أن يحلف ثم قال قبل قضاء القاضى انا أحلف يقبل ذلك منه لان النكول في نفسه محتمل فقد يكون للتورع عن اليمين الكاذبة وقد يكون للترفع عن اليمين الصادقة فلا يوجب به ما لم يقض شيأ القاضي ويصح الرجوع عنه قبل القضاء كالشهادة فأما بعد القضاء عليه إذا قال أحلف لا يقبل ذلك منه لان الحق قد لزمه القضاء وتعين حقه بالاقرار في نكوله بالقضاء فلا رجوع بعد ذلك منه وإذا استمهل القاضى ثلاثة أيام أو أقل فلا بأس أن يمهله وان طلب النظرة وهو محتاج إلى التأمل في حسابه ومعاملته مع المدعى فينبغي أن يمهله وان فعل وأمضى عليه الحكم جاز لان سبب القضاء وهو امتناعه عن اليمين قد تقرر وقضاء القاضى بعد تقرر السبب الموجب نافذ والله أعلم بالصواب * (باب الاقرار في العروض بين الرجلين) * قال رحمه الله (رجلان أقر أحدهما ببيت بعينه منها لرجل وأنكر صاحبه لم يجز اقراره في الحال الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله) قال يجوز اقراره ويكون نصف البيت للمقر له لان كل جزء من الدار مشترك بينهما فاقراره في نصف البيت لا في ملك نفسه فيكون صحيحا وشريكه وان كان يتصور عند القسمة بتفريق ملكه ولكن هذا الضرر لا يلحقه بالاقرار انما يلحقه بالقسمة مع اقرار المقر في ملكه وهو صحيح وان أدى إلى الاضرار بالغير في
[ 53 ] الباقي كالراهن يقر بالمرهون لانسان فيعتقه المقر له والاقرار منه كسائر التصرفات واعتاق أحد الشريكين العبد صحيح وان كان يتضرر به شريكه فكذلك هنا * وجه ظاهر الرواية انا لو صححنا الاقرار في الحال تضرر به الشريك لانه يحتاج إلى قسمتين قسمة البيت مع المقر له وقسمة بقية الدار مع المقر فيتفرق عليه ملكه وهذا الضرر يلحقه من جهة المقر لان المطالبة بالقسمة بسبب الملك الثابت بالاقرار فما يبتنى عليه من الضرر يضاف إلى أول السبب واقرار المقر ليس بحجة في الامر بالغير ولكن المقر له لان اقراره في النصف الذى هو مملوك له انما لم يكن صحيحا لدفع الضرر عن شريكه وقد زال ذلك وفي النصف الآخر لم يكن صحيحا لعدم ملكه وقد زال ذلك ومن أقر بما لا يملك ثم ملكه يؤمر بتسليمه ويصير كالمجدد للاقرار بعد الملك وان وقع البيت في نصيب الشريك فنصيب المقر يقسم بينه وبين المقر له ويضرب المقر له فيه بذرعان جميع البيت والمقر بذرعان نصف الدار سوى البيت وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وعند محمد رحمه الله يضرب له بذرعان نصف البيت والمقر بذرعان نصف الدار سوى نصف البيت حتى إذا كانت الدار مائة ذراع والبيت عشرة أذرع فعند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله المقر له يضرب بعشرة أذرع والمقر بخمسة وأربعين ذراعا فيكون بينهما على أحد عشر سهما سهمان للمقر له وتسعة للمقر وعند محمد رحمه الله يضرب المقر له بخمسة أذرع والمقر بخمسة وأربعين ذراعا فيكون المقر له عشر نصيب المقر * وجه قول محمد رحمه الله ان اقراره في نصف البيت صادف نصيب الشريك ولم يملك ذلك حين وقع البيت بالقسمة في نصيب الشريك فلم يصح اقراره الا بقدر ملكه وذلك نصف البيت ثم القسمة إذا وقع هذا النصف في نصيب الشريك فعوضه وقع في نصيب المقر والمقر به إذا أحلف عوضا يثبت حق المقر له في ذلك العوض فلهذا ضرب بنصيبه بذرعان نصف البيت والمقر بجميع حقه وهو ذرعان نصف الدار سوى البيت بخلاف ما إذا وقع البيت في نصيب المقر لان اقراره في الكل قد صح باعتبار تعين ملكه في جميع البيت فيأخذه المقر له * ووجه قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ان القسمة في العقار فيها معنى المعاوضة ولهذا لا ينفرد به أحد الشريكين ولو اشتريا دارا واقتسماها لم يكن لاحدهما ان يبيع نصيبه مرابحة فالبيت وان وقع في نصيب الاخر فعوضه وقع في نصيب المقر وحكم العوض حكم الاصل فيما أنه لو وقع البيت في نصيبه أمر
[ 54 ] بتسليم كله الي المقر له فكذلك ان وقع عوضه في نصيبه يثبت الحق المقر له في جميعه فلهذا ضرب بذرعان جميع البيت وهذا لان الاقرار الحاصل في غير الملك كما يصح بملكه يصح في عوضه الذى هو قائم مقامه ولان في زعم المقر أن الشريك ظالم بجحوده حق المقر له في البيت فيجعل الشريك مع ما أخذ في حقهما فان لم يكن لان ضرر ظلمه لا يكون علي أحد الشريكين دون الآخر فيبقى حق المقر له بزعم المقر في ذرعان البيت وحق المقر في ذرعان نصف الدار سوى البيت فيضرب كل واحد منهما بجميع ذلك وكذلك لو أقر أحد الشريكين في الدار بطريق لرجل أو بحائط معلوم أو أقر بذلك في البنيان والارض فهو على ما ذكرنا في البيت وعلي هذا لو أوصى أحد الشريكين في الدار ببيت منها لانسان ثم مات فهو على ما ذكرنا وانما نص علي قول محمد رحمه الله في مسألة الوصية بعد هذا وجوابه في الوصية والاقرار واحد الا في حرف واحد وهو ما إذا اقتسما فوقع البيت في نصيب الورثة للموصى له هنا نصف البيت بخلاف مسألة الاقرار فان المقر له هناك اخذ جميع البيت لان وصية الموصى في نصف البيت صادفت ملكه وفي نصفه صادفت نصيب شريكه. ومن أوصى بعين لا يملكها ثم ملكها لا تصح وصيته فيها فلهذا أمر الورثة بتسليم نصف البيت إلى الموصى له وفي الاقرار أقر بما لا يملك ثم ملكه يؤمر بتسليمه إلى المقر له فلهذا أخذ المقر له جميع البيت وفيما سوى هذا مسألة الوصية والاقرار سواء فيما اتفقوا عليه وإذا كان حمام بين رجلين فأقر أحدهما أن البيت الاوسط منه لرجل لم يجز ذلك لما فيه من الاضرار بشريكه بان كان لا يقسم في الحال فإذا انهدم الحمام يحتمل الفرصة فلو صححنا اقرار المقر تضرر به الشريك لانه يحتاج إلى قسمين وإذا لم يجز الاقرار هنا فللمقر له ان يضمن نصف قيمة البيت لان تصحيح الاقرار بالقسمة هنا غير ممكن فان الحمام لا يقسم لان الجبر على القسمة لتحصيل المنفعة لكل واحد منهما وفي قسمة الحمام تعطيل المنفعة فإذا لم يكن محتملا للقسمة بقى نصف الحمام في يد كل واحد منهما في زعم المقر ان البيت أوسط للمقر احتبس نصفه في يده ونصفه في يد شريكه فيكون ضامنا لما احتبس منه في يده لان ملك الغير إذا احتبس منه في يده وتعذر عليه رده لا يكون مجانا بل يكون مضمونا عليه بقيمته ولو أقر له بنصف الحمام أو بثلثه كان اقراره جائزا لانه لا ضرر على شريكه في اقرار المقر بجزء شائع للمقر له لا في الحال ولا في المال. ولو كان عدل زطى بين رجلين فأقر احدهما بثبوت منه بعينه لرجل كان
[ 55 ] نصيبه من ذلك للمقر له لان كل ثبوت مشترك بينهما فاقراره في نصيب الثبوت الذى عينه صادف ملكه ولا ضرر فيه على شريكه فصح بخلاف الدار الواحدة لان المرافق هناك متصلة بعضها ببعض ففى تصحيح الاقرار اضرار بالشريك وهنا بعض الثياب غير متصلة بالبعض وليس في تصحيح الاقرار اضرار بالشريك إذ لا فرق في حقه بين أن يكون شريكه في هذا الثوب المقر أو المقر له والرقيق والحيوان قياس على الثياب في ذلك. ولو كانت دار بين رجلين فاقر أحدهما ببيت بعينه لرجل وأنكر شريكه وأقر بيت لآخر وأنكر صاحبه ذلك فالدار تقسم بينهما نصفين وان وقع البيت الذى أقر به في نصيبه يسلمه إلى المقر له وان لم يقع في نصيبه قسم ما أصابه بينه وبين المقر له على البيت وعلى نصف ما بقى من الدار بعد البيت لما ذكرنا في الفصل الاول من قسمة نصيبه بينه وبين المقر له على الاختلاف الذى ذكرنا في اقرار أحدهما به ولو أن طريقا لقوم عليها باب منصوب أقر واحد منهم بطريق فيه لرجل لم يجر اقراره على شركائه ولم يكن للمقر له أن يمر فيه حتى يقتسموها لان مروره في نصيب المقر لا يتحقق قبل القسمة فان وقع موضع الطريق بالقسمة في نصيب المقر جاز ذلك عليه لان الضرر قد اندفع عن شركائه وان وقع في نصيب غيره كان للمقر له أن يقاسم المقر به نصيبه بحصة ذلك الطريق على ما بينا في البيت وقد تقدم بيان مسألة الطريق في كتاب الدعوى وأعادها هنا للفرق بينها وبين النهر إذا كان بين قوم وأقر أحدهم بشرب فيه لرجل لم يجر على شركائه لما قلنا فان كانوا ثلاثة فاقر أحدهم أن عشر النهر لهذا الرجل دخل عليه في حصته فكانت بينه وبين المقر له على مقدار نصيبه وعلى عشره ولو قال له عشر الطريق لم يكن للمقر له أن يمر فيه لان الطريق لا تقسم بينهم وعند المرور في النهر يتحاصون فيه بقدر شربهم فيكون ذلك قسمة بينهم في الماء قال الله تعالى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم وقال الله تعالى لها شرب ولكم شرب يوم معلوم فيمكن ادخال المقر مع المقر له في نصيبه من غير أن يكون فيه ضرر على شركائه. وكذلك لو كانت عين أو ركى بين ثلاثه نفر أحدهم أقر أن عشرها لرجل دخل المقر في حصته فان قال المقر له العشر ولى الثلث فحصته تكون مقسومة على ذلك يضرب المقر له فيه بسهم والمقر بثلاثة وثلث فإذا اردت تصحيح السهام فالقسمة بينهما على ثلاثة عشر سهما للمقر له ثلاثة وللمقر عشرة وان قال له العشر ولم يزد على هذا فقسمة نصيبه بينهما على أربعة للمقر له سهم وللمقر ثلاثة ولو أن سيفا بين رجلين حليته فضة أقر أحدهما
[ 56 ] أن حليته لرجل لم يجز ذلك على شريكه وضمن المقر للمقر له نصف قيمة الحلية مصوغة من الذهب أو ما كانت لان تصحيح الاقرار بالقسمة غير ممكن وفي زعم المقر أن الحلية للمقر له احتبس نصفها في يد كل واحد منهما فيكون هو ضامنا لما احتبس عنده من ملك المقر له وانما ضمن قيمته من الذهب للتحرز عن الربا وكذلك أحد الشريكين في الدار إذا أقر بجذع في سقف منها لرجل ضمن نصف قيمة الجذع للمقر له لاحتباس هذا النصف في يده من ملك المقر له بزعمه. وكذلك لو أقر بآجر في حائط منها أو بعود من قبة أو بلوح من باب بينه وبين آخر لان تصحيح الاقرار في هذه المواضع بالقسمة غير ممكن فان المقر به وان وقع في نصيب المقر لا يلزمه تسليمه لما في نزعه من الضرر ولو كانت دار لرجلين باع أحدهما نصف بيت منها بعينه لم يجز بيعه الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله يقول إن بيعه صادف ملكه وتسليمه بالتخلية ممكن فكان بيعه صحيحا * وجه ظاهر الرواية انه لو جاز بيعه لنصف البيت لتضرر به شريكه لانه يحتاج إلى قسمتين قسمة مع المشترى في البيت وقسمة مع الشريك في بقية الدار فيتضرر بتفرق ملكه والبيع إذا وقع علي وجه يتضرر به البائع لم يجز فإذا وقع على وجه يتضرر به شريكه أولى. رجل قال لآخر لك على أو علي مكاتبي فلان الف درهم لم يلزمه شئ في الحال لان المكاتب في حقه كالحر لا يملك الاقرار عليه بالدين فكأنه قال لك على أو على فلان الحر الف درهم وفي هذا لا يلزمه شئ لان حرف أو في موضع الاثبات عمله في اثبات أحد المذكورين فلا يكون ملتزما للمال بهذا الاقرار حين جعله مترددا بينه وبين غيره فان عتق المكاتب فقد ازداد بعدا من مولاه فيكون الاقرار باطلا وان عجز ورد في الرق ولا دين عليه فالاقرار جائز كما لو جدده في الحال لان الحق في رقبته خلص له ولو استأنف الاقرار فقال لك على أو على عبدى هذا الف درهم ولا دين على العبد يصح اقراره وتخير بين أن يلزمه لنفسه أو عبده لان كلامه الآن صار التزاما بيقين فان الدين لا يجب علي العبد بل يكون شاغلا ما لية رقبته وذلك خالص حق المولى بمنزلة ذمة نفسه ولانه لو أقر على عبده صح الاقرار ولو أقر على نفسه صح أيضا فإذا جعل اقراره مترددا بينهما كان صحيحا وبه فارق حال قيام الكتابة فانه لو أقر على مكاتبة خاصة لم يكن الاقرار صحيحا الا أن يعجز ولا دين عليه فحينئذ يصح الاقرار فكذلك إذا جعله مترددا بينه وبين نفسه ولو أقر على عبده التاجر بدين والعبد يجحده وعليه دين يحيط بقيمته فاقراره باطل لان ماليته وكسبه حق
[ 57 ] غرمائه فلا يملك المولى ابطال حقهم ولا اثبات مزاحم لهم بقوله كالمرهون لما صار حقا للمرتهن لا يملك الراهن ابطال حقه واثبات مزاحم له باقراره وصحة اقرار المولى على عبده باعتبار ماليته دون ذمته فانه في حق الذمة مبقى على أصل الحرية فان بيع العبد لغرمائه في دينهم لم يلزمه الدين الذى أقر به المولى وكذلك ان عتق لانه ازداد بعدا عن مولاه لهذه الاسباب ولو أقر أن لفلان ألف درهم عليه أو على فلان ألف درهم ثم مات فلان والمقر وارثه وترك مالا فالاقرار يلزمه ارثا كان عليه وارثا كان في مال الميت لانه لو جدد الاقرار في هذه الحال كان ملتزما اياه وهذا لان موجب الاقرار بالدين يوجه المطالبة بقضائه من ماله وقد صار هو المطالب بقضاء هذا الدين من ماله عينا لانه ان كان مراده الاقرار علي نفسه فعليه قضاؤه وان كان مراده الاقرار على مورثه فعليه قضاؤه من تركته وتركة المورث حق الوارث فلهذا حكم بصحة اقراره وجعل البينة على المقر في ذلك وإذا أقر أن لفلان علي ألف درهم ثم مات فلان والمقر وارثه فالدين في تركة الميت بمنزلة ما لو وجد الاقرار بعد موته لان الاقرار في حق المقر خبر ملزم غير محتمل للفسخ وان جهة الصدق منفية فيه في حق المقر وفسخه في تعين جهة الكذب فيه وبعد ما تعينت جهة الصدق فيه لا يتصور تعيين جهة الكذب فيه فلهذا جعلناه كمجدد الاقرار في هذه الفصول بعد ما خلص الحق له فان كان علي الميت دين في صحته أو في مرضه فدينه واجب في تركته من هذا لان صحة اقرار الوارث باعتبار التركة وذلك حين يخلص حقا له وما دام علي الميت دين أقر به في صحته أو في مرضه فلا حق للوارث في تركته فتجعل هذه الحال كحال حياة المورث لو قال له على ألف درهم لابل علي فلان لزم المقر المال لانه التزمها باقراره ثم أراد الرجوع عنه والزام غيره بقوله لا بل على فلان لان كلمة لابل للاستدراك بالرجوع عن الاول واقامة الثاني مقام الاول وليس له ولاية الرجوع ولا ولاية الزام المقر به غيره فيلغى آخر كلامه ويبقي المال عليه باعتبار أول كلامه لانه يخالف ما سبق فان حرف أو للتشكيك فلا يكون مع ذكره ملتزما للمال باقراره دار بين رجلين أقر أحدهما أنها بينهما وبين فلان وأقر الاخر انها بينه وبين هذا المقر له وبين آخر أرباعا فانا نسمى الذى أقر له متفقا عليه والذى أقر له أحدهما محجورا والذى أقر لهما مقر وشريكه مكذبا فنقول على قول أبى يوسف رحمه الله يأتي المتفق عليه إلى المقر فيأخذ منه ربع ما في يده ويضمه إلى ما في يد المكذب فيقسمانه بينهما نصفين وما بقى في يد المقر يكون بينه وبين
