كتاب المناظر المؤلف: ابن الهيثم |
وإذا رد الجسم الأبيض وسد به الثقب الخارج ظهر الضوء على الجسم الذي في داخل البيت. ثم إن تحري المعتبر المسافة المستقيمة التي بين الثقب القائم وبين الثقب الذي في الحائط فيقطعها بجسم كثيف نقي البياض في أي المواضع شاء من المسافة التي بينهما من خارج الثقب وكان الضوء مشرقاً على هذا الجسم فإن الضوء يظهر على الجسم الذي في داخل البيت. وإن تحرى المعتبر المسافة المستقيمة التي بين طرف الثقب القائم من داخل البيت وبين الجسم الذي يظهر عليه الضوء فقطعها بجسم كثيف في أي موضع شاء منها فإن الضوء يبطل من الجسم الأول ويظهر على الجسم الثاني. فمن الاعتبار بظهور الضوء على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عند كون الجسم المضيء بالضوء العرضي في الثقب الذي في الحائط الأبيض وبطلان الضوء من هذا الجسم الكثيف عند رفع الجسم المضيء الذي في الثقب ويتبين أن الضوء الذي يظهر في داخل البيت على الجسم الكثيف المقابل للثقب له إنما هو ضوء يرد إليه من الضوء الذي في ذلك الجسم المضيء الذي في الثقب وانه ليس يرد إليه في تلك الحال ضوء إلا من ذلك الجسم فقط. ومن الاعتبار بظهور الضوء على الجسم الكثيف الذي فيداخل البيت عند حصول الجسم المضيء في مقابلته على الاستقامة في وقت كونه في الثقب الذي في الحائط وعند كونه في أي المواضع كان من المسافة المستقيمة التي بين الثقبين من خارج البيت وبطلان الضوء الذي على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عند رفع الجسم المضيء المقابل له مع وجود الضوء على بقية الحائط الأبيض وفي جميع الهواء المضيء بضوء النهار المتصل بالهواء الذي في الثقب وعلى كثير من الجدران المضيئة التي بينها وبين الثقب القائم هواء متصل يتبين أن الضوء الذي يصدر عن الضوء العرضي ليس يصدر إلا على سمت مستقيم: لأن بين الجسم الكثيف الذي في داخل البيت الذي يظهر عليه الضوء وبين بقية الحائط الأبيض المضيء بضوء النهار وبين كثير من الجدران المضيئة وبين الهواء المضيء بضوء النهار مسافات كثيرة بلا نهاية منحنية ومنعرجة ومقوسة متصلة بين الجسم الكثيف الذي في داخل البيت وبين هذه المواضع يصح أن تمتد في الهواء المتصل بينه وبين المواضع ولم يبطل عند رفع الجسم الأبيض المقابل للثقب إلا الضوء الذي عند أطراف المسافات المستقيمة فقط التي بين وأيضاً فإن المعتبر إذا تأمل الضوء الذي يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عند حصول الجسم الأبيض مقابلاً له وجده أضعف من الضوء العرضي الذي في الجسم الخارج المقابل له. ثم إذا باعد المعتبر هذا الجسم الكثيف عن الثقب على سمت المقابلة فإنه يجد الضوء الذي يظهر عليه إذا بعد عن الثقب قد ضعف. وكلما ازداد بعداً عن الثقب ازداد الضوء الذي يظهر عليه ضعفاً. وإذا اعتبر المعتبر جميع هذه المعاني فليسد الثقب القائم ويفتح الثقب المائل ويسود سطح داخل الثقب المائل ويقابله بالجسم الكثيف ويسد الثقب الذي في الحائط الأبيض: فإنه يجد الضوء يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت.
وكذلك إن قطه المسافة المستقيمة التي بين الثقب الذي في الحائط وبين الثقب المائل بالجسم الأبيض في أي موضع شاء منها وكان الضوء مع ذلك مشرقاً على ذلك الجسم الأبيض فإنه يجد الضوء يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت. ثم إذا رفع الجسم الأبيض المضيء المقابل للثقب المائل من خارج الضوء يبطل من الجسم الكثيف الذي في داخل البيت ولا يظهر عليه شيء من الضوء. وإذا أعاد الجسم الأبيض إلى الثقب المقابل أو إلى المسافة المستقيمة التي بينه وبين الثقب المائل عاد الضوء إلى الجسم الكثيف الذي في داخل البيت كمثل الحال في الثقب القائم. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر على الجسم الكثيف الذي في داخل البيت المقابل للثقب المائل ليس يرد إلا على سمت الاستقامة وأنه ليس يرد إليه إلا من الجسم المقابل له فقط. فإن باعد المعتبر الجسم الكثيف الذي في داخل البيت عن الثقب المائل أيضاً عند اعتبار هذا الثقب وجد الضوء الذي يظهر عليه يضعف وكلما بعد عن الثقب ازداد الضوء الذي عليه ضعفاً. ثم ينبغي للمعتبر أن يفتح الثقبين جميعاً القائم والمائل في وقت واحد ويقابل كل واحد منهما بجسم كثيف أبيض ويسد الثقب الذي في الحائط بالجسم الأبيض: فإنه يجد الضوء يظهر على الجسمين جميعاً المقابلين للثقبين القائم والمائل في وقت واحد. وقد تبين أن كل واحد من هذين الموضعين ليس يرد إليه ضوء عند كون الجسم المضيء في الثقب إلا من هذا الجسم بعينه فقط إذا كان الهواء الذي بينه وبين كل واحد من الثقبين القائم والمائل متصلاً لا يقطعه شي من الأجسام الكثيفة. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر في داخل البيت في الموضعين جميعاً في وقت واحد إنما هو ضوء يرد إلى الموضعين جميعاً معاً من ذلك الجسم المضيء المقابل لهما الذي في الثقب.
