مالَ الصِبا بِعَواطِفَ النَشوانِ
مالَ الصِبا بِعَواطِفَ النَشوانِ المؤلف: شكيب أرسلان |
مالَ الصِبا بِعَواطِفَ النَشوانِ
مَيلَ الصِبا بِمَعاطِفَ الأَغصانِ
وَلَوى الغَرامُ عِنانَهُ نَحوَ اللَوى
وَبَد الحَنينُ لا بَرقَ الحَنانِ
وَهَوى الهَوى بِالقَلبِ بَينَ أَعَقَّةٍ
وَمَتالِعٍ وَمَطالِعٍ وَرَعانِ
فَغَدا بِراوِحٍ مِن مَعاهِدِها الَّتي
في نَجدٍ بَينَ مَعالِمٍ وَمَغانِ
يَأتي اللِصابَ مِنَ الشِعابِ وَيَنتَحي
مِن مَنزِلِ الجَرعا سُفوحَ البانِ
في كُلِّ مُنعَطِفٍ وَكُلَّ ثَنِيَّةٍ
يَبدو لَهُ شَجَنُ مِنَ الأَشجانِ
وَيَحَ المُحِبُّ لَقَد تَهَتَّكَ في الهَوى
فَرَعاهُ في سِرٍّ وَفي إِعلانِ
أَجرى العَقيقَ بِطَرفِهِ وَبَنى بِأَو
تادِ الضُلوعِ مَضارِبُ الكُثبانِ
صَبٌ أَلَمَّ بِهِ الهَوى فَمَضى بِهِ
لِلحُسنِ تَحتَ أَسِنَّةِ الخَرصانِ
أَنذَرَتهُ سوءَ المَصيرِ فَقالَ لي
أَنَّ الصَبابَةَ عِزَّةُ الفِتيانِ
أَطلَقتُ لِلقَلبِ العِنانَ فَهِمتُ لا
أَلوي وَلَستُ لِذا العِنانِ بِثانِ
لَهفي عَلَيهِ عَدَت بِمُهجَتِهِ الظِبا
حُبّاً إِلى حَيثُ الظُبى بِمَكانِ
بَينَ البَوارِقِ وَالصُفوفِ زَواحِفُ
تَحتَ البَيارِقِ وَالرِماحِ دَوانِ
طَلَبَ المَحاسِنَ في الخِيامِ وَدونَها
ضَربٌ يَطيحُ سَواعِدَ الشُجعانِ
وَإِذا هَوى نَجدَتَحكُمُ في فَتى
جَعلِ الرَدى في حَيِّزِ النِسيانِ
هَيهاتَ لَيسَ لِعاشِقِ أَمنِيَةٍ
يَسعى إِلَيها في طَريقِ أَمانِ
وَإِذا العَوالسِلُ دونَ مَعسولِ اللَمى
يَزدادُ مَعَها القَلبُ في الخَفَقانِ
وَإِذا الخُدودُ القانِياتُ تَعَرَّضَت
لِلحُِّ سالَ لها النَجيعُ القاني
وَإِذا الأَسوَدُ وَقَد تَرَدَّتُ في الحِمى
صَرعى أَمامَ كَوانِسِ الغِزلانِ
وَإِذا رِجالُ كَتائِبِ النُعمانِ قَد
ذَلَّت لِعِزٍّ شَقائِقَ النُعمانِ
وَإِذا الأَعَزِّ الأَيهَمِ الغَسّانِ قَد
أَمسى رَقيقُ الأَهيَفَ الغَسّاني
حالٌ تَطيشُ بِها العُقولُ وَرُبَّما
أَخبَت ذَكاءَ ثَواقِبُ الأَذهانِ
تَعي فُؤادَ الأَحوَذي كَأَنَّهُ
مِما أُصيبَ صَريعُ خَمرِ دِنانِ
ما إِن يُقاوِمُ يَأسَها بَطَلٌ وَلَو
حازَت يَداهُ عِزَّةُ العُقبانِ
تَغشى مَقاصيرُ العِظامِ وَلَم تَكُن
عَنها تَعِزُّ مَناسِكَ الرُهبانِ
لَكِن ما أَودى بِعُذرَةِ حُبِّهِ
لَم يَختَلِف بِشُهورِهِ اِثنانِ
وَتَرى القُلوبَ عَلى المَحاسِنِ أَقبَلَت
مِثلَ الدَلاءِ جَذَبنَ بِالأَشطانِ
وَتَرى إِلى وَصلِ الحَبيبِ حَنينُها
يَحكي حَنينَ النَجبِ لِلأَعطانِ
كَيفَ الخِلافُ وَلِلفُؤادِ تَأَثُّرٌ
بِجَميعِ ما مَرَّت بِهِ العَينانِ
أَو كَيفَ لا أَهوى الجَمالَ وَقَد بَدا
مِن نورِ ذاكَ العالَمِ الرَبّاني
عَينُ الوُجودِ اللّامِعِ النورِ الَّذي
ما لاحَ مِثلُ سَناهُ لِلأَعيانِ