[ 58 ] المجحود نصفين فيحتاج إلى حساب ينقسم نصفين ثم ربع نصفه ينقسم نصفين وأقل ذلك ستة عشر فيجعل سهام الدار ستة عشر في يد كل واحد منهما ثمانية ثم يأخذ المتفق عليه من المقر ربع ما في يده سهمين فيضمه إلى ما في يد المكذب وهو ثمانية فيصير عشرة أسهم نصفين لكل واحد منهما خمسة وما بقى في يد المقر وهو ستة بينه وبين المجحود نصفين قال وهذا قول أبى يوسف رحمه الله الذى قاسه على قول أبى حنيفة رحمه الله فأما على قول محمد رحمه الله على قياس قول أبى حنيفة المتفق عليه يأخذ من المقر خمس ما في يده والباقى كما قال أبو يوسف رحمه الله. وأصل المسألة ما قال في كتاب الفرائض رجل مات وترك ابنين فأقر أحدهما بابنين آخرين للميت وصدقه أخوه في أحدهما وكذبه في الاخر فعلى قول أبى يوسف رحمه الله الذى قاسه على قول أبى حنيفة رحمه الله يأخذ المتفق عليه من المقر ربع ما في يده وعلى قول محمد رحمه الله خمس ما في يده ووجه قول أبى يوسف رحمه الله ظاهر لان المتفق عليه بقول للمقر قد أقررت بأن الدار بيننا ارباعا فلى ربع كل نصف من الدار وفي يدك النصف فأعطني ربع ما في يدك لاقرارك لي به فانه لا يجد بدا من قوله نعم فإذا أخذ منه ربع ما في يده ضمه إلى ما في يد المكذب لانه يقول له قد أقررت بأن حقنا في الدار علي السواء واقراره ملزم في حقه وجه قول محمد رحمه الله ان المقر يقول للمتفق عليه انا قد أقررت بأن حقى في سهم وحق المجحود في سهم وحقك في سهم ولكن السهم الذى هو حقك نصفه في يدى ونصفه في يد شريكي وهو مقر لك بذلك وزيادة فلا يضرب بما في يدى الا بما أقررت لك به وذلك نصف سهم فأنت تضرب بما في يدى بنصف سهم وأنا بسهم والمجحود بسهم فلهذا أخذ منه خمس ما في يده وضمه إلى ما في يد المكذب فاقتسما نصفين لاتفاقهما على أن حقهما في الدار. سواء وإذا تنازع الرجلان في حائط ووجه البناء إلى أحدهما فهو بينهما نصفين على قول أبى حنيفة رحمه الله وتحكيم وجه البناء لبس وعندهما الحائط لمن إليه وجه البناء وانصاف اللبن وقد بينا هذا في كتاب الدعوى في الحائط والحصن جميعا فاعادته هنا لفروع ذكرناها على سبيل الاحتجاج لابي حنيفة رحمه الله وقال قد يجعل الرجل وجه الحائط إلى الطريق فلا يكون ذلك دليلا على ان الحائط غير مملوك له وقد يكون أحد جانبي الحائط مجصصا فلا يكون دليلا على القضاء بالحائط لمن يكون جانبه مجصصا وكذلك قد يكون في أحد الوجهين من الحائط روازن أو طاقات فلا يكون ذلك دليلا على ترجيح احدهما فكذلك وجه البناء وأبو يوسف
[ 59 ] ومحمد رحمهما الله يقولان في الحصن والروازن كذلك فأما إذا كان الحائط مبنيا بطاقات فالحائط للذي إليه الطاقات عندهما لان الطاقات بمنزلة وجه البناء والظاهر أن الذى يبنى الحائط يجعل الطالقات إلى جانب نفسه لان الجانب الذي يكون فيه الطاقات يبني مستويا وانما يعتبر الحائط من جانب نفسه لا من جانب جاره ولهذا جعل وجه البناء حكما فكذلك الطاقات وقال وان كانت الروازن في البناء من الآجر فهى مثل الطاقات فهذا اللفظ دليل علي انهما انما لم يعتبرا الروازن الموجودة في الحائط فقد يحفر ذلك صاحب الحائط وقد يحفر جاره ليدخل فيه الضوء فاما ما كان يعلم أنه مبنى مع الحائط من الروازن فانه يجعل حكما عندهما بمنزلة الطاقات ويقضي بالحائط لمن إليه استواء تلك الروازن لان البانى للحائط يراعى الاستواء من جانب نفسه لا من جانب جاره وان كان الباب في حائط فادعاه كل واحد منهما وغلق الباب إلى أحدهما فالباب والحائط بينهما نصفين في قول أبى حنيفة رحمه الله وفي قولهما الحائط بينهما نصفين والباب الذى إليه الغلق اعتبرا فيه العادة فان الذى يركب الباب على الحائط يجعل الغلق في جانبه وأبو حنيفة اعتبر القياس أن الغلق متنازع فيه كالباب والعادة مشتركة قد يجعل الغلق إلى جانبه وقد يجعل إلى جانب جاره فكان بينهما نصفين فان كان له غلقان من كل جانب واحد فهو بينهما نصفين عندهم جميعا لاستوائهما في الدعوى والشاهد بالعلامة ولما تعارض الغلقان جعل كانه لا غلق على الباب فيقضي به بينهما نصفين كالحائط والله أعلم بالصواب * (باب الاقرار بشئ بغير عينه) * (قال رحمه الله) وإذا أقر الرجل لرجل بشاة من غنمه صح اقراره لان المقر له معلوم ولا تأثير لجهالة المقر به بالمنع من صحة الاقرار لانها جهالة مستدركة باجبار المقر على البيان فإذا ادعى المقر له شاة بعينها فان ساعده المقر على ذلك أخذها وان أبى ذلك لم يأخذها الا باقامة البينة لان المقر بها منكر والمدعى معين والمنكر غير المعين فلا يأخذها الا باقامة البينة عليه أو سكوت المدعى عليه بعد استحلافه ولكنه بدعوى هذه الشاة صار كالراد لاقراره فيما سواه فإذا حلف المدعى عليه في هذه الشاة لم يبق للمدعى خصومة بسبب ذلك الاقرار فان ادعى المقر له شاة بغير عينها أعطاه المقر أي شاة شاء من غنمه بذلك لانه أبهم الاقرار فكان
[ 60 ] الخيار إليه وبيانه مطابق للفظه فكان مقبولا منه وان حلف المقر علي كلهن لم يقبل ذلك ويجبر علي أن يعطيه شاة منها لان الاستحقاق بالاقرار ثم بتصديق المقر له فيما أقر به فلا يبطل ذلك باليمين الكاذبة بخلاف الاول فان المقر له هناك صار رادا لاقراره فيما سوى التى عينها واقراره غير موجب استحقاق تلك الشاة بعينها وان لم يعين واحد منهما شيئا منها وقال لا أدرى أو رجع المقر عن اقراره وجحد فهو شريكه فيها فقد جمع في السؤال بين الفصلين وأجاب عن أحدهما وهو ما إذا قال لا أدري فهناك تكون الشركة بينهما ثابتة لاختلاط ملك أحدهما بالاخر علي وجه يتعذر تمييزه حتى إذا كانت الغنم عشرا فله عشر كل شاة وان ماتت شاة منها ذهبت من مالهما وان ولدت شاة منهما كان لهما جميعا على ذلك الحساب هذا هو الحكم في المال المشترك أن الزيادة لهما والهلاك عليهما فاما إذا جحد المقر أصلا ومنع الغنم فهو ضامن لنصيب المقر له حتى إذا هلكت شاة منها ضمن مقدار نصيب شريكه منها وهو العشر وان مات المقر فورثته في ذلك بمنزلته لانهم خلفاؤه في ملكه وانما كان الشأن للمقر لاختلاط ملكه بملك غيره وورثته في ذلك بمنزلته الا انهم يستحلفون على العلم لان يمينهم على فعل الغير وأنواع الحيوان والرقيق والعروض في هذا مثل الغنم. ولو قال له في دراهمي عشرة دراهم وهى مائة فللمقر له منها عشرة دراهم وزن سبعة لما بينا أن الدراهم عبارة عن الوزن والمعيار فيه وزن سبعة فينصرف مطلق الاقرار إليه والاقرار به في ماله وفي ذمته سواء وان كان في الدراهم صغار نقص وكبار ومال المقر هي عشرة نقص لم يصدق لان هذا بيان فيه تغيير موجب كلامه فلا يقبل منه مفصولا وان كان فيها زيوف فقال هي منها صدق لانه ليس في هذا بيان تغيير موجب كلامه بل فيه تقريره وهذا بمنزلة الاقرار بالغصب أو الوديعة لما عين له محلا سوى ذمته وقد بينا في الغصب والوديعة انه إذا قال هي زيوف صدق وان كان مفصولا ولو قال له في طعامي هذا كر حنطة ولم يبلغ الطعام كرا فهو كله له لانه أقر بحقه في محل عين ولكنه غلط في العبارة عند مقداره والزيادة على ذلك القدر لو لزمته انما تلزمه في ذمته وهو ما أقر له بشئ في ذمته ولكنه يحلف انه ما استهلك من هذا الطعام شيئا وهذا إذا ادعاه المدعي لانه يدعى عليه السبب الموجب للضمان في الزيادة على الموجود إلى تمام الكرو هو لذلك منكر فيتوجه عليه اليمين ولو قال له هذه الشاة أو هذه الناقة ثم جحد ذلك وحلف ماله منهما شئ وادعاهما الطالب فانه يقضى له بالشاة لانه حين ادعاهما صار مصدقا
[ 61 ] له فيما أقر به وهو أحدهما بغير عينه مدعيا في الزيادة على ذلك فتم استحقاقه في المقر به ولا يبطل ذلك باليمين الكاذبة فالاوكس متيقن به وهو الشاة فلهذا لزمه ذلك ولا يكون المقر له شريكا في الناقة لانه بجحوده نفى حقه عنهما ولو نفى حقه عن الناقة وحدها بأن عين الشاة كان مقبولا منه فكذلك هنا يقبل منه نفى حق المقر له عن الناقة فلا يكون شريكا فيها ولو شهد الشهود علي اقراره بذلك وقالوا سمى لنا احداهما فنسيناها لم تجز شهادتهما لاقرارهما على أنفسهما بالغفلة ولانهما ضيعا ما تحملا من الشهادة فانهما تحملاها على الاقرار بالعين وقد ضيعا ذلك بالنسيان * وإذا أقر لرجل بحق دار في يده فانه يجبر علي أن يسمى ذلك ما شاء لانه أبهم الاقرار بجزء له من الدار فعليه بيان ما أبهم فان أقر بالعشر وادعي المقر له أكثر من ذلك حلفه علي الزيادة لانه خرج عن عهدة اقراره بما بين فالقول قوله في انكار الزيادة مع يمينه وان أبى أن يسمى سمى له الحاكم ثم وقفه على شئ من ذلك حتى إذا انتهى إلى أقل ما يقر به له عادة استحلفه ماله فيه الا ذلك لان قدر الاقل متيقن به وذلك معلوم بالعادة وعليه ينبنى مطلق الاقرار فيستحلفه على الزيادة إذا ادعاها الطالب ثم يقضى له بذلك القدر والاعيان المملوكة كلها علي هذا. ولو أقر أن لفلان حقا في هذه الغنم قال هو عشر هذه الشاة فالقول قوله مع يمينه لان بيانه مطابق لاقراره فقد يضاف المقر به الي محله الخاص تارة وإلى العام من جنسه تارة فيقبل بيانه وعليه اليمين ان ادعى المقر له الزيادة. ولو أقر أن لفلان حقا في هذه الدار ثم قال هو هذا الجذع أو هذا الباب المركب أو هذا البناء بغير أرض لم يصدق في ذلك لان بيانه مغير لموجب كلامه فان موجب اقراره ثبوت حق المقر له في رقبة الدار وهذا البيان ينفى حقه عن رقبتها فلا يصدق في ذلك الا موصولا وحقيقة المعنى في الفرق بين هذا وبين الغنم ان في الدار بيعا للاصل ولهذا يدخل في البيع من غير ذكر ويستحق بالشفعة وقوام البناء بأصل الدار وقد أضاف اقراره إلى أصل الدار فلا يقبل بيانه في الصفة والبيع بعد فأما في الغنم بعض ليس بيعا للبعض فبيانه في أصل الغنم كاقراره فلهذا قبل منه قال أرأيت لو عنيت به الثوب أو الطعام الذى في الدار أكنت أصدقه وهذا إشارة إلى ما قلنا ان الموضوع في الدار ليس من رقبة الدار في شئ واقراره يتناول رقبتها. ولو أقر ان له في هذا البستان حقا ثم قال هو ثمرة هذه النخلة لم يصدق لان اقراره تناول أصل البستان والثمرة ليست من أصله في شئ وان أقر بالنخلة بأصلها فالقول قوله لانه أقر له بجزء
[ 62 ] من الارض فكان بيانه مطابقا لاقراره وان قال هي له بغير أرض لم يصدق لان بيانه غير مطابق لاقراره فان حرف في حقيقة للظرف واسم البستان لاصل البقعة والاشجار فيه وصف وتبع لان قوامها بالبقعة وانما يتناول أصل اقراره شيئا من البقعة أو جعل البقعة لما أقر به من الحق فإذا فسره بالنخلة من غير أرض لم يكن التفسير مطابقا للفظه. فان قيل الظرف غير المظروف فانما جعل البستان محل حقه فإذا فسره بالنخلة فالبستان محل حقه قلنا لا كذلك فانه إذا فسره بالنخلة فمحل حقه موضعها من الارض وذلك الموضع لا يتناوله اسم البستان فانما يتحقق كون البستان ظرفا لحقه إذا كان المقر به جزأ منها ولو قال له في هذه الارض حق ثم قال حقه فيها انى أجرتها اياه سنة ليزرعها لم يصدق لانه أقر له بالحق في رقبتها ثم فسره بالمنفعة فلم يكن تفسيره مطابقا للفظه وكذلك لو أقر ان له في الدار حقا ثم قال سكنى شهر فتفسيره غير مطابق للفظه وكذلك لو أقر ان له في هذه الدار ميراثا أو شراء ثابتا أو بابا أو ملكا ثابتا ثم قال هو هذا الباب المغلق لم يصدق لانه جعل رقبة الدار ظرفا لما أقر له به فلا بد من أن يفسره بجزء من رقبتها * ولو قال له في دار والدي هذه وصية من والدى ثم قال له سكنى هذا البيت سنة لم يصدق حتى يقر له بشركة في أصل الدار لانه جعل الدار ظرفا للموصى به والمنافع أعراض تحدث شيئا فشيئا فلا يكون تفسيره مطابقا لاقراره ما لم يقر بشئ من أصل الدار ولو وصل المنطق في جميع ذلك كان مقبولا لان ظاهر اقراره منصرف إلى شئ من أصل الدار على احتمال أن يكون المقر به منفعتها لان المنافع محل الاعيان فإذا بينه موصولا قبل بيانه وان كان مغيرا لموجب مطلق كلامه * وكذلك لو قال له فيها ميراث بسكنى شهر وفي هذا نوع اشكان فان المنافع لا تورث عندنا فينبغي ان لا يقبل بيانه هذا موصولا وكذا يكون بيانه من محتملات كلامه فان توريث المنفعة مجتهد فيه ولو قضى به القاضى نفذ قضاؤه فلعله أقر له بذلك بعد ما قضى له به قاض فكان هذا بيانا من هذا الوجه وقيل هو على الخلاف وينبغى أن يكون هذا الجواب عندهما بناء على ما تقدم وإذا قال لفلان علي ألف درهم من ثمن خمر لم يصدق عند أبى حنيفة رحمه الله وان وصل لان ثمن الخمر لا يجب للمسلم شرعا وعندهما يصدق وكان ذلك بيانا منه علي ظنه وكذلك هذا ولو كان في يده عشرة من الغنم فقال لفلان فيها شرك شاة ثم ماتت الغنم كلها فقال المقر له أنت خلطت شاتى بغنمك لم يصدق علي ذلك ولم يضمن المقر شيئا إذا حلف لان اقراره بالشركة في العين لا يضمن الاقرار بوجود السبب
