الرئيسيةبحث

كتاب جماع العلم/كتاب إبطال الاستحسان

كتاب إبطال الاستحسان


الحمد لله على جميع نعمه بما هو أهله وكما ينبغي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله بعثه بكتاب عزيز: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} فهدى بكتابه، ثم على لسان نبيه -ﷺ- بما أنعم عليه وأقام الحجة على خلقه: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وقال: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة} وقال: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} وفرض عليهم اتباع ما أنزل عليه وسن رسوله لهم فقال: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله} فاعلم أن معصيته في ترك أمره وأمر رسوله ولم يجعل لهم إلا اتباعه، وكذلك قال لرسوله -ﷺ- فقال: {ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله} مع ما أعلم نبيه بما فرض من اتباع كتابه فقال: {فاستمسك بالذي أوحي إليك} وقال: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} وأعلمهم أنه أكمل لهم دينهم فقال عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} وأبان الله عز وجل لخلقه أنه تولى الحكم فيما أثابهم وعاقبهم عليه على ما علم من سرائرهم وافقت سرائرهم علانيتهم أو خالفتها وإنما جزاهم بالسرائر فأحبط عمل كل من كفر به، ثم قال تبارك وتعالى فيمن فتن عن دينه: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} فطرح عنهم حبوط أعمالهم والمأثم بالكفر إذا كانوا مكرهين وقلوبهم على الطمأنينة بالإيمان وخلاف الكفر وأمر بقتال الكافرين حتى يؤمنوا وأبان ذلك جل وعز حتى يظهروا الإيمان، ثم أوجب للمنافقين إذا أسروا نار جهنم فقال: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} وقال: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة} يعني والله تعالى أعلم من القتل فمنعهم من القتل ولم يزل عنهم في الدنيا أحكام الإيمان مما أظهروا منه وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار لعلمه بسرائرهم وخلافها لعلانيتهم بالإيمان فأعلم عباده مع ما أقام عليهم من الحجة بأن ليس كمثله أحد في شيء إن علمه بالسر والعلانية واحد فقال تعالى ذكره: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} وقال عز وعلا: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} مع آيات أخر من الكتاب.

[قال الشافعي]: فعرف جميع خلقه في كتابه أن لا علم إلا ما علمهم فقال عز وجل: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} وقال: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}.

[قال الشافعي]: ثم من عليهم بما آتاهم من العلم وأمرهم بالاقتصار عليه وأن لا يتولوا غيره إلا بما علمهم وقال لنبيه -ﷺ-: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} وقال عز وجل لنبيه -ﷺ-: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} وقال لنبيه: {قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم}، ثم أنزل على نبيه أن قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يعني والله أعلم ما تقدم من ذنبه قبل الوحي وما تأخر أن يعصمه فلا يذنب فعلم ما يفعل به من رضاه عنه وأنه أول شافع ومشفع يوم القيامة وسيد الخلائق وقال لنبيه -ﷺ-: {ولا تقف ما ليس لك به علم} (وجاء النبي -ﷺ- رجل في امرأة رجل رماها بالزنا فقال له يرجم فأوحى الله إليه آية اللعان فلاعن بينهما) وقال الله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} وقال: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام} الآية. وقال لنبيه: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها} فحجب عن نبيه علم الساعة وكان من جاور ملائكة الله المقربين وأنبياءه المصطفين من عباد الله أقصر علما من ملائكته وأنبيائه لأن الله عز وجل فرض على خلقه طاعة نبيه ولم يجعل لهم بعد من الأمر شيئا وأولى أن لا يتعاطوا حكما على غيب أحد لا بدلالة ولا ظن لتقصير علمهم عن علم أنبيائه الذين فرض الله تعالى عليهم الوقف عما ورد عليهم حتى يأتينهم أمره فإنه جل وعز ظاهر عليهم الحجج فيما جعل إليهم من الحكم في الدنيا بأن لا يحكموا إلا بما ظهر من المحكوم عليه وأن لا يجاوزوا أحسن ظاهره ففرض على نبيه أن يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا وأن يحقن دماءهم إذا أظهروا الإسلام، ثم بين الله، ثم رسوله أن لا يعلم سرائرهم في صدقهم بالإسلام إلا الله فقال عز وجل لنبيه: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} [قرأ الربيع] إلى قوله: {فلا ترجعوهن إلى الكفار} يعني والله تعالى أعلم بصدقهن بإيمانهن قال: {فإن علمتموهن مؤمنات} يعني ما أمرتكم أن تحكموا به فيهن إذا أظهرن الإيمان لأنكم لا تعلمون من صدقهن بالإيمان ما يعلم الله فاحكموا لهن بحكم الإيمان في أن لا ترجعوهن إلى الكفار: {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن}.