العاقِبُ الإِكليلُ مِصباحُ الهُدى
وَالصادِقُ المَبعوثِ بِالفُرقانِ
هُوَ أَحمَدُ المَحمودِ مَن في حِلِّهِ
كَنَفُ الوُجودِ تُشرِفُ الثَقَلانِ
فَاللَهُ يَشهَدُ أَنَّ طَهَ المُجتَبي
هُوَ خَيرٌ مَن سارَت بِهِ قَدمانِ
وَاِذكُر صَحابَةَ صاحِبِ المِعراجِ مِن
حازوا السِباقَ بِأَوَّلِ المَيدانِ
الراشِدينَ العامِلينَ إِلى الهُدى
وَالناشِرينَ شَريعَةَ القُرآنِ
هُم عثصبَةُ الدينِ الحَنيفِ وَشيعَةُ الشَر
عِ الشَريفِ وَفِتيَةُ الإيمانِ
تَلقى أَبابَكرَ بِصَدرِهِم اِنبَرى
يَهدي الأولى رَجِعوا إِلى الكُفرانِ
وَتَرى أَبا حَفصٍ يُقيمُ المَسجِدَ ال
أَقصى بِهِمَّتِهِ عَلى أَركانِ
يَرمي المَمالِكَ بِالجُيوشِ وَقَد غَدَت
في قَبضَتَيهِ شَواسِعَ البُلدانِ
ضَرَبَ القَياصِرَةُ العِظامُ بِصارِمِ
أَنسى البَرِيَّةَ سَيفٌ في غَمدانِ
فَعَنِتُّ لَهُ بِالرَغمِ شَمَّ أُنوفَهُم
وَخَلالَهُ كِسرى مِنَ الإيوانِ
وأَبادَ فارِسٌ سَيفَ سَعدَ وَاِذعَنَت
مِصرَ لَعَمرُو أَيما أَذعانِ
وَقَضى الإِلَهُ عَلاءَ ذادَةِ دينِهِ
بِالنَصرِ وَالجَيشانِ يَلتَقِيانِ
فَالهَدى فيهِم ضارِبٌ أَطنابَهُ
وَالحَقُّ مَلِقٌ في الوَرى بِجِرانِ
وَالدينُ تَعصِفُ بِالمَمالِكِ ريحُهُ
عَمّا يَزُِّ مَواقِفَ البُهتانِ
بِجِهادِ قَومٍ أَصبَحَت أَعمالُهُم
أَبَداً بِجيدِ الدَهرِ عَقدَ جَمانِ
فيهِم أَبو الحُسنَينِ صَفحَةَ سَيفِهِ
فَجَرَّ يُنَوِّرُ لَيلَ كُلِّ طِعانِ
قَد كانَ لَيثُ عَرينَةٍ وَفُؤادِهِ
بِحَقائِقَ الأَكوانِ بَحرَ مَعانِ
وافى مَنازِلَ في العُلومِ تَقَطَّعَت
عَن دَركِهِنَّ نِياطَ كُلِّ جِنانِ
فَلَكُم حَوَت تِلكَ الصَحابَةُ سادَةً
غَرّاً مِنَ الأَنصارِ وَالأَعوانِ
صَرَفوا إِلى الأَرواحِ جَلَّ عَنائِهِم
وَتَجانَفوا عَن خِدمَةِ الأَبدانِ
أَسيافَ حَقٍّ بِالهِدايَةِ قَطَعَت
بَينَ العِبادجِ هَوادي الأَوثانِ
حَقُّ الفِخارِ بِهِم لِكلِّ مُوَحِّدٍ
لِثُبوتِ مَجدِهِم بِكُلِّ أَوانِ
فَاِذكُر فُتوحاتِ العُقولِ بِرُشدِهِم
تَهدي لِحَقِّ العِلمِ وَالعِرفانِ
وَاِذكُر لَهُم فَتحَ المَمالِكِ في الوَرى
مِن كُلِّ ناحِيَةٍ وَكُلِّ لِسانِ
مِن مَشرِقٍ ذاقَ النِكالَ وَمَغرِبِ
طَلَعَت عَلَيهِ كَواكِبُ الفُرسانِ
هُم قُدوَةٌ لِلعالَمينَ مِن بَني العَبّاسِ مِن
بَعدِ الخَلائِفِ مِن بَني مَروانِ
بَلِّغوا جِدارَ الصينِ مِن جَهَةٍ وَمِن
أُخرى تَخطو شاهِقَ البيرانِ
وَتَرى حِذاءَ فُروقِ وَقعِ سُيوفِهِم
وَتَجاوُبِ الأَصداءَ في السودانِ
وَالغَزنَوِيَّةَ يوغِلونَ بِزَحفَهِم
في السِندِ آوِنَةً وَهِندِستانِ
وَبَنوا أُمَيَّةَ في الجَزيرَةِ حَكَموا
أَمضى ظِباهُم في ذَوي التيجانِ
وَاِنظُر بَني أَيّوبَ لَمّا أَعمَلوا
