الرئيسيةبحث

كيقباد


ملك كيقباد مائة عام

ثم نصبوا تختا و تسنمه كيقباد معتصبا بالتاج. و اصطف حواليه الأمراء و القوّاد يهنئونه و ينثرون النثارات عليه. فسائلهم عن أفراسياب و حاله. و ركب فى اليوم الثانى للقتال و ارتجت الآفاق بخفق الكوسات. و تدجج رستم مظاهرا بين لبوس الحرب، و تصدّى كالليث الكاشر للطعن و الضرب. و اصطف الإيرانيون و تعبوا للحرب ميامن و مياسر، و مقانب و مناسر. فوقف مِهراب فى أحد الجانبين، و وقف كزدَهَم فى الجانب الآخر، و وقف قارَن مع كِشواذ فى القلب، و وقف وراءهم الملك كيقباد مع زال يخفق على رأسه درفشه الميمون و الواؤه المنصور.

فصارت الأرض كأنها تمور، و الجبال كأنها تسير. و فركض قارن و برز من الصف كالهزبر الصائل، و جعل يحمل على الميمنة تارة و على الميسرة أخرى.

حرب رستم لأفراسياب

فلما رأى رستم تعطفه فى جولانه، و مطاردته لأقرانه أتى أباه و سايله عن أفراسياب و عن مقامه الذى يقوم فيه، و استوصفه صفة ملبسه و رايته، و قال: إنى حامل عليه و أخذ له. فقال له أبوه: لا تخض اليوم هذه الغمرة، و كن على حذر منه. فانه لا طاقة لك بمقاومة الثعبان الثائر.

ثم قال: إن شعاره هو السواد و له راية سواد و عليه خفتان أسود، على رأسه مغفر عليه علاقة سوداء.

فقال رستم: لا بأس عليك فإن اللّه معاضدى، و الجد مساعدى.

ثم حمل و برز الى فضاء المعركة. فرآه أفراسياب فتعجب من شكله و قالبه، و تشمره. و سأل عنه فأخبر بأنه ابن دستان بن سام.

فقصد أفراسياب و تداينا و تواقفا. فوثب عليه رستم، و أخذ بمعاقد منطقته، و اقتلعه من سرجه فانقطعت سيور منطقته، و وقع إلى الأرض. فأحاطت به فرسان أصحابه و حموه منه.

فبلغ الخبر بذلك الى كيقباد فحمل بصفوفه المرصوصة عليهم حملة ضعضعت أركانهم، و أدحضت أقدامهم. فمنحوهم الأكتاف، و ولوا منهزمين، و تفرّقوا طرائق قددا أجمعين. و قتل ألف و مائة و ستون من أعيان التورانية و وجوده قوّادهم ، و رتوت أمرائهم.


ذهاب أفراسياب إلى أبيه بشنك

و نكص أفراسياب فى لله الى دامغان و منها الى جيحون. ثم عبر و توجه نحو أبيه بشنك. فلما مثل بين يديه سرد عليه جميع أحوال الوقعة، و وصف قوّة الإيرانية و قلة ثبات التورانية بين أيديهم. و قال: الصواب أن نغتنم السلامة منهم، و ننفد الرسل إليهم جانحين الى السلم. ثم طفق يعتذر الى أبيه من سبق السيف العذل فى قتل إغريرث أخيه، و يسأله العفو و الصفح.


عرض بشنك الصلح على كيقباد و رفض رستم له

و نفذ أحد دهاة حضرته و كفاة دولته رسولا الى كيقباد، و كتب إليه كتايا افتتحه بمحمد اللّه و الثناء عليه. ثم أثنى على أفريدون و ذكر أنه كان جرثومة الجلال، و متشعب أغصان المجد و الإقبال. و ذكر فيه أن توران و إن كان ظلم إيرج فإن منوجهر انتقم له و أدرك ثاره. و قد كان أفريدون قبل ذلك قد قسم الممالك قسمة عادلة.

و الأخرى بنا أن نتبعه و نقتدى به فى ذلك و لا نحيد عن مقتضاه. فيكون جيحون حاجزا بين المملكتين و يكون ما وراءه للتورانية كما كان فى عهد إيرج، و ما هو من جانبه الآخر للإيرانية، و مقتضى العقل أن نتراضى بهذه القسمة، و لا نتعنى فى محاولة غيرها. إن اقتضى رأى الملك كيقباد أن يغمد سيف الخلاف، و تحسم مادة الشر، و يصالحنا عن ذلك حتى يأمن العالم و تنقطع الفتن فعل.

فلما وصل الرسول الى كيقباد و قرأ الكتاب قال: إنكم تعلمون أنا لم نسارع قط إلى الشربادئين، و لم نور زناد الحرب لا فى هذا الزمان و لا قبله ظالمين. أما فى عهد أفريدون فقد كان تور بادئا بقتل إيرج. و أما الآن فلا يخفى أن أفراسياب هجم هذه البلاد، و فعل ما فعل بنوذر، و أقدم على قتل أخيه أغريرث.

ثم إنكم إن ندمتم على ما قدّمتم من سوء الصنيع و مستهجن الفعال، و جنحتم الى السلم و المكافة رعاية لمصلحة الكافة أغضينا عما سلف، و تجاوزنا عما فرط، و وافقنا كم على أن يكون ماوراءالنهر لكم و ما دونه لنا.

و كتبوا بذلك عهدا، و أبرموا أمره عقدا. فأتى رستم الملك كيقباد و أنكر عليه الصلح. و قال: هلا كان ذلك منهم قبل هذه الوقعة! و الآن فالرأى أن نجوس ديارهم، و نستبيح أموالهم و دماءهم. فقال الملك: إنا لم نر أحمد مغبة من العدل، و لا أحسن عاقبة من الإنصاف. فإذ طلب بشنك مصالحتنا و موادعتنا فحقيق بنا أن نجيبه الى ما طلب.

و قد تقدّمنا بأن يكتب لك عهد على ممالك زابلستان الى بحر السند. فانهض اليها و تسنم سرير الملك بها، و سلِّم بلاد كابل الى مِهراب . و خلَع عليه خلعة عظيمة مشتملة على التاج و المنطقة و غير ذلك من الملابس الفاخرة، و ولاده ذلك الإقليم.

و ذكر دستان و أثنى عليه و قال إنه بقية الملوك الماضين. و أمر فأعدّوا تاجا من الذهب و منطقة مرصعة بالجواهر، و أحضروا خمسة من الفيلة العظام، و أوقروها بالذهب و الفضة.

و أمر بحمل الكل اليه. و أمر لجميع الملوك، و الأمراء، مثل قارنَ و كِشواذ و برزين و خرّاذ بنفائس الخلع، و طرائف التحف، على اختلاف مراتبهم.

مجيء كيقباد إلى إصطخر من بلاد فارس

ثم سار فى جحافله الى بلاد فارس، و كانت اصطخر دار الملك فى ذلك العهد. فصار اليها و ألقى بها عصا التسيار، فقصده الخلائق من جميع الأقطار. و توفر على تمهيد قواعد الأمن و الأمان، و تشييد مبانى العدل و الاحسان. فطاب عيش الناس فى زمانه، و أقاموا فى ظلال النعم وادعين آمنين. و كان له أربع بنين كيكاوس و كيآرَش و كينشين و كيأرشِش .

فلما أتى عليه مائة سنة من ملكة تبدّت له طلائع المنون، فدعا بأكبر أولاده: كيكاوس، و سلم اليه التاج و التخت و استخلفه،) و أمره باكتساب محامد السير و التحلى بمكارم الشيم ثم مضى لسبيله.