الرئيسيةبحث

كتاب الأم - المجلد السابع3

صفحة : 2589


باب في الوديعة قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا استودع الرجل رجلا وديعة فقال المستودع: أمرتني أن أدفعها إلى فلان فدفعتها إليه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: فالقول قول رب الوديعة والمستودع ضامن وبهذا يأخذ يعني أبا يوسف. وكان ابن أبي ليلى يقول: القول قول المستودع ولا ضمان عليه وعليه اليمين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فتصادقا عليها ثم قال المستودع: أمرتني أن أدفع الوديعة إلى رجل فدفعتها إليه وأنكر ذلك رب الوديعة فالقول قول رب الوديعة وعلى المستودع البينة بما ادعى وإذا استودع الرجل الرجل وديعة فجاء آخر يدعيها معه فقال المستودع: لا أدري أيكما استودعني هذه الوديعة وأبى أن يحلف لهما وليس لواحد منهما بينة فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: يعطيهما تلك الوديعة بينهما نصفين ويضمن لهما أخرى مثلها بينهما. لأنه أتلف ما استودع بجهالته. ألا ترى أنه لو قال: هذا استودعنيها ثم قال: أخطأت بل هو هذا. كان عليه أن يدفع الوديعة إلى الذي أقر له بها أولا ويضمن الآخر مثل ذلك لأن قوله أتلفه وكذلك الأول إنما أتلفه هو بجهله وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول في الأول: ليس عليه شيء والوديعة والمضاربة بينهما نصفان. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كانت في يدي الرجل وديعة فادعاها رجلان كلاهما يزعم أنها له وهي مما يعرف بعينه مثل العبد والبعير والدار فقال: هي لأحدكما ولا أدري أيكما هو قيل لهما: هل تدعيان شيئا غير هذا بعينه. فإن قالا: لا وقال كل واحد منهما: هو لي أحلف بالله لا يدري لأيهما هو ووقف ذلك لهما جميعا حتى يصطلحا فيه أو يقيم كل واحد منهما البينة على صاحبه أنه له دونه أو يحلفا. فإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان له وان نكلا معا فهو موقوف بينهما. وفيها قول آخر يحتمل وهو: أن يحلف الذي في يديه الوديعة ثم تخرج من يديه ولا شيء عليه غير ذلك فتوقف لهما حتى يصطلحا عليه. ومن قال هذا القول قال: هذا شيء ليس في أيديهما فأقسمه بينهما والذي هو في يديه يزعم أنه لأحدهما لا لهما. وإذا استودع الرجل وديعة فاستودعها المستودع غيره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: هو ضامن لأنه خالف وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا ضامن عليه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أودع الرجل الرجل الوديعة فاستودعها غيره ضمن إن تلفت لأن المستودع رضي بأمانته لا أمانة غيره ولم يسلطه على أن يودعها غيره وكان متعديا

صفحة : 2590

ضامنا إن تلفت. وإذا مات الرجل وعليه دين معروف وقبله وديعة بغير عينها فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: جميع ما ترك بين الغرماء وصاحب الوديعة بالحصص وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: هي للغرماء وليس لصاحب الوديعة لأن الوديعة شيء مجهول ليس بشيء بعينه. وقال أبو حنيفة: فإن كانت الوديعة بعينها فهي لصاحب الوديعة إذا علم ذلك وكذلك قال ابن أبي ليلى. أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في الرجل يموت وعنده الوديعة وعليه دين: أنهم يتحاصون الغرماء وأصحاب الوديعة. الحجاج بن أرطاة عن أبي جعفر وعطاء مثل ذلك. الحجاج عن الحكم عن إبراهيم مثله. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فمات المستودع وأقر بالوديعة بعينها أو قامت عليه بينة وعليه دين محيط بماله كانت الوديعة لصاحبها. فإن لم تعرف الوديعة بعينها ببينة تقوم ولا إقرار من الميت وعرف لها عدد أو قيمة كان صاحب الوديعة كغريم من الغرماء. باب في الرهن أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو ارتهن الرجل رهنا فوضعه على يدي عدل برضا صاحبه فهلك من عند العدل وقيمته والدين سواء. فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: الرهن بما فيه وقد بطل الدين وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: الدين على الراهن كما هو والرهن من ماله لأنه لم يكن في يدي المرتهن إنما كان موضوعا على يدي غيره. قال الشافعي مه الله تعالى: وإذا رهن الرجل الرهن فقبضه منه أو قبضه عدل رضيا به فهلك الرهن في يديه أو في يدي العدل فسواء الرهن أمانة والدين كما هو لا ينقص منه شيء وقد كتبنا في هذا كتابا طويلا وإذا مات الراهن وعليه دين والرهن على يدي عدل فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: المرتهن أحق بهذا الرهن من الغرماء وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: الرهن بين الغرماء والمرتهن بالحصص على قدر أموالهم وإذا كان الرهن في يدي المرتهن فهو أحق بها من الغرماء وقولهما جميعا فيه واحد. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: وإذا مات الراهن وعليه دين وقد رهن رهنا على يدي صاحب الدين أو يدي غيره فسواء والمرتهن أحق بثمن هذا الرهن حتى يستوفي حقه منه. فإن فضل فيه فضل كان الغرماء شرعا فيه وإن نقص عن الدين حاص أهل الدين بما يبقى له في مال الميت. وإذا رهن الرجل الرجل دارا ثم استحق منها شقص وقد قبضها المرتهن فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول:

صفحة : 2591

الرهن باطل لا يجوز وبهذا يأخذ. حفظي عنه في كل رهن فاسد وقع فاسدا فصاحب المال أحق به حتى يستوفي ماله يباع لدينه وكان ابن أبي ليلى يقول: ما بقي من الدار فهو رهن بالحق وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: وكيف يكون ذلك وإنما كان رهنه نصيبا غير مقسوم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا رهن الرجل الرجل دارا فقبضها المرتهن ثم استحق من الدار شيء كان ما يبقى من الدار رهنا بجميع الدين الذي كانت الدار به رهنا. ولو ابتدأ نصيب شقص معلوم مشاع جاز ما جاز أن يكون بيعا جاز أن يكون رهنا. والقبض في الرهن مثل القبض في البيع لا يختلفان وهذا مكتوب في كتاب الرهن. وإذا وضع الرجل الرهن على يدي عدل وسلطه على بيعه عند محل الأجل ثم مات الراهن فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: للعدل أن يبيع الرهن ولو كان موت الراهن يبطل بيعه لأبطل الرهن وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: ليس له أن يبيع وقد بطل الرهن وصار بين الغرماء وللمسلط أن يبيعه في مرض الراهن ويكون للمرتهن خاصة في قياس قوله. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا وضع الراهن الرهن على يدي عدل وسلطه على بيعه عند محل الحق فهو فيه وكيل. فإذا حل الحق كان له أن يبيعه ما كان الراهن حيا فإذا مات لم يكن له البيع إلا بأمر السلطان أو برضا الوارث. لأن الميت وإن رضي بأمانته في بيع الرهن فقد تحول ملك الرهن لغيره من الورثة الذين لم يرضوا أمانته والرهن بحاله لا ينفسخ من قبل أن الورثة إنما ملكوا من الرهن ما كان له الراهن مالكا فإذا كان الراهن ليس له أن يفسخه كان كذلك الوارث. والوكالة ببيعه غير الرهن الوكالة لو بطلت لم يبطل الرهن. وإذا ارتهن الرجل دارا ثم أجرها بإذن الراهن فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: قد خرجت من الرهن حين أذن له أن يؤجرها وصارت بمنزلة العارية. وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: هي رهن على حالها والغلة للمرتهن قضاء من حقه. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: وإذا رهن الرجل الرجل دارا ودفعها إلى المرتهن أو عدل وأذن بكرائها فأكريت كان الكراء للراهن لأنه مالك الدار ولا تخرج بهذا من الرهن. وإنما منعنا أن نجعل الكراء رهنا أو قصاصا من الدين: أن الكراء سكن والسكن ليس هو المرهون. ألا ترى أنه لو باعه دارا فسكنها أو استغلها ثم ردها بعيب كان السكن والغلة للمشتري. ولو أخذ من أصل الدار شيئا لم يكن له أن يردها لأن ما أخذ من الدار من أصل البيع والكراء والغلة ليس أصل البيع. فلما كان الراهن إنما رهن رقبة

صفحة : 2592

الدار وكانت رقبة الدار للراهن إلا أنه شرط للمرتهن فيها حقا لم يجز أن يكون النماء من الكراء والسكن إلا للراهن المالك الرقبة كما كان الكراء والسكن للمشتري المالك الرقبة في حينه ذلك. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا ارتهن الرجل ثلث دار أو ربعها وقبض الرهن فالرهن جائز ما جاز أن يكون بيعا وقبضا في البيع جاز أن يكون رهنا وقبضا في الرهن. وإذا رهن الرجل الرجل دارا أو دابة فقبضها المرتهن فأذن له رب الدابة أو الدار أن ينتفع بالدار أو الدابة فانتفع بها لم يكن هذا إخراجا له من الرهن وما لهذا وإخراجه من الرهن. وإنما هذا منفعة للراهن ليست في أصل الرهن لأنه شيء يملكه الراهن دون المرتهن وإذا كان شيء لم يدخل في الرهن فقبض المرتهن الأصل ثم أذن له في الانتفاع بما لم يرهن لم ينفسخ الرهن. ألا ترى أن كراء الدار وخراج العبد للراهن. باب الحوالة والكفالة في الدين قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان لرجل على رجل دين فكفل له به عنه رجل فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: للطالب أن يأخذ أيهما شاء فإن كانت حوالة لم يكن له أن يأخذ الذي أحاله لأنه قد أبرأه وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: ليس له أن يأخذ الذي عليه الأصل فيها جميعا لأنه حيث قبل منه الكفيل فقد أبرأه من المال إلا أن يكون المال قد توي قبل الكفيل فيرجع به على الذي عليه الأصل. وإن كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه كان له أن يأخذ أيهما شاء في قولهما جميعا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان للرجل على الرجل المال وكفل به آخر فلرب المال أن يأخذهما وكل واحد منهما ولا يبرأ كل واحد منهما حتى يستوفي ماله إذا كانت الكفالة مطلقة فإن كانت الكفالة بشرط كان للغريم أن يأخذ الكفيل على ما شرط له دون ما لم يشرط له. ولو كانت حوالة فالحوالة معقول فيها أنها تحول حق على رجل إلى غيره فإذا تحولت عن رجل لم يجز أن يعود عليه ما تحول عنه إلا بتجديد عودته عليه ويأخذ المحال عليه دون المحيل بكل حال. وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه ثم أخذ منه بعد ذلك آخر بنفسه فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: هما كفيلان جميعا وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: قد برىء الكفيل الأول حين أخذ الكفيل الآخر. قال الشافعي وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه ثم أخذ منه كفيلا آخر بنفسه ولم يبرىء الأول فكلاهما كفيل بنفسه. وإذا كفل الرجل للرجل بدين غير مسمى فإن أبا حنيفة رضي

صفحة : 2593

الله تعالى عنه كان يقول: هو له ضامن وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجوز عليه الضمان في ذلك لأنه ضمن شيئا مجهولا غير مسمى وهو أن يقول الرجل للرجل: أضمن ما قضى لك به القاضي عليه من شيء وما كان لك عليه من حق وما شهد لك به الشهود وما أشبه هذا فهو مجهول. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل للرجل: ما قضى لك به القاضي على فلان أو شهد لك به عليه شهود أو ما أشبه هذا فأنا له ضامن لم يكن ضامنا لشيء من قبل: أنه قد يقضي له ولا يقضي ويشهد له ولا يشهد له فلا يلزمه شيء مما شهد له بوجوه. فلما كان هذا هكذا لم يكن هذا ضمانا وإنما يلزم الضمان بما عرفه الضامن فأما ما لم يعرفه فهو من المخاطرة. وإذا ضمن الرجل دين ميت بعد موته وسماه ولم يترك الميت وفاء ولا شيئا ولا قليلا ولا كثيرا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا ضمان على الكفيل لأن الدين قد توي. وكان ابن أبي ليلى يقول: الكفيل ضامن وبه يأخذ. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إن ترك شيئا ضمن الكفيل بقدر ما ترك وإن كان ترك وفاء فهو ضامن لجميع ما تكفل به. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا ضمن الرجل دين الميت بعد ما يعرفه ويعرف لمن هو فالضمان له لازم ترك الميت شيئا أو لم يترك. وإذ كفل العبد المأذون له في التجارة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: كفالته باطلة لأنها معروف وليس يجوز له المعروف وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: كفالته جائزة لأنها من التجارة وإذا أفلس المحتال عليه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا يرجع على الذي أحاله حتى يموت المحتال عليه ولا يترك مالا. وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن يرجع إذا أفلس وبهذا يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: الحوالة تحويل حق فليس له أن يرجع. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كفل العبد المأذون له في التجارة بكفالة فالكفالة باطلة لأن الكفالة استهلاك مال لا كسب مال. وإذا كنا نمنعه أن يستهلك من ماله شيئا قل أو كثر فكذلك نمنعه أن يتكفل فيغرم من ماله شيئا قل أو كثر. وإذا وكل الرجل رجلا في شيء فأراد الوكيل أن يوكل بذلك غيره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: ليس له ذلك إلا أن يكون صاحبه أمره أن يوكل بذلك غيره وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن يوكل غيره إذا أراد أن يغيب أو مرض فأما إذا كان صحيحا حاضرا فلا. قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: وكيف يكون له أن يوكل غيره ولم يرض صاحبه بخصومة غيره وإنما رضي بخصومته. قال

صفحة : 2594

الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة فليس للوكيل أن يوكل غيره مرض الوكيل أو أراد الغيبة أو لم يردها لأن الموكل له رضي بوكالته ولم يرض بوكالة غيره. فإن قال: وله أن يوكل من رأى كان ذلك له برضا الموكل. وإذا وكل رجل رجلا بخصومة وأثبت الوكالة عند القاضي ثم أقر على صاحبه الذي وكله أن تلك الخصومة حق لصاحبه الذي يخاصمه أقر به عنه القاضي فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: إقراره جائز وبه يأخذ. فال: وإن أقر عند غير القاضي وشهد عليه الشهود فإقراره باطل ويخرج من الخصومة. وقال أبو يوسف: إقراره عند القاضي وعند غيره جائز عليه. وكان ابن أبي ليلى يقول: إقراره باطل. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة ولم يقل في الوكالة أنه وكله بأن يقر عليه ولا يصالح ولا يبرىء ولا يهب فليس له أن يقر ولا يبرىء ولا يهب ولا يصالح. فإن فعل فما فعل من ذلك كله باطل لأنه لم يوكله به فلا يكون وكيلا فيما لم يوكله. وإذا وكل رجل رجلا في قصاص أو حد فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا تقبل في ذلك وكالة وبه يأخذ. وروى أبو يوسف أن أبا حنيفة قال: أقبل من الوكيل البينة في الدعوى في الحد والقصاص ولا أقيم الحد ولا القصاص حتى يحضر المدعي. وقال أبو يوسف: لا أقبل البينة إلا من المدعي ولا أقبل في ذلك وكيلا. وكان ابن ليلى يقول: تقبل في ذلك الوكالة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل الرجل بطلب حد له أو قصاص له على رجل قبلت الوكالة على تثبيت البينة. وإذا حضر الحد والقصاص لم أحده ولم أقتص حتى يحضر المحدود له والمقتص له من قبل أنه قد يقر له فيبطل الحق ويكذب البينة فيبطل القصاص ويعفو. وإذا كانت في يدي رجل دار فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه: وكلني بها فلان لرجل غائب أقوم له عليها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا أصدقه إلا أن يأتي على ذلك ببينة وأجعله خصما. وبه يأخذ وقال أبو يوسف رحمه الله: بعد أن كان متهما أيضا لم أقبل منه بينة وجعلته خصما إلا أن يأتي بشهود أعرفهم. وكان ابن أبي ليلى يقول: أقبل منه وأصدقه ولا نجعل بينهما خصومة. وكان ابن أبي ليلى بعد ذلك يقول: إذا اتهمته سألته البينة على الوكالة فإن لم يقم البينة جعلته خصما. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإن كانت الدار في يدي رجل فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه: ليست لي هي في يدي وديعة أو هي علي بكراء أو أنا فيها وكيل. فمن