[قال الشافعي]: ثم أطلع الله رسوله على قوم يظهرون الإسلام ويسرون غيره ولم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا فقال لنبيه -ﷺ-: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} الآية.

[قال الشافعي]: أسلمنا يعني أسلمنا بالقول بالإيمان مخافة القتل والسباء، ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا الله ورسوله يعني إن أحدثوا طاعة رسوله وقال له في المنافقين وهم صنف ثان: {إذا جاءك المنافقون} إلى: {اتخذوا أيمانهم جنة} يعني والله تعالى أعلم أيمانهم بما يسمع منهم من الشرك بعد إظهار الإيمان جنة من القتل وقال في المنافقين: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم} الآية. فأمر بقبول ما أظهروا ولم يجعل لنبيه أن يحكم عليهم خلاف حكم الإيمان، وكذلك حكم نبيه -ﷺ- على من بعدهم بحكم الإيمان وهم يعرفون أو بعضهم بأعيانهم منهم من تقوم عليه البينة بقول الكفر ومنهم من عليه الدلالة في أفعاله فإذا أظهروا التوبة منه والقول بالإيمان حقنت عليهم دماؤهم وجمعهم ذكر الإسلام وقد أعلم الله رسوله -ﷺ- أنهم في الدرك الأسفل من النار فقال: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} فجعل حكمه عليهم جل وعز على سرائرهم وحكم نبيه عليهم في الدنيا على علانيتهم بإظهار التوبة وما قامت عليه بينة من المسلمين بقوله وما أقروا بقوله وما جحدوا من قول الكفر مما لم يقروا به ولم تقم به بينة عليهم وقد كذبهم على قولهم في كل، وكذلك أخبر رسول الله -ﷺ- عن الله عز وجل.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار: (أن رجلا سار النبي -ﷺ- فلم ندر ما ساره حتى جهر رسول الله -ﷺ- فإذا هو يشاوره في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله -ﷺ- أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال بلى ولا شهادة له فقال أليس يصلي؟ قال بلى ولا صلاة له فقال له رسول الله -ﷺ- أولئك الذين نهاني الله تعالى عنهم) أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أسامة بن زيد قال شهدت من نفاق عبد الله بن أبي ثلاثة مجالس أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله -ﷺ- قال: (لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله).

[قال الشافعي]: فأعلم رسول الله -ﷺ- أن فرض الله أن يقاتلهم حتى يظهروا أن لا إله إلا الله فإذا فعلوا منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها يعني إلا بما يحكم الله تعالى عليهم فيها وحسابهم على الله بصدقهم وكذبهم وسرائرهم والله العالم بسرائرهم المتولي الحكم عليهم دون أنبيائه وحكام خلقه وبذلك مضت أحكام رسول الله -ﷺ- فيما بين العباد من الحدود وجميع الحقوق وأعلمهم أن جميع أحكامه على ما يظهرون وأن الله يدين بالسرائر. أخبرنا مالك عن هشام بن عروة: (وجاء رسول الله -ﷺ- العجلاني وهو أحيمر سبط نضو الخلق فقال يا رسول الله رأيت شريك ابن السحماء يعني ابن عمه وهو رجل عظيم الأليتين أدعج العينين حاد الخلق يصيب فلانة يعني امرأته وهي حبلى وما قربتها منذ كذا فدعا رسول الله -ﷺ- شريكا فجحد ودعا المرأة فجحدت فلاعن بينها وبين زوجها وهي حبلى، ثم قال ابصروها، فإن جاءت به أدعج عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمرا كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب فجاءت به أدعج عظيم الأليتين فقال رسول الله -ﷺ- فيما بلغنا إن أمره لبين لولا ما قضى الله) يعني أنه لمن زنا لولا ما قضى الله من أن لا يحكم على أحد إلا بإقرار أو اعتراف على نفسه لا يحل بدلالة غير واحد منهما وإن كانت بينة. وقال: (لولا ما قضى الله لكان لي فيهما قضاء غيره) ولم يعرض لشريك ولا للمرأة والله أعلم وأنفذ الحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب، ثم علم بعد أن الزوج هو الصادق.

