→ مكافحة الأسود وسائر الضواري | كتاب الاعتبار اختبارات حربية المؤلف: أسامة بن المنقذ |
طبائع الإفرنج وأخلاقهم ← |
☰ جدول المحتويات
- ضرب شيزر بالمنجنيق
- قصد الفرنج دمشق
- كردي يتأبط رأس أخيه
- ضربة سيف تشق رأس إسماعيلي
- تقطع وأخرى نعلاً ومرفقاً
- ضربتان تقتل رجلين
- بطولة النساء
- بالدون يعقب روجر في إنطاكية
- طغدكين يقطع رأس روبرت
- بالدون يسامح عم أسامة بقطيعة
- ويتنازل عن إنطاكية لأبن ميمون
- ابن ميمون يهاجم شيزر
- قصة بريكة
- امرأة تقاتل في شيزر
- والدة أسامة في القتال
- عجوز تضرب بالسيف
- جدة أسامة تنصحه
- مسلمة تقتل زوجها
- إفرنجية تجرح مسلماً
- شيزرية تأسر ثلاثة إفرنج
- إفرنجية تؤثر أن تكون زوجة اسكاف
- إفرنجي يتنصر بعد إسلامه
ضرب شيزر بالمنجنيق
ومن عجيب الآجال لما نزل الروم إلى شيزر سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة نصبوا عليها مجانيق هائلة جاءت معهم من بلادهم ترمي الثقل، وتبلغ حجرها ما لا تبلغه النشابة، وترمي الحجر عشرين وخمسة وعشرين رطلاً ولقد رموا مرة دار صاحب لي يقال له يوسف بن أبي الغريب رحمه الله بقلب فوق فهدمت علوها وسفلها بحجر واحد. وكان على برج في دار الأمير قنطارية فيها راية منصوبة، وطريق الناس في الحصن من تحتها، فضرب القنطارية حجر المنجنيق كسرها من نصفها، وانقلب كسرها الذي فيه السنان تنكس ووقع في الطريق، ورجل من أصحابنا عابر، فوقع السنان من تلك العلو وكان فيه نصف القنطارية في تروقته خرج إلى الأرض وقتله. وحدثني خطلخ مملوك لوالدي رحمه الله قال كنا في حصار الروم جلوساً في دهليز الحصن بعددنا وسيفنا فجاءنا شيخ يعدوا وقال يا مسلمون الحريم، دخل الروم معنا، فأخذنا سيوفنا وخرجنا وجدناهم قد طلعوا من ثغرة في السور ثغرتها المجانيق فضربناهم بالسيوف حتى أخرجناهم، وخرجنا خلفهم حتى أوصلناهم إلى أصحابهم وعدنا فتفرقنا، وبقيت أنا وذلك الشيخ الذي إستفزعنا فوقف وأدار وجهه إلى الحائط يريق الماء فأعرضت عنه فسمعت وجبة فالتفت وإذا الشيخ قد ضربت رأسه حجر المنجنيق كسرته وألصقته بالحائط ومخه قد سال على الحائط فحملته وصلينا عليه ودفناه في مكانه رحمه الله. وضربت حجر المنجنيق رجلاً من أصحابنا رجله فحملوه بين يدي عمي وهو جالس في دهليز الحصن، فقال هاتوا المجبر وكان بشيزر رجل صانع يقال له يحيى صانع في التجبير، فحضر وجلس يجبر رجله وهو في سترة خارج باب الحصن، فضربت الرجل المكسور حجر في رأسه طيرته، فدخل المجبر إلى الدهليز فقال عميما أسرع ما جبرته! قال يا مولاي جاءته حجر ثانية اغنته عن التجبير.