[ 63 ] الموجب للضمان عليه فان نصيب كل واحد من الشريكين في يد صاحبه أمانة والاختلاط يحصل من غير خلط فدعواه الخلط دعوى السبب الموجب للضمان عليه ابتداء فلا يصدق في ذلك الا بحجة. ولو قال في زيتي هذا لفلان رطل من زئبق وقال كل واحد منهما أنت خلطته لم يصدق واحد منهما في دعواه الا بحجة لانه يدعى السبب الموجب للضمان علي شريكه ابتداء ولكنه يحلف كل واحد منهما علي دعوى صاحبه وإذا حلفا فهما شريكان في الزيت يباع فيضرب صاحب الزئبق فيه بقيمة رطل من زيت لا بقيمة رطل من زئبق ويضرب الآخر بقيمة ما بقى من الزيت قال لانه قد صار زيتا كله ومعنى هذا أن الزيت هو الغالب والزئبق يصير كالمستهلك فيه وقيمة الزئبق تنتقص بالاختلاط وهذا النقصان حصل من غير فعل أحد فيكون على صاحب الزئبق وانما يضرب كل واحد منهما في الثمن بقيمة ملكه كما يتناوله العقد وعقد الكل زيت فلهذا ضرب بقيمة رطل من زيت. ولو كان لرجل خمسون رطلا من زئبق فاقر أن فيه لرجل رطلا من بنفسج بعته وقسمت الثمن بينهما يضرب فيه صاحب البنفسج بقيمة رطل منه وصاحب الزئبق بقيمة زئبقه لان البنفسج بالاختلاط بالزئبق تزداد قيمته وهذه الزيادة حصلت من ملك صاحب الزئبق فلا يضرب بها مع صاحب الزئبق وانما يكون ضربه بقيمة ملكه وهو رطل بنفسج وان شاء صاحب الزئبق أعطى صاحبه رطلا من البنفسج والزئبق كله له والخيار إليه دون صاحب البنفسج لان البنفسج صار مستهلكا بالزئبق فان الزئبق هو الغالب وعند الاختلاط الاقل يصير مستهلكا بالاكثر والحكم للغالب فيكون الخيار لمن كان حقه قائما من كل وجه في أن يتملك على صاحبه نصيبه بضمان المثل الا ترى أن ثوب انسان لو وقع في صبغ غيره فانصبغ به كان لصاحب الثوب أن يعطى لصاحب الصبغ قيمة الصبغ لان الثوب قائم من كل وجه والصبغ فيه مستهلك من وجه فكان الخيار لصاحب الثوب فهذا مثله رجل في يده ثوب مصبوغ بعصفر فقال لرجل في ثوبي هذا لك قفيز من عصفر في صبغه فصاحب الثوب بالخيار ان شاء رد عليه ما زاد قفيزا من عصفر في ثوبه لان ملك المقر له صار وصفا لملكه فكان له أن يتملكه بضمان بدله وان أبى بيع الثوب ويضرب به صاحب العصفر بقيمة ملكه وهو ما زاد قفيز من عصفر في ثوبه وصاحب الثوب بقيمة ثوبه فان كان صبغه أكثر من قفيز ضرب صاحب الثوب بالفضل مع قيمة الثوب الابيض لان المقر له ما استحق الا مقدار قفيز من العصفر الذى في الثوب لان استحقاقه باقراره
[ 64 ] وانما أقر له بهذا المقدار وان اختلفا فقال المقر له ليس في هذا الثوب زيادة علي قفيز من عصفر وقال صاحب الثوب بل فيه زيادة على ذلك سأل القاضى أهل العلم بذلك من الصباغين لانه يحتاج إلى معرفة المحق منهما فيرجع فيه إلى من له نظر في ذلك الباب كما إذا احتاج إلى معرفة قيمة العين سأل عنه من له نظر فيه فان اتفقوا على شئ يعرف في ذلك أخذ بقولهم والا القول فيه قول صاحب الثوب لانه صاحب الاصل والمقر له انما يستحق من جهته فيكون القول في بيان مقدار ما يستحق المقر له قول صاحب الثوب. ولو أن رجلا في يديه عبد فقال لفلان في هذا العبد الشريك أو قال شركة فله النصف في قول أبى يوسف رحمه الله وقال محمد رحمه الله القول المقر في بيان مقدار ما أقر به واتفقا انه لو قال فلان شريكي في هذا العبد أو مشترك بينى وبين فلان أو هو لى ولو كان بينهما نصفين لان لفظة الشركة تقتضي المساواة قال الله تعالى فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ثم يستوى فيه ذكورهم واناثهم وكذلك لفظ بين يقتضى المناصفة بين المذكورين ومطلق الاضافة اليهما تقتضي التسوية بينهما فاما في قوله شرك أو شركة في العبد فكذلك يقول أبو يوسف رحمه الله لان لفظ الشركة يقتضى التسوية وقال محمد رحمه الله إذا ذكر الشرك منكرا فهو عبارة عن النصيب قال الله تعالى أم لهم شرك في السموات وقال الله تعالى وما لهم فيهما من شرك أي من نصيب فهذا وقوله لفلان في عبدى نصيب سواء وهناك البيان فيه إلى المقر له وإلى نفسه فيقتضي المساواة وهنا جعله صفة للمقر به فلا يتحقق فيه اعتبار معنى المساواة فلهذا كان هو وذكر النصيب سواء وان فصل الكلام فقال هو شريكي فيه بالعشر أو هو معى شريك بالعشر فالقول قوله لان الاقرار بالشركة يقتضي المساواة ولكن على احتمال التفاوت فكان بيانه مغايرا لما اقتضاه مطلق كلامه فيصح موصولا لا مفصولا وكذلك لو قال هذا العبد لى ولفلان لى الثلثان ولفلان الثلث وإذا أقر أن لفلان وفلان معه شركا في هذا فهو بينهم اثلاثا في قول أبى يوسف رحمه الله بمنزلة ما لو قال فلان وفلان فيه شركائي وعند محمد رحمه الله البيان فيه إلى المقر كما في الفصل الاول وإذا قال قد أشركت فلانا في نصف هذا العبد ففى القياس له ربعه لانه لو قال أشركت فلانا في هذا العبد كان له نصفه فإذا قال في نصف العبد كان له نصف ذلك النصف وهو الربع لان الاشراك يقتضى
[ 65 ] التسوية بين الموجب والقابل فيما أضيف الايجاب إليه وقد أضيف هنا إلى نصف العبد ولكنه استحسن فقال له النصف لان معنى قوله أشركت فلانا في نصف العبد أي بنصف العبد فقد يستعار حرف في لمعنى الباء مجازا لان الباء للالصاق وفي للظرفية وبين الظرف والمظروف نوع الصاق فامكن أن يستعار حرف في لمعنى الباء وانما حملناه علي هذا النوع من المجاز لعدم امكان اعتبار الحقيقة فانه وان جعل له ربع العبد كان شريكا في جميع العبد لا في نصفه فان صاحب القليل مشارك لصاحب الكثير في جميع السين * وإذا قال له علي حق ثم قال عنيت حق الاسلام لم يصدق ولا بد من أن يقر له بشئ لان كلمة على للالتزام في الذمة ومطلق هذا اللفظ انما يفهم منه في العادة الدين فتفسيره بحق الاسلام معتبر لمطلق لفظه فلا يقبل منه مقصوده ثم خص نفسه بالتزام الحق الذى أقر به وحق الدين على كل واحد منهما لصاحبه ففى تخصيصه نفسه دليل على أنه مراده من ذلك * وان قال لفلان علي عبدى هذا حق ثم قال عنيت به الدين فالقول قوله لان كلمة على للالتزام في الذمة فانه مشتق من العلو ومعناه علاه ما أقر نفيا للوجوب في ذمته حتى صار مطلقا فانه وان ادعى المقر له الشركة في الرقبة لم يصدق الا بحجة لانه ليس في لفظ المقر ما يوجب ذلك ولو قال له في رقبة عبدى هذا العتق أو قال في عبدى فهذا تنصيص على الاقرار فما يوجب الشركة في الرقبة والقول في مقدارها قول المقر وان قال لفلان حق في عبدى هذا أو في أمتى هذه فادعى الطالب حقه في الامة فان المقر يحلف عليه لان المدعى غير ما أقر به فانه أقر بحقه في غير معين وهو انما ادعاه في معين فيصير ذلك الاقرار فيما سوى المحل الذى عينه ومدعيا في ذلك المحل فالقول قول المنكر مع يمينه وإذا حلف لم يكن له في واحد منهما شئ لانه خرج عن موجب اقراره بما تضمن دعواه من رد اقراره الحق في العبد وان ادعى فيهما يجبر المقر على أن يقر في أيهما شاء بطائفة منه لانه صدقه فيما أقر به وادعى زيادة عليه والاستحقاق بحكم اقراره يتم بتصديقه فالقول في مقداره قول المقر وان حلف عليهما جميعا فباليمين الكاذبة لا يبطل استحقاقه في مقدار ما تناوله اقراره فيجبر علي بيان ذلك ويحلف علي دعوى الطالب ان ادعى زيادة على ذلك وان أقر بحائط لرجل وقال عنيت البناء دون الارض لم يصدق ويقضي عليه بالحائط بارضه لان الحائط اسم للمبنى ولا يتصور ذلك الا بالارض فاما غير المبني يكون آجرا وخشبا ولبنا وتدا وهو لا يكون حائطا فكان في اقراره ما يدل علي استحقاق الارض والثابت بدلالة النص
[ 66 ] كالمنصوص عليه فكان بيانه هذا مغايرا لمقتضى مطلق كلامه وكذلك لو أقر باسطوانة في داره وانما أراد به المبنى من الاسطوانة بالآجر وانه لا يكون اسطوانة ما لم يكن مبنيا كالحائط فاما إذا كانت الاسطوانة من خشب فللمقر له الخشبة دون الارض لانه يسمى اسطوانة قبل البناء عليه كما يعده فليس في لفظ المقر ما يدل على استحقاق موضعه من الارض فان كان يستطاع رفعها بغير ضرر أخذها المقر له وان كان لا يؤخذ الا بضرر ضمن المقر قيمتها للطالب بمنزلة من غصب من آخر ساجة وبنى عليها فان حق صاحب الساجة ينقطع عن الساجة ويقرر فيه ضمان القيمة دفعا للضرر عن صاحب البناء عندنا وهى مسألة معروفة * ولو أقر له بنخلة أو شجرة في بستانه فهى له باصلها من الارض لان المقر به النخل والشجر وانما يسمى بهذا الاسم إذا كان ثابتا في الارض فاما إذا لم تكن ثابتة فتسمى خشبة فكان في لفظه ما يدل على دخول موضعها من الارض ولا خلاف في هذا في اقراره وانما الخلاف في البيع إذا باع نخلة أو شجرة فعلى قول أبى يوسف رحمه الله انه باعها بأصلها فله موضعها من الارض وان باعها ليقطعها المشترى فليس له موضعها من الارض وان باعها مطلقا فليس له موضعها من الارض وروى هشام عن محمد رحمهما الله انه إذا باعها مطلقا فله موضع أصلها من الارض وله الموضع الذى ينتهى إليه عروقها من الارض فمحمد رحمه الله سوى بين البيع والاقرار وقال الايجاب من البائع كان في النخلة والشجرة ولا تكون نخلة وشجرة الا وهى ثابتة وأبو يوسف رحمه الله يفرق بينهما فيقول البيع تمليك مبتدأ فلا يتناوله الا ما وقع التنصيص عليه والتنصيص انما وقع على النابت دون موضعه الذى نبت عليه وموضعه الذي نبت عليه ليس مانعا للنابت فلا يستحقه المشترى باستحقاقه النابتة وبالبيع لا يستحق المشترى استدامته على حاله بخلاف الاقرار فانه اخبار عن ملك سابق للمقر له وفيه إشارة إلى استدامته ولا يكون ذلك الا بموضعها من الارض فاستحق موضعها من الارض بدلالة كلامه والمدلول عليه في الاقرار كالمنصوص عليه ولو أقر بثمرة في نخل لم تكن النخلة له لان اسم الثمرة لا يختص بحال الاتصال بالنخل بخلاف اسم الحائط والنخلة ولان اتصال الثمار بالنخل ليس باصل بل هو للادراك حتى تجد بعد الادراك ويفسد إذا ترك ولهذا لا يدخل في بيع النخل من غير ذلك فكذلك لا يدخل في الاقرار بالثمرة أما اتصال البناء بالارض والنخل بالارض فللقرار ولهذا دخلا في بيع الارض من غير ذكر فكذلك الاقرار بهما يتضمن الاقرار موضعهما من الارض * ولو أقر
[ 67 ] له بكرم في أرض كان له الكرم بارضه كلها لان اسم الكرم بجمع الشجر والارض عادة ومطلق اللفظ في الاقرار ينصرف إلى المعتاد وما ثبت بدلالة النص عادة فهو كالمنصوص عليه * وكذلك لو أقر له بالبستان كان له الشجر والارض والنخل لان اسم البستان عند الاطلاق يجمع الكل فاصل الاسم للارض والاشجار والنخيل فيه بمنزلة الوصف فيكون الاسم جامعا للكل * ولو أقر أن هذا النخيل لفلان فاراد المقر له أن يأخذ الارض كلها لم يكن له ذلك وانما له النخل باصوله من الارض ولا يستحق الطريق ولا ما بين النخيل من الارض لان النخيل اسم للشجر ولكن لا يسمى نخلا الا وهو ثابت فاما بعد القلع فيسمى جذوعا فدخول موضعه من الارض لضرورة التنصيص علي اسم النخل في اقراره وهو لا يعد وموضع أصولها من الارض فلا يستحق شيئا من ذلك وكذلك ليس في لفظه ما يدل على استحقاق الطريق ولا يدخل الطريق في البيع من غير ذكر فكذلك الاقرار * والحاصل انه بنى هذه المسائل على معنى كلام الناس وما يطلقونه في عباراتهم في كل موضع * ولو أقر له بأصول عشرة من هذا الكرم معروفة كان له تلك العشرة باصولها ولا يكون له ما بين الشجر من الارض والكرم في هذا الموضع كالنخل لانه ما أقر له بالكرم وانما أقر له باشجار معروفة منها فتدخل أصولها لدلالة لفظه ولا يدخل ما سوى ذلك من الارض * ولو قال بناء هذه الدار لفلان كان له البناء دون الارض لانه نص في لفظه غلى البناء والارض ليست من البناء في شئ بخلاف الحائط فانه اسم للبناء في موضع من الارض وفرق بين البناء والنخل فقال النخل يخرج من الارض والبناء لا يخرج من الارض ومعنى هذا الكلام أن اسم البناء يثبت بفعل العبد وذلك فيما ارتفع من وجه الارض لافي الارض فلا يستحق شيئا من الارض بذكر البناء فاما اسم النخل فلا يحدث بفعل العباد بل بالنبات من الارض ولا يسمى نخلا الا وهو نابت فلهذا استحق بتسمية النخل موضعه من الارض وكذلك لو قال له بناء هذا الحائط لم يستحق الارض لما قلنا وإذا أقر له بجزء من داره يصح وبيان المقدار إلى المقر لان لفظ اقراره يحتمل الكثير والقليل فالجزء من الجزأين يكون نصفا ومن عشرة اجزاء يكون عشرا فكان بيانه مقررا لما أقر به لا مغيرا فصح موصولا كان أو مفصولا وكذلك النصف والنصيب والحق والطائفة البيان في ذلك كله إلى المقر ويقبل بيانه في القليل والكثير لانه من محتملات كلامه وليس فيه تغيير للفظ عن ظاهره فكان بمنزلة كنايات الطلاق إذا نوى الزوج بها شيئا انصرف
[ 68 ] إليه ولو أقر له بسهم في داره فكذلك الجواب عندهما وعند أبى حنيفة رحمه الله له السدس وأصل المسألة في الوصايا وهو ما إذا أوصي بسهم من ماله عند أبى حنيفة رحمه الله ينصرف السهم إلى السدس أخذا بقول ابن مسعود رضى الله عنه واحتج بقول اياس بن معاوية رضى الله عنه وجماعة من أهل اللغة رحمهم الله ان السهم هو السدس وعندهما السهم يتناول القليل والكثير فان سهما من سهمين يكون النصف ومن عشرة يكون العشر فهو والجزء والنصيب سواء وإذا أقر لرجل بنقض الحائط فله البناء دون الارض لان النقض اسم لما يبنى به الحائط من لبن وآجر وخشب فليس في لفظه ما يدل على استحقاق موضعه من الارض وكذلك لو أقر بجذع هذه النخلة فله الجذع دون الارض والله أعلم * (باب اضافة الاقرار إلى حال الصغر وما أشبهها) * (قال رحمه الله) رجل أقر انه كان أقر وهو صبي لفلان بالف درهم وقال الطالب بل أقررت بها لى بعد البلوغ فالقول قول المقر مع يمينه لانه أضاف الاقرار إلى حال معهودة تنافى الوجوب به فان قول الصبي هدر في الاقرار والصبا حال معهودة في كل أحد فكان هو في المعنى منكرا للمال لا مقرا به. فان قيل هو قد ادعى تاريخا سابقا في اقراره والمقر له منكر لذلك التاريخ فينبغي أن يكون القول قوله قلنا المصير إلى هذا الترجيح بعد ثبوت السبب ملزما وإذا كان الاقرار في حال الصبا غير ملزم أصلا فلم يكن هو مدعيا للتاريخ بالاضافة إليه بل يكون منكرا لاصل المال عليه كمن يقول لعبده أعتقتك قبل أن أخلق أو قبل أن تخلق فكذلك لو قال أقررت له بها في حال نومى لان النوم حال معهودة تنافى وجوب المال بالاقرار فيها فان أصل القصد ينعدم من النائم والقصد المعتبر ينعدم من الصبي فإذا كان اضافة الاقرار إلى حال الصبا لا يكون اقرارا فاضافته إلى حال النوم يكون انكارا بطريق الاولى وكذلك لو قال أقررت بها قبل أن أخلق لانه مستحيل في نفسه فكان منكرا لا مقرا ومثل هذا اللفظ انما يذكر للمبالغة في الانكار عادة ولو قال أقررت له وأنا ذاهب العقل من برسام أو لمم فان كان يعرف أن ذلك اصابه لم يلزمه شئ لانه أضاف الاقرار إلى حال معهودة تنافى صحة الاقرار فيها وان كان لا يعرف ان ذلك اصابه كان ضامنا للمال لانه لم يضف الاقرار إلى حال معهودة فيه فكان هو في الاضافة إلى الحال التى هي غير معهودة مدعيا لما
