باب من أين نفقة من مات ولم يحج
قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء وطاوس أنهما قالا الحجة الواجبة من رأس المال قال الشافعي وقال غيرهما لا يحج عنه إلا أن يوصى فإن أوصى حج عنه من ثلثه إذا بلغ ذلك الثلث وبديء على الوصايا لأنه لازم فإن لم يوص لم يحج عنه من ثلث ولا من غيره إذا أنزلت الحج عنه وصيه حاص أهل الوصايا ولم يبدأ غيره من الوصايا ومن قال هكذا فكان يبدأ بالعتق بدأ عليه قال والقياس في هذا أن حجة الإسلام من رأس المال فمن قال هذا قضى أن يستأجر عنه بأقل ما يقدر عليه وذلك أن يستأجر رجل من أهل ميقاته أو قربه لتخف مؤنته ولا يستأجر رجل من بلده إذا كان بلده بعيدا إلا أن يبدل ذلك بما يوجد به رجل قريب ومن قال هذا القول قاله في الحج بأمر رسول الله ﷺ به ورآه دينا عليه وقاله في كل ما كان في معناه وقاله في كل ما أوجبه الله عز وجل عليه فلم يكن له مخرج منه إلا بأدائه ولم يكن له خيار فيه مثل زكاة المال وما كان لا يكون أبدا إلا واجبا عليه شاء أو كره بغير شيء أحدثه هو لأن حقوق الآدميين إنما وجبت لهم من رأس المال وهذا من حقوق الآدميين أمر أن يؤديه إلى صنف منهم بعينه فجمع أن وجب وجوب الحج بفرض الله عز وجل وأن كان كما وصفت للآدميين ومن قال هذا بدأ هذا على جميع ما معه من الوصايا والتدبير وحاص به أهل الدين قبل الورثة إذا جعله الله واجبا وجوب ما للآدميين وهذا قول يصح والله أعلم ومن قال هذا قاله في الحج إن لم يبلغ إلا مريضا ثم لم يصح حتى مات مريضا أنه واجب عليه لا وصية لأن الواجب على المريض والصحيح سواء فأما ما لزمه من كفارة يمين أو غيره فإن أوصى به فقد قيل يكون في ثلثه كالوصايا وقيل بل لازم وما لزمه من شيء ألزمه نفسه من نذر أو كفارة قتل أو ظهار وهو واجد فقد يخالف ما لزمه بكل حال من قبل أن قد كان ولم يجب عليه فإنما أوجبه على نفسه فيختلفان في هذا ويجتمعان في أنه قد أوجب كلا منهما فأوجب هذا وأوجب إقرار الآدمي فيحتمل أن يقال هما لازمان معا وأنا استخير الله تعالى فيه
ID ' ' وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة
أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى.
هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة
صفحة : 607
باب الحج بغير نية
قال الشافعي رحمه الله أحب أن ينوي الرجل الحج والعمرة عند دخوله فيهما كما أحب له في كل واجب عليه غيرهما فإن أهل بالحج ولم يكن حج حجة الإسلام ينوي أن يكون تطوعا أو ينوي أن يكون عن غيره أو أحرم فقال إحرامي كإحرام فلان لرجل غائب عنه فكان فلان مهلا بالحج كان في هذا كله حاجا وأجزأ عنه من حجة الإسلام فإن قال قائل ما دل على ما وصفت قلت فإن مسلم بن خالد وغيره أخبرنا عن ابن جريج قال أخبرنا عطاء أنه سمع جابرا يقول قدم علي رضي الله عنه من سعايته فقال له النبي ﷺ بم أهللت يا علي قال بما أهل به النبي ﷺ قال فأهد وامكث حراما كما أنت قال وأهدى له علي هديا قال الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبدالله وهو يحدث عن حجة النبي ﷺ قال خرجنا مع النبي ﷺ حتى إذا أتى البيداء فنظرت مد بصرى من بين راكب وراجل من بين يديه وعن يمينه وعن شماله ومن ورائه كلهم يريد أن يأتم به يلتمس أن يقول كما يقول رسول الله ﷺ لا ينوي إلا الحج ولا يعرف غيره ولا يعرف العمرة فلما طفنا فكنا عند المروة قال أيها الناس من لم يكن معه هدى فليحلل وليجعلها عمرة ولو استقبلت من أمريء ما استدبرت ما أهديت فحل من لم يكن معه هدى أخبرنا مسلم ابن خالد عن ابن جريج عن منصور بن عبدالرحمن عن صفية بنت شيبة عن أسماء بنت أبي بكر قالت خرجنا مع النبي ﷺ فقال النبي ﷺ من كان معه هدى فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدى فليحلل ولم يكن معى هدى فحللت وكان مع الزبير هدى فلم يحلل أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت خرجنا مع رسول الله ﷺ لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا أنه الحج فلما كنا بسرف أو قريبا منها أمر النبي ﷺ من لم يكن معه هدى أن يجعلها عمرة فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر فقلت ما هذا قالوا ذبح رسول الله ﷺ عن نسائه قال يحيى فحدثت به القاسم ابن محمد فقال جاءتك والله بالحديث على وجهه
صفحة : 608
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة والقاسم مثل معنى حديث سفيان لا يخالف معناه أخبرنا سفيان عن عبدالرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله ﷺ في حجته لا نرى إلا الحج حتى رذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل على رسول الله ﷺ وأنا أبكى فقال مالك أنفست فقلت نعم فقال إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضى الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت قالت وضحى رسول الله ﷺ عن نسائه بالبقر أخبرنا سفيان قال حدثنا ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة وهشام بن حجير سمعوا طاوسا يقول خرج رسول الله ﷺ من المدينة لا يسمى حجا ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل ولم يكن معه هدى أن يجعلها عمرة وقال لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدى ولكنني لبدت رأسي وسقت هديي فليس لي محل دون محل هديي فقام إليه سراقة بن مالك فقال يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد فقال لا بل لأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال ودخل على من اليمن فقال له النبي ﷺ بم أهللت فقال أحدهما عن طاوس إهلال النبي ﷺ وقال الآخر لبيك حجة النبي ﷺ قال الشافعي فخرج رسول الله ﷺ وأصحابه مهلين ينتظرون القضاء فعقدوا الإحرام ليس على حج ولا عمرة ولا قران ينتظرون القضاء فنزل القضاء على النبي ﷺ فأمر من لا هدى معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن معه هدى أن يجعله حجا قال الشافعي ولبى علي وأبو موسى الأشعري باليمن وقالا في تلبيتهما إهلال كإهلال رسول الله ﷺ فأمرهما بالمقام على إحرامهما فدل هذا على الفرق بين الإحرام والصلاة لأن الصلاة لا تجزي عن أحد إلا بأن ينوي فريضة بعينها وكذلك الصوم ويجزيء بالسنة الإحرام فلما دلت السنة على أنه يجوز للمرء أن يهل وإن لم ينو حجا بعينه ويحرم بإحرام الرجل لا يعرفه دل على أنه إذا أهل متطوعا ولم يحج حجة الفريضة كانت حجة الفريضة ولما كان هذا كان إذا أهل بالحج عن غيره ولم يهلل بالحج عن نفسه كانت الحجة عن نفسه وكان هذا معقولا في السنة مكتفي به عن غيره وقد ذكرت فيه حديثا منقطعا عن النبي ﷺ ورأيا لابن
صفحة : 609
عباس رضي الله عنهما متصلا قال ولا يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حر بالغ مسلم ولا يجوز أن يحج عنه عبد بالغ ولا حر غير بالغ إذا كان حجهما لأنفسهما لا يجزي عنهما من حج الإسلام لم يجز عن غيرهما والله أعلم قال وأمر الحج والعمرة سواء فيعتمر عن الرجل كما يحج عنه ولا يجزيه أن يعتمر عنه إلا من اعتمر عن نفسه من بالغ حر مسلم قال ولو أن رجلا اعتمر عن نفسه ولم يحج فأمره رجل يحج عنه ويعتمر فحج عنه واعتمر أجزأت المعتمر عنه العمرة ولم تجز عنه الحجة وهكذا لو حج عن نفسه ولم يعتمر فحج عن غيره واعتمر أجزأت المحجوج عنه الحجة ولم تجز عنه العمرة ويجزيه أي النسكين كان العامل عمله عن نفسه ثم عمله عنه ولا يجزيه النسك الذي لم يعمله العامل عن نفسه وإذا كان ممن له أن يبعث من يحج عنه ويعتمر أجزأه أن يبعث رجلا واحدا يقرن عنه وأجزأه أن يبعث اثنين مفترقين يحج هذا عنه ويعتمر هذا عنه وكذلك امرأتين أو امرأة ورجلا قال وهذا في فرض الحج والعمرة كما وصفت يجزي رجلا أن يحج عن رجل وقد قيل إذا أجزأ في الفرض أجزأ أن يتنفل بالحج عنه وقد قيل يحج الفرض فقط بالسنة ولا يحج عنه نافلة ولا يعتمر نافلة قال الشافعي ومن قال يحج المرء عن المرء متطوعا قال إذا كان أصل الحج مفارقا للصلاة والصوم وكان المرء يعمل عن المرء الحج فيجزي عنه بعد موته وفي الحال التي لا يطيق فيها الحج فكذلك يعمله عنه متطوعا وهكذا كل شيء من أمر النسك أخبرنا ابن عيينة عن يزيد مولى عطاء قال ربما قال لي عطاء طف عني قال الشافعي وقد يحتمل أن يقال لا يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حجة الإسلام وعمرته ومن قال هذا قال الدلالة عليه أن النبي ﷺ إنما أمر بالحج عن الرجل في الحال التي لا يقدر فيها المحجوج عنه أن يحج عن نفسه وإني لا أعلم مخالف في أن رجلا لو حج عن رجل يقدر على الحج لا يجزي عنه من حجة الإسلام فإذا كان هذا عندهم هكذا دل على أنه إنما عذر في حال الضرورة بتأذية الفرض وما جاز في الضرورة دون غيرها لم يجز ما لم يكن ضرورة مثله قال الشافعي ولو أهل رجل بحج ففاته فحل بطواف البيت وسعى بين الصفا والمروة لم يجز عنه من حجة الإسلام لأنه لم يدركها ولم تجز عنه من عمرة الإسلام ولا عمرة نذر عليه لأنها ليست بعمرة وإنما كان حجا لم يجز له أن يقيم عليه لوجهين أحدهما أنه حج سنة فلا يدخل في حج
صفحة : 610
سنة غيرها والآخر أنه ليس له أن يقيم محرما بحج في غير أشهر الحج ولو أهل بالحج في غير أشهر الحج كان إهلاله عمرة يجزيء عنه من عمرة الإسلام لأنه لا وجه للإهلال إلا بحج أو عمرة فلما أهل في وقت كانت العمرة فيه مباحة والحج محظورا كان مهلا بعمرة وليس هذا كالمهل بالحج والحج مباح له فيفوته لأن ابتداء ذلك الحج كان حجا وابتداء هذا الحج كان عمرة وإذا أجزأت العمرة بلا نية لها أنها عمرة أجزأت إذا أهل بحج وكان إهلاله عمرة قال الشافعي والعمرة لا تفوت من قبل أنها تصلح في كل شهر والحج يفوت من قبل أنه لا يصلح إلا في وقت واحد من السنة فلو أن رجلا أهل بالعمرة في عام فحبسه مرض أو خطأ عدد أو غير ذلك ما خلا العدو أقام حراما حتى يحل متى حل ولم تفته العمرة متى وصل إلى البيت فعمل عملها قال ولو حج رجل عن رجل بلا إجارة ثم أراد الإجارة لم يكن له وكان متطوعا عنه وأجزأت عنه حجته قال ولو استأجر رجل رجلا يعتمر عنه في شهر فاعتمر في غيره أو على أن يحج عنه في سنة فحج في غيرها كانت له الإجارة وكان مسيئا بما فعل قال ولا بأس بالإجارة على الحج وعلى العمرة وعلى الخير كله وهي على عمل الخير أجوز منها على ما ليس بخير ولا بر من المباح فإن قال قائل ما الحجة في جواز الإجارة على تعليم القرآن والخير قيل أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله ﷺ زوج رجلا امرأة بسورة من القرآن قال والنكاح لا يجوز إلا بماله قيمة من الإجارات والأثمان
ID ' ' القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال
تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون
خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م
ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى:
(وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية
والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى:
(ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل
ولا يكاد يقدر عليه.
وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن
صفحة : 611
باب الوصية بالحج
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أوصى رجل لم يحج أن يحج عنه وارث ولم يسم شيئا أحج عنه الوارث بأقل ما يوجد به أحد يحج عنه فإن لم يقبل ذلك فلا يزاد عليه ويحج عنه غيره بأقل ما يوجد من يحج عنه به ممن هو أمين على الحج قال الشافعي ولا يرد عن الوارث وصية بهذا إنما هذه إجازة ولكن لو قال أحجوه بكذا أبطل كل ما زاد على أقل ما يوجد به من يحج عنه فإن قبل ذلك لم أحج عنه غيره قال ولو أوصى لغير وارث بمائة دينا يحج بها عنه فإن حج فذلك له وما زاد على أجر مثله وصية فإن امتنع لم يحج عنه أحدا لا بأقل ما يوجد به من يحج عنه ولو قال أحجوا عني من رأي فلان بمائة دينار فرأي فلان أن يحج عنه وارث له لم يحج عنه الوارث إلا بأقل ما يوجد به من يحج عنه فإن أبي قيل لفلان رأي غير وارث فإن فعل أجزنا ذلك وإن لم يفعل أحججت عنه رجلا بأقل ما يوجد به من يحج عنه قال ولو قال رجل أول واحد يحج عني فله مائة دينار فحج عنه غير وارث فله مائة دينار وإن حج عنه وارث فله أقل ما يوجد به من يحج عنه وما زاد على ذلك مردود لأنها وصية لوارث قال ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو يعتمر بما شاء كان ذلك مالا من مال المستأجر إذا أحج عنه أو اعتمر فإن استأجره على أن يحج عنه فأفسد الحج لم يقض ذلك من الرجل الحج وكان عليه أن يرد الإجارة كلها وكذلك لو أخطأ العدد ففاته الحج وكذلك الفساد في العمرة قال ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو يعتمر فاصطاد صيدا أو تطيب أو فعل في الحج أو العمرة شيئا تجب فيه الفدية فدى ذلك من ماله وكانت له الإجارة وأنظر إلى كل ما كان يكون حجه لو حج عن نفسه قاضيا عنه وعليه فيه كفارة حج عن غيره جعلته فاضيا عن غيره وله الإجارة كاملة في ماله وعليه في ماله فدية كل ما أصاب قال وهكذا ولي الميت إذا استأجر رجلا يحج عن الميت لا يختلفان في شيء قال ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه فقرن عنه كان زاده خيرا له ولم ينقصه وعليه في ماله دم القران قال ولو استأجره يحج عنه فاعتمر أو يعتمر فحج رد الإجارة لأن الحاج إذا أمر أن يعتمر عمل عن نفسه غير ما أمر به والحج غير العمرة والعمرة غير الحج قال ولو استأجره يحج عنه فاعتمر ثم عاد فحج عنه من ميقاته أجزأت عنه قال ولو اعتمر عن نفسه ثم أراد الحج عن غيره لم تكن حجته كاملة عن غيره إلا بأن يخرج إلى ميقات المحجوج عنه بحج عنه من ميقاته فإن ترك ذلك وحج من دون ميقاته أهراق دما وأجزأت
صفحة : 612
عنه قال ولو خرج رجل حاجا عن رجل فسلك غير طريق المحجوج عنه وأتى على ميقات في طريقه غير ميقات الرجل فأهل منه ومضى على حجه أجزأت عنه حجة الإسلام إن شاء الله تعالى قال ويجزي الحاج عن الرجل أن ينوي الحج عنه عند إحرامه وإن لم يتكلم به أجزأ عنه كما يجزئه ذلك في نفسه والمتطوع بالحج عن الرجل كالمستأجر في كل أمره يجزيه في كل ما أجزأه في كل ويفسد عليه في كل ما أفسد عليه في كل إلا أن المتطوع لا يرد إجارة لأنه لم يأخذها قال ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو عن ميت فحج ولم يكن حج عن نفسه أجزأت عنه ولم تجز عنهما ورد الإجارة قال ولا بأس أن يستأجر الوصي للميت إذا لم يحج الميت بعض ورثة الميت عنه أوصى بذلك الميت أو لم يوص والإجارة ليست بوصية منه وإن كان المستأجر وارثا أو غير وارث فسواء ويحج عن الميت الحج والعمرة الواجبتان أوصى بهما أو لم يوص كما يؤدى عنه الواجب عليه من الدين وإن لم يوص به قال ولو أوصى بثلثه للحاج اخترت أن يعطاه فقراء الحاج ولا أعلمه يحرم أن يعطاه غني منهم قال ولو أوصى أن يحج عنه تطوعا ففيها قولان أحدهما أن ذلك جائز والآخر أن ذلك غير جائز كما لو أوصى أن يستأجر عنه من يصلى عنه لم يجز ومن قال لا يجوز رد وصيته فجعلها ميراثا قال ولو قال رجل لرجل حج عن فلان الميت بنفقتك دفع إليه النفقة أو لم يدفعها كان هذا غير جائز لأن هذه أجرة غير معلومة فإن حج أجزأت عنه وله أجرة مثله وسواء كان المستأجر وارثا أو غير وارث أوصى بذلك الميت أو لم يوص به غير أنه إن أوصى بذلك لوارث لم يجز أن يعطى من الإجارة ما زاد على أجرة مثله من الفضل لأن المحاباة وصية والوصية لا تجوز لوارث
ID ' ' العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر
كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .
صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا
يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه
الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن
يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما
سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.
صفحة : 613
باب ما يؤدي عن الرجل البالغ الحج
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا وصل الرجل المسلم الحر البالغ إلى أن يحج أجزأت عنه حجة الإسلام وإن كان ممن لا مقدرة له بذات يده فحج ماشيا فهو محسن بتكلفه شيئا له الرخصة في تركة وحج في حين يكون عمله مؤديا عنه وكذلك لو آجر نفسه من رجل يخدمه وحج أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا سأل ابن عباس فقال أواجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك هل يجزيء عني فقال ابن عباس نعم أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب قال وكذلك لو حج وغيره يكفيه مؤنته لأنه حاج في هذه الحالات عن نفسه لا عن غيره قال وكذلك لو حج في عام أخطأ الناس فيه يوم عرفة لأن حجهم يوم يحجون كما فطرهم يوم يفطرون وأضحاهم يوم يضحون لأنهم إنما كلفوا الظاهر فيما يغيب عنهم فيما بينهم وبين الله عز وجل وهكذا لو أصاب رجل أهله بعد الرمى والحلاق كانت عليه بدنة وكان حجه تاما وهكذا لو دخل عرفة بعد الزوال وخرج منها قبل مغيب الشمس أجزأت عنه جته وأهراق دما وهكذا كل ما فعل مما ليس له في إحرامه غير الجماع كفر وأجزأت عنه من حجة الإسلام
ID ' ' وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله
ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت
جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت
عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها
هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت
خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها
فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر
على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.
ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه
والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب
الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف
ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه
صفحة : 614
باب حج الصبي يبلغ والمملوك يعتق والذمي يسلم
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا بلغ غلام أو عتق مملوك أو أسلم كافر بعرفة أو مزدلفة فأحرم أي هؤلاء صار إلى هذه الحال بالحج ثم وافي عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة واقفا بها أو غير واقف فقد أدرك الحج وأجزأ عنه من حجة الإسلام وعليه دم لترك الميقات ولو أحرم العبد والغلام الذي لم يبلغ بالحج ينويان بإحرامهما فرض الحج أو النافلة أو لا نية لهما ثم عتق هذا وبلغ هذا قبل عرفة أو بعرفة أو بمزدلفة أو أين كانا فرجعا إلى عرفة بعد البلوغ والعتق أجزأت عنهما من حجة الإسلام ولو احتاطا بأن يهريقا دما كان أحب إلى ولا يبين لي أن يكون ذلك عليهما وأما الكافر فلو أحرم من ميقاته ثم أسلم بعرفة لم يكن له بد من دم يهريقه لأن إحرامه ليس بإحرام ولو أذن الرجل لعبده فأهل بالحج ثم أفسده قبل عرفة ثم عتق فوافى عرفة لم تجز عنه من حجة الإسلام لأنه قد كان يجب عليه تمامها لأنه أحرم بإذن أهله وهي تجوز له وإن لم تجز عنه من حجة الإسلام فإذا أفسدها مضى فيها فاسدة وعليه قضاؤها ويهدي بدنة ثم إذا قضاها فالقضاء عنه يجزيه من حجة الإسلام قال الشافعي في الغلام المراهق لم يبلغ يهل بالحج ثم يصيب امرأته قبل عرفة ثم يحتلم بعرفة يمضى في حجه ولا أرى هذه الحجة مجزئة عنه من حجة الإسلام من قبل أن رسول الله ﷺ إذا جعل له حجا فالحاج إذا جامع أفسد وعليه البدل وبدنة فإذا جاء ببدل وبدنة أجزأت عنه من حجة الإسلام قال ولو أهل ذمي أو كافر ما كان هذا بحج ثم جامع ثم أسلم قبل عرفة وبعد الجماع فجدد إحراما من الميقات أو دونه وأهراق دما لترك الميقات أجزأت عنه من حجة الإسلام لأنه لا يكون مفسدا في حال الشرك لأنه كان غير محرم فإن قال قائل فإذا زعمت أنه كان في إحرامه غير محرم أفكان الفرض عنه موضوعا قيل لا بل كان عليه وعلى كل أحد أن يؤمن بالله عز وجل وبرسوله ويؤدي الفرائض التي أنزلها الله تبارك وتعالى على نبيه غير أن السنة تدل وما لم أعلم المسلمين اختلفوا فيه أن كل كافر أسلم ائتنف الفرائض من يوم أسلم ولم يؤمر بإعادة ما فرط فيه في الشرك منها وإن الإسلام يهدم ما قبله إذا أسلم ثم استقام فلما كان إنما يستأنف الأعمال ولا يكون عاملا عملا يكتب له إلا بعد الإسلام كان ما كان غير مكتوب له من إحرامه ليس إحراما والعمل يكتب للعبد البالغ وإذا قال رسول الله ﷺ في الصغير له حج ففي ذلك دلالة على أنه حاج وأن حجه إن شاء الله تعالى مكتوب له
صفحة : 615
باب الرجل ينذر الحج أو العمرة قال الشافعي فمن أوجب على نفسه حجا أو عمرة بنذر فحج أو اعتمر يريد قضاء حجته أو عمرته التي نذر كان حجته وعمرته التي نوى بها قضاء النذر حجة الإسلام وعمرته ثم كان عليه قضاء حجة النذر بعد ذلك قال الشافعي فإذا مات ولم يقض النذر ولا الواجب قضى عنه الواجب أولا فإن كان في ماله سعة أو كان له من يحج عنه قضى النذر عنه بعده قال الشافعي وإن حج عنه رجل بإجارة أو تطوع ينوى عنه قضاء النذر كان الحج الواجب عليه ثم قضى عنه النذر بعده إذا كان إحرام غيره عنه إذا أراد تأدية الفرض عنه يقوم مقام إحرام نفسه عنه في الأداء عنه فكذلك هو في النذر عنه والله أعلم ولو حج عنه رجلان هذا الفرض وهذا النذر كان أحب إلى وأجزأ عنه
باب الخلاف في هذا الباب
قال الشافعي رحمه الله تعالى وقد خالفنا بعض الناس في هذا الباب فقال نحن نوافقك على أن الرجل إذا حج تطوعا أو بغير نية كان ذلك عندنا حجة الإسلام للآثار والقياس فيه ولأن التطوع ليس بواجب عليه أفرأيت الواجب عليه من النذر إن كان واجبا وفرض الحج التطوع واجبا فكيف زعمت أنه إذا نوى النذر وهو واجب كان الحج الواجب كما قلته في التطوع والنذر غير تطوع فقلت له زعمته بأنه إذا كان مستطيعا من حين يبلغ إلى أن يموت فلم يكن وقت حج يأتى عليه إلا وفرض الحج لازم له بلاشيء ألزمه نفسه ولم يكن النذر لازما له إلا بعد إيجابه فكان في نفسه بمعنى من حج تطوعا وكان الواجب بكل حال أولى أن يكون المقدم من الذي لم يجب إلا بإيجابه على نفسه فإن قال ما يشبه النذر من النافلة قيل له إذا دخل فيه بعد حج الإسلام وجب عليه أن يتمه ولكنه لما كان إذا دخل فيه كان في حكمه في أنه يتمه كمبتديء حج الإسلام ينويه كان دخوله فيه لم يوجبه عليه إنما أوجب على نفسه فرضا عليه وغيره لو أوجبه عليه فآمره بالخروج منه كما آمره بالخروج من الحج بالطواف وآمره بقضائه فقال فإنك رويت أن ابن عباس وابن عمر سئلا فقال أحدهما قضيتهما ورب الكعبة لمن نذر حجا فحجه قضاء النذر والحج المكتوب وقال الآخر هذه حجة الإسلام فليلتمس وفاء النذر فقلت فأنت تخالفهما جميعا فتزعم أن هذا النذر وعليه حجة الإسلام فكيف تحتج بما تخالف قال وأنت تخالف أحدهما فقلت إن
صفحة : 616
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن الثوري عن زيد ابن جبير قال إني لعند عبدالله بن عمر إذ سئل عن هذه فقال هذه حجة الإسلام فليلتمس أن يقضى نذره قال الشافعي ولم نر عملين وجبا عليه فلم يكن له ترك واحد منهما على الابتداء يجزي عنه أن يأتى بأحدهما فنقول هذا في الحج ينذره الرجل وعليه حجة الإسلام فإن كان قضى حجة الإسلام وبقى عليه حجة نذره فحج متطوعا فهي حجة النذر ولا يتطوع بحج وعليه حج واجب وإذا أجزأ التطوع من الحجة المكتوبة لأنا نجعل ما تطوع به هو الواجب عليه من الفرض فكذلك إذا تطوع وعليه واجب من نذر لا فرق بين ذلك
باب هل تجب العمرة وجوب الحج
قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى وأتموا الحج والعمرة لله فاختلف الناس في العمرة فقال بعض المشرقيين العمرة تطوع وقاله سعيد بن سالم واحتج بأن سفيان الثوري أخبره عن معاوية ابن إسحق عن أبي صالح الحنفي أن رسول الله ﷺ قال الحج جهاد والعمرة تطوع فقلت له أثبت مثل هذا عن النبي ﷺ فقال هو منقطع وهو وإن لم تثبت به الحجة فإن حجتنا في أنها تطوع أن الله عز وجل يقول ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ولم يذكر في الموضع الذي بين فيه إيجاب الحج إيجاب العمرة وأنا لم نعلم أحدا من المسلمين أمر بقضاء العمرة عن ميت فقلت له قد يحتمل قول الله عز وجل وأتمو الحج والعمرة لله أن يكون فرضها معا وفرضه إذا كان في موضع واحد يثبت ثبوته في مواضع كثيرة كقوله تعالى أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم قال إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا فذكرها مرة مع الصلاة وأفرد الصلاة مرة أخرى دونها فلم يمنع ذلك الزكاة أن تثبت وليس لك حجة في قولك لا نعلم أحدا أمر بقضاء العمرة عن ميت إلا عليك مثلها لمن أوجب العمرة بأن يقول ولا نعلم من السلف أحدا ثبت عنه أنه قال لا تقضى عمرة عن ميت ولا هي تطوع كما قلت فإن كان لا نعلم لك حجة كان قول من أوجب العمرة لا نعلم أحدا من السلف ثبت عنه أنه قال هي تطوع وأن لا تقضى عن ميت حجة عليك قال ومن ذهب هذا المذهب أشبه أن يتأول الآية وأتموا الحج والعمرة لله إذا دخلتم فيهما وقال بعض أصحابنا العمرة سنة لا نعلم أحدا أرخص في تركها قال وهذا قول يحتمل إيجابها إن كان يريد أن الآية تحتمل إيجابها وأن ابن عباس ذهب إلى إيجابها ولم يخالفه غيره من الأئمة ويحتمل تأكيدها لا إيجابها
صفحة : 617
قال الشافعي والذي هو أشبه بظاهر القرآن وأولى بأهل العلم عندي وأسأل الله التوفيق أن تكون العمرة واجبة فإن الله عز وجل قرنها مع الحج فقال وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى وأن رسول الله ﷺ اعتمر قبل أن يحج وأن رسول الله ﷺ سن إحرامها والخروج منها بطواف وحلاق وميقات وفي الحج زيادة عمل على العمرة فظاهر القرآن أولى إذا لم يكن دلالة على أنه باطن دون ظاهر ومع ذلك قول ابن عباس وغيره أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أنه قال والذي نفسي بيده إنها لقرينتها في كتاب الله وأتموا الحج والعمرة لله أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال ليس من خلق الله تعالى أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان قال الشافعي وقاله غيره من مكيينا وهو قول الأكثر منهم قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى وسن رسول الله ﷺ في قران العمرة مع الحج هديا ولو كان أصل العمرة تطوعا أشبه أن لا يكون لأحد أن يقرن العمرة مع الحج لأن أحدا لا يدخل في نافلة فرضا حتى يخرج من أحدهما قبل الدخول في الآخر وقد يدخل في أربع ركعات وأكثر نافلة قبل أن يفصل بينهما بسلام وليس ذلك في مكتوبة ونافلة من الصلاة فأشبه أن لا يلزمه بالتمتع أو القران هدى إذا كان أصل العمرة تطوعا بكل حال لأن حكم ما لا يكون إلا تطوعا بحال غير حكم ما يكون فرضا في حال قال الشافعي وقال رسول الله ﷺ دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وقال رسول الله ﷺ لسائله عن الطيب والثياب افعل في عمرتك ما كنت فاعلا في حجتك أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريح عن عبدالله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه النبي ﷺ لعمرو بن حزم أن العمرة هي الحج الأصغر قال ابن جريج ولم يحدثني عبدالله بن أبي بكر عن كتاب رسول الله ﷺ لعمرو بن حزم شيئا إلا قلت له أفي شك أنتم من أنه كتاب رسول الله ﷺ فقال لا