قصد الفرنج دمشق
ومن نفاذ المشيئة في الآجال والأعمار ان الإفرنج خذلهم الله، اجمع رأيهم على ان يقصدوا دمشق ويأخذوها، فاجتمع منهم خلق كثير وسار إليهم صاحب الرها وتل باشر وصاحب إنطاكية، فنزل صاحب إنطاكية على شيزر في طريقه إلى دمشق، وقد تبايعوا بينهم دور دمشق وحماماتها وقياسيرها واشتراها البرجاسية ووزنوا لهم أثمانها، وما عندهم شك في فتحها وملكها. وكفر طاب إذ ذاك لصاحب إنطاكية، فجرد من عسكره مائة فارس انتخبهم وأمره بالمقام بكفر طاب مقابلنا ومقابل حماة فلما سار إلى دمشق اجتمع من بالشام من المسلمين لقصد كفرطاب وانفذوا رجلاً من أصحابنا يقال له قنيب بن مالك فجس لهم كفرطاب في الليل فوصلوها دارها وعاد وقالابشروا بالغنيمة والسلامة. فسار المسلمون عليهم فالتقوا على مثكير، فنصر الله سبحانه الإسلام وقتلوا الإفرنج جميعهم. وكان قنيب الذي جس لهم كفرطاب قد رأى في خندقها دواب كثيرة. فلما ظفروا في الإفرنج وقتلوهم طمع في أخذ تلك الدواب التي في الخندق ورجا ان يأخذ الغنيمة وحده، فمضى يركض إلى الخندق فرمى عليه رجل من الإفرنج حجراً فقتله. وكانت له عندنا والدة عجوز كبيرة تندب في مأتمنا ثم تندب ولدها. فكانت إذا ندبت على ابنها قنيب تتدفق ثدياها بالبن حتى تغرق ثيابها، وإذا فرغت من الندب عليه وسكنت لوعتها عادات ثديها كالجلدتين ما فيهما قطرة لبن، من أشرب القلوب الحنة على الأولاد. ولما قيل لصاحب إنطاكية وهو على دمشققد قتل المسلمون أصحابك قالما هو صحيح، قد تركت بكفرطاب مائة فارس تلتقي المسلمين كلهم. وقضى الله سبحانه ان المسلمين بدمشق نصروا على الإفرنج وقتلوا منهم مقتله عظيمة وأخذوا جميع دوابهم فرحلوا عن دمشق أسوأ رحيل وأذله - والحمد لله رب العالمين.
كردي يتأبط رأس أخيه
ومن عجائب ما جرى في تلك الواقعة بالإفرنج انه كان في عسكر حماة أخوان كرديان اسم الواحد بدر وأسم الأخر عناز. وكان هذا عناز ضعيف النظر. فلما كسر الإفرنج قطعوا رأسهم وشدوهم في سموط خيلهم، وقطع عناز رأساً في سموطه، فرآه قوم من عسكر حماة فقالوا لهيا عناز أي شيء هذا الرأس معك؟ قال سبحان الله لما يجري بيني وبينه حتى قتلته. قالوا له يا رجل هذا رأس أخيك بدر فنظر وتأمله، فإذا هو رأس أخيه فأستحيى من الناس وخرج من حماة، فما ندري اين قصد ولا عدنا نسمع له خبراً وكان أخوه قتل في تلك المعركة قتله الإفرنج، خذلهم الله تعالى.
ضربة سيف تشق رأس إسماعيلي
اذكرني ضربة حجر المنجنيق رأس ذلك الشيخ رحمه الله ضرب السيف الماضية. فمن ذلك ان رجلاً من أصحابنا يقال له همام الحاج التقى هو ورجل من الإسماعيلية، لما عملوا على حصن شيزر بالرواق في دار عمي رحمه الله، في يد الإسماعيلي سكين والحاج في يده سيف، فهجم عليه الباطني بالسكين فضربه همام بالسيف فقطع قحف مخه على الأرض فأنبسط عليها وتطاير، فوضع همام السيف من يده وتقيأ ما في بطنه لما لحقه من نظر ذلك المخ من الغثيان، ولقيني في ذلك اليوم واحد منهم في يده سيخ وفي يدي سيف لي، فهجم علي بالسيخ فضربته في وسط ساعده والسيخ بيده قبضته ونصله لاسق بساعده فقطع قدر أربع أصابع من نصل السيخ وقطع الساعد من نصفه فأبانه، وبقي أثر فم السيخ في حد السيف، فرآه صانع عندنا فقالأنا أخرج هذا الثلم منه. قلتدعه كما هو فهو أحسن ما فيه، وهو إلى الآن إذا رآه إنسان علم انه أثر سكين. ولهذا السيف خبر أنا ذاكره.
تقطع وأخرى نعلاً ومرفقاً
كان للوالد ركابي يقال له جامع فأغار الفرنج علينا، فلبس الوالد كزاغنده وخرج من داره ليركب، فما وجد حصانه فوقف ساعة ينتظره، فوصل جامع الكابي بالحصان وقد أبطأ، فضربه الوالد بهذا السيف وهو في غمده متقلد به، فقطع الجهاز والنعل الفضة وبشتا كان على الركابي وصوفية وعظم مرفقه فرميت يده، فكان رحمه الله يقوم به بأولاده بعد تلك الضربة، وكان السيف يسمى الجامعي بأسم الركابي.
ضربتان تقتل رجلين
ومن ضربتا السيف المذكورة ان أربعة اخوة من أنساب الأمير افتخار الدولة أبي الفتوح بن عمرون صاحب حصن أبو قبيس صعدوا إليه إلى الحصن وهو نائم وأوثقوه بالجراح، وما معه بالحصن غير ابنه، ثم خرجوا وهم يظنون أنهم قتلوه يريدون ابنه، وكان هذا افتخار أعطاه الله من القوة أمراً عظيماً، فقام من فراشه عرياناً وسيفه معلق في بيته معه فأخذه وخرج إليهم فلقيه واحد منهم وهو مقدمهم وشجاعهم، فضربه افتخار الدولة في السيف وقفز من مقابله خوفاً من أن يصله بسكين كانت في يده، ثم التفت إليه فوجده ملقى فقد قتله بتلك الضربه، وصار إلى الأخر ضربه قتله، وانهزم الاثنين الباقيان فرميا أنفسهما من الحصن فمات أحدهما ونجا الأخر.
واتانا الخبر إلى شيزر فأنفذنا من هنأه بالسلامة، وطلعنا بعد ثلاثة أيا إلى حصن أبو قبيس لعيادته، فإن أخته كانت عند عمي عز الدين وله منها أولاد. فحدثنا حديثه وكيف كان أمره. ُم قال متن كتفي يحكني وما أصل إليه. ودعا غلاماً له ليبصر ذلك الموضع أي شيء قرصه فيه. فنظر فإذا هو جرح وفيه رأس دشن قد انكسر بظهره، وما معه به علم ولا أحس به، فلما قاح أحكه. وكان من قوة هذا الرجل انه كان يمسك رسغ رجل البغل ويضرب البغل فلا يقدر يخلص رجله من يده، ويأخذ مسمار البيطاري بين أصابعه وينفذ في دق خشب البلوط، وكان أكله مثل قوته بل أعظم.
بطولة النساء
قد ذكرت شيئاً من أفعل الرجال وسأذكر شيئاً من أفعال النساء بعد بساط اقدامه.
بالدون يعقب روجر في إنطاكية
وذلك أن إنطاكية كانت لشيطان من الإفرنج يقال له روجار، فمضى يحج إلى بيت المقدس، وصاحب البيت المقدس بغدوين البرونس وهو رجل شيخ، وروجار شاب فقال لبغدوينإجعل بيني وبينك شرطاً إن مت قبلك كانت إنطاكية لك وإن مت قبلي كان بيت المقدس لي. فتاعقدا وتواثقا على ذلك. وقدر الله تعالى أن نجم الدين إيلغازي بن أرتق رحمه الله، لقي روجار بدانيث يوم الخميس الخامس من جمادى الأولى سنة ثلاثة عشر وخمسمائة فقتله وقتل جميع عسكره، ولم يدخل إنطاكية منهم دون العشرين رجلاً وسار بغدوين إلى إنطاكية فتسلمها. وضرب مع نجم الدين مصافاً بعد أربعين يوماً. وكان إلغازي إذا شرب النبيذ يخمر عشرين يوماً، فشرب بعد كسر الفرنج وقتلهم دخل في الخمار فما أفاق حتى وصل الملك بغدوين البرنس إلى إنطاكية بعسكره.