[قال الشافعي]: أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن: (ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية ألبتة، ثم أتى إلى النبي -ﷺ- فقال يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة ألبتة والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي -ﷺ- لركانة والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه النبي -ﷺ- فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان رضي الله عنهما).

[قال الشافعي]: وفي جميع ما وصفت ومع غيره مما استغنيت بما كتبت عنه مما فرض الله تعالى على الحكام في الدنيا دليل على أن حراما على حاكم أن يقضي أبدا على أحد من عباد الله إلا بأحسن ما يظهر وأخفه على المحكوم عليه وإن احتمل ما يظهر منه غير أحسنه كانت عليه دلالة بما يحتمل ما يخالف أحسنه وأخفه عليه أو لم تكن لما حكم الله في الأعراب الذين قالوا آمنا وعلم الله الإيمان لم يدخل في قلوبهم وما حكم الله تعالى به في المنافقين الذين أعلم الله أنهم آمنوا ثم كفروا وأنهم كذبة بما أظهروا من الإيمان وبما قال رسول الله -ﷺ- في المتلاعنين حين وصف قبل أن تلد إن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق فجاء به على الوصف الذي قال النبي -ﷺ- لزوجها فلا أراه إلا قد صدق. وقال رسول الله -ﷺ-: (إن أمره لبين) أي لقد زنت وزنى بها شريك الذي رماه زوجها بالزنى، ثم لم يجعل الله إليهما سبيلا إذا لم يقرا ولم تقم عليهما بينة وأبطل في حكم الدنيا عليهما استعمال الدلالة التي لا يوجد في الدنيا دلالة بعد دلالة الله على المنافقين والأعراب أقوى مما أخبر رسول الله -ﷺ- في مولود امرأة العجلاني قبل يكون، ثم كان كما أخبر رسول الله -ﷺ- والأغلب على من سمع: (الفزاري يقول للنبي -ﷺ- إن امرأتي ولدت غلاما أسود وعرض بالقذف أنه يريد القذف، ثم لم يحده النبي -ﷺ-) إذ لم يكن التعريض ظاهر قذف فلم يحكم النبي -ﷺ- عليه حكم القاذف والأغلب على من سمع قول ركانة لامرأته أنت طالق ألبتة أنه يعقل أنه قد أوقع الطلاق بقوله طالق وأن ألبتة إرادة شيء غير الأول أنه أراد الإبتات بثلاث ولكنه لما كان ظاهرا في قوله واحتمل غيره لم يحكم رسول الله -ﷺ- إلا بظاهر الطلاق وذلك واحدة.

[قال الشافعي]: فمن حكم على الناس بخلاف ما ظهر عليهم استدلالا على أن ما أظهروا يحتمل غير ما أظهروا بدلالة منهم أو غير دلالة لم يسلم عندي من خلاف التنزيل والسنة وذلك أن يقول قائل من رجع عن الإسلام ممن ولد على الإسلام قتلته ولم أستتبه ومن رجع عنه ممن لم يولد على الإسلام استتبته ولم يحكم الله تعالى على عباده إلا حكما واحدا مثل أن يقول من رجع عن الإسلام ممن أظهر نصرانية أو يهودية أو دينا يظهر كالمجوسية استتبته، فإن أظهر التوبة قبلت منه ومن رجع إلى دين يخفيه لم أستتبه.