صفحة : 618
قال الشافعي فإن قال قائل فقد أمر النبي ﷺ امرأة أن تقضي الحج عن أبيها ولم يحفظ عنه أن تقضى العمرة عنه قيل له إن شاء الله قد يكون في الحديث فيحفظ بعضه دون بعض ويحفظ كله فيؤدي بعضه دون بعض ويجيب عما يسأل عنه ويستغنى أيضا بأن يعلم أن الحج إذا قضى عنه فسبيل العمرة سبيله فإن قال قائل وما يشبه ما قلت قيل روى عنه طلحة أنه سئل عن الإسلام فقال خمس صلوات في اليوم والليلة وذكر الصيام ولم يذكر حجا ولا عمرة من الإسلام وغير هذا ما يشبه هذا والله أعلم فإن قال قائل ما وجه هذا قيل له ما وصفت من أن يكون في الخبر فيؤدي بعضه دون بعض أو يحفظ بعضه دون بعض أو يكفي بعلم السائل أو يكتفي بالجواب عن المسألة ثم يعلم السائل بعد ولا يؤدي ذلك في مسألة السائل ويؤدي في غيره قال وإذا أفرد العمرة فالميقات لها كالميقات في الحج والعمرة في كل شهر من السنة كلها إلا أنا ننهى المحرم بالحج أن يعتمر في أيام التشريق لأنه معكوف على عمل الحج ولا يخرج منه إلى الإحرام حتى يفرغ من جميع عمل الإحرام الذي أفرده قال الشافعي ولو لم يحج رجل فتوقى العمرة حتى تمضي أيام التشريق كان وجها وإن لم يفعل فجائز له لأنه في غير إحرام تمنعه به من غيره لإحرام غيره قال الشافعي ويجزيه أن يقرن الحج مع العمرة وتجزيه من العمرة الواجبة عليه ويهريق دما قياسا على قول الله عز وجل فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فالقارن أخف حالا من المتمتع المتمتع إنما أدخل عمرة فوصل بها حجا فسقط عنه ميقات الحج وقد سقط عن هذا وأدخل العمرة في أيام الحج وقد أدخلها القارن وزاد المتمتع أن تمتع بالإحلال من العمرة إلى إحرام الحج ولا يكون المتمتع في أكثر من حال القرن فيما يجب عليه من الهدى قال وتجزي العمرة قبل الحج والحج قبل العمرة من الواجبة عليه قال وإذا اعتمر قبل الحج ثم أقام بمكة حتى ينشيء الحج أنشأه من مكة لا من الميقات قال وإن أفرد الحج فأراد العمرة بعد الحج خرج من الحرم ثم أهل من أين شاء وسقط عنه بإحرامه بالحج من الميقات فأحرم بها من أقرب المواضع من ميقاتها ولا ميقات لها دون الحل كما يسقط ميقات الحج إذا قدم العمرة قبله لدخول أحدهما في الآخر وأحب إلى أن يعتمر من الجعرانة لأن النبي ﷺ اعتمر منها فإن أخطاه ذلك اعتمر من التنعيم لأن النبي ﷺ أمر عائشة أن تعتمر منها وهي أقرب الحل إلى البيت فإن أخطأه ذلك اعتمر من الحديبية لأن النبي ﷺ صلى بها وأراد
صفحة : 619
المدخل لعمرته منها أخبرنا ابن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت عمرو بن أوس الثقفي يقول أخبرني عبدالرحمن بن أبي بكر أن النبي ﷺ أمره أن يردف عائشة فيعمرها من التنعيم قال الشافعي وعائشة كانت قارنة فقضت الحج والعمرة الواجبتين عليها وأحبت أن تنصرف بعمرة غير مقرونة بحج فسألت ذلك النبي ﷺ فأمر بإعمارها فكانت لها نافلة خيرا وقد كانت دخلت مكة بإحرام فلم يكن عليها رجوع إلى الميقات أخبرنا سفيان بن عيينة عن إسمعيل بن أمية عن مزاحم عن عبدالعزيز بن عبدالله ابن خالد عن محرش الكعبي أو محرش أن النبي ﷺ خرج من الجعرانة ليلا فاعتمر وأصبح بها قال الشافعي وأصاب ابن جريج لأن ولده عندنا يقول بنو محرش أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أن النبي ﷺ قال لعائشة طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة عن النبي ﷺ مثله وربما قال سفيان عن عطاء عن عائشة وربما قال إن النبي ﷺ قال لعائشة قال الشافعي فعائشة كانت قارنة في ذي الحجة ثم اعتمرت بأمر النبي ﷺ بإعمارها بعد الحج فكانت لها عمرتان في شهر ورسول الله ﷺ اعتمر قبل الجعرانة عمرة القضية فكان متطوعا بعمرة الجعرانة فكان وإن دخل مكة عام الفتح بغير إحرام للحرب فليست عمرته من الجعرانة قضاء ولكنها تطوع والمتطوع يتطوع بالعمرة من حيث شاء خارجا من الحرم قال الشافعي ولو أهل رجل بحج ففاته خرج من حجه بعمل عمرة وكان عليه حج قابل والهدى ولم تجز هذه عنه من حجة ولا عمرة واجبة عليه لأنه إنما خرج من الحج بعمل العمرة لا أنه أبتدأ عمرة فتجزي عنه من عمرة واجبة عليه قال الشافعي رحمه الله تعالى يجوز أن يهل الرجل بعمرة في السنة كلها يوم عرفة وأيام منى وغيرها من السنة إذا لم يكن حاجا ولم يطمع بإدراك الحج وإن طمع بإدراك الحج أحببت له أن يكون إهلاله بحج دون عمرة أو حج مع عمرة وإن لم يفعل واعتمر جازت العمرة وأجزأت عنه عمرة الإسلام وعمرة إن كان أوجبها على نفسه من نذر أو أوجبه تبرر أو اعتمر عن غيره
صفحة : 620
قال الشافعي فإن قال قائل وكيف يجوز أن تكون العمرة في أيام الحج قيل قد أمر رسول الله ﷺ عائشة فأدخلت الحج على العمرة فوافت عرفة ومنى حاجة معتمرة والعمرة لها متقدمة وقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه هبار بن الأسود وأبا أيوب الأنصاري في يوم النحر وكان مهلا بحج أن يطوف ويسعى ويحلق ويحل فهذا عمل عمرة إن فاته الحج فإن أعظم الأيام حرمة أولاها أن ينسك فيها لله تعالى قال الشافعي ولا وجه لأن ينهى أحد أن يعتمر يوم عرفة ولا ليالي منى إلا أن يكون حاجا فلا يدخل العمرة على الحج ولا يعتمر حتى يكمل عمل الحج كله لأنه معكوف بمنى على عمل من عمل الحج من الرمي والإقامة بمنى طاف للزيارة أو لم يطف فإن اعتمر وهو في بقية من إحرام حجه أو خارجا من إحرام حجه وهو مقيم على عمل من عمل حجه فلا عمرة له ولا فدية عليه لأنه أهل بالعمرة في وقت لم يكن له أن يهل بها فيه قال الشافعي والعمرة في السنة كلها فلا بأس بأن يعتمر الرجل في السنة مرارا وهذا قول العامة من المكيين وأهل البلدان غير أن قائلا من الحجازيين كره العمرة في السنة إلا مرة واحدة وإذا كانت العمرة تصلح في كل شهر فلا تشبه الحج الذي لا يصلح إلا في يوم من شهر بعينه إن لم يدرك فيه الحج فات إلى قابل فلا يجوز أن تقاس عليه وهي تخالفه في هذا كله فإن قال قائل ما دل على ما وصفت قيل له عائشة ممن لم يكن معه هدى وممن دخل في أمر النبي ﷺ أن يكون إحرامه عمرة فعركت فلم تقدر على الطواف للطمث فأمرها رسول الله ﷺ أن تهل بالحج فكانت قارنة وكانت عمرتها في ذي الحجة ثم سألته أن يعمرها فأعمرها في ذي الحجة فكانت هذه عمرتين في شهر فكيف ينكر أحد بعد أمر النبي ﷺ بعمرتين في شهر يزعم أن لا تكون في السنة إلا مرة أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في كل شهر عمرة أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عائشة اعتمرت في سنة مرتين مرة من ذي الحليفة ومرة من الجحفة أخبرنا سفيان عن صدقة بن يسار عن القاسم بن محمد أن عائشة
صفحة : 621
أم المؤمنين زوج النبي ﷺ اعتمرت في سنة مرتين قال صدقة فقلت هل عاب ذلك عليها أحد فقال سبحان الله أم المؤمنين فاستحييت أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع قال اعتمر عبدالله بن عمر أعواما في عهد ابن الزبير مرتين في كل عام أخبرنا عبدالوهاب بن عبدالمجيد عن حبيب المعلم قال سئل عطاء عن العمرة في كل شهر قال نعم قال الشافعي وفيما وصفت من عمرة عائشة بأمر النبي ﷺ وغيرها في ذي الحجة وفي أنه اعتمر في أشهر الحج بيان أن العمرة تجوز في أمان الحج وغيره وإذا جازت في شهر مرتين بأمر النبي ﷺ زايلت معنى الحج الذي لا يكون في السنة إلا مرة واحدة وصلحت في كل شهر وحين أراده صاحبه إلا أن يكون محرما بغيرها من حج أو عمرة فلا يدخل إحراما بغيره عليه قبل أن يكمله قال الشافعي وإذا أهل رجل بعمرة كان له أن يدخل الحج على العمرة ما لم يدخل في الطواف بالبيت فإذا دخل فيه فليس له أن يدخل عليه الحج ولو فعل لم يلزمه حج لأنه يعمل في الخروج من عمرته في وقت ليس له إدخال الحج فيه على عمل العمرة ولو كان إهلاله بحج لم يكن له أن يدخل عليه العمرة ولو فعل لم يكن مهلا بعمرة ولا عليه فدية قال ومن لم يحج اعتمر في السنة كلها ومن حج لم يدخل العمرة على الحج حتى يكمل عمل الحج وهو آخر أيام التشريق إن أقام إلى آخرها وإن نفر النفر الأول فاعتمر يومئذ لزمته العمرة لأنه لم يبق عليه للحج عمل ولو أخره كان أحب إلى ولو أهل بالعمرة في يوم النفر الأول ولم ينفر كان إهلاله باطلا لأنه معكوف على عمل من عمل الحج فلا يخرج منه إلا بكماله والخروج منه قال وخالفنا بعض حجازيينا فقال لا يعتمر في السنة إلا مرة وهذا خلاف سنة رسول الله ﷺ فقد أعمر عائشة في شهر واحد من سنة واحدة مرتين وخلاف فعل عائشة نفسها وعلى بن أبي طالب وابن عمر وأنس رضي الله عنهم وعوام الناس وأصل قوله إن كان قوله إن العمرة تصلح في كل السنة فكيف قاسها بالحج الذي لا يصلح إلا في يوم من السنة وأي وقت وقت للعمرة من الشهور فإن قال أي وقت شاء فكيف لم يعتمر في أي وقت شاء مرارا وقول العامة على ما قلنا
ID ' ' أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن
صفحة : 622
باب من أهل بحجتين أو عمرتين
قال الشافعي رحمه الله تعالى من أهل بحجتين معا أو حج ثم أدخل عليه حجا آخر قبل أن يكمل الحج فهو مهل بحج واحد ولا شيء عليه في الثاني من فدية ولا قضاء ولا غيره قال وإكمال عمل الحج أن لا يبقى عليه طواف ولا حلاق ولا رمى ولا مقام بمنى فإن قال قائل فكيف قلت هذا قيل كان عليه في الحج أن يأتى بعمله على كماله فيدخل فيه حراما ويكون كماله أن يخرج منه حلالا من يوم النحر من بعضه دون بعض وبعد النحر من كله بكماله فلو ألزمناه الحجتين وقلنا أكمل إحداهما أمرناه بالإحلال وهو محرم بحج ولو قلنا له لا تخرج من إحرام أحداهما إلا بخروجك من الآخر بكماله قلنا له ائت ببعض عمل الحج دون بعض فإن قال وما يبقي عليه من عمل الحج قيل الحلاق فأمرناه أن لا يكمل الحج انتظارا للذي بعده ولو جاز هذا جاز أن يقال له أقم في بلدك أو في مكة ولا تعمل لأحد حجيك حتى تعمل للآخر منهما كما يقال للقارن فيكون إنما عمل بحج واحد وبطل الآخر ولو قلنا بل يعمل لأحدهما ويبقى محرما بالآخر قلنا فهو لم يكمل عمل أحدهما وأكمل عمل الآخر فكيف يجب عليه في أحدهما ما سقط عنه في الآخر فإن قلت بل يحل من أحدهما قيل فلم يلزمه أداء الآخر إذا جاز له أن يخرج من الأول لم يدخل في غيره إلا بتجديد دخول فيه قال الشافعي وإذا كان عمر بن الخطاب وكثير ممن حفظنا عنه لم نعلم منهم اختلافا يقولون إذا أهل بحج ثم فاته عرفة لم يقم حراما وطاف وسعى وحلق ثم قضى الحج الفائت له لم يجز أبدا في الذي لم يفته الحج أن يقيم حراما بعد الحج بحرام وإذا لم يجز لم يجز إلا سقوط إحدى الحجتين والله أعلم وقد روى من وجه عن عطاء أنه قال إذا أهل بحجتين فهو مهل بحج وتابعه الحسن بن أبي الحسن قال والقول في العمرتين هكذا وكمال العمرة الطواف بالبيت وبالصفا والمروة والحلاق وأمرهم من فاته الحج أن يحل بطواف وسعى وحلاق ويقضى يدلان معا على أنه لا يجوز أن يهل بالحج في غير أشهر الحج لأن من فاته الحج قد يقدر أن يقيم حراما إلى قابل ولا أراه أمروه بالخروج من إحرامه بالطواف ولا يقيم حراما لأنه لا يجوز له أن يقيم محرما بحج في غير أشهر الحج ويدل على أنه إذا خرج من حجه بعمل عمرة فليس أن حجه صار عمرة ولا يصير عمرة وقد ابتدأه حجا في وقت يجوز فيه الإهلال بالحج ولو جاز أن ينفسخ الحج عمرة جاز أن يكون من ابتدأ فأهل بحجتين مهلا بحج وعمرة لأنه يصلح أن يبتدأ حج وعمرة ولم يجز لمن قال يصير
صفحة : 623
حجه عمرة إلا ما وصفت من أنه إذا ابتدأ فأهل بحجتين فهو مهل بحج وعمرة فأما من أهل بحج ثم أدخل عليه بعد إهلاله به حجا فبين في كل حال أن لا يكون مدخلا حجا على حج ولا تكون عمرة مع حج كما لو ابتدأ فأدخل عمرة على حج لم تدخل عليه ولو جاز أن يصرف الحج عمرة جاز أن تصرف العمرة حجا فيكون من أهل بعمرتين في أشهر الحج مهلا بحج وعمرة وصرفنا إحرامه إلى الذي يجوز له ولا يجوز شيء من هذا غير القول الأول من أن من أهل بحجتين فهو
باب الخلاف فيمن أهل بحجتين أو عمرتين
قال الشافعي رحمه الله وخالفنا رجلان من الناس فقال أحدهما من أهل بحجتين لزمتاه فإذا أخد في عملهما فهو رافض للآخر وقال الآخر هو رافض للآخر حين ابتدأ الإهلال وأحسبهما قالا وعليه في الرفض دم وعليه القضاء قال الشافعي قد حكى لي عنهما معا أنهما قالا من أجمع صيام يومين فصام أحدهما فليس عليه الآخر لأنه لا يجوز أن يدخل في الآخر إلا بعد الخروج من الأول وهكذا من فاتته صلوات فكبر ينوي صلاتين لم يكن إلا صلاة واحدة ولم يلزمه صلاتان معا لأنه لا يدخل في الآخر إلا من بعد الخروج من الأولى قال وكذلك لو نوى صلاتين تطوعا مما يفصل بينهما بسلام فإذا كان هذا هكذا في الصوم والصلاة فكيف لم يكن عندهما هكذا في الحج مع أنه يلزمهما أن يدعا قولهما في الحج إن زعما أن الحج يصير عمرة إذا فاتت عرفة أشبه أن يلزمهما إذا كان الإحرام بحجتين لازما أن يقولا هو حج وعمرة قالا يقضي أحدهما أو لم يقولاه قال الشافعي وبهذا قلنا لا يقرن بين عملين إلا بحج وعمرة يدخل الحج على العمرة ولا يدخل العمرة على الحج إذا بدأ بالحج لأن الأصل أن لا نجمع بين عملين فلما جمع بينهما في حال سلم في المواقيت قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن قال ابن عمر ويزعمون أن رسول الله ﷺ قال ويهل أهل اليمن من يلملم أخبرنا مالك بن أنس عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر أنه قال أمر أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن قال ابن عمر أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من
صفحة : 624
رسول الله ﷺ وأخبرت أن رسول الله ﷺ قال ويهل أهل اليمن من يلملم أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال قام رجل من أهل المدينة في المسجد فقال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن قال لي نافع ويزعمون أن النبي ﷺ قال ويهل أهل اليمن من يلملم قال وأخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يسأل عن المهل فقال سمعت ثم انتهى أراه يريد النبي ﷺ يقول يهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر من الجحفة وأهل المغرب ويهل أهل العراق من ذات عرق ويهل أهل نجد من قرن ويهل أهل اليمن من يلملم قال الشافعي ولم يسم جابر بن عبدالله النبي ﷺ وقد يجوز أن يكون سمع عمر بن الخطاب قال ابن سيرين يروي عن عمر بن الخطاب مرسلا أنه وقت لأهل المشرق ذات عرق ويجوز أن يكون سمع غير عمر بن الخطاب من أصحاب النبي ﷺ أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عطاء أن رسول الله ﷺ وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل المغرب الجحفة ولأهل المشرق ذا عرق ولأهل نجد قرنا ومن سلك نجدا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال فراجعت عطاء فقلت إن النبي ﷺ زعموا لم يوقت ذات عرق ولم يكن أهل المشرق حينئذ قال كذلك سمعنا أنه وقت ذات عرق أو العقيق لأهل المشرق قال ولم يكن عراق ولكن لأهل المشرق ولم يعزه إلى أحد دون النبي ﷺ ولكنه يأبي إلاأن النبي ﷺ وقته أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال لم يوقت رسول الله صلى الله قال الشافعي ولا أحسبه إلا كما قال طاوس والله أعلم أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه قال لم يوقت النبي ﷺ لأهل المشرق شيئا فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق أخبرنا الثقة عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر ابن الخطاب وقت ذات عرق لأهل المشرق
صفحة : 625
قال الشافعي وهذا عن عمر بن الخطاب مرسلا وذات عرق شبيه بقرن في القرب وألملم قال الشافعي فإن أحرم منها أهل المشرق رجوت أن يجزيهم قياسا على قرن ويلملم ولو أهلوا من العقيق كان أحب إلى أخبرنا سفيان عن عبدالله بن طاوس عن أبيه قال وقت رسول الله ﷺ لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا ولأهل اليمن يلملم ثم قال رسول الله ﷺ هذه المواقيت لأهلها ولكل آت أتى عليها من غير أهلها ممن أراد الحج والعمرة ومن كان أهله من دون الميقات فليهل من حيث ينشيء حتى يأتي ذلك على أهل مكة أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ في المواقيت مثل معنى حديث سفيان في المواقيت أخبرنا سعيد ابن سالم عن القاسم بن معن عن ليث عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس أنه قال وقت رسول الله ﷺ لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرنا ومن كل دون ذلك فمن حيث يبدأ أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله ﷺ لما وقت المواقيت قال ليستمتع المرء بأهله وثيابه حتى يأتى كذا وكذا للمواقيت قلت أفلم يبلغك أن النبي ﷺ قال إذا بلغوا كذا وكذا أهلوا قال لا أدري
ID ' ' ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.
وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو
ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة
للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب
غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال
وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع
سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ
الحديث.
وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة
أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى.
صفحة : 626
باب تفريع المواقيت
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال قال ولم يسم عمرو القائل إلا أنا نراه ابن عباس الرجل يهل من أهله ومن بعد ما يجاوز أين شاء ولا يجاوز الميقات إلا محرما أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز الميقات غير محرم قال الشافعي وبهذا نأخذ وإذا أهل الرجل بالحج أو العمرة من دون ميقاته ثم رجع إلى ميقاته فهو محرم في رجوعه ذلك فإن قال قائل فكيف أمرته بالرجوع وقد ألزمته إحراما قد ابتدأه من دون ميقاته أقلت ذلك اتباعا لابن عباس أم خبرا من غيره أو قياسا قلت هو وإن كان اتباعا لابن عباس ففيه أنه في معنى السنة فإن قال فاذكر السنة التي هو في معنا ما قلت أرأيت إذ وقت رسول الله ﷺ المواقيت لمن أراد حجا أو عمرة أليس المريد لهما مأمورا أن يكون محرما من الميقات لا يحل إلا بإتيان البيت والطواف والعمل معه قال بلى قلت أفتراه مأذونا له قبل بلوغ الميقات أن يكون غير محرم قال بلى قلت أفتراه أن يكون مأذونا له أن يكون بعض سفره حلالا وبعضه حراما قال نعم قلت أفرأيت إذا جاوز الميقات فأحرم أو لم يحرم ثم رجع إلى الميقات فأحرم منه أما أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات إلى أن يحل بالطواف بالبيت وعمل غيره قال بلى ولكنه إذا دخل في إحرام بعد الميقات فقد لزمه إحرامه وليس بمبتديء إحراما من الميقات قال الشافعي قلت إنه لا يضيق عليه أن يبتديء الإحرام قبل الميقات كما لا يضيق عليه لو أحرم من أهله فلم يأت الميقات إلا وقد تقدم بإحرامه لأنه قد أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات إلى أن يحل بالطواف وعمل الحج وإذا كان هذا هكذا كان الذي جاوز الميقات ثم أحرم ثم رجع إليه في معنى هذا في أنه قد أتى على الميقات محرما ثم كان بعد محرما إلى أن يطوف ويعمل لإحرامه إلا أنه زاد على نفسه سفرا بالرجوع والزيادة لا تؤثمه ولا توجب عليه فدية إن شاء الله تعالى فإن قال أفرأيت من كان أهله من دون الميقات أو كان من أهل الميقات قلت سفر ذلك كله إحرام وحاله إذا جاوز أهله حال من جاوز الميقات يفعل ما أمرنا به من جاوز الميقات قال الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال عمرو بن دينار عن
صفحة : 627
طاوس من شاء أهل من بيته ومن شاء استمتع بثيابه حتى يأتى ميقاته ولكن لا يجاوزه إلا محرما يعنى ميقاته أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال المواقيت في الحج والعمرة سواء ومن شاء أهل من ورائها ومن شاء أهل منها ولا يجاوزها إلا محرما وبهذا نأخذ أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن جريج أن عطاء قال ومن أخطأ أن يهل بالحج من ميقاته أو عمد ذلك فليرجع إلى ميقاته فليهل منه إلا أن يحبسه أمر يعذر به من وجع أو غيره أو يخشى أن يفوته الحج إن رجع فليهرق دما ولا يرجع وأدنى ما يهريق من الدم في الحج أو غيره شاة أخبرنا مسلم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت الذي يخطيء أن يهل بالحج من ميقاته ويأتى وقد أزف الحج فيهريق دما أيخرج مع ذلك من الحرم فيهل بالحج من الحل قال لا ولم يخرج خشية الدم الذي يهريق قال الشافعي وبهذا نأخذ من أهل من دون ميقاته أمرناه بالرجوع إلى ميقاته ما بينه وبين أن يطوف بالبيت فإذا طاف بالبيت لم نأمره بالرجوع وأمرناه أن يهريق دما وإن لم يقدر على الرجوع إلى ميقاته بعذر أو تركه عامدا لم نأمره بأن يخرج إلى شيء دون ميقاته وأمرناه أن يهريق دما وهو مسيء في تركه أن يرجع إذا أمكنه عامدا ولو كان ميقات القوم قرية فأقل ما يلزمه في الإهلال أن لا يخرج من بيوتها حتى يحرم وأحب إلى إن كانت بيوتها مجتمعة أو متفرقة أن يتقصى فيحرم من أقصى بيوتها مما يلي بلده الذي هو أبعد من مكة وإن كان واديا فأحب إلى أن يحرم من أقصاه وأقربه ببلده وأبعده من مكة وإن كان ظهرا من الأرض فأقل ما يلزمه في ذلك أن يهل مما يقع عليه اسم الظهر أو الوادي أو الموضع أو القرية إلا أن يعلم موضعها فيهل منه وأحب إلى أن يحرم من أقصاه إلى بلده الذي هو أبعد من مكة فإنه إذا أتى بهذا فقد أحرم من الميقات يقينا أو زاد والزيادة لا تضر وإن علم أن القرية نقلت فيحرم من القرية الأولى وإن جاوز ما يقع عليه الاسم رجع أو أهراق دما أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبدالكريم الجزري قال رأي سعيد بن جبير رجلا يريد أن يحرم من ميقات ذات عرق فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ثم قال هذه ذات عرق الأولى
صفحة : 628
قال الشافعي ومن سلك بحرا أو برا من غير وجه المواقيت أهل بالحج إذا حاذى المواقيت متأخيا وأحب إلى أن يحتاط فيحرم من وراء ذلك فإن علم أنه أهل بعد ما جاوز المواقيت كان كمن جاوزها فرجع أو أهراق دما أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال من سلك بحرا أو برا من غير جهة المواقيت أحرم إذا حاذى المواقيت قال الشافعي وبهذا نأخذ ومن سلك كداء من أهل نجد والسراة أهل بالحج من قرن وذلك قبل أن يأتى ثنية كدى وذلك أرفع من قرن في نجد وأعلى وادي قرن وجماع ذلك ما قال عطاء أن يهل من جاء من غير جهة المواقيت إذا حاذى المواقيت وحديث طاوس في المواقيت عن النبي ﷺ أوضحها معنى وأشدها غنى عما دونه وذلك أنه أتى على المواقيت ثم قال عن النبي ﷺ هن لأهلهن ولكل آت أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد حجا أو عمرة وكان بينا فيه إن عراقيا أو شاميا لو مر بالمدينة يريد حجا أو عمرة كان ميقاته ذا الحليفة وإن مدنيا لو جاء من اليمن كان ميقاته يلملم وإن قوله يهل أهل المدينة من ذي الحليفة إنما هو لأنهم يخرجون من بلادهم ويكون ذو الحليفة طريقهم وأول ميقات يمرون به وقوله وأهل الشام من الجحفة لأنهم يخرجون من بلادهم والجحفة طريقهم وأول ميقات يمرون به ليست المدينة ولا ذو الحليفة طريقهم إلا أن يعرجوا إليها وكذلك قوله في أهل نجد واليمن لأن كل واحد منهم خارج من بلده وكذلك أول ميقات يمرون به وفيه معنى آخر أن أهل نجد اليمن يمرون بقرن فلما كانت طريقهم لم يكلفوا أن يأتوا يلملم وإنما ميقات يلملم لأهل غور اليمن يهمها ممن هي طريقهم قال الشافعي ولا يجوز في الحديث غير ما قلت والله أعلم وذلك أنه لو كان على أهل المدينة أين كانوا فأرادوا الحج أن يهلوا من ذي الحليفة رجعوا من اليمن إلى ذي الحليفة ورجع أهل اليمن من المدينة إن أرادوا منها الحج إلى يلملم ولكن معناه ما قلت والله أعلم وهو موجود في الحديث معقول فيه ومعقول في الحديث في قوله ولكل آت أتى عليها ما وصفت وقوله ممن أراد حجا أو عمرة أنهن مواقيت لمن أتى عليهم يريد حجا أو عمرة فمن أتى عليهن لا يريد حجا ولا عمرة فجاوز الميقات ثم بدا له أن يحج أو يعتمر أهل بالحج من حيث يبدو له وكان ذلك ميقاته كما يكون ميقات أهله الذين أنشأوا منه يريدون الحج أو العمرة حين أنشأوا منه وهذا معنى أمر رسول الله ﷺ بقوله ممن أراد حجا أو عمرة لأن هذا جاوز الميقات لا يريد
صفحة : 629
حجا ولا عمرة ومعنى قوله ولكل آت أتى عليهن ممن أراد حجا أو عمرة فهذه إنما أراد الحج أو العمرة بعد ما جاوز المواقيت فأراد وهو ممن دون المواقيت المنصوبة وأراده وهو داخل في جملة المواقيت لقول النبي ﷺ ومن كان أهله دون المواقيت فمن حيث ينشيء حتى يأتى ذلك على أهل مكة فهذا جملة المواقيت أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من الفرع قال الشافعي وهذا عندنا والله أعلم أنه مر بميقاته لم يرد حجا ولا عمرة ثم بدا له من الفرع فأهل منه أو جاء الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له الإهلال فأهل منها ولم يرجع إلى ذي الحليفة وهو روى الحديث عن النبي ﷺ في المواقيت فلو أن بعض أهل المدينة أتى الطائف لحاجته عامدا لا يريد حجا ولا عمرة ثم خرج منها كذلك لا يريد حجا ولا عمرة حتى قارب الحرم ثم بدا له أن يهل بالحج أو العمرة أهل من موضعه ذلك ولم يرجع أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال إذا مر المكي بميقات أهل مصر فلا يجاوزه إلا محرما أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريح جريج قال قال طاوس فإن مر المكي على المواقيت يريد مكة فلا يخلفها حتى يعتمر
ID ' ' هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة
القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال
تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون
خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م
ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى:
(وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية
والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى:
(ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل
ولا يكاد يقدر عليه.
وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن
العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر
صفحة : 630
باب دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة
قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله عز وجل وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا إلى قوله قال الشافعي المثابة في كلام العرب الموضع يثوب الناس إليه ويئوبون يعودون إليه بعد الذهاب منه وقد يقال ثاب إليه اجتمع إليه فالمثابة تجمع الاجتماع ويئوبون يجتمعون إليه راجعين بعد ذهابهم منه ومبتدئين قال ورقة ابن نوفل يذكر البيت مثابا لافناء القبائل كلها تخب إليه اليعملات الذوامل وقال خداش بن زهير النصري فما برحت بكر تثوب وتدعي ويلحق منهم أولون وآخر وقال الله عز وجل أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم يعني والله أعلم آمنا من صار إليه لا يتخطف اختطاف من حولهم وقال لإبراهيم خليله وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق قال الشافعي فسمعت بعض من أرضى من أهل العلم يذكر أن الله تبارك وتعالى لما أمر بهذا إبراهيم عليه السلام وقف على المقام فصاح صيحة عباد الله أجيبوا داعي الله فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال وأرحام النساء فمن حج البيت بعد دعوته فهو ممن أجاب دعوته ووافاه من وافه يقولون لبيك داعي ربنا لبيك وقال الله عز وجل ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا الآية فكان ذلك دلالة كتاب الله عز وجل فينا وفي الأمم على أن الناس مندوبون إلى إتيان البيت بإحرام وقال الله عز وجل وعهدنا إلى إبراهيم وإسمعيل أن طهرا بيتي قال الشافعي فكان مما ندبوا به إلى إتيان الحرم بالإحرام قال وروى عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أنه قال لما أهبط الله تعالى آدم من الجنة طأطأه فشكا الوحشة إلى أصوات الملائكة فقال يا رب ما لي لا أسمع حس الملائكة فقال خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فإن لي بيتا بمكة فائته فافعل حوله نحو ما رأيت الملائكة يفعلون حول عرشي فأقبل يتخطى موضع كل قدم قرية وما بينهما مفازة فلقيته الملائكة بالردم فقالوا بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام أخبرنا أبن عيينة عن ابن أبي لبيد عن محمد ابن كعب القرظي أو غيره قال حج آدم فلقيته الملائكة فقالت بر نسكك يا آدم لقد حججنا قبلك بألفي عام قال الشافعي وهو إن شاء الله تعالى كما قال وروى عن أبي سلمة وسفيان بن عيينة كان يشك
صفحة : 631
في إسناده قال الشافعي ويحكى أن النبيين كانوا يحجون فإذا أتوا الحرم مشوا إعظاما له ومشوا حفاة ولم يحك لنا عن أحد من النبيين ولا الأمم الخالية أنه جاء أحد البيت قط إلا حراما ولم يدخل رسول الله ﷺ مكة علمناه إلا حراما إلا في حرب الفتح فبهذا قلنا إن سنة الله تعالى في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حراما وبأن من سمعناه من علمائنا قالوا فمن نذر أن يأتي البيت يأتيه محرما بحج أو عمرة قال ولا أحسبهم قالوه إلا بما وصفت وأن الله تعالى ذكر وجه دخول الحرم فقال لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين قال فدل على وجه دخوله للنسك وفي الأمن وعلى رخصة الله في الحرب وعفوه فيه عن النسك وأن فيه دلالة على الفرق بين من يدخل مكة وغيرها من البلدان وذلك أن جميع البلدان تستوي لأنها لا تدخل بإحرام وإن مكة تنفرد بأن من دخلها منتابا لها لم يدخلها إلا بإحرام قال الشافعي إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين ومن مدخله إياها لمنافع أهلها والكسب لنفسه ورأيت أحسن ما يحمل عليه هذا القول إلى أن انتياب هؤلاء مكة انتياب كسب لا انتياب تبرر وأن ذلك متتابع كثير متصل فكانوا يشبهون المقيمين فيها ولعل حطابيهم كانوا مماليك غير مأذون لهم بالتشاغل بالنسك فإذا كان فرض الحج على المملوك ساقطا سقط عنه ما ليس بفرض من النسك فإن كانوا عبيدا ففيهم هذا المعنى الذي ليس في غيرهم مثله وإن كانت الرخصة لهم لمعنى أن قصدهم في دخول مكة ليس قصد النسك ولا التبرر وأنهم يجمعون أن دخولهم شبيه بالدائم فمن كان هكذا كانت له الرخصة فأما المرء يأتى أهله بمكة من سفر فلا يدخل إلا محرما لأنه ليس في واحد من المعنيين فأما البريد يأتي برسالة أو زور أهله وليس بدائم الدخول فلو استأذن فدخل محرما كان أحب إلى وإن لم يفعل ففيه المعنى الذي وصفت أنه يسقط به عنه ذلك ومن دخل مكة خائفا الحرب فلا بأس أن يدخلها بغير إحرام فإن قال قائل ما دل على ما وصفت قيل الكتاب والسنة فإن قال وأين قيل قال الله تبارك وتعالى فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى فأذن للمحرمين بحج أو عمرة أن يحلوا لخوف الحرب فكان من لم يحرم أولى إن خاف الحرب أن لا يحرم من محرم يخرج من إحرامه ودخلها رسول الله ﷺ عام الفتح غير محرم للحرب فإن قال قائل فهل عليه إذا دخلها بغير إحرام لعدو وحرب أن يقضي
صفحة : 632
إحرامه قيل لا إنما يقضي ما وجب بكل وجه فاسد أو ترك فلم يعمل فأما دخوله مكة بغير إحرام فلما كان أصله أن من شاء لم يدخلها إذا قضى حجة الإسلام وعمرته كان أصله غير فرض فلما دخلها محلا فتركه كان تاركا لفضل وأمر لم يكن أصله فرضا بكل حال فلا يقضيه فأما إذا كان فرضا عليه إتيانها لحجة الإسلام أو نذر نذره فتركه إياه لا بد أن يقضيه أو يقضى عنه بعد موته أو في بلوغ الوقت الذي لا يستطيع أن يستمسك فيه على المركب ويجوز عندي لمن دخلها خائفا من سلطان أو أمر لا يقدر على دفعه ترك الإحرام إذا خافه في الطواف والسعي وإن لم يخفه فيهما لم يجز له والله أعلم ومن المدنيين من قال لا بأس أن يدخل بغير إحرام واحتج بأن ابن عمر دخل مكة غير محرم قال الشافعي وابن عباس يخالفه ومعه ما وصفنا واحتج بأن النبي ﷺ دخلها عام الفتح غير محرم وأن النبي ﷺ دخلها كما وصفنا محاربا فإن قال أقيس على مدخل النبي ﷺ قيل له أفتقيس على أحصار النبي ﷺ بالحرب فإن قال لا لأن الحرب مخالفة لغيرها قيل وهكذا افعل في الحرب حيث كانت لا تفرق بينهما في موضع وتجمع بينهما في آخر
ID ' ' كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .
صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا
يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه
الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن
يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما
سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.
وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله
ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت
جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت
عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها
هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت
صفحة : 633
باب ميقات العمرة مع الحج
قال الشافعي رحمه الله وميقات العمرة والحج واحد ومن قرن أجزأت عنه حجة الإسلام وعمرته وعليه دم القران ومن أهل بعمرة ثم بدا له أن يدخل عليها حجة فذلك له ما بينه وبين أن يفتتح الطواف بالبيت فإذا افتتح الطواف بالبيت فقد دخل في العمل الذي يخرجه من الإحرام فلا يجوز له أن يدخل في إحرام ولم يستكمل الخروج من إحرام قبله فلا يدخل إحراما على إحرام ليس مقيما عليه وهذا قول عطاء وغيره من أهل العلم فإذا أخذ في الطواف فأدخل عليه الحج لم يكن به محرما ولم يكن عليه قضاؤه ولا فدية لتركه فإن قال قائل وكيف كان له أن يكون مفردا بالعمرة ثم يدخل عليها حجا قيل لأنه لم يخرج من إحرامها وهذا لا يجوز في صلاة ولا صوم وقيل له إن شاء الله أهلت عائشة وأصحاب رسول الله ﷺ ينتظرون القضاء فنزل على النبي ﷺ القضاء فأمر من لم يكن معه هدى أن يجعل إحرامه عمرة فكانت معتمرة بأن لم يكن معها هدى فلما حال المحيض بينها وبين الإحلال من عمرتها ورهقها الحج أمرها رسول الله ﷺ أن تدخل عليها الحج ففعلت فكانت قارنة فبهذا قلنا يدخل الحج على العمرة ما لم يفتتح الطواف وذكرت له قران الحج والعمرة فإذا قال جائز قيل أفيجوز هذا في صلاتين أن تقرنا أو في صومين فإن قال لا قيل فلا يجوز أن تجمع بين ما تفرق أنت بينه قال الشافعي ولو أهل بالحج ثم أراد أن يدخل عليه عمرة فإن أكثر من لقيت وحفظت عنه يقول ليس ذلك له وإذا لم يكن ذلك له فلا شيء عليه في ترك العمرة من قضاء ولا فدية قال الشافعي فإن قال قائل فكيف إذا كانت السنة أنهما نسكان يدخل أحدهما في الآخر ويفترقان في أنه إذا أدخل الحج على العمرة فإنما زاد إحراما أكثر من إحرام العمرة على الحج زاد إحراما أقل من إحرام الحج وهذا وإن كان كما وصفت فليس بفرق يمنع أحدهما أن يكون قياسا على الآخر لأنه يقاس ما هو أبعد منه ولا أعلم حجة في الفرق بين هذا إلا ما وصفت من أنه الذي أحفظ عمن سمعت عنه ممن لقيت وقد يروى عن بعض التابعين ولا أدرى هل يثبت عن أحد من أصحاب رسول الله ﷺ فيه شيء أم لا فإنه قد روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وليس يثبت ومن رأى أن لا يكون معتمرا فلا يجزي عنه من عمرة الإسلام ولا هدى عليه ولا شيء لتركها ومن رأي له أن يدخل العمرة على الحج رأي أن يجزي
صفحة : 634
عنه من حجة الإسلام وعمرته وإذا أهل الرجل بعمرة ثم أقام بمكة إلى الحج أنشأ الحج من مكة وإذا أهل بالحج ثم أراد العمرة أنشأ العمرة من أي موضع شاء إذا خرج من الحرم وقد أجدهما إذا أقام عامهما بمكة أهل كإهلال أهل الآفاق أ يرجعوا إلى مواقيتهم فإن قال قائل ما الحجة فيما وصفت قيل أهل عامة أصحاب رسول الله ﷺ معه بعمرة ثم أمرهم يهلون بالحج إذا توجهوا إلى منى من مكة فكانت العمرة إذا حج قبلها قياسا على هذا ولم أعلم في هذا خلافا من أحد حفظت عنه ممن لقيته فإن قال قائل قد أمر النبي ﷺ عبدالرحمن بن أبي بكر يعمر عائشة من التنعيم فعائشة كان إحرامها عمرة فأهلت بالحج من مكه وعمرتها من التنعيم نافلة فليست في هذا حجة عندنا لما وصفنا ومن أهل بعمرة من خارج الحرم فذلك مجزيء عنه فإن لم يكن دخل قبلها بحج أو عمرة ثم أقام بمكة فكانت عمرته الواجبة رجع إلى ميقاته وهو محرم في رجوعه ذلك ولا شيء عليه إذا جاء ميقاته محرما وإن لم يفعل أهراق دما فكانت عمرته الواجبة عليه مجزئة عنه ومن أهل بعمرة من مكة ففيها قولان أحدهما أنه إذا لم يخرج إلى الحل حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة لم يكن حلالا وكان عليه أن يخرج فيلبي بتلك العمرة خارجا من الحرم ثم يطوف بعدها ويسعى ويحلق أو يقصر ولا شيء عليه إن لم يكن حلق وإن كان حلق أهراق دما وإن كان أصاب النساء فهو مفسد لعمرته وعليه أن يلبي خارجا من الحرم ثم يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق وينحر بدنة ثم يقضى هذه العمرة إذا أفسدها بعمرة مستأنفة وإنما خروجه من الحرم لهذه العمرة المفسدة والقول الآخر أن هذه عمرة ويهريق دما لها والقول الأول أشبه بها والله أعلم ولكنه لو أهل بحج من مكة ولم يكن دخل مكة محرما ولم يرجع إلى ميقاته أهراق دما لتركه الميقات وأجزأت عنه من حجة الإسلام الحج من مكة لأن عماد الحج في غير الحرم وذلك عرفة وجميع عمل العمرة سوى الوقت في الحرم فلا يصلح أن يبتدأ من موضع منتهى عملها وعماده وأكره للرجل أن يهل بحج أو عمرة من ميقاته ثم يرجع إلى بلده أو يقيم بموضعه وإن فعل فلا فدية عليه ولكن أحب له أن يمضي لوجهه فيقصد قصد نسكه قال وكذلك أكره له أن يسلك غير طريقه مما هو أبعد منها لغير أمر ينوبه أو رفق به فإن نابه أمر أو كانت طريق أرفق من طريق فلا أكره ذلك له ولا فدية في أن يعرج وأن كان لغير عذر ومن أهل بعمرة في سنة فأقام بمكة أو في بلده أو في طيرق سنة أو سنتين كان على إحرامه حتى يطوف بالبيت وكانت هذه العمرة مجزئه عنه لأن وقت العمرة في جميع السنة وليست كالحج الذي
صفحة : 635
إذا فات في عامة ذلك لم يكن له المقام على إحرامه وخرج منه وقضاه وأكره هذا له للتغرير بإحرامه ولو أهل بعمرة مفيقا ثم ذهب عقله ثم طاف مفيفا أجزأت عنه وعماد العمرة الإهلال والطواف ولا يضر المعتمر ما بينهما من ذهاب عقله قال الشافعي فقال قائل لم جعلت على من جاوز الميقات غير محرم أن يرجع إليه إن لم يخف فوت الحج قلت له لما أمر في حجه بأن يكون محرما من ميقاته وكان في ذلك دلالة على أنه يكون فيما بين ميقاته والبيت محرما ولا يكون عليه في ابتدائه الإحرام من أهله إلى الميقات محرما قلت له ارجع حتى تكون مهلا في الموضع الذي أمرت أن تكون مهلا به على الابتداء وإنما قلناه مع قول ابن عباس لما يشبه من دلالة السنة فإن قال قائل فلم قلت إن لم يرجع إليه لخوف فوت ولا غير عذر بذلك ولا غيره أهراق دما عليه قلت له لما جاوز ما وقت له رسول الله ﷺ فترك أن يأتى بكمال ما عليه أمرناه أن يأتى بالبدل مما ترك فإن قال فكيف جعلت البدل من ترك شيء يلزمه في عمل يجاوزه ومجاوزته الشيء ليس له ثم جعلت البدل منه دما يهريقه وأنت إنما تجعل البدل في غير الحج شيئا عليه فتجعل الصوم بالصوم والصلاة بالصلاة قلت إن الصوم والصلاة مخالفان الحج مختلفان في أنفسهما قال فأني اختلافهما قلت يفسد الحج فيمضى فيه ويأتى ببدنة والبدل وتفسد الصلاة فيأتى بالبدل ولا يكون عليه كفارة ويفوته يوم عرفة وهو محرم فيخرج من الحج بطواف وسعى ويحرم بالصلاة في وقت فيخرج الوقت فلا يخرج منها ويفوته الحج فلا يقضيه إلا في مثل يومه من سنته وتفوته الصلاة فيقضيها إذا ذكرها من ساعته ويفوته الصوم فيقضيه من غد ويفسده عندنا عندك بقيء وغيره فلا يكون عليه كفارة ويعود له ويفسده بجماع فيجب عليه عتق رقبة إن وجده وبدل مع اختلافهما فيما سوى ما سمينا فكيف تجمع بين المختلف حيث يختلف قال الشافعي وقلت له الحجة في هذا أنا لم نعلم مخالفا في أن للرجل أن يهل قبل أن يأتى ميقاته ولا في أنه إن ترك الإهلال من ميقاته ولم يرجع إليه أجزأه حجه وقال أكثر أهل العلم يهريق دما وقال أقلهم لا شيء عليه وحجه مجزيء عنه ومن قول أكثرهم فيه أن قالوا في التارك البيتوتة بمنى وتارك مزدلفة يهريق دما وقلنا في الجمار يدعها يهريق دما فجعلنا وجعلوا الإبدال في أشياء من عمل الحج دما قال واذا جاوز المكي ميقاتا أتى عليه يريد حجا أو عمرة ثم أهل دونه فمثل غيره يرجع أو يهريق دما فإن قال قائل وكيف قلت هذا في المكي وأنت لا تجعل عليه دم المتعة
صفحة : 636
قيل لأن الله عز وجل قال ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الدراوردي وحاتم بن إسمعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه قال حدثنا جابر بن عبدالله الأنصاري وهو يحدث عن حجة النبي ﷺ قال فلما كنا بذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس فأمرها النبي ﷺ بالغسل والإحرام قال الشافعي فأستحب الغسل عند الإهلال للرجل والصبي والمرأة والحائض والنفساء وكل من أراد الإهلال اتباعا للسنة ومقعول أنه يجب إذا دخل المرء في نسك لم يكن له فيه أن يدخله إلا بأكمل الطهارة وأن يتنظف له لامتناعه من إحداث الطيب في الإحرام وإذا اختار رسول الله ﷺ لامرأة وهي نفساء لا يطهرها الغسل للصلاة فاختار لها الغسل كان من يطهره الغسل للصلاة أولى أن يختار له أو في مثل معناه أو أكثر منه وإذا أمر رسول الله ﷺ أسماء أن تغتسل وتهل وهي في الحال التي أمرها أن تهل فيها ممن لا تحل له الصلاة فلو أحرم من لم يغتسل من جنب أو غير متوضيء أو حائض أو نفساء أجزأ عنه الإحرام لأنه إذا كان يدخل في الإحرام والداخل فيه ممن لا تحل له الصلاة لأنه غير طاهر جاز أن يدخل فيه كل من لا تحل له الصلاة من المسلمين في وقته الذي دخل فيه ولا يكون عليه فيه فدية وإن كنت أكره ذلك له وأختار له الغسل وما تركت الغسل للاهلال قط ولقد كنت أغتسل له مريض في السفر وإني أخاف ضرر الماء وما صحبت أحدا أقتدى به فرأيته تركه ولا رأيت منهم أحدا عدا به أن رآه اختيارا قال الشافعي وإذا كانت النفساء والحائض من أهل أفق فخرجتا طاهرتين فحدث لهما نفاس أو حيض أو كانتا نفساوين أو حائضين بمصرهما فجاء وقت حجهما فلا بأس أن تخرجا محرمتين بتلك الحال وإن قدرتا إذا جاءتا ميقاتهما أن تغتسلا فعلتا وإن لم تقدرا ولا الرجل على ماء أحببت لهم أن يتيمموا معا ثم يهلوا بالحج أو العمرة ولا أحب للنفساء والحائض أن تقدما إحرامهما قبل ميقاتهما وكذلك إن كان بلدهما قريبا آمنا وعليهما من الزمان ما يمكن فيه طهورهما وإدراكهما الحج بلا مفاوتة ولا علة أحببت استئخارهما لتطهرها فتهلا طاهرتين وكذلك إن كانتا من دون المواقيت أو من أهل المواقيت وكذلك إن كانتا مقيمتين بمكة لم تدخلاها محرمتين فأمرتهما بالخروج إلى ميقاتهما بحج أحببت إذا كان عليهما وقت أن لا تخرجا
صفحة : 637
إلا طاهرتين أو قرب تطهرهما لتهلا من الميقات طاهرتين ولو أقامتا بالميقات حتى تطهرا كان أحب إلى وكذلك إن أمرتهما بالخروج لعمرة قبل الحج وعليهما ما لا يفوتهما معه الحج أو من أهلها أحببت لهما أن تهلا طاهرتين وإن أهلتا في هذه الأحوال كلها مبتدئتي وغير مبتدئتي سفر غير طاهرتين أجزأ عنهما ولا فدية على واحدة منهما وكل ما عملته الحائض من عمل الحج عمله الرجل جنبا وعلى غير وضوء والاختيار له أن لا يعمله كله إلا طاهرا وكل عمل الحج تعمله الحائض وغير الطاهر من الرجال إلا الطواف بالبيت والصلاة فقط
باب الغسل بعد الإحرام
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن إبراهيم بن عبدالله بن حنين عن أبيه أن عبدالله بن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء فقال عبدالله بن عباس يغسل المحرم رأسه وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستتر بثوب قال فسلمت فقال من هذا فقلت أنا عبدالله أرسلني إليك ابن عباس أسألك كيف كان رسول الله ﷺ يغسل رأسه وهو محرم قال فوضع أبو أيوب يديه على الثوب فطأطأ حتى بدا لي رأس ثم قال لإنسان يصب عليه اصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيده فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيت رسول الله ﷺ يفعل أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أن صفوان ابن يعلى أخبره عن أبيه يعلى بن أمية أنه قال بينا عمر بن الخطاب يغتسل إلى بعير وأنا أستر عليه بثوب إذ قال عمر يا يعلي اصبب على رأسي فقلت أمير المؤمنين أعلم فقال عمر بن الخطاب والله لا يزيد الماء الشعر إلا شعتا فسمى الله ثم أفاض على رأسه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه بلغه أن ناسا تماقلوا بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو بساحل من السواحل وعمر ينظر إليهم فلم ينكره عليهم أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبدالكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال ربما قال لي عمر بن الخطاب تعالى أبا قيك في الماء أينا أطول نفسا ونحن محرمون أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال الجنب المحرم وغير المحرم إذا اغتسل ذلك جلده إن شاء ولم يدلك رأسه قال ابن جريج فقلت له لم يدلك جلده إن شاء ولا يدلك
صفحة : 638
رأسه قال من أجل أنه يبدو له من جلده ما لا يبدو له من رأسه أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال تماقل عاصم بن عمر وعبدالرحمن بن زيد وهما محرمان وعمر ينظر قال الشافعي وبهذا كله نأخذ فيغتسل المحرم من غير جنابة ولا ضرورة ويغسل رأسه ويدلك جسده بالماء وما تغير من جميع جسده لينقيه ويذهب تغيره بالماء وإذا غسل رأسه أفرغ عليه الماء إفراغا وأحب إلى إن لم يغسله من جنابة أن لا يحركه بيديه فإن فعل رجوت أن لا يكون في ذلك ضيق وإذا غلسه من جنابة أحببت أن يغسله ببطون أنامله ويديه ويزايل شعره مزايلة رفيقة ويشرب الماء أصول شعره ولا يحكه بأظفاره ويتوقى أن يقطع منه شيئا فإن حركه تحريكا خفيفا أو شديدا فخرج في يديه من الشعر شيء فالاحتياط أن يفديه ولا يجب عليه أن يفديه حتى يستيقن أنه قطعه أو نتفه بفعله وكذلك ذلك في لحيته لأن الشعر قد ينتتف ويتعلق بين الشعر فإذا مس أو حرك خرج المنتتف منه ولا يغسل رأسه بسدر ولا خطمي لأن ذلك برجله فإن فعل أحببت لو افتدى ولا أعلم ذلك واجبا ولا يغطس المحرم رأسه في الماء إذا كان قد لبده مرارا ليلين عليه ويدلك المحرم جسده دلكا شديدا إن شاء لأنه ليس في بدنه من الشعر ما يتوقى كما يتوقاه في رأسه ولحيته وإن قطع من الشعر شيئا من دلكه إياه فداه
ID ' ' خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها
فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر
على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.
ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه
والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب
الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف
ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه
أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن
ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.
وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو
ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة
صفحة : 639
باب دخول المحرم الحمام
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي ولا أكره دخول الحمام للمحرم لأنه غسل والغسل مباح لمعنيين للطهارة والتنظيف وكذلك هو في الحمام والله أعلم ويدلك الوسخ عنه في حمام كان أو غيره وليس في الوسخ نسك ولا أمر نهى عنه ولا أكره للمحرم أن يدخل رأسه في ماء سخن ولا بارد جار ولا ناقع قال الشافعي أستحب الغسل للدخول في الإهلال ولدخول مكة وللوقوف عشية عرفة وللوقوف بمزدلفة ولرمي الجمار سوى يوم النحر وأستحب الغسل بين هذا عند تغير البدن بالعرق وغيره تنظيفا للبدن وكذلك أحبه للحائض وليس من هذا واحد واجب وروي عن إسحق بن عبدالله بن أبي فروة عن عثمان بن عروة عن أبيه أن رسول الله ﷺ بات بذي طوى حتى صلى الصبح ثم اغتسل بها ودخل مكة وروى عن أم هانيء بنت أبي طالب وروى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا بن أبي طالب رضي الله عنه كان يغتسل بمنزله بمكة حين يقدم أن يدخل المسجد وروى عن صالح بن محمد بن رائدة عن أم ذرة أن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تغتسل بذي طوى حين تقدم مكة قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا خرج حاجا أو معتمرا لم يدخل مكة حتى يغتسل ويأمر من معه فيغتسلوا
ID ' ' للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب
غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال
وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع
سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ
الحديث.
وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة
أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى.
هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة
القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال
تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون
صفحة : 640
باب ما يلبس المحرم من الثياب
قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت أبا الشعثناء جابر بن زيد يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول لله ﷺ أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلا أتى النبي ﷺ فسأله ما يلبس المحرم من الثياب فقال له رسول الله ﷺ لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا الخفين إلا لمن لا يجد نعلين فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله ﷺ ما يلبس المحرم من الثياب فقال رسول الله ﷺ لا تلبسوا القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ نهى أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو روس وقال من لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبينقال الشافعي استثنى النبي ﷺ لمن لم يجد نعلين أن يلبس خفين ويقطعهما أسفل من الكعبين قال الشافعي ومن لم يجد إزارا لبس سراويل فهما سواء غير أنه لا يقطع من السراويل شيئا لأن رسول الله ﷺ لم يأمر بقطعه وأيهما لبس ثم وجد بعد ذلك نعلين لبس النعلين وألقى الخفين وإن وجد بعد أن لبس السراويل إزارا لبس الإزار وألقى السراويل فإن لم يفعل أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تلبس المعصفرات المشبعات وهي محرمة ليس فيها زعفران أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي قال أبصر عمر بن الخطاب علي عبدالله بن جعفر ثوبين مضرجين وهو محرم فقال ما هذه الثياب فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما إخال أحدا يعلمنا السنة فسكت عمر
ID ' ' خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م
ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى:
(وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية
صفحة : 641
باب ما تلبس المرأة من الثياب
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سمعه يقول لا تلبس المرأة ثياب الطيب وتلبس الثياب المعصفرة ولا أرى المعصفر طيبا أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان يفتى النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفين حتى أخبرته صفية عن عائشة أنها كانت تفتي النساء أن لا يقطعن فانتهى عنه قال الشافعي لا تقطع المرأة الخفين والمرأة تلبس السراويل والخفين والخمار والدرع من غير ضرورة كضرورة الرجل وليست في هذا كالرجل أخبرنا سعيد بن سالم جريج عن عطاء قال في كتاب علي رضي الله عنه من لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما قلت أتتيقن بأنه كتاب علي قال ما أشك أنه كتابه قال وليس فيه فليقطعهما أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال من لم يكن له إزار وله تبان أو سراويل فليلبسهما قال سعيد بن سالم لا يقطع الخفان قال الشافعي أرى أن يقطعا لأن ذلك في حديث ابن عمر وإن لم يكن في حديث ابن عباس وكلاهما صادق حافظ وليس زيادة أحدهما على الآخر شيئا لم يؤده الآخر إما عزب عنه وإما شك فيه فلم يؤده وإما سكت عنه وإما أداه فلم يؤد عنه لبعض هذه المعاني اختلافا وبهذا كله نقول إلا ما بينا أنا تدعه والسنة ثم أقاويل أكثر من حفظت عنه من أهل العلم تدل على أن الرجل والمرأة المحرمين يجتمعان في اللبس ويفترقان فأما ما يجتمعان فيه فلا يلبس واحد منهما ثوبا مصبوغا بزعفران ولا ورس وإذا لم يلبس ثوبا مصبوغا بزعفران ولا ورس لأنهما طيب فصبغ الثوب بماء الورد أو المسك أو العنبر أو غير ذلك من الطيب الذي هو أطيب من الورس أو مثله أو ما يعد طيبا كان أولى أن لا يلبسانه كان ذلك مما له لون في الثوب أو لم يكن له إذا كانت له رائحة طيبة توجد والثوب جاف أو رطب ولو أخذ ماء ورد فصبغ به ثوبا فكان رائحته توجد منه والثوب جاف أو مبلول لأنه أثر طيب في الثوب لم يلبسه المحرمان وكذلك لو صعد له زعفران حتى يبيض لم يلبسه المحرمان وكذلك لو غمس في نضوح أو ضياع أو غير ذلك وكذلك لو عصر له الريحان العربي أو الفارسي أو شيئا من الرياحين التي كره للمحرم شمها فغمس في مائه لم يلبسه المحرمان وجماع هذا أن ينظر إلى كل ما كان طيبا لا يشمه المحرم فإذا استخرج ماؤه
صفحة : 642
بأي وجه استخرج نيئا كان أو مطبوخا ثم غمس فيه الثوب فلا يجوز للمحرم ولا للمحرمة لبسه وما كان مما يجوز للمحرم والمحرمة شمه من نبات الأرض الذي لا يعد طيبا ولا ريحانا مثل الإذخر والضرو والشيح والقيصوم والبشام وما أشبهه أو ما كان من النبات المأكول الطيب الريح مثل الأترج والسفرجل والتفاح فعصر ماؤه خالصا فغمس فيه الثوب فلو توقاه المحرمان كان أحب إلى وإن لبساه فلا فدية عليهما ويجتمعان في أن لا يتبرقعان ولا يلبسان القفازين ويلبسان معا الثوب المصبوغ بالعصفر مشبعا كان أو غير مشبع وفي هذا دلالة على أن لم يمنع لبس المصبوغ بالورس والزعفران للونه وأن اللون إذا لم يكن طيبا لم يصنع شيئا ولكن إنما نهى عما كان طيبا والعصفر ليس بطيب والذي أحب لهما معا أن يلبسا البياض وأكره لهما كل شهرة من عصفر وسواد وغيره ولا فدية عليهما إن لبسا غير المطيب ويلبسان الممشق وكل صباغ بغير طيب ولو تركا ذلك ولبسا البياض كان أحب إلى الذي يقتدى به ولا يقتدى به أما الذي يقتدى به فلما قال عمر بن الخطاب يراه الجاهل فيذهب إلى أن الصبغ واحد فيلبس المصبوغ بالطيب وأما الذي لا يقتدى به فأخاف أن يساء الظن به حين يترك مستحقا بإحرامه وهذا وإن كان كما وصفت فالمقتدى به وغير المقتدى به يجتمعان فيترك العالم عند من جهل العلم مستحقا بإحرامه وإذا رأي الجاهل فلم ينكر عليه العالم رأى من يجهل أنه لم يقر الجاهل إلا وهذا جائز عند العالم فيقول الجاهل قد رأيت فلانا العالم رأي من لبس ثوبا مصبوغا وصحبه فلم ينكر عليه ذلك ثم تفارق المرأة الرجل فيكون لها لبس الخفين ولا تقطعهما وتلبسهما وهي تجد نعلين من قبل أن لها لبس الدرع والخمار والسراويل وليس الخفان بأكثر من واحد من هذا ولا أحب لها أن تلبس نعلين وتفارق المرأة الرجل فيكون إحرامها في وجهها وإحرام الرجل في رأسه فيكون للرجل تغطية وجهه كله من غير ضرورة ولا يكون ذلك للمرأة ويكون للمرأة إذا كانت بارزة تريد الستر من الناس أن ترخى جلبابها أو بعض خمارها أو غير ذلك من ثيابها من فوق رأسها وتجافيه عن وجهها حتى تغطي وجهها متجافيا كالستر على وجهها ولا يكون لها أن تنتقب أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال تدلى عليها من جلبابها ولا تضرب به قلت وما لا تضرب به فأشار إلى كما تجلبب المرأة ثم أشار إلى ما علي خدها من الجلباب فقال لا تغطيه فتضرب به على وجهها فذلك الذي يبقى عليها ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولا ولا تقلبه ولا تضرب به ولا تعطفه
صفحة : 643
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال لتدل المرأة المحرمة ثوبها على وجهها ولا تنتقب قال الشافعي ولا ترفع الثوب من أسفل إلى فوق ولا تغطى جبهتها ولا شيئا من وجهها إلا مالا يستمسك الخمار إلا عليه مما يلي قصاص شعرها من وجهها مما يثبت الخمار ويستر الشعر لأن الخمار لو وضع على قصاص الشعر فقط انكشف الشعر ويكون لها الاختمار ولا يكون للرجل التعمم ولا يكون له لبس الخفين إلا أن لا يجد نعلين فيلبسهم ويقطعهما أسفل من الكعبين ولا يكون له لبس السراويل إلا أن لا يجد إزارا فيلبسه ولا يقطع منه شيئا ويكون ذلك لها ويلبسان رقيق الوشى والعصب ودقيق القطن وغليظه والمصبوغ كله بالمدر لأن المدر ليس بطيب والمصبوغ بالسدر وكل صبغ عدا الطيب وإذا أصاب الثوب طيب فبقى ريحه فيه لم يلبساه وكان كالصبغ ولو صبغ ثوب بزعفران أو ورس فذهب ريح الزعفران أو الورس من الثوب لطول لبس أو غيره وكان إذا أصاب واحدا منهما الماء حرك ريحه شيئا وإن قل لم يلبسه المحرم وإن كان الماء إذا أصابهما لم يحرك واحدا منهما فلو غسلا كان أحب إلى وأحسن وأحرى أن لا يبقى في النفس منهما شيء وإن لم يغسلا رجوت أن يسع لبسهما إذا كانا هكذا لأن الصباغ ليس بنجس وإنما أردنا بالغسل ذهاب الريح فإن ذهب الريح بغير غسل رجوت أن يجزي ولو كان أمره أن لا يلبس من الثياب شيئا مسه الزعفران أو الورس بحال كان إن مسه ثم ذهب لم يجز لبسه بعد غسلات ولكنه إنما أمر أن لا يلبسه إذا كان الزعفران والورس موجودا في ذلك الحين فيه والله أعلم وما قلت موجود من ذلك في الخبر والله أعلم قال وكذلك لو صبغ ثوب بعد الزعفران والورس بسدر أو سواد فكانا إذا مسهما الماء لم يظهر للزعفران أو الورس ريح كان له لبسهما ولو كان الزعفران والورس إذا مسهما الماء يظهر لهما شيء من ريح الزعفران أو الورس لم يلبسهما ولو مس زعفران أو ورس بعض الثوب لم يكن للمحرم لبسه حتى يغسل ويعقد المحرم عليه إزاره لأنه من صلاح الإزار والإزار ما كان معقودا ولا يأتزز ذيلين ثم يعقد الذيلين من ورائه ولا يعقد رداءه عليه ولكن يغرز طرفي ردائه إن شاء في إزاره أو في سراويله إذا كان الرداء منشورا فإن لبس شيئا مما قلت ليس له لبسه ذاكرا عالما أنه لا يجوز له لبسه افتدى وقليل لبسه له وكثيره سواء فإن قنع المحرم رأسه طرفة عين ذاكرا عالما أو انتقبت المرأة أو لبست ما ليس لها أن تلبسه فعليهما الفدية ولا يعصب المحرم رأسه من علة ولا غيرها فإن فعل افتدى وإن لم يكن ذلك
صفحة : 644
لباسا أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في المحرم يلوى الثوب على بطنه من ضرورة أو من برد قال إذا لواه من ضرورة فلا فدية أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس قال رأيت ابن عمر يسعى بالبيت وقد حزم على بطنه بثوب أخبرنا سعيد ابن سالم عن إسماعيل بن أمية أن نافعا أخبره أن عبدالله بن عمر لم يكن عقد الثوب عليه إنما غرز طرفيه على إزاره أخبرنا سعيد بن سالم عن مسلم بن جندب قال جاء رجل يسأل ابن عمر وأنا معه قال أخالف بين طرفي ثوبي من ورائي ثم أعقده وأنا محرم فقال عبدالله لا تعقد شيئا أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كره للمحرم أن يتوشح بالثوب ثم يعقد طرفيه من ورائه إلا من ضرورة فإن فعل من ضرورة لم يفتد أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن رسول الله ﷺ رأى رجلا محتزما بحبل أبرق فقال انزع الحبل مرتين أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء في المحرم يجعل المكتل على رأسه فقال نعم لا بأس بذلك وسألته عن العصابة يعصب بها المحرم رأسه فقال لا العصابة تكفت شعرا كثيرا قال الشافعي لا بأس أن يرتدي المحرم ويطرح عليه القميص والسراويل والفرو وغير ذلك ما لم يلبسه لباسا وهو كالرداء ولا بأس أن يغسل المحرم ثيابه وثياب غيره ويلبس غير ما أحرم فيه من أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال وليلبس المحرم من الثياب ما لم يهل فيه أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بالممشق للمحرم بأسا أن يلبسه وقال إنما هو مدرة أخبرنا سعيد بن سالم قال الربيع أظنه عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا أن يلبس المحرم ساجا ما لم يزره عليه فإن زره عليه عمدا افتدى كما يفتدى إذا تقمص عمدا قال الشافعي وبهذا نأخذ قال الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بدرس العصفر والزعفران للمحرم بأسا ما لم يجد ريحه
صفحة : 645
قال الشافعي أما العصفر فلا بأس به وأما الزعفران فإذا كان إذا مسه الماء ظهرت رائحته فلا يلبسه المحرم وإن لبسه افتدى أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة أنها قالت كنا عند عائشة إذا جاءتها امرأة من نساء بني عبد الدار يقال لها تملك فقالت يا أم المؤمنين إن ابنتي فلانة حلفت أنها لا تلبس حليها في الموسم فقالت عائشة قولي لها إن أم المؤمنين تقسم عليك إلا لبست حليك كله أخبرنا سعيد عن موسى بن عبيدة عن أخيه عبدالله بن عبيدة وعبدالله بن دينار قالا من السنة أن تمسح المرأة يديها عند الإحرام بشيء من الحناء ولا تحرم وهي عفا قال الشافعي وكذلك أحب لها قال إن اختضبت المحرمة ولفت على يديها رأيت أن تفتدي وأما لو مسحت يديها بالحناء فإنى لا أرى عليها فدية وأكرهه لأنه ابتداء زينة أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن ناسا سألوه عن الكحل الأثمد للمرأة المحرمة الذي ليس فيه طيب قال أكرهه لأنه زينة وإنما هي أيام تخشع وعبادة قال الشافعي والكحل في المرأة أشد منه في الرجل فإن فعلا فلا أعلم على واحد منهما فدية ولكن إن كان فيه طيب فأيهما اكتحل به افتدى أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر أنه إذا رمد وهو محرم أقطر في عينيه الصبر إقطارا وأنه قال يكتحل المحرم بأي كحل إذا رمد ما لم يكتحل بطيب ومن غير رمد ابن عمر القائل
ID ' ' والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى:
(ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل
ولا يكاد يقدر عليه.
وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن
العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر
كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .
صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا
يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
صفحة : 646
باب لبس المنطقة والسيف للمحرم
قال الشافعي رحمه الله تعالى يلبس المحرم المنطقة ولو جعل في طرفها سيورا فعقد بعضها على
باب الطيب للاحرام
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبدالله قال قال عمر بن الخطاب إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم ما حرم عليكم إلا النساء والطيب أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم قال قالت عائشة أنا طيبت رسول الله ﷺ قال سالم وسنة رسول الله ﷺ أحق أن تتبع أخبرنا مالك عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت كنت أطيب رسول الله ﷺ لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت أخبرنا سفيان عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه قال سمعت عائشة وبسطت يديها تقول أنا طيبت رسول الله ﷺ بيدي هاتين لإحرامه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قال طيبت رسول الله ﷺ بيدي هاتين لحرمه حين أرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت أخبرنا سفيان بن عيينة عن عثمان بن عروة قال سمعت أبي يقول سمعت عائشة تقول طيبت رسول الله ﷺ لحرمه ولحله فقلت لها بأي الطيب فقالت بأطيب الطيب وقال عثمان ما روى هشام هذا الحديث إلا عني أخبرنا سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول الله ﷺ بعد ثلاث أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمر بن عبدالله بن عروة أنه سمع القاسم بن محمد وعروة يخبران عن عائشة أنها قالت طيبت رسول الله ﷺ بيدي في حجة الوداع للحل والإحرام أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان أنه سمع عائشة بنت سعد تقول طيبت أبى عند إحرامه بالسك والذريرة
صفحة : 647
أخبرنا سعيد بن سالم عن حسن بن زيد عن أبيه أنه قال رأيت ابن عباس محرما وأن على رأسه لمثل الرب من الغالية قال الشافعي وبهذا كله نأخذ فنقول لا بأس أن يتطيب الرجل قبل إحرامه بأطيب ما يجد من الطيب غالبة ومجمر وغيرهما إلا ما نهى عنه الرجل من التزعفر ولا بأس على المرأة في التطيب بما شاءت من الطيب قبل الإحرام وكذلك لا بأس عليهما أن يفعلا بعد ما يرميان جمرة العقبة ويحلق الرجل وتقصر المرأة قبل الطواف بالبيت والحجة فيه ما وصفنا من تطيب رسول الله ﷺ في الحالين وكذلك لا بأس بالمجمر وغيره من الطيب لأنه أحرم وابتدأ الطيب حلالا وهو مباح له وبقاؤه عليه ليس بابتداء منه له وكذلك إن كان الطيب دهنا أو غيره ولكنه إذا أحرم فمس من الطيب شيئا قل أو كثر بيده أو أمسه جسده وهو ذاكر لحرمته غير جاهل بأنه لا ينبغي له افتدى وكل ما سمى الناس طيبا في هذه الحال من الأفاويه وغيرها وكل ما كان مأكولا إنما يتخذ ليؤكل أو يشرب لدواء أو غيره وإن كان طيب الريح ويصلح في الطيب فلا بأس بأكله وشمه وذلك مثل المصطكا والزنحبيل والدار صيني وما أشبه هذا وكذلك كل معلوف أو حطب من نبات الأرض مثل الشيح والقيصوم والأذخر وما أشبه هذا فإن شمه أو أكله أو دقه فلطخ به يده فلا فدية عليه لأنه ليس بطيب ولا دهن والريحان عندي طيب وما طيب من الأدهان بالرياحين فبقى طيبا كان طيبا وما ربب بها عندي طيب إذا بقى طيبا مثل الزنبق والخيري والكاذي والبان المنشوش وليس البنفسج بطيب إنما يربب للمنفعة لا للطيب أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سئل أيشم المحرم الريحان والدهن والطيب فقال لا قال الشافعي وما مس المحرم من رطب الطيب بشيء من بدنه افتدى وإن مس بيده منه شيئا يابسا لا يبقى له أثر في يده ولا له ريح كرهته له ولم أر عليه الفدية وإنما يفتدى من الشم خاصة بما أثر من الطيب من الشم لأن غاية الطيب للتطيب وإن جلس إلى عطار فأطال أو مر به فوجد ريح الطيب أو وجد ريح الكعبة مطيبة أو مجمرة لم يكن عليه فدية وإن مس خلوق الكعبة جافا كان كما وصفت لا فدية عليه فيه لأنه لا يؤثر ولا يبقى ريحه في بدنه وكذلك الركن وإن مس الخلوق رطبا افتدى وإن اتضح عليه أو تلطخ به غير عامد له غسله ولا فدية عليه وكذلك لو أصاب ثوبه ولو عقد طيبا فحمله في خرقة أو غيرها وريحه يظهر منها لم يكن عليه
صفحة : 648
فدية وكرهته له لأنه لم يمس الطيب نفسه ولو أكل طيبا أو استعط به أو احتقن به افتدى وإذا كان طعام قد خالطه زعفران أصابته نار أو لم تصبه فأنظر فإن كان ريحه يوجد أو كان طعم الطيب يظهر فيه فأكله المحرم افتدى وإن كان لا يظهر فيه ريح ولا يوجد له طعم وإن ظهر لونه فأكله المحرم لم يفتد لأنه قد يكثر الطيب في المأكول ويمس النار فيظهر فيه ريحه وطعمه ويقل ولا تمسه نار فلا يظهر فيه طعمه ولا لونه وإنما الفدية وتركها من قبل الريح والطعم وليس للون معنى لأن اللون ليس بطيب وإن حشا المحرم في جرح له طيبا افتدى والأدهان دهنان دهن طيب فذلك يفتدى صاحبه إذا دهن به من جسده شيئا قل أو كثر وذلك مثل البان المنشوش بالطيب والزنبق وماء الورد وغيره قال ودهن ليس بطيب مثل سليخة البان غير المنشوش والشبرق والزيت والسمن والزبد فذلك إن دهن به أي جسده شاء غير رأسه ولحيته أو أكله أو شربه فلا فدية عليه فيه وإن دهن به رأسه أو لحيته افتدى لأنهما في موضع الدهن وهما يرجلان ويذهب شعثهما بالدهن فأي دهن أذهب شعثهما ورجلهما بقى فيهما طيبا أو لم يبق فعلى المدهن به فدية ولو دهن رأسه بعسل أو لبن لم يفتد لأنه لا طيب ولا دهن إنما هو يقذر لا يرجل ولا يهنيء الرأس أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال يدهن المحرم قدميه إذا تشققت بالودك ما لم يكن طيبا أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه سأله عن المحرم يتشقق رأسه أيدهن الشقاق منه بسمن قال لا ولا بودك غير السمن إلا أن يفتدى فقلت له إنه ليس بطيب قال ولكنه يرجل رأسه قال فقلت له فإنه يدهن قدمه إذا تشققت بالودك ما لم يكن طيبا فقال إن القدم ليست كالشعر إن الشعر يرجل قال عطاء واللحية في ذلك مثل الرأس
ID ' ' والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه
الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن
يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما
سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.
وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله
ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت
صفحة : 649
باب لبس المحرم وطيبه جاهلا
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه قال كنا عند رسول الله ﷺ بالجعرانة فأتاه رجل وعليه مقطعة يعني جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال يا رسول الله إني أحرمت بالعمرة وهذه علي فقال رسول الله ﷺ ما كنت تصنع في حجك قال كنت أنزع هذه المقطعة وأغسل هذا الخلوق فقال رسول الله ﷺ ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول من أحرم في قميص أو جبة فلينزعها نزعا ولا يشقها قال الشافعي والسنة كما قال عطاء لأن رسول الله ﷺ أمر صاحب الجبة أن ينزعها ولم يأمره بشقها أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء أرأيت لو أن رجلا أهل من ميقاته وعليه جبة ثم سار أميالا ثم ذكرها فنزعها أعليه أن يعود إلى ميقاته فيحدث إحراما قال لا حسبه الإحرام الأول قال الشافعي وهذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى وقد أهل من ميقاته والجبة لا تمنعه أن يكون مهلا وبهذا كله نأخذ قال الشافعي أحسب من نهى المحرم عن التطيب قبل الإحرام والإفاضة بلغه هذا عن النبي ﷺ أنه أمر الأعرابي بغسل الخلوق عنه ونزع الجبة وهو محرم فذهب إلى أن النهي عن الطيب لأن الخلوق كان عنده طيبا وخفى عليهم ما روت عائشة عن النبي ﷺ أو علموه فرأوه مختلفا فأخذوا بالنهي عن الطيب وإنما أمر رسول اله ﷺ الأعرابي بغسل الخلوق عنه والله أعلم لأنه نهى أن يتزعفر الرجل أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني إسمعيل الذي يعرف بابن علية قال أخبرني عبدالعزيز بن صهيب عن أنس أن النبي ﷺ نهى أن يتزعفر الرجل فإن قال قائل إن حديث النبي ﷺ في صاحب الجبة بغسل الخلوق يحتمل ما وصفت ويحتمل أن يكون إنما أمره بغسله لأنه طيب وليس للمحرم أن يبقى عليه الطيب وإن كان قبل الإحرام قيل له إن شاء الله تعالى فلو كان كما قلت كان منسوخا فإن قال وما نسخه قلنا حديث النبي صلى
صفحة : 650
الله عليه وسلم في الأعرابي بالجعرانة والجعرانة في سنة ثمان وحديث عائشة أنها طيبت النبي ﷺ لحله وحرمه في حجة الإسلام وهي سنة عشر فإن قال فقد نهى عنه عمر قلنا لعله نهى عنه على المعنى الذي وصفت إن شاء الله تعالى فإن قال أفلا تخاف غلط من روى عن عائشة قيل هم أولى أن لا يغلطوا ممن روى عن ابن عمر عن عمرلأنه إنما روى هذا عن ابن عمر عن عمر رجل أو اثنان وروى هذا عن عائشة عن النبي ﷺ ستة أو سبعة والعدد الكثير أولى أن لا يغلطوا من العدد القليل وكل عندنا لم يغلط إن شاء الله تعالى ولو جاز إذا خالف ما روى عن عمر ما روى عن النبي ﷺ في الطيب أن يخاف غلط من روى هذا الحديث عن النبي ﷺ جاز أن يخاف غلط من روى هذا عن عمر وإذا كان علمنا بأن النبي ﷺ تطيب وأن عمر كره علما واحدا من جهة الخبر فلا يجوز لأحد أن يزعم أن قول النبي ﷺ يترك بحال إلا لقول النبي ﷺ لا لقول غيره وقد خالف عمر سعد بن أبي وقاص وعبدالله بن عباس وغيرهما وقد يترك من يكره الطيب للاحرام والإحلال لقول عمر أقاويل لعمر لقول الواحد من أصحاب النبي ﷺ وأقاويل لعمر لا يخالفه فيها أحد من أصحاب رسول الله ﷺ فيخالف عمر لرأى نفسه فإذا كان يصنع هذا في بعض قول عمر فكيف جاز أن يدع السنة التي فرض الله تعالى على الخلق اتباعها لقول من يفعل في قوله مثل هذا لعمري لئن جاز له أن يأخذ به فيدع السنة بخلافه فما لا سنة عليه فيه أضيق وأحرى أن لا يخرج من خلافه وهو يكثر خلافه فيما لا سنة فيه ولما أمر رسول الله ﷺ السائل بأن ينزع الجبة عنه ويغسل الصفرة ولم يأمره بالكفارة قلنا من لبس ما ليس له لبسه قبل الإحرام جاهلا بما عليه في لبسه أو ناسيا لحرمه ثم يثبت عليه أي مدة ما ثبت عليه بعد الإحرام أو ابتدأ لبسه بعد الإحرام جاهلا بما عليه في لبسه أو ناسيا لحرمه أو مخطئا به وذلك أن يريد غيره فيلبسه نزع الجبة والقميص نزعا ولم يشقه ولا فدية عليه في لبسه وكذلك الطيب قياسا عليه إن كان النبي ﷺ إنما أمره بغسله لما وصفنا من الصفرة وإن كان للطيب فهو أكثر أو مثله والصفرة جامعة لأنها طيب وصفرة فإن قال قائل كيف قلت هذا في الناس والجاهل في اللبس والطيب ولم تقله فيمن جز شعره أو قتل صيدا قيل له إن شاء الله تعالى قلته خبرا وقياسا وأن حاله في اللبس والطيب مخالفة حاله في جز الشعر وقتل الصيد فإن قال فما فرق بين
صفحة : 651
الطيب واللبس وقتل الصيد وجز الشعر وهو جاهل في ذلك كله قيل له الطيب واللبس شيء إذا أزاله عنه زال فكان إذا أزاله كحاله قبل أن يلبس ويتطيب لم يتلف شيئا حرم عليه أن يتلفه ولم يزل شيئا حرم عليه إزالته إنم أزال ما أمر بإزالته مما ليس له أن يثبت عليه وقاتل الصيد أتلف ما حرم عليه في وقته ذلك إتلافه وجاز الشعر والظفر أزال بقطعه ما هو ممنوع من إزالته في ذلك الوقت والإزالة لما ليس له إزالته إتلاف وفي الإتلاف لما نهى عن إتلافه عوض خطأ كان أو عمدا لما جعل الله في إتلاف النفس خطأ من الدية وليس ذلك غير في الإتلاف كهو في الإتلاف ولكنه إذا فعله عالما بأنه لا يجوز له وذاكرا لإحرامه وغير مخطيء فعليه الفدية في قليل اللبس والطيب وكثيره على ما وصفت في الباب قبل هذا ولو فعله ناسيا أو جاهلا ثم علمه فتركه عليه ساعة وقد أمكنه إزالته عنه بنزع ثوب أو غسل طيب افتدى لأنه أثبت الثوب والطيب عليه بعد ذهاب العذر وإن لم يمكنه نزع الثوب لعلة مرض أو عطب في بدنه وانتظر من ينزعه فلم يقدر عليه فهذا عذر ومتى أمكنه نزعه نزعه وإلا افتدى إذا تركه بعد الإمكان ولا يفتدى إذا نزعه بعد الإمكان ولو لم يمكنه غسل الطيب وكان في جسده رأيت أن يمسحه بخرقة فإن لم يجد خرقة فبتراب إن أذهبه فإن لم يذهبه فبشجر أو حشيش فإن لم يقدر عليه أو قدر فلم يذهبه فهذا عذر ومتى أمكنه الماء غسله ولو وجد ماء قليلا إن غسله به لم يكفه لوضوئه غسله به وتيمم لأنه مأمور بغسله ولا رخصة له في تركه إذا قدر على غسله وهذا مرخص له في التيمم إذا لم يجد ماء ولو غسل الطيب غيره كان أحب إلى وإن غسله هو بيده لم يفتد من قبل أن عليه غسله وإن ماسه فإنما ماسه ليذهبه عنه لم يماسه ليتطيب به ولا يثبته وهكذا ما وجب عليه الخروج منه خرج منه كما يستطيع ولو دخل دار رجل بغير إذن لم يكن جائزا له وكان عليه الخروج منها ولم أزعم أنه يخرج بالخروج منها وإن كان يمشى فيما لم يؤذن له فيه لأن مشيه للخروج من الذنب لا للزيادة فيه فهكذا هذا الباب كله وقياسه قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله عز وجل الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث إلى قوله في الحج أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يسأل عن الرجل يهل بالحج قبل أشهر الحج فقال لا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لنافع أسمعت عبدالله بن عمر يسمى
صفحة : 652
شهور الحج فقال نعم كان يسمى شوالا وذا القعدة وذا الحجة قلت لنافع فإن أهل إنسان بالحج قبلهن قال لم أسمع منه في ذلك شيئا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قال طاوس هي شوال وذو القعدة وذو الحجة أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت لو أن رجلا جاء مهلا بالحج في شهر رمضان كيف كنت قائلا له قال أقول له اجعلها عمرة أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرنا عمر بن عطاء عن عكرمة أنه قال لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله عز وجل الحج أشهر معلومات ولا ينبغي لأحد أن يلبى بحج ثم يقيم أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله فيما حكينا من الأحاديث عن النبي ﷺ دليل على أن نية الملبي كافية له من أن يظهر ما يحرم به كما تكون نية المصلى مكتوبة أو نافلة أو نذرا كافية له من إظهار ما ينوي منها بأي إحرام نوى ونية الصائم كذلك وكذلك لو حج أو اعتمر عن غيره كفته نيته من أن يسمى أن حجه هذا عن غيره قال الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعيد بن عبدالرحمن أن جابر بن عبدالله قال ما سمى رسول الله ﷺ في تلبيته حجا قط ولا عمرة قال الشافعي ولو سمى المحرم ذلك لم أكرهه إلا أنه لو كان سنة سماه رسول الله ﷺ أو من بعده ولو لبى المحرم فقال لبيك بحجة وعمرة وهو يريد حجة كان مفردا ولو أراد عمرة كان معتمرا ولو سمى عمرة وهو يريد حجا كان حجا ولو سمى عمرة وهو يريد قرانا كان قرانا إنما يصير أمره إلى النية إذا أظهر التلبية معها ولا يلزمه إذا لم يكن له نية أن يكون عليه أكثر من لفظه وذلك أن هذا عمل لله خالصا لا شيء لأحد من الآدميين غيره فيه فيؤخذ فيه بما ظهر من قوله دون نيته ولو لبى رجل لا يريد حجا ولا عمرة لم يكن حاجا ولا معتمرا كما لو كبر لا يريد صلاة لم يكن داخلا في الصلاة ولو أكل سحرا لا يريد صوما لم يكن داخلا في الصوم وكذلك لو لم يأكل يوما كاملا ولا ينوى صوما لم يكن صائما وروى أن عبدالله بن مسعود لقى ركبا بالساحل محرمين فلبوا فلبى ابن مسعود وهو داخل إلى الكوفة والتلبية ذكر من ذكر الله عز
صفحة : 653
وجل لا يضيق على أحد أن يقول ولا يوجب على أحد أن يدخل في إحرام إذا لم ينوه
باب كيف التلبية
قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن تلبية رسول الله ﷺ لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال نافع كان عبدالله بن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل قال الشافعي أخبرنا بعض أهل العلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبدالله أن رسول ﷺ أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وذكر الماجشون عن عبدالله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان من تلبية رسول الله ﷺ لبيك إله الحق لبيك قال الشافعي كما روى جابر وابن عمر كانت أكثر تلبة رسول الله ﷺ وهي التي أحب أن تكون تلبية المحرم لا يقصر عنها ولا يجاوزها إلا أن يدخل ما روى أبو هريرة عن النبي ﷺ فإنه مثلها في المعنى لأنها تلبية والتلبية إجابة فأبان أنه أجاب إله الحق بلبيك أولا وآخرا أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد أنه قال كان رسول الله ﷺ يظهر التلبية لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيها لبيك إن العيش عيش الآخرة قال ابن جريج وحسبت أن ذلك يوم عرفة قال الشافعي وهذه تلبية كتلبيته التي رويت عنه وأخبر أن العيش عيش الآخرة لا عيش الدنيا ولا ما فيها ولا يضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ولا غيره من تعظيم الله تعالى ودعائه مع التلبية غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روى عن النبي ﷺ من التلبية ولا يصل بها شيئا إلا ما ذكر عن النبي ﷺ ويعظم الله تعالى ويدعوه بعد قطع التلبية أخبرنا سعيد عن القاسم بن معن عن محمد بن عجلان عن عبدالله بن أبي سلمة أنه قال سمع سعد بعض بني أخيه وهو يلبي ياذا المعارج فقال سعد المعارج إنه لذو المعارج وما هكذا كنا
صفحة : 654
باب رفع الصوت بالتلبية
قال الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبدالملك ابن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحرث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال يريد أحدهما قال الشافعي وبما أمر به جبريل رسول الله ﷺ نأمر الرجال المحرمين وفيه دلالة على أن أصحابه هم الرجال دون النساء فأمرهم أن يرفعوا جهدهم ما لم يبلغ ذلك أن يقطع أصواتهم فكانا نكره قطع أصواتهم وإذا كان الحديث يدل على أن المأمورين برفع الأصوات بالتلبية الرجال فكان النساء مأمورات بالستر فأن لا يسمع صوت المرأة أحد أولى بها وأستر لها فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية وتسمع نفسها
باب أين يستحب لزوم التلبية
قال الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالرحمن عبد سابط قال كان سلفنا لا يدعون التلبية عند أربع عند اضطمام الرفاق حتى تنضم وعند إشرافهم على الشيء وهبوطهم من بطون الأودية وعند هبوطهم من الشيء الذي يشرفون منه وعند الصلاة إذا فرغوا منها قال الشافعي وما روى ابن سابط عن السلف هو موافق ما روى عن رسول الله ﷺ من أن جبريل عليه السلام أمره بأن يأمرهم برفع الصوت بالتلبية وإذا كانت التلبية برا أمر الملبون برفع الصوت به فأولى المواضع أن يرفع الصوت به مجتمع الناس حيث كانوا من مساجد الجماعات والأسواق واضطمام الرفاق وأين كان اجتماعهم لما يجمع من ذلك من طاعتهم برفع الصوت وأن معنى رفع الصوت به كمعنى رفعه بالأذان الذي لا يسمعه شيء إلا شهد له به وإن في ذلك تنبيها للسامع له يحدث له الرغبة في العمل لله بنفسه ولسانه أو بعضها ويؤجر له المنبه له إليه
ID ' ' جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت
عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها
هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت
صفحة : 655
باب الخلاف في رفع الصوت بالتلبية في المساجد
قال الشافعي فإن قال قائل لا يرفع الملبى صوته بالتلبية في مساجد الجماعات إلا في مسجد مكة ومنى فهذا قول يخالف الحديث ثم لا يكون له معنى يجوز أن يذهب إليه أحد إذ حكى عن رسول الله ﷺ أن جبريل أمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فمتى كانت التلبية من الرجل فينبغي له أن يرفع صوته بها ولو جاز لأحد أن يقول يرفعها في حال دون حال جاز عليه أن يقول يرفعها حيث زعمت أنه يخفضها ويخفضها حيث زعمت أنه يرفعها وهذا لا يجوز عندنا لأحد وفي حديث ابن سابط عن السلف أنهم كانوا لا يدعون التلبية عند اضطمام الرفاق دليل على أنهم واظبوا عليها عند اجتماع الناس وإذا تحروا اجتماع الناس على الطريق كانت المساجد أولى أن يجهروا بذلك فيها أو في مثل معناها أرأيت الأذان أيترك رفع الصوت به في مسجد الجماعات فإن قيل لا لأنه قد أمر برفع الصوت قيل وكذلك التلبية به أرأيت لو لم يعلم أحد من هؤلاء شيئا أكانت التلبية تعدو أن يرفع الصوت بها مع الجماعات فكل جماعة في ذلك سواء أو ينهى عنها في الجماعات لأن ذلك يشغل المصلى عن صلاته فهي في المسجد الحرام ومسجد منى أولى أن لا يرفع عليهم الصوت أو مثل غيرهم وإن كان ذلك كراهية رفع الصوت في المساجد أدبا وإعظاما لها فأولى المساجد أن يعظم المسجد الحرام ومسجد منى لأنه في الحرم
ID ' ' خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها
فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر
على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.
ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه
والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب
الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف
ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه
أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن
ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.
وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو
صفحة : 656
باب التلبية في كل حال
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن محمد بن أبي حميد عن محمد أخبرنا سعيد بن سالم عن عبدالله بن عمر عن نافع ابن أنه كان يلبي راكبا ونازلا ومضطجعا قال الشافعي وبلغني عن محمد بن الحنفية أنه سئل أيلبي المحرم وهو جنب فقال نعم قال الشافعي والتلبية ذكر من ذكر الله عز وجل فيلبي المرء طاهرا وجنبا وغير متوضيء والمرأة حائضا وجنبا وطاهرا وفي كل حال وقد قال رسول الله ﷺ لعائشة وعركت افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت والتلبية مما يفعل الحاج
باب ما يستحب من القول في أثر التلبية
قال الشافعي أستحب إذا سلم المصلى أن يلبى ثلاثا وأستحب إذا فرغ من التلبية أن يتبعها الصلاة على النبي ﷺ ويسأل الله جل ثناؤه رضاه والجنة والتعوذ من النار اتباعا ومعقولا أن الملبي وافد الله تعالى وأن منطقه بالتلبية منطقه بإجابة داعي الله وأن تمام الدعاء ورجاء إجابته الصلاة على النبي ﷺ وأن يسأل الله تعالى في إثر كمال ذلك بالصلاة على النبي ﷺ الجنة ويتعوذ من النار فإن ذلك أعظم ما يسأل ويسأل بعدها ما أحب أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن صالح بن محمد بن زائدة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه عن النبي ﷺ أنه كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله تعالى رضوانه والجنة واستعفاه برحمته من النار أخبرنا إبراهيم بن محمد أن القاسم بن محمد كان يأمر إذا فرغ من التلبية أن يصلى على محمد النبي ﷺ
ID ' ' ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة
للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب
غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال
وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع
سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ
الحديث.
صفحة : 657
باب الاستثناء في الحج
قال الشافعي أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله ﷺ مر بضباعة بنت الزبير فقال أما تريدين الحج فقالت إني شاكية فقال لها حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لي عائشة هل تستثني إذا حججت فقلت لها ماذا أقول فقالت قل اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرت فهو الحج وإن حبستني بحابس فهي عمرة قال الشافعي ولو ثبت حديث عروة عن النبي ﷺ في الاستثناء لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله ﷺ وكانت الحجة فيه أن يكون المستثني مخالفا غير المستثني من محصر بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو خطأ عدد أو توان وكان إذا اشترط فحبس بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو ضعف عن البلوغ حل في الموضع الذي حبس فيه بلا هدى ولا كفارة غيره وانصرف إلى بلاده ولا قضاء عليه إلا أن يكون لم يحج حجة الإسلام فيحجها وكانت الحجة فيه أن رسول الله ﷺ لم يأمر بشرط إلا أن يكون على ما يأمر به وكان حديث عروة عن عائشة يوافقه في معنى أنها أمرت بالشرط وكان وجه أمرها بالشرط إن حبس عن الحج فهي عمرة أن يقول إن حبسني حابس عن الحج ووجدت سبيلا إلى الوصول إلى البيت فهي عمرة وكان موجودا في قولها أنه لا قضاء ولا كفارة عليه والله أعلم ومن لم يثبت حديث عروة لانقطاعه عن النبي ﷺ احتمل أن يحتج في حديث عائشة لأنها تقول إن كان حج وإلا فهي عمرة وقال أستدل بانها لم تره يحل إلا بالوصول إلى البيت ولو كانت إذا ابتدأت أن تأمره بشرط رأت له أن يحل بغير وصول إلى البيت أمرته به وذهب إلى أن الاشتراط وغيره سواء وذهب إلى أن على الحاج القضاء إذا حل بعمل عمرة كما روى عن عمر بن الخطاب والظاهر أنه يحتمل فيمن قال هذا أن يدخل عليه خلاف عائشة إذ أمره بالقضاء والجمع بين من اشترط ولم يشترط فلا يكون للشرط معنى وهذا مما أستخير الله تعالى فيه ولو جرد أحد خلاف عائشة ذهب إلى قول عمر فيمن فاته الحج يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ويهدي وبعض أصحابنا يذهب إلى إبطال الشرط وليس يذهب في إبطاله إلى شيء عال أحفظه
صفحة : 658
أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سأله عن الاستثناء في الحج فأنكره ومن أبطل الاستثناء فعمل رجل به فحل من حج أو عمرة فأصاب النساء والطيب والصيد جعله مفسدا وجعل عليه الكفارة فيما أصاب وأن يعود حراما حتى يطوف بالبيت ثم يقضي حجا إن كان أحرم بحج أو عمرة إن كان أحرم بعمرة
باب الإحصار بالعدو
قال الشافعي رحمه الله قال الله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله الآية قال الشافعي فلم أسمع ممن حفظت عنه من أهل العلم بالتفسير مخالفا في أن هذه الآية نزلت بالحديبية حين أحصر النبي ﷺ فحال المشركون بينه وبين البيت وأن رسول الله ﷺ نحر بالحديبية وحلق ورجع حلالا ولم يصل إلى البيت ولا أصحابه إلا عثمان بن عفان وحده وسنذكر قصته وظاهر الآية أن أمر الله عز وجل إياهم أن لا يحلقوا حتى يبلغ الهدى محله وأمره من كان به أذى من رأسه بفدية سماها وقال عز وجل فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي الآية وما بعدها يشبه والله أعلم أن لا يكون على المحصر بعدو قضاء لأن الله تعالى لم يذكر عليه قضاء وذكر فرائض في الإحرام بعد ذكر أمره قال والذي أعقل في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت من ظاهر الآية وذلك أنا قد علمنا في متواطيء أحاديثهم أن قد كان مع رسول الله ﷺ عام الحديبية رجال يعرفون بأسمائهم ثم اعتمر رسول الله ﷺ عمرة القضية وتخلف بعضهم بالحديبية من غير ضرورة في نفس ولا مال علمته ولو لزمهم القضاء لأمرهم رسول الله ﷺ إن شاء الله تعالى أن لا يتخلفوا عنه وما تخلفوا عن أمر رسول الله ﷺ وفي تواطؤ أخبار أهل المغازي وما وصفت من تخلف بعض من أحصر بالحديبية والحديبية موضع من الأرض منه ما هو في الحل ومنه ما هو في الحرم فإنما نحر الهدى عندنا في الحل وفيه مسجد رسول الله ﷺ الذي بويع فيه تحت الشجرة فأنزل الله عز وجل لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فبهذا كله نقول فنقول من أحصر بعدو حل حيث يحبس في حل كان أو حرم ونحر أو ذبح هديا وأقل ما يذبح شاة فإن اشترك سبعة في بدنة أو بقرة أجزأتهم أخرجوا معا ثمنها أو أحدهم ووهب لهم حصصهم منها قبل ذبحها فذبحوها فأما إن
صفحة : 659
ذبحها ثم وهب لهم حصصهم منها فهي له ولا تجزيهم ولا قضاء على المحصر بعدو إذا خرج من إحرامه والحصر قائم عليه فإن خرج من إحرامه والعدو بحاله ثم زال العدو قبل أن ينصرف فكانوا على رجاء من الوصول إلى البيت بإذن العدو لهم أو زوالهم عن البيت أحببت أن لا يعجلوا بالإحلال ولو عجلوا به ولم ينتظروا جاز لهم إن شاء الله تعالى ولو أقام المحصر متأنيا لأي وجه ما كان أو متوانيا في الإحلال فاحتاج إلى شيء مما عليه فيه الفدية ففعله افتدى لأن فدية الأذى نزلت في كعب بن عجرة وهو محصر فإن قال قائل ما قول الله عز وجل في الحديبية حتى يبلغ الهدى محله قيل والله أعلم أما السنة فتدل على أن محله في هذا الموضع نحره لأن رسول الله ﷺ نحر في الحل فإن قال فقد قال الله عز وجل في البدن ثم محلها إلى البيت العتيق قيل ذلك إذا قدر على أن ينحرها عند البيت العتيق فهو محلها فإن قال فهل خالفك أحد في هدى المحصر قيل نعم عطاء بن أبي رباح كان يزعم أن النبي ﷺ نحر في الحرم فإن قال فبأى شيء رددت ذلك وخبر عطاء وإن كان منقطعا شبيه بخبرك عن أهل المغازي قلت عطاء وغيره يذهبون إلى أن محل الهدى وغيره ممن خالفنا يقول لا يحل المحصر بعدو ولا مرض حتى يبلغ الهدى الحرم فينحر فيه لما وصفت من ذكرهم أن النبي ﷺ لم ينحر إلا في الحرم فإن قال فهل من شيء يبين ما قلت قلت نعم إذا زعموا وزعمنا أن الحرم منتهى الهدى بكل حال وإن نحر فيه فقد أجزأ عنه والقرآن يدل على أن هدى النبي ﷺ لم يبلغ الحرم فإن قال وأين ذلك قلت قال الله عز وجل هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول حتى يبلغ الهدى محله قلت الله أعلم بمحله ههنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحره حيث أحصر كما وصفت ومحله في غير الإحصار الحرم وهو كلام عربي واسع وخالفنا بعض الناس فقال المحصر بالعدو والمرض سواء وعليهما القضاء ولهما الخروج من الإحرام وقال عمرة النبي ﷺ التي اعتمر بعد حصره قضاء عمرته التي أحصر بها ألا ترى أنها تسمى عمرة القضية وعمرة القصاص فقيل لبعض من قال هذا القول إن لسان العرب واسع فهي تقول اقتضيت ما صنع بي واقتصصت ما صنع بي فبلغت ما منعت مما يجب لي وما لا يجب علي أن أبلغه وإن وجب لي قال الشافعي والذي نذهب إليه من هذا أنها إنما سميت عمرة القصاص وعمرة القضية أن الله عز وجل اقتص لرسوله ﷺ فدخل عليهم كما منعوه لا على أن ذلك وجب
صفحة : 660
عليه قال أفتذكر في ذلك شيئا فقلت نعم أخبرنا سفيان عن مجاهد قال الشافعي فقال فهذا قول رجل لا يلزمني قوله قلت ما زعمنا أن قوله يلزمك لولا دلالة القرآن وأخبار أهل المغازي وما تدل عليه السنة فقال قد سمعت ما ذكرت من السنة ولم تستند فيه حديثا بينا فقلت ولا أنت أسندت فيه حديثا في عمرة النبي ﷺ يقال لها عمرة القضية وإنما عندك فيها أخبارهم فكان لي دفع ما علمت ولم تقم فيه حديثا مسندا مما يثبت على الانفراد ولم يكن إذا كان معروفا متواطئا عند بعض أهل العلم بالمغازي فإن لم يكن لي دفعك عنه بهذا لم يكن لك دفعي عن أنه تخلف بعض من شهر الحديبية من أصحاب النبي ﷺ عن عمرة القضية فقال ما يقنعني هذا الجواب فادللني على الدلالة من القرآن قلت قال الله عز وجل الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم قال فمن حجتي أن الله عز وجل قال قصاص والقصاص إنما يكون بواجب قال الشافعي فقلت له إن القصاص وإن كان يجب لمن له القصاص فليس القصاص واجبا عليه أن يقتص قال وما دل على ذلك قلت قال الله عز وجل والجروح قصاص أفواجب على من جرح أن يقتص ممن جرحه أو مباح له أن يقتص وخير له أن يعفو قال له أن يعفو ومباح له أن يقتص وقلت له قال الله عز وجل فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فلو أن معتديا مشركا اعتدى علينا كان لنا أن نعتدى عليه بمثل ما اعتدى علينا ولم يكن واجبا علينا أن نفعل قال ذلك على ما وصفت فقلت فهذا يدلك على ما وصفت وما قال مجاهد من أن الله عز وجل أقصه منهم فدخل عليهم في مثل الشهر الذي ردوه فيه وليست فيه دلالة على أن دخوله كان واجبا عليه من جهة قضاء النسك والله أعلم وإنما يدرك الواجب فيه وغير الواجب خبرا والخبر يدل مثل ما وصفنا من أنه ليس بواجب قال الشافعي ومن أحصر في موضع كان له أن يرجع عن موضعه الذي أحصر فيه ويحل فإذا أمن بعد انصرافه كان له أن يتم على الانصراف قريبا كان أو بعيدا إلا أني إذا أمرته بالخروج من إحرامه عاد كمن لم يحرم قط غير أني أحب له إذا كان قريبا أو بعيدا أن يرجع حتى يصل إلى ما صد عنه من البيت واختياري له في ذلك بالقرب بأنه وإن كان الرجوع له مباحا فترك الرجوع كان فيه وحشة أكثر بهذا المعنى وإن كان الراجع من بعد أعظم أجرا ولو أبحت له أن يذبح ويحلق ويحل وينصرف فذبح ولم يحلق حتى يزول العدو لم يكن له الحلاق وكان عليه الإتمام لأنه لم
صفحة : 661
يحل حتى صار غير محصور وهو مأجور في الذبح إن شاء الله تعالى وهذا قول من يقول لا يكمل إحلال المحرم إلا بالحلاق ومن قال يكمل إحلاله قبل الحلاق والحلاق أول الإحلال قال إذا ذبح فقد حل وليس عليه إذا ذبح أن يمضي على وجهه ولو أحصر ومعه هدى قد ساقه متطوعا به أو واجبا عليه قبل الإحصار فله ذبحه في مكانه كما ذبح رسول الله ﷺ هديه بالحديبية وقد أوجبه قبل أن يحصر وإذا كان عليه أن يحل بالبيت فمنعه فحل دونه بالعذر كان كذلك الهدى أولى أن يكون له نحره حيث حبس وعليه الهدى لإحصاره سوى ما قال الشافعي ولو وجب عليه هدى في فوره ذلك فلم يكن معه كان له أن يشتريه ويذبحه مكانه ولو كان وجب عليه قبل ذلك كان ذلك له ولو أخر هديه ليبعث به إذا ذهب الحصر كان أحب إلى لأنه شيء لم يجب عليه في فوره وتأخيره بعد فوره كتأخيره بعد ما وجب عليه قال ولو أحصر ولا هدى معه اشترى مكانه هديا وذبحه وحل ولو وهب له أو ملكه بأي وجه ما كان فذبحه أجزأ عنه فإن كان موسرا لأن يشتري هديا ولم يجد هديا مكانه أو معسرا بهدى وقد أحصر ففيها قولان أحدهما لا يحل إلا بهدى والآخر أنه مأمور بأن يأتي بما يقدر عليه فإذا لم يقدر على شيء خرج مما عليه وكان عليه أن يأتى به إذا قدر عليه ومن قال هذا قال يحل مكانه ويذبح إذا قدر فإن قدر على أن يكون الذبح بمكة لم يجز أن يذبح إلا بها وإن لم يقدر ذبح حيث يقدر قال ويقال لا يجزئه إلا هدى ويقال يجزئه إذا لم يجد هديا إطعام أو صيام فإن لم يجد الطعام كان كمن لم يجد الهدى وإن لم يقدر على الصيام كان كمن لم يجد هديا ولا طعاما وإذا قدر أدى أي هذا كان عليه وإن أحصر عبد قد أذن له سيده في الحج والعبد لا مال له وعليه الصوم تقوم له الشاة دراهم ثم الدراهم طعاما ثم يصوم عن كل مد يوما والقول في إحلاله قبل الصوم واحد من قولين أحدهما أن يحل قبل الصوم والآخر لا يحل حتى يصوم والأول أشبهما بالقياس لأنه إذا أمر بالخروج من الإحرام والرجوع للخوف أشبه أن لا يؤمر بالمقام على الخوف للصوم والصوم يجزيه في كل موضع وإذا أحصر رجل أو امرأة أو عدد كثير بعدو مشركين كالعدو الذي أحصر بهم رسول الله ﷺ وسلم عام الحديبية وأصحابه فكانت بهم قوة على قتالهم أو لم تكن كان لهم الانصراف لأن لهم ترك القتال إلا في النفير أو أن يبدءوا بالقتال وإن كان النظر للمسلمين الرجوع عنهم اخترت ذلك لهم وإن كان النظر للمسلمين قتالهم اخترت قتالهم ولبس السلاح والفدية وإذا أحصروا بغير مشركين اخترت الانصراف عنهم بكل حال بعد
صفحة : 662
الإحلال من الإحصار فإن قال قائل فكيف زعمت أن الإحصار بالمسلمين إحصار يحل به المحرم إذا كان رسول الله ﷺ إنما أحصر بمشركين قيل له إن شاء الله تعالى ذكر الله الإحصار بالعدو مطلقا لم يخصص فيه إحصارا بكافر دون مسلم وكان المعنى الذي في الشرك الحاصر الذي أحل به المحصر الخروج من الإحرام خوفا أن ينال العدو من المحرم ما ينال عدوه فكان معقولا في نص السنة أن من كان بهذه الحال كان للمحرم عذر بأن يخرج من إحرامه به أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه خرج إلى مكة في الفتنة معمترا فقال إن صددت عن البيتب صنعنا كما صنعنا مع رسول الله ﷺ قال الشافعي يعنى أحللنا كما أحللنا مع رسول الله ﷺ عام الحديبية وقول ابن عمر هذا في مثل المعنى الذي وصفت لأنه إنما كان بمكة ابن الزبير وأهل الشام فرأى أنهم إن منعوه أو خافهم إن لم يمنعوه أن ينال في غمار الناس فهو في حال من أحصر فكان له أن يحل وإن أحصر بمشركين أوغيرهم فأعطوهم الأمان على أن يأذنوا لهم في أن يحلوا لم يكن لهم الرجوع وكانوا كغير محصرين إلا أن يكونوا ممن لا يوثق بأمانه ويعرف غدرهم فيكون لهم الانصراف إذا كانوا هكذا بعد الإحلال ولو كانوا ممن يوثق بأمانه بعد فأعطوه أن يدخل فيحل على جعل قليل أو كثير لم أر أن يعطوهم شيئا لأن لهم عذرا في الإحصار يحل لهم به الخروج من الإحرام وإني أكره أن ينال مشرك من مسلم أخذ شيء لأن المشركين المأخوذ منهم الصغار ولو فعلوا ما حرم ذلك عليهم وإن كرهته لهم كما لا يحرم عليهم ما وهبوا المشركين من أموالهم ومباح للمحصر قتال من منعه من البيت من المشركين ومباح له الأنصراف عنهم لأن رسول الله ﷺ قد فعل الأمرين فقاتلهم وانصرف عنهم ولو قاتلهم المحصر فقتل وجرح وأصاب دواب أنسية فقتلها لم يكن عليه في ذلك غرم ولو قاتلهم فأصاب لهم صيدا يملكونه جزاه بمثله ولم يضمن لهم شيئا ولو كان الصيد لمن هو بين ظهرانيهم من المسلمين ممن لا يقاتلهم فأصابه جزاه بمثله وضمنه للمسلمين لأن مكة ليست بدار حرب فيباح ما فيها ولو كان الوحش لغير مالك جزاه المحرم بمثله إن شاء مكانه لأن الله جعل فدية الرأس في مكانه وأمر رسول الله ﷺ بها كعبا وجعل الهدى في مكانه ونحر رسول الله ﷺ ما ساق من الهدى تطوعا في مكانه فيكون حال الإحصار غير حال الوصول ولو كرهت أن يوصله إلى البيت لم أكره ذلك إلا لأن يحدث عليه حدث فلا يقضي عنه ولو أحصر قوم بعدو فأرادوا الإحلال ثم قاتلوهم لم أر
صفحة : 663
بذلك بأسا ولو أحصر قوم بعدو غير مقيمين بمكة أو في الموضع الذي أحصروا فيه فكان المحرم يؤمل انصرافهم ويأمنهم في مكانه لم أر أن ينصرف أياما ثلاثا ولو زاد كان أحب إلى ولو انصرف بعد إحلاله ولم يتم ثلاثا جاز له ذلك لأن معنى انصراف العدو مغيب وقدير يريدون الانصراف ثم لا ينصرفون ولا يريدونه ثم ينصرفون وانما كان مقام النبي ﷺ بالحديبية مراسلة المشركين ومهادنتهم ولو أحصر قوم بعدو دون مكة وكان للحاج طريق على غير العدو رأيت أن يسلكوا تلك الطريق إن كانوا يأمنون بها ولم يكن لهم رخصة في الإحلال وهم يأمنون فيها أن يصلوا إلى البيت ويقدروا فإن كانت طريقهم التي يأمنون فيها بحرا لا برا لم يلزمهم ركوب البحر لأنه مخوف تلف ولو فعلوا كان أحب إلى وإن كان طريقهم برا وكانوا غير قادرين عليه في أموالهم وأبدانهم كان لهم أن يحلوا إذا كانوا غير قادرين على الوصول إلى البيت محصرين بعدو فإن كان طريقهم برا يبعد وكانوا قادرين على الوصول إلى البيت بالأموال والأبدان وكان الحج يفوتهم وهم محرمون لم يكن لهم أن يحلوا حتى يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة لأن أول الإحلال من الحج الطواف والقول في أن عليهم الإعادة وأنها ليست عليهم واحد من قولين أحدهما أنه لا إعادة للحج عليهم لأنهم ممنوعون منه بعدو وقد جاءوا بما عليهم مما قدروا من الطواف ومن قال هذا قال وعليهم هدى لفوت الحج وهو الصحيح في القياس والقول الثاني أن عليهم حجا وهديا وهم كمن فاته الحج ممن أحصر بغير عدو إذا صاروا إلى الوصول إلى البيت ولهذا وجه ولو وصلوا إلى مكة وأحصروا فمنعوا عرفة حلوا بطواف وسعى وحلاق وذبح وكان القول في هذا كالقول في المسألة قبلها وسواء المكي المحصر إن أقبل من أفق محرما وغير المكي يجب على كل ما يجب على كل وإن أحصر المكي بمكة عن عرفة فهو كالغريب يحصر بمكة عن عرفة يذبحان ويطوفان ويسعيان ويحلان والقول في قضائهما كالقول في المسألتين قبل مسألتهما ولا يخرج واحد منهما من مكة إذا كان إهلاله بالحج ولو أهلا من مكة فلم يطوفا حتى أخرجا منها أو أحصرا في ناحيتهما ومنعا الطواف كانا كمن أحصر خارجا منها في القياس ولو تربصا لعلهما يصلان لى الطواف كان احتياطا حسنا ولو أحصر حاج بعد عرفة بمزدلفة أو بمنى أو بمكة فمنع عمل مزدلفة ومنى والطواف كان له أن يذبح ويحلق أو يقصر ويحل إذا كان له الخروج من الإحرام كله كان له الخروج من بعضه فإن كانت حجة الإسلام فحل إلا النساء قضى حجة الإسلام وإن كانت غير حجة الإسلام فلا قضاء عليه لأنه محصر بعدو ولو أراد أن يمسك عن الإحلال حتى يصل إلى البيت
صفحة : 664
فيطوف به ويهريق دما لترك مزدلفة ودما لترك الجمار ودما لترك البيتوتة بمنى ليالي منى أجزأ ذلك عنه من حجة الإسلام متى طاف بالبيت وإن بعد ذلك لأنه لو فعل هذا كله بعد إحصار ثم أهراق له دما أجزأ عنه من حجة الإسلام وكذلك لو أصاب صيدا فداه وإنما يفسد عليه أن يجزي عنه من حجة الإسلام النساء فقط لأن الذي يفسد الحج دون غيره مما فعل فيه والمحصر بعدو والمحبوس أي حبس ما كان نأمره بالخروج منه فإن كانوا مهلين بالحج فأصابوا النساء قبل يحلون فهم مفسدون للحج وعليهم معا بدنة وحج بعد الحج الذي أفسدوه وإذا أصابوا ما فيه الفدية كانت عليهم الفدية ما لم يحلوا فإذا حلوا فهم كمن لم يحرم
باب الإحصار بغير حبس العدو
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي ولو أن رجلا أهل بالحج فحبسه سلطان فإن كان لحبسه غاية يرى أنه يدرك معها الحج وكانت طريقه آمنة بمكة لم يحلل فإن أرسل مضى وإن كان حبسه مغيبا عنه لا تدرى غايته أو كانت له غاية لا يدرك معها الحج إذا أرسل أو لا يمكنه المضي إلى بلده فله أن يحل كما يحل المحصر والقياس في هذا كله أنه محصر كحصر العدو ومثله المرأة تهل بالحج فيمنعها زوجها ومثلها العبيد يهلون فيمنعهم ساداتهم قال الشافعي في الرجل يهل بالحج غير الفريضة فيمنعه والداه أو أحداهما أرى واسعا له أن قال الشافعي وهذا إذا كانت حجة تطوع فأما الفريضة إذا أهل بها مضى فيها ولم يكن لواحد من والديه منعه بعد ما لزمته وأهل بها فإن قال قائل أرأيت العدو إذا كان مانعا مخوفا فأذنت للمحرم أن يحل بمنعه أفتجد أبا الرجل وأمه وسيد العبد وزوج المرأة في معناه قيل له نعم هم في معناه في أنهم مانعون وفي أكثر من معناه في أن لهم المنع وليس للعدو المنع ومخالفون له في أنهم غير مخوفين خوفه فإن قال كيف جمعت بينهم وهم مفترقون في معنى وإن اجتمعوا في معنى غيره قلت اجتمعوا في معنى وراد هؤلاء أن لهم المنع وحفظت عن غير واحد أن المرأة إذا أهلت بالحج غير حجة الفريضة كان لزوجها منعها وحفظت عن النبي ﷺ أنه قال لا يحل لامرأة أن تصوم يوما وزوجها شاهد إلا بإذنه فكان هذا على التطوع دون الفريضه وكانت إذا لم يحل لها الصوم إلا بإذنه فكان له أن يفطرها وإن صامت لأنه لم يكن لها الصوم وكان هكذا الحج وكان سيد العبد أقدر عليه من زوج المرأة على المرأة وكان حق أحد والدي الرجل أعظم عليه من حق الزوج على المرأة وطاعتهما أوجب فبهذا قلت ما وصفت
صفحة : 665
باب الإحصار بالمرض
قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى قال الشافعي فلم أسمع مخالفا ممن حفظت عنه ممن لقيت من أهل العلم بالتفسير في أنها نزلت بالحديبية وذلك إحصار عدو فكان في الحصر إذن الله تعالى لصاحبه فيه بما استيسر من الهدى ثم بين رسول الله ﷺ أن الذي يحل منه المحرم الإحصار بالعدو فرأيت أن الآية بأمر الله تعالى بإتمام الحج والعمرة لله عامة على كل حاج ومعتمر إلا من استثنى الله ثم سن فيه رسول الله ﷺ من الحصر بالعدو وكان المريض عندي ممن عليه عموم الآية وقول ابن عباس وابن عمر وعائشة يوافق معنى ما قلت وإن لم يلفظوا به إلا كما حدث عنهم أخبرنا سفيان ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه قال لا حصر إلا حصر العدو قال الشافعي قول ابن عباس لا حصر إلا حصر العدو لا حصر يحل منه المحصر إلا حصر العدو كأنه يريد مثل المعنى الذي وصفت والله أعلم أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه أنه قال من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه قال المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فإن اضطر إلى شيء من لبس الثياب التي لا بد له منها صنع ذلك وافتدى قال الشافعي يعنى المحصر بالمرض والله أعلم قال الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبدالله بن عمر ومروان بن الحكم وابن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي وأنه صرع ببعض طريق مكة وهو محرم أن يتداوى بما لا بد له منه ويفتدى فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه وكان عليه أن يحج عاما قابلا ويهدى أخبرنا مالك عن أيوب السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبدالله ابن عباس وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم والناس فلم يرخص لي أحد في أن أحل فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر ثم حللت بعمرة أخبرنا إسمعيل بن علية عن رجل كان قديما وأحسبه قد سماه وذكر نسبه وسمى الماء الذي أقام به الدثنة وحدث شبيها بمعنى حديث مالك