طغدكين يقطع رأس روبرت
فكان المصاف الثاني بينهما على السواءكسر بعض الفرنج بعض المسلمين وكسر بعض المسلمين بعض الفرنج، وقتل من هؤلاء وهؤلاء جماعة. واسر المسلمين روبرت صاحب صهيون وبلاطنس وتلك الناحية، وكان صديقاً لأتابك طغدكين صاحب دمشق ذلك الوقت، وكان مع نجم الدين إيلغازي لما أجتمع بالإفرنج في افاميا عندما وصل عساكر الشرق مع برسق بن برسق فقال هذا روبرت الأبرص لأتابك طغدكينما أدري بأي شيء أضيفك، ولكن قد أبحتك بلادي، أنفذ خيلك تغير عليها وتأخذ كلما وجدوه، بلى لا يسبوا ولا يقتلوا، الدواب والمال والغة لهم يأخذون ذلك مباحاً لهم. فلما أسر روبرت وأتابك طغدكين حاضر المصاف في معونة إيلغازي، قطع روبرت على نفسه عشرة آلاف دينار، فقال إيلغازيأمضوا به إلى أتابك لعله يفزعه فيزيدنا بالقطيعة. فمضوا به وأتابك في خيمته يشرب. فلما رآه مقابلاً قام شمر أذبال قبائه في البند وأخذ سيفه وخرج إليه وضرب رقبته، فنفذ إليه إيلغازي يعتب عليه وقالنحن محتاجون لدينار واحد للتركمان، وهذا كان قد قطع على نفسه عشرة آلاف دينار نفذته إليك تفزعه لعله يزيدنا في القطيعة قتلته! قالأنا ما أحسن افزع إلا كذا.
بالدون يسامح عم أسامة بقطيعة
ثم ملك بغدوين البرونس إنطاكية، وكان لأبي وعمي رحمهما الله، جميل كبير حيث كان أسره نور الدولة بلك رحمه الله، وصار بعد قتل بلك إلى حسام الدين تمرتاش بن إيلغازي فحمله إلينا إلى شيزر ليتوسط أبي وعمي رحمهما الله بيعه فاحسنا إليه. فلما ملك كانت لصاحب إنطاكية علينا قطيعة سامحنا بها صار أمرنا في إنطاكية نافذاً
ويتنازل عن إنطاكية لأبن ميمون
فهو فيما فيه وعنده رسول من أصحابنا إذ وصل مركب إلى السويدية فيه صبي عليه أخلاق، فحضر عنده وعرفه ابن ميمون فسلم إنطاكية إليه وخرج إليها وضرب خيمة في ظهرها، فحلف لنا رسولنا الذي كان عنده انه يعني الملك بغدوين أشترى عليق خيله تلك الليلة من السوق، واهراء إنطاكية ملآى من الغلة، ورجع بغدوين إلى القدس.
ابن ميمون يهاجم شيزر
وخرج من ذلك الشيطان ابن ميمون بلية عظيمة فنزل علينا يوماً من الأيام بعسكره فضرب خيامه، ونحن قد ركبنا مقابلهم، فما خرج منهم أحد ونزلوا في خيامهم، ونحن ركاب على شرف نبصرهم، وبيننا وبينهم العاصي فنزل من بيننا إبن عمي ليث الدولة يحيى بن مالك بن حميد رحمه الله يسير إلى العاصي ظنناه يسقي فرسه، فخاض الماء وعبر وسار نحو موكب الإفرنج واقف بالقرب من خيامهم. فلما دنى منهم نزل إليه فارس واحد، فحمل كل واحد منهما على صاحبه، وراغ كل واحد منهما عن طعنه الأخر فتسرعت أنا وأمثالي من الشباب في ذلك الوقت إليهم، ونزل ذلك الموكب وركب ابن ميمون وعسكره وجائوا كالسيل وصاحبنا قد طعنت فرسه، فالتقت أوائل خيلنا وأوائل خيلهم، وفي أجنادنا رجل كردي يقال له ميكائيل وقد جاء في أوائل خيلهم منهزماً وخلفه فارس إفرنجي قد لزه. وللكردي بين يديه ضجيج وصياح عال فلقيته، فمال عن ذلك الكردي وزل عن طريقي وقصد خيل لنا في جماعة على الماء واقفين مما يلينا، وأنا خلفه أجهد أن يلحقه حصاني فأطعنه فلا يلحقه، ولا الإفرنجي يلتفت إلي إلا يريد تلك الخيل المجتمعة إلى أن وصل إلى خيلنا وأنا تابعه، فطعن أصحابي حصانه طعنة أوثقته وأصحابه في أثره في جمع ما لنا بهم قوة. فرجع الفارس وحصانه في أخر رمقه فردهم جميعهم وعاد وهم معه. وكان الفارس ابن ميمون صاحب إنطاكية وهو صبي قد امتلأ قلبه من الرعب، ولو ترك أصحابه هزمونا إلى أن يدخلونا المدينة.