وكذلك إن ثقب المعتبر في الخشبة الموضوعة عدة ثقوب كل واحد منها مقابل للثقب الذي في الحائط الأبيض وعلى النسبة التي تقدم ذكرها وفتح جميع الثقوب وقابل جميعها بجسم كثيف فسيح وجد على ذلك الجسم أضواء بعدد الثقوب في وقت واحد ويكون كل واحد من تلك الأضواء مقابلاً لذلك الجسم المضيء الذي في الثقب الخارج على سمت الاستقامة. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء يشرق من ذلك الجسم المضيء بضوء النهار في جميع الجهات التي تقابله على سموت مستقيمة وإن إشراق الضوء منه في جميع الجهات معاً ودائماً ما دام مضيئاً. وإذا تحرر للمعتبر هذا المعنى من ضوء النهار يراعي حينئذ الموضع إلى أن يشرق ضوء الشمس على ذلك الحائط فيعتبره على الوجوه التي تقدمت فإنه يجد الحال في ضوء الشمس كمثل الحال في ضوء النهار إلا أنه يجد الضوء الذي يرد من ضوء الشمس أقوى وأبين.
وكذلك إذا اعتبر ضوء القمر وجده على هذه الصفة وكذلك إذا اعتبر ضوء النار وجده على هذه الصفة أيضاً. فإذا أراد ضوء النار فليعتمد ناراً قوية ويقابل بها الحائط الأبيض ليضيء على مثل ما تقدم ويغلق باب البيت الذي فيه الثقبان ولا يترك في البيت شيئاً من الضوء ويعتبر ضوء النار كمثل الاعتبار الذي تقدم: فإنه يجد الضوء يشرق من ضوء النار الذي يظهر على الجسم المسدود به الثقب على مثل إشراق الأضواء ولا يخالفها إلا في القوة فيتبين من جميع هذه الاعتبارات بياناً واضحاً ان الأضواء العرضية التي في الأجسام الكثيفة يشرق منها ضوء في جميع الجهات التي تقابلها وأن إشراق الضوء منها ليس يكون إلا على سموت مستقيمة وأن الضوء الذي يصدر عن الضوء العرضي يكون أضعف منه وكلما بعد من الضوء الذي يصدر ازداد ضعفاً. فلنسم هذه الأضواء أعني الأضواء التي تصدر عن الأضواء العرضية على طريق الانعكاس كما تنعكس عن الأجسام الصقيلة بل إنما تصدر عنها الأضواء الأول الذاتية عن الأجسام المضيئة من ذواتها وما كان من هذه الأجسام صقيلاً أو كانت فيه أجزاء صقيلة وأشرق عليها ضوء ما فإن ذلك الضوء ينعكس منها ومع ذلك يصدر عنها ضوء ثان كما يصدر عن الأجسام المضيئة من ذواتها. فلنبين الآن هذه الحال أيضاً بالاستقراء والاعتبار وذلك كما نصف: يتحرى المعتبر بيتاً يدخل إليه ضوء الشمس من ثقب مقتدر ليس بكل الفسيح ويكون الضوء مع ذلك ينتهي إلى أرض البيت ويراعي دخول ضوء الشمس إلى هذا البيت. فإذا دخل ضوء الشمس وظهر في أرض البيت أغلق الباب ولم يترك للضوء سبيلاً إلى البيت إلا الضوء الذي يدخل من الثقب: فإنه يجد البيت في هذه الحال مضيئاً بذلك الضوء ويجد الضوء في جميع نواحيه ويجد كلما كان من جدران البيت قريباً من ذلك الضوء فإن الضوء الذي ظهر عليه يكون أقوى وكلما كان من الجدار بعيداً فإن الضوء الذي يظهر عيه يكون أضعف. ثم يعتمد المعتبر مكوكاً أو جسماً أجوف فيتلقى به ذلك الضوء ليصير جميع الضوء في داخل ذلك الجسم. فعند هذه الحال يجد البيت مظلماً والضوء الذي كان يظهر على الجدار بطل إلا ما لعله يقابل الضوء الذي في داخل الجسم الأجوف من علو البيت. ثم إذا رفع ذلك الجسم عاد البيت مضيئاً وظهر الضوء على جميع نواحي البيت. فتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر في جميع نواحي البيت إنما هو ضوء ثان يشرق عليه من ضوء الشمس الذي يظهر في أرض البيت. ثم يعتمد المعتبر صفيحة من الفضة ويصقلها حتى تصير كالمرآة. وإنما الاعتبار بالفضة أبين من الاعتبار بالمرايا الحديد لأن المرايا الحديد تكسف الأضواء بألوانها لأن ألوانها مظلمة فلا تكون الأضواء المشرقة عنها بينة إلا المنعكس فقط لقوته وسنبين العلة في ذلك عند كلامنا في الانعكاس. فيضع المعتبر الصفيحة الفضة في موضع ضوء الشمس وليتحر أن يكون على مقدار الضوء أو أوسع منه فإن زاد الضوء عليها ضيق الثقب ليصير جميع الضوء على الصفيحة. فإذا صار الضوء على الصفيحة فإنه يجد الضوء ينعكس عنها إلى موضع واحد مخصوص لأن الانعكاس ليس يكون إلا على زوايا متساوية وسنبين هذا المعنى عند كلامنا في الانعكاس. ويجد هذا الضوء في الجهة المقابلة للجهة التي فيها الشمس ويظهر ضوء هذا الانعكاس على الجدار المقابل للثقب أو على سقف البيت إن كان البيت واسعاً ويجد هذا الضوء قوياً قريب الشبه والقوة من ضوء الشمس وأقوى من جميع الضوء الذي في سائر نواحي البيت ويوجد هذا الضوء محصوراً متناهياً. فإذا ظهر هذا الضوء فليتأمل المعتبر جميع نواحي البيت: فإنه يجده مضيئاً ويجد الضوء الذي فيه أقوى وأبين مما كان من أجل بياض الصفيحة. وليس لذلك الضوء سبب إلا ضوء الشمس الذي هو في هذه الحال على الصفيحة لأنه إذا تلقى هذا الضوء بالجسم الأجوف على الوجه الذي تقدم خفي الضوء الذي في جميع نواحي البيت. وليس يجوز أن ينعكس الضوء عن الصفيحة إلا إلى موضع واحد مخصوص فقط وهو الموضع الذي يظهر فيه ضوء الانعكاس في هذه الحال هو متميز منفرز ومع ذلك أقوى من جميع الضوء الذي في جميع نواحي البيت. فليس الضوء الذي يظهر في جميع نواحي البيت هو ضوء الانعكاس. ثم إن اعتمد المعتبر جسماً كثيفاً أبيض فقربه إلى الصفيحة وقابلها به على التاريب من غير جهة الانعكاس وجد على الجسم الكثيف ضوءاً بيناً. ثم إن بعد هذا الجسم عن الصفيحة ضعف الضوء الذي عليه. وإذا قربه أيضاً قوي الضوء الذي يظهر عليه. وإن أراد الجسم حوالي الصفيحة من جميع جهاتها غير جهة الانعكاس وقابل به الصفيحة وجد الضوء يظهر عليه في جميع الجهات ومع ذلك يجد الضوء المنعكس على حاله. ثم إذا رفع الصفيحة وجد الضوء أيضاً في جميع نواحي البيت لا يبطل منه إلا الضوء المنعكس فقط. وإن جعل في موضع الضوء جسماً أبيض نقي البياض غير صقيل وجد الضوء في جميع نواحي البيت قد قوي وزاد ولا يجد في البيت ضوءاً منعكساً كما كان يجده عن الصفيحة الصقيلة. وإن رفع ذلك الجسم وجعل مكانه جسماً أسود أو مظلماً فإنه يجد الضوء في جميع نواحي البيت قد انكسف وضعف. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء الذي يظهر في جميع نواحي البيت هو ضوء ثان يصدر عن الضوء العرضي الذي حصل في أرض البيت من ضوء الشمس وأن إشراقه على جميع نواحي البيت ليس هو بالانعكاس.