في المُعتَدينَ عَواسِلَ المُرّانِ
وَصَلاحُ دينِ اللَهِ أَنزَلَ بَطشَهُ
بِالقَومِ في حِطينَ كُلَّ هَوانِ
وَلِواءُ يوسُفَ تاشَفينَ بِمَغرِبِ
خَرَّت لَهُ الأَعداءَ لِلأَذقانِ
ثُمَّ السَلاجِقَةُ العِظامُ وَإِثرُهُم
أَصواتُ ضَربِ الصَيلَمِ العُثماني
سَيفُ الصَناديدِ المَساعيرِ المَغا
ويرِ القُرومِ المَعشَرِ الغَرّانِ
ما كانَ يَنضي في وَغى الأَملا الدُ
نيا بِرُعبِ صَليلِهِ الرَنّانِ
سَل عَنهُ عُثمانَ القَديمِ وَإِن تَمَل
لِزِيادَةٍ فَاِعطِف عَلى أَرخانِ
وَاِنظُر مُرادَ وَبا يَزيدَ بِغَربِهِ
قادا الأَعادي كُلِّها بِعَرانِ
وَاِرمُق أَبا الفَتحِ الأَعَزَّ مُحَمَّداً
أَخنى عَلى جُرثومَةِ الرومانِ
في مَأزِقٍ وَالجانِبانِ تَصادَما
وَتَقابَلَ البَرانِ وَالبَحرانِ
وَالخَيلُ باشَرتُ البِحارَ فَردَها ال
فُرسانَ فَاِمتَنَعتُ عَلى الأَرسانِ
وَالبيضُ تَخطُبُ في الرُؤوسِ رَواكِعاً
طَوراً وَتَنطِقُ أَلسُنُ النيرانِ
حَتّى تَصاغَرَتِ البِلادُ لِأَمرِهِ
وَاِستَسلَمتُ لِيَدَيهِ مِثلَ العاني
وَغَدا سَليمُ رَبُّ كُلِّ أَيالِهٍ
في الشَرقِ مَحمِيّاً بِهِ الحِرمانِ
وَأَتى سُلَيمانُ الزَمانِ بِفَيلَقِ
خَضَعَت لَهُ الأَفلاكَ في الدَوَرانِ
مادَت لَهيبَتُهُ البَسيطَةُ مَيدَةً
لَم تَبقَ مِن أُحُدِ وَمِن ثَهلانِ
وَسِعَت عَزائِمُهُ الزَمانُ وَقائِماً
مِن كُلِّ حَربٍ في العِداةِ عَوانِ
تَفدي بَني عُثمانَ كُلُّ قَبيلَةٍ
في الأَرضِ أَبرَزُها لَنا العَصرانِ
حَمَلوا الخِلافَةَ وَالبِلادَ طَرائِقٌ
في كَفِّ أَهلِ البَغى وَالعِصيانِ
فَغَدَت وَقَد صارَت لَهُم أَطرافُها
تيهاً تَجُرُّ ضَوافي الأَردانِ
وَلَهُم بِها العَدلَ الَّذي أَبدى لَنا
كَيفَ اِستِواءَ الشاةِ وَالسَرحانِ
حَقَّ إِذا ما أَمَّنوا فيهِ الوَرى
رَدّوا غِرارَهُم إِلى الأَجفانِ
فَبِمِثلِهِم فَلنَفتَخِر وَبِهَديِهِم
فَلنَهدِ بَعدَ تَقاعُدٍ وَتَوانِ
في السالِفينَ مِنَ الأَفاضِلِ عَبرَةً
تَجلو المَراءَ بِأَقصَرَ الأَمعانِ
في كُلِّ يَومٍ بِرازِخِهِم لَنا
داعٍ يُنبِهُ خاطِرَ الغَفلانِ
أَولا نُجيبُ وَنَحنُ أَحيا في الوَرى
يَوماً نَدا الأَجنانِ في الأَجنانِ
إِن نَعتَذِر بِزَمانِنا وَطِباعِهِ
فَهيَ العَوارِضَ لَم تَخُصَّ بِآنِ
أَنَّ المَبادِئِ لا تَزالُ فَواعِلاً
ما بَينَ ما يَتَعاقَبُ المَلوانِ
فيها يَكونُ إِلى الحُصولِ توسَلُ
وَبِدونِ ذَلِكَ عِلَّةَ الحِرمانِ
يَغدو الزَمانَ بِها عَلى أَحوالِهِ
بِالناسِ مَن زيدَ وَمِن نُقصانِ
وَالعَقلُ لا يَعنو لِحالاتٍ إِذا
ما شاءَ أَوقَعَها بِحالِ تِفانِ
وَإِذا تَحَصَّلَتِ الشَجاعَةُ لَم تَكُن
عِندَ المَحصَلِ غايَةَ الأَمكانِ
فَلَنَعمَلَنَّ فَالرَأيُ في نَيلِ المُنى
هُوَ أَوَّلُ وَهيَ المَحلُ الثاني