قصة بريكة
كل ذلك وأمة عجوز يقال لها بريكة مملوكة لرجل كردي من أصحابنا يقال له علي بن محبوب واقفه بين الخيل على شط النهر وفي يدها شربة تسقي بها وتسقي الناس، وأكثر أصحابنا الذين كانوا على الشرف لما رأوا الإفرنج مقبلين في ذلك الجمع إندفعوا نحو المدينة وتلك الشيطانه واقفة لا يروعها ذلك الأمر العظيم. وأنا ذاكر شيئاً من أمر هذه بريكة، وإن لم يكن موضعه، لكن الحديث شجون. كان مولاها علي يثدين ولا يشرب الخمر. فقال لوالدي يوماًوالله يا أمير لا أستحل ما آكل من الديوان وما آكل من كسب بريكة، وهو الجاهل يظن ان ذلك السحت الحرام أحل من الديوان الذي هو مستأجر به. وكانت هذه الأمه لها ولد أسمه نصر رجل كبير وكيلاً في ضيعة للوالد رحمه الله وهو رجل يقال له بقية بن الأصيفر. حدثني قالدخلت في الليل البلد أريد الدخول إلى داري في شغل لي. فلما دنوت من البلد بين المقابر في ضوء القمر شخصاً ما هو آدمي ولا هو وحش فوقفت عليه وتهيبته. ثم قلت في نفسيما أنا بقية! ما هذا الخوف من واحد؟ فوضعت سيفي ودروقتي والحربة التي معي ومشيت قليلاً قليلاً وأنا أسمع لذلك الشخص زجلاً وصوتاً فلما قربت منه وثبت عليه وفي يدي دشني فقبضته، وإذا بها بريكة مكشوفة الرأسي وقد نفشت شعرها وهي راكبة قصبة تصهل بين المقابر وتجول. قلتويحكي أي شيء تعملين في هذا الوقت ها هنا؟ قالتأسحر قلتقبحك الله وقبح سحرك وصنعتك من بين الصنائع!
امرأة تقاتل في شيزر
اذكرني قوة نفس هذه الكلبة بأمور جرت للنساء في الواقعة التي كانت بيننا وبين الأسماعليية، وإن لم تكن سواء. لقي في ذلك اليوم مقدم القوم علوان ابن حرار ابن عمي سنان الدولة شبيب ابن حامد بن حميد رحمه الله في الحصن وهو تربى فيه. ولدت أنا وهو في يوم واحد السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثمانية وثمانين وأربع مائة إلا انه ما باشر الحرب ذلك اليوم وأنا كنت قطبها. فأراد علوان اصطناعها. فقال لهارجع إلى بيتك احمل منه ما تقدر عليه ورح لا تقتل، فالحصن قد ملكناه. فرجع إلى الدار وقالمن كان له شيئاً يعطيني إياه يقول ذلك لعمته ونساء عمه، فكل منهم أعطاه شيئاً، فهو في ذلك إذاً إنسان وقد دخل الدار عليه زردية وخوذة ومعه سيف وترس. فلما رآه ايقن بالموت، فوضع الخوذة وإذا هي ابن عمه ليث الدولة يحيى رحمه الله. فقالتأي شيئاً تريد تعمل؟ قالآخذ ما قدرت عليه، وانزل من الحصن بحبل وأعيش بالدنيا. قالتبئس ما تفعل، تخلي بنات عمك وأهلك للحلاجين وتروح؟ أي عيش يكون عيشك إذا افتضحت في أهلك انهزمت عنهم؟ أخرج قاتل عن أهلك حتى تقتل بينهم، فعل الله بك وفعل. ونعته رحمها الله من الهرب، وكان من الفرسان المعدودين بعد ذلك.