[ 69 ] يسقط عنه بعد اقراره بها فلا يقبل قوله في ذلك وهذا لان الاقرار في الاصل ملزم فيجب العمل بهذا الاصل ما لم يظهر المانع منه والمانع اضافته إلى حال معهود تنافى صحته فالاضافة إلى حال غير معهودة لا يصلح مانعا بل تكون دعوى المسقط بعد ظهور السبب الملزم فلا يقبل ذلك الا بحجة ولو قال أخذت منك ألف درهم وأنا صبي أو ذاهب العقل من مرض يعرف انه كان أصابه فهو ضامن للمال لان الاخذ فعل موجب للضمان على الاخذ صبيا كان أو بالغا مجنونا أو عاقلا فان الحجر بسبب الصبا والجنون عن الاقوال لا عن الافعال لان تحقق العقل بوجوده فلا يكون الصبا والجنون مؤثرا في حكمه وظهور الفعل باقراره فإذا كان اقراره ملزما حين أقر به والفعل ملزوما فيه في حال الصغر تقرر السبب الموجب للضمان عليه بخلاف ما تقدم فان قوله في حال الصغر والجنون ليس بملزم اياه ولو أقر الحر أنه كان لفلان عليه ألف درهم وهو عبد لزمه المال لان الرق لا ينافى وجوب المال في ذمته فان للعبد ذمة صحيحة لان صحة الذمة لكونه آدميا وبالرق لا يخرج من ذلك وكذلك لو أقر انه كان أقر له وهو عبد بالف درهم لان اقرار العبد ملزم في حق نفسه لكونه مخاطبا وانما لا يقبل في حق مولاه فكان مؤاخذا به بعد العتق وكذلك الحربى يسلم ثم يقر أنه كان قد أقر لفلان في دار الاسلام بألف درهم في دخلة دخلها بأمان أو قال دخل علينا بأمان فأقررت له وأنا في دار الحرب وهو في دار الاسلام أو المسلم يقر أنه كان أقر به لفلان حين كان حربيا فذلك كله ملزم اياه لانه أضاف الاقرار إلى حال لا تنافى صحة الاقرار ووجوب المال بها فانا لو عاينا اقراره في ذلك الوقت كان مؤاخذا به بعد الاسلام فكذلك إذا ظهر ذلك باقراره ولو انه كان أقر بألف درهم لفلان قبل أن يعتق وقال فلان أقررت لى بها بعدما أعتقت لزمه المال له لانه أضاف الاقرار إلى حال رق المقر له وذلك لا ينفى كون الاقرار ملزما فكان ملتزما المال باقراره قاصدا إلى تحويله من المقر له إلى مولاه باسناده الاقرار الي حال رقه من المقر له إلى غيره ولو أقر مسلم قد كان حربيا انه أخذ في حال حرابته من فلان ألف درهم في حال ما كان حربيا أو قطعت يده حال ما كان حربيا وقال المقر له بل فعلت ذلك بعد اسلامك فان كان المال قائما بعينه فعليه رده وهو غير مصدق في الاضافة إلى حال الحرب لانه اقر أن هذه العين في الاصل كانت مملوكة له وادعى تملكها عليه باضافة الاخذ حال كونه حربيا فلا يصدق فيه الا بحجة كما لو ادعى التملك عليه بشراء أو هبة ولو كان مستهلكها فهو ضامن
[ 70 ] له في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله القول للمقر ولا ضمان عليه في ذلك وكذلك لو قال لمعتقه أخذت منك ألف درهم حال ما كنت عبدا لى أو قطعت يدك حال ما كنت عبدا لى وقال المقر له لا بل فعلت ذلك بعد ما أعتقتني فالقول قول المقر له والمقر ضامن في قولهما وعند محمد رحمه الله القول قول المقر وجه قوله أنه أضاف الاقرار إلى حال معهودة تنافى وجوب الضمان عليه بالاخذ والقطع في تلك الحال فيكون منكرا لا مقرا كما لو قال لمعتقته وطئتك حال ما كنت أمة لى أو قال لمعتقه أخذت منك الغلة شهر كذا حين كنت عبدا لى أو قال القاضى بعد ما عزل قضيت عليك بكذا في حال ما كنت قاضيا وأخذته فدفعته إلى المقضى له فالقول قوله وان كذبه المقر له في هذه الاضافة وكذلك لو قال المعتق قطعت يدك وأنت عبد وقال المقر له بل قطعتها بعد العتق فالقول قول المقر للمعنى الذى بيناه وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله قالا أقر على نفسه بالفعل الموجب للضمان عليه ثم ادعى ما يسقط الضمان فلا يصدق في ذلك كما لو قال فقأت عينك اليمنى وعينى صحيحة ثم ذهبت وقال الاخر بل فقأتها وعينك ذاهبة كان القول قول المقر له والمقر ضامن للارش وبيانه هو أنه أقر بالاخذ وهو سبب موجب للضمان عليه كما قال ﷺ عليه اليد ما أخذت حتى ترد وأضاف الاقرار إلى حال رق المقر له وذلك غير مناف للضمان عليه بسبب الاخذ والقطع في الجملة فان العبد إذا كان مديونا كان أخذ المولى كسبه سببا لوجوب الضمان عليه وكذلك قطع يده موجب للضمان عليه وكذلك أخذه من الحربى قد يكون موجبا للضمان عليه في الجملة إذا كان الحربى مستأمنا في دارنا فلم يكن هو في اقراره منكرا لاصل الالتزام بل كان مدعيا لما يسقط الضمان عنه بخلاف ما استشهد به فان وطئ المولى أمته غير موجب عليه المهر سواء كانت مديونة أو غير مديونة وكذلك قضاء القاضي في حال ولايته غير موجب للضمان عليه بحال فانما أضاف الاقرار في هذه المواضع إلى حال معهودة تنافي الضمان أصلا فكان منكرا لا مقرا فلهذا لا يلزمه شئ والله أعلم بالصواب * (باب الاقرار بالاستفهام) * (قال رحمه الله) رجل قال لآخر أليس قد اقرضتني ألف درهم أمس فقال الطالب بلى فجحده المقر فالمال يلزمه لان قوله أليس قد اقرضتني استفهام فيه معنى التقرير كما قال الله
[ 71 ] تعالى أليس الله بكاف عبده ومعنى التقرير انك قد أقرضتني قول الطالب بلى تصديق له في الاقرار وكذلك لو قال ألم تقرضني أمس فهذا استفهام فيه معنى التقرير قال الله تعالى ألم يأتكم رسل منكم وكذلك لو قال الطالب أليس لى عليك ألف درهم فقال بلى كان هذا اقرارا لان قوله أليس استفهام وقوله بلي جواب عنه فيكون معناه بلى لك علي ألف درهم كما قال الله تعالى ألست بربكم قالوا بلى معناه بلى أنت ربنا وهذا على ما قال أهل اللغة ان كلمة بلى جواب الابتداء بل هو نفى وقد قرن به الاستفهام وكلمة نعم جواب الاستفهام المحض وكان المعنى فيه أن الاستفهام متى كان بحرف الاثبات فقول نعم جواب صالح له ومتى كان بحرف النفى فجواب ما هو اثبات بعد النفى وهو كلمة بلى يقال في تبدل الكلام لا بل كذا فلهذا كانت كلمة بلى جوابا للاستفهام بلفظ النفى وهو قوله ألست ثم ذكر مسائل تقدم بيانها في قوله اقرضتني وأعطيتني إذ قال بعد ذلك لم أقبض وزاد هنا لو قال أخذت منك الف درهم فلم تتركني أذهب بها لم يصدق في ذلك وان وصل كلامه لانه اقر على نفسه بفعل موجب للضمان وهو الاخذ فكان هو مدعيا اسقاط الضمان عن نفسه بعدما تقرر سببه فلا يصدق الا بحجة كالغاصب يدعى الرد وكذلك لو قال غصبت منك ألف درهم فانتزعتها منى لم يصدق وان كان موصولا لان دعوى الانتزاع منه دعوى اسقاط الضمان بعد تقرر سببه بمنزلة دعوى الرد وهذا لان الوصل بالكلام انما يكون معتبرا فيما هو بيان فأما دعوى الفعل المسقط للضمان فليس يرجع إلى بيان أول كلامه والموصول والمفصول فيه سواء ولو أقر قصار أن فلانا سلم إليه ثوبا يقصره ثم قال لم اقبضه فان وصله بكلامه صدق وان قطعه لم يصدق وفي بعض النسخ قال أسلم إليه وهما سواء فان الاسلام والتسليم لغة في الفعل الذى يكون تمامه بالقبض ولكن على احتمال ان يكون المراد به العقد دون القبض فإذا قال لم اقبضه كان هذا بيانا معتبرا لموجب ظاهر كلامه فيصح موصولا لا مفصولا ولو قال لرجل أعطيتني امس الف درهم وهل هي ألف فهذا استفهام لا يلزمه به شئ ولو لم ينقد الالف كان اقرارا لانه إذا لم ينقد الالف كان اخبارا بالفعل فيكون اقرار بموجبه وإذا نقد الالف فقد ضم صيغة الاخبار للفعل بألف الاستفهام فيخرج من أن يكون اخبارا قال الله تعالى أأنت قلت الناس اتخذوني وأمى الهين ولم يكن هذا اخبارا عن وقله ذلك لانه لو كان هذا اخبارا لكان تبرؤه منه بقوله سبحانك تكذيبا فعرفنا مثل هذا إذا قرن به حرف الاستفهام يخرج من ان
[ 72 ] يكون اخبارا بخلاف قوله اليس قد اعطيتني وفي الحقيقة لا فرق فان ألف الاستفهام يدل على نفى ما قرن به فإذا قرن بحرف النفى وهو ليس يدل على نفي ذلك النفى فيكون تقريرا وإذا قرن بالفعل كان دليلا على نفى ذلك الفعل فلم يكن مقرا بالاعطاء وإذا أقر أن لفلان عليه مائة درهم أو لا شئ عليه أو قال أو لا فالقول قوله لان أو للتخيير بين أحد المذكورين وقد دخلت بين نفى الاقرار وإثباته فكان القول قوله لان أو للتخيير في اختيار أيهما شاء ولان حرف أو إذا دخل بين الشيئين كان مقتضاه اثبات أحد المذكورين بغير عينه وقولنا انه للتشكيك مجاز فان التشكيك لا يكون مقصودا ليوضع له لفظ ولكن لما كان مقتضاه أحد المذكورين بغير عينه عبر عنه بالتشكيك مجازا فهنا لما كان عمله في اثبات أحد المذكورين اما الاقرار وإما لانكار لم يتعين الاقرار فيه وكذلك لو قال غصبتك عشرة دراهم أو لم أغصبك وكذلك لو قال أودعتني عشرة دراهم أو لم تودعني لم يلزمه شئ لما قلنا وكذلك لو قال علي عشرة دراهم أو على فلان قال مقتضى كلامه أن المال على أحدهما بغير عينه فلا يكون به ملتزما للمال عينا وما لم يكن كلامه التزاما لا يكون اقرارا وكذلك لو كان فلان ذلك عبدا أو صبيا أو حريا أو مكاتبا لان لهؤلاء ذمة صالحة لالتزام الدين فادخاله حرف أو بين نفسه وبينه فيه يقتضى أحدهما بغير عينه وكذلك لو قال غصبتك أنا أو فلان وكذلك لو قال لك علي عشرة دراهم أو قال علي هذا الحائط أو الحمار لزمه المال في قول أبى حنيفة رحمه الله ولا يلزمه في قولهما وهو نظير اختلافهم في مسألة كتاب العتاق إذا جمع بين عبده وحائط أو بين حي وميت وقال أحد كما حر على سبيل الابتداء في هذه المسألة هما يقولان عمل حرف أو في شيئين ضم المذكور عليه آخر إليه ونفى الالتزام على نفسه عينا وهنا إعماله في أحدهما ممكن وهو نفيه الالتزام عن نفسه فكان عاملا في ذلك بمنزلة قوله أو ليس لك على شئ وأبو حنيفة رحمه الله يقول قوله لك على التزام تام وانما ينعدم معنى الالتزام بالتردد بينه وبين المذكور آخر وانما يحصل هذا التردد إذا كان المذكور آخر محلا لالتزام المال فإذا لم يكن محلا لذلك كان ذكره في معنى الالتزام لغوا يبقى هو ملتزما المال بأول كلامه عينا وهو نظير ما لو قال أوصى بثلث ماله لفلان وفلان واحدهما ميت كان الثلث كله للحى ولو قال لفلان على عشرة دراهم أو لفلان آخر علي دينار لم يلزمه شئ لانه ذكر حرف أو بين شيئين أو شخصين اقر لهما فمنع ذلك تعين أحد المالين أو تعين أحد الشريكين مقرا له
[ 73 ] فلا يكون هو بهذا الكلام ملتزما شيئا وكذلك قوله لك على عشرة دراهم أو لفلان على دينار ولو قال لك على عشرة دراهم أو على عبدى فلان فان لم يكن على العبد دين فالمال لازم والخيار إليه ان شاء عين ذمته وان شاء عبده لانه هو الملتزم لما في ذمته أو كسب عبده وهو ملكه وان كان على عبده دين يحيط بقيمته لم يلزمه شئ لان كسب عبده وماليته حق غرمائه فكان بمنزلة ما لو ذكر غريم العبد مع نفسه في الاقرار وأدخل حرف أو بينهما فان سقط دين العبد بسبب من الاسباب وهو عبد على حاله لم يلزمه حكم اقراره لانه جعل عند سقوط الدين عن العبد كالمجدد لاقراره والله أعلم بالصواب * (باب الاقرار بقبض شئ من ملك انسان والاستثناء في الاقرار) * (قال رحمه الله) وإذا أقر انه قبض من بيت فلان مائة درهم ثم قال هي لى أو قال هي لفلان آخر تلزمه لصاحب البيت لان ما في بيت فلان في يده فان أصل البيت في يده ويده الثابتة علي مكان تكون ثابتة على ما فيه (ألا ترى) أنه لو نازعه انسان في شئ من متاع بيته أو في زوجته وهى في بيته كان القول قوله باعتبار يده ويترجح بالبينة في الزوجة فاقراره بالقبض من بيته بمنزلة الاقرار بالقبض من يده فعليه أن يرده ما لم يثبت لنفسه حقا بالبينة ولا قول له فيما أقر به لغيره بعد أن صار مستحقا لصاحب البيت فان زعم انه لآخر وانه قبضه منه ضمن له مثله لان اقراره صحيح وقبضه مال الغير موجب للضمان عليه ما لم يرده بمنزلة قوله غصبته منه أو أخذته وقال الشافعي رحمه الله اقراره بالقبض من الغير لا يكون موجبا للضمان بخلاف اقراره بالاخذ والغصب لان لفظ الاخذ يطلق على قبض بغير حق ولفظ القبض يطلق على قبض بحق كقبض المبيع ونحوه وهذا ليس بصحيح فان لفظ الاخذ قد يطلق على ما يكون بحق قال الله تعالى فخذها بقوة وقال الله تعالى فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين ومع ذلك كان الاقرار به موجبا للضمان عليه فكذلك في لفظة القبض وكذلك لو قال قبضت من صندوق فلان الف درهم أو من كيس فلان أو من سقط فلان ثوبا أو من قرية فلان كر حنطة أو من نخل فلان كر تمر أو من زرع فلان كر حنطة فهذا كله اقرار بالقبض من يده أو جعل المقبوض جزأ من ملكه فيكون مقرا بالملك وكذلك لو قال قبضت من أرض فلان عدل زطى فانه يقضى بالزطي لصاحب الارض لان ما في أرضه في يده ثم المقر بما بين يدعى