وكذلك إن اعتبر ضوء القمر على هذه الصفة وجده ينعكس ومع ذلك يشرق في جميع الجهات كما يشرق الضوء عن ضوء الشمس الذاتي. وكذلك ضوء النار الذي يشرق على الأرض وعلى الجدار وعلى الأجسام الكثيفة إذا اعتبر وجد الضوء يشرق منه في جميع الجهات التي تقابله ومع ذلك ينعكس عن الأجسام الصقيلة كما ينعكس جميع الأضواء. فيتبين من هذا الاعتبار أن الضوء يشرق عن الأضواء العرضية على سموت مستقيمة في جميع الجهات المقابلة لها كما تشرق الأضواء الذاتية وان هذا الإشراق ليس هو بالانعكاس وان ما كان من هذه الأضواء على الأجسام الصقيلة فإن الضوء يشرق منها في جميع الجهات كما يشرق عن غيرها ومع ذلك ينعكس عنها على الجهة التي تخص الانعكاس وان الضوء الذي ينعكس عن الأجسام الصقيلة يكون أقوى من الضوء الذي يشرق عنها في جميع الجهات. وأيضاً فإنه يلزم في الأضواء العرضية التي تظهر في الأجسام الكثيفة أن يكون كل جزء منها وإن صغر فإن يشرق منه في جميع الجهات وإن تعذر اعتبار الأجزاء الصغار على انفرادها وخفيت أضواؤها عن الحس. لأن كل واحد من هذه الأضواء هو طبيعة واحدة ولا فرق بين الأجزاء الكبار منها وبين الأجزاء الصغار في الكيفية وإنما الفرق بينهما في الكمية فالذي يعرض عن الأجزاء الكبار من جهة كيفيتها يلزم في كيفية صغار الأجزاء ما دامت حافظة لصورة نوعها. فإن لم يظهر ضوء الأجزاء الصغار للحس منفردة أو لم يقدر على تمييزه منفرداً فلقصور الحس عن إدراك ما تناهي في الضعف والصغر. وأريد بأجزاء الضوء العرضي الأضواء التي في وأيضاً فإننا نقول عن الأضواء المنعكسة ليس تمتد من موضع الانعكاس إلا على خطوط مستقيمة. واعتبار هذا المعنى يسهل وذلك بان يعتمد المعتبر في وقت ظهور الضوء المنعكس على موضع من المواضع جسماً كثيفاً فيقطع به المسافة المستقيمة التي بين السطح الصقيل الذي عنه انعكس الضوء وبين الموضع الذي يظهر فيه الضوء المنعكس: فإنه يجد الضوء المنعكس يظهر على الجسم الكثيف الذي قطع به تلك المسافة ويبطل من الموضع الأول.
وإذا حرك الجسم الكثيف في طول المسافة المستقيمة الممتدة بن السطح الصقيل وبين موضع الضوء المنعكس وجد الضوء المنعكس أبداً على الجسم الذي تحرك في تلك المسافة. وإذا أخرج هذا الجسم من المسافة المستقيمة ظهر الضوء في الموضع الأول. وإذا قطع بعض المسافة المستقيمة بجسم صغير بطل جزء من الضوء المنعكس وظهر على ذلك الجسم الصغير ضوء منعكس. وإذا كان موضع الضوء المنعكس قريباً من السطح الصقيل وداخل المعتبر في المسافة المستقيمة التي بينهما ميلاً دقيقاً معترضاً ظهر في الضوء المنعكس ظل ذلك الميل وظهر على الميل ضوء منعكس. وإن حرك الميل في المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله وجد الظل أبداً في مكانه ووجد الضوء المنعكس أبداً على الميل. وإذا اخرج الميل من تلك المسافة عاد الضوء إلى موضع الظل. وقد يمكن أن يحرر المسافة المستقيمة التي بين الميل وبين الظل بمسطرة تمتد فيما بينهما ويحرك الميل في طولهما. وإن جعل المعتبر الميل في جهة غير تلك الجهة من محيط الضوء المنعكس وداخله في الضوء المنعكس وجد حاله أبداً على صفة واحدة اعني انه يجد له ظلاً في الضوء المنعكس.
