لَو هاجَ مِثلُ الفَضلِ خاطِرَ شاعِرٍ
لَو هاجَ مِثلُ الفَضلِ خاطِرَ شاعِرٍ المؤلف: شكيب أرسلان |
لَو هاجَ مِثلُ الفَضلِ خاطِرَ شاعِرٍ
أَلقَيتَ بَينَ يَدَي سِواكَ بَواكِري
أَو لَو وَجَدَت بِمِثلِ فَضلِكَ عاذِلاً
كانَ الكَمالُ إِذا سَلَوتُكَ عاذِري
لَكِن سَطَوتُ عَلى القَريضِ بِأَسرِهِ
وَغَدَوتُ أَعذَبَ مَنهَلٍ لِلخاطِرِ
فَزَهَوتُ بَينَ مَدارِكٍ وَمَشاهِدٍ
وَسَمَوتُ بَينَ بَصائِرٍ وَبَواصِرِ
أَو كَيفَ لا تَسمو وَمِثلُكَ مَن حَوى
بِأَعَزِّ نَفسٍ كُلِّ خَلقٍ باهِرِ
عَلَمٌ عَلى عَمَلٍ عَلى قَلَمٍ غَدا
في الخَطبِ يَهزَأُ بِالحُسامِ الباتِرِ
وَفَضائِلٌ تَستَنطِقُ الأَفواهُ مِن
كُلِّ البَرِيَّةِ بِالثَناءِ العاطِرِ
عَلامَةَ العُلَماءِ وَالبَحرِ الَّذي
لا يَنتَهي مِثلَ البِحارِ لِآخِرِ
يا أَيُّها العِلمُ الَّذي أَوصافُهُ
أَضحَت رِياضَ قَرائِحٍ وَضَمائِرِ
شَهِدَ الزَمانُ لَنا بِأَنَّكَ فَردُهُ
مِن كُلِّ بادٍ في الأَنامِ وَحاضِرِ
يا أَوحَدَ العَصرِ الَّذي عَقَدَت عَلى
تَقديمِهِ في الفَضلِ خَيرُ خَناصِرِ
لا غَروَ أَن أُهدي إِلَيكَ رَقائِقي
وَأَنا رَقيقُ فَضائِلٍ وَمَآثِرِ
لَيسَ القَريضُ سِوى تَأَثُّرُ خاطِرٍ
مِمّا بِهِ لِلمَرءِ قُرَّةُ ناظِرِ
تُمسي المَحاسِنُ وَهيَ فيهِ بِواعِثٌ
لِلشِعرِ بَينَ مُسَبِّبٍ وَمُباشِرِ
غُرَرٌ عَلى الأَيّامِ لَولاها لَما
لاحَت وُجوهُ الدَهرِ غَيرَ بَواسِرِ
لَم تُبرِحِ الشُعَراءُ صَرعى نَشوَةٍ
بِرَحيقِها مِن سالِفٍ وَمَحاصِرِ
فَإِذا اِنجَلَت في مِثلِ ذاتِكَ مَرَّةً
كُنتُ أُلاحِقُ بِكُلِّ مَقولٍ شاكِرِ
يا مَن غَدا بِعَوارِفٍ وَمَعارِفٍ
يُزري عَلى لَجَجِ العُبابِ الزاخِرِ
أُهديكَ بَعضاً مِن عَقيقِ قَريحَتي
يا بَحرُ لَكِن لا أَقولُ جَواهِري
أَبياتُ إِحسانٍ وَلَيسَ جَميعُها
مِن كُلِّ بَيتٍ بِالمَحاسِنِ عامِرِ
قَد جادَها صَوبَ الصِبا وَبِنَشرِها
نَمَّ الصِبا عَن كُلِّ عُرفٍ زافِرِ
دَرَجَت مَعي أَطوارُ عُمرٍ واصِلٍ
ما جاشَ مِن يَومٍ بِلَيلٍ ساهِرِ
قَد باكَرَتني قَبلَ صادِقِ فَجرِهِ
مُذكُنتُ مِن أَعوامِهِ في العاشِرِ
أَو حَت إِلى قَلبي الهَوى فَشَعَرتُ إِذ
غُصنَ الصَبابَةِ لا يَميلُ لِهاصِرِ
فَمَضَيتُ بَينَ كَمائِلٍ وَمَفاخِرٍ
وَمَشَيتُ بَينَ خَمائِلٍ وَأَزاهِرِ
ما قُلتُ ذا فَخراً وَلا عَجَباً وَما
مِن مُعجِبٍ في نَظمِها أَو فاخِرِ
لَكِن لَتَرفَقَ غَيرَ مَأَمورٍ بِها
فَلَكُم خَطَت طَوراً لِنَيلِ الحاضِرِ
مَكَنتُها بَعدَ النِزاعِ وَكَم حَكَت
قَلَقَ القِداحِ بَدَت بِكَفَّي ياسِرِ
حَتّى أَتَت مِن بَعدِ تَربِيَتي لَها
حَسبي وَأَن لَم تَغدُ مِلءَ مَحاجِري
عَوَّضتُ ما خَسِرتُهُ مِن حُسنٍ بِما
رُفِعَت إِلَيكَ فَلَم أَكُن بِالخاسِرِ
فَكُنِ الوَصِيَّ عَلى يَتامى ناظِمٍ
وَبَناتِ فِكرٍ في ثَناكَ قَواصِرِ
أَهدَيتُها لا كَي تَليقُ وَطالَما
قَبلُ الكَبيرُ هَدِيَّةً مِن صاغِرِ
هِيَ دونَ ما يُهدي إِلَيكَ وَإِنَّما
مِثلي عَلى ما فاقَ لَيسَ بِقادِرِ