والدة أسامة في القتال
وفي ذلك اليوم فرقت والدتي رحمها الله سيوفي وكزاغنداتي، وجاءت إلى أخت لي كبيرة في السن وقالتألبسي خلفك وإزارك. فلبست وأخذتها إلى روشن في داري يشرف على الوادي من الشرق أجلستها عليه وجلست إلى باب الروشن، ونصرنا الله سبحانه عليهم. وجأت إلى داري أطلب شيئاً من سلاحي ما وجدت إلى جهازات السيوف وعيب الكزاغندات. قلتيا أمي أين سلاحي؟ قالتيا بني أعطيت السلاح لمن يقاتل عن، وما ظننتك سالماً قلتوأختي أي شيء تعمل هاهنا؟ قالتيا بني أجلستها على الروشن وجلست براً منها. إذا رأيت الباطنية وصلوا إلينا دفعتها رميتها إلى الوادي فأراها قد ماتت ولا أراها مع الفلاحين والحلاجين مأسورة. فشكرتها على ذلك وشكرتها الأخت وجزتها خيراً، فهذه النخوة أشد من نخوات الرجال.
عجوز تضرب بالسيف
وتلثمت في ذلك اليوم عجوز من جواري جدي الأمير أبي الحسن علي رحمه الله يقال لها فنون فأخذت سيفاً وخرجت إلى القتال وما زالت كذلك حتى صعدنا وتكاثرنا عليهم.
وما ينكر للنساء الكرام الأنفة والنخوة والإصابة في الرأي.
جدة أسامة تنصحه
ولقد خرجت يوماً من الأيام مع الوالد رحمه الله إلى الصيد، وكان مشغوفاً بالصيد عنده من البزاة والشواهين والصقور والفهود والكلاب الزغارية ما لا يكاد يجتمع عند غيره، ويركب في أربعين فارساً من أولاده ومماليكه كل منهم خبير بالصيد عارف بالقنص، وله بشيزر مصيدانيوماً يركب إلى غربي البلد إلى أزوار وأنهار فيتصيد الدراج والطير الماء والأرنب والغزلان ويقتل الخنازير، ويماً يركب إلى الجبل قبلي البلد يتصيد الحجل والأرانب. فنحن في الجبل يوماً وقد حانت صلاة العصر فنزل ونزلنا نصلي فرادى، وإذا غلام قد جاء يركض قالهذا الأسد! فسلمت قبل الوالد رحمه الله لكيلا يمنعني من قتال الأسد وركبت ومعي رمحي فحملت عليه فأستقبلني وهدر، فحاص بي الحصان ووقع الرمح من يدي لثقله وطردني شوطاً جيداً، ثم رجع إلى سفح الجبل ووقف عليه وهو من أعظم السباع كأنه قنطرة جائع وكلما دنون منه نزل من الجبل، طرد الخيل وعاد إلى مكانه، وما ينزل نزلة إلا يؤثر في أصحابنا.
ولقد رأيته راكباً مع رجل من غلامان عمي يقال له بستكين غرزة على وركي حصانه وخرق بمخالبه ثيابه ورانته وعاد إلى الجبل، فما كان لي فيه حيلة إلا أن صعدت فوقه في سفح الجبل. ثم حدرت حصاني عليه فطعنته فنفذت الرمح فيه وتركته في جانبه، فتقلب إلى أسفل الجبل والرمح فيه، فمات الأسد وانكسر الرمح، والوالد رحمه الله واقف يرانا معه أولاد أخيه عز الدين يبصرون ما يجري وهم صبيان. وحملنا الأسد ودخلنا البلد العشاء، وإذا جدتي لأبي رحمها الله جاءتني في الليل وفي يدها شمعة - وهي عجوز كبيرة قاربت من العمر مائة سنة. فما شككت أنها قد جاءت تهنئني بالسلامة وتعرفني مسرتها بما فعلت. فلقيتها وقبلت يدها فقالتلي بغيظ وغضبيا بني أيش يحملك على هذه المصائب التي تخاطر فيها بنفسك وحصانك وتكسر سلاحك ويزداد قلب عمك منك وحشة ونفوراً.؟ قلتيا ستي أنما أخاطر بنفسي في هذا ومثله لأتقرب إلى قلب عمي. قالتلا والله ما يقربك هذا منه وانه يزيدك منه بعداً ويزيده منك وحشاً ونفوراً. فعلمت أنها نصحتني في قولها وصدقتني، ولعمري إنهن أمهات رجال.