[ 74 ] لنفسه يدا في أرضه ولم يعرف سبب ذلك فلا يثبت بمجرد دعواه وإذا لم يثبت ما ادعى بقى اقراره بالقبض من يده فعليه رده وعلى هذا لو قال أخذت من دار فلا مائة درهم ثم قال كنت فيها ساكنا أو كانت معى باجارة لم يصدق لانه مدع فيما ذكره من سبب ثبوت يده في الدار فلا يصدق في ذلك الا بحجة فان جاء بالبينة أنها كانت في يده باجارة وانه نزل أرض فلان أبرأته من ذلك لانه أثبت سبب ثبوت يده في المكان بالحجة ولان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فلو علم كون الدار في يده باجارة أو كونه نازلا في أرض وعايناه انه اخلاها متاعا كان ذلك القول قوله في أن هذا ملكه فكذلك إذا أثبت بالبينة دارا في يد رجل فاقر انها لفلان الا بيتا معلوما فانه لى فهو علي ما قال لان الكلام إذا قرن به الاستثناء يصير عبارة عما وراء المستثنى فكأنه قال هذه الدار ما سوى هذا البيت من الدار لفلان وهذا لان اسم الدار يتناول ما فيها من البيوت والمستثنى إذا كان مما يتناوله لفظه كان استثناؤه صحيحا لان عمل الاستثناء في اخراج ما يتناوله لولاه لكان الكلام متناولا له وكذلك لو قال الا ثلثها لى أو قال الا تسعة أعشارها لما بينا أن الاستثناء صحيح إذا كان يبقى بعد المستثنى شئ قل ذلك أو كثر. ولو قال الدار لفلان وهذا البيت لي كانت كلها لفلان لان قوله وهذا البيت لي دعوى وليس باستثناء فان الواو للعطف ولا يعطف المستثنى علي المستثنى منه فصار جميع الدار مستحقا للمقر له باقراره وكان المقر مدعيا بيتا في دار غيره فلا يصدق الا بحجة وكذلك لو قال الدار لفلان ولكن هذا البيت لى أو قال الدار لفلان وبناؤها لى أو الارض لفلان ونخلها لي أو النخل باصولها لفلان لى لا يصدق في شئ من ذلك الا بحجة لان البناء تبع للاصل والنخل تبع للارض والثمر يملك بملك الاصل فكان هو في آخر كلامه مدعيا لنفسه شيأ من ملك الغير فلا يستحقه الا بحجة. ولو قال هذه الدار لفلان الا بناؤها فانه لى لم يصدق أيضا على البناء والبناء تابع وليس هذا باستناء ومعنى هذا الكلام أن اسم الدار لا يتناول البناء مفصولا فان اسم الدار لما أدير عليه الحائط من البقعة والبناء يدخل فيه تبعا والاستثناء انما يكون مما تناوله الكلام نصا لانه اخراج ما لولاه لكان الكلام متناولا له فان الاستثناء يصرف في جميع الكلام يجعله عبارة عما وراء المستثنى فما لم يتناوله الكلام نصا لا يتحقق فيه عمل الاستثناء فهذا معنى قوله وليس هذا باستثناء وهذا لان المعنى الذى لاجله كان يدخل البناء لولا هذا الاستثناء لا ينعدم بهذا الاستثناء فان معنى كونه تبعا للاصل أن هذه التبعة قائمة
[ 75 ] بعد الاستثناء وعلى قول الشافعي رحمه الله هذا الاستثناء صحيح بناء على أصله في أن عمل الاستثناء في منع ثبوت الحكم في المستثنى فدليل المعارضة بمنزلة التخصيص في العموم وهذا يتحقق فيما يدخل في الحكم تبعا كما يتحقق فيما يتناوله اللفظ قصدا وبيانه يأتي في باب الاستثناء ان شاء الله تعالى. وعلى هذا لو قال هذا البستان لفلان الا نخلة بغير أصلها فانها لى أو قال هذه الحلية لفلان الا بطانتها فانها لى أو قال هذا السيف لفلان الا حليته فانها لي أو هذا الخاتم لفلان الا فصه فانه لى أو هذه الحلقة لفلان الا فصها فانه لى ففى هذا كله ما جعله مستثنى لم يتناوله الكلام نصا وانما كان دخوله تبعا فلا يعمل استثناؤه وان كان موصولا بل هو والدعوى المبتدأة سواء فلا يستحقه الا بحجة. ولو قال هذه الدار لفلان ثم قال بعد ذلك لابل لفلان فهى للاول وليس للاخر شئ لانه رجع عن الاقرار به للاول وأقام الثاني مقامه في الاقرار ورجوعه عن الاقرار باطل. وكذلك لو قال الدار لفلان ثم قال بعد ذلك له ولفلان أولى ولفلان فالدار كلها للاول ورجوعه عن بعض ما أقر به للاول باطل كما في جميعه وان قال ابتداء انها لفلان ولفلان فوصل المنطق فهو بينهما نصفين لانه عطف الثاني على الاول والعطف للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر وفى آخر كلامه ما يغاير موجب أوله فيتوقف أوله علي آخره وصار كقوله هي لهما فان وصل ذلك فقال لفلان الثلثان ولفلان الثلث فهو كما قال لان مقتضى أول كلامه المناصفة بينهما علي احتمال التفاوت فكان آخر كلامه بيانا مغايرا وذلك صحيح منه موصولا وإذا ولدت الجارية في يد رجل ثم قال الجارية لفلان والولد لى فهو كما قال لانه لو سكت على ذكر الولد لم يستحقه المقر له فكذلك إذا نص المقر على أن الولد له بخلاف ما سبق من البناء وهذا لان الولد بعد الانفصال ليس تبعا للام بخلاف النخل والبناء فانه تبع للارض ثم فرق بين الاقرار والبينة بانه لو أقام رجل البينة أن الجارية له به استحق ولدها معها والفرق ان الاستحقاق بالبينة يوجب الملك للمستحق من الاصل (ألا ترى) أن الباعة يرجع بعضهم على البعض باليمين فيتبين ان الولد انفصل من ملكه فكان مملوكا له فأما الاستحقاق بالاقرار فلا يوجب الملك للمقر له من الاصل حتى لا يرجع الباعة بعضهم على بعض باليمين ولكن استحقاق الملك له مقصور على الحال ولهذا جعل الاقرار كالايجاب في بعض الاحكام فلا يتبين به انفصال الولد من ملكه فلهذا لا يستحقه وللشافعي رحمه الله في الفصلين قولان في قول يستحق الولد فيهما وفي قول لا يستحق الولد فيهما وعلى القولين لا يفصل
[ 76 ] بين البينة والاقرار وعلي هذا ولد سائر الحيوانات والثمار المجدودة من الاشجار. ولو كان في يده صندوق فيه متاع فقال الصندوق لفلان والمتاع الذى فيه لى أو قال هذه الدار لفلان وما فيها من المتاع لى فالقول قوله لانه لو لم يذكر فيه كان لا يستحقه المقر له فكذلك إذا ذكره لنفسه نصا وهذا لان ما في الصندوق ليس بتبع للصندوق فالصندوق وعاء لما فيه والموعى لا يكون تبعا للوعاء وكذلك المتاع يكون في الدار ليس بتبع للدار ولو قال بناء هذه الدار لى وأرضها لفلان كانت الارض والبناء لفلان لان أول كلامه وهو قوله هذه الدار لى غير معتبر فانه قد كان له ذلك قبل أن يذكره ففى قوله وأرضها لفلان اقرار بالاصل والاقرار بالاصل يوجب ثبوت حق المقر له في البيع كما لو قال أرض هذه الدار لفلان لاستحق الارض والبناء جميعا ولو قال البناء لفلان والارض للاخر كان البناء للاول والارض للثاني كما أقر به لان أول كلامه هنا اقرار معتبر بالبناء للاول فهب أن آخر كلامه اقرار بالارض والبناء ولكن اقراره فيما صار مستحقا لغيره لا يصح فان للثاني الارض خاصة فأما في الاول فآخر كلامه بالاقرار بالارض والبناء وهما جميعا ملكه (توضيح الفرق) ان البناء لما صار للمقر له الاول خرج من أن يكون تبعا للارض فاقراره بالارض للثاني بعد ذلك لا يتعدى إلى البناء وفي الاول البناء باق على ملكه فكان تبعا للارض فاقراره بالارض يثبت الحق للمقر له في البناء والارض معا ولو قال غصبت هذا العبد من فلان لا بل من فلان فالعبد للاول لان رجوعه عن الاقرار باطل والثانى قيمته لانه أقام الاقرار للثاني بالغصب فيه مقام الاقرار للاول وذلك منه صحيح في حق نفسه فإذا صار مقرا بالغصب من الثاني وتعذر رده عليه ضمن له قيمته سواء دفعه إلى الاول بقضاء أو بغير قضاء قال وكذب الوديعة والعارية وهو قول محمد رحمه الله فأما عند أبى يوسف رحمه الله في الوديعة والعارية ان دفع الي الاول بقضاء القاضي لم يضمن للثاني شيئا وان دفع بغير قضاء فهو ضامن للثاني (وبيانه) إذا قال هذه الالف بعينها وديعة عندي لفلان ثم قال مفصولا أو موصولا لا بل هي وديعة لفلان أو دعها فلان فالالف لذول وان دفعها إليه بغير قضاء قاض ضمن للثاني مثلها لان اقراره حجة عليه وقد أقر أنه صار متلفا لها على الثاني بالاقرار والدفع إلى الاول فهو والغصب سواء وان دفعها بقضاء القاضى لم يضمن للثاني شيئا عند أبى يوسف رحمه الله لانه بمجرد اقراره لم يتلف على الثاني شيئا والدفع حصل بقضاء القاضى فلا يوجب الضمان عليه كما لو قال هذه الالف لفلان
[ 77 ] لا بل لفلان ودفع إلى الاول بقضاء قاض لم يضمن للثاني شيئا وعند محمد رحمه الله يقول المودع ملتزم حفظ الوديعة للمودع وقد صار بالاقرار للاول تاركا ما التزمه من الحفظ للثاني بزعمه فيكون ضامنا له كما لو دل سارقا علي السرقة وهذا بخلاف الاقرار بالمال مطلقا لان هناك لم يلتزم الحفظ للثاني ولكنه شاهد بالملك للثاني علي الاول والشاهد إذا ردت شهادته لم يضمن شيئا ولو قال هذا العبد الذى في يدى وديعة لفلان الا نصفه فانه لفلان كان كما قال لانه استثناه بعد ما تناوله الكلام نصا فبقى مقرا للاول بما وراء المستثنى وذلك لا يمنع اقراره بالمستثنى للثاني (توضيحه) انه قال الا نصفه فانه لى كان صحيحا فكذلك إذا قال فانه لفلان وكذلك لو قال هذان العبدان لفلان الا هذا فانه لفلان لان المستثنى بعض ما تناوله الكلام نصا. ولو قال هذا العبد لفلان المقر له الاول الا الاول فانه لى لم يقبل قوله ولا يصدق وكانا جميعا لفلان لانه متكلم بكلامين أحدهما معطوف على الاخر بحرف الواو ثم استثنى جميع ما تناوله أحد الكلامين واستثناء الكل باطل لما بينا ان عمل الاستثناء في جعل الكلام عبارة عما وراء المستثنى فان كان لا يبقى وراء المستثنى شئ لم يكن هذا استثناء بل يكون رجوعا بخلاف الاول فان الاقرار بالعبدين كلام واحد وكان استثناء أحدهما صحيحا ولو قال هذا العبد لفلان أو أنه لفلان عندي وديعة كان للاول يغرم للثاني قيمته وعلي هذا الخلاف الذى ذكرنا إذا دفعه إلى الاول بقضاء القاضي ولو قال هذا العبد لفلان وهذا لفلان الا نصفه فانه لفلان والا نصف الاخر فانه لفلان جاز علي ما قال لان الكلام موصول بعضه ببعض وقد استثني من كل كلام بعضه فكان صحيحا على أن يجعل عبارة عما وراء المستثنى وكذلك هذا في الحنطة والشعير والذهب والفضة والدار والارض والله أعلم بالصواب * (باب الاقرار بالمجهول أو بالشك) * (قال رحمه الله) أقر أن لفلان عنده وديعة ولم يبين ماهى فما أقر به من شئ فهو مصدق فيه وقد تقدم نظيره في الغصب ففى الوديعة أولى لان المودع أمين فيكون مقبول القول فيما بين بعد أن يكون ما بين سببا يقصد به الايداع وان ادعى المقر له شيئا آخر فعلى المقر اليمين لانكاره ما ادعاه وكذلك لو أقر بثبوت وديعة وجاء به معيبا وأقر أنه حدث به عنده هذا العيب فلا ضمان عليه في ذلك لانه لو هلك في يده لم يضمن شيئا وإذا أنكر صاحبه
[ 78 ] أن يكون استودعه فالجواب كذلك لان ما في يده لم يقر علي نفسه بالسبب الموجب للضمان عليه وانما أقر بأنه وديعة في يده فصاحبه يدعى عليه السبب الموجب للضمان وهو الاخذ بغير رضاه وذو اليد منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه قال (ألا ترى) انه لو قال وضعت خاتمك في يدى فضاع كان القول قوله لانه لم يضف إلى نفسه في ذلك فعلا يضمن به وانما أراد بهذه الاشارة إلى الفرق بين هذا وبين ما لو قال أخذته منك وديعة فان هناك إذا أنكر صاحب الايداع كان المودع ضامنا لاقراره بالفعل الموجب للضمان عليه وهو الاخذ فأما هنا فقد أضاف الفعل إلى صاحبه بقوله أودعني أو وضعه في يدى ولو كانت الوديعة ثوبا فلبسه المودع أو دابة فركبها ثم قال هلكت بعد أن نزلت عنها وكذبه صاحبه فهو ضامن لانه اقر بالسبب الموجب للضمان وهو اللبس والركوب في ملك الغير ثم ادعى ما يبرئه عن الضمان فلا يقبل قوله الا أن يقيم البينة على ما ادعي وكذلك لو قال ركبتها باذن المودع وأنكر المودع الاذن فهو ضامن الا أن يقيم البينة على الاذن لاقراره بالفعل الموجب للضمان عليه وكذلك لو دفعها إلى غير صاحبها ثم أقر انه دفعها باذنه فهو ضامن الا أن يقيم البينة على ذلك وعلى صاحبها اليمين في ذلك كله لدعوى الرضا والاذن عليه وهو مسقط للضمان عنه ولو أقر به. ولو قال لفلان على ألف درهم أو لفلان على ألف درهم ولفلان مائة دينار أو لفلان فالالف للاول لانه أقر له بها عينا حين لم يقرن به حرف التخيير وذكر حرف التخيير بين الاخرين في مائة دينار فيكون الجواب في حقهما مثل الجواب في المسألة الاولى من حكم الاصطلاح والاستخلاف ولو قال لفلان علي مائة دينار ولفلان علي كر حنطة أو لفلان كر شعير والمائة الدينار للاول ثابتة لانه أقر له بها عينا ولا شئ للآخرين لانه ما عين في الاقرار لواحد منها شيأ حين أدخل بينهما حرف أو وقد بينا أن حرف أو يمنع عينا في حق من اقترن به ولكن لكل واحد منهما أن يحلفه على ما يدعيه عليه كانه لم يقر لهما بشئ ولو قال له لك على مائة درهم ولفلان أو لفلان فللاول نصف المائة والنصف الباقي يحلف لكل واحد من الاخرين عليه الا أن يصطلحا علي شئ فيكون بينهما فانه عطف أحد الاخرين علي الاول فيما هو موجب حرف أو فكأنه قال لفلان على مائة درهم ولا حد هذين الاخرين فنصف المائة للاول لانه لا يزاحمه من الاخرين الا أحدهما والنصف الاخر متردد بين الاخرين والمستحق منهما غير معين والحكم فيه الاصطلاح أو الاستحلاف وان قال لفلان قبلي مائة درهم أو لفلان وفلان
[ 79 ] فالنصف للثالث والنصف الباقي بين الاولين كما بينا في المسألة الاولى بين الاخرين لانه عين الاقر للثالث هنا حين لم يقرن به حرف أو واثبت المزاحمة لاحد هذين ولهذا على مائة درهم فنصف المائة للثالث وفي النصف الاخر حكم الاصطلاح بين الاولين أو الاستحلاف قال وقوله على وقبلي دين وقوله عندي وديعة وقوله من ملكى وديعة وقوله في ملكى أو في مالى شركة لان كل لفظ محمول على ما هو المتعارف بين الناس في مخاطباتهم وقد بينا هذا وان قال لفلان على مائة درهم والا فلفلان ففى قول أبى يوسف رحمه الله هذا مثل قوله لفلان أو لفلان وفي قول محمد رحمه الله الالف للاول ولا شئ للثاني (وجه) قول محمد رحمه الله انه أقر للاول بالمال عينا وفي حق الثاني علق الاقرار بالشرط فان قوله والا فلفلان يعني ان لم يكن لفلان على مائة درهم وهذا تعليق بالشرط والاقرار لا يحتمل التعليق بالشرط فيبقى اقراره للاول ملزما وفي حق الثاني باطلا (ألا ترى) أنه لو قال لفلان على مائة درهم والا فعبدي حر أو فامرأتي طالق أو فعلى حجة لزمته المائة دون ما سواها لان كلامه الثاني تعليق بشرط عدم وجوب المال وفي هذا الفصل دليل من وجهين أحدهما أنه لو لم يكن المال واجبا باقراره للاول لكان يلزمه العتق والطلاق ويلزمه الحج لوجود شرطه والثانى أنه جعل هناك آخر كلامه تعليقا فلم يؤثر في الاقرار السابق فكذلك هنا وأبو يوسف رحمه الله يقول مثل هذا اللفظ انما يذكر عند التردد بين المذكورين علي أن يكون أولى الوجهين في ظنه الاول فان الرجل يقول هذا القادم زيد والا فعمرو وكل هذا الطعام والا فهذا يكون المراد أحدهما على أن يكون أولى الوجهين للاول فهنا أيضا يكون بهذا اللفظ مقرا لاحدهما بمنزلة قوله لفلان أو لفلان وهذا بخلاف قوله والا فعبدي حر أو فعلى حجة فانه لا مجانسة بين الاقرار وبين انشاء العتق والتزام الحج حتى يحمل كلامه على معنى التردد فكان آخر كلامه محمولا علي معنى اليمين ولان العتق والطلاق والحج معلق بالشرط فيمكن تصحيح آخر الكلام تعليقا فأما الاقرار فلا يحتمل التعليق بالشرط ففى جعلنا اياه شرطا الغاؤه من كل وجه فلهذا جعلناه بمعنى أو ليكون مقرا لاحدهما بغير عينه. وان قال لفلان على مائة درهم بل لفلان أو لا بل لفلان فهو سواء ولك واحد منها مائة درهم لان آخر كلامه لاستدراك الغلط بالرجوع عن الاقرار للاول واقامة الثاني مقامه في الاقرار له بالمائة والرجوع في حق الاول باطل والاقرار للثاني بالمائة صحيح. ولو قال لفلان على مائة درهم بل علي حجة لزمته المائة والحجة