صفحة : 666
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عائشة أنها كانت تقول المحرم لا يحله إلا البيت قال الشافعي وسواء في هذا كله أي مرض ما كان وسواء ذهب عقله أو لم يذهب وإن اضطر إلى دواء يداوى به دووى وإن ذهب عقله فدى عنه فدية ذلك الدواء فإن قال قائل كيف أمرت الذاهب العقل أن يفتدى عنه والقلم مرفوع عنه في حاله تلك قيل له إن شاء الله إنما يداويه من يعقل والفدية لازمة بأن فاعلها يعقل وهي على المداوي له في ماله إن شاء ذلك المداوي لأنها جناية من المداوي على المداوى وإن غلب المحرم على عقله فأصاب صيد ففيها قولان أحدهما أن عليه جزاءه من قبل أنه يلزم المحرم بإصابة الصيد جزاء لمساكين الحرم كما يلزمه لو قتله لرجل والقاتل مغلوب على عقله ولو أتلف لرجل مالا لزمته قيمته ويحتمل حلقه شعره هذا المعنى في الوجهين جميعا والقول الثاني لا شيء عليه من قبل أن القلم مرفوع عنه وأصل الصيد ليس بمحرم وكذلك حلق الشعر وإنما جعل هذا عقوبة على من أتاه تعبدا لله والمغلوب على عقله غير متعبد في حال غلبته وليس كأموال الناس الممنوعة بكل حال كالمباح إلا في حال قال ولو أصب امرأته احتمل المعنيين وكان أخف لأنه ليس في إصابته لامرأته إتلاف لشيء فأما طيبه ولبسه فلا شيء عليه فيه من قبل أنا نضعه عن الجاهل العاقل والناسي العاقل وهذا أولى أن يوضع عنه وذلك أنه ليس في واحد منهما إتلاف لشيء وقد يحتمل الجماع من المغلوب العقل أن يقاس على هذا لأنه ليس بإتلاف شيء فإن قال قائل أفرأيت إذا غلب على عقله كيف لم تزعم أنه خارج من الإحرام كما أنه خارج من الصلاة قيل له إن شاء الله لاختلاف الصلاة والحج فإن قال قائل فأين اختلافهما قيل يحتاج المصلى إلى أن يكون طاهرا في صلاته عاقلا لها ويحتاج إلى أن يكون عاقلا لها كلها لأن كلها عمل لا يجزيه غيره والحاج يجوز له كثير من عمل الحج وهو جنب وتعمله الحائض كله إلا الطواف بالبيت فإن قال قائل فما أقل ما يجزى الحاج أن يكون فيه عاقلا قيل له عمل الحج على ثلاثة أشياء أن يحرم وهو يعقل ويدخل عرفة في وقتها وهو يعقل ويطوف بالبيت وبالصفا والمروة وهو يعقل فإذا جمع هذه الحصال وذهب عقله فيما بينها فعمل عنه أجزأ عنه حجه إن شاء الله وهذا مكتوب في دخول عرفة قال الشافعي في مكي أهل بالحج من مكة أو غريب دخلها محرما فحل ثم أقام بها حتى أنشأ الحج منها فمنعهما مرض حتى فاتهما الحج يطوفان بالبيت وبين الصفا والمروة ويحلقان أو يقصران فإذا كان قابل حجا وأجزأ كل واحد منهما أن يخرج من الحرم إلى الحل لأنهما لم يكونا معتمرين
صفحة : 667
قط إنما يخرجان بأقل ما يخرج به من عمل الحج إذا لم يكن لهما أن يعملا بعرفة ومنى ومزدلفة وذلك طواف وسعى وأخذ من شعره فإن قال وبين الصفا والمروة فإن اضطر إلى شيء من لبس الثياب التي لا بد له منها صنع ذلك وافتدى قال الشافعي يعنى المحصر بالمرض والله أعلم قال الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبدالله بن عمر ومروان بن الحكم وابن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي وأنه صرع ببعض طريق مكة وهو محرم أن يتداوى بما لا بد له منه ويفتدى فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه وكان عليه أن يحج عاما قابلا ويهدى أخبرنا مالك عن أيوب السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبدالله ابن عباس وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم والناس فلم يرخص لي أحد في أن أحل فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر ثم حللت بعمرة أخبرنا إسمعيل بن علية عن رجل كان قديما وأحسبه قد سماه وذكر نسبه وسمى الماء الذي أقام به الدثنة وحدث شبيها بمعنى حديث مالك أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عائشة أنها كانت تقول المحرم لا يحله إلا البيت قال الشافعي وسواء في هذا كله أي مرض ما كان وسواء ذهب عقله أو لم يذهب وإن اضطر إلى دواء يداوى به دووى وإن ذهب عقله فدى عنه فدية ذلك الدواء فإن قال قائل كيف أمرت الذاهب العقل أن يفتدى عنه والقلم مرفوع عنه في حاله تلك قيل له إن شاء الله إنما يداويه من يعقل والفدية لازمة بأن فاعلها يعقل وهي على المداوي له في ماله إن شاء ذلك المداوي لأنها جناية من المداوي على المداوى وإن غلب المحرم على عقله فأصاب صيد ففيها قولان أحدهما أن عليه جزاءه من قبل أنه يلزم المحرم بإصابة الصيد جزاء لمساكين الحرم كما يلزمه لو قتله لرجل والقاتل مغلوب على عقله ولو أتلف لرجل مالا لزمته قيمته ويحتمل حلقه شعره هذا المعنى في الوجهين جميعا والقول الثاني لا شيء عليه من قبل أن القلم مرفوع عنه وأصل الصيد ليس بمحرم وكذلك حلق الشعر وإنما جعل هذا عقوبة على من أتاه تعبدا لله والمغلوب على عقله غير متعبد في حال غلبته وليس كأموال الناس الممنوعة بكل حال كالمباح إلا في حال قال ولو أصب امرأته احتمل المعنيين وكان أخف لأنه ليس في إصابته لامرأته إتلاف لشيء فأما طيبه ولبسه فلا شيء
صفحة : 668
عليه فيه من قبل أنا نضعه عن الجاهل العاقل والناسي العاقل وهذا أولى أن يوضع عنه وذلك أنه ليس في واحد منهما إتلاف لشيء وقد يحتمل الجماع من المغلوب العقل أن يقاس على هذا لأنه ليس بإتلاف شيء فإن قال قائل أفرأيت إذا غلب على عقله كيف لم تزعم أنه خارج من الإحرام كما أنه خارج من الصلاة قيل له إن شاء الله لاختلاف الصلاة والحج فإن قال قائل فأين اختلافهما قيل يحتاج المصلى إلى أن يكون طاهرا في صلاته عاقلا لها ويحتاج إلى أن يكون عاقلا لها كلها لأن كلها عمل لا يجزيه غيره والحاج يجوز له كثير من عمل الحج وهو جنب وتعمله الحائض كله إلا الطواف بالبيت فإن قال قائل فما أقل ما يجزى الحاج أن يكون فيه عاقلا قيل له عمل الحج على ثلاثة أشياء أن يحرم وهو يعقل ويدخل عرفة في وقتها وهو يعقل ويطوف بالبيت وبالصفا والمروة وهو يعقل فإذا جمع هذه الحصال وذهب عقله فيما بينها فعمل عنه أجزأ عنه حجه إن شاء الله وهذا مكتوب في دخول عرفة قال الشافعي في مكي أهل بالحج من مكة أو غريب دخلها محرما فحل ثم أقام بها حتى أنشأ الحج منها فمنعهما مرض حتى فاتهما الحج يطوفان بالبيت وبين الصفا والمروة ويحلقان أو يقصران فإذا كان قابل حجا وأجزأ كل واحد منهما أن يخرج من الحرم إلى الحل لأنهما لم يكونا معتمرين قط إنما يخرجان بأقل ما يخرج به من عمل الحج إذا لم يكن لهما أن يعملا بعرفة ومنى ومزدلفة وذلك طواف وسعى وأخذ من شعره فإن قال قائل فكيف بما روى عن عمر من هذا قيل له على معنى ما قلت إن شاء الله وذلك أنه قال لسائله اعمل ما يعمل المعتمر ولم يقل له إنك معتمر وقال له احجج قابلا وأهد ولو انقلب إحرامه عمرة لم يكن عليه حج وكان مدركا للعمرة وفي أمره وأمرنا إياه بحج قابل دلالة على أن إحرامه حج وأنه لا ينقلب عمرة ولو انقلب عمرة لم يجز أن نأمره بحج قابل قضاء وكيف يقضي ما قد انقلب عنه ولكن أمره بالقضاء لأنه فائت له وقد جاء من فاته الحج فسأل عمر وهو ينحر ولا أشك إن شاء الله تعالى أن قد دخل الحرم قبل طلوع الفجر من ليلة النحر فلو كان حجه صار عمرة حين طلع الفجر من ليلة النحر وكان الحج فائتا لأمره عمر أن يخرج بنفسه إلى الحل فيلبي منه ولكنه كما وصفت إن شاء الله لا كقول من قال صار عمرة وإنما قول من قال صار عمرة بغلط إلى قوله يعنى صار عمله عمرة وسقط بعض عمل الحج إذا فاتت عرفة ولو كان صار عمرة أجزأ عنه من عمرة الإسلام وعمرة لو نذرها فنواها عند فوت الحج له وهو لا يجزى من واحد منهما ومن أحرم بحج فحبس عن الحج بمرض
صفحة : 669
أو ذهاب عقل أو شغل أو توان أو خطأ عدد ثم أفاق من المرض في حين يقدر على إتيان البيت لم يحلل من شيء من إحرامه حتى يصل إلى البيت فإن أدرك الحج عامه الذي أحرم فيه لم يحلل إلى يوم النحر وإن فاته حج عامه الذي أحرم فيه حل إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وحلق أو قصر فإن كان إهلاله بحج فأدركه فلا شيء عليه وإن كان إهلاله بحج ففاته خرج منه بعمل عمرة وعليه حج قابل أو بعد ذلك وما استيسر من الهدى وإن كان قارنا فأدرك الحج فقد أدركه والعمرة فإن فاته الحج حج بالطواف والسعى والحلق أو التقصير وكان عليه أن يهل بحج وعمرة مقرونين لا يزيد على ذلك شيئا كما إذا فاته صلاة أو صوم أو عمرة أمرناه أن يقضي ذلك بمثله لا يزيد على قضائه شيئا غيره وإذا فاته الحج فجاء بعد عرفة لم يقم بمنى ولم يعمل من عمل الحج شيئا وقد خرج من عمل الحج مفردا كان أو قازنا بعمل عمرة من طواف وسعى وحلق أو تقصير وحج قابل أحب إلى فإن أخر ذلك فأداه بعد أجزأ عنه كما يؤخر حجة الإسلام بعد بلوغه أعواما فيؤديها عنه متى أداها وإن اضطر قبل الإحلال إلى شيء مما عليه فيه فدية إذا كان محرما أو أصابه فعليه فدية وكان إذا لم يصل إلى البيت كامل الإحرام قبل فوت الحج وبعده يجب عليه الفدية فيما فيه فدية والفساد فيما فيه فساد لا يختلف ذلك لأن الإحرام قائم عليه ولو كان ممن يذهب إلى أن المريض يحل بهدى يبعث به فبعث بهدى ونحر أو ذبح عنه وحل كان كمن حل ولم يبعث بهدى ولم ينحر ولم يذبح عنه حراما بحاله ولو رجع إلى بلده رجع حراما بحاله ولو صح وقد يعث بهدى فمضى إلى البيت من فوره ذلك وقد ذبح الهدى لم يجز ذلك الهدى عنه من شيء وجب عليه في إحرامه فدية حج ولا عمرة لأنه ذبحه عما لا يلزمه ولو أدرك الهدى قبل أن يذبح فحبسه كان ذلك له ما لم يتكلم بإيجابه ولو أدرك الهدى قبل أن ينحر أو يذبح وقد أوجبه بكلام يوجبه كان واجبا أن يذبح وكان كالمسألة الأولى الأولى وكان كمن أوجبه تطوعا وكان كمن أعتق عن شيء لم يلزمه فيه العتق فالعتق ماض تطوعا ولو لم يوجب الهدى بكلام وبعث به فأدركه قبل أن يذبح كان مالا من ماله ولو لم يوجبه بكلام وقلده وأشعره وبعث به فأدركه قبل أن يذبح فمن قال نيته في هديه وتجليله وتقليده وإعلامه أي علامات الحج أعلمه يوجبه عليه كان كالكلام به ومن قال هذا القول أشبه أن يفرق بين العمل في نفسه وماله فيما بينه وبين الله تعالى وبين العمل في فيه حتى يكمله لأنا رأينا كذلك العمرة وكل صلاة وصوم كان له المقام فيها كان عليه أن يقيم فيها حتى يكملها إذا كانت مما يلزمه بكل حال وخالفنا بعض الناس وبعض مكيينا
صفحة : 670
في محبوس عن الحج بمرض فقالوا هو والمحصر بعدو لا يفترقان في شيء وقال ذلك بعض من لقيت منهم وقال يبعث المحصر بالهدى ويواعده المبعوث بالهدى معه يوما يذبحه فيه عنه وقال بعضهم يحتاطه يوما أو يومين بعد موعده ثم يحلق أو يقصر ثم يحل ويعود إلى بلده وعليه قضاء إحرامه الذي فاته وقال بعض مكيينا كما فاته لا يزيد عليه وقال بعض الناس بل إن كان مهلا بحج قضى حجا وعمرة لأن إحرامه بالحج صار عمرة وأحسبه قال فإن كان قارنا فحجا وعمرتين لأن حجه صار عمرة وإن كان مهلا بعمرة قضى عمرة وقال لي بعض من ذهب إلى هذا القول لا نخالفك في أن آية الإحصار نزلت في الحديبية وأنه إحصار عدو أفرأيت إذن الله تعالى للمحصر بما استيسر من الهدى ثم سن رسول الله ﷺ الذبح والإحلال كيف لم تجعل المحصر بالمرض قياسا على المحصر بالعدو أن تحكم له حكمك له فقلت له الأصل على الفرض إتمام الحج والعمرة لله والرخصة في الإحلال للمحصر بعدو فقلنا في كل بأمر الله عز وجل ولم نعد بالرخصة موضعها كما لم نعد بالرخصة المسح على الخفين ولم نجعل عمامة ولا قفازين قياسا على الخفين فقال فهل يفترق الاحصار بالعدو والمرض قلت نعم قال وأين قلت المحصر بعدو خائف القتل على نفسه إن أقدم عليه وغير عالم بما يصير إليه منه إذا أقدم عليه وقد رخص لمن لقى المشركين أن يتحرف للقتال أو يتحيز إلى فئة فإذا فارق المحصر موضعه راجعا صار إلى حال أحسن من حاله في التقدم والمقام لمزايلة الخوف إلى الأمن والمريض ليس في شيء من هذه المعاني لا هو خائف بشرا ولا صائر بالرجوع إلى أمن بعد خوف ولا حال ينتقل عنه إلا رجاء البر والذي يرجوه في تقدمه رجاؤه في رجوعه ومقامه حتى يكون الحال به معتدلا له في المقام والتقدم إلى البيت والرجوع فالمريض أولى أن لا يقاس على المحصر بعدو من العمامة والقفازين والبرقع على الخفين ولو تجاز أن يجهل ما وصفنا من الأصل في إتمام الحج والعمرة وأن المستثني المحصر بعدو فقلنا الحبس ما كان كالعدو جاز لنا لو ضل رجل طريقا أو أخطأ عددا حتى يفوته الحج أن يحل فقال بعضهم إنا إنما اعتمدنا في هذا على الشيء رويناه عن ابن مسعود وبه قلنا قلت لو لم يخالفه واحد ممن سمينا أنا قلنا بقوله أما كنت محجوجا به قال ومن أين قلت ألسنا وإياكم نزعم أن رجلين من أصحاب النبي ﷺ لو اختلفا فكان قول أحدهما أشبه بالقرآن كان الواجب علينا أن نصير إلى أشبه القولين بالقرآن فقولنا أشبه بالقرآن بما وصفت لك أورأيت لو لم نستدل على قولنا وقولك بالقرآن وكان قولنا أصح في الابتداء والمتعقب من قولك أكان قولنا
صفحة : 671
أولى أن يذهب إليه قال بلى إن كان كما تقول قلت فهو كما أقول ومعنا ثلاثة من أصحاب النبي ﷺ وثلاثة أكثر عددا من واحد قال فأين هو أصح قلت أرأيت إذا مرض فأمرته أن يبعث بهدى ويواعده يوما يذبح فيه عنه الهدى ثم يحلق أو يقصر ويحل ألست قد أمرته بأن يحل وأنت لا تدري لعل الهدى لم يبلغ محله وأنت تعيب على الناس أن يأمروا أحدا بالخروج من شيء لزمهم بالظنون قال فإنا لا نقول بظن ولكن بالظاهر قلت الظاهر في هذا ظن ولو خرج الظاهر في هذا من أن يكون ظنا كنت أيضا متناقض القول فيه قال ومن أين قلت إذا كان الحكم في أمرك المريض بالإحلال بالموعد بذبح الهدى وكان الظاهر عندك أنه قد حل بهذه المدة فكيف زعمت أنه إن بلغه أن الهدى عطب أو ضل أو سرق وقد أمرته بالإحلال فحل وجامع وصاد قال يكون عليه جزاء الصيد والفدية ويعود حراما كما كان قلت وهكذا لو بعث الهدى عشرين مرة وأصابه مثل هذا قال نعم قلت أفلست قد أبحت له الإحلال ثم جعلت عليه الفدية فيما أبحت له والفساد فيه وجعلته في موضع واحد حلالا أياما وحراما أياما فأي قول أشد تناقضا وأولى أن يترك من هذا وأي شيء يؤخذ من قول أولى أن ترده العقول من هذا وقال أيضا في الرجل تفوته عرفة ويأتى يوم النحر فقال كما قلنا يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر وعليه حج قابل ثم خالفنا فقال لا هدى عليه وروي فيه حديثا عن عمر أنه لم يذكر فيه أمر بالهدى قال وسألت زيد بن ثابت بعد ذلك بعشرين سنة فقال كما قال عمر وقال قد روينا هذا عن عمر قال فإلى قول من ذهبتم فقلت روينا عن عمر مثل قولنا من أمره بالهدى قال رويتموه منقطعا وحديثنا متصل قلنا فحديثك المتصل يوافق حديثنا عن عمر ويزيد عليه الهدى والذي يزيد في الحديث أولى بالحفظ من الذي لم يأت بالزيادة عندنا وعندك قال لا أثبته لك بالحال عن عمر منقطعا فهل ترويه عن غير عمر قلنا نعم عن ابن عمر كما قلنا متصلا قال فكيف اخترت ما رويت عن ابن عمر على ما روينا عن عمر قلنا روينا عن عمر مثل روايتنا عن ابن عمر وإن لم يكن متصلا قال أفذهبت فيما اخترت من قول ابن عمر إلى شيء غير تقليد ابن عمر فيكون لنا تقليد عمر على ابن عمر فقلت له نعم ذهبت إلى ما يلزمك أنت خاصة أكثر مما يلزم الناس حتى يكون عليك ترك قولك لقولنا قال وأين قلت له زعمت أن الحائض إذا لم تطعر إلى عرفة وهي معتمرة رفضت العمرة وأهلت بالحج وأهراقت لرفض العمرة دما وكان عليها قضاؤها ثم قلتم هذا فيمن خاف فوت الحج من الرجال المعتمرين قال قد قلته في الحائض وفيمن خاف فوت
صفحة : 672
الحج من الرجال المعتمرين ثم شككت في الرجال المعتمرين وأنا ثابت على الحائض بما روينا فيها فقلت له ولم شككت هل كان عليها أن تهريق دما عندك إلا لفوت العمرة قال فإن قلت ليس لفوت العمرة قلت فقل ما شئت قال لخروجهما من العمرة بلا فوت لأنها لو شاءت أقامت على العمرة قلت فما تقول إن لم يرهقها الحج فأرادت الخروج من العمرة بدم تهريقه ثم تحج وتقضي العمرة قال ليس ذلك لها قلت فهل أمرتها بالخروج من العمرة إلا بفوتها عندك وهي لو أقامت على العمرة لم يكن عليها شيء والحاج عندك إذا فاته الحج لم يكن له المقام على الحج وكان قد خرج منه قبل يكمله كما خرجت الحائض من العمرة قبل تكملها فلم جعلت على الحائض دما لخروجها قبل إكمال الإحرام الذي لزمها ولم تجعل ذلك على الحاج وقد خرج منه قبل إكمال الإحرام الذي لزمه واجتمعا في هذا المعنى وفي أنهما يقضيان ما خرجا منه فكيف فرقت بينهما في الدم وقلتم عن ابن عمر أن رجلا لو كان عليه صوم من شهر رمضان فنسيه إلى أن يأتي رمضان آخر فصامه أنه يصوم بعده ما عليه من الشهر لرمضان الذي نسى ويتصدق عن كل يوم على مسكين لأنه لم يأت بالصوم في موضعه فالحاج يفوته الحج في مثل معناه وأولى أن تقولوا به فيه وخالفنا أيضا فقال إن كان الذي فاته الحج مفردا بالحج فعليه حج وعمرة وإن كان قارنا فعليه حج وعمرتان فقلت له أقلت هذا خبرا أم قياسا فلم يذكر خبرا نراه ولا عنده هو إذا أنصف حجة قال قلته قياسا قلنا فعلى أي شيء قسته قال إن عمر قال اعمل ما يعمل المعتمر فدل هذا على أن حجه صار عمرة فقلت له لما لم يكن يخرج من الإحرام إلا بطواف وسعى في حج كان أو عمرة وكان الطواف والسعي كمال ما يخرج به من العمرة وعرفة والجمار ومنى والطواف كمال ما يخرج به من الحج فكان إذا فاتته عرفة لا حج له ولا عمل عليه من عمل الحج فقيل اخرج بأقل ما يخرج به من الإحرام وذلك عمل معتمر لا أن حجه صار عمرة أرأيت لو كانت عليه عمرة واجبة فنوى بهذا الحج عمرة ففاتته أيقضى العمرة الواجبة عنه قال لا لأنه عقده حجا قلت فإذا عقده حجا لم يصر عندك عمرة تجزي عنه قال لا فقلت فمن أين زعمت أنه عمرة وهو لا يجزي عنه من عمرة واجبة ولو ابتدأ بإحرامه ابتدأ العمرة الواجبة عليه وقلت له ولو كان صار عمرة كان أبعد لقولك أن لا تقول عليه حج ولا عمرة لأنه قد قضى العمرة وإنما فاته الحج فلا يكون حج وعمرة فقال إنما قلته لأن الحج تحول عمرة ففاته لما فاته الحج فقلت له ما أعلمك تورد حجة إلا كانت عليك أرأيت إحرامه بالحج متى صار عمرة قال بعد عرفة قلت فلو ابتدأ
صفحة : 673
الإحرام بعد عرفة بعمرة أيكون غير محرم بها أو محرما يجزيه العمل عنها ولا يقضيها قال فنقول ماذا قلت أيهما قلت فقد لزمك ترك ما احتججت به قال فدع هذا قلت أقاويلك متباينة قال وكيف قلت رويت عن عمر أنه أمر من فاته الحج يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق ويحج قابلا وقلت لو كان عليه هدى أمره به ورددت روايتنا عنه أنه أمر بالهدى فإن قلت هي مقطوعة فكيف إذا كان في روايتك عنه أنه أمره بحج قابل ولم يأمره بعمرة فلم لا تقول لا عمرة عليه اتباعا لقول عمر وزيد بن ثابت وروايتنا عن ابن عمر ما أعلمك إلا قصدت قصد خلافهم معا ثم خالفتهم بمحال فقلت لرجل فاته الحج عليك عمرة وحج وهل رأيت أحدا قط فاته شيء فكان عليه قضاء ما فاته وآخر معه والآخر ليس الذي فاته لأن الحج ليس عمرة والعمرة ليست بحج
باب هدى الذي يفوته الحج
قال الشافعي رحمه الله تعالى في المحصر بعدو يسوق هديا واجبا أو هدى تطوع ينحر كل واحد منهما حيث أحصر ولا يجزي واحد منهما عنه من هدى الإحصار لأن كل واحد منهما وجب عليه الواجب بوجوبه والتطوع بإيجابه قبل أن يلزمه هدى الإحصار فإذا أحصر فعليه هدى سواهما يحل به فأما من فاته الحج بمرض أو غيره فلا يجزيه الهدى حتى يبلغ الحرم باب الغسل لدخول مكة قال الشافعي وإذا اغتسل رسول الله ﷺ عام الفتح لدخول مكة وهو حلال يصيب الطيب فلا أراه إن شاء الله ترك الاغتسال ليدخلها حراما وهو في الحرم لا يصيب الطيب أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغتسل لدخول مكة قال الشافعي وأحب الغسل لدخول مكة وإن تركه تارك لم يكن عليه فيه فدية لأنه ليس من الغسل الواجب
ID ' ' وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة
أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى.
هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة
القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال
تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون
صفحة : 674
باب القول عند رؤية البيت
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن النبي ﷺ كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال حدثت عن مقسم مولى عبدالله بن الحرث عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال ترفع الأيدي في الصلاة وإذا رأى البيت وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة ويجمع وعند الجمرتين وعلى الميت أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه كان حين ينظر إلى البيت يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام قال الشافعي فأستحب للرجل إذا رأي البيت أن يقول ما حكيت وما قال من حسن أجزأه إن شاء الله تعالي
باب ما جاء في تعجيل الطواف بالبيت حين يدخل مكة
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال لما دخل رسول الله ﷺ مكة لم يلو ولم يعرج قال الشافعي رحمه الله لم يبلغنا أنه حين دخل مكة لوى لشيء ولا عرج في حجته هذه ولا عمرته كلها حتى دخل المسجد ولا صنع شيئا حين دخل المسجد لا ركع ولا صنع غير ذلك حتى بدأ بالبيت فطاف هذا أجمع في حجه وفي عمرته كلها أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال عطاء فيمن قدم معتمرا فقدم المسجد لأن يطوف بالبيت فلا يمنع الطواف ولا يصلي تطوعا حتى يطوف وإن وجد الناس في المكتوبة فليصل معهم ولا أحب أن يصلى بعدها شيئا حتى يطوف بالبيت وإن جاء قبل الصلاة فلا يجلس ولا ينتظرها وليطف فإن قطع الإمام طوافه فليتم بعد أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء ألا أركع قبل تلك المكتوبة إن لم أكن ركعت ركعتين قال لا إلا ركعتي الصبح إن لم تكن ركعتهما فاركعهما ثم طف لأنهما أعظم شأنا من غيرهما أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء المرأة تقدم نهارا قال ما أبالي إن كانت
صفحة : 675
مستورة أن تقدم نهارا قال الشافعي وبما قال عطاء كله آخذ لموافقته السنة فلا أحب لأحد قدر على الطواف أن يبدأ بشيء قبل الطواف إلا أن يكون نسى مكتوبة فيصلها أو يقدم في آخر مكتوبة فيخاف فوتها فيبدأ بصلاتها أو خاف فوت ركعتي الفجر فيبدأ بهما أو نسى الوتر فليبدأ به ثم يطوف فإذا جاء وقد منع الناس الطواف ركع ركعتين لدخول المسجد إذا منع الطواف فإن جاء وقد أقيمت الصلاة بدأ بالصلاة فإن جاء وقد تقاربت إقامة الصلاة بدأ بالصلاة والرجال والنساء فيما أحببت من التعجيل حين يقدمون ليلا سواء وكذلك هم إذا قدموا نهارا إلا امرأة لها شباب ومنظر فإني أحب لتلك تؤخر الطواف حتى الليل ليستر الليل منها
باب من أين يبدأ بالطواف
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن منصور عن أبي وائل عن مسروق عن عبدالله ابن مسعود أنه رآه بدأ فاستلم الحجر ثم أخذ عن يمينه فرمل ثلاثة أطواف ومشى أربعة ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال يلبى المعتمر حين يفتتح الطواف مستلما أو غير مستلم قال الشافعي لا اختلاف أن حد مدخل الطواف من الركن الأسود وأن إكمال الطواف إليه وأحب استلامه حين يدخل الرجل الطواف فإن دخل الطواف في موضع فلم يحاذ بالركن لم يعتد بذلك الطواف وإن استلم الركن بيده من موضع فلم يحاذ الركن لم يعتد بذلك الطواف بحال لأن الطواف على البدن كله لا على بعض البدن دون بعض وإذا حاذى الشيء من الركن ببدنه كله اعتد بذلك الطواف وكذلك إذا حاذى بشيء من الركن في السابع فقد أكمل الطواف وإن قطعه
ID ' ' خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م
ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى:
(وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية
والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى:
(ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل
ولا يكاد يقدر عليه.