وإذا حركه في المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله وجد الظل في موضعه. وبين السطح الصقيل وبين موضع الضوء المنعكس مسافات كثيرة منحنية ومنعرجة ومقوسة لا يقطعها شيء من الجسام الكثيفة. فلو كان الضوء ينعكس على غير الخطوط المستقيمة لكان الضوء المنعكس يظهر في موضعه مع قطع المسافة المستقيمة التي بينه وبين السطح الصقيل بالجسم الكثيف. وإذا كان ليس يظهر الضوء في موضع الانعكاس إذا قطعت المسافة المستقيمة التي بينه وبين السطح الصقيل الذي انعكس عنه الضوء بالجسم الكثيف مع اتصال المسافات الباقية ويظهر على الجسم الكثيف من تلك المسافة ظهر الضوء المنعكس في موضعه يتبين من هذه الحال أن الضوء ليس ينعكس عن الجسم الصقيل إلا على الخطوط المستقيمة. وإذا اعتبر المعتبر الأضواء المنعكسة عن الأجسام الصقيلة المختلفة الأشكال والهيئات وجد الضوء ليس ينعكس عن شيء منها على الخطوط المستقيمة. فيتبين من هذا الاعتبار بياناً واضحاً أن الأضواء المنعكسة عن الأجسام الصقيلة ليس تنعكس إلا على خطوط مستقيمة. ويتبين من انعكاس الضوء على الجسم الصقيل إلى موضع مخصوص أن الضوء ليس ينعكس إلا على خطوط مستقيمة مخصوصة لا على جميع الخطوط المستقيمة التي يصح أن تمد من موضع الانعكاس في جميع الجهات. ونقول أيضاً إن الأضواء التي تنفذ في الأجسام المشفة المخالفة الشفيف لشفيف الهواء كالزجاج والماء وأحجار المشفة وما يجري مجراها إذا امتدت بعد نفوذها في هذه الجسام فليس تمتد إلا على خطوط مستقيمة أيضاً. وقد يمكن أن يعتبر هذا المعنى أيضاً بسهولة وذلك يكون بان يعتمد المعتبر جاماً من الزجاج الصافي المشف المستوي السطح أو حجراً من الأحجار المشفة ويقابل به الشمس في موضع يظهر فيه ضوء الشمس على الأرض أو على الجدار: فإنه يجد له ظلاً على الأرض أو الجدار ويجد ضوء الشمس مع ذلك ينفذ في الجسم المشف ويظهر في ظل ذلك الجسم المشف ضوء ما دون ضوء الشمس الصريح. ثم إذا قطع المعتبر المسافة التي بين هذا الظل وبين الجسم المشف بجسم كثيف بطل الضوء النافذ الذي كان يظهر في الظل وظهر على الجسم الكثيف.
وإذا حرك المعتبر ذلك الجسم الكثيف في طول المسافة المستقيمة التي بين موضع الضوء النافذ وبين الجسم المشف وجد الضوء النافذ أبداً على الجسم الكثيف. وإذا خرج الجسم الكثيف من تلك المسافة المستقيمة ظهر الضوء النافذ في الظل. وإن قرب الجسم المشف من موضع الظل وداخل في المسافة المستقيمة التي بين هذا الضوء النافذ وبين الجسم المشف جسماً كثيفاً دقيقاً كالميل وما جرى مجراه ظهر ظل ذلك الجسم الدقيق في الضوء النافذ.
وإذا حرك الجسم الدقيق في المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله وجد الظل أبداً في موضعه. وإن اخرج ذلك الجسم الدقيق من المسافة المستقيمة التي بينه وبين ظله ظهر الضوء في موضع ظله. وإن جعل ذلك الجسم في موضع من المسافة المستقيمة التي بين الضوء النافذ وبين الجسم المشف غير الموضع الأول واعتبره على مثل ما اعتبر في الأول وجد الحال مثل الحالة الأولى. وفيما بين موضع الضوء النافذ في الجسم المشف الظاهر في ظله في حال اعتباره وبين الجسم المشف الذي نفذ فيه الضوء مسافات كثيرة مختلفة منحنية ومقوسة ومنعرجة ليس يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة. فلو كان الضوء النافذ في الجسم المشف يمتد بعد مفارقته للجسم المشف على مسافة غير المسافة المستقيمة لقد كان الضوء النافذ يظهر في الظل مع قطع المسافة المستقيمة بالجسم الكثيف. فإذا كان الضوء يبطل عند قطع المسافة المستقيمة بالجسم الكثيف من هذه المسافة رجع الضوء إلى موضعه دل ذلك على أن الضوء النافذ في الجسم المشف ليس يمتد بعد خرجه من الجسم المشف إلا على خطوط مستقيمة. ويتبين من امتداد الضوء النافذ إلى موضع مخصوص لا إلى جميع المواضع أن الضوء النافذ في الجسم المشف إنما يمتد بعد نفوذه على خطوط مستقيمة مخصوصة لا على جميع الخطوط المستقيمة التي يصح أن تمتد من موضع النفوذ في جميع الجهات. وامتداد الضوء في نفس الجسم المشف المخالف الشفيف لشفيف الهواء ليس يكون أيضاً إلا على خطوط مستقيمة إلا أن الخطوط المستقيمة التي عليها يمتد الضوء في الجسم المشف المخالف الشفيف لشفيف الهواء ليس تكون على استقامة الخطوط التي عليها يمتد الضوء في الهواء إلى الجسم المشف ولا على استقامة الخطوط التي عليها يمتد الضوء بعد خروجه من الجسم المشف إلا إذا كانت الخطوط أعمدة على سطح الجسم المشف: لأن الضوء إذا وصل إلى الجسم المشف المخالف الشفيف لشفيف الجسم الذي هو فيه ولم يكن قائماً على سطح الجسم المشف الذي وصل إليه انعطف ولم ينفذ على استقامة.