ولقد كانت هذه العجوز رحمها الله من صالحي المسلمين من الدين والدقة والصوم والصلاة على أجمل طريقة، ولقد حضرتها ليلة النصف من شعبان وهي تصلي عند والدي، وكان رحمه الله من أحسن من يتلو كتاب الله تعالى، ووالدته تصلي بصلاته، فأشفق عليها فقاليا أمي لو جلست صليت من قعودة. قالتيا بني بقي لي من العمر ما أعيش إلى ليلة مثل هذه الليلة؟ لا ولله ما أجلس، وكان الوالد قد بلغ السبعين سنة وهي قد شارفت المائة سنة رحمها الله.
مسلمة تقتل زوجها
وشاهدت من نخوات النساء عجباً. وهو أن رجلاً من أصحاب خلف بن ملاعب يقال له علي عبد بن أبي الريداء كان قدر رزقه الله تعالى من النظر ما رزق زرقاء اليمامة، فكان ينهض مع ابن ملاعب يبصر القوافل على المسيرة يوم كامل. ولقد حدثني رجل من رفاقه يقال له سالم العجازي انتقل إلى خدمة والدي بعد ما قتل خلف بن ملاعب قالنهضنا يوماً وأرسلنا علياً عبد ابن أبى الريداء بكرة يديب لنا، فجاءنا وقالابشروا بالغنيمة! هذه قافلة كثيرة مقبلة. فنظرنا ما رأينا شيئاً، فقلناما نرى قافلة ولا غيرها. قالوالله، إني لأرى قافلة وقدامها فرسان معينان ينفضان معارفهما. فأقمن في الكمين إلى العصر فوصلتنا القافلة والفرسان المعينان قدامها فخرجنا أخذنا القافلة. وحدثني سالم العجازي فقالنهضنا يوماً وصعد علي عبد ابن أبي الريداء يديب لنا، فنام وما درى إلا وقد أخذه تركي من سربة أتراك ناهضة وقالواأي شيء أنت؟ قال أنا رجل صعلوك قد أركيت جملي لرجل من التجار في القافلة، أعطني يدك أنك تعطيني جملي حتى أدلك على القافلة. فأعطاه مقدمة يده، فمشى بين أيديهم إلى أن أوصلهم إلينا إلى الكمين، فخرجنا عليهم أخذناهم، وتعلق هو في الذي كان بين يديه أخذ فرسه وعدته، وغنمنا منهم غنيماً حسنة. فلما قتل ابن ملاعب انتقل علي ابن أبي الريداء إلى خدمت توفيل الإفرنجي صاحب كفرطاب، فكان ينهض بالإفرنج إلى المسلمين يغنمهم ويبالغ في أذى المسلمين وأخذ مالهم وسفك دمهم حتى قطع سبل المسافرين، وله امرأة معه في كفر طاب تحت يدي الإفرنج تنكر عليه فعله وتنهاه فلا ينتهي. فنفذت أحضرت نسيب لها من بعض الضياع وأظنه أخاها، وأخفته في البيت إلى الليل. واجتمعت هي وهو على زوجها علي ابن أبى الريداء قتلاه واحتملاه يجمع مالها. وأصبحت عنا في شيزر وقالتغضبت للمسلمين مما كان يفعل بهم هذا الكافر. فأرحت الناس من هذا الشيطان، ورعينا لها ما فعلت وكانت عندنا في الكرامة والاحترام.
إفرنجية تجرح مسلماً
وكان في أمراء مصر رجل يقال له ندى الصليحي في وجهه ضربتان الواحة من حاجبه الأيمن إلى حد شعر رأسه والأخرى من حاجبه الأيسر إلى حد شعر رأسه. فسألته عنهما فقالكنت انهض وأنا شاب من عسقلان وأنا راجل، فنهضت يوماً في طريق بيت المقدس أريد حجاج الإفرنج، فصادفنا قوماً منهم فلقيت رجلاً معه قنطارية وخلفه امرأته معها كوز خشب فيه ماء. فطعنني الرجل هذه الطعنة الواحدة وضربته قتلته، فمشت إلي امرأته وضربتني بالكوز الخشب في وجهي، جرحتني هذا الجرح الأخر فوسما وجهي.
