ليعو سربروس في الدروب
ليعو سربروس في الدروب المؤلف: بدر شاكر السياب |
ليعو سربروس في الدروب
في بابل الحزينة المهدمة
و يملأ الفضاء زمزمه
يمزق الصغار بالنيوب يقضم العظام
و يشرب القلوب
عيناه نيزكان في الظلام
و شدقه الرهيب موجتان من مدى
تخبئ الردى
أشداقه الرهيبة الثلاثة احتراق
يؤجّ في العراق
ليعو سربروس في الدروب
و ينبش التراب عن إلهنا الدفين
تموزنا الطعين
يأكله يمص عينيه إلى القرار
يقصم صلبه القوي يحطم الجرار
بين يديه ينثر الورود و الشقيق
أواه لو يفيق
إلهنا الفتيّ لو يبرعم الحقول
لو ينثر البيادر النضار في السهول
لو ينتضي الحسام لو يفجر الرعود و البروق و المطر
و يطلق السيول من يديه آه لو يؤوب
لحافنا التراب فوقه من القمر
دم و من نهود نسوة العراق طين
و نحن إذ نبضّ من مغاور السنين
نرى العراق يسأل الصغار في قراه
ما القمح ما الثمر
ما الماء ما المهود ما الإله ما البشر
فكل مانراه
دم يتر أو حبال فيه أو حفر
أكانت الحياة
أحب أن تعاش و الصغار آمنين
أكانت الحقول تزهر
أكانت السماء تمطر
أكانت النساء و الرجال مؤمنين
بأنّ في السماء قوة تدبر
تحسّ تسمع الشكاة تبصر
ترقّ ترحم الضّعاف تغفرالذنوب
أكانت القلوب
أرق و النفوس بالصفاء تقطر
و أقبلت إلهة الحصاد
رفيقة الزهور و المياه و الطيوب
عشتار ربّة الشمال و الجنوب
تسير في السهول و الوهاد
تسير في الدروب
تلقط منها لحم تموز إذا انتثر
تلمه في سله كأنه الثمر
لكنّ سربروس بابل الجحيم
يحب في الدروب خلفها و يركض
يمزق النعال في أقدامها يعضعض
سيقانها اللدان ينهش اليدين أو يمزّق الرداء
يلوث الوشاح بالدم القديم
يمزج الدم الجديد بالعواء
ليعو سربروس في الدروب
لينهش الألهة الحزينة الألهة المروّعة
فإن من دمائها ستخضب الحبوب
سينبت الإله فالشرائح الموزّعة
تجمعت تململت سيولد الضياء
من رحم ينزّ بالدماء