وكذلك إذا خرج من الجسم المشف الذي وصل إليه ولم يكن قائماً على سطحه الثاني انعطف أيضاً انعطافاً ثانياً ولم ينفذ على استقامته. وسنبين هذا المعنى من بعد عند كلامنا في الانعطاف بياناً مستقصى. وأيضاً فإنه إذا اعتبر الضوء الذي في الموضع من الجسم المشف الذي منه يخرج الضوء النافذ فيه وجد هذا الضوء يشرق منه أيضاً ضوء ثان كما يشرق الضوء الثاني من جميع الأقسام المضيئة بالضوء العرضي. وهذا المعنى يمكن أن يعتبر بالضوء الذي يدخل من الثقب إلى داخل البيت إذا أغلق باب البيت ولم يبق في البيت ضوء سوى الضوء الذي يدخل من الثقب وجعل الثقب أضيق من الجسم المشف وقوبل بالجسم المشف الثقب عند دخول ضوء الشمس من الثقب وتحرى أن يحصل جميع الضوء على الجسم المشف: فإنه يجد الضوء ينفذ في الجسم المشف ويظهر في موضع مخصوص من البيت. ثم إن قرب إلى الجسم المشف من ورائه ومن غير المسافة المستقيمة التي يمتد منها الضوء النافذ جسم أبيض كثيف فإنه يظهر عليه ضوء ما. وإذا بوعد ذلك الجسم الأبيض عن الجسم المشف ضعف ذلك الضوء كمثل حال الأضواء الثواني. وإن أدير الجسم الأبيض حول الجسم المشف من جميع جهاته ولم يدخل في المسافة التي يمتد فيها الضوء النافذ وجد عليه هذا الضوء الثاني مع امتداد الضوء النافذ إلى الموضع الذي يخصه. فقد تبين من جميع ما شرحناه وبيناه بالاستقراء والاعتبار أن إشراق جميع الأضواء إنما هو على سموت خطوط مستقيمة فقط وإن كل نقطة من كل جسم مضيء ذاتياً كان الضوء الذي فيه أو عرضياً فإن الضوء الذي فيها يشرق منه ضوء على كل خط مستقيم يصح أن يتوهم ممتداً منها في الجسم المشف المتصل بها. فيلزم من ذلك أن يكون الضوء يشرق من كل نقطة من كل جسم مضيء في الجسم المشف المتصل إشراقاً كرياً أعني على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة في الجسم المشف. ويلزم أن يكون الجسم المشف هواء كان أو غيره إذا أضاء بضوء ما أي ضوء كان فإن الضوء الذي فيه هو ضوء يشرق عليه من كل نقطة من الضوء الذي منه أضاء ذلك الجسم المشف على كل سمت مستقيم يمتد من تلك النقطة في ذلك الجسم. فعلى هذه الصفة يكون إشراق جميع الأضواء من جميع الأقسام المضيئة. وقد تبين أيضاً ان الأضواء الثواني أضعف من الأضواء التي عنها تصدر وكلما بعدت هذه الأضواء عن مبادئها ازدادت ضعفاً. وقد تبين أن الأضواء المنعكسة تمتد على خطوط مستقيمة مخصوصة لا على جميع الخطوط المستقيمة التي تمتد من موضع الانعكاس وأن الأضواء النافذة في الأجسام المشفة المخالفة الشفيف لشفيف الهواء إنما تمتد بعد خروجها من الأجسام المشفة التي تنفذ فيها على خطوط مستقيمة مخصوصة أيضاً لا على جميع الخطوط المستقيمة التي تمتد من وضع النفوذ.
وأيضاً فإننا نجد كثيراً من الألوان التي في الأجسام الكثيفة المضيئة بضوء عرضي تصحب الأضواء التي تشرق من تلك الأجسام وتوجد صورة اللون أبداً مع صورة الضوء. وكذلك الأجسام المضيئة من ذواتها توجد أضواؤها شبيهة بصورها التي تجري مجرى الألوان. فإن ضوء الشمس صورته التي تجري مجرى اللون شبيهة بصورة الشمس. وكذلك ضوء النار شبيه الصورة بصورة النار. فأما صور الألوان التي تصحب الأضواء العرضية فإنها تظهر ظهوراً بيناً إذا كانت الألوان أنفسها قوية وكانت الأضواء المشرقة عليها قوية وكان مقابلاً لها أجسام مسفرة الألوان وكانت تلك الأجسام معتدلة الأضواء. وذلك أن الأجسام المشرقة الألوان كالأرجوانية والفرفيرية والصعوية والريحانية وما جرى مجراها إذا أشرق عليها ضوء الشمس وكان بالقرب منها جدار أبيض أو جسم نقي البياض وكان الضوء الذي على هذا الجدار معتدلاً وهو أن يكون في ظل فإن تلك الألوان المشرقة تظهر صورها على الجدار والأجسام البيض القريبة منها مع الضوء الثاني الذي يصدر عن ضوء الشمس المشرق عليها.
وكذلك أيضاً إذا أشرق ضوء الشمس على روضة خضراء متقاربة النبات وكان بفنائها جدار نقي البياض وكان قريباً منها وكان مستظلاً عن الشمس فإن خضرة الزرع تظهر على ذلك الجدار. وكذلك الشجر إذا أشرق عليها ضوء الشمس وكان مقابلاً لها وبالقرب منها جدار أبيض مستظل أو كانت أرضها مسفرة اللون فإن خضرة الشجر تظهر على ذلك الجدار أو على الأرض. وإن اجتاز مجتاز بفناء الرياض أو بفناء الشجر التي قد أشرق عليها ضوء الشمس وكان المجتاز في الظل وكان ثوبه نقي البياض فإن خضرة الرياض أو الشجر تظهر على ثوبه. وقد يمكن أن يعتبر هذا المعنى في كل وقت على الصفة التي نذكرها: يعتمد المعتبر بيتاً يدخل إليه ضوء الشمس من ثقب فسيح قدره ليس بأقل من