شيزرية تأسر ثلاثة إفرنج
ومن إقدام النساء ان جماعة من الإفرنج الحجاج حجوا وعادوا إلى رفنية، وكانت ذلك الوقت لهم، وخرجوا منها يريدون أفامية، فتاهوا في الليل وجائوا شيزر وهي إذ ذك بغير سور، ودخلوا المدينة وهم في نحو سبع مائة ثمان مائة من رجال ونساء وصبيان. وكان عسكر شيزر قد خرجوا مع عمي عز الدين أبي العساكر سلطان وفخر الدين أبى كامل شافع رحمهما الله ليلقيا عروسين قد تزوجاهما من بني الصوفي الحلبيين أختين. ووالدي رحمه الله في الحصن. فخرج رجل من المدينة في شغل له في الليل فرأى إفرنجياً، وعاد أخذ سيفه وخرج قتله، ووقع الصياح في البلد، وخرج الناس فقتلوهم وغنموا ما كان معهم من النساء والصبيان والفضة والبهائم. وفي شيزر امرأة من نساء أصحابنا يقال لها نصرة بنت بوز رماط خرجت مع الناس أخذت إفرنجي أدخلته بيتها، وخرجت أخذت آخر أدخلته بيتها، وعادت خرجت أخذت أخر. فاجتمع عندها ثلاثة من الإفرنج، فأخذت ما كان معهم وما صلح لها من سلبهم وخرجت، دعت قوماً من جيرانها قتلوهم. ووصل عمي والعسكر في الليل، وقد كان انهزم من الإفرنج ناس وتبعهم رجال من شيزر فقتلوهم في ظاهر البلد. فصارت الخيل تعثر في الليل في القتلى، ولا يدرون بماذا تعثر، حتى ترجل بعضهم وابصر القتلى في الظلام، فهالهم واعتقدوا ان البلد قد كبس.
إفرنجية تؤثر أن تكون زوجة اسكاف
كانت غنيمة ساقها الله عز وجل إلى الناس، فصار إلى دار والدي رحمه الله عدة من جواري سيبهم لعنهم الله، جنس ملعون لا يألفون لغير جنسهم فرأى منهم جارية مليحة شابة فقال لقهرمانة دارهادخلي هذه الحمام وأصلحي كسوتها واعملي شغلها للسفر. ففعلت وسلمها إلى بعض خدامه وسيرها إلى الأمير شهاب الدين مالك بن سالم بن مالك صاحب قلعة جعبر وكان صديقه، وكتب إليه يقولغنمنا من الإفرنجي غنيمة قد نفذت لك سهماً منها. فوافقته وأعجبته فتخذها لنفسه، فولدت له ولداً سماه بدران الولد والرعية وأمه الآمرة الناهية. فواعدت قوماً وتدلت من القلعة بحبل ومضى بها أولئك إلى سروج، وهي إذ ذاك للإفرنج فتزوجت بإفرنجي اسكاف وابنها صاحب قلة جعبر.
إفرنجي يتنصر بعد إسلامه
وكان في أولئك الذين صاروا إلى دار والدي امرأة عجوز ومعها بنت لها امرأة شابة حسنة الخلقة وابن مشتد، فأسلم الابن وحسن إسلامه فيما يرى من صلاته وصومه، وتعلم الترخيم من مرخم كان يرخم دار والدي. فلما طال مقامه زوجه الوالد امرأة من قوماً صالحين وقام له بكل ما احتاجه لعرسه وبيته فرزق منها ولدين وكبا وصار لكل واحد منهما خمس ست سنين، والغلام راؤول أبوهما مسرور بهما، فأخذهما وأمهما، وما في بيته واصبح في افامية عند الإفرنج وتنصر هو وأولاده بعد الإسلام والصلاة والدين. فالله تعالى يطهر الدنيا منهم.