[ 80 ] نفسه بمنزلة المتاع وقول ذى اليد فيما في يده حجة للدفع فان ادعى آخر أنه ابنه فعليه البينة لانه يدعى نسب ملك الغير فلا يقبل قوله الا بحجة فان أقام البينة أنه ابنه قضى انه ابن له لاثباته دعواه بالحجة وجعل حرا لان في الحكم بثبوت النسب حكما بانه مخلوق من مائه وماء الحر جزء منه فيكون حراما لم يتصل برحم الامة وحين لم يسموا أمة في الشهادة لم يظهر اتصال مائه برحم الامة فبقى على الحرية فهذه موجبة البينة حرية الولد فلا يعارضها قول ذى اليد في اثبات رقه. وكذلك لو كان الذى في يديه يدعى أنه ابنه فالمدعى الذي أقام البينة أولى بالقضاء بالنسب له لان البينة لا يعارضها اليد ولا قول ذى اليد. وكذلك لو كان المدعى ذميا أو عبدا يثبت النسب منه لاثباته دعواه بالحجة والعبد والذمى من أهل النسب كالحر المسلم فان أقام ذو اليد البينة انه ابنه وأقام الخارج البينة أنه ابنه قضيت بنسبه الذى اليد لان هذا في معنى النتاج وقد بينا أن بينة ذى اليد هناك تترجح على بينة الخارج. وكذلك ان أقام كل واحد منهما البينة؟ أنه ابنه من امرأته هذه قضى بنسبه من ذى اليد ومن امرأته وان جحدت هي ذلك لان السبب هو الفراش بينهما قائم والحكم متى ظهر عقيب سبب ظاهر يحال به على ذلك السبب وذلك الفراش بينهما يثبت النسب منهما فمن ضرورة ثبوته من أحدهما بذلك السبب ثبوته من الاخر فلا ينتفى بجحودها وكذلك لو جحد الاب وادعت الام. قال ولو كان الصبي في يد عبد وامرأته الامة وأقاما البينة أنه ابنهما وأقام آخر من العرب أو من الموالى أو من أهل الذمة أنه ابنه من امرأته هذه وهى مثله فانه يقضى بينة الخارجين لان في بينتهما زيادة اثبات الحرية للولد والبينات للاثبات فتترجح بزيادة الاثبات. قال ولو كان الصبى في يد رجل فأقام رجل البينة أنه ابنه من امرأته هذه وهما حران وأقام ذو اليد البينة انه ابنه ولم ينسبوه الي أمه فانه يقضي به للمدعى لزيادة الاثبات في بينته وهو ثبوت النسب من أمه فصارت الزيادة في اثبات النسب كزيادة اثبات الحرية وكذلك ان كانت الام هي المدعية فان ثبوت النسب بالفراش بينهما فيكون احدهما خصما عن الاخر في لا أثبات ولو أقام الخارج البينة انه ابنه وشهد شهود ذى على اقراره أنه ابنه قضى به للمدعى لان ثبوت اقرار ذى اليد بالبينة لا يكون أقوى من سماع القاضى اقراره وذلك يندفع ببينة الخارج ثم أعاد مسألة الرجلين والمرأتين وقد بيناه (فرع) عليه ما لم وقت كل واحد منهما وقتا قال ينظر إلى سن الصبي فان كان مشكلا فهو وما لم يوقتا سواء يقض به لهما وان كان مشكلا في احدهما وهو أكبر سنا من الاخر أو أصغر
[ 81 ] معروف قضيت به للمشكل لان علامة الكذب ظهرت في شهادة الاخرين ولم تظهر في شهادة هؤلاء لكونه محتملا للوقت الذى وقتوه قال ولو كان الصبي في يد رجل فاقامت امرأة شاهدين انه ابنها قضيت بالنسب منها لاثباتها الدعوى بالحجة وان كان ذو اليد يدعيه لم يقض له به لان مجرد الدعوى لا يعارض البينة فان (قيل) لا منافاة بين ثبوته منه ومنها (قلنا) نعم ولكن لا يمكن اثبات النسب منهما الا بالقضاء بالفراش بينهما ومجرد قوله ليس بحجة عليها في اثبات الفراش في النكاح بينهما ولو لم تقم المرأة الا امرأة واحدة شهدت انها ولدت فان كان ذو اليد يدعى انه ابنه أو عبده لم يقض للمرأة بشئ لان الاستحقاق الثابت باليد لا يبطل بشهادة المرأة الواحدة فانها ليست بحجة في ابطال حق ثابت للغير وان كان الذى في يديه لا يدعيه فانى اقضي به للمرأة بشهادة امرأة واحدة وهذا استحسان وفي القياس لا يقضى لان اليد في اللقيط مستحق لذى اليد حتى لو أراد غيره ان ينزعه من يده لم يملك فلا يبطل ذلك بشهادة امرأة واحدة وفي الاستحسان تمحض هذا منفعة للولد في اثبات نسبه وحريته وليس فيه ابطال حق لذى اليد لانه لا يدعى في الولد شيئا انما يده فيه مصيانة عن ضياعه فلهذا أثبتنا النسب منها بشهادة القابلة. قال عبد في يد رجل اقام رجل البينة أنه عبده ولد في ملكه وانه أعتقه وأقام ذو اليد البينة أنه عبده ولد في ملكه فانى أقضى به للذى أعتقه لان في هذه البينة زيادة الحرية فلو رجحنا بينة ذى اليد جعلناه مملوكا له وكيف يجعل مملوكا وقد قامت البينة على الحرية ولو كان المدعى دبره أو كاتبه لم يستحق بهذا شيأ أما في الكتابة لا اشكال لانه عقد محتمل للفسخ كالبيع والاجارة فكأنه أقام البينة علي تصرفه فيه ببيع أو اجارة فلا يترجح به وأما في التدبير فقد أعاد المسألة في آخر الكتاب وجعله كالعتق ففيه روايتان * وجه تلك الرواية أن بالتدبير يثبت له حق عتق لا يحتمل الفسخ فكان معتبرا بحقيقة العتق لانه يثبت الولاء على العبد ببينته في الموضعين جميعا وإذا كان الولاء هو المقصود والملك بيع فتترجح بينة الخارج لهذا وجه هذه الرواية أن التدبير لا يخرجه من أن يكون مملوكا كالكتابة فكان الملك هو المقصود بالاثبات لكونه قائما فتترجح بينة ذى اليد لاثبات الولادة في ملكه بخلاف العتق فان الملك لا يبقى بعد العتق فيكون المقصود هناك اثبات الولاء ولو أقام الخارج البينة انه ابنه ولد في ملكه وأقام ذو اليد البينة انه عبده ولد في ملكه قضى به للمدعي لان في بينته اثبات الحرية فان المولود من أمته في ملكه حر الاصل وإذا كان يترجح عنده اثبات حرية العتق
[ 82 ] براءة الكفيل على كل حال وكذلك براءة الكفيل بالاستيفاء منه توجب براءة الاصيل فكان في هذا الاقرار منفعة الوارث ببراءة ذمته. وكذلك لو أقر بالقبض من أجنبي تطوع به عن الوارث أو أقر بحوالة أجنبي عن الوارث فهذا باطل لتضمنه الاقرار ببراءة الوارث وان كان قبض المال من الوارث أوم من أدى عنه بمعاينة الشهود جاز لانتفاء التهمة عن القبض المعاين وانما فارق المريض الصحيح لعدم تمكن الصحة في تصرف المريض وفيما لا تهمة فيه المريض كالصحيح. ولو وكل رجل رجلا ببيع عبده فباعه من ابن الامر ثم مرض الآمر فاقر بقبض الثمن منه أو أقر الوكيل بقبضه ودفعه إلى المريض لم يصدق في ذلك لما في هذا الاقرار من منفعة الوارث ببراءة ذمته عن اليمين. فان قيل اليس أن الوكيل بمنزلة العاقد لنفسه وهو صحيح * قلنا في حقوق العقد نعم فاما في الواجب من اليمين فلا حق له بل هو للموكل وفي هذا الاقرار إذا صح سلامة اليمين للوارث وسقوط مزاحمة سائر الورثة عنه فلهذا لا يصدق الوكيل على ذلك فان كان المريض هو الوكيل صدق وان جحد الامر ذلك لان المشترى أجنبي من الوكيل واقرار المريض باستيفاء دين واجب له على أجنبي صحيح فلان يصح اقراره باستيفاء دين واجب لغيره كان أولى وحال مرض الوكيل في هذا الدين كحال صحته لانه تصرف ليس مع وارثه ولا في محل فيه حق غرمائه أو ورثته وان كان المشترى وارثا للوكيل والامر وهما مريضان لم يصدق الوكيل علي ذلك لان مجرد مرض الامر يمنع صحة هذا الاقرار فمرضهما أولى وان كان المشترى وارثا للوكيل دون الامر فان أقر الوكيل انه قبضه ودفعه إلى الامر أو هلك المقبوض في يده فهو مصدق على ذلك وان أقر بقبضه فقط لم يصدق على ذلك لانه إذا أقر في الدين بالقبض لزمه ضمان المقبوض إذا مات مقرا به فكان هذا الاقرار منه انما يبرئ ذمة وارثه ويلزمه المال فهو بمنزلة قبول الحوالة والكفالة عن وارثه بالمال أو تبرعه بالقضاء عنه واما إذا قال دفعته إلى الامر أو ضاع منى فليس فيه التزام شئ في ذمته لانه أمين في المقبوض فالقول قوله ولئن كان فيه منفعة للوارث فليس في مال تعلق به حق الورثة والمريض في ذلك والصحيح سواء. ولو ان مريضا عليه دين يحيط بماله أقر بقبض دين له علي أجنبي فان كان ذلك جائزا إذا كان وجوب الدين في الصحة لان الغريم استحق براءة ذمته عند اقرار الطالب بالقبض منه فلا يبطل استحقاقه بمرض الطالب ولان حق الغرماء لا يتعلق في مرضه بالدين وانما تعلق حقهم بما لا يمكن استيفاء الدين
[ 83 ] منه واستيفاء الدين من المدين غير ممكن وكان اقراره باستيفاء ما لم يتعلق به حق غرمائه في المرض والصحة سواء بخلاف ما إذا كان الدين علي الوارث لان بطلان اقراره هناك لحق الوارث وحقهم يتعلق بالدين والعين فان كان الغريم أخا له وله ابن فمات الابن قبل الاب حتى صار الاخ من ورثته لم يجز اقراره بقبض الدين منه وقد بينا هذه الفصول في اقراره بالدين لمن لم يكن وارثا ثم صار وارثا بسبب قائم وقت الاقرار فصار غير وارث فكذلك هذه الفصول في الاقرار بالاستيفاء ان اقر بالدين إذا الاقرار بالاستيفاء بالدين على ما بينا. ولو خلع امرأته في مرضه على جعل وانقضت عدتها فاقر باستيفائه منها وليس عليه دين في الصحة ولا في المرض كان مصدقا لانها بانقضاء العدة خرجت من ان تكون وارثة بيقين فاقراره باستيفاء الدين منها ومن اجنبي آخر سواء واشتراطه انقضاء العدة صحيح لان اقراره قبل العدة نتمكن فيه تهمة المواضعة فانها لو لم تساعده على الخلع حتى فارقها لا تخرج عن أن تكون وارثة فيحتمل انها ساعدته على الخلع ليتضح اقراره باستيفاء الدين منها فلزوال هذه التهمة شرط انقضاء العدة وكذلك اشتراطه أن لا دين عليه في الصحة لان دين الصحة مقدم علي ما يقر به في المرض فأما اشتراطه أن لا دين عليه في المرض فسبب معاين صحيح وان كان المراد بسبب الاقرار فالمراد في حكم الاختصاص انها انما تختص بما في ذمتها إذا لم يكن على المقر دين في مرضه وكذلك لو صالح عن قصاص في مرضه على مال ثم أقر بقبضه وهو على غير وارثه صدق في ذلك بخلاف ما إذا كان على وارثه لان بالصلح قد انقلب الواجب ما لا ففى اقراره بقبضه من الوارث اتصال منفعة المالية إليه والمريض لا يملك ذلك في حق وارثه بخلاف عفوه عن القصاص فان ذلك ليس بمال وانما يمنع المريض من أن يقر لوارثه بما هو مال وان أقر العبد التاجر بقبض دين كان له على مولاه فان لم يكن عليه دين جاز لان كسبه خالص حق مولاه ولان العبد لا يستوجب على مولاه دينا إذا لم يكن عليه دين فبراءة المولى لا تكون باقراره وان كان عليه دين لم يجز اقراره بذلك لان المولى يخلف عبده في كسبه خلافة الوارث حتى تتعلق سلامته له بشرط الفراغ عن الدين للعبد فيكون اقراره لمولاه في مرضه إذا مات منه بمنزلة اقرار المورث لوارثه وكما تمكن هناك تهمة إيثاره على سائر الورثة تمكن هنا تهمة ايثاره مولاه علي غرمائه وكذلك المكاتب إذا أقر بقبض دينه من مولاه وهو مريض ثم مات وعليه دين والمولى وارثه فاقراره باطل وان لم يكن عليه دين
[ 84 ] أثلاثا) ولهذا نظائر واضداد ومن نظائرها الموصى له بجمع المال وبنصفه عند اجازة الورثة والموصي له بعين مع الموصى له بنصف ذلك العين إذا لم يكن للميت سواه ومن اضدادها العبد المأذون المشترك إذا ادانه أحد الموليين مائة وأجنبي مائه ثم بيع بمائة فالقسمة بين المدين والاجنبي عند أبى حنيفة رحمه الله بطريق العول اثلاثا وعندهما بطريق المنازعة ارباعا وكذلك المدبر إذا قتل رجلا خطأ وفقأ عين آخر وغرم المولي قيمته لهما وكذلك العبد إذا قتل رجلا عمدا وآخر خطأ وللمقتول عمدا ابنان فعفا أحدهما ثم دفع العبد بالجنايتين ومما اتفقوا على أن القسمة فيه بطريق العول التركة بين الورثة والغرماء وضاقت التركة عن ايفاء حقوقهم والموصى له بالثلث والموصى له بالسدس إذا لم تجز الورثة ومما اتفقوا على أن القسمة فيه بطريق المنازعة فضولي باع عبد رجل بغير أمره وباع فضولي آخر نصفه فأجاز المولى البعين فالقسمة بين المشتريين بطريق المنازعة أرباعا وأصل أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ان قسمة العين متى وجبت بسبب حق في العين كانت السقمة على طريق العول فالتركة بين الورثة ومتى وجبت بسبب حق كان في العين كالاصل فالقسمة على طريق المنازعة كما في بيع الفضولي فان حق كل واحد من المشتريين كان في الثمن يتحول بالشراء إلى المبيع وفي مسألة الدعوي حق كل واحد من المدعيين في العين فكانت القسمة علي طريق العول لمعنى ان حق كل واحد منهما شائع في العين فما من جزء منه الا وصاحب القليل مزاحم فيه صاحب الكثير بنصيبه فلهذا كانت القسمة بطريق العول والاصل عند أبى حنيفة رحمه الله ان كل واحد منهما إذا كان يدلى بسبب صحيح معلوم فالقسمة على طريق العول كالورثة في التركة وإذا كان يدلى لا بسبب صحيح ثابت فالقسمة على طريق المنازعة وما لا منازعة فيه لصاحب القليل يسلم لصاحب الكثير في بيع الفضولين فان بيع كل واحد منهما غير صحيح قبل اجازة المالك وهذا لان المضاربة انما يصار إليها عند الضرورة وذلك عند قوة السبب واستواء السببين في صفة الصحة ففى مسألة الدعوي سبب استحقاق كل واحد منهما الشهادة وهى لا توجب شيئا قبل اتصال القضاء فلم يكن كل واحد من السبيين معلوم الصحة فلهذا كانت القسمة على طريق المنازعة وما قال يبطل بحق الغرماء في التركة فان قسمة العين بسبب حق كان في الذمة ومع ذلك كانت القسمة عوليا. قال فان كان المدعون ثلاثة يدعى أحدهم جميعها والاخر نصفها والاخر ثلثها وأقاموا البينة فعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله القسمة بطريق العول فتكون أصل المسألة