عظم الذراع في مثله ويكون الضوء ينتهي إلى أرض البيت ويكون البيت ضيقاً متقارب الجدران وتكون جدرانه نقية البياض. ويراعي دخول الضوء من الثقب: فإذا دخل ضوء الشمس من الثقب وظهر على أرض البيت أغلق الباب وأسبل عليه ستراً صفيقاً حتى لا يدخل البيت ضوء إلا من الثقب. ثم يجعل في موضع الضوء جسماً أرجوانياً وليمثل به موضع الضوء حتى لا يفضل من الضوء شيء. وليكن سطح الجسم الأرجواني مستوياً ليشتمل الضوء جميع سطحه وتكون صورة الضوء عليه متشابهة: فإنه يجد صورة اللون الأرجواني على جدران البيت من جميع جهاته مع الضوء الثاني الذي يصدر عن ضوء الشمس. فإن كان البيت فسيحاً ولم يظهر اللون على جدرانه ظهوراً بيناً لبعدها عن موضع الضوء فسيحاً ولم يظهر اللون على جدرانه ظهوراً بيناً لبعدها عن موضع الضوء فليقرب المعتبر إلى موضع الضوء ثوباً أبيض ولا يولجه في نفس الضوء بل يقربه منه ويقابله به: فإنه يجد صورة اللون الأرجواني على الثوب الأبيض مع الضوء إلا أنه يجد هذه الصورة أضعف من اللون نفسه ويجدها ممتزجة بالضوء. وإذا باعد الثوب عن موضع الضوء ازداد هذا اللون الذي يظهر على الثوب ضعفاً كما يزداد الضوء الممازج له ضعفاً. وإذا أدار الثوب من جميع جهات موضع الضوء الذي فيه الجسم الأرجواني وجد صورة اللون عليه في جميع الجهات. وإن جعل حوالي الضوء عدة أجسام نقية البياض من جميع جهاته وقابل بكل واحد منها الضوء وجد صورة اللون على جميع تلك الأجسام وممازجة للضوء. ثم يرفع الجسم الأرجواني ويجعل مكانه جسماً فرفيرياً ويعتبر لونه على الوجه الذي تقدم: فإنه يجد لونه أيضاً يشرق في جميع الجهات. ثم يرفع الجسم الفرفيري ويجعل مكانه جسماً ريحانياً ويعتبر لونه: فإنه يجده كذلك. وإن جعل موضع الضوء جسماً بأي لون كان من الألوان المشرقة فإنه يجد لونه يشرق مع الضوء الذي عليه في جميع الجهات. ثم إن جعل في موضع الضوء جسماً أبيض نقي البياض فإنه يجد جميع نواحي البيت قد ازداد ضوءاً كما ذكرنا من قبل وذلك من أجل بياض الجسم الذي في الضوء. ثم إن رفع الجسم الأبيض وجعل مكانه جسماً أسود فإنه يجد البيت قد اظلم وطفئ الضوء الذي كان فيه من أجل سواد الجسم الذي في فيتبين من هذا الاعتبار أن اللون يشرق عن الجسم المتلون المضيء ويمتد في جميع الجهات كما يشرق الضوء الذي في ذلك الجسم ويكونان أبداً معاً وتكون صورة اللون ممازجة لصورة الضوء وأن صورة اللون التي تمتد مع صورة الضوء تكون أضعف من اللون نفسه وكلما بعدت عن الجسم المتلون ازدادت ضعفاً كمثل ما في الضوء.
فأقول إن هذه الصور التي تظهر على الأجسام المقابلة للجسم المتلون المضيء ليس يدركها البصر بالانعكاس وإنما يدركها البصر كما يدرك الألوان في سطوح الأجسام المتلونة وإن هذه الصور هي في المواضع التي يدركها البصر فيها: وذلك أن هذه الصور إذا ظهرت للبصر على الجسم المقابل للجسم المتلون وكان سطح الجسم الذي تظهر عليه الصورة سطحاً مستوياً ثم انتقل البصر عن موضعه إلى جميع الجهات المقابلة لذلك السطح فإنه يدرك الصورة من جميع الجهات في ذلك السطح وعلى هيئتها. وإذا كان الجسم المتلون ساكناً والجسم المقابل له الذي تظهر عليه الصورة ساكناً وكان السطح الذي تظهر عليه الصورة مستوياً فإن انعكاس صورة الجسم المتلون عن ذلك السطح المستوي إنما يكون إلى جهة واحدة مخصوصة فقط لا إلى جميع الجهات المقابلة لذلك السطح وتنعكس عنه أو كان شعاع يخرج من البصر إلى ذلك السطح وينعكس عنه إلى الجسم المتلون لأن الانعكاس ليس يكون إلا على زوايا متساوية وإلى فإذا كان البصر يدرك هذه الصور من جميع الجهات المقابلة للسطح الذي فيه اللون مع سكون هذا السطح وسكون الجسم المتلون فليس إدراك البصر لصورة اللون في السطح الذي تظهر فيه صورة اللون بالانعكاس وإنما يدركها البصر كما يدرك الألوان في سطوح الأجسام المتلونة. وأيضاً فإنه إن أخذ المعتبر إناءً من الزجاج الرقيق المشف الأبيض النقي وجعل فيه شراباً أحمر صافي اللون وقابل به ضوء الشمس في البيت الذي وصفناه فإن اعتبار هذه الألوان في المواضع القليلة الضوء يكون أبين. وإن كان الثقب الذي يدخل منه الضوء إلى البيت ضيقاً في اعتبار الجسام المشفة أو ضيق كان أجود بعد أن لا يكون في غاية الضيق ثم يجعل في ظل الإناء ثوباُ أبيض فإنه يجد لون الشراب على ذلك الثوب مع الضوء النافذ في شفيف الزجاج وشفيف ذلك الشراب وممازجاً له ويجد اللون الذي يظهر على الثوب أرق من لون الشراب وأصفى منه. وإذا بعد الثوب عن الإناء ازداد اللون الذي يظهر عليه رقة وضعفاً.