صفحة : 676
باب ما يقال عند استلام الركن
أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرت أن بعض أصحاب النبي ﷺ قال يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا الحجر قال قولوا باسم الله والله أكبر إيمانا بالله وتصديقا بما جاء به رسول الله ﷺ قال الشافعي رحمه الله هكذا أحب أن يقول الرجل عند ابتداء الطواف ويقول كلما حاذى الركن بعد الله أكبر ولا إله إلا الله وما ذكر الله به وصلى على رسوله فحسن
باب ما يفتتح به الطواف وما يستلم من الأركان
قال الشافعي وأحب أن يفتتح الطائف الطواف بالاستلام وأحب أن يقبل الركن الأسود وإن استلمه بيده قبل يده وأحب أن يستلم الركن اليماني بيده ويقبلها ولا يقبله لأني لم أعلم أحدا روى عن النبي ﷺ أنه قبل إلا الحجر الأسود وإن قبله فلا بأس به ولا آمره باستلام الركنين اللذين يليان الحجر الأسود ولو استلمهما أو ما بين الأركان من البيت لم يكن عليه إعادة ولا فدية إلا أني أحب أن يقتدى برسول الله ﷺ قال الشافعي وروي أن رسول الله ﷺ قبل الركن الأسود فكذلك أحب أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أبي جعفر قال رأيت ابن عباس جاء يوم التروية مسبدا رأسه فقبل الركن ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثلاث مرات أخبرنا سعيد عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس أنه كان لا يستلم الركن إلا أن يراه خاليا قال وكان إذا استلمه قبله ثلاث مرات وسجد عليه على أثر كل تقبيله قال الشافعي وأنا أحب إذا أمكنني ما صنع ابن عباس من السجود على الركن لأنه تقبيل وزيادة سجود لله تعالى وإذا استلمه لم يدع تقبيله وإن ترك ذلك تارك فلا فدية عليه أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء هل رأيت أحدا من أصحاب النبي ﷺ إذا استلموا قبلوا أيديهم قال نعم رأيت جابر بن عبدالله وابن عمر وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم قلت وابن عباس قال نعم حسبت كثيرا قلت هل تدع أنت إذا استلمت أن تقبل يدك قال فلم أستلمه قال الشافعى وإذا ترك استلام الركن لم أحب ذلك له ولا شيء عليه أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم بن نافع قال طفت مع طاوس فلم يستلم شيئا من الأركان
صفحة : 677
حتى فرغ من طوافه الركنان اللذان يليان الحجر أخبرنا سعيد بن سالم عن موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب القرظى أن رجلا من أصحاب النبي ﷺ كان يمسح الأركان كلها ويقول لا ينبغي لبيت الله تعالى أن يكون شيء منه مهجورا وكان ابن عباس يقول لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة قال الشافعي الذي فعل ابن عباس أحب إلى لأنه كان يرويه عن النبي ﷺ وقد رواه عمر عن رسول الله ﷺ وليس ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر الأسود يدل على أن منهما مهجورا وكيف يهجر ما يطاف به ولو كان ترك استلامهما هجرانا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرانا لها
باب استحباب الاستلام في الوتر
أخبرنا سعيد بن سالم عن عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه كان لا يكاد أن يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل وتر من طوافه أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن طاوس أنه قال استلموا هذا لنا خامس قال الشافعي أحب الاستلام في كل وتر أكثر مما أستحب في كل شفع فإذا لم يكن زحام أحببت الاستلام في كل طواف قال الشافعي رحمه الله تعالى وأحب الاستلام حين أبتديء بالطواف بكل حال وأحب أن يستلم الرجل إذا لم يؤذ ولم يؤذ بالزحام ويدع إذا أوذي أو آذى بالزحام ولا أحب الزحام إلا في بدء الطواف وإن زاحم ففي الآخرة وأحسب النبي ﷺ قال لعبدالرحمن أصبت أنه وصف له أنه استلم في غير زحام وترك في زحام لأنه لا يشبه أن يقول له أصبت في فعل وترك إلا إذا اختلف الحال في الفعل والترك وإن ترك الاستلام في جميع طوافه وهو يمكنه أو استلم وهو يؤذي ويؤذى بطوافه لم أحبه له ولا فدية ولا إعادة عليه أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أنه قال إذا وجدت على الركن زحاما فانصرف ولا تقف أخبرنا سعيد بن سالم عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن منبوذ بن أبي سليمان عن أمه أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فدخلت عليها مولاة لها فقالت لها يا أم
صفحة : 678
المؤمنين طفت بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا فقالت لها عائشة لا أجرك الله لا أجرك الله تدافعين الرجال ألا كبرت ومررت أخبرنا سعيد عن عثمان بن مقسم الريي عن عائشة بنت سعد أنها قالت كان أبي يقول لنا إذا وجدتن فرجة من الناس فاستلمن وإلا فكبرن وامضين فلما قالت عائشة أم المؤمنين وسعد آمر الرجال إذا استلم النساء أن لا يزاحموهن ويمضوا عنهن لأني أكره لكل زحاما عليه وأحب إذا أمكن الطائف الاستلام أن يستلم الركنين الحجر واليماني ويستلمهما بيده ويقبل يده وأحب إذا أمكنه الحجر أن يقبله بفيه ويستلم اليماني بيده فإن قال قائل كيف أمرت بتقبيل الحجر ولم تأمر بتقبيل اليماني قيل له إن شاء الله روينا أن رسول الله ﷺ قبل الركن وأنه استلم الركن اليماني ورأينا أهل العلم يقبلون هذا ويستلمون هذا فإن قال فلو قبله مقبل قلت حسن وأى البيت قبل فحسن غير أنا إنما نأمر بالاتباع وأن نفعل ما فعل رسول الله ﷺ والمسلمون فإن قال فكيف لم تأمر باستلام الركنين اللذين يليان الحجر قلنا له لا نعلم النبي ﷺ استلمهما ورأينا أكثر الناس لا يستلمونهما فإن قال فإنا نرى ذلك قلنا الله أعلم أما الحجة في ترك استلامهما فهي كترك استلام ما بقى من البيت فقلنا نستلم ما رؤى رسول الله ﷺ يستلمه دون ما لم ير يستلمه وأما العلة فيهما فنرى أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم فكانا كسائر البيت إذا لم يكونا مستوظفا بهما البيت فإن مسحهما رجل كما يمسح سائر البيت فحسن أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرني موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب القرظي أن ابن عباس كان يمسح على الركن اليماني والحجر وكان ابن الزبير يمسح على الأركان كلها ويقول لا ينبغي لبيت الله أن يكون شيء منه مهجورا وكان ابن عباس يقول لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة قال الشافعي كان ابن عباس يخبر عن رسول الله ﷺ استلام الركن اليماني والحجر دون الشاميين وبهذا نقول وقول ابن الزبير لا ينبغي أن يكون شيء من بيت الله مهجورا ولكن لم يدع أحد استلام الركن هجرة لبيت الله تعالى ولكنه استلم ما استلم رسول الله ﷺ وأمسك عما أمسك رسول الله ﷺ عن استلامه وقد ترك استلام ما سوى الأركان من البيت فلم يكن أحد تركه على أن هجر من بيت الله شيئا
صفحة : 679
أخبرنا سعيد بن سالم عن أبي مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال ذكر ابن طاوس قال كان لا يدع الركنين أن يستلمهما قال لكن أفضل منه كان يدعهما أبوه القول في الطواف أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد مولى السائب عن أبيه عن السائب أنه سمع النبي ﷺ فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وهذا من أحب ما يقال في الطواف إلى وأحب أن يقال في كله أخبرنا سعيد بن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس أنه سمعه يقول سمعت ابن عمر يقول أقلوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في صلاة قال الشافعي فذهب إلى استحباب قلة الكلام وقوله في صلاة في طاعة لا يجوز أن يكون فيها إلا بطهارة الصلاة لأن الكلام يقطع الصلاة ولو كان يقطعه عنده نهى عن قليله وكثيره أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال طفت خلف ابن عمر وابن عباس فما سمعت واحدا منهما متكلما حتى فرغ من طوافه أخبرنا سعيد عن إبراهيم بن نافع الأعور قال طفت مع طاوس وكلمته في الطواف فكلمني أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يكره الكلام في الطواف إلا الشيء اليسير منه إلا ذكر الله وقراءة القرآن قال الشافعي وبلغنا أن مجاهدا كان يقرأ القرآن في الطواف قال الشافعي وأنا أحب القراءة في الطواف وقد بلغنا أن رسول الله ﷺ تكلم في الطواف وكلم فمن تكلم في الطواف فلا يقطع الكلام طوافه وذكر الله فيه أحب إلى من الحديث فإن قال قائل فلم إذا أبحت الكلام في الطواف استحببت إقلاله والإقبال على ذكر الله فيه قيل له إن شاء الله إني لأحب الإقلال من الكلام في الصحراء والمنازل وفي غير موضع منسك إلا بذكر الله عز وجل لتعود منفعة الذكر على الذاكر أو يكون الكلام في شيء من صلاح أمره فإذا كان هذا هكذا في الصحراء والبيوت فكيف قرب بيت الله مع عظيم رجاء الثواب فيه من الله فإن قال فهل من دليل من الآثار على ما قلت قلت نعم ما ذكرت لك عن ابن عمر وابن عباس وأستحب القراءة في الطواف والقراة أفضل ما تكلم به المرء
ID ' ' وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن
صفحة : 680
باب الاستراحة في الطواف
قال الشافعي رحمه الله لا بأس بالاستراحة في الطواف أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا بالاستراحة في الطواف وذكر الاستراحة جالسا الطواف راكبا أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير المكي عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنه سمعه يقول طاف رسول الله ﷺ في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وأشرف لهم لأن الناس غشوه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس أخبرنا سعيد عن ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي ﷺ مثله أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أن رسول الله ﷺ طاف بالبيت وبالصفا والمروة راكبا فقلت لم قال لا أدرى قال ثم نزل فصلى ركعتين أخبرنا سفيان بن عيينة عن الأحوص بن حكيم قال رأيت أنس بن مالك يطوف بين الصفا والمروة راكبا على حمار وطاف النبي ﷺ بالبيت والصفا والمروة راكبا من غير مرض ولكنه أحب أن يشرف للناس ليسألوه وليس أحد في هذا الموضع من الناس وأكثر ما طاف رسول الله ﷺ بالبيت والصفا والمروة لنسكه ماشيا فأحب إلى أن يطوف الرجل بالبيت والصفا والمروة ماشيا إلا من علة وإن طاف راكبا من غير علة فلا إعادة عليه ولا فدية
ID ' ' العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر
كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .
صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا
يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه
الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن
صفحة : 681
باب الركوب من العلة في الطواف
قال الشافعي رحمه الله ولا أكره ركوب المرأة في الطواف بين الصفا والمروة ولا حمل الناس إياها في الطواف بالبيت من علة وأكره أن يركب المرء الدابة حول البيت فإن فعل فطاف عليها أجزأه قال الشافعي فأخبر جابر عن النبي ﷺ أنه طاف راكبا وأخبر أنه إنما فعل ليراه الناس وفي هذا دلالة على أنه لم يطف من شكوى ولا أعلمه اشتكى ﷺ في حجته تلك وقد قال سعيد بن جبير طاف من شكوى ولا أدرى عمن قبله وقول جابر أولى أن يقبل من قوله لأنه لم يدركه قال الشافعي أما سبعه الذي طاف لمقدمه فعلى قدميه لأن جابرا المحكى عنه فيه أنه رمل منه ثلاثة ومشى أربعة فلا يجوز أن يكون جابر يحكى عنه الطواف ماشيا وراكبا في ربع واحد وقد حفظ عنه أن سعيه الذي ركب فيه في طوافه يوم النحر أخبرنا سفيان عن عبدالله بن طاوس عن أبيه أن رسول الله ﷺ أمر أصحابه أن يهجروا بالإفاضة وأفاض في نسائه ليلا على راحلته يستلم الركن بمحجنه وأحسبه قال ويقبل طرف المحجن
ID ' ' يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما
سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.
وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله
ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت
جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت
عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها
هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت
خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها
فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر
على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.
ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه
والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب
صفحة : 682
باب الاضطباع
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه بلعه أن رسول الله ﷺ اضطبع بردائه حين طاف أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب استلم الركن ليسعى ثم قال لمن نبدي الآن مناكبنا ومن نرائي وقد أظهر الله الإسلام والله على ذلك لأسعين كما سعى قال الشافعي رحمه الله يعنى رمل مضطبعا قال الشافعي والاضطباع أن يشتمل بردائه على منكه الأيسر ومن تحت منكبه الأيمن حتى يكون منكبه الأيمن بارزا حتى يكمل سبعه فإذا طاف الرجل ماشيا لا علة به تمنعه الرمل لم أحب أن يدع الاضطباع مع دخوله الطواف وإن تهيأ بالاضطباع قبل دخوله الطواف فلا بأس وإن كان في إزار وعمامة أحببت أن يدخلهما تحت منكبه الأيمن وكذلك إن كان مرتديا بقميص أو سراويل أو غيره وإن كان مؤتزرا لا شيء على منكبيه فهو بادي المنكبين لا ثوب عليه يضطبع فيه ثم يرمل حين يفتتح الطواف فإن ترك الاضطباع في بعض السبع اضطبع فيما بقى منه وإن لم يضطبع بحال كرهته له كما أكره له ترك الرمل في الأطواف الثلاثة ولا فدية عليه ولا إعادة أخبرنا سعيد عن عبدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرمل من الحجر إلى الحجر ثم يقول هكذا فعل رسول الله ﷺ أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله ﷺ رمل من سبعه ثلاثة أطواف خببا ليس بينهن مشى أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله ﷺ سعى في عمره كلهن الأربع بالبيت وبالصفا والمروة إلا أنهم ردوه في الأولى والرابعة من الحديبية أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال سعى أبو بكر عام حج إذ بعثه النبي ﷺ ثم عمر ثم عثمان والخلفاء هلم جرا يسعون كذلك قال الشافعي والرمل الخبب لا شدة السعي ثلاثة أطواف لا يفصل بينهن بوقوف إلا أن يقف عند استلام الركنين ثم يمضى خببا فإذا كان زحام لا يمكنه معه أن يخب فكان إن وقف وجد فرجة وقف فإذا وجد الفرجة رمل وإن كان لا يطمع بفرجة لكثرة الزحام أحببت أن يصير حاشية في الطواف فيمكنه أن يرمل فإنه إذا صار حاشية أمكنه أن يرمل ولا أحب ترك الرمل
صفحة : 683
وإن كان إذا صار حاشية منعه كثرة النساء أن يرمل رمل إذا أمكنه الرمل ومشى إذا لم يمكنه الرمل سجية مشيه ولم أحب أن يثب من الأرض وثوب الرمل وإنما يمشى مشيا ويرمل أول ما يبتديء ثلاثة أطواف ويمشي أربعة فإن ترك الرمل في الطواف الأول رمل في الطوافين بعده وكذلك إن ترك الرمل في الطوافين الأولين رمل في الطواف بعدهما وإن ترك الرمل في الثلاثة لم يقضه في الأربعة لأنه هيئة في وقت فإذا مضى ذلك الوقت لم يضعه في غير موضعه ولم يكن عليه فدية ولا إعادة لأنه جاء بالطواف والطواف هو الفرض فإن ترك الذكر فيهما لم نحبه ولا إعادة عليه وإن ترك الرمل في بعض طواف رمل فيما بقى منه لأن النبي ﷺ فرق ما بين سبعه فرقين فرقا رمل فيه وفرقا مشى فيه فلا يرمل حيث مشى النبي ﷺ وأحب إلى لو لم يمش حيث رمل النبي ﷺ قال الشافعي وترك الرمل عامدا ذاكرا وساهيا وناسيا وجاهلا سواء لا يعيد ولا يفتدى من تركه غير أني أكرهه للعامد ولا مكروه فيه على ساه ولا جاهل وسواء في هذا كله طواف نسك قبل عرفة وبعدها وفي كل حج وعمرة إذا كان الطواف الذي يصل بينه وبين السعي بين الصفا والمروة فإن قدم حاجا أو قارنا فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ثم زار يوم النحر أو بعده لم يرمل لأنه طاف الطواف الذي يصل بينه وبين الصفا والمروة وإنما طوافه بعده لتحل له النساء وإن قدم حاجا فلم يطف حتى يأتي منى رمل في طوافه بالبيت بعد عرفة أخبرنا سعيد عن سفيان الثوري عن عبدالله بن عثمان بن خثيم أنه رأى مجاهدا يرمل يوم النحر فإن قال قائل فإنك قد تقول في أشياء يتركها المرء من نسكه يهريق دما فكيف لم تأمره في هذا بأن يهريق دما قلت إنما آمره إذا ترك العمل نفسه قال أفليس هذا عمل نفسه قلت لا الطواف العمل وهذا هيئة في العمل فقد أتى بالعمل على كماله وترك الهيئة فيه والسجود والركوع العمل فإن ترك التسبيح فيهما لم يكن تاركا لعمل يقضيه كما يقضى سجدة لو تركها أو تفسد بها عليه صلاته لو خرج منها قبل أن يكملها بل التسبيح في الركوع والسجود كان أولى أن يفسد من قبل أنه قول وعمل والقول عمل والاضطباع والرمل هيئة أخف من التسبيح في الركوع والسجود قال وإذا رمل في الطواف فاشتد عليه الزحام تحرك حركة مشيه يقارب وإنما منعنى من أن أقول له يقف حتى يجد فرجة أنه يؤذى بالوقوف من خلفه ولا أطمع له أن يجد فرجة بين يديه فلو كان في غير مجمع فازدخم الناس لفتح باب الكعبة أو عارض الطواف حيث لا يؤذى
صفحة : 684
بالوقوف من خلفه ويطمع أن ينفرج له ما بين يديه أمرته أن يقف حتى ينفرج ما بين يديه فيمكنه أن يرمل ومتى أمكنه الرمل رمل وأحب إلى أن يدنو من البيت في الطواف وإن بعد عن البيت وطمع أن يجد السبيل إلى الرمل أمرته بالبعد
باب في الطواف بالراكب مريضا أو صبيا والراكب على الدابة
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا طاف الرجل بالصبي أحببت أن يرمل به وإن طاف رجل برجل أحببت إن قدر على أن يرمل به أن يرمل به وإذا طاف النفر بالرجل في محفة أحببت إن قدروا على الرمل أن يرملوا وإذا طاف الرجل راكبا فلم يؤذ أحدا أحببت أن يحث دابته في موضع الرمل وهذا كله في الرجال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عبدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال ليس على النساء سعى بالبيت ولا بين الصفا والمروة أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه سأل عطاء أتسعى النساء فأنكره نكرة شديدة أخبرنا سعيد عن رجل عن مجاهد أن قال رأت عائشة رضي الله عنها النساء يسعين بالبيت فقالت أما لكن فينا أسوة ليس عليكن سعى قال الشافعي لا رمل على النساء ولا سعى بين الصفا والمروة ولا اضطباع وإن حملن لم يكن على من حملهن رمل بهن وكذلك الصغيرة منهن تحملها الواحدة والكبيرة تحمل في محفة أو تركب دابة وذلك أنهن مأمورات بالاستتار والاضطباع والرمل مفارقان للاستتار
ID ' ' الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف
ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه
أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن
ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.
وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو
ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة
للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب
غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال
وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع
صفحة : 685
باب لا يقال شوط ولا دور
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان يكره أن يقول شوط دور للطواف ولكن يقول طواف طوافين قال الشافعي رحمه الله تعالى وأكره من ذلك ما كره مجاهد لأن الله عز وجل قال وليطوفوا بالبيت العتيق فسمى طوافا لأن الله تعالى سمى جماعه طوافا أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبدالله بن عمر أن عبدالله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبدالله ابن عمر عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال ألم تري إلى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم قال لولا حدثان قومك بالكفر لرددتها على ما كانت عليه فقال عبدالله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله ﷺ فما أرى رسول الله ﷺ ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم أخبرنا سفيان قال حدثنا هشام بن حجير عن طاوس فيما أحسب أنه قال عن ابن عباس أنه قال الحجر من البيت قال الله عز وجل وليطوفوا بالبيت العتيق وقد طاف رسول الله ﷺ من وراء الحجر أخبرنا سفيان قال حدثنا عبدالله بن أبي يزيد قال أخبرني أبي قال أرسل عمر إلى شيخ من بني زهرة فجئت معه إلى عمر وهو في الحجر فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية فقال الشيخ أما النطفة فمن فلان وأما الولد فعلى فراش فلان فقال عمر صدقت ولكن رسول الله ﷺ قضى بالولد للفراش فلما ولى الشيخ دعاه عمر فقال أخبرني عن بناء البيت فقال إن قريشا كانت تقوت لبناء البيت فعجزوا فتركوا بعضها في الحجر فقال له عمر صدقت أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال ما حجر الحجر فطاف الناس من ورائه إلا إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت وسمعت عددا من أهل العلم من قريش يذكرون أنه ترك من الكعبة في الحجر نحوا من ستة أذرع قال الشافعي وكمال الطواف بالبيت أن يطوف الرجل من وراء الحجر فإن طاف فسلك الحجر لم يعتد بطوافه الذي سلك فيه الحجر وإن طاف على جدار الحجر لم يعتد بذلك الطواف لأنه لم يكمل الطواف بالبيت وكان كل طواف طافه على شاذروان الكعبة أو في الحجر أو على جدار
صفحة : 686
الحجر كما لم يطف وإذا ابتدأ الطائف الطواف استلم الركن ثم يدعه عن يساره ويطوف فإن استلم الركن وتركه عن يمينه وطاف فقد نكس الطواف ولا يعتد بما طاف بالبيت منكوسا ومن طاف سعا على ما نهيت عنه من نكس الطواف أو على شاذروان الكعبة أو في الحجر أو على جداره كان في حكم من لم يطف ولا يختلفان
باب ما جاء في موضع الطواف
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإكمال الطواف بالبيت من وراء الحجر ووراء شاذروان الكعبة فإن طاف طائف بالبيت وجعل طريقه من بطن الحجر أعاد الطواف وكذلك لو طاف على شاذروان الكعبة أعاد الطواف فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول وليطوفوا بالبيت العتيق فكيف زعمت أنه يطوف بالبيت وغيره قيل له إن شاء الله تعالى أما الشاذروان فأحسبه منشأ على أساس الكعبة ثم مقتصرا بالبنيان عن استيظافه فإذا كان هذا هكذا كان الطائف عليه لم يستكمل الطواف بالبيت إنما طاف ببعضه دون بعض وأما الحجر فإن قريشا حين بنت الكعبة استقصرت من قواعد إبراهيم فترك في الحجر أذرع من البيت فهدمه ابن الزبير وابتناه على قواعد إبراهيم وهدم الحجاج زيادة ابن الزبير التي استوظف بها القواعد وهم بعض الولاة بإعادته على القواعد فكره ذلك بعض من أشار عليه وقال أخاف أن لا يأتى وال إلا أحب أن يرى له في البيت أثر ينسب إليه والبيت أجل من أن يطمع فيه وقد أقره رسول الله ﷺ ثم خلفاؤه بعده قال الشافعي والمسجد كله موضع للطواف
ID ' ' سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ
الحديث.
وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة
أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى.
هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة
القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال
تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون
خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م
صفحة : 687
باب في حج الصبي
أخبرنا مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ مر بامرأة وهي في محفتها فقيل لها هذا رسول الله ﷺ فأخذت بعضد صبي كان معها فقالت ألهذا حج قال نعم ولك أجر أخبرنا سعيد عن مالك بن مغول عن أبي السفر قال قال ابن عباس أيها الناس أسمعوني ما تقولون وافهموا ما أقول لكم أيما مملوك حج به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجه وإن عتق قبل أن يموت فليحجج وأيما غلام حج به أهله فمات قبل أن يدرك فقد قضى عنه حجه وإن بلغ فليحجج أخبرنا سعيد ومسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال وتقضى حجة العبد عنه حتى يعتق فإذا عتق وجبت عليه من غير أن تكون واجبة عليه قال الشافعي هذا كما قال عطاء إن شاء الله في العبد ومن لم يبلغ وقد بين معنى قوله ومعنى قول ابن عباس عندنا هكذا وقوله فإذا عتق فليحجج يدل على أنها لو أجزأت عنه حجة الإسلام لم يأمره أن يحج إذا عتق ويدل على أنه لا يراها واجبة عليه في عبوديته وذلك أنه وغيره من أهل الإسلام لا يرون فرض الحج على أحد إلا مرة لأن الله عز وجل يقول ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا
ID ' ' ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى:
(وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية
والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى:
(ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل
ولا يكاد يقدر عليه.
وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن
العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر
كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .
صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا
يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه
صفحة : 688
باب في الطواف متى يجزئه ومتى لا يجزئه
قال الشافعي رحمه الله تعالى والمسجد كله موضع للطواف فمن طاف في المسجد من دون السقاية وزمزم أو من ورائهما أو وراء سقايات المسجد التي أحدثت فحف بها المسجد حتى يكون الطائف من ورائها كلها فطوافه مجزيء عنه لأنه موضع الطواف وأكثر الطائفين محول بينه وبين الطواف بالناس الطائفين والمصلين وإن خرج من المسجد فطاف من ورائه لم يعتد بشيء من طوافه خارجا من المسجد لأنه في غير موضع الطواف ولو أجزت هذا له أجزت له الطواف لو طافه وهو خارج من الحرم أو في الحرم ولو طاف بالبيت منكوسا لم يعتد بطوافه أولا أحسب حدا يطوف به منكوسا لأن بحضرته من يعلمه لو جهل ولو طاف بالبيت محرما وعليه طواف واجب ولا ينوي ذلك الطواف الواجب ولا ينوى به نافلة أو نذرا عليه من طوافه كان طوافه هذا الواجب وهكذا ما عمل من عمل حج أو عمرة لأنه إذا أجزأه في الحج والعمرة أن يبتدئه يريد به نافلة فيكون فرضا كان في بعض عمله أولى أن يجزيه ولو طاف بعض طوافه ثم أغمى عليه قبل إكماله فطيف به ما بقى عليه من الطواف لا يعقله من إغماء أو جنون أو عارض ما كان أو ابتدىء به في الطواف مغلوبا على عقله لم يجزه حتى يكون يعقل في السبع كله كما لا تجزيء الصلاة حتى يعقل في الصلاة كلها ولو طاف وهو يعقل ثم أغمى عليه قبل كمال الطواف ثم أفاق بعد ذلك ابتدأ الوضوء والطواف قريبا كان أو بعيدا ولو طاف على بعير أو فرس أجزأه وقد كثر الناس واتخذوا من يحملهم فيكون أخف على من معه في الطواف من أن يركب بعيرا أو فرسا ولو طاف بالبيت فيما لا يجوز للمحرم أن يلبسه من الثياب كان طوافه مجزئا عنه وكانت عليه الفدية فيما لبس مما ليس له لبسه وهو محرم وهكذا الطواف منتقبا أو متبرقعا
ID ' ' الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن
يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما
سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.
وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله
ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت
جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت
عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها
صفحة : 689
باب الخلاف في الطواف على غير طهارة
قال الشافعي رحمه الله فزعم بعض الناس أن الطواف لا يجزي إلا طاهرا وأن المعتمر والحاج إن طاف بالبيت الطواف الواجب عليه على غيره وضوء أمره بالإعادة فإن بلغ بلده لم يأمره بالإعادة ولو طاف جنبا أمره أن يعود من بلده حيث كان فقيل لبعض من يقول قوله أيعدو الطواف قبل الطهارة أن يكون كما قلنا لا يطوف بالبيت إلا من تحل له الصلاة أو يكون كذكر الله وعمل الحج والعمرة غير الطواف قال إن قلت هو كالصلاة وأنه لا يجزيء إلا بوضوء قلت فالجنب وغير المتوضيء سواء لأن كلا غير طاهر وكل غير جائز له الصلاة قال الشافعي قلت أجل قال فلا أقول وأقول هو كغيره من عمل الحج قلت فلم أمرت من طاف على غير وضوء أن يعيد الطواف وأنت تأمره أن يبتديء على غير وضوء قال فإن قلت لا يعيد قلت إذا تخالف السنة قال فإن قلت إنما أمر النبي ﷺ عائشة أن لا تطوف بالبيت لئلا يدخل المسجد حائض قلت فأنت تزعم أن المشرك يدخل المسجد الحرام والجنب قال فلا أقول هذا ولكني أقول إنه كالصلاة ولا تجوز إلا بطهارة ولكن الجنب أشد حالا من غير المتوضيء قلت أو تجد بينهما فرقا في الصلاة قال لا قلت فأي شيء شئت فقل ولا تعدو أن تخالف السنة وقول أكثر أهل العلم لأنه لا يكون لغير الطاهر أن يطوف بالبيت أو تقول لا يطوف به إلا طاهر فيكون تركك أن تأمره أن يرجع حيث كان ويكون كمن لم يطف تركا لأصل قولك
ID ' ' هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت
خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها
فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر
على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.
ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه
والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب
الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف
ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه
أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن
ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.
صفحة : 690
باب كمال عمل الطواف
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وعبدالعزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبدالله وأخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ أنه كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف بالبيت ومشى أربعة ثم يصلى سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة قال الشافعي فمن طاف بالبيت أقل من سبعة أطواف بخطوة واحدة فلم يكمل الطواف وإن طاف بعده بين الصفا والمروة فهو في حكم من لم يسع بين الصفا والمروة ولا يجزيه أن يسعى بين الصفا والمروة إلا بعد كمال سبع تام بالبيت وإن كان معتمرا فصدر إلى أهله فهو محرم كما كان يرجع فيبتديء أن يطوف سبعا بالبيت وبين الصفا والمروة سبعا ثم يحلق أو يقصر وإن كان حلق قبل ذلك فعليه دم للحلاق قبل أن يحل ولا أرخص له في قطع الطواف بالبيت إلا من عذر وذلك أن تقام الصلاة فيصليها ثم يعود فيبني على طوافه من حيث قطع عليه فإن بنى من موضع لم يعد فيه إلى الموضع الذي قطع عليه منه ألغى ذلك الطواف ولم يعتد به قال الشافعي أو يصيبه زحام فيقف فلا يكون ذلك قطعا أو يعيى فيستريح قاعدا فلا يكون ذلك قطعا أو ينتقض وضوؤه فيخرج فيتوضأ وأحب إلى إذا فعل أن يبتديء الطواف ولا يبنى على طوافه وقد قيل يبنى ويجزيه إن لم يتطاول فإذا تطاول ذلك لم يجزه إلا الاستئناف ولا يجزيه أن يطوف إلا في المسجد لأن المسجد موضع الطواف ويجزيه أن يطوف في المسجد وإن حال دون الكعبة شيء نساء أو جماعة ناس أو سقايات أو أساطين المسجد أجزأه مالم يخرج من المسجد فإن خرج فطاف لم يعتد بما طاف خارجا من المسجد قل أو كثر ولو أجزت له أن يطوف خارجا من المسجد أجزت له أن يطوف من وراء الجبال إذا لم يخرج من الحرم فإن خرج من باب من أبواب المسجد ثم دخل من آخر فإن كان الباب الذي دخل منه يأتى علي الباب الذي خرج منه اعتد بذلك الطواف لأنه قد أتى على الطواف ورجع في بعضه وإن كان لا يأتى عليه لم يعتد بذلك الطواف قال الشافعي رحمه اله تعالى وسن رسول الله ﷺ في الذي يشك أصلى ثلاثا أو أربعا أن يصلى ركعة فكان في ذلك إلغاء الشك والبناء على اليقين فكذلك إذا شك في شيء من الطواف صنع مثل ما يصنع في الصلاة فألغى الشك وبنى على اليقين إلا أنه ليس في
صفحة : 691
الطواف سجود سهو ولا كفارة قال وكذلك إذا شك في وضوئه في الطواف فإن كان على يقين من وضوئه وشك من حدثه أجزأه الطواف كما تجزه الصلاة فإن كان على يقين من حدثه وفي شك من وضوئه لم يجزه الطواف كما لا تجزيه
باب الطواف في الثوب النجس والرعاف والحدث والبناء على الطواف
قال الشافعي رحمه الله تعالى فإذا طاف في ثوب نجس أو على جسده نجاسة أو في نعليه نجاسة لم يعتد بما طاف بتلك الحال كما لا يعتد في الصلاة وكان في حكم من لم يطف وانصرف فألقى ذلك الثوب وغسل النجاسة عن جسده ثم رجع فاستأنف لا يجزيه من الطهارة في نفسه وبدنه وما عليه إلا ما يجزيه في الصلاة ومن طاف بالبيت فكالمصلى في الطهارة خاصة وإن رعف أو قاء انصرف فغسل الدم عنه والقيء ثم رجع فبنى وكذلك إن غلبه حدث انصرف فتوضأ ورجع فبنى وأحب إلى في هذا كله لو استأنف قال ولو طاف ببعض ما لا تجزيه به الصلاة ثم سعى أعاد الطواف والسعي ولا يكون له أن يعتد بالسعي حتى يكمل الطواف بالبيت ولو انصرف إلى بلده رجع حتى يطوف ويسعى هذا الطواف على الطهارة وجماع هذا أن يكون من طاف بغير كمال الطهارة في نفسه ولباسه فهو كمن لم يطف قال الشافعي وأختار إن قطع الطائف الطواف فتطاول رجوعه أن يستأنف فإن ذلك احتياط وقد قيل لو طاف اليوم طوافا وغدا آخر أجزأ عنه لأنه عمل بغير وقت
ID ' ' وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو
ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة
للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب
غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال
وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع
سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ
الحديث.
وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة
أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى.
هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة
صفحة : 692
باب الطواف بعد عرفة
قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق قال الشافعي فاحتلمت الآية أن تكون على طواف الوداع لأنه ذكر الطواف بعد قضاء التفث واحتملت أن تكون على الطواف بعد منى وذلك أنه بعد حلاق الشعر ولبس الثياب والتطيب وذلك قضاء التفث وذلك أشبه معنييها بها لأن الطواف بعد منى واجب على الحاج والتنزيل كالدليل على إيجابه والله أعلم وليس هكذا طواف الوداع قال الشافعي إن كانت نزلت في الطواف بعد منى دل ذلك على إباحة الطيب قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي ﷺ لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه أرخص للمرأة الحائض أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال لا يصدرن أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت قال الشافعي وبهذا نقول وفي أمر رسول الله ﷺ الحائض أن تنفر قبل أن تطوف طواف الوداع دلالة على أن ترك طواف الوداع لا يفسد حجا والحج أعمال متفرقة منها شيء إذا لم يعمله الحاج أفسد حجه وذلك الإحرام وأن يكون عاقلا للاحرام وعرفة فأي هذا ترك لم يجزه عنه حجه قال الشافعي ومنها ما إذا تركه لم يحل من كل إحرامه وكان عليه أن يعمله في عمره كله وذلك الطواف بالبيت والصفا والمروة الذي يحل به إلا النساء وأيهما ترك رجع من بلده وكان محرما من النساء حتى يقضيه ومنها ما يعمل في وقت فإذا ذهب ذلك الوقت كله لم يكن له ولا عليه عمله ولا بدله وعليه الفدية مثل المزدلفة والبيتوتة ب منى ورمى الجمار ومنها ما إذا تركه ثم رجع إليه سقط عنه الدم ولو لم يرجع لزمه الدم وذلك مثل الميقات في الإحرام ومثله والله أعلم طواف الوداع لأنهما عملان أمر بهما معا فتركهما فلا يتفرقان عندي فيما يجب عليه من الفدية في كل واحد منهما قياسا على مزدلفة والجمار والبيتوتة ليالي منى لأنه نسك قد تركه وقد أخبرنا عن
صفحة : 693
ابن عباس أنه قال من نسى من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما فإن قال قائل طواف الوداع طواف مأمور به وطواف الإحلال من الإحرام طواف مأمور به وعملان في غير وقت متى جاء بهما العامل أجزأ عنه فلم لم تقس الطواف بالطواف قيل له بالدلالة عن رسول الله ﷺ على الفرق بينهما والدلالة بما لا أعلم فيه مخالفا فإن قال قائل وأين الدلالة قيل له لما أمر رسول الله ﷺ بطواف الوداع وأرخص للحائض أن تنفر بلا وداع فاستدللنا على أن الطواف للوداع لو كان كالطواف للاحلال من الإحرام لم يرخص رسول الله ﷺ للحائض في تركه ألا ترى أن رسول الله ﷺ سأل عن صفية أطافت بعد النحر فقيل نعم فقال فلتنفر قال الشافعي وهذا إلزامها المقام للطواف بعد النحر وتخفيف طواف الوداع قال الشافعي ولا يخفف مالا يحل المحرم إلا به أو لا ترى أن من طاف بعد الجمرة والنحر والحلاق حل له النساء وهو إذا حل له النساء خارج من إحرم الحج بكمال الخروج ومن خرج من إحرام الحج لم يفسده عليه ما تركه بعده وكيف يفسد ما خرج منه وهذا يبين أن ترك الميقات لا يفسد حجا لأنه يكون محرما وإن جاوز الميقات وأن من دون الميقات يهل فيجزي عنه والشيء المفسد للحج إذا ترك ما لا يجزي أحدا غير فعله وقد يجزي عالما أن يهلوا دون الميقات إذا كان أهلوهم دونه ويدل على أن ترك البيتوتة ليالي منى وترك رمي الجمار لا يفسد الحج
ID ' ' القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال
تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون
خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م
ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى:
(وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية
والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى:
(ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل
ولا يكاد يقدر عليه.
وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن
العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر
صفحة : 694
باب ترك الحائض الوداع
أخبرنا سفيان عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت حاضت صفية بعد ما أفاضت فذكرت حيضها لرسول الله ﷺ فقال أحابستنا هي فقلت يا رسول الله إنها حاضت بعدما أفاضت قال فلا إذا أخبرنا مالك عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن صفية بنت حي حاضت فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال أحابستنا هي فقلت إنها قد كانت أفاضت ثم حاضت بعد ذلك فقال فلا إذا أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أن صفية حاضت يوم النحر فذكرت عائشة حيضتها للنبي ﷺ فقال أحابستنا هي فقلت إنها قد كانت أفاضت ثم أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي ﷺ أن رسول الله ﷺ ذكر صفية بنت حي فقيل إنها قد حاضت فقال رسول الله ﷺ لعلها حابستنا فقالوا يا رسول الله إنها قد أفاضت قال فلا إذا أخبرنا مالك عن هشام بن عروة قال عروة قالت عائشة ونحن نذكر ذلك فلم يقدم الناس نساءهم إن كان لا ينفعهم ولو كان ذلك الذي يقول لأصبح ب منى أكثر من ستة آلاف امرأة حائض أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس قل كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت أتفتى أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت قال نعم قال فلا تفت بذلك قال فقال ابن عباس إما لا فسل فلانة الأنصارية هل أمرها بذلك رسول الله ﷺ قال فرجع إليه زيد ابن ثابت يضحك ويقول ما أراك إلا قد صدقت أخبرنا سفيان عن ابن أبي حسين قال اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة الحائض فقال ابن عباس تنفر وقال زيد لا تنفر فقال له ابن عباس سل فسأل أم سليم وصواحباتها قال فذهب زيد فلبث عنه ثم جاءه وهو يضحك فقال القول ما قلت أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبدالرحمن عن أمه عمرة بنت عبدالرحمن أنها أخبرته أن عائشة زوج النبي ﷺ كانت إذا حجت ومعها نساء تخاف أن يحضن قدمتهن أخبرنا سفيان عن أيوب عن القاسم بن محمد أن عائشة كانت تأمر النساء أن يعجلن الإفاضة مخافة الحيض
صفحة : 695
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دنيار وإبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال جلست إلى ابن عمر فسمعته يقول لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت فقلت ماله أما سمع ما سمع أصحابه ثم جلست إليه من العام المقبل فسمعته يقول زعموا أنه رخص للمرأة الحائض قال الشافعي كأن ابن عمر والله أعلم سمع الأمر بالوداع ولم يسمع الرخصة للحائض فقال به على العام وهكذا ينبغي له ولمن سمع عاما أن يقول به فلما بلغه الرخصة للحائض ذكرها وأخبرنا عن ابن شهاب قال جلت عائشة للنساء على ثلاث لا صدر لحائض إذا أفاضت بعد المعرف ثم حاضت قبل الصدر وإذا طافت المرأة طواف الزيارة الذي يحلها لزوجها ثم حاضت نفرت بغير وداع ولا فدية عليها وإن طهرت قبل أن تنفر فعليها الوداع كما يكون على التي لم تحض من النساء وإن خرجت من بيوت مكة كلها قبل أن تطهر ثم طهرت لم يكن عليها الوداع وإن طهرت في البيوت كان عليها الوداع وكذلك لو رأت الطهر فلم تجد ماء كان عليها الوداع كما تكون عليها الصلاة فإن كانت مستحاضة طافت في الأيام التي تصلى فيها فإن بدأت بها الاستحاضة قلنا لها تقف حتى تعلم قدر حيضتها واستحاضتها فنفرت فعلمنا أن اليوم الذي
باب تحريم الصيد
قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله عز وجل أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما قال الشافعي والبحر اسم جامع فكل ما كثر ماؤه واستع قيل هذا بحر فإن قال قائل فالبحر المعروف البحر هو المالح قيل نعم ويدخل فيه العذب وذلك معروف عند العرب فإن قال فهل من دليل عليه في كتاب الله قيل نعم قال الله عز وجل وما يتسوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا ففي الآية دلالتان إحداهما أن البحر العذب والمالح وأن صيدهما مذكور ذكرا واحدا فكل ما صيد في ماء عذب أو بحر قليل أو كثير مما يعيش في الماء للمحرم حلال وحلال اصطياده وإن كان في الحرم لأن حكمه حكم صيد البحر الحلال للمحرم لا يختلف ومن خوطب بإحلال صيد البحر وطعامه عقل أنه إنما أحل له ما يعيش في البحر من ذلك وأنه أحل كل ما يعيش في مائة لأنه صيده وطعامه عندنا ما ألقى وطفا عليه والله أعلم ولا أعلم الآية تحتمل إلا هذا المعنى أو يكون طعامه في دواب تعيش فيه فتؤخذ بالأيدي بغير تكلف كتكلف صيده فكان هذا داخلا في ظاهر جملة الآية والله أعلم فإن قال
صفحة : 696
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه سئل عن صيد الأنهار وقلات المياه أليس بصيد البحر قال بلى وتلا هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن إنسانا سأل عطاء عن حيتان بركة القسرى وهي بئر عظيمة في الحرم أتصاد قال نعم ولوددت أن عندنا منه
باب أصل ما يحل للمحرم قتله من الوحش ويحرم عليه
قال الشافعي ذكر الله عز وجل صيد البحر جملة ومفسرا فالمفسر من كتاب الله عز وجل يدل على معنى المجمل منه بالدلالة المفسرة المبينة والله أعلم قال الله تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما فلما أثبت الله عز وجل إحلال صيد البحر وحرم صيد البر ما كانوا حرما دل على أن الصيد الذي حرم عليهم ما كانوا حرما ما كان أكله حلالا لهم قبل الإحرام لأنه والله أعلم لا يشبه أن يكون حرم بالإحرام خاصة إلا ما كان مباحا قبله فأما ما كان محرما على الحلال فالتحريم الأول كاف منه وسنة رسول الله ﷺ تدل على معنى ما قلت وإن كان بينا في الآية والله أعلم أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن في الحل والحرم الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور
ID ' ' كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .
صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا
يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه
الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن
يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما
سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.
وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله
ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت
جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت
صفحة : 697
باب قتل الصيد خطأ
قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا قال الشافعي يجزي الصيد من قتله عمدا أو خطأ فإن قال قائل إيجاب الجزاء في الآية على قاتل الصيد عمدا وكيف أوجبته على قاتله خطأ قيل له إن شاء الله إن إيجاب الجزاء على قاتل الصيد عمدا لا يحظر أن يوجب على قاتله خطأ فإن قال قائل فإذا أوجبت في العمد بالكتاب فمن أين أوجبت الجزاء في الخطأ قيل أوجبته في الخطأ قياسا على القرآن والسنة والإجماع فإن قال فأين القياس على القرآن قيل قال الله عز وجل في قتل الخطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهه وقال فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فلما كانت النفسان ممنوعتين بالإسلام والعهد فأوجب الله عز وجل فيهما بالخطأ ديتين ورقبتين كان الصيد في الإحرام ممنوعا بقول الله عز وجل وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وكان لله فيه حكم فيما قتل منه عمدا بجزاء مثله وكان المنع بالكتاب مطلقا عاما على جميع الصيد وكان المالك لما وجب بالصيد أهل الحرم لقول الله تعالى هديا بالغ الكعبة ولم أعلم بين المسلمين اختلافا أن ما كان ممنوعا أن يتلف من نفس إنسان أو طائر أو دابة أو غير ذلك مما يجوز ملكه فأصابه إنسان عمدا فكان على من أصابه فيه ثمن يؤدى لصاحبه وكذلك فيما أصاب من ذلك خطأ لا فرق بين ذلك إلا المأثم في العمد فلما كان هذا كما وصفت مع أشباه له كان الصيد كله ممنوعا في كتاب الله تعالى قال الله عز وجل أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما فلما كان الصيد محرما كله في الإحرام وكان الله عز وجل حكم في شيء منه بعدل بالغ الكعبة كان كذلك كل ممنوع من الصيد في الإحرام لا يتفرق كما لم يفرق المسلمون بين الغرم في الممنوع من الناس والأموال في العمد والخطأ فإن قال قائل فمن قال هذا معك قيل الحجة فيه ما وصفت وهي عندنا مكتفى بها وقد قاله ممن قبلنا غيرنا قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء قوله الله عز وجل لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا قلت له فمن قتله خطأ أيغرم قال نعم يعظم بذلك حرمات الله ومضت به السنن أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال رأيت الناس
صفحة : 698
قال الشافعي فإن قال قائل فهل شيء أعلى من هذا قيل شيء يحتمل هذا المعنى ويحتمل خلافه فإن قال ما هو قلت أخبرنا مالك عن عبدالملك بن قريب قال الشافعي فيحتمل أن يكونا أوطآ الضب مخطئين بإيطائه وأوطآه عامدين له فقال لي قائل هل ذهب أحد في هذا خلاف مذهبك فقلت نعم قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال كان مجاهد يقول ومن قتله منكم متعمدا غير ناس لحرمه ولا مريدا غيره فأخطأ به فقد أحل وليست له رخصة ومن قتله ناسيا لحرمه أو أراد غيره فأخطا به فذلك العمد المكفر عنه من النعم قال فما يعني بقوله فقد أحل قلت أحسبه يذهب إلى أحل عقوبة الله قال أفتراه يريد أحل من إحرامه قلت ما أراه ولو أراده كان مذهب من أحفظ عنه خلافه ولم يلزم بقوله حجة قال فما جماع معنى قوله في الصيد قلت إنه لا يكفر العمد الذي لا يخلطه خطأ ويكفر العمد الذي يخلطه الخطأ قال فنصه قلت يذهب إلى أنه إن عمد قتله ونسى إحرامه ففي هذا خطأ من جهة نسيان الإحرام وإن عمد غيره فأصابه ففي هذا خطأ من جهة الفعل الذي كان به القتل أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ومن قلته منكم متعمدا لقتله ناسيا لحرمه فذلك الذي يحكم عليه ومن قتله متعمدا لقتله ذاكرا لحرمه لم يحكم عليه قال عطاء يحكم عليه وبقول عطاء نأخذ فإن قال قائل فهل يخالف هذين المذهبين أحد قلت نعم قال غيرهم من أهل العلم يحكم على من قتله عمدا ولا يحكم على من قتله خطأ بحال
ID ' ' عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها
هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت
خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها
فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر
على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.
ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه
والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب
الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف
صفحة : 699
باب من عاد لقتل الصيد
قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن قتل صيدا فحكم عليه ثم عاد لآخر قال يحكم عليه كلما عاد أبدا فإن قال قائل ومن أين قلته قلت إذا لزمه أن يحكم عليه بإتلاف الأول لزمه أن يحكم عليه بإتلاف الثاني وكل ما بعده كما يكون عليه لو قتل نفسا ديته وأنفسا بعده دية دية في كل نفس وكما يكون عليه لو أفسد متاعا لأحد ثم أفسد متاعا لآخر ثم أفسد متاعا كثيرا بعده قيمة ما أفسد في كل حال فإن قال فما قول الله عز وجل ومن عاد فينتقم الله منه ففي هذا دلالة على أنه لا يحكم عليه قال الشافعي ما يبلغ علمي أن فيه دلالة على ذلك فإن قال قائل فما معناه قيل الله أعلم ما معناه أما الذي يشبه معناه والله أعلم فأن يجب عليه بالعود النقمة وقد تكون النقمة بوجوه في الدنيا المال وفي الآخرة النار فإن قال فهل تجد ما يدل على ما وصفت في غير هذه الآية أو على ما يشبه قيل نعم قال الله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا وجعل الله القتل على الكفار والقتل على القاتل عمدا وسن رسول الله ﷺ العفو عن القاتل بالدية إن شاء ولى المقتول وجعل الحد على الزاني فلما أوجب الله عليهم النقمة بمضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا وجعل الحد على الزاني فلما أوجب الله عليهم الحدود دل هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقط حكم غيرها في الدنيا قال الله تبارك وتعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فلم يختلف الناس في أنهما كلما زنيا بعد الحد جلدا فكان الحق عليهم في الزنا الآخر مثله في الزنا الأول ولو انبغى أن يفرقا كان في الزنا الآخر والقتل الآخر أولى ولم يطرح فإن قال أفرأيت من طرحه على معنى أنه عمد مأثم فأول ما قتل من الصيد عمدا يأثم به فكيف حكم عليه فقلت حكم الله تعالى عليه فيه ولو كان كما تقول كان أولى أن لا يعرض له في عمد المأثم فإذا ان الابتداء على أنه عمد مأثم فالثاني مثله فإن قال فهل قال هذا معك أحد غيرك قيل نعم فإن قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد عن محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم أنه قال في المحرم يقتل الصيد عمدا يحكم عليه كلما قتل فإن قال قائل فما قول الله عز وجل عفا الله عما سلف ومن عاد فلينتقم الله منه قيل الله أعلم بمعنى ما أراد فأما عطاء بن أبي رباح فيذهب إلى عفا الله عما سلف في الجاهلية
صفحة : 700
ومن عاد في الإسلام بعد التحريم لقتل صيد مرة فينتقم الله منه أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء في قول الله عز وجل عفا الله عما سلف قال عفا الله عما كان في الجاهلية قلت وقوله ومن عاد فينتقم الله منه قال ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه وعليه في ذلك الكفارة قال وإن عمد فعليه الكفارة قلت له هل في العود من حد يعلم قال لا قلت أفترى حقا على الإمام أن يعاقبه فيه قال لا ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله تعالى ويفتدى قال الشافعي ولا يعاقبه الإمام فيه لأن هذا ذهب جعلت عقوبته فديته إلا أن يزعم أنه يأتى ذلك عامدا مستخفا
باب أين محل هدى الصيد
قال الشافعي قال الله تعالى هديا بالغ الكعبة قال الشافعي فلما كان كل ما أريد به هدى من ملك ابن آدم هديا كانت الأنعام كلها وكل ما أهدى هو بمكة والله أعلم ولو خفى عن أحد أن هذا هكذا ما انبغى والله أعلم أن يخفى عليه إذا كان الصيد إذا جزى بشىء من النعم لا يجزي فيه إلا أن يجزى بمكة فعلم أن مكة أعظم أرض الله تعالى حرمة وأولاه أن تنزه عن الدماء لولا ما عقلنا من حكم الله في أنه للمساكين الحاضرين بمكة فإذا عقلنا هذا عن الله عز وجل فكان جزاء الصيد بطعام لم يجز والله أعلم إلا بمكة وكما عقلنا عن الله ذكر الشهادة في موضعين من القرآن بالعدل وفي مواضع فلم يذكر العدل وكانت الشهادات وإن افترقت تجتمع في أنه يؤخذ بها اكتفينا أنها كلها بالعدل ولم نزعم أن الموضع الذي لم يذكر الله عز وجل فيه العدل معفو عن العدل فيه فلو أطعم في كفارة صيد بغير مكة لم يجز عنه وأعاد الإطعام بمكة أو ب بمنى فهو من مكة لأنه لحاضر الحرم ومثل هذا كل ما وجب على محرم بوجه من الوجوه من فدية أذى أو طيب أو لبس أو غيره لا يخالفه في شيء لأن كله من جهة النسك والنسك إلى الحرم ومنافعه للمساكين الحاضرين الحرم قال ومن حضر الكعبة حين يبلغها الهدى من النعم أو الطعام من مسكين كان له أهل بها أو غريب لأنه إنما أعطوا بحضرتها وإن قل فكان يعطى بعضهم دون بعض أجزأه أن يعطى مساكين الغرباء دون أهل مكة ومساكين أهل مكة دون مساكين الغرباء وأن يخلط بينهم ولو آثر به أهل مكة لأنهم يجمعون الحضور والمقام لكان كأنه أسرى إلى القلب والله أعلم فإن قال قائل فهل قال هذا أحد يذكر قوله قيل
صفحة : 701
أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء فجزاء مثل ما قتل من النعم هديا بالغ الكعبة أو أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء قال له مرة أخرى يتصدق الذي يصيب الصيد بمكة قال الله عز وجل هديا بالغ الكعبة قال فيتصدق بمكة قال الشافعي يريد عطاء ما وصفت من الطعام والنعم كله هدى والله أعلم
باب كيف يعدل الصيام
قال الشافعي رحمه الله تعالى أو عدل ذلك صياما الآية أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما قوله أو عدل ذلك صياما قال إن أصاب ما عدله شاة فصاعدا أقيمت الشاة طعاما ثم جعل مكان كل مد يوما يصومه قال الشافعي وهذا إن شاء الله كما قال عطاء وبه أقول وهكذا بدنة إن وجبت وهكذا مد إن وجب عليه في قيمة شيء من الصيد صام مكانه يوما وإن أصاب من الصيد ما قيمته أكثر من مد وأقل من مدين صام يومين وهكذا كل ما لم يبلغ مدا صام مكانه يوما أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء هذا المعنى قال الشافعي فإن قال قائل فمن أين قلت مكان المد صيام يوم وما زاد على مد مما لا يبلغ مدا آخر صوم يوم قلت قلته معقولا وقياسا فإن قال فأين القياس به والمعقول فيه قلت أرأيت إذا لم يكن لمن قتل جرادة أن يدع أن يتصدق بقيمتها تمرة أو لقمة لأنها محرمة مجزية لا تعطل بقلة قيمتها ثم جعل فيها قيمتها فإذا بدا له أن يصوم هل يجد من الصوم شيئا يجزيه أبدا أقل من يوم فإن قال لا قلت فبذلك عقلنا أن أقل ما يجب من الصوم يوم وعقلنا وقسنا أن الطلاق إذا كان لا يتبعض فأوقع إنسان بعض تطليقة لزمته تطليقة وعقلنا أن عدة الأمة إذا كانت نصف عدة الحرة فلم تتبعض الحيضة نصفين فجلعنا عدتها حيضتين
ID ' ' ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه
أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن
ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.
وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو
ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة
للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب
صفحة : 702
باب الخلاف في عدل الصيام والطعام
أخبرنا الربيع قالقال الشافعي رحمه الله قال لي بعض الناس إذا صام عن جزاء الصيد صام عن كل مد يوما وإذا أطعم منه في كفارة اليمين أطعم كل مسكين مدين وقال هل رويت في هذا عن أصحابك شيئا يوافق قولنا ويخالف قولك قلت نعم أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن مجاهدا كان يقول مكان كل مدين يوما فقال وكيف لم تأخذ بقول مجاهد وأخذت بقول عطاء يطعم المسكين حيث وجب إطعامه مدا إلا في فدية الأذى فإنك قلت يطعمه مدين ولم لم تقل إذا قلت في فدية الأذى يطعمه مدين في كل موضع قال الشافعي فقلت له يجمع بين مسألتيك جواب واحد إن شاء الله قال فاذكره قال الشافعي أصل ما ذهبنا إليه نحن وأنت ومن نسبناه معنا إلى الفقه فالفرض عليه في تأدية ما يجب عليه من أن لا يقول إلا من حيث يعلم ويعلم أن أحكام الله جل ثناؤه ثم أحكام رسوله من وجهين يجمعهما معا أنهما تعبد ثم في التعبد وجهان فمنه تعبد لأمر أبان الله عز وجل أو رسوله سببه فيه أو في غيره في كتابه أو سنة رسوله فذلك الذي قلنا به وبالقياس فيما هو في مثل معناه ومنه ما هو تعبد لما أراد الله عز شأنه مما علمه وعلمنا حكمه ولم نعرف فيه ما عرفنا مما أبان لنا في كتابه أو على لسان نبيه ﷺ فأدينا الفرض في القول به والانتهاء إليه ولم نعرف في شيء له معنى فنقيس عليه وإنما قسنا على ما عرفنا ولم يكن لنا علم إلا ما علمنا الله جل ثناؤه فقال هذا كله كما وصفت لم أسمع أحدا من أهل التكشيف قال بغيره فقفنى منه على أمر أعرفه فإن أصحابنا يعطون هذه الجملة كما وصفت لا يغادرون منها حرفا وتختلف أقاويلهم إذا فرعوا عليها فقلت فاقبل منهم الصواب واردد عليهم الغفلة قال إن ذلك للازم لي وما يبرأ آدمى رأيته من غفلة طويلة ولكن انصب لما قلت مثالا فقلت أرأيت إذا حكم رسول الله ﷺ في الجنين بغرة قلنا وقلت قيمتها خمسون دينارا وهو لو كان حيا كانت فيه ألف دينار أو ميتا لم يكن فيه شيء وهو لا يخلو أن يكون ميتا أو حيا فكان مغيب المعنى يحتمل الحياة والموت إذا جنى عليه قهل قسنا عليه ملففا أو رجلا في بيت يمكن فيهما الموت والحياة وهما مغيبا المعنى قال لا قلت ولا قسنا عليه شيئا من الدماء قال لا قلت ولم قال لأنا تعبدنا بطاعة النبي ﷺ فيه ولم نعرف سبب ما حكم له به قلت فهكذا قلنا في المسح على الخفين لا يقاس عليهما عمامة ولا برقع ولا قفازان قال وهكذا قلنا فيه لأن فيه فرض وضوء
صفحة : 703
وخص منه الخفان خاصة فهو تعبد لا قياس عليه قلت وقسنا نحن وأنت إذ قضى النبي ﷺ أن الخراج بالضمان أن الخدمة كالخراج قال نعم قلت لأنا عرفنا أن الخراج حادث في ملك المشتري وضمنه منه ولم تقع عليه صفقة البيع قال نعم وفي هذا كفاية من جملة ما أردت ودلالة عليه من أن سنة مقيس عليها وأخرى غير مقيس عليها وكذلك القسامة لا يقاس عليها غيرها ولكن أخبرني بالأمر الذي له اخترت أن لكل مسكين مدا إلا في فدية الأذى إذا ترك الصوم فإما أن يصوم مكان كل مد يوما فيكون صوم يوم مكان مد فإن ثبت لك المد فصحيح لا أسألك عنه إلا فيما قلت أن صوم اليوم يقوم مقام إطعام مسكين فقلت له حكم الله عز وجل على المظاهر إذا عاد لما قال فتحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا فكان معقولا أن إمساك المظاهر عن أن يأكل ستين يوما كإطعام ستين مسكينا وبهذا المعنى صرت إلى أن إطعام مسكين مكان كل يوم قال فهل من دليل مع هذا قلت نعم أمر النبي ﷺ المصيب لأهله نهارا في شهر رمضان هل تجد ما تعتق قال لا فسأله هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين فقال لا فسأله هل تقدر أن تطعم ستين مسكينا فقال لا فأعطاه عرق تمر فأمره أن يتصدق به على ستين مسكينا فأدى المؤدى للحديث أن في العرق خمسة عشر صاعا قال أو عشرين ومعروف أن العرق يعمل على خمسة عشر صاعا ليكون الوسق به أربعة فذهبنا إلى أن إطعام المسكين مد طعام ومكان إطعام المسكين صوم يوم قال أما صوم يوم مكان كل مسكين فكما قلت وأما إطعام المسكين مدا فإذا قال أوعشرين صاعا قلت فهذا مد وثلث لكل مسكين قال فلم لا تقول به قلت فهل علمت أحدا قط قال إلا مدا أو مدين قال لا قلت فلو كان كما قلت أنت كنت أنت قد خالفته ولكنه احتياط من المحدث وهذا كما قلت في العرق خمسة عشر صاعا وعلى ذلك كانت تعمل فيما أخبرني غير واحد من أهل العلم باليمن أنه كانوا يجعلونها معايير كالمكاييل على خمسة عشر صاعا بالتمر قال فقد زعمت أن الكفارة في الطعام وإصابة المرأة تعبد لأمر قد عرفته وعرفناه معك فأبن أن الكفارة في فدية الأذى وغيرها تعبد لا يقاس عليه قلت أليس قال رسول الله ﷺ لكعب بن عجرة في الطعام فرقا بين ستة مساكين فكان ذلك مدين مدين قال بلى قلت وأمره فقال أو صم ثلاثة أيام قال بلى قلت وقال أو انسك شاة قال بلى قلت فلو قسنا الطعام على الصوم أما نقول صوم يوم مكان إطعام مسكينين قال بلى قلت ولو قسنا الشاة بالصوم كانت
صفحة : 704
شاة عدل صيام ثلاثة أيام قال بلى قلت وقد قال الله عز وجل في المتمتع فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم فجعل البدل من شاة صوم عشرة أيام قال نعم وقلت قال الله عز وجل فكفارته إطعام عشرة مساكين الآية فجعل الرقبة مكان إطعام عشرة مساكين قال نعم قلت والرقبة في الظهار والقتل كان ستين يوما قال نعم وقد بان أن صوم ستين يوما أولى بالقرب من الرقبة من صوم عشرة وبان لي أن صوم يوم أولى بإطعام مسكين منه بإطعام مسكينين لأن صوم يوم جوع يوم وإطعام مسكين إطعام يوم فيوم بيوم أولى أن يقاس عليه من يومين بيوم وأوضح من أنه أولى الأمور بالقياس قال فهل فيه من أثر أعلى من قول عطاء قلت نعم أخبرنا مالك قال الشافعي قال فهل خالفك في هذا غيرك من أهل ناحيتك فقلت نعم زعم منهم زاعم ما قلت من أن الكفارات بمد النبي ﷺ إلا كفارة الظهار فإنها بمد هشام قال فلعل مد هشام مدين فيكون أراد قولنا مدين وإنما جعل مد هشام علما قلت لا مد هشام مد وثلث بمد النبي ﷺ أو مد ونصف قال الشافعي فقال فالغني بالمسألة عن هذا القول إذا كان كما وصفت غنى بما لا يعيد ولا يبدي كيف جاز لأحد أن يزعم أن الكفارات بمد مختلف أرأيت لو قال له إنسان هي بمد أكبر من مد هشام أضعافا والطعام بمد النبي ﷺ وما سواه بمد محدث الذي هو أكبر من هشام أو رأيت الكفارات إذ نزلت على النبي ﷺ كيف جاز أن تكون بمد رجل لم يخلق أبوه ولعل جده لم يخلق في زمان النبي ﷺ وإنما قال الناس هي مدان بمد النبي ﷺ أو مد بمد النبي ﷺ فما أدخل مدا وكسرا هذا خروج من قول أهل الدنيا في الكفارات قال الشافعي وقلت له وزعم بعد أهل ناحيتنا أيضا أن على غير أهل المدينة من الكفارات أكثر مما على أهل المدينة لأن الطعام فيهم أوسع منه بالمدينة قال فما قلت لمن قال هذا قال الشافعي فقلت له أرأيت الذين يقتاتون الفث والذين يتقاتون اللبن والذين يقتاتون الحنظل والذين يقتاتون الحيتان لا يقتاتون غيرها والدين السعر عندهم أغلى منه بالمدينة بكثير كيف يكفرون ينبغي في قولهم أن يكفروا أقل من كفارة أهل المدينة ويكفرون من الدخن وهو نبات يقتاته بعض الناس في الجدب وينبغي إذا كان سعر أهل المدينة أرخص من سعر أهل بلد أن
صفحة : 705