قال صاحب الكتاب أوّل من ملك العالم كيومرث. و كان قد سخر اللّه له جميع الجن و الانس، و خصه من عنايته بمزيد القوّة و الشهامة، و ورعة الجلالة و بهاء المنظر. و هو أوّل من لبس جلود السباع. و كان كل يوم يحضر الجن و الانس ببابه و يصطفون صفوفا على رسم الخدمة له. و رزقه اللّه تعالى ابنا كان يسمى سِيامك يرى الدنيا بعينه، و يربيه بين سحره و نحره. فلما ترعرع و استكمل أسباب السلطنة ظهر له عدو من الجن يرصده بالغوائل قاصدا إهلاكه. فأرسل اللّه تعالى ملكا الى أبيه فأخبره بذلك.
قتل سيامك بيد الأهرمن
فلما أحسن سِيامك بذلك اغتاظ و استشاط و احتشد لمحاربة عدوّه الجنى، و لبس جلد النمر، و أصحر للمقابلة و الملاقاة. فلما قرب منه أنشب الجنى فى صدره مخالبه، و شق عن مقر روحه ترائبه، و جدّ له فى الأرض قتيلا، فلم يغن عنه ملكه و لا ملك أبيه فتيلا. فلما علم كيومرث بذلك خر عن سرير الملك متململا يتقلب فى التراب، يضرب صدره، و ينتف شعره، و يفجر ينابيع الدماء من محاجره، و يصعد نيران الزفير عن حناجره. و قامت القيامة على الخلق فانثالوا على حضرته للغراء و عقد المأتم. فبقى على تلك الحالة من الجزع حتى انقضت سنة كاملة. فجاء الملك و عزاه و أمره أن يقصر من جزعه، و يتأهب للانتقام و الطلب بثار ابنه.
ذهاب هوشنغ و كيومرث لحرب الأهرمن
و كان للمقتول ابن يسمى هوشنغ يتفرّس فيه مخايل الملك. فدعاه و جعله ولى عهده و أوصى اليه فى جميع أموره، و ولاه زعامة جيشه. و نهض نحو العدوّ فأظفره اللّه تعالى به، و كنه منه، حتى أدرك الثار المنيم بسفك دمه، و الاقتصاص منه لقرّة عينه. و حين استشفى كيومرث أشفى على الموت فاخترم بعد استيفاء ثلاثين سنة من ملكه. و لكل أمد محدود و أجل معلوم، و لا يبقى إلا ملك الواحد القيوم.