وكذلك إن جعل في الإناء بدل الشراب ماء متلون أزرق أو أخضر أو غير ذلك من الألوان المشرقة الصافية التي لا تبطل شفيف الماء بالكلية ويمكن أن ينفذ فيها الضوء ثم اعتبر على الصفحة التي قدمناها وجد لون ذلك الماء ممتداً مع الضوء النافذ في شفيفه وممازجاً له. وكذلك إن قرب هذا الإناء الذي فيه الشراب أو الماء الملون إلى ضوء النار في الليل وقرب إليه من ورائه ثوب أبيض فإن لون الشراب يظهر على الثوب مع ضوء النار النافذ فيه. وينبغي أن يتحرى المعتبر عند اعتبار ذلك أن لا يشرق على الثوب ضوء قوي من جهة أخرى بل يكون في ظل رقيق الضوء. فيتبين من هذا الاعتبار أن اللون الذي في الأجسام المشفة أيضاً يمتد مع الأضواء النافذة فيه في الهواء المتصل به. فجميع الأجسام المتلونة الكثيفة والمشفة إذا كان لونها قوياً واعتبرت على الوجه الذي بيناه فإن ألوانها توجد أبداً ممتدة مع الأضواء التي تصدر عنها وممازجة لها. وإذا كان ذلك يوجد أبداً عند الاعتبار ومطرداً في جميع الألوان فهو خاصة طبيعية تخص الألوان. وإذا كان ذلك طبيعياً للألوان فهو يلزم في جميع الألوان قويها وضعيفها. وإذا كانت الألوان تصحب الأضواء وتمتد بامتدادها فهي تصحب جميع الأضواء قويها وضعيفها قليلها وكثيرها. وإن لم يظهر ضعيفها للبصر فلقصور قوة الحس عن إدراك المعاني اللطيفة. وقد يحتمل أن يكون الهواء والأجسام المشفة تقبل صور الألوان كما تقبل صور الأضواء حضر الضوء معها أم لم يحضر وتكون الألوان تشرق من جميع الأجسام المتلونة وتمتد في الهواء وفي الأجسام المشفة في جميع الجهات كما تشرق الأضواء وتكون خاصتها كخاصة الأضواء ويكون امتدادها في الهواء وفي الأجسام المشفة وانبساطها فيها دائماً حضر الضوء معها أو لم يحضر ويكون ليس يظهر منها للبصر إلا ما كان مصاحباً للضوء لأن البصر ليس يدرك شيئاً إلا إذا كان مضيئاً. ويحتمل أن تكون الألوان ليس يصدر عنها هذه الصور ولا تمتد في الهواء ولا يقبلها الهواء إلا بعد إشراق الضوء عليها. إلا أن الذي ليس يتداخله الشك ولا يقع فيه ريب هو أن صورة اللون وصورة الضوء يصدران معاً عن الأجسام المضيئة المتلونة ويمتدان في الهواء وفي الأجسام المتلونة والمقابلة لها ويقبلها الهواء والأجسام المشفة وينفذان فيها على جميع السموت المستقيمة التي تمتد من تلك الأجسام المتلونة في ذلك الهواء وفي تلك الأجسام المشفة. وقد اعتقد قوم أن اللون لا حقيقة له وأنه شيء يعرض بين البصر والضوء كما تعرض التقازيح وليس اللون صورة في الجسم المتلون. وليس الأمر على ما يعتقد أصحاب هذا الرأي. وذلك أن التقازيح إنما تكون بالانعكاس والانعكاس ليس يكون إلا من وضع مخصوص وليس يكون من جميع الأوضاع والتقازيح التي تظهر في أرياش بعض الحيوانات إنما هي انعكاس الأضواء عن سطوح أرياش تلك الحيوانات ولذلك تختلف صورها بحسب اختلاف الأضواء وهذه الحيوانات إذا ظهر في أرياشها ثم تغيرت أوضاعها من البصر أو تغير وضع البصر منها اختلفت صور التقازيح التي تظهر فيها عند البصر واختلفت المواضع من أرياشها التي تظهر فيها ألوان التقازيح. وإذا أنعم المعتبر النظر واستقصى التأمل للتقازيح التي تظهر في أرياش الحيوانات وتلطف في تأملها وجد كل لون من هذه التقازيح يتغير موضعه من الجسم الذي يظهر عليه عند تغير وضع ذلك الجسم من البصر أعني الجزء من الريش الذي يظهر فيه اللون من التقازيح وربما تغيرت كيفية اللون أيضاً عند تغير الموضع. ومع ذلك فإن هذه الحيوانات إذا حصلت في المواضع المغدرة والضعيفة الضوء لم يظهر فيها تلك التقازيح وظهرت ألوانها الأصلية. وليس كذلك الألوان التي في الأجسام المتلونة لأن الجسم المتلون يدركه البصر من جميع الأوضاع في الوقت الواحد على صورة واحدة. وإن اختلف الذي يظهر على الجسم المتلون باختلاف أوضاع البصر منه من أجل انعكاس الأضواء فإنما يختلف لون ذلك الجسم المتلون باختلاف أوضاع البصر في القوة والضعف فقط فأما مائية اللون فليس تختلف عند البصر باختلاف الوضع. فليس إدراك البصر للألوان التي يدركها في الأجسام الكثيفة المتلونة بالانعكاس فليس هذه الألوان كالتقازيح. ومما يظهر ظهوراً بيناً أن الألوان لها حقيقة وهي صورة في الجسم المتلون وليست شيئاً يعرض البصر والضوء ما يظهر في وجه الإنسان من حمرة الخجل وصفرة الوجل. فإن الإنسان قد يكون ساكن اللون وليس في وجهه حمرة مفرطة فإذا عرض له الخجل ظهرت في وجهه حمرة لم تكن قبل ذلك حتى يستدل من حمرة وجهه على خجله. فالناظر يراه في الحالتين قد أدرك في وجهه في الحالة الثانية حمرة لم تكن في وجهه في الحالة الأولى والضوء الذي على ذلك الوجه قبل الخجل وبعده ضوء واحد ووضع البصر في الحالتين من ذلك الوجه وضع واحد وبعده منه بعد واحد ووضع الوجه أيضاً من الجهة التي منها يرد الضوء إلى الوجه ومن الوجه المضيء الذي منه يرد الضوء والمواضع المضيئة التي منها يرد الضوء إلى ذلك الوجه وضع واحد لم يتغير وليس للحمرة التي تظهر في الوجه عند الخجل علة غير الخجل وليس الخجل أمراً من خارج ولا يتعلق بالضوء ولا بالبصر الناظر إلى ذلك الوجه فالحمرة التي تظهر في وجه الإنسان هي صورة في جسمه لا شيء يعرض بين البصر الناظر إليه وبين الضوء.
وكذلك الرجل قد يكون ساكن اللون قبل الوجل فإذا بلغه أمر يفزعه ووجل منه وجلاً شديداً ظهرت في لونه صفرة بينة لم تكن قبل الوجل. فاحمرار الخجل واصفرار الوجل مع تساوي أحوال البصر والمبصر قبل الخجل وبعده وقبل الوجل وبعده في الوضع والبعد والضوء دليل ظاهر على أن اللون صورة في الجسم المتلون وليس هو شيئاً يعرض بين البصر والضوء. فليس اللون على ما أعتقد من رأى اللون لا حقيقة له وليس هو إلا صورة في الجسم المتلون. وقد يحتمل أن تختلف الآراء ويقع الالتباس في مائية صورة اللون التي في الجسم المتلون فأما أنيتها وأنها صورة في الجسم لا صورة تعرض من خارج فليس يقع فيه لبس.