[ 85 ] من ستة يضرب مدعى الكل بسهام الدار ستة ومدعى الثلثين بسهام الثلثين أربعة ومدعى النصف بثلاثة فيقسم الدار بينهم على ثلاثة عشر سهما وعند أبى حنيفة رحمه الله القسمة بطريق المنازعة ولا منازعة لصاحب النصف والثلثين فيما زاد على الثلثين وصاحب الجميع يدعي ذلك فيسلم له بلا منازعة وما زاد على النصف إلى تمام الثلثين لا منازعة فيه لصاحب النصف فيكون بين صاحب الجميع والثلثين نصفين يبقى ستة استوت منازعتهم فيه فكان بينهم أثلاثا فيسلم لمدعى النصف سدس الدار ولمدعى الثلثين ربع الدار ولمدعي الجميع ما بقى وذلك سبعة أسهم من اثنى عشر. قال ولو كانت الدار في يد رجلين فادعى أحدهما نصفها والاخر جميعها فالبينة على مدعى الجميع لان دعوى كل واحد منهما منصرف إلى ما في يده أولا ليكون يده محقة في حقه وهذا لان حمل أمور المسلمين على الصحة واجب فصاحب النصف لا يدعى شيئا مما في يد صاحب الجميع وصاحب الجميع يدعى شيئا مما في يد صاحب النصف فعليه اثباته بالبينة فان أقاما البينة فالدار كلها لصاحب الجميع لانه ان اجتمع بينة الخارج وبينة ذى اليد فيما في يد صاحب النصف فبينة الخارج أولى بالقبول. قال ولو كانت الدار في يد ثلاثة نفر فادعى أحدهم جميعها والاخر ثلثيها والآخر نصفها وأقاموا البينة واستحلف كل واحد منهم ونكل فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله القسمة على طريق المنازعة بينهم فتكون من أربعة وعشرين سهما لان في يد كل واحد منهم ثلث الدار ودعوى كل واحد منهم ينصرف إلى ما في يده ثم فيما فضل في ذلك إلى ما في يد صاحبه لانه ليس أحدهما بأولى به من الاخر ولا بينة لكل واحد منهم فيما في يده فأما الثلث الذى في يد صاحب النصف لا بينة له في ذلك وصاحب الجميع يدعى الجميع وصاحب النصف يدعى الثلثين لانه يدعى الثلثين ثلث في يده وثلث في يد صاحبه فيكون دعواه فيما في يد كل واحد منهما نصف الثلث فيسلم نصف هذا الثلث لصاحب الجميع بلا منازعة والنصف الاخر بينهما نصفان لاستواء منازعتهما فيه فصار هذا الثلث علي أربعة والثلث الذى في يد صاحب الثلثين صاحب الجميع يدعى جميعه وصاحب النصف يدعى ربعه لانه يدعى النصف والثلث في يده فانما بقى الثلث في يد صاحبه فكان دعواه في يد كل واحد منهما نصف السدس وذلك ربع ما في يديه فثلاثة ارباع ما في يده سالم لصاحب الجميع واستوت منازعتهما في الربع فكان بينهما نصفين وما في يد صاحب الجميع يدعى صاحب الثلثين نصفه وصاحب النصف ربعه وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما
[ 86 ] ثم مات المشترى وأحد الغرماء وارثه واكتسب العبد ما لا في مرضه ثم مات فان ماله يقسم بين غرمائه الثلاثة الباقين كل منهم يضرب بدينه ويضرب الوارث بدينه ولا يضرب الذى أعتقه بدينه لان الديون كلها واجبة في ذمته لم يقض شئ منها من ثمنه والدين الواجب في ذمة العبد يقضى من كسبه بعد موته الا أن دين المشترى قد سقط عنه لانه ملك رقبته والمولى لا يستوجب علي عبده دينا وقد كان يحول حقه إلى الثمن الذى قبضه القاضى فلما هلك ذلك فات محل حقه أصلا فسقط دينه فلهذا لا يضرب في الكسب الذى بعد العتق بشئ وأما وارث المشترى فهو أجنبي عن العبد فدينه ثابت في ذمته بعد العتق كدين الاخرين وهو وان صار وارثا للعبد بموت المشترى فانما صار وارثا بسبب حادث بعد الاقرار وهو الولاء فلا يبطل ذلك اقراره فلهذا يضرب مع الاخرين بدينه وكذلك ان كان أحد غرماء الدين أقر لهم وارث العبد لانه حين أقر له لم يكن وارثه فلا يبطل اقراره له وان صار وارثا بعد ذلك ولو أن مريضا أقر لابنه بدين وابنه عبد ثم عتق ثم مات الاب وهو وارثه فاقراره بالدين جائز لان كسب العبد لمولاه فهذا الاقرار حصل من المريض في المعنى للمولى والمولى أجنبي منه فبان صار العبد من ورثته لا يبطل ذلك الاقرار وهذا هو المعنى في الفصل الاول أن الدين الواجب على العبد باقراره يتعلق برقبته وكسبه وذلك لمولاه دونه فبان صار المقر له وارثا له بعد ذلك لا يبطل به الاقرار المتقدم وان وجب قضاء من كسب هو خالص حق العبد بعد العتق لان هذا حكم يثبت بسبب حادث وهو الاعتاق وقد بينا أن من صار وارثا بسبب حادث بعد الاقرار لا يبطل الاقرار به بخلاف من ورث بسبب قائم وقت الاقرار وان كان العبد تاجرا وعليه دين والمسألة بحالها فالاقرار باطل لان كسب العبد التاجر لا يكون لمولاه ففى هذا الاقرار منفعة للعبد من حيث انه يقضى به دينه وقد صار وارثا بسبب كان قائما وقت الاقرار فلهذا بطل اقراره فأما إذا لم يكن عليه دين فكسبه يكون ملكا لمولاه ويجعل هذا كالاقرار للمولى ولو أقر المريض لابنه وهو مكاتب ثم مات الاب والابن مكاتب على حاله فاقراره له جائز لان المكاتب ليس من جملة الورثة فانما كان مقرا بهذا الدين لاجنبي وان عتق المكاتب قبل موت الاب لم يجز اقراره له لانه صار وارثا بسبب كان قائما وقت الاقرار وكسبه بعد العتق له فكان هذا الاقرار موجبا ايصال النفع إلى وارثه فلهذا لم يصح. ولو أقر المكاتب في مرضه لابنه الحر بدين ثم مات مكاتبا ولم يترك وفاء أو ترك
[ 87 ] وفاء بالدين دون المكاتبة فالاقرار جائز ذنه مات عبدا عاجزا فلا يكون ابنه من ورثته فكان الاقرار له كالاقرار للاجنبي وهذا لان الدين مقدم على المكاتبة لانه أقوى (ألا ترى) أنه لا يملك اسقاطه عن نفسه بخلاف بدل الكتابة فإذا كان الدين مقدما فهو لم يترك وفاء ببدل الكتابة وان ترك وفاء بذلك كله كان اقراره بالدين باطلا لانه يؤدى كتابته ويحكم بعتقه مستندا إلى حال حياته فيكون ابنه من ورثته وموجب اقراره قضاء الدين من كسبه وكسبه حقه فإذا حصل اقراره لمن يرثه بسبب قائم وقت الاقرار كان الاقرار باطلا والله أعلم بالصواب * (باب الاستثناء) * (قال رحمه الله) وإذا أقر الرجل أن لفلان عليه الف درهم الا تسعمائة وخمسين درهما فاستثناؤه جائز وعليه خمسون لانه عطف الخمسين على التسعمائة وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه فإذا كان المعطوف عليه مستثنى فكذلك المعطوف وقد بينا أن الاستثناء صحيح إذا كان يبقى ما وراء المستثنى شئ فجعل الكلام عبارة عنه قل ذلك أو كثر والباقى وراء المستثنى فكان مقرا بها بهذه العبارة بخلاف ما لو قال الا ألف درهم فانه لا يبقى وراء المستثنى شئ مما تناوله كلامه ليصير الكلام عبارة عنه فيكون هذا رجوعا عن الاقرار لا استثناء والرجوع باطل وان كان موصولا لانه انما يصلح موصولا ما يكون فيه معنى البيان لاول كلامه والابطال ليس من البيان في شئ فلم يصح وان كان موصولا ولو قال له على الف درهم الا دينارا فالاستثناء جائز ويطرح من الالف قيمة الدينار وهذا قول ابى حنيفة رحمه الله وأبى يوسف استحسانا وفي القياس لا يصح هذا الاستثناء وهو قول محمد وزفر رحمهما الله وكذلك لو قال الا فلسا أو كر حنطة أو استثني شيئا مما يكال أو يوزن أو يعد عدا فهو على هذا الخلاف فأما إذا قال الا شاة أو ثوبا أو عرضا من العروض فالاستثناء باطل عندنا وقال الشافعي رحمه الله صحيح ويطرح عنه بقدر قيمة المستثنى أما الكلام مع الشافعي رحمه الله بناء على الاختلاف في موجب الاستثناء فعنده موجب الاستثناء امتناع ثبوت الحكم في المستثنى لقيام الدليل المعارض بمنزلة دليل الخصوص في العموم فإذا قال لفلان على عشرة الا درهم يصير كانه قال الا درهم فانه ليس على فلا يلزم؟ الدرهم للدليل المعارض لاول كلامه لانه يصير كالاستثناء
[ 88 ] الدعوتين القول قول صاحب اليد كما لو تنازعا في دابة لاحدهما عليها حمل كان هو أولى بها ولان الظاهر شاهد له ولان وضعه الجذوع دليل على أنه بنى الحائط لحاجته إذا وضع حمله عليه ومثل هذه العلامة تثبت الترجيح كما إذا اختلف الزوجان في متاع البيت يجعل ما يصلح للرجل للرجل وما يصلح للنساء للمرأة وان كان لاحدهما عليه هوادى أو بواري لا يستحق به شيئا لان هذا ليس بجهل مقصود بنى الحائط لاجله فلا يثبت به الترجيح كما لو تنازعا في دابة ولاحدهما عليه مخلاة علقها لا يسحق به الترجيح بخلاف الجذوع فانه حمل مقصود يبنى الحائط لاجله فيثبت له اليد باعتباره وكذلك ان كان لاحدهما عليه جذوع أو اتصال وللاخر بوارى فهو لصاحب الجذوع والاتصال وان كان لاحدهما عليه جذوع وللاخر اتصال فصاحب الجذع أولى ومراده من هذا مداخلة انصاف اللبن بعضها في بعض إذا كان من أحد الجانبين هذا النوع من الاتصال ببناء أحدهما لان وضع الجذوع استعمال للحائط والاتصال مجاورة واليد تثبت بالاستعمال دون المجاورة فكان صاحب الجذوع أولى كما لو تنازعا في دابة واحدهما راكبها والاخر متعلق بلجامها فالراكب أولى وذكر الطحاوي رحمه الله أن صاحب الاتصال أولى لان الكل صار في حكم حائط واحد فهذا النوع من الاتصال في بعضه متفق عليه لاحدهما فيرد المختلف فيه إلى المتفق عليه ولان الظاهر أنه هو الذي بناه مع حائطه فمداخلة انصاف للبن لا يتصور الا عند بناء لحائطين معا فكان هو أولى. قال في الكتاب الا أن يكون اتصال تربيع بيت أو دار فيكون لصاحب الاتصال حينئذ وكان الكرخي رحمه الله يقول صفة هذا الاتصال أن يكون هذا الحائط المتنازع من الجانبين جميعا متصلا بحائطين لاحدهما والحائطان متصلان بحائط له مقابلة الحائط المتنازع حتى يصير مربعا شبه القبة فحينئذ يكون الكل في حكم شئ واحد فصاحب الاتصال أولى والمروى عن أبى يوسف رحمه الله أن المعتبر اتصال جانبي الحائط المتنازع بحائطين لاحدهما فأما اتصال الحائطين بحائط أخرى غير معتبر وعليه أكثر مشايخنا رحمهم الله لان الترجيح انما يقع له يكون ملكه محيطا بالحائط المتنازع من الجانبين وذلك يتم بالاتصال بجانبي الحائط المتنازع ولصاحب الجذوع موضع جذوعه لان استحقاق صاحب الاتصال بالظاهر وهو حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق على الغير فلا يستحق به على صاحب الجذوع رفع جذوعه فان (قيل) لما قضى بالحائط لصاحب الاتصال فينبغي أن يأمر الاخر برفع الجذع لانه حمل موضوع
[ 89 ] له في ملك الغير بغير سبب ظاهر لاستحقاقه كما لو تنازعا في دابة ولاحدهما عليها حمل وللاخر مخلاة يقضى لصاحب الحمل ويؤمر الآخر برفع المخلاة قلنا لان وضع المخلاة علي دابة الغير لا يكون مستحقا له في الاصل بسبب فكان من ضرورة القضاء بالدابة لصاحب الحمل أمر الآخر برفع المخلاة فأما هنا فقد يثبت له حق وضع الجذوع على حائط لغيره بأن كان ذلك مشروطا في أصل القسمة فليس من ضرورة الحكم لصاحب الاتصال استحقاق رفع الجذوع على الاخر وهذا بخلاف ما لو أقام أحدهما البينة وقضي له به يؤمر الاخر برفع جذوعه لان البينة حجة للاستحقاق فيستحق صاحبها رفع جذوعه عن ملكه وان لم يكن متصلا ببناء أحدهما ولم يكن عليه جذوع فهو بينهما نصفان لاستوائهما فيه في اليد حكما فانه بكونه بين داريهما يثبت لكل واحد منهما عليه اليد حكما وان كان لاحدهما عليه عشر خشبات وللآخر عليه خشبة واحدة فلكل واحد منهما ما تحت خشبته ولا يكون بينهما نصفان استحسن ذلك في الخشبة والخشبتين وهكذا ذكر في كتاب الصلح. وقال في كتاب الاقرار الحائط كله لصاحب عشر خشبات الا موضع الخشبة فانه لصاحبها وروى بشر عن أبى يوسف عن أبى حنيفة رحمهم الله ان الحائط بينهما نصفان وهو قول أبى يوسف رحمه الله وهو القياس ووجهه ان الاستعمال بموضع الخشبة يثبت يد صاحبها عليه فصاحب القليل فيه يستوى بصاحب الكثير كما لو تنازعا في ثوب عامته في يد احدهما فطرف منه في يد الاخر كان بينهما نصفين ووجه رواية كتاب الاقرار لصاحب العشر خشبات عليه حمل مقصود يبنى الحائط لاجله وليس لصاحب الخشبة الواحدة مثل ذلك ولان الحائط لا يبنى لاجل خشبة واحدة عادة وانما ينصب لاجلها اسطوانة فكان صاحب العشر خشبات أولى به كما في الدابة إذا كان لاحدهما غليها حمل مقصود وللاخر مخلاة يقضى بها لصاحب الحمل الا أنه لا يرفع خشبة الآخر لان استحقاق صاحب الخشبات باعتبار الظاهر يستحق به رفع الخشبة على الآخر وأما وجه رواية كتاب الدعوى ان الاستحقاق باعتبار وضع الخشبة فيثبت لكل واحد منهما الملك فيما تحت خشبته لوجود سبب الاستحقاق به في ذلك الموضع فأما ما بين الخشبات لم يذكر في الكتاب انه يقضى به لايهما لان من أصحابنا رحمهم الله من قال يقضى بالكل بينهما على احدى عشر سهما عشرة لصاحب الخشبات وسهم لصاحب الخشبة الواحدة اعتبار لما بين الخشبات بما هو تحت كل خشبة من الحائط وأكبرهم على انه يقضى به لصاحب العشر
[ 90 ] رحمهما الله وعليه كر حنطة وقفيز شعير وجه قولهما أن الكلام موصول وفي حق الشعير انما استثنى بعض ما أقر به فيكون صحيحا كما لو بدأ باستثناء الشعير فقال الا قفيز شعير وكر حنطة وأبو يوسف رحمه الله يقول استثناؤه كر حنطة باطل فيكون ذلك لغوا من الكلام وقد تخلل بين المستثنى والمستثني منه في الشعير ومتى تخلل بين المستثنى والمستثنى منه كلام لغو كان الاستثناء باطلا لان شرط صحة الاستثناء الوصل والكلام اللغو فاصل بمنزلة السكوت أو أبلغ منه فان التكلم باللغو اعراض عن الجد وليس في السكوت اعراض وهذا باطل نظير اختلافهم فيمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا وثلاثا ان شاء الله أو قال لعبده أنت حر وحر ان شاء الله وعند أبى حنيفة رحمه الله الاستثناء باطل ويقع الطلاق والعتاق جميعا لان كلامه الثاني لغو فصار فاصلا وعندهما الاستثناء صحيح لكون الكلام موصولا ظاهرا ولو قال لفلان على ألف درهم ولفلان مائتا دينار الا الف درهم كان الاستثناء جائزا من الدنانير لان المقر له إذا كان مختلفا فالاستثناء من المال الذي وصله به وانما وصل الاستثناء بالدنانير هنا واستثناء الف درهم من مائتي دينار صحيح عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لانه استثناء بعض ما تكلم به بطريق المستثنى المعين. ولو قال لفلان الف درهم استغفر الله الا مائة درهم كان الاستثناء باطلا لانه فصل بينه وبين الاقرار بما ليس من جنسه ولا هو راجع إلى تأكيد الاقرار فكان بمنزلة الفصل بالسكتة وكذلك لو ذكر بين المستثنى والمستثنى منه تهليلا أو تكبيرا أو تسبيحا لان هذه كلمة ليست من الاقرار في شئ فيتحقق الفصل بها كما يتحقق بالسكوت وشرط صحة الاستثناء الوصل. ولو قال لفلان على مائة يا فلان الا عشرة دراهم كان الاستثناء جائزا لان قوله يا فلان نداء للمخاطب لينبهه فيستمع كلامه فكان كلامه راجعا إلى تأكيد الاقرار فلا يوجب الفصل بين المستثنى والمستثنى منه بخلاف ما سبق. ولو قال لفلان على مائة درهم فاشهدوا على بذلك الا عشرة دراهم كان الاستثناء باطلا لوجهين أحدهما انه أمرهم أن يشهدوا على الف ولا يكون ذلك مع صحة الاستثناء والثانى أن قوله فاشهدوا على ذلك كلام آخر أعقب الاقرار به بحرف التعقيب وهو الفاء ولو عطف علي الاقرار بحرف الواو كان فاصلا بين المستثنى والمستثنى منه فكذلك إذا أعقبه به وهذا لانه كلام مفيد مفهوم المعنى بنفسه فلا يكون تابعا للكلام الاول بل يصير فاصلا بخلاف قوله يا فلان فانه ليس بكلام مفهوم المعنى بنفسه فكان من تتمة المراد بالكلام الاول