[قال الشافعي]: وكل قد بدل دينه دين الحق ورجع إلى الكفر فكيف يستتاب بعضهم ولا يستتاب بعض وكل باطل، فإن قال لا أعرف توبة الذي يسر دينه. قيل ولا يعرفها إلا الله وهذا مع خلافه حكم الله ثم رسوله كلام محال يسأل من قال هذا هل تدري لعل الذي كان أخفى الشرك يصدق بالتوبة والذي كان أظهر الشرك يكذب بالتوبة؟، فإن قال نعم قيل فتدري لعلك قتلت المؤمن الصادق بالإيمان واستحييت الكاذب بإظهار الإيمان، فإن قال ليس علي إلا الظاهر قيل فالظاهر فيهما واحد وقد جعلته اثنين بعلة محالة والمنافقون على عهد رسول الله -ﷺ- لم يظهروا يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية بل كانوا يستسرون بدينهم فيقبل منهم ما يظهرون من الإيمان فلو كان قائل هذا القول حين خالف السنة أحسن أن يعتل بشيء له وجه ولكنه يخالفها ويعتل بما لا وجه له كأنه يرى النصرانية واليهودية لا تكون إلا بإتيان الكنائس. أرأيت إذا كانوا ببلاد لا كنائس فيها أما يصلون في بيوتهم فتخفى صلاتهم على غيرهم؟ قال وما وصفت من حكم الله، ثم حكم رسوله -ﷺ- في المتلاعنين إن جاءت به المتلاعنة على النعت المكروه يبطل حكم الدلالة التي هي أقوى من الذرائع فإذا أبطل الأقوى من الدلائل أبطل له الأضعف من الذرائع كلها وأبطل الحد في التعريض بالدلالة. فإن من الناس من يقول: إذا تشاتم الرجلان فقال أحدهما ما أبي بزان ولا أمي بزانية حد لأنه إذا قاله على المشاتمة فالأغلب إنما يريد به قذف أم الذي يشاتم وأبيه وإن قاله على غير المشاتمة لم أحده إذا قال لم أرد القذف مع إبطال رسول الله -ﷺ- حكم التعريض في حديث الفزاري الذي ولدت امرأته غلاما أسود، فإن قال قائل فإن عمر حد في التعريض في مثل هذا قيل واستشار أصحابه فخالفه بعضهم ومع من خالفه ما وصفنا من الدلالة ويبطل مثله من قول الرجل لامرأته أنت طالق ألبتة لأن طالق إيقاع طلاق ظاهر والبتة تحتمل زيادة في عدد الطلاق وغير زيادة فعليه الظاهر والقول قوله في الذي يحتمل غير الظاهر حتى لا يحكم عليه أبدا إلا بظاهر، ويجعل القول قوله في غير الظاهر قال وهذا يدل على أنه لا يفسد عقد أبدا إلا بالعقد نفسه لا يفسد بشيء تقدمه ولا تأخره ولا بتوهم ولا بأغلب، وكذلك كل شيء لا تفسده إلا بعقده ولا نفسد البيوع بأن يقول هذه ذريعة وهذه نية سوء ولو جاز أن نبطل من البيوع بأن يقال متى خالف أن تكون ذريعة إلى الذي لا يحل كان أن يكون اليقين من البيوع بعقد ما لا يحل أولى أن يرد به من الظن ألا ترى أن رجلا لو اشترى سيفا ونوى بشرائه أن يقتل به كان الشراء حلالا وكانت النية بالقتل غير جائزة ولم يبطل بها البيع. قال، وكذلك لو باع البائع سيفا من رجل يراه أنه يقتل به رجلا كان هكذا، وكذلك لو اشترى فرسا وهو يراها عقوقا فقال هو والله ما اشتريتها بمائة إلا لعقاقها وما تسوى لولا العقاق خمسين وقال البائع ما أردت منها العقاق لم يفسد البيع بهذه النية إذا انعقدت صفقة البيع على الفرس ولم يشترط فيها العقاق ولو اشترط فيها العقاق فسد البيع لأنه بيع ما لا يدري أيكون أو لا يكون ألا ترى لو أن رجلا شريفا نكح دنية أعجمية، أو شريفة نكحت دنيا أعجميا فتصادقا في الوجهين على أن لم ينو واحد منهما أن يثبتا على النكاح أكثر من ليلة لم يحرم النكاح بهذه النية لأن ظاهر عقدته كانت صحيحة إن شاء الزوج حبسها وإن شاء طلقها فإذا دل الكتاب ثم السنة ثم عامة حكم الإسلام على أن العقود إنما يثبت بالظاهر عقدها ولا يفسدها نية العاقدين كانت العقود إذا عقدت في الظاهر صحيحة أولى أن لا تفسد بتوهم غير عاقدها على عاقدها ثم، سيما إذا كان توهما ضعيفا والله تعالى أعلم.