وكذلك قد يحتمل أن يكون البصر ليس يدرك حقيقة اللون على ما هي عليه من أجل انه ليس يدرك اللون إلا مع الضوء ومن أجل اختلاف إدراكه للون بحسب اختلاف الأضواء التي تشرق على الجسم المتلون فأما إن اللون له في نفسه حقيقة فليس يبطل من اجل إدراك البصر له. وإذ قد تبين ذلك فإننا نقول إن الصورة التي تظهر على الجسم المقابل للجسم المتلون ليس هي شيئاً يعرض بين البصر والضوء ولا بين البصر واللون وإنما هي صورة اللون الذي في الجسم المتلون ممتدة من الجسم المتلون إلى ذلك الجسم المقابل له وليس امتدادها إلى ذلك الجسم وإلى الجهات المقابلة للجسم المتلون بتوسط البصر ولا من أجل حضور البصر ولا حصولها على ذلك الجسم من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر. ولا حصولها على ذلك الجسم من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر. وذلك انه قد تبين أن هذه الصور ليس توجد إلا مع الضوء الذي يصدر من الجسم المتلون وممازجة له وأن هذه الصورة توجد في جميع الجهات التي يشرق عليها ضوء ذلك الجسم والضوء ليس يشرق من الجسم ولا من أجل حضور البصر بل إنما يشرق إشراقاً طبيعياً. وإذا كان الضوء ليس يمتد إلى جميع الجهات المقابلة له من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر وكانت صورة اللون الذي في الجسم المتلون توجد أبداً ممازجة للضوء الذي يشرق من ذلك الجسم وتوجد في جميع الجهات التي يمتد عليها ذلك الضوء فليس امتداد صورة اللون إلى جميع الجهات المقابلة للجسم المتلون من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر. وأيضاً فإنه قد تبين ان البصر يدرك هذه الصور على الجسم المقابل للجسم المتلون بالانعكاس. وقد تبين أن اللون الذي في الجسم المتلون هو صورة في الجسم المتلون لا شيء يعرض من أجل البصر. وإذا كان اللون صورة في الجسم المتلون وليس لون الجسم المتلون من أجل البصر ولا بتوسط البصر وكانت صورة هذا اللون تمتد إلى الجهات المقابلة للجسم المتلون لا من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر وكان البصر يدرك هذه الصورة على الجسم المقابل للجسم المتلون لا بالانعكاس بل كما يدرك الألوان في الأجسام المتلونة فصورة اللون إذن التي يدركها البصر على الجسم المقابل للجسم المتلون هي صورة في سطح الجسم المقابل للجسم المتلون هي صورة في سطح الجسم المقابل للجسم المتلون لا شيء يعرض بين البصر والضوء ولا بين البصر واللون وليس حصولها على ذلك الجسم من أجل حضور البصر ولا بتوسط البصر. وإذا كان جميع ذلك كذلك فإن كل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن صورة الضوء واللون اللذين فيه تكون أبداً ممتدة في جميع الجهات المقابلة لذلك الجسم في الهواء والأجسام المشفة المتصلة بذلك الجسم والمقابلة له ومشرقة على جميع الأجسام المقابلة لذلك الجسم حضر البصر أم لم يحضر.
وأيضاً فإنه قد تبين أن صورة الضوء تمتد من كل نقطة من سطح الجسم المضيء على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة. وإذا كان الضوء يمتد من كل نقطة من سطح الجسم المضيء على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة وكانت الألوان تصحب أبداً الأضواء وكان اللون والضوء يصدران معاً وينفذان في الهواء وفي الأجسام المشفة على جميع السموت المستقيمة التي تمتد من تلك الأجسام فصورة اللون أيضاً تمتد من كل نقطة من سطح الجسم المتلون المضيء على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة. فكل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن كل نقطة من سطحه يمتد منها صورة الضوء وصورة اللون اللذين فيها على كل خط مستقيم يصح أن يمتد من تلك النقطة في الهواء والأجسام المشفة المتصلة بتلك النقطة والمقابلة لها وتشرق على كل جسم مقابل لتلك النقطة وتكون أبداً ممتدة في جميع الجهات وتشرق على الأجسام المقابلة لها ما دامت مضيئة والأجسام المتصلة بها فأما لم ليس تظهر هذه الصورة على جميع المقابلة للأجسام المتلونة وتظهر على الأجسام المقابلة البيض والمسفرة الألوان ولم ليس يظهر على الجسم الأبيض لون كل جسم متلون مقابل له ويظهر عليه اللون المشرق القوي ولم ليس يظهر هذا اللون على الجسم الأبيض إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون ضعيفاً فأما لما ليس تظهر هذه الصورة على جميع الأجسام المقابلة الأجسام المتلونة وتظهر على الأجسام البيض والمسفرة الألوان ولم ليس يظهر على الجسم الأبيض لون كل جسم متلون مقابل له ويظهر عليه اللون المشرق القوي ولم ليس يظهر هذا اللون على الجسم الأبيض إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون ضعيفاً ويظهر إذا كان الضوء الذي في الجسم المتلون قوياَ ولم ليس يظهر هذا اللون على الجسم الأبيض إذا كان الجسم الأبيض في ضوء الشمس وفي ضوء قوي ويظهر عليه إذا كان الجسم الأبيض في الظل وفي الأضواء الضعيفة فإن جميع ذلك لعلة تخص البصر لا أن صور الألوان تشرق على جميع الأجسام المقابلة لها. ونحن نشرح هذا المعنى من بعد ونبينه بياناً مستقصىً ونبين علله ونوضحها عند كلامنا في كيفية الأبصار. فهذا الذي بيناه من خواص الأضواء وما يصحب الأضواء ويقترن بها من صور الألوان كاف فيما نشرع فيه من البحث عن كيفية الإبصار.