[ 91 ] فلا يوجب الفصل بين المستثنى والمستثنى منه. ولو قال لفلان على ألف درهم الا عشرة دراهم أقبضتها اياه كانت عليه الالف كلها لان قوله أقبضتها صفة العشرة وقوله الا عشرة ظاهره استثناء العشرة على أن لا يكون واجبا أصلا ويحتمل أن يكون المراد الاستثناء على أنها ليست بواجبة في الحال لسقوطها عنه بالقضاء فكان بيانه المذكور بقوله أقبضتها من محتملات كلامه فيصح منه وإذا صح كان منه دعوى القضاء في العشرة ودعوى القضاء منه غير مقبول من غير حجة سواء ادعاه في بعض المال أو في كله لان صحة الاستثناء بطريق أنه يكون عبارة عما وراء المستثنى وذلك لا يتحقق هنا لانه لا يبقى أصل الوجوب فيما زعم أنه قضاه من المال وكذلك لو قال الا عشرة دراهم قد اقبضتها اياه لان حرف قد حرف التأكيد فدعواه القضاء في العشرة مع حرف التأكيد وبدون حرف التأكيد سواء. ولو قال الا عشرة دراهم وقد أقبضتها اياه كان عليه الالف الا عشرة لان قوله وقد اقبضتها كلام معطوف على المستثنى فلا يكون للمستثنى إذ ليس بين الوصوف والموصف حرف العطف فيكون هذا منه دعوى القضاء في أصل المال فيبقى استثناؤه العشرة صحيحا بخلاف الاول فانه لم يذكر حرف العطف هناك بين العشرة وذكر القضاء (ألا ترى) انه إذا قال زيد عالم كان صفة لزيد وإذا قال زيد وعالم لا يكون قوله وعالم صفة لزيد لان الوصف لا يعطف علي الموصوف ولو قال له على الف درهم الا درهم أقبضتها اياه كانت عليه ألف درهم لان قوله أقبضتها لا يمكن أن يجعل صفة للمستثنى فانه ذكر فيه حرف التأنيث فيكون صفة لما يعبر عنه بعبارة التأنيث والمستثنى يعبر عنه بعبارة التذكير فعرفنا بهذا ان قوله أقبضتها دعوى القضاء منه في أصل المال فبقى استثناؤه الدرهم صحيحا * ولو قال له على درهم غير دانق من ثمن بقل قد أقبضته اياه كان عليه درهم هكذا ذكره في نسخ أبى سليمان رحمه الله لان قوله قد أقبضته صفة للدانق الذى استثناه فكان هذا منه دعوى القضاء في الدانق لا الاستثناء على الحقيقة فلزمه درهم وقال في نسخ أبي حفص رحمه الله عليه درهم الا دانق قال الحاكم رحمه الله هذا أقرب إلى وفاق ما اعتل به في المسألة لا في تعليل المسألة قال لانه قطع بين الاستثناء وبين القضاء بكلام فصار القضاء على ألف درهم ومعنى هذا التعليل ان دعوى القضاء انما يصير صفة للدانق إذا وصله به وقد تخلل بينهما كلام آخر هنا وهو قوله من ثمن بقل فصار دعوى القضاء منه على درهم وبهذا التعليل يتبين ان الجواب الصحيح ما ذكره في نسخ أبى
[ 92 ] به شيئا وليس لصاحب الدار أن يقطع الجذوع لانها وجدت كذلك ويحتمل أن تكون حجة لذلك الا أن تكون نفس الجذوع بحق مستحق لصاحبها فلا يكون لصاحب الدار أن يقطعها الا بحجة والظاهر لا يصلح حجة كذلك الا أن تكون جذوعا لا يحمل على مثلها شيئا انما هو أطراف جذوع خارجة في داره فحينئذ يكون له أن يقطعها لان عين الجذوع غير مقصودة بعينها انما المقصود هو البناء عليها فما لا يبنى على مثله لا يجوز أن يكون مستحقا له في ملك الغير فكان لصاحب الدار أن يقطعها وما يبنى عليه يجوز أن يكون مستحقا له بسبب فلا يكون له قطعها ما لم يتبين أنه أحدث نصبها غصبا. قال وإذا كان السفل لرجل والعلو لآخر فانهدم لم يجبر صاحب السفل على بناء السفل لانه ملكه ولا يجبر صاحب الملك على بناء ملكه فله حق التدبير في ملك نفسه كانشاء بيع أو بناء بخلاف ما إذا كان صاحب السفل هو الذى هدمه لانه صار متعديا بالهدم لما لصاحب العلو في بناء السفل من حق قرار العلو عليه فيجبر على بنائه بحقه كالراهن إذا قبل المرهون أو المولى قبل عبده المديون فاما عند الانهدام لم يوجد من صاحب السفل فعل هو عدوان ولكن لصاحب العلو أن يبنى السفل ثم يبني عليه العلو لانه لا يتوصل إلى بناء ملكه الا ببناء السفل فكان له أن يتطرق ببناء السفل ليتوصل إلى حقه ثم يمنع صاحب السفل من أن يسكن سفله حتى يرد علي صاحبه العلو قيمة البناء لانه مضطر إلى بناء السفل ليتوصل إلى منفعة ملكه فلا يكون متبرعا فيه والبناء ملك الثاني فكان له أن يمنعه من الانتفاع بالبناء حتى يتملكه عليه بأداء القيمة وذكر الخصاف رحمه الله أنه انما يرجع على صاحب السفل بما أنفق في بناء السفل ووجهه أنه مأذون في هذا الانفاق شرعا فيكون كالمأمور به من صاحب السفل لان للشرع عليه ولاية * ووجه هذه الرواية أن البناء ملكه فيتملكه عليه صاحب السفل بقيمته كثوب الغير إذا انصبغ بصبغ غيره فأراد صاحب الثوب أن يأخذ ثوبه يعطى صاحب الثوب ما زاد الصبغ في الثوب لان الصبغ ملك صاحب الصبغ في ثوبه وذكر في الامالى عن أبى يوسف رحمه الله أن السفل كالمرهون في يد صاحب العلو ومراده من ذلك منع صاحب السفل من الانتفاع بسفله بمنزلة الرهن. قال ولو كان بيت بين رجلين أو دار فانهدمت لم يكن لاحدهما أن يجبر صاحبه علي البناء لان تمييز نصيب أحدهما من نصيب الاخر بقسمة الساحة ممكن فان بناها أحدهما لم يرجع على شريكه بشئ لانه غير مضطر في هذا البناء فانه يتمكن من مطالبة صاحبه بالقسمة ليبنى في نصيب نفسه
[ 93 ] بخلاف العلو والسفل وكذلك الحائط ان لم يكن عليه جذوع لان أس الحائط محتمل للقسمة بينهما الا أن يكون بحيث لا يحتمل القسمة نحو الحائط المبنى بالخشبة فحينئذ يجبر أحدهما على بنائه وإذا بناه أحدهما مع صاحبه من الانتفاع به حتى يرد عليه قيمة نصيبه كالعبد المشترك إذا كان عاجزا عن الكسب وامتنع أو حد الشريكين من الانفاق عليه كان لصاحبه أن يجبره علي ذلك وان كان على الحائط جذوع لهما فلا حدهما أن يجبر صاحبه على المساعدة معه في بنائه وان لم يساعده علي ذلك بناه بنفسه ثم يمنع صاحبه من وضع جذوعه عليه حتى يرد عليه قيمة حصته من البناء لان لكل واحد منهما حق في نصيب صاحبه من حيث وضع الجذوع عليه وذلك يبطل بقسمة أس الحائط بينهما فان كان الجذوع علي الحائط لاحدهما دون الاخر فلصاحب الجذوع ان يبين الحائط ولا يشاجر صاحبه على المطالبة بقسمة الحائط لان له حق وضع الجذوع على نصيب صاحبه فان كان هو الذى يطالب بالقسمة فليس له أن يمتنع من ذلك لان ترك القسمة كان لحقه وقد رضي هو بسقوط حقه وصار هو في حق الاخر كانه ليس لواحد منهما عليه جذوع وكذلك الحمام المشترك إذا انهدم فهو بمنزلة الدار لان قسمة الساحة ممكن فإذا بناه أحدهما لم يرجع على صاحبه بشئ. قال وإذا كان لرجل باب من داره في دار رجل فأراد أن يمر في داره من ذلك الباب فمنعه صاحب الدار فصاحب الباب هو المدعى للطريق في دار الغير فعليه اثباته بالبينة ورب الدار هو المنكر فالقول قوله مع يمينه وبفتح الباب لا يستحق شيئا لان فتح الباب رفع جزء من الحائط ولو رفع جميع حائطه لا يستحق به في ملك الغير شيئا فكذلك إذا فتح بابا وقد يكون فتح الباب لدخول الضوء والريح وقد يكون للاستئناس بالجار والتحدث معه فلا يكون ذلك دليلا على طريق له في الدار فان اقام البينة انه كان يمر في هذه الدار من هذا الباب لم يستحق بهذه الشهادة شيئا لانهم شهدوا بيد كانت له في هذا الطريق فيما مضى وبهذه الشهادة لا يستحق المدعى شيئا (ألا ترى) انا لو لو عايناه مر فيه مرة لم يستحق به شيئا الا أن يشهدوا ان له فيها طريقا ثابتا فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم والطريق يجوز أن يكون مستحقا له في دار الخار؟ في أصل القسمة أو أوصى له به فتقبل البينة على اثباته وان لم يجدوا الطريق ولم يسموا ذرع العرض والطول بعد أن يقولوا ان له طريقا في هذه الدار من هذا الباب إلى باب الدار فالشهادة مقبولة ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول تأويله إذا شهدوا على اقرار الخصم بذلك فالجهالة لا تمنع صحة الاقرار فأما إذا
[ 94 ] وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا الاقرار والشهادة كل واحد منهما خبر عن أمر ماض وما كان ماضيا فليس بمتيقن عنده في الحال لا في حق نفسه ولا في حق غيره لجواز أن يكون عنده أن الدين واجب عليه وليس بواجب لابراء الطالب اياه واستيفائه منه تبرأ من ماله أو تبرع أجنبي بالقضاء عنه أو لمفسد يمكن في أصل السبب فيمتنع وجوب المال به وكان قوله فيما أعلم استثناء لليقين في الفصلين جميعا وعلى هذا الخلاف لو قال له علي ألف درهم في علمي وان قال قد علمت أن له على ألف درهم فهذا اقرار بالاتفاق وبه يستدل أبو يوسف رحمه الله والفرق هنا أن حرف قد للتأكيد فقد أكد علمه بما أخر به فكان ذلك منه تأكيدا لاقراره والشاهد لو قال قد علمت فأنا أشهد عليه بما قد علمت لم يكن ذلك قدحا في شهادته فكذلك لا يكون قدحا في اقراره. ولو قال له علي ألف درهم فيما أظن أو فيما ظننت أو فيما أحسب أو فيما حسبت أو فيما أرى أو فيما رأيت فهو كله باطل لان هذه الالفاظ انما تذكر في العادة لبيان سكة فيه واستثناء بقية وفرق بين قوله فيما رأيت أو حسبت وبين قوله فيما قد علمت لان مطلق العلم يطلق على ما يتيقن به بخلاف الحسبان والظن والرؤية فقد يتراءى شئ للانسان وان لم يكن له حقيقة كالظمآن يرى السراب من بعيد فيتراءى انه ماء ولا حقيقة لذلك. ولو قال له على الف درهم في شهادة فلان أو في علم فلان لم يلزمه شئ لان هذه اللفظة في العادة انما تذكر لبيان ان الامر بخلاف ما يشهد به فلان أو يعلمه ويكون هذه انكارا لا اقرارا بخلاف مالو قال شهادته أو بعلمه لان الباء للالصاق ولا يتحقق الصاق بشهادة فلان وعلمه بها اقر به الا بعد وجوبه فكان مقرا بوجوب المال عليه مؤكدا لذلك بعلم فلان وشهادته وان قال في قوله أو بقوله أو بحسابه أو في حسابه أو في كتابته أو في كتابه لم يلزمه شئ لان قوله فلان لا أثر له في وجوب المال ولا حسابه فمقصوده من هذه الالفاظ بيان أن الامر بخلاف ما يقوله فلان ويحسبه ويكتب به بخلاف الشهادة والعلم فان الشهادة مما يؤكذ بها الواجب والعلم يطلق على ما يتيقن به فلهذا فرق بين هذه الالفاظ ولو قال بصكه أو في صكه أو في صك ولم يضفه إلى أحد فالمال واجب عليه لان الصك اسم خالص لما هو وثيقة بالحق الواجب فهذا منه تأكيد لما اقر به من المال (ألا ترى) أنه لو قال في سجل أو سجله كان المال لازما له وكذلك لو قال في كتاب أو من كتاب بينى وبينه أو من حساب أو في حساب بينى وبينه فهذا كله اقرار لان مثل هذا اللفظ
[ 95 ] يذكر لبيان سبب وجوب المال وبيان المحل الذى أثبت فيه وجوب المال عليه فلا يكون قدحا في اقراره وكذلك لو قال علي صك بالف درهم أو كتاب أو حساب بالف لزمه المال لان الباء للالصاق ولا يتحقق الصاق الالف بالصك والكتاب والحساب الا بعد وجوبه. ولو قال له علي الف درهم من شركة بينى وبينه أو من شركة ما بيني وبينه أو من تجارة بينى وبينه أو من خلطة لزمه الالف في جميع ذلك لان حرف من للتبعيض ولا يتحقق كون الالف من الشركة والتجارة والخلطة بينهما الا بعد وجوبها. ولو قال له على الف درهم في قضاء فلان وهو قاض أو في فلان الفقيه أو هنا أو في فقهه لم يلزمه شئ لان قوله في قضاء فلان كقوله في شهادة فلان أو في علم فلان وقد بينا أن المراد من هذا اللفظ بيان الامر بخلاف ما في علمه فكذلك هنا وقوله شهادة بمنزلة قوله بقول فلان لان شهادته قوله فان قال بقضاء فلان وفلان قاض يلزمه المال كقوله بشهادة فلان وبعلمه لانه ألصق القضاء بالمال فالمال المقضى به لا يكون الا واجبا وان لم يكن فلان قاضيا فقال الطالب حاكمته إليه فقضى لى عليه لزمه المال لان قضاء الحكم في حق الخصمين كقضاء القاضى في حق الناس كافة فكان قوله بقضائه بيانا لتأكيد المال عليه بهذا السبب وان تصادقا على أنه لم يحاكمه إليه لم يلزمه شئ لانه لم ينتصب قاضيا في حقهما قط فلا يكون قضاؤه ملزما اياه شيئا فهذا وقوله يقين فلان سواء وان قال لفلان على ألف درهم في ذكره أو بذكره لم يلزمه شئ بمنزلة قوله في حسابه أو بحسابه أو في كتابه أو كتابه لانه ذكر كتابه وذلك غير ملتزم فكيف يلزم غيره وان قال لفلان على كر حنطة من سلم أو بسلم أو بسلف أو من سلف لزمه ذلك لا السلف والسلم عبارتان عن شئ واحد وهذا أخذ العاجل بالاجل فكان هذا منه بيانا لسبب وجوب الكر عليه وعلى هذا لو قال له على مائة درهم من ثمن بيع أو ببيع أو لبيع أو من قبل بيع أو من قبل اجارة أو باجارة أو بكفالة أو لكفالة أو على كفالة لزم المال لان هذا كله بيان وسبب وجوب المال منه وهو سبب صحيح فيلزمه المال به. ولو قال لفلان علي ألف درهم الا شئ يلزمه خمسمائة وزيادة بقدر ما بينه لان الجهالة في المستثنى لا تكون أكثر ما يبرأ من الجهالة في المقر به فكما أن جهالة المقر به لا تمنع صحة الاقرار فكذلك جهالة المستثنى لا تمنع صحة الاستثناء بل أولى لان المقر به مثبت والمستثنى غير مثبت فإذا صح الاستثناء مع الجهالة كان ينبغى أن يجعل القول قوله في بيان المستثنى سواء بينه بقدر النصف أو أكثر أو أقل