صفحة : 2595

قضى على الغائب سمع من المدعي البينة وأحضر الذي هي في يديه. فإن أثبت وكالته قضى عليه وإن لم يثبتها قضى بها للذي أقام عليها البينة وكتب في القضاء: إني قضيت بها ولم يحضرني فيها خصم وزعم فلان أنها ليست له ومن لم يقض على الغائب سأل الذي هي في يديه البينة على ما يقول فإن جاء بها على أنها في يديه بكراء أو وديعة لم يجعله خصما فإن جاء بالبينة على الوكالة جعلته خصما. قال الربيع: وحفظي عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه: يقضي على الغائب. قال: وإذا كان للرجل على الرجل مال فجاء رجل فقال: قد وكلني بقبضه منك فلان فقال الذي عليه المال: صدقت. فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: أجبره على أن يعطيه إياه وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا أجبره على ذلك إلا أن يقيم بينة عليه وأقول: أنت أعلم فإن شئت فأعطه وإن شئت فاتركه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان للرجل على الرجل مال وهو عنده فجاءه رجل فذكر أن صاحب المال وكله به وصدقه الذي في يديه المال لم أجبره على أن يدفعه إليه فإن دفعه لم يبرأ من المال إلا أن يقر رب المال بأنه وكله أو تقوم عليه بينة بذلك. وكذلك لو ادعى هذا الذي ادعى الوكالة دينا على رب المال لم يجبر الذي في يديه المال على أن يعطيه إياه وذلك أن إقراره إياه به إقرار منه على غيره فلا يجوز إقراره على غيره. وإذا وكل الرجل رجلا في شيء فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: لا تثبت وكالته إلا أن يأتي معه بخصم وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: نقبل بينته على الوكالة ونثبتها له وليس معه خصم. وقد كان أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا جاءه رجل قد عرفه يريد أن يغيب فقال: هذا وكيلي في كل حق لي يخاصم فيه قبل ذلك وأثبت وكالته وإذا تغيب الخصم وكل له وكيلا وقضى عليه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل الرجل عند القاضي بشيء أثبت القاضي بينته على الوكالة وجعله وكيلا حضر معه خصم أو لم يحضر وليس الخصم من هذا بسبيل. وإنما أثبت له الوكالة على الموكل وقد تثبت له الوكالة ولا يلزم الخصم شيء. وقد يقضي للخصم على الموكل فتكون تلك الشهادة إنما هي شهادة للخصم تثبت له حقا على الموكل. وإذا وكل رجل رجلا بكل قليل وكثير فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا يجوز بيعه لأنه لم يوكله بالبيع إلا أن يقول: ما صنعت من شيء فهو جائز وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا وكله في كل قليل وكثير فباع دارا أو غير ذلك كان جائزا.

صفحة : 2596

قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد الرجل لرجل أنه وكله بكل قليل وكثير له لم يزد على هذا فالوكالة على هذا غير جائزة من قبل أنه قد يوكله ببيع القليل والكثير ويوكله بحفظ القليل والكثير لا غيره ويوكله بدفع القليل والكثير لا غيره فلما كان يحتمل هذه المعاني وغيرها لم يجز أن يكون وكيلا حتى يبين الوكالات من بيع أو شراء أو وديعة أو خصومة أو عمارة أو غير ذلك. وإذا وكلت المرأة وكيلا بالخصومة وهي حاضرة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: لا أقبل إلا أن يرضى الخصم. وكان ابن أبي ليلى يقول: نقبل ذلك ونجيزه وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله: وأقبل الوكالة من الحاضر من النساء والرجال في العذر وغيره. وقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكل عند عثمان عبد الله بن جعفر وعلي بن أبي طالب حاضر فقبل ذلك عثمان رضي الله عنه. وكان يوكل قبل عبد الله بن جعفر عقيل بن أبي طالب ولا أحسبه أنه كان يوكله إلا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولعل عند أبي بكر رضي الله عنه. قال الشافعي رحمه الله: وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إن للخصومة قحما وإن الشيطان يحضرها. باب في الدين قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان على الرجل دين وكان عنده وديعة غير معلومة بعينها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: ما ترك الرجل فهو بين الغرماء وأصحاب الوديعة بالحصص وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: ليس لصاحب الوديعة شيء إلا أن يعرف وديعته بعينها فتكون له خاصة. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: هي دين في ماله ما لم يقل قبل الموت: قد هلكت. ألا ترى أنه لم يعلم لها سبيل ذهبت فيه وكذلك كل مال أصله أمانة وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان عند الرجل وديعة بعينها وكانت عليه ديون فالوديعة لرب الوديعة لا تدخل عليه الغرماء فيها ولو كانت بغير عينها مثل دنانير ودراهم وما لا يعرف بعينه حاص رب الوديعة الغرماء إلا أن يقول المستودع الميت قبل أن يموت: قد هلكت الوديعة فيكون القول قوله لأنه أمين. وإذا أقر الرجل في مرضه الذي مات فيه بدين وعليه دين بشهود في صحته وليس له وفاء فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: يبدأ بالدين المعروف الذي في صحته فإن فضل عنهم شيء كان للذين أقر لهم في المرض بالحصص. ألا ترى أنه حين مرض أنه ليس يملك من ماله شيئا ولا تجوز وصيته فيه لما عليه من الدين

صفحة : 2597

فكذلك إقراره وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: هو مصدق فيما أقر به والذي أقر له في الصحة والمرض سواء. قال الشافعي رحمه الله: وإذا كانت على الرجل ديون معروفة من بيوع أو جنايات أو شيء استهلكه أو شيء أقر به وهذا كله في الصحة. ثم مرض فأقر بحق لإنسان فذلك كله سواء. ويتحاصون معا لا يقدم واحد على الآخر. ولا يجوز أن يقال فيه إلا هذا والله تعالى أعلم. أو أن يقول رجل إذا مرض فإقراره باطل كإقرار المحجور عليه فأما أن يزعم أن إقراره يلزمه ثم لا يحاص به غرماؤه فهذا تحكم وذلك أن يبدأ بدين الصحة وإقرار الصحة فإن كان عليه دين في المرض ببينة حاص وإن لم يكن ببينة لم يحاص. وإذا فرع الرجل أهل دين الصحة ودين المرض بالبينة لم تجز له وصية ولم يورث حتى يأخذ هذا حقه. فهذا دين مرة يبدأ على المواريث والوصايا وغير دين إذا صار لا يحاص به. وإذا استدانت المرأة وزوجها غائب فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: أفرض لها على زوجها نفقة مثلها في غيبته ثم رجع عن ذلك فقال: لاشيء لها وهي متطوعة فيما أنفقت والدين عليها خاصة. وكان ابن أبي ليلى لا يفرض لها نفقة إلا فيما يستقبل. وكذلك بلغنا عن شريح وبهذا يأخذ. قال الشافعي رحمه الله: وإذا غاب الرجل عن امرأته فلم ينفق عليها فرضت عليه النفقة لما مضى منذ ترك النفقة عليها إلى أن أنفق. ولا يجوز أن يكون لو كان حاضرا ألزمناه نفقتها وبعنا لها في ماله ثم يغيب عنها أو يمنعها النفقة ولا نجعل لها عليه دينا لأن الظلم إذا يقطع الحق الثابت والظلم لا يقطع حقا. والذي يزعم أنه يمرض عليه نفقتها في الغيبة يزعم أنه لا يقضى على غائب إلا زوجها فإنه يفرض عليه نفقتها وهو غائب فيخرجها من ماله فيدفعها إليها فيجعلها أوكد من حقوق الناس مرة في هذا ثم يطرحها بغيبته إن لم تقم عليه وهو لا يطرح حقا بترك صاحبه القيام عليه ويعجب من قول أصحابنا في الحيازة ويقول الحق جديد والترك غير خروج من الحق ثم يجعل الحيازة في النفقة. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم: فأمرهم بأن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا. قال الشافعي رحمه الله: وهم يزعمون أنهم لا يخالفون الواحد من أصحاب النبي ﷺ وقد خالفوا عمر ويزعمون أنهم لا يقبلون من أحد ترك القياس وقد تركوه وقالوا فيه قولا

صفحة : 2598

متناقضا. وإذا كان لرجل على رجل مال وله عليه مثله فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو قصاص وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يكون قصاصا إلا أن يتراضيا به فإن كان لأحدهما على صاحبه مال مخالف لذلك لم يكن ذلك قصاصا في قولهما جميعا. قال الشافعي رحمه الله: وإذا كان لرجل على رجل مال وله عليه مثله لا يختلفان في وزن ولا عدد وكانا حالين معا فهو قصاص. فإن كانا مختلفين لم يكن قصاص إلا بتراض ولم يكن التراضي جائزا إلا بما تحل به البيوع. وإذا أقر وارث بدين وفي نصيبه وفاء بذلك الدين فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يستوفي الغريم من ذلك الوارث المقر جميع ماله نصيبه لأنه لا ميراث له حتى يقضى الدين وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: إنما يدخل عليه من الدين بقدر نصيبه من الميراث فإن كان هو وأخ له دخل عليه النصف وإن كانوا ثلاثة دخل عليه الثلث. والشاهد عنده منهم وحده بمنزلة المقر. وإن كانا اثنين جازت شهادتهما في جميع الميراث في قولهما جميعا إذا كانا عدلين فإن لم يكونا عدلين كان ذلك في أنصبائهما على ما فسرنا من قول أبي حنيفة وابن أبي ليلى. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: إذا مات الرجل وترك ابنين غير عدلين فأقر أحدهما على أبيه بدين فقد قال بعض أصحابنا للغريم المقر له: أن يأخذ من المقر مثل الذي كان يصيبه مما في يديه لو أقر به الآخر وذلك النصف من دينه مما في يديه وقال غيرهم: يأخذ جميع ماله من هذا فمتى أقر له الآخر رجع المأخوذ من يديه على الوارث معه فيقاسمه حتى يكونا في الميراث سواء. وإذا كتب الرجل بقرض في ذكر حق ثم أقام بينة أن أصله كان مضاربة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: آخذه به وإقراره على نفسه بالقرض أصدق من دعواه وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: أبطله عنه وأجعله عليه مضاربة وهو فيه أمين. قال الشافعي رحمه الله: وإذا أقر الرجل أن للرجل عليه ألف درهم سلفا ثم جاء بالبينة أنها مقارضة سئل الذي له السلف فإن قال: نعم هي مقارضة أردت أن يكون له ضامنا أبطلنا عنه السلف وجعلناها مقارضة. وإن لم يقر بهذا رب المال وادعاه المشهود له أحلفناه فإن حلف كانت له عليه دينا وكان إقراره على نفسه أولى من شهود شهدوا له بأمر قد يمكن أن يكونوا صدقوا فيه ويكون أصلها مقارضة تعدى فيها فضمن أو يكونوا كذبوا. وإذا أقام الرجل على الرجل البينة بمال في ذكر حق من شيء جائز فأقام الذي عليه الدين البينة أنه من ربا وأنه قد أقر أنه قد كتب ذكر حق من شيء جائز. فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا أقبل منه

صفحة : 2599

المخرج ويلزمه المال بإقراره أنه ثمن شيء جائز وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقبل منه البينة على ذلك ويرده إلى رأس المال. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أقام الرجل على الرجل البينة بألف درهم فأقام الذي عليه الألف البينة أنها من ربا فإن شهدت البينة على أصل بيع ربا سئل الذي له الألف: هل كان ما قالوا من البيع فإن قالوا: لم يكن بينه وبينه بيع ربا قط ولا له حق علي من وجه من الوجوه إلا هو الألف وهي من بيع صحيح قبلت البينة عليه وأبطلت الربا كائنا ما كان ورددته إلا رأس ماله. وإن امتنع من أن يقر بها أحلفته له فإن حلف لزمت الغريم الألف. وهي في مثل معنى المسألة قبلها لأنه قد يمكن أن يكون أربى عليه في الألف ويكون له ألف غيرها. وإذا أقر الرجل بمال في ذكر حق من بيع ثم قال بعد ذلك: لم أقبض المبيع ولم تشهد عليه بينة بقبضه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: المال له لازم ولا ألتفت إلى قوله. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يلزمه شيء من المال حتى يأتي الطالب بالبينة أنه قد قبض المتاع الذي به عليه ذكر الحق. وقال أبو يوسف رحمه الله: أسأل الذي له الحق أبعت هذا فإن قال: نعم قلت: فأقم البينة على أنك قد وفيته متاعه فإن قال الطالب: لم أبعه شيئا لزمه المال. قال الشافعي رحمه الله: وإذا جاء بذكر حق وبينة على رجل أن عليه ألف درهم من ثمن متاع أو ما كان فقال الذي عليه البينة: إنه باعني هذا المتاع ولم أقبضه كلفت الذي له الحق بينة أنه قد قبضه أو أقر بقبضه فإن لم يأت بها أحلفت الذي عليه الحق ما قبضت المتاع الذي هذه الألف ثمنه ثم أبرأته من هذه الألف. وذلك أن الرجل يشتري من الرجل الشيء فيجب عليه ثمنه بتسليم البائع ما اشترى منه ويسقط عنه الثمن بهلاك الشيء قبل أن يقبضه ولا يلزمه أن يكون دافعا للثمن إلا بأن يدفع السلعة إليه. ولو كان الذي له الألف أتى بذكر حق وبشاهدين يشهدان أن عليه ألف درهم من ثمن متاع اشتراه منه ثم قال المشهود عليه: لم أقبضه سئل المشهود له بالألف فإن قال: هذه الألف من ثمن متاع بعته إياه وقبضه كلف البينة على أنه قبضه وكان الجواب فيها كالجواب في المسألة قبلها. وإن قال: قد أقر لي بالألف فخذه لي بإقراره أخذته له به وأحلفته على دعوى المشهود عليه. وإذا ادعى الرجل على الرجل ألف درهم وجاء عليه بالبينة فشهد أحد شاهديه بالألف وشهد الآخر بألفين فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا شهادة لهما لأنهما قد اختلفا. وكان ابن أبي ليلى يجيز من ذلك ألف درهم ويقضي

صفحة : 2600

بها للطالب. وبه يأخذ. ولو شهد أحدهما بألف وشهد الآخر بألف وخمسمائة كانت الألف جائزة في قولهما جميعا. وإنما أجاز هذا أبو حنيفة لأنه كان يقول: قد سمى الشاهدان جميعا ألفا وقال الآخر: خمسمائة فصارت هذه مفصولة من الألف. قال الشافعي رحمه الله: وإذا ادعى الرجل على الرجل ألف درهم وجاء عليه بشاهدين شهد له أحدهما بألف والآخر بألفين سألتهما: فإن زعما أنهما شهدا بها بإقراره أو زعم الذي شهد بألف أنه شك في الألفين وأثبت الألف فقد ثبت عليه الألف بشاهدين إن أراد أخذها بلا يمين. وإن أراد الألف الأخرى التي له عليها شاهد واحد أخذها بيمين مع شاهد. وإن كان اختلفا فقال الذي شهد بالألفين: شهدت بهما عليه من ثمن عبد قبضه وقال الذي شهد عليه بألف: شهدت بها عليه من ثمن ثياب قبضها فقد بينا أن أصل الحقين مختلف فلا يأخذ إلا بيمين مع كل واحد منهما فإن أحب حلف معهما وإن أحب حلف مع أحدهما وترك الآخر إذا ادعى ما قالا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وسواء ألفين أو ألفا وخمسمائة وإذا شهد الرجل على شهادة رجل وشهد آخر على شهادة نفسه في دين أو شراء أو بيع. فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا تجوز شهادة شاهد على شهادة شاهد ولا يقبل عليه إلا شاهدان. وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: أقبل شهادة شاهد على شهادة شاهد. وكذلك بلغنا عن شريح وإبراهيم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد شاهدان على شهادة شاهدين لم أقبل على كل شاهد إلا شهادة شاهدين معا. قال الربيع: من قبل أن الشاهدين لو شهدا على شهادة شاهد لم يحكم بها الحاكم إلا بشاهد آخر فلما شهدا على شهادة الشاهد الآخر كانا إنما جرا إلى أنفسهما إجازة شهادتهما الأولى التي أبطلها الحاكم فلم نجز إلا شهادة شاهدين على كل شاهد. وإذا شهد الشهود على دار أنها لفلان مات وتركها ميراثا بين فلان وفلان فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: إن شهدوا أنهم لا يعلمون له وارثا غير هؤلاء جازت الشهادة وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا تجوز شهادتهم إذا قالوا: لا نعلم له وارثا غير هؤلاء حتى يثبتوا ذلك فيقولوا: لا وارث له غيرهم. وإذا وارث غيرهم ببينة أدخله معهم في الميراث ولم تبطل شهادة الأولين في قولهما. قال الشافعي رضي الله عنه: وإذا شهد الشهود أن هذه الدار دار فلان مات وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا إلا فلان وفلان قبل القاضي شهادتهم. فإن كان الشاهدان من أهل المعرفة الباطنة به

صفحة : 2601

قضى لهم بالميراث. وإن جاء ورثة غيرهم أدخلتهم عليهم وكذلك لو جاء أهل وصية أو دين. فإن كانوا من غير أهل المعرفة الباطنة بالميت احتاط القاضي فسأل أهل المعرفة فقال: هل تعلمون له وارثا غيرهم فإن قالوا: نعم قد بلغنا فإنا لا نقسم الميراث حتى نعلم كم هم فنقسمه عليهم فإن تطاول أن يثبت ذلك دعا القاضي الوارث بكفيل بالمال ودفعه إليه ولم يجبره إن لم يأت بكفيل ولو قال الشهود: لا وارث له غيرهم قبلته على معنى لا نعلم. ولو قالوا ذلك على الإحاطة لم يكن هذا صوابا منهم ولم يكن فيه ما رد شهادتهم لأن الشهادة على البت تؤول إلى العلم. وإذا شهد الشهود على زنا قديم أو سرقة قديمة فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يدرأ الحد في ذلك ويقضي بالمال وينظر في المهر لأنه قد وطىء فإذا لم يقم الحد بالوطء فلا بد من مهر. وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه قال: أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عنه حضرة ذلك فإنما شهدوا على ضغن فلا شهادة لهم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: أقبل شهادتهم وأمضي الحد فأما السكران فإن أتي به وهو غير سكران فلا حد عليه وإن كان أخذ وهو سكران فلم يرتفع إلى الوالي حتى ذهب السكر عنه إلا أنه في يدي الشرط أو عامل الوالي فإنه يحد. قال الشافعي رحمه الله: وإذا شهد الشهود على حد لله أو للناس أو حد فيه شيء لله عز وجل وللناس مثل: الزنا والسرقة وشرب الخمر وأثبتوا الشهادة على المشهود عليه أنها بعد بلوغه في حال يعقل فيها أقيم عليه الحد ذلك الحد إلا أن يحدث بعده توبة فيلزمه ما للناس ويسقط عنه ما لله قياسا على قول الله عز وجل في المحاربين إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم الآية فما كان من حد لله تاب صاحبه من قبل أن يقدر عليه ساقط عنه والتوبة مما كان ذنبا بالكلام مثل: القذف وما أشبهه الكلام بالرجوع عن ذلك والنزوع عنه. والتوبة مما كان ذنبا بالفعل مثل الزنا وما أشبهه فبترك الفعل مدة يختبر فيها حتى يكون ذلك معروفا وإنما يخرج من الشيء بترك الذي دخل به فيه. قال الربيع: للشافعي فيها قول آخر: أنه يقام عليه الحد وإن تاب لأن الذي جاء إلى النبي ﷺ فأقر بالحد لم يأته إن شاء الله تعالى إلا تائبا وقد أمر النبي ﷺ برجمه. وليس طرح الحدود التي لله عز وجل إلا في المحاربين خاصة. فأما ما كان للآدميين فإنهم إن كانوا قتلوا فأولياء الدم مخيرون في قتلهم أو أخذ الدية أو أن يعفوا وإنما كانوا أخذوا المال أخذ منهم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشهود عند القاضي بشهادة فادعى المشهود عليه أنهم شهدوا

صفحة : 2602

بزور وقال: أنا أجرحهم وأقيم البينة أنهم استؤجروا وأنهم قوم فساق فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا أقبل الجرح على مثل هذا وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقبله فأما غير ذلك من محدود في قذف أو شريك أو عبد فهما يقبلان في هذا الجرح جميعا. وحفظي عن أبي يوسف أنه قال بعد: يقبل الجرح إذا شهد من أعرفه وأثق به. قال الشافعي رضي الله عنه: وإذا شهد الشهود على الرجل بشهادة فعدلوا انبغى للقاضي أن يسميهم وما شهدوا به على المشهود عليه ويمكنه من جرحهم. فإن جاء بجرحتهم قبلها وإن لم يأت بها أمضى عليه الحق. ويقبل في جرحتهم أن يكونوا له مهاجرين في الحال التي شهدوا فيها عليه وإن كانوا عدولا. ويقبل جرحتهم بما تجرح به الشهود من الفسق وغيره. وينبغي أن يقف الشهود على جرحتهم ولا يقبل منهم الجرحة إلا بأن يبينوا ما يجرحون به مما يراه هو جرحا فإن من الشهود من يجرح بالتأويل وبالأمر الذي لا جرح في مثله فلا يقبل حتى يثبتوا ما يراه هو جرحا كان الجارح من شاء أن يكون في فقه أو فضل. وإذا شهد الوصي للوارث الكبير على الميت بدين أو صدقة في دار أو هبة أو شراء فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: لا يجوز ذلك. وكان ابن أبي ليلى يقول: هو جائز وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل فأوصى إلى رجل فشهد الوصي لمن لا يلي أمره من وارث كبير رشيد أو أجنبي أو وارث يليه غير الوصي فشهادته جائزة وليس فيها شيء ترد له. وكذلك إذا شهد لمن لا يلي أمره على أجنبي. وإذا شهد الوصي على غير الميت للوارث الكبير بشيء له خاصة فشهادته جائزة في قولهما جميعا. قال الشافعي رضي الله عنه: وكذلك إذا شهد لمن لا يلي أمره على أجنبي. وإذا ادعى رجل دينا على ميت فشهد له شاهدان على حقه وشهد هو وآخر على وصية ودين لرجل عليه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: شهادتهم جائزة لأن الغريم يضر نفسه بشهادته وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا تجوز شهادته وإذا شهد أصحاب الوصايا بضعهم لبعض لم تجز لأنهم شركاء في الوصية الثلث بينهم. وقال أبو يوسف: أصحاب الوصايا والغرماء سواء لا تجوز شهادة بعضهم لبعض. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: وإذا كان لرجل دين ببينة على ميت ثم شهد هو وآخر معه لرجل بوصية فشهادتهما جائزة ولا شيء فيها مما ترد له إنما ترد بأن يجرا إلى أنفسهما بها. وهذان لم يجرا إلى أنفسهما بها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد أصحاب الوصايا بعضهم لبعض لم يجز لأنهم شركاء في

صفحة : 2603

الوصية الثلث بينهم. وإذا شهد الرجل لامرأته فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا تجوز شهادته لها. وكذلك بلغنا عن شريح وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: شهادته لها جائزة. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: ترد شهادة الرجل لوالديه وأجداده وإن بعدوا من قبل أبيه وأمه ولولده وإن سفلوا ولا ترد لأحد سواهم زوجة ولا أخ ولا عم ولا خال وإذا شهد الرجل على شهادة وهو صحيح البصر ثم عمي فذهب بصره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا تجوز شهادته تلك إذا شهد بها بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رد شهادة أعمى شهد عنده. وكان ابن أبي ليلى يقول: شهادته جائزة وبه يأخذ إذا كان شيء لا يحتاج أن يقف عليه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد الرجل وهو بصير ثم أدى الشهادة وهو أعمى جازت شهادته من قبل أن أكثر ما في الشهادة السمع والبصر وكلاهما كان فيه يوم شهد. فإن قال قائل: ليسا فيه يوم يشهد. قيل: إنما احتجنا إلى الشهادة يوم كانت فأما يوم تقام فإنما هي تعاد بحكم شيء قد أثبته بصيرا. ولو رددناها إذا لم يكن بصيرا لأنه لا يرى المشهود عليه حين يشهد لزمنا أن لا نجيز شهادة بصير على ميت ولا على غائب لأن الشاهد لا يرى الميت ولا الغائب. والذي يزعم أنه لا يجيز شهادته بعد العمى وقد أثبتها بصيرا يجيز شهادة البصير على الميت والغائب. وإذا أقر الرجل بالزنا أربع مرات في مقام واحد عند القاضي فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: هذا عندي بمنزلة مرة واحدة ولا حد عليه في هذا وبه يأخذ. بلغنا عن رسول الله ﷺ أن ماعز بن مالك أتاه فأقر عنده بالزنا فرده ثم أتاه الثانية فأقر عنده فرده ثم أتاه الثالثة فأقر عنده فرده ثم أتاه الرابعة فأقر عنده فسأل قومه هل تنكرون من عقله شيئا قالوا: لا فأمر به فرجم وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقيم الحد إذا أقر أربع مرات في مقام واحد. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل بالزنا ووصفه الصفة التي توجب الحد في مجلس أربع مرات فسواء هو والذي أقر به في مجالس متفرقة إن كنا إنما احتجنا إلى أن يقر أربع مرات قياسا على أربعة شهود فالذي لم يقم عليه في أربع مرات في مقام واحد وأقامها عليه في أربع مرات في مقامات مختلفة ترك أصل قوله لأنه يزعم أن الشهود الأربعة لا يقبلون إلا في مقام واحد. قال: ولو تفرقوا حدهم فكان ينبغي له أن يقول: الإقرار أربع مرات في مقام أثبت منه في أربعة مقامات فإن قال: إنما أخذت بحديث ماعز فليس حديث ماعز كما وصفت ولو

صفحة : 2604

كان كما وصف أن ماعزا أقر في أربعة أمكنة متفرقة أربع مرات ما كان قبول إقراره في مجلس أربع مرات خلافا لهذا لأنا لم ننظر إلى المجالس إنما نظرنا إلى اللفظ. وليس الأمر كما قالا جميعا وإقراره مرة عند الحاكم يوجب الحد إذا ثبت عليه حتى يرجم. ألا ترى إلى قول النبي ﷺ: اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها وحديث ماعز يدل حين سأل: أبه جنة. أنه رده أربع مرات لإنكار عقله وإذا أقر الرجل بالزنا عند غير قاض أربع مرات فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان لا يرى ذلك شيئا ولا يحده وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا قامت عليه الشهود بذلك أحده. قال الشافعي رضي الله عنه: وإذا أقر الرجل عند غير قاض بالزنا فينبغي للقاضي أن لا يرجمه حتى يقر عنده وذلك أنه يقر عنده ويقضي برجمه فيرجع فيقبل رجوعه. فإذا كان أصل القول في الإقرار هكذا لم ينبغ أن يرجمه حتى يقر عنده وينبغي إذا بعث به ليرجم أن يقول لهم: متى رجع فاتركوه بعد وقع الحجارة وقبلها. وما قال النبي ﷺ في ماعز: فهلا تركتموه . إلا بعد وقوع الحجارة. وإذا رجع الرجل عن شهادته بالزنا وقد رجم صاحبه بها فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يضرب الحد ويغرم ربع الدية وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: أقتله فإن رجعوا أربعتهم قتلتهم ولا نغرمهم الدية فإن رجع ثلاثة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى: ضربوا الحد وغرم كل واحد منهم ربع الدية. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم فرجع أحدهم عن شهادته سأله القاضي عن رجوعه. فإن قال: عمدت أن أشهد بزور قال له القاضي: علمت أنك إذا شهدت مع غيرك قتل فإن قال: نعم دفعه إلى أولياء المقتول. فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا. فإن قالوا: نترك القتل ونأخذ الدية كان لهم عليه ربع الدية وعليه الحد في هذا كله. وإن قال: شهدت ولا أعلم ما يكون عليه القتل أو غيره أحلف ما عمد القتل وكان عليه ربع الدية والحد. وهكذا الشهود معه كلهم إذا رجعوا. وإذا شهد الشهود عند القاضي على عبد وحلوه ووصفوه وهو في بلدة أخرى فكتب القاضي شهادتهم على ذلك فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا أقبل ذلك ولا أدفع إليه العبد لأن الحلية قد توافق الحلية. وهو ينتفع بالعبد حتى يأتي به إلى القاضي الذي كتب له. أرأيت لو كانت جارية جميلة والرجل غير أمين أكنت أبعث بها معه وكان ابن أبي ليلى يختم في عنق العبد ويأخذ من الذي جاء بالكتاب كفيلا ثم يبعث به إلى القاضي فإذا جاءه العبد

صفحة : 2605

والكتاب الثاني دعا الشهود فإن شهدوا أنه عبده أبرأ كفيله وقضى بالعبد أنه له وكتب له بذلك كتابا إلى القاضي الذي أخذه منه الكفيل حتى يبرىء كفيله وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشهود لرجل على دابة غائبة فوصفوها وحلوها فالقياس أن لا يكلف صاحب الدابة أن يدفعها من قبل أن الحلية قد تشبه الحلية. وإذا ختم القاضي الذي هو ببلده في عنقها وبعث بها إلى القاضي المشهود عنده فإن زعم أن ضمانها من الذي هي في يديه فقد أخرجها من يديه ولم يبرئه من ضمانها ويقطع عنه منفعتها إلى البلد الذي تصير إليه. فإن لم يثبت عليه الشهود أو ماتوا قبل أن تصل إلى ذلك البلد فردت إليه كان قد انقطعت منفعتها عنه ولم يعط لها إجارة عوضت تلفا غير مضمون له. ولو جعل ضمانها من المدفوعة له وجعل عليه كراءها في مغيبها إن ردت كان قد ألزم ضمانها وإنما يضمن المتعدي وهذا لم يتعد. وإنما ذهب ابن أبي ليلى وغيره ممن ذهب مذهبه إلى أن قال: لا سبيل إلى أخذ هذه الدابة إلا بأن يؤتى بها إلى الشهود أو يذهب بالشهود إليها وليس على المشهود أن يكلفوا الذهاب من بلدانهم والإتيان بالدابة أخف ولرب الدابة في الدابة مثل ما للشهود في أنفسهم: من أن لا يكلف الخروج بشيء لم يستحق عليه. وهكذا العبد مثل الدابة وجميع الحيوان. وإذا شهد الرجل من أهل الكوفة شهادة فعدل بمكة وكتب بها قاضي مكة إلى قاضي مصر في مصر غير مصره بالشهادة وزكي هناك وكتب بذلك إلى قاضي الكوفة فشهد قوم من أهل الكوفة أن هذا الشاهد فاسق فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: شهادتهم لا تقبل عليه أنه فاسق وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: ترد شهادته ويقبل قولهم. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا ينبغي للقاضي أن يفعل ذلك لأنه قد غاب عن الكوفة سنين فلا يدرى ما أحدث ولعله قد تاب. قال الشافعي رضي الله عنه: وإذا شهد الرجلان من أهل مصر بشهادة فعدلا بمكة وكتب قاضي مكة إلى قاضي مصر فسأل المشهود عليه قاضي. مصر أن يأتيه بشهود على جرحهما فإن كان جرحهما بعداوة أو ظنة أو ما ترد به شهادة العدل قبل ذلك منه وردهما عنه. وإن جرحهما بسوء حال في أنفسهما نظر إلى المدة التي قد زايلا فيها مصر وصارا بها إلى مكة فإن كانت مدة تتغير الحال في مثلها التغير الذي لو كانا بمصرهما مجروحين فتغيرا إليها قبلت شهادتهما قبل القاضي شهادتهما ولم يلتفت إلى الجرح لأن الجرح متقدم وقد حدثت لهما حال بعد الجرح صارا بها غير مجروحين. وإن لم تكن أتت عليهما مدة

صفحة : 2606

تقبل فيها شهادتهما إذا تغيرا قبل عليهما الجرح وكان أهل بلدهما أعلم بهما ممن عدلهما غريبا أو من أهل بلدهما لأن الجرح أولى من التعليل. قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: وأشهدوا ذوي عدل منكم وقال: ممن ترضون من الشهداء أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: عدلان حران مسلمان ثم لم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن هذا معنى الآية. وإذا لم يختلفوا فقد زعموا أن الشهادة لا تتم إلا بأربع أن يكون الشاهدان حرين مسلمين عدلين بالغين وأن عبدا لو كان مسلما عدلا لم تجز شهادته بأنه ناقص الحرية وهي أحد الشروط الأربعة. فإذا زعموا هذا فنقص الإسلام أولى أن لا تجوز معه الشهادة من نقص الحرية. فإن زعموا أن هذه الآية التي جمعت هذه الأربع الخصال حتى أن لا يجوز من الشهود إلا من كانت فيه هذه الخصال الأربعة المجتمعة فقد خالفوا ما زعموا من معنى كتاب الله حين أجازوا شهادة كافر بحال. وإن زعموا أنها دلالة وأنها غير مانعة أن يجوز غير من جمع هذه الشروط الأربعة فقد ظلموا من أجاز شهادة العبيد وقد سألتهم: فكان أعلى من زعموا أنه أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض شريح. وقد أجاز شريح شهادة العبد فقال له المشهود عليه: أتجيز علي شهادة عبد فقال: قم. فكلكم سواء عبيد وإماء. فإن زعم أنه يخالف شريحا لقول أهل التفسير أن الآية شرط الحرية فليس في الآية بعينها بيان الحرية وهي محتملة لها. وفي الآية بيان شرط الإسلام فلم وافق شريحا مرة وخالفه أخرى وقد كتبنا هذا في كتاب الأقضية. ولا تجوز شهادة ذكر ولا أنثى في شيء من الدنيا لأحد ولا على أحد حتى يكون بالغا عاقلا حرا مسلما عدلا ولا تجوز شهادة ذمي ولا من خالف ما وصفنا بوجه من الوجوه. وإذا شهد الشاهدان من اليهود على رجل من النصارى وشهد شاهدان من النصارى على رجل من اليهود فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: ذلك جائز لأن الكفر كله ملة واحدة وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى لا يجيز ذلك ويقول: لأنهما ملتان مختلفتان. وكان أبو حنيفة يورث اليهودي من النصراني والنصراني من اليهودي ويقول: أهل الكفر بعضهم من بعض وإن اختلفت مللهم وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى لا يورث بعضهم من بعض. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تحاكم أهل الملل إلينا فحكمنا بينهم: لم يورث مسلما من كافر ولا كافرا من مسلم وورثنا الكفار بعضهم من بعض. فنورث اليهودي النصراني

صفحة : 2607

والنصراني اليهودي ونجعل الكفر ملة واحدة كما جعلنا الإسلام ملة لأن الأصل إنما هو إيمان أو كفر. وإذا شهد الشهود عند قاضي الكوفة على عبد وحلوه ووصفوه أنه لرجل فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال: لا أكتب له. وقال ابن أبي ليلى: أكتب شهادتهم إلى قاضي البلد الذي فيه العبد فيجمع القاضي الذي العبد في بلده بين الذي جاء بالكتاب وبين الذي عنده العبد فإن كان للذي عنده العبد حجة وإلا بعث بالعبد مع الرجل الذي جاء بالكتاب مختوما في عنقه وأخذ منه كفيلا بقيمته ويكتب إلى القاضي بجواب كتابه بذلك. فيجمع قاضي الكوفة بين البينة وبين العبد حتى يشهدوا عليه بعينه ثم يرده مع الذي جاء به إلى قاضي البلد الذي كان فيه العبد حتى يجمع بينه وبين خصمه ثم يمضي عليه القضاء ويبرأ كفيله وبه يأخذ. قال أبو يوسف رحمه الله تعالى: ما لم تجىء تهمة أو أمر يستريبه من الغلام. وإذا سافر الرجل المسلم فحضره الموت فأشهد على وصيته رجلين من أهل الكتاب فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا تجوز شهادتهما وبه يأخذ لقول الله عز وجل وأشهدوا ذوي عدل منكم وكان ابن أبي ليلى يقول: ذلك جائز. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا سافر المسلم فأشهد على وصيته ذميين لم نقبلهما لما وصفنا من شرط الله عز وجل في الشهود. وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يرى على شاهد الزور تعزيرا غير أنه يبعث إلى سوقه إن كان سوقيا وإلى مسجد قومه إن كان من العرب فيقول: القاضي يقرئكم السلام. ويقول: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذوره. وحذروه الناس. وذكر ذلك أبو حنيفة عن القاسم عن شريح وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه التعزير ولا يبعث به ويضربه خمسة وسبعين سوطا. قال أبو يوسف رحمه الله: أعزره ولا أبلغ به أربعين سوطا ويطاف به. وقال أبو يوسف بعد ذلك: أبلغ به خمسة وسبعين سوطا. قال الشافعي رحمه الله: وإذا أقر الرجل بأن قد شهد بزور أو علم القاضي يقينا أنه قد شهد بزور عزره ولا يبلغ به أربعين ويشهر بأمره. فإن كان من أهل المسجد وقفه في المسجد وإن كان من أهل القبيلة وقفه في قبيلته وإن كان سوقيا وقفه في سوقه وقال: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاعرفوه واحذروه. وإذا أمكن بحال أن لا يكون شاهد زور أو شبه عليه بما يغلط به مثله قيل له: لا تقدمن على شهادة إلا بعد إثبات ولم يعزره. وإذا شهد شاهدان لرجل على رجل بحق فأكذبهما المشهود له ردت شهادتهما لأنه أبطل حقه في شهادتهما ولم يعزرا ولا واحد منهما لأنا لا ندري أيهما الكاذب. فأما الأولان

صفحة : 2608

فقد يمكن أن يكونا صادقين والذي كذبهما كاذب فإذا أمكن أن يصدق أحدهما ويكذب الآخر لم يعزر واحد منهما من قبل أنا لا ندري أيهما الكاذب. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وكذلك لو شهد رجلان لرجل بأكثر مما ادعى لم يعزرا لأنه قد يمكن أن يكونا صادقين. وإذا اختلف الشاهدان في الموطن الذي شهدا فيه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا نعزرهما ويقول: لأني لا أدري أيهما الصادق من الكاذب إذا كانا شهدا على فعل فإن كانا شهدا على إقرار فإنه كان يقول: لا أدري لعلهما صادقان جميعا وإن اختلفا في الإقرار. وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يرد الشاهدين وربما ضربهما وعاقبهما. وكذلك لو خالف المدعى الشاهدين في قول أبي حنيفة رحمه الله فشهدا بأكثر مما ادعى فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: لا نضربهما ونتهم المدعى عليهما. وكان ابن أبي ليلى ربما عزرهما وضربهما وربما لم يفعل. قال الشافعي رضي الله عنه: لا نعزرهما إذا أمكن صدقهما. وإذا لم يطعن الخصم في الشاهد فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا يسأل عن الشاهد. وكان ابن أبي ليلى يقول: يسأل عنه وبهذا يأخذ. وكان أبو حنيفة رحمه الله لا يجيز شهادة الصبيان بعضهم على بعض وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يجيز شهادة الصبيان بعضهم على بعض. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يقبل القاضي شهادة شاهد حتى يعرف عدل طعن فيه الخصم أو لم يطعن ولا تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح ولا غيرها قبل أن يتفرقوا ولا بعد أن يتفرقوا لأنهم ليسوا من شرط الله الذي شرطه في قوله: ممن ترضون من الشهداء وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما وخالفه ابن الزبير وقال: نجيز شهادتهم إذا لم يتفرقوا وقول ابن عباس رضي الله عنهما أشبه بالقرآن والقياس لا أعرف شاهدا يكون مقبولا على صبي ولا يكون مقبولا على بالغ ويكون مقبولا في مقامه ومردودا بعد مقامه والله سبحانه وتعالى الموفق. ID ' ' تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل

صفحة : 2609


باب في الأيمان قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل على الرجل دعوى وجاء بالبينة فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا نرى عليه يمينا مع شهوده. ومن حجته في ذلك أنه قال: بلغنا عن رسول الله ﷺ أنه قال: اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعي فلا نجعل على المدعي ما لم يجعل عليه رسول الله ﷺ لا تحول اليمين عن الموضع الذي وضعها عليه النبي ﷺ وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: على المدعي اليمين مع شهوده وإذا لم يكن له شهود لم يستحلفه وجعل اليمين على المدعى عليه. فإن قال المدعى عليه: أنا أرد اليمين عليه فإنه لا يرد اليمين عليه إلا أن يتهمه فيرد اليمين عليه إذا كان كذلك وهذا في الدين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا جاء الرجل بشاهدين على رجل بحق فلا يمين عليه مع شاهديه. ولو جعلنا عليه اليمين مع شاهديه لم يكن لإحلافنا مع الشاهد معنى وكان خلافا لقول النبي ﷺ: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه . وإذا ادعى رجل على رجل دعوى ولا بينة له أحلفنا المدعى عليه فإن حلف برىء وإن نكل قلنا لصاحب الدعوى: لسنا نعطيك بنكوله شيئا إلا أن تحلف مع نكوله فإن حلفت أعطيناك وإن امتنعت لم نعطك ولهذا كتاب في كتاب الأقضية. وإذا ورث الرجل ميراثا دارا أو أرضا أو غير ذلك ادعى رجل فيها دعوى ولم تكن له بينة فأراد أن يستحلف الذي ذلك في يديه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: اليمين على علمه أنه لا يعلم لهذا فيه حقا. وكذلك كان ابن أبي ليلى يقول أيضا إنما جعل أبو حنيفة رضي الله عنه على هذا اليمين على علمه لأن الميراث لزمه إن شاء وإن أبى والبيع لا يلزمه إلا بقبول. وإذا كان الشيء لا يلزمه إلا بفعله وقبول منه مثل البيع والهبة والصدقة فاليمين في ذلك البتة والميراث. لو قال: لا أقبله كان قوله ذلك باطلا وكان الميراث له لازما. فلذلك كانت اليمين على علمه في الميراث وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: اليمين عليه على علمه في جميع ما ذكرت لك من بيع وغير ذلك. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا ورث الرجل دارا أو غيرها ادعى رجل فيها دعوى سألناه عن دعواه فإن ادعى شيئا كان في يدي الميت أحلفنا الوارث على علمه ما يعلم له فيها حقا ثم أبرأناه. وإن ادعى فيها شيئا كان في يدي الوارث أحلفناه على البت نحلفه في كل ما كان في يديه على البت وما كان في يدب غيره فورثه على العلم. وإذا استحلف المدعي المدعى عليه

صفحة : 2610

على دعواه فحلفه القاضي على ذلك ثم أتى بالبينة بعد ذلك على تلك الدعوى فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقبل منه ذلك لأنه بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشريح أنهما كانا يقولان. اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة. وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا أقبل منه البينة بعد اليمين وبعد فصل القضاء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل الدعوى ولم يأت عليه ببينة وأحلفه القاضي فحلف ثم جاء المدعي ببينة قبلتها وقضيت له بها ولم أمنع البينة العادلة التي حكم المسلمون بالإعطاء بها باليمين الفاجرة. باب الوصايا وإذا أوصى الرجل للرجل بسكنى دار أو بخدمة عبد أو بغلة بستان أو أرض وذلك ثلثه أو أقل فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ذلك جائز وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجوز ذلك والوقت في ذلك وغير الوقت في قول ابن أبي ليلى سواء. قال الشافعي رضي الله عنه: وإذا أوصى الرجل للرجل بغلة داره أو ثمرة بستانه والثلث يحمله فذلك جائز. وإذا أوصى له بخدمة عبده والثلث يحمل العبد فذلك جائز. وإن لم يحمل الثلث العبد جاز له منه ما حمل الثلث ورد ما لم يحمل. وإذا أوصى الرجل للرجل بأكثر من ثلثه فأجاز ذلك الورثة في حياته وهم كبار ثم ردوا ذلك بعد موته فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا تجوز عليهم تلك الوصية ولهم أن يردوها لأنهم جازوا وهم لا يملكون الإجازة ولا يملكون المال. وكذلك بلغنا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وشريح وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: إجازتهم جائزة عليهم لا يستطيعون أن يرجعوا إلى شيء منها ولو أجازوها بعد موته. ثم أرادوا أن يرجعوا فيها قبل أن تنفذ الوصية لم يكن ذلك لهم وكانت إجازتهم جائزة في هذا الموضع في قولهما جميعا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أوصى الرجل للرجل بأكثر من ثلث ماله فأجاز ذلك الورثة وهو حي ثم أرادوا الرجوع فيه بعد أن مات فذلك جائز لهم لأنهم أجازوا ما لم يملكوا. ولو مات فأجازوها بعد موته ثم أرادوا الرجوع قبل القسم لم يكن ذلك لهم من قبل أنهم أجازوا ما ملكوا فإذا أجازوا ذلك قبل موته كانت الوصية وصاحبهم مريض أو صحيح كان لهم الرجوع لأنهم في الحالين جميعا غير مالكين أجازوا ما لم يملكوا. قال: وإذا أوصى رجل بثلث ماله لرجل وبماله كله لآخر فرد ذلك الورثة كله إلى الثلث فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: الثلث بينهما نصفان لا يضرب صاحب الجميع

صفحة : 2611

بحصة الورثة من المال. وكان ابن أبي ليلى يقول: الثلث بينهما على أربعة أسهم يضرب صاحب المال بثلاثة أسهم ويضرب صاحب الثلث بسهم واحد وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أوصى الرجل لرجل بثلث ماله ولآخر بماله كله ولم يجز ذلك الورثة أقسم الوصية على أربعة أسهم لصاحب الكل ثلاثة ولصاحب الثلث واحد قياسا على عول الفرائض. ومعقول في الوصية أنه أراد هذا بثلاثة وهذا بواحد. باب المواريث أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل وترك أخاه لأبيه وأمه وجده فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: المال كله للجد وهو بمنزلة الأب في كل ميراث. وكذلك بلغنا عن أبي بكر الصديق وعن عبد الله بن عباس وعن عائشة أم المؤمنين وعن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم أنهم كانوا يقولون الجد بمنزلة الأب إذا لم يكن له أب. وكان ابن أبي ليلى يقول في الجد بقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: للأخ النصف وللجد النصف وكذلك قال زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود في هذه المنزلة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا هلك الرجل وترك جده وأخاه لأبيه وأمه فالمال بينهما نصفان. وهكذا قال زيد بن ثابت وعلي وعبد الله بن مسعود. وروي عن عثمان رضي الله عنهم وخالفهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه فجعل المال للجد وقالته معه عائشة وابن عباس وابن الزبير وعبد الله بن عتبة رضي الله عنهم وهو مذهب أهل الكلام في الفرائض وذلك أنهم يتوهمون أنه القياس وليس واحد من القولين بقياس غير أن طرح الأخ بالجد أبعد من القياس من إثبات الأخ معه. وقد قال بعض من يذهب هذا المذهب: إنما طرحنا الأخ بالجد لثلاث خصال أنتم مجتمعون معنا عليها: إنكم تحجبون به بني الأم وكذلك منزلة الأب ولا تنقصونه من السدس وكذلك منزلة الأب وأنكم تسمونه أبا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: قلت إنما حجبنا به بني الأم خبرا لا قياسا على الأب. قال: وكيف ذلك. قلت: نحن نحجب بني الأم ببنت ابن متسفلة وهذه وإن وافقت منزلة الأب في هذا الموضع فلم نحكم لها نحن وأنت بأن تكون تقوم مقام الأب في غيره. وإذا وافقه في معنى وإن خالفه في غيره وأما أن لا ننقصه من السدس. فإنا لم ننقصه خبرا ونحن لا ننقص الجدة من السدس أفرأيتنا وإياك أقمناها مقام الأب أن وافقته في معنى: وأما اسم الأبوة فنحن وأنت نلزم من بيننا وبين آدم اسم الأبوة. وإذا

صفحة : 2612

كان ذلك ودون أحدهم أب أقرب منه لم يرث. وكذلك لو كان كافرا والموروث مسلما أو قاتلا والموروث مقتولا أو كان الموروث حرا والأب مملوكا. فلو كان إنما ورثنا باسم الأبوة فقط ورثنا هؤلاء الذين حرمناهم كلهم ولكنا إنما ورثناهم خبرا لا بالاسم. قال: فأي القولين أشبه بالقياس قلت: ما فيهما قياس والقول الذي اخترت أبعد من القياس والعقل. قال فأين ذلك. قلت: أرأيت الجد والأخ إذا طلبا ميراث الميت أيدليان بقرابة أنفسهما أم بقرابة غيرهما قال: وما ذلك قلت: أليس إنما يقول الجد: أنا أبو أبي الميت ويقول الأخ: أنا ابن أبي الميت قال. بلى. قلت: فبقرابة أبي الميت يدليان معا إلى الميت. قلت: فاجعل أبا الميت هو الميت أيهما أولى بكثرة ميراثه: ابنه أو أبوه قال: بل ابنه لأن له خمسة أسداس ولأبيه السدس. قلت: فكيف حجبت الأخ بالجد والأخ إذا مات الأب أولى بكثرة ميراثه من الجد لو كنت حاجبا أحدهما بالأخر انبغى أن تحجب الجد بالأخ. قال: وكيف يكون القياس فيه قلت: لا معنى للقياس فيهما معا يجوز ولو كان له معنى انبغى أن نجعل للأخ أبدا حيث كان مع الجد خمسة أسداس وللجد السدس. وقلت: أرأيت الإخوة أمثبتي الفرض في كتاب الله قال: نعم قلت: فهل للجد في كتاب الله فرض قال: لا. قلت: وكذلك السنة هم مثبتون فيها ولا أعلم للجد في السنة فرضا إلا من وجه واحد لا يثبته أهل الحديث كل التثبيت فلا أعلمك إلا طرحت الأقوى من كل وجه بالأضعف. وإذا أقرت الأخت وهي لأب وأم وقد ورث معها العصبة بأخ لأب فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: نعطيه نصف ما في يدها لأنها أقرت أن المال كله بينهما نصفان فما كان في يدها منه فهو بينهما نصفان وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا نعطيه مما في يدها شيئا لأنها أقرت بما في يدي العصبة وهو سواء في الورثة كلهم ما قالا جميعا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل وترك أخته لأبيه وأمه وعصبته فأقرت الأخت بأخ فالقياس أنه لا يأخذ شيئا. وهكذا كل من أقر به وهو وارث فكان إقراره لا يثبت نسبه فالقياس أن لا يأخذ شيئا من قبل أنه إنما أقر له بحق عليه في ذلك الحق مثل الذي أقر له به. لأنه إذا كان وارثا بالنسب كان موروثا به وإذا لم يثبت النسب حتى يكون موروثا به لم يجز أن يكون وارثا به. وذلك مثل الرجل يقر أنه باع داره من رجل بألف فجحده المقر له بالبيع لم نعطه الدار وإن كان بائعها قد كان أقر بأنها قد صارت ملكا له. وذلك أنه لم يقر أنها كانت ملكا له إلا وهو مملوك عليه بها شيء فلما سقط أن تكون مملوكة عليه سقط الإقرار

صفحة : 2613

له. وذلك مثل الرجلين يتبايعان العبد فيختلفان في ثمنه وقد تصادقا على أنه قد خرج من ملك المالك إلى ملك المشتري فلما لم يسلم للمشتري ما زعم أنه ملكه به سقط الإقرار فلا يجوز أن يثبت للمقر له بالنسب حق. وقد أحطنا أنه لم يقر له به من دين ولا وصية ولا حق على المقر له إلا الميراث الذي إذا ثبت له ثبت أن يكون موروثا به. وإذا لم يثبت له أن يكون موروثا بالنسب لم يثبت له أن يكون وارثا به. وإذا مات الرجل وترك امرأة وولدها ولم يقر بحبل امرأته ثم جاءت بولد بعد موته وجاءت بامرأة تشهد على الولادة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا أقبل هذا ولا أثبت نسبه ولا أورثه بشهادة امرأة. وكان ابن أبي ليلى يقول: أثبت نسبه وأورثه بشهادتها وحدها وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل وترك ولدا وزوجة فولدت فأنكر ابنه ولدها فجاءت بأربع نسوة يشهدن بأنها ولدته كان نسبه ثابتا وكان وارثا. ولا أقبل فيه أقل من أربع نسوة قياسا على القرآن لأن الله عز وجل ذكر شاهدين وشاهدا وامرأتين فأقام امرأتين حيث أجازهما مقام رجل. فلما أجزنا النساء فيما يغيب عنه الرجال لم يجز أن نجيز منهن إلا أربعا قياسا على ما وصفت. وجملة هذا القول قول عطاء بن أبي رباح. وإذا كان للرجل عبدان ولدا في ملكه كل واحد منهما من أمة فأقر في صحته أن أحدهما ابنه ثم مات ولم يبين ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا يثبت نسب واحد منهما ويعتق من كل منهما نصفه ويسعى في نصف قيمته وكذلك أمهاتهما وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يثبت نسب أحدهما ويرثان ميراث ابن ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته وكذلك أمهاتهما. قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا كان لرجل أمتان لا زوج لواحدة منهما فولدتا ولدين فأقر السيد بأن أحدهما ابنه ومات ولا يعرف أيها أقر به فإنا نريهما القافة فإن ألحقوا به أحدهما جعلناه ابنه وورثناه منه وجعلنا أمه أم ولد تعتق بموته وأرققنا الآخر. وإن لم تكن قافة أو كانت فأشكل عليهم لم نجعل ابنه واحدا منهما وأقرعنا بينهما فأيهما خرج سهمه أعتقناه وأمه بأنها أم ولد وأرققنا الآخر وأمه. وأصل هذا مكتوب في كتاب العتق. وإذا كانت الدار في يدي رجل فأقام ابن عم له البينة أنها دار جدهما والذي هي في يديه منكر لذلك فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا أقضي بشهادتهم حتى يشهدوا أن الجد تركها ميراثا لأبيه ولأبي صاحبه لا يعلمون له وارثا غيرهما ثم توفي أبو هذا وترك نصيبه منها ميراثا لهذا لا يعلمون له وارثا غيره. وكان ابن أبي ليلى يقول:

صفحة : 2614

أقضي له بشهادتهم وأسكنه في الدار مع الذي هي في يديه ولا يقتسمان حتى تقوم البينة على المواريث كما وصفت لك في قول أبي حنيفة. ولا يقولان: لا نعلم في قول ابن أبي ليلى لكن يقولان: لا وارث له غيرهما في قول ابن أبي ليلى. وقال أبو يوسف: أسكنه ولا يقتسمان. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يدي الرجل فأقام ابن عمه البينة أنها دار جدهما أبي أبيهما ولم تقل البينة أكثر من ذلك والذي في يديه الدار ينكر قضيت بها دارا لجدهما ولم أقسمها بينهما حتى تثبت البينة من ورث جدهما ومن ورث أباهما لأني لا أدري لعل معهما ورثة أو أصحاب دين أو وصايا وأقبل البينة إذا قالوا: مات جدهما وتركها ميراثا لا وارث له غيرهما. ولا يكونون بهذا شهودا على ما لا يعلمون لأنهم في هذا كله إنما يشهدون على الظاهر كشهادتهم على النسب وكشهادتهم على الملك وكشهادتهم على العدل. ولا أقبلهم إذا قالوا: لا نعلم وارثا غير فلان وفلان إلا أن يكونوا من أهل الخبرة بالمشهود عليه الذين يكون الأغلب منهم أنه لا يخفى عليهم وارث لو كان له. وذلك أن يكونوا ذوي قرابة أو مودة أو خلطة أو خبرة بجوار أو غيره فإذا كانوا هكذا قبلتهم على العلم. لأن معنى البت معنى العلم ومعنى العلم معنى البت. وإذا توفي الرجل وترك امرأته وترك في بيته متاعا فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يحدث عن حماد عن إبراهيم أنه قال: ما كان للرجال من المتاع فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما كان للرجال والنساء فهو للباقي منهما المرأة كانت أو الرجل. وكذلك الزوج إذا طلق والباقي الزوج في الطلاق وبه كان يأخذ أبو حنيفة وأبو يوسف ثم قال بعد ذلك: لا يكون للمرأة إلا ما يجهز به مثلها في ذلك كله لأنه يكون رجل تاجر عنده متاع النساء من تجارته أو صانع أو تكون رهونا عند رجل وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا مات الرجل أو طلق فمتاع البيت كله متاع الرجل إلا الدرع والخمار وشبهه إلا أن تقوم لأحدهما بينة على دعواه. ولو طلقها في دارها كان أمرهما على ما وصفت في قولهما جميعا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت يسكنانه قبل أن يتفرقا أو بعد ما تفرقا كان البيت للمرأة أو الرجل أو بعد ما يموتان واختلفت في ذلك ورثتهما بعد موتهما أو ورثة الميت منهما والباقي كان الباقي الزوج أو الزوجة فسواء ذلك كله. فمن أقام البينة على شيء من ذلك فهو له ومن لم يقم بينة فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه على الإجماع: أن هذا المتاع في أيديهما معا فهو بينهما نصفان. كما يختلف الرجلان في المتاع بأيديهما جميعا فيكون بينهما

صفحة : 2615

نصفين بعد الأيمان. فإن قال قائل: فكيف يكون للرجل النضوح والخلوق والدروع والخمر ويكون للمرأة السيف والرمح والدرع قيل: قد يملك الرجال متاع النساء والنساء متاع الرجال. أرأيت لو أقام الرجل البينة على متاع النساء والمرأة البينة على متاع الرجال أليس يقضي لكل بما أقام عليه البينة. فإذا قال: بلى. قيل: أفليس قد زعمت وزعم الناس أن كينونة الشيء في يدي المتنازعين تثبت لكل النصف فإن قال: بلى. قيل: كما تثبت له البينة. فإن قال: بلى. قيل: فلم لم تجعل الزوجين هكذا وهي في أيديهما فإن استعملت عليهم الظنون وتركت الظاهر قيل ذلك فما تقول في عطار ودباغ في أيديهما عطر ومتاع الدباغ تداعياه معا فإن زعمت أنك تعطي الدباغ متاع الدباغين والعطار متاع العطارين قيل: فما تقول في رجل غير موسر ورجل موسر تداعيا ياقوتا ولؤلؤا فإن زعمت أنك تجعله للموسر وهو بأيديهما معا خالفت مذهب العامة وإن زعمت أنك تقسمه بينهما ولا تستعمل عليهما الظن فهكذا ينبغي لك أن تقول في متاع الرجل والمرأة. قال: وإذا أسلم الرجل على يدي الرجل ووالاه وعاقده ثم مات ولا وارث له فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: ميراثه له بلغنا ذلك عن رسول الله ﷺ وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن ابن مسعود رضي الله عنه وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى لا يورثه شيئا. مطرف عن الشعبي أنه قال: لا ولاء إلا لذي نعمة الليث بن أبي سليم عن أبي الأشعث الصنعاني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يسلم على يدي الرجل فيموت ويترك مالا فهو له وإن أبى فلبيت المال. أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عن مسروق أن رجلا من أهل الأرض والى ابن عم له فمات وترك مالا فسألوا ابن مسعود عن ذلك فقال ماله له. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أسلم الرجل على يدي رجل ووالاه ثم مات لم يكن له ميراثه من قبل قول النبي ﷺ فإنما الولاء لمن أعتق وهذا يدل على معنين: أحدهما أن الولاء لا يكون إلا لمن أعتق والآخر: أنه لا يتحول الولاء عمن أعتق وهذا مكتوب في كتاب الولاء. ID ' ' ولا يكاد يقدر عليه. وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر

صفحة : 2616


باب في الأوصياء قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا أوصى إلى رجل فمات الموصى إليه فأوصى إلى آخر فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: هذا الآخر وصى الرجلين جميعا وبهذا يأخذ. وكذلك بلغنا عن إبراهيم. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول: هذا الآخر وصي الذي أوصى إليه ولا يكون وصيا للأول إلا أن يكون الآخر أوصى إليه بوصية الأول فيكون وصيهما جميعا. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى بعد: لا يكون وصيا للأول إلا أن يقول الثاني: قد أوصيت إليك في كل شيء أو يذكر وصية الآخر. قال الشافعي رحمه الله: وإذا أوصى الرجل إلى رجل ثم حضرت الوصي الوفاة فأوصى بماله وولده ووصية الذي أوصى إليه إلى رجل آخر فلا يكون الآخر بوصية الأوسط وصيا للأول ويكون وصيا للأوسط الموصي إليه. وذلك أن الأول رضي بأمانة الأوسط ولم يرض أمانة الذي بعده والوصي أضعف حالا في أكثر أمره من الوكيل. ولو أن رجلا وكل رجلا بشيء لم يكن للوكيل أن يوكل غيره بالذي وكله به ليستوجب الحق. ولو كان الميت الأول أوصى إلى الوصي أن لك أن توصي بما أوصيت به إليك إلى من رأيت فأوصى إلى رجل بتركة نفسه لم يكن وصيا للأول ولا يكون وصيا للأول حتى يقول: قد أوصيت إليك بتركة فلان فيكون حينئذ وصيا له. ولو أن وصيا لأيتام تجر لهم بأموالهم أو دفعها مضاربة فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو جائز عليهم ولهم. بلغنا عن إبراهيم النخعي. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا تجوز عليهم والوصي ضامن لذلك. وقال ابن أبي ليلى أيضا: على اليتامى الزكاة في أموالهم فإن أداها الوصي عنهم فهو ضامن وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: ليس على يتيم زكاة حتى يبلغ ألا ترى أنه لا صلاة عليه ولا فريضة عليه وبهذا يأخذ. قال الشافعي رضي الله عنه: وإذا كان الرجل وصيا بتركة ميت يلي أموالهم كان أحب إلي أن يتجر لهم بها لم تكن التجارة بها عندي تعديا وإذا لم تكن تعديا لم يكن ضامنا إن تلفت. وقد اتجر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بمال يتيم كان يليه وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تبضع بأموال بني محمد بن أبي بكر في البحر وهم أيتام تليهم وتؤدي منها الزكاة وعلى ولي اليتيم أن يؤدي الزكاة عنه في جميع ماله كما يؤديها عن نفسه لا فرق بينه وبين الكبير البالغ فيما يجب عليهما كما على ولي اليتيم أن يعطي من مال اليتيم ما لزمه من جناية لو جناها أو نفقة له من صلاحه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا عبد

صفحة : 2617

المجيد بن عبد العزيز عن معمر بن راشد عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل: إن عندنا مالا ليتيم قد أسرعت فيه الزكاة وذكر أنه دفعه إلى رجل يتجر فيه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: إما قال: مضاربة وإما قال: بضاعة. وقال بعض الناس: لا زكاة في مال اليتيم الناض وفي زرعه الزكاة وعليه زكاة الفطر تؤدى عنه وجناياته التي تلزم من ماله. واحتج بأنه لا صلاة عليه وأنه لو كان سقوط الصلاة عنه يسقط عنه الزكاة كان قد فارق قوله إذ زعم أن عليه زكاة الفطر وزكاة الزرع. وقد كتب هذا في كتاب الزكاة. قال: ولو أن وصي ميت ورثته كبار وصغار ولا دين على الميت ولم يوص بشيء باع عقارا من عقار الميت فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في ذلك: بيعه جائز على الصغار والكبار وكان ابن أبي ليلى يقول: يجوز على الصغار والكبار إذا كان ذلك مما لا بد منه. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: بيعه على الصغار جائز في كل شيء كان منه بدأ ولم يكن ولا يجوز على الكبار في شيء من بيع العقار إذا لم يكن الميت أوصى بشيء يباع فيه أو يكون عليه دين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا مات وأوصى إلى رجل وترك ورثة بالغين أهل رشد وصغارا ولم يوص بوصية ولم يكن عليه دين. فباع الوصي عقارا مما ترك الميت كان بيعه على الكبار باطلا ونظر في بيعه على الصغار: فإن كان باع عليهم فيما لا صلاح لمعاشهم إلا به أو باع عليهم نظرا لهم بيع غبطة كان بيعا جائزا. وإن لم يبع في واحد من الوجهين ولا أمر لزمهم كان بيعه مردودا. وإذا أمرناه إذا كان في يده الناض أن يشتري لهم به العقار الذي هو خير لهم من الناض لم نجز له أن يبيع العقار إلا ببعض ما وصفت من العذر. ID ' ' كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله

صفحة : 2618


باب في الشركة والعتق وغيره قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا اشترك الرجلان شركة مفاوضة ولأحدهما ألف درهم وللآخر أكثر من ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: ليست هذه بمفاوضة. وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: هذه مفاوضة جائزة والمال بينهما نصفان. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وشركة المفاوضة باطلة ولا أعرف شيئا من الدنيا يكون باطلا إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة إلا أن يكونا شريكين يعدان المفاوضة خلط المال بالمال والعمل فيه واقتسام الربح فهذا لا بأس به. وهذه الشركة التي يقول بعض المشرقيين لها شركة عنان فإذا اشتركا مفاوضة وتشارطا أن المفاوضة عندهما هذا المعنى فالشركة صحيحة. وما رزق أحدهما من غير هذا المال الذي اشتركا فيه معا من تجارة أو إجارة أو كنز أو غير ذلك فهو له دون صاحبه. وإن زعما بأن المفاوضة عندهما بأن يكونا شريكين في كل ما أفادا بوجه من الوجوه بسبب المال وغيره فالشركة فيه فاسدة. ولا أعرف القمار إلا في هذا أو أقل منه أن يشترك الرجلان بمائتي درهم فيجد أحدهما كنزا فيكون بينهما. أرأيت لو تشارطا على هذا من غير أن يتخالطا بمال كان يجوز فإن قال: لا يجوز لأنه عطية ما لم يكن للمعطى ولا للمعطي وما لم يعلمه واحد منهما أفتجيزه على مائتي درهم اشتركا بها. فإن عدوه بيعا فبيع ما لم يكن لا يجوز. أرأيت رجلا وهب له هبة أو أجر نفسه في عمل فأفاد مالا من عمل أو هبة أيكون الآخر فيها شريكا لقد أنكروا أقل من هذا. قال: ولو أن عبيدا بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر كان الخيار للآخر في قول أبي حنيفة رضي الله عنه فإن شاء أعتق العبد كما أعتق صاحبه وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته فيكون الولاء بينهما وإن شاء ضمن شريكه نصف قيمته ويرجع الشريك بما ضمن من ذلك على العبد ويكون الولاء للشريك كله وهو عبد ما بقي عليه من السعاية شيء. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول: هو حر كله يوم أعتقه الأول والأول ضامن لنصف القيمة ولا يرجع بها على العبد وله الولاء ولا يخير صاحبه في أن يعتق العبد أو يستسعيه. ولو كان الذي أعتق العبد معسرا كان الخيار في قول أبي حنيفة للشريك الآخر إن شاء ضمن العبد نصف قيمته يسعى فيها والولاء بينهما وإن شاء أعتقه كما أعتق صاحبه والولاء بينهما. وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا كان معسرا سعى العبد للشريك الذي لم يعتق في نصف قيمته ويرجع بذلك العبد على الذي أعتقه والولاء كله

صفحة : 2619

للذي أعتقه وليس للآخر أن يعتق منه شيئا. وكان يقول: إذا أعتق شقصا في مملوك فقد أعتقه كله ولا يتبعض العبد فيكون بعضه رقيقا وبعضه حرا وبه يأخذ. أرأيت ما أعتق منه أيكون رقيقا فإن كان ما أعتق منه يكون رقيقا فقد عتق فكيف يجتمع في معتق واحد عتق ورق ألا ترى أنه لا يجتمع في امرأة بعضها طالق وبعضها غير طالق وبعضها امرأة للزوج على حالها. وكذلك الرقيق. وبهذا يأخذ إلا خصلة لا يرجع العبد بما سعى فيه على الذي أعتقه. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يعتق بعضه وبعضه رقيق وهذا كله بمنزلة العبد ما دام منه شيء رقيق أو يسعى في قيمته. أرأيت لو أن الشريك قال: نصيب شريكي منه حر وأما نصيبي فلا هل كان يعتق منه ما لا يملك. وإذا أعتق منه ما يملك فكيف يعتق منه ما لا يملك وهل يقع عتق فيما لا يملك الرجل قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد بين الرجلين فأعتق أحدهما نصيبه منه فإن كان موسرا بأن يؤدي نصف قيمته فالعبد حر كله والولاء للمعتق الأول ولا خيار لسيد العبد الآخر. وإن كان معسرا فالنصف الأول حر والنصف الثاني لمالكه ولا سعاية عليه. وهذا مكتوب في كتاب العتق بحججه إلا أنا وجدنا في هذا الكتاب زيادة حرف لم نسمع به في حججهم كان مما احتجوا به في هذا الكتاب أن قال قائلهم: كيف تكون نفس واحدة بعضها حر وبعضها مملوك لا يكون كما لا تكون المرأة بعضها طالق وبعضها غير طالق فإن زعم أن العبد يكون فيه الرق والحربة قياسا على المرأة قيل له: أيجوز للرجل أن ينكح بعض امرأة فإن قال: لا. لا تكون إلا منكوحة كلها أو غير منكوحة. قيل له: أفيجوز أن يشتري بعض عبد. فإن قال: نعم. قيل له: فأين العبد من المرأة. وقيل له: أيجوز أن يكاتب المرأة على الطلاق ويكون ممنوعا حتى تؤدي الكتابة أو تعجز فإن قال: لا. قيل: أفيجوز هذا له في العبد فإن قال: نعم. قيل: فلم تجمع بينهما فإن قال: لا يجتمعان قيل: وكذلك لا يجتمعان حيث جمعت بينهما ويقال له أيضا: أتكون المرأة لاثنين كما يكون العبد مملوكا لاثنين ويكون لزوج المرأة أن يهبها للرجل فتكون زوجة له كما يكون العبد إذا وهبه صار عبدا لمن وهبه له فإن قال: لا. قيل: فما بال المرأة تقاس على المملوك ويقال له: أرأيت العبد إذا عتق مرة أيكون لسيده أن يسترقه كما يكون له إذا طلق المرأة مرة أن يكون له رجعتها فإن قال: لا. قيل: فما نعلم شيئا أبعد مما قاسه به منه. قال: ولو أن عبدا بين رجلين. كاتبه أحدهما بغير إذن صاحبه ولا رضاه فأنكر ذلك صاحبه قبل أن يؤدي المكاتب شيئا فإن أبا

صفحة : 2620

حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: المكاتبة باطلة ولصاحبه أن يردها لأنها منفعة تصل إليه وليس ذلك له دون صاحبه وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: المكاتبة جائزة وليس للشريك أن يردها ولو أن الشريك أعتق العبد كان العتق باطلا في قول ابن أبي ليلى حتى ينظر ما يصنع في المكاتبة فإن أداها إلى صاحبها عتق وكان الذي كاتب ضامنا لنصف القيمة والولاء كله له. وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: عتق ذلك جائز ويخير المكاتب فإن شاء ألغى الكتابة وعجز عنها وإن شاء سعى فيها. فإن عجز عنها كان الشريك الذي كاتب بالخيار: إن شاء ضمن الذي أعتق إن كان موسرا وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته وإن شاء أعتق العبد. فإن ضمن الذي أعتق كان له أن يرجع على العبد بما ضمن. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد بين رجلين فكاتب أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه فالكتابة مفسوخة وما أخذ منه بينهما نصفان ما لم يؤد جميع الكتابة. فإن أدى جميع الكتابة عتق نصف المكاتب وكان كمن ابتدأ العتق في عبد بينه وبين رجل إن كان موسرا عتق عليه كله وإن معسرا عتق منه ما عتق. ولو ردت الكتابة قبل الأداء كان مملوكا. ولو أعتقه مالك النصف الذي لم يكاتبه قبل الأداء كان نصفه منه حرا. فإن كان موسرا ضمن نصفه الباقي لأن الكتابة كانت فيه باطلة ولا أخير العبد لأن عقد الكتابة كان فاسدا. وإن كان معسرا عتق منه ما عتق وكانت الكتابة بينهما باطلة إلا أن يشاء مالك العبد أن يجددها. قال: ولو أن مملوكا بين اثنين دبره أحدهما فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ليس للآخر أن يبيعه لما دخل فيه من العتق وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن يبيع حصته. وإذا ورث أحد المتفاوضين ميراثا فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: هو له خاصة وبهذا يأخذ. قال: وتنتقض المفاوضة إذا قبض ذلك وكان ابن أبي ليلى يقول: هو بينهما نصفان. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد بين رجلين فدبره أحدهما فللآخر بيع نصيبه لأن التدبير عندي وصية وكذلك للذي دبره أن يبيعه وهذا مكتوب في كتاب المدبر. ومن زعم أنه ليس للمدبر أن يبيع المدبر لزمه أن يزعم أن على السيد المدبر نصف القيمة لشريكه إن كان موسرا ويكون مدبرا كله. كما يلزمه هذا في العتق إذا جعل هذا عتقا يكون له بكل حال فإن قال: فالعتق الذي ألزمته فيه نصف القيمة عتق واقع مكانه قيل: فأنت تزعم في الجارية بين الرجلين يطؤها أحدهما فتلد أنها أم ولد وعليه نصف القيمة وهذا عتق ليس بواقع مكانه إنما هو واقع بعد مدة كعتق المدبر يقع

صفحة : 2621

بعد مدة. وإن كان العبد بين اثنين فدبره أحدهما ثم أعتقه الآخر البتة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: الذي دبره بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته مدبرا وإن شاء ضمن المعتق نصف قيمته مدبرا إن كان موسرا ويرجع به المعتق على العبد والولاء بينهما نصفان. وكان ابن أبي ليلى يقول: التدبير باطل والعتق جائز والمعتق ضامن لنصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا سعى فيه العبد ثم يرجع على المعتق والولاء كله للمعتق. وقال أبو يوسف: إذا دبره أحدهما فهو مدبر كله وهو ضامن نصف قيمته وعتق الآخر باطل لا يجوز فيه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد بين اثنين فدبر أحدهما نصيبه وأعتق الآخر بتاتا. فإن كان موسرا فالعبد حر كله وعليه نصف قيمته وله ولاؤه. وإن كان معسرا فنصيبه منه حر ونصيب شريكه مدبر. ومن زعم أنه لا يبيع المدبر فيلزمه أن يبطل العتق الآخر ويجعله مدبرا كله إذا كان المدبر الأول موسرا لأن تدبير الأول عتق والعتق الأول أولى من الآخر. قال: وهكذا قال أهل القياس الذين لم يبيعوا المدبر. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كاتب الرجل المكاتب على نفسه فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: ماله لمولاه إذا لم يشترط المكاتب ذلك وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: المكاتب له المال وإن لم يشترط. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كاتب الرجل عبده وبيد العبد مال فالمال للسيد لأنه لا مال للعبد إلا أن يشترط المكاتب على السيد ماله فيكون له بالشرط وهذا معنى السنة نصا. قال رسول الله ﷺ: من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع ولا يعدو المكاتب أن يكون مشتريا لنفسه فرب المكاتب بائع وقد جعل له رسول الله ﷺ المال أو يكون غير خارج من ملك مولاه فيكون معه كالمعلق فذلك أحرى أن لا يملك على مولاه مالا كان لمولاه قبل الكتابة. والمشتري الذي أعطى ماله في العبد أولى أن يكون مالكا لمال العبد بشراء العبد لأنه لو مات مكانه مات من ماله من المكاتب الذي لو مات لم يلزمه شيء. وإذا قال المكاتب: قد عجزت وكسر مكاتبته ورده مولاه في الرق فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: ذلك جائز وبهذا يأخذ. وقد بلغنا عن عبد الله بن عمر أنه رد مكاتبا له حين عجز وكسر مكاتبته عند غير قاض وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجوز ذلك إلا عند قاض. وكذلك لو أتى القاضي فقال: قد عجزت فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يرده وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: لا أرده حتى يجتمع عليه نجمان

صفحة : 2622

قد حلا عليه في يوم خاصم إليه. ثم قال أبو يوسف بعد: لا أرده حتى أنظر فإن كان نجمه قريبا وكان يرجى لم يعجل عليه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قال المكاتب: قد عجزت عند محل نجم من نجومه فهو كما قال وهو كمن لم يكاتب يبيعه سيده ويصنع به ما شاء كان ذلك عند قاض أو لم يكن. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا الثقفي وابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه رد مكاتبا له عجز في الرق. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة أنه شهد شريحا رد مكاتبا عجز في الرق. وإذا تزوج المكاتب أو وهب هبة أو أعتق عبدا أو كفل بكفالة أو كفل عنه رجل لمولاه بالذي عليه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: هذا كله باطل لا يجوز. وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: نكاحه وكفالته باطل وما تكفل به رجل عنه لمولاه فهو جائز وأما عتقه وهبته فهو موقوف. فإن عتق أمضى ذلك وإن رجع مملوكا فذلك كله مردود. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: كيف يجوز عتقه وهبته وكيف تجوز الكفالة عنه لمولاه أرأيت رجلا كفل لرجل عن عبده كفالة أليست باطلا. فكذلك مكاتبه وبهذا يأخذ. وبلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال: لا يجوز أن يكفل الرجل للرجل بمكاتبة عبده لأنه عبده وإنما كفل له بمال. وقال أبو حنيفة رحمه الله: إذا كان له مال حاضر فقال: أؤديه اليوم أو غدا فإنه كان يقول: يؤجله ثلاثة أيام. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تزوج المكاتب أو وهب أو أعتق أو كفل عن أحد بكفالة فذلك كله باطل. لأن في هذا إتلافا لماله وهو غير مسلط على المال. أما التزوج فأبطلناه بالعبودية التي فيه أنه لا يكون للعبد أن ينكح إلا بإذن سيده. ولو كفل رجل لرب المكاتب بالكتابة كانت الكفالة باطلة من قبل أنه إنما تكفل له بماله عن ماله. ID ' ' ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.

صفحة : 2623


باب في الأيمان قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لعبده: إن بعتك فأنت حر ثم باعه فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: لا يعتق لأن العتق إنما وقع عليه بعد البيع وبعد ما خرج من ملكه وصار لغيره وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: يقع العتق من مال البائع ويرد الثمن على المشتري لأنه حلف يوم حلف وهو في ملكه. وكذلك لو قال البائع: إن كلمت فلانا فأنت حر فباعه ثم كلم فلانا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا يعتق. ألا ترى أنه قد خرج من ملك البائع أرأيت لو أعتقه المشتري أيرجع إلى الحالف وقد صار مولى للمشتري. أرأيت لو أن المشتري ادعاه وزعم أنه ابنه. فأثبت القاضي نسبه ويرجع الولاء إلى الأول وكان ابن أبي ليلى يقول في هذا: يرجع الولاء إلى الأول ويرد الثمن ويبطل النسب. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لعبده: إن بعتك فأنت حر فباعه بيعا ليس ببيع خيار بشرط فهو حر حين عقد البيع. وإنما زعمت أنه يعتق من قبل أن النبي ﷺ قال: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا . قال الشافعي رضي الله عنه: وتفرقهما تفرقهما عن مقامهما الذي تبايعا فيه. فلما كان لمالك العبد الحالف بعتقه إجازة البيع ورده كان لم ينقطع ملكه عنه الانقطاع كله. ولو ابتدأ العتق في هذه الحال لعبده الذي باعه عتق فعتق بالحنث. ولو كان باعه بيع خيار كان هكذا عندي لأني أزعم أن الخيار إنما هو بعد البيع. ومن زعم أن الخيار يجوز مع عقد البيع لم يعتق لأن الصفقة أخرجته من ملك الحالف خروجا لا خيار له فيه فوقع العتق عليه وهو خارج من ملكه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وهكذا لو قال رجل لغلامه: أنت حر لو كلمت فلانا أو دخلت الدار فباعه وفارق المشتري ثم كلم فلانا أو دخل الدار لم يعتق لأن الحنث وقع وهو خارج من ملكه. وإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن كلمت فلانا ثم طلقها واحدة بائنة أو واحدة يملك الرجعة وانقضت عدتها ثم كلم فلانا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا يقع عليه الطلاق الذي حلف به لأنها قد خرجت من ملكه. ألا ترى أنها لو تزوجت زوجا غيره ثم كلم الأول فلانا وهي عند هذا الرجل لم يقع عليها الطلاق وهي تحت غيره وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: يقع عليها الطلاق لأنه حلف بذلك وهي في ملكه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو قال لامرأته: أنت طالق إن كلمت فلانا ثم خالعها ثم كلم فلانا لم يقع عليها طلاق من قبل أن الطلاق وقع وهي خارجة من ملكه. وهكذا لو

صفحة : 2624

طلقها واحدة فانقضت عدتها ثم كلم فلانا لم يقع عليه الطلاق لأن الطلاق لا يقع إلا على زوجة وهي ليست بزوجة. ولو نكحها نكاحا جديدا لم يحنث بهذا الطلاق وإن كلمه كلاما جديدا لأن الحنث لا يقع إلا مرة وقد وقع وهي خارجة من ملكه. قال: وإذا قال الرجل: كل امرأة أتزوجها أبدا فهي طالق ثلاثا وكل مملوك أملكه فهو حر لوجه الله تعالى. فاشترى مملوكا وتزوج امرأة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: يقع العتق على المملوك والطلاق على المرأة. ألا ترى أنه طلق بعد ما ملك وأعتق بعد ما ملك وقد بلغنا عن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول: لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك. فهذا إنما وقع بعد الملك كله. ألا ترى أنه لو قال: إذا تزوجتها أو ملكتها فهي طالق صارت طالقا. وبهذا يأخذ. ألا ترى أن رجلا لو قال لأمته: كل ولد تلدينه فهو حر ثم ولدت بعد عشر سنين كان حرا فهذا عتق ما لم يملك. ألا ترى أن رجلا لو كانت عنده امرأة فقال لها: إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها في العدة أو بعدها أن ذلك واقع عليها لأنه حلف وهو يملكها ووقع الطلاق وهو يملكها. أرأيت لو قال لعبد له: إن اشتريتك فأنت حر فباعه ثم اشتراه أما كان يعتق وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يقع في ذلك عتق ولا طلاق إلا أن يوقت وقتا. فإن وقت وقتا في سنين معلومة أو قال: ما عاش فلان أو فلانة أو وقت مصرا من الأمصار أو مدينة أو قبيلة لا يتزوج ولا يشتري منها مملوكا فإن ابن أبي ليلى يوقع على هذا الطلاق. وأما قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإنه: يوقع في الوقت وغير الوقت. وقد بلغنا عن عبد اله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: إذا وقت وقتا أو قبيلة أو ما عاشت فلانة وقع. وإذا قال الرجل: إن وطئت فلانة فهي حرة فاشتراها فوطئها فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا تعتق من قبل أنه حلف وهو لا يملكها وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول: تعتق. فإن قال: إن اشتريتك فوطئتك فأنت حرة فاشتراها فوطئها فهي حرة في قولهما جميعا. قال الربيع للشافعي رحمه الله تعالى هاهنا جواب. ID ' ' ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه

صفحة : 2625


باب في العارية وأكل الغلة قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أعار الرجل الرجل أرضا يبني فيها ولم يوقت وقتا ثم بدا له أن يخرجه بعد ما بنى فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: نخرجه ويقال للذي بنى انقض بناءك وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: الذي أعاره ضامن لقيمة البنيان والبناء للمعير. وكذلك بلغنا عن شريح. فإن وقت له وقتا فأخرجه قبل أن يبلغ ذلك الوقت فهو ضامن لقيمة البناء في قولهما جميعا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أعار الرجل الرجل بقعة من الأرض يبني فيها بناء فبناه لم يكن لصاحب البقعة أن يخرجه من بنائه حتى يعطيه قيمته قائما يوم يخرجه. ولو وقت له وقال: أعرتكها عشر سنين وأذنت لك في البناء مطلقا كان هكذا. ولكنه لو قال: فإن انقضت العشر السنين كان عليك أن تنقض بناءك كان ذلك عليه لأنه لم يغر إنما هو غر نفسه. قال: وإذا أقام الرجل البينة على أرض ونخل أنها له وقد أصاب الذي هي في يديه من غلة النخل والأرض فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: الذي كانت في يديه ضامن لما أخذ من الثمر وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا ضمان عليه في ذلك. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كانت النخل والأرض في يدي الرجل فأقام رجل عليها البينة أنها له منذ عشر سنين وقد أصاب الذي هي في يديه ثمرها منذ عشر سنين أخرجت من يديه وضمن ثمرها وما أصاب منها من شيء فدفعه إلى صاحب البينة فإن كانت الأرض تزرع فزرعها فالزرع للزارع وعليه كراء مثل الأرض. وإن كان لم يزرعها فعليه كراء مثل الأرض. قال: وإذا زرع الرجل الأرض فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: الزرع للذي كانت في يديه وهو ضامن لما نقض الأرض في قول أبي حنيفة ويتصدق بالفضل. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يتصدق بشيء وليس عليه ضمان. قال: وإذا أخذ الرجل أرض رجل إجارة سنة وعملها وأقام فيها سنتين فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: هو ضامن لما نقص الأرض في السنة الثانية ويتصدق بالفضل ويعطي أجر السنة الأولى. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه أجر مثلها في السنة الثانية. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تكارى الرجل الأرض ليزرعها سنة فزرعها سنتين فعليه كراؤها الذي تشارطا عليه في السنة الأولى وكراء مثلها في السنة الثانية. ولو حدث عليها في السنة الثانية حدث ينقصها كان ضامنا. وهكذا الدور والعبيد والدواب وكل شيء استؤجر. قال: وإذا وجد الرجل كنزا قديما في

صفحة : 2626

أرض رجل أو داره فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو لرب الدار وعليه الخمس وليس للذي وجده منه شيء. وكان ابن أبي ليلى يقول: هو للذي وجده وعليه الخمس ولا شيء لصاحب الدار والأرض فيه وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا وجد الرجل كنزا جاهليا في دار رجل فالكنز لرب الدار وفيه الخمس وإنما يكون الكنز لمن وجده إذا وجده في موضع لا يملكه أحد وإذا كان الكنز إسلاميا ولم يوجد في ملك أحد فهو لقطة يعرفه سنة ثم هو له. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا اختلف الأجير والمستأجر في الأجرة فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: القول قول المستأجر مع يمينه إذا عمل العمل وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: القول قول الأجير فيما بينه وبين أجر مثله إلا أن يكون الذي ادعى أقل فيعطيه إياه وإن لم يكن عمل العمل تحالفا وترادا في قول أبي حنيفة. وينبغي كذلك في قول ابن أبي ليلى. وقال أبو يوسف بعد: إذا كان شيء متقارب قبلت قول المستأجر وأحلفته وإذا تفاوت لم أقبل وأجعل للعامل أجر مثله إذا حلف. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا استأجر الرجل أجيرا فتصادقا على الإجارة واختلفا كم هي فإن كان لم يعمل تحالفا وترادا الإجارة وإن كان عمل تحالفا وترادا أجر مثله كان أكثر مما ادعى أو أقل مما به المستأجر. إذا أبطلت العقدة وزعمت أنها مفسوخة لم يجز أن أستدل بالمفسوخ على شيء ولو استدللت به كنت لم أعمل المفسوخ ولا الصحيح على شيء. قال: وإذا استأجر الرجل بيتا شهرا يسكنه فسكنه شهرين. أو استأجر دابة إلى مكانه فجاوز ذلك المكان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: الأجر فيما سمى ولا أجر له فيما لم يسم لأنه قد خالف وهو ضامن حين خالف ولا يجتمع عليه الضمان والأجرة وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول له: الأجر فيما سمى وفيما خالف أن سلم وإن لم يسلم ذلك ضمن ولا نجعل عليه أجرا في الخلاف إذا ضمنه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تكارى الرجل الدابة إلى موضع فجاوزه إلى غيره فعليه كراء الموضع الذي تكاراها إليه الكراء الذي تكاراها به وعليه من حين تعدى إلى أن ردها كراء مثلها من ذلك الموضع. وإذا عطبت لزمه الكراء إلى الموضع الذي عطبت فيه وقيمتها. وهذا مكتوب في كتاب الإجارات. قال: وإذا تكارى الرجل دابة ليحمل عليها عشرة مخاتيم فحمل عليها أكثر من ذلك فعطبت الدابة فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو ضامن قيمة الدابة بحساب ما زاد عليها

صفحة : 2627

وعليه الأجر تاما إذا كانت قد بلغت المكان وبه يأخذه. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه قيمتها تامة ولا أجر عليه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تكارى الرجل الدابة على أن يحمل عليها عشرة مكاييل مسماة فحمل عليها أحد عشر مكيالا فعطبت فهو ضامن لقيمة الدابة كلها وعليه الكراء. وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى: يجعل عليه الضمان بقدر الزيادة كأنه تكاراها على أن يحمل عليها عشرة مكاييل فحمل عليها أحد عشر فيضمنه سهما من أحد عشر سهما ويجعل الأحد عشر كلها قتلتها ثم يزعم أبو حنيفة رحمه الله تعالى أنه تكاراها مائة ميل فتعدى بها على المائة ميلا أو بعض ميل فعطبت ضمن الدابة كلها. وكان ينبغي في أصل قوله أن يجعل المائة والزيادة على المائة قتلتها فيضمنه بقدر الزيادة لأنه يزعم أنه ضامن للدابة حين تعدى بها حتى يردها ولو كان الكراء مقبلا ومدبرا فماتت في المائة ميل وإذا غرقت سفينة الملاح فغرق الذي فيها وقد حمله بأجر فغرقت من مده أو معالجته السفينة فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو ضامن وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا ضمان عليه في المد خاصة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا فعل من ذلك الفعل الذي يفعل بمثلها في ذلك الوقت الذي فعل لم يضمن وإذا تعدى ذلك ضمن والله سبحانه وتعالى الموفق. ID ' ' أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة

صفحة : 2628


باب القسمة قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار صغيرة بين اثنين أو شقص قليل في دار لا يكون بيتا فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: أيهما طلب القسمة وأبى صاحبه قسمت له. ألا ترى أن صاحب القليل ينتفع بنصيب صاحب الكثير وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يقسم شيء منها. قال الشافعي وإذا كانت الدار أو البيت بين شركاء فسأل أحدهم القسمة ولم يسأل ذلك من بقي فإن كان يصل إليه بالقسم شيء ينتفع به وإن قلت المنفعة قسم له وإن كره أصابه وإن كان لا يصل إليه منفعة ولا إلى أحد لم يقسم له. باب الصلاة قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أتى الرجل إلى الإمام في أيام التشريق وقد سبقه بركعة فسلم الإمام عند فراغه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يقوم الرجل فيقضي ولا يكبر معه. لأن التكبير ليس من الصلاة إنما هو بعدها وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: يكبر ثم يقوم فيقضي. قال: وإذا صلى الرجل في أيام التشريق وحده أو المرأة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: لا تكبير عليه ولا تكبير على من صلى في جماعة في غير مصر جامع ولا تكبير على المسافرين. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليهم التكبير. أبو يوسف عن عبيدة عن إبراهيم أنه قال: التكبير على المسافرين وعلى المقيمين وعلى الذي يصلي وحده وفي جماعة وعلى المرأة. وبه يأخذ مجالد عن عامر مثله. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا سبق الرجل بشيء من الصلاة في أيام التشريق فسلم الإمام وكبر لم يكبر المسبوق بشيء من الصلاة وقضى الذي عليه فإذا سلم كبر وذلك أن التكبير أيام التشريق ليس من الصلاة إنما هو ذكر بعدها وإنما يتبع الإمام فيما كان من الصلاة وهذا ليس من الصلاة. ويكبر في أيام التشريق المرأة والعبد والمسافر والمصلي منفردا والرجل قائما وقاعدا ومضطجعا وعلى كل حال. وإذا أدرك الإمام وهو راكع فكبر معه ثم لم يركع حتى رفع الإمام رأسه فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: يسجد معه ولا يعتد بتلك الركعة. أخبرنا بذلك عن الحسن عن الحكم عن إبراهيم وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: يركع ويسجد ويحتسب بذلك من صلاته. وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى ينهى عن القنوت في الفجر وبه يأخذ. ويحدث به عن رسول الله ﷺ أنه لم يقنت إلا شهرا واحدا حارب حيا من المشركين فقنت يدعو عليهم

صفحة : 2629

وأن أبا بكر رضي الله عنه لم يقنت حتى لحق بالله عز وجل وإن ابن مسعود رضي الله عنه لم يقنت في سفر ولا في حضر وأن عمر بن الخطاب لم يقنت وأن ابن عباس رضي الله عنه لم يقنت وأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لم يقنت وقال: يا أهل العراق أنبئت أن إمامكم يقوم لا قارىء قرآن ولا راكع يعني بذلك القنوت. وأن عليا رضي الله عنه قنت في حرب يدعو على معاوية فأخذ أهل الكوفة عنه ذلك وقنت معاوية بالشام يدعو على علي رضي الله عنه فأخذ أهل الشام عنه ذلك وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يرى القنوت في الركعة الأخيرة بعد القراءة وقبل الركوع في الفجر ويروى ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قنت بهاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق وكان يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه بهذا الحديث ويحدث عن علي رضي الله عنه أنه قنت. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومن أدرك الإمام راكعا فكبر ولم يركع حتى يرفع الإمام رأسه سجد مع الإمام ولم يعتد بذلك السجود لأنه لم يدرك ركوعه. ولو ركع بعد رفع الإمام رأسه لم يعتد بتلك الركعة لأنه لم يدركها مع الإمام ولم يقرأ لها فيكون صلى لنفسه فقرأ ولا صلى مع الإمام فيما أدرك مع الإمام. ويقنت في صلاة الصبح بعد الركعة الثانية. قنت رسول الله ﷺ ولم يترك علمناه القنوت في الصبح فقط وإنما قنت النبي ﷺ حين جاءه قتل أهل بئر معونة خمس عشرة ليلة يدعو على قوم من المشركين في الصلوات كلها ثم ترك القنوت في الصلوات كلها فأما في صلاة الصبح فلا أعلم أنه تركه بل نعلم أنه قنت في الصبح قبل قتل أهل بئر معونة وبعد. وقد قنت بعد رسول الله ﷺ أبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم كلهم بعد الركوع وعثمان رضي الله عنه في بعض إمارته ثم قدم القنوت على الركوع وقال: ليدرك من سبق بالصلاة الركعة. ID ' ' القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى:

صفحة : 2630


باب صلاة الخوف قال: وكان لم أبو حنيفة رحمه الله يقول في صلاة الخوف: يقوم الإمام وتقوم معه طائفة فيكبرون مع الإمام ركعة وسجدتين ويسجدون معه فينفتلون من غير أن يتكلموا حتى يقفوا بإزاء العدو ثم تأتي الطائفة التي كانت بإزاء العدو فيستقبلون التكبير ثم يصلي بهم الإمام ركعة أخرى وسجدتين ويسلم الإمام فينفتلون هم من غير تسليم ولا يتكلمون فيقومون بإزاء العدو وتأتي الأخرى فيصلون ركعة وحدانا ثم يسلمون وذلك لقول الله عز وجل: ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وكذلك بلغنا عن عبد الله بن عباس وإبراهيم النخعي وكان ابن أبي ليلى يقول: يقوم الإمام والطائفتان جميعا إذا كان العدو بينهم وبين القبلة فيكبر ويكبرون ويركع ويركعون جميعا ويسجد الإمام والصف الأول ويقوم الصف الآخر في وجوه العدو فإذا رفع الإمام رفع الصف الأول رؤوسهم وقاموا وسجد الصف المؤخر فإذا فرغوا من سجودهم قاموا ثم تقدم الصف المؤخر ويتأخر الصف الأول فيصلي بهم الإمام الركعة الأخرى كذلك ويحدث بذلك ابن أبي ليلى عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله عن رسول الله ﷺ وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا كان العدو في دبر القبلة قام الإمام وصف معه مستقبل القبلة والصف الآخر مستقبل العدو ويكبر ويكبرون جميعا ويركع ويركعون جميعا ثم يسجد الصف الذي مع الإمام سجدتين ثم ينفتلون فيستقبلون العدو ويجيء الآخرون فيسجدون ويصلي بهم الإمام الركعة الثانية فيركعون جميعا ويسجد معه الصف الذي معه ثم ينفتلون فيستقبلون العدو ويجيء الآخرون فيسجدون ويفرغون ثم يسلم الإمام وهم جميعا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا صلى الإمام صلاة الخوف مسافرا جعل طائفة من أصحابه بينه وبين العدو وصلى بطائفة ركعة ثم ثبت قائما يقرأ وصلوا لأنفسهم الركعة التي بقيت عليهم وتشهدوا وسلموا ثم انصرفوا وقاموا بإزاء العدو. وجاءت الطائفة التي كانت بإزاء العدو فكبروا لأنفسهم وصلى بهم الركعة التي كانت بقيت عليه. فإذا جلس في التشهد قاموا فصلوا الركعة التي بقيت عليهم ثم جلسوا فتشهدوا. فإذا رأى الإمام أن قد قضوا تشهدهم سلم بهم. وبهذا المعنى صلى النبي ﷺ صلاة الخوف يوم ذات الرقاع وقد روي عنه في صلاة الخوف خلاف هذا وهذا مكتوب في كتاب الصلاة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان العدو بينه وبين القبلة لا حائل بينه وبينهم ولا سترة وحيث لا يناله النبل وكان العدو قليلا

صفحة : 2631

مأمونين وأصحابه كثيرا وكانوا بعيدا منه لا يقدرون في السجود على الغارة عليه قبل أن يصيروا إلى الركوب والامتناع صلى بأصحابه كلهم. فإذا ركع ركعوا كلهم وإذا رفع رفعوا كلهم وإذا سجد سجدوا كلهم إلا صفا يكونون على رأسه قياما. فإذا رفع رأسه من السجدتين فاستوى قائما أو قاعدا في مثنى اتبعوه فسجدوا ثم قاموا بقيامه وقعدوا بقعوده. وهكذا صلى رسول الله ﷺ في غزاة الحديبية بعسفان وخالد بن الوليد بينه وبين القبلة وكان خالد في مائتي فارس منتبذا من النبي ﷺ في صحراء ملساء ليس فيها جبل ولا شجر والنبي ﷺ في ألف وأربعمائة ولم يكن خالد فيما نرى يطمع بقتالهم وإنما كان طليعة يأتي بخبرهم قال الشافعي رحمه الله تعالى أو إذا جهر الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة عمدا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: قد أساء وصلاته تامة. وكان ابن أبي ليلى يقول: يعيد بهم الصلاة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا جهر الإمام في الظهر أو العصر أو خافت في المغرب أو العشاء فليس عليه إعادة وقد أساء إن كان عمدا. وإذا صلى الرجل أربع ركعات بالليل ولم يسلم فيها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا بأس بذلك. وكان ابن أبي ليلى يقول: أكره ذلك له حتى يسلم في كل ركعتين وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: صلاة الليل والنهار من النافلة سواء يسلم في كل ركعتين وهكذا جاء الخبر عن النبي ﷺ في صلاة الليل وقد يروى عنه خبر يثبت أهل الحديث مثله في صلاة النهار ولو لم يثبت كان إذ أمر رسول الله ﷺ في صلاة الليل أن يسلم من كل ركعتين كان معقولا في الخبر عنه أنه أراد والله تعالى أعلم الفرق بين الفريضة والنافلة. ولا تختلف النافلة في الليل والنهار كما لا تختلف المكتوبة في الليل والنهار لأنها موصولة كلها. قال: وهكذا ينبغي أن تكون النافلة في الليل والنهار. قال الشافعي رحمه الله تعالى: والتكبير على الجنائز أربع وما علمت أحدا حفظ عن النبي ﷺ من وجه يثبت مثله أنه كبر إلا أربعا وكان أبو حنيفة يكبر على الجنائز أربعا وكان ابن أبي ليلى يكبر خمسا على الجنائز. قال الشافعي ويجهر في الصلاة ب بسم الله الرحمن الرحيم قبل أم القرآن وقبل السورة التي بعدها. فإن جمع في ركعة سورا جهر ب بسم الله الرحمن الرحيم قبل كل سورة وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يكره أن يجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم . وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا جهرت فحسن وإذا أخفيت فحسن. قال: وذكر عن ابن أبي ليلى

صفحة : 2632

عن رجل توضأ ومسح على خفيه من حدث ثم نزع الخفين قال: يصلي كما هو. وحدث بذلك عن الحكم عن إبراهيم وذكر أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن حماد عن إبراهيم أنه قال: لا يصلي حتى يغسل رجليه وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا صلى الرجل وقد مسح على خفيه ثم نزعهما أحببت له أن لا يصلي حتى يستأنف الوضوء لأن الطهارة إذا انتقضت عن عضو احتملت أن تكون على الأعضاء كلها. فإذا لم يزد على غسل رجليه أجزأه. وقد روي عن ابن عمر أنه توضأ وخرج إلى السوق ثم دعي لجنازة فمسح على خفيه وصلى. وذكر عن الحكم أيضا عن إبراهيم أنه قال: لا بأس بعد الآي في الصلاة قال: ولو ترك عد الآي في الصلاة كان أحب إلي وإن كان إنما يعدها عقدا ولا بلفظ بعددها لفظا لم يكن عليه شيء. وإن لفظ بشيء من ذلك لفظا فقال: واحدة وثنتان وهو ذاكر لصلاته انتقضت صلاته وكان عليه الاستئناف. قال: وإذا توضأ الرجل بعض وضوئه ثم لم يتمه حتى جف ما قد غسل فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: يتم ما قد بقي ولا يعيد على ما مضى. وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: إن كان في طلب الماء أو في الوضوء فإنه يتم ما بقي وإن كان قد أخذ في عمل غير ذلك أعاده على ما جف. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ورأيت المسلمين جاءوا بالوضوء متتابعا نسقا على مثل ما توضأ به النبي ﷺ. فمن جاء به كذلك ولم يقطعه لغير عذر من انقطاع الماء وطلبه بنى على وضوئه. ومن قطعه بغير عذر حتى يتطاول ذلك فيكون معروفا أنه أخذ في عمل غيره فأحب إلي أن يستأنف وإن أتم ما بقي أجزأه. ابن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لا يمسح وجهه من التراب في الصلاة حتى يشهد ويسلم وبه يأخذ أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه كان يمسح التراب عن وجهه في الصلاة قبل أن يسلم وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يرى بذلك بأسا وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو ترك المصلي مسح وجهه من التراب حتى يسلم كان أحب إلي فإن فعل فلا شيء عليه. ID ' ' (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل

صفحة : 2633


باب الزكاة قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان على رجل دين ألف درهم وله على الناس دين ألف درهم وفي يده ألف درهم فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: ليس عليه زكاة فيما في يديه حتى يخرج دينه فيزكيه وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه فيما في يديه الزكاة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كانت في يدي رجل ألف درهم وعليه مثلها فلا زكاة عليه. وإن كانت المسألة بحالها وله دين ألف درهم. فلو عجل الزكاة كان أحب إلي وله أن يؤخرها حتى يقبض ماله فإن قبضه زكى مما في يديه وإن تلف لم يكن عليه فيه زكاة. قال الربيع: آخر قول الشافعي: إذا كانت في يديه ألف وعليه ألف فعليه الزكاة. قال الربيع: من قبل أن الذي في يديه إن تلف كان منه وإن شاء وهبها وإن شاء تصدق بها فلما كانت في جميع أحكامها مالا من ماله وقد قال الله عز وجل: خذ من أموالهم صدقة كانت عليه فيها الزكاة. قال: وكان ابن أبي ليلى يقول: زكاة الدين على الذي هو عليه فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: بل هي على صاحبه الذي هو له إذا خرج. كذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبهذا يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان للرجل دين على الناس. فإن كان حالا وقد حال عليه الحول في يدي الذي هو عليه أو أكثر من حول فإن كان يقدر على أخذه منه فتركه فعليه فيه الزكاة. وهو كمال له وديعة في يدي رجل عليه أن يزكيه إذا كان قادرا عليه وإن كان لا يدري لعله سيفلس له به أو كان متغيبا عنه فعليه إذا كان حاضرا طلبه منه بألح ما يقدر عليه فإذا نض في يديه فعليه الزكاة لما مضى في يديه من السنين فإن تلف قبل أن يقبضه فلا زكاة عليه فيه. وهكذا إذا كان صاحب الدين متغيبا عنه قال وإذا كانت أرض من أرض الخراج فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: ليس فيها عشر لا يجتمع عشر وخراج وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه فيها العشر مع الخراج. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا زرع الرجل أرضا من أرض الخراج فعليه في زرعها العشر كما يكون عليه في زرع أرض لرجل تكاراها منه وهي لذلك الرجل أو هي صدقة موقوفة. قال: وإذا كانت الأرض من أرض العشر فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: في كل قليل وكثير أخرجت من الحنطة والشعير والزبيب والتمر والذرة وغير ذلك من أصناف الغلة العشر ونصف العشر والقليل والكثير في ذلك سواء وإن كانت حزمة من بقل وكذلك حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم وكان ابن

صفحة : 2634

أبي ليلى يقول: ليس في شيء من ذلك عشر إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ولا يكون فيه العشر حتى يبلغ خمسة أوسق فصاعدا والوسق عندنا: ستون صاعا والصاع مختوم بالحجاجي وهو ربع بالهاشمي الكبير وهو ثمانية أرطال والمد رطلان وبه يأخذ. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: ليس في البقول والخضراوات عشر ولا أرى في شيء من ذلك عشرا إلا الحنطة والشعير والحبوب وليس فيه شيء حتى يبلغ خمسة أوسق. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا زرع الرجل أرضا من أرض العشر فلا زكاة عليه حتى يخرج منها خمسة أوسق من كل صنف مما أخرجت مما فيه الزكاة وذلك ثلثمائة صاع بصاع النبي ﷺ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وليس في الخضر زكاة والزكاة فيما اقتيت ويبس وادخر مثل: الحنطة والذرة والشعير والزبيب والحبوب التي في هذا المعنى التي ينبت الناس. قال: وإذا كان لرجل إحدى وأربعون بقرة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: إذا حال عليها الحول ففيها مسنة وربع عشر مسنة وما زاد فبحساب ذلك إلى أن تبلغ ستين بقرة. وأظنه حدثه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم وكان ابن أبي ليلى يقول: لا شيء في الزيادة على الأربعين حتى تبلغ ستين بقرة وبه يأخذ. وبلغنا عن رسول الله ﷺ أنه قال لا شيء في الأوقاص والأوقاص عندنا ما بين الفريضتين. وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وليس في البقر صدقة حتى تبلغ ثلاثين فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع ثم ليس في الزيادة على الثلاثين صدقة حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة ثم ليس في زيادتها شيء حتى تبلغ ستين فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان ثم ليس في الفضل على الستين صدقة حتى تبلغ سبعين فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة ثم ليس في الفضل على السبعين صدقة حتى تبلغ ثمانين فإذا بلغت الثمانين ففيها مسنتان ثم هكذا صدقتها وكل صدقة من الماشية فلا شيء فيها فيما بين الفريضتين. وكل ما كان فوق الفرض الأسفل لم يبلغ الفرض الأعلى فالفضل فيه عفو صدقته صدقة الأسفل. قال: وإذا كان للرجل عشرة مثاقيل ذهب ومائة درهم فحال عليها الحول فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في الزكاة: يضيف أقل الصنفين إلى أكثرهما ثم يزكيه إن كانت الدنانير أقل من عشرة دراهم بدينار تقوم الدراهم دنانير ثم يجمعها جميعا فتكون أكثر من عشرين مثقالا من الذهب فيزكيها في كل عشرين مثقالا نصف مثقال فما زاد فليس فيه شيء من الزكاة حتى يبلغ أربعة مثاقيل فيكون فيها عشر مثقال. وإذا كانت الدنانير أكثر من

صفحة : 2635

عشرة دراهم بدينار قوم الدنانير دراهم وأضافها إلى الدراهم فتكون أكثر من مائتي درهم ففي كل مائتين خمسة دراهم ولا شيء فيما زاد على المائتين حتى يبلغ أربعين درهما فإذا بلغت ففي كل أربعين زادت بعد المائتين درهم. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا زكاة في شيء من ذلك حتى يبلغ الذهب عشرين مثقالا وتبلغ الفضة مائتي درهم ولا يضيف بعضها إلى بعض ويقول: هذا مال مختلف بمنزلة رجل له ثلاثون شاة وعشرون بقرة وأربعة أبعرة فلا يضاف بعضها إلى بعض. وقال ابن أبي ليلى: ما زاد على المائتي الدرهم والعشرين المثقال من شيء فبحساب ذلك ما كان من قليل أو كثير وبهذا يأخذ في الزيادة. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: ليس فيما زاد على المائتين شيء حتى يبلغ أربعين درهما وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا يقوم الذهب ولا الفضة إنما الزكاة على وزنه جاءت بذلك السنة. إن كان له منها خمسة عشر مثقالا ذهبا لم يكن عليه فيها زكاة ولو كان قيمتها ألف درهم لأن الحديث إنما جاء في عشرين مثقالا. ولو كان له مع ذلك أربعون درهما لم يزكه حتى يكون خمسين درهما فإذا كمل من الأخرى أوجبت فيه الزكاة وكذلك لو كان نصف من هذا ونصف من هذا ففيه الزكاة فيضيف بعضه إلى بعض ويخرجه دراهم أو دنانير. وإن شاء زكى الذهب والفضة بحصتهما أي ذلك فعل أجزأه. ولو كان له مائتا درهم وعشرة مثاقيل زكى المائتي الدرهم بخمسة دراهم وزكى العشرة مثاقيل بربع مثقال. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كانت لرجل عشرة مثاقيل ذهب ومائة درهم فحال عليها الحول فلا زكاة فيها ولا يضم الذهب إلى الورق وهو صنف غيرها يحل الفضل في بعضها على بعض يدا بيد كما لا يضم التمر إلى الزبيب وللتمر بالزبيب أشبه من الفضة بالذهب وأقرب ثمنا بعضه من بعض وكما لا تضم الإبل إلى البقر ولا البقر إلى الغنم. قال: ولو أن رجلا له مائتا درهم وعشرة مثاقيل ذهبا فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: إذا حال عليها الحول يضيف بعضه إلى بعض ويزكيه كله. وقال ابن أبي ليلى: هذان مالان مختلفان تجب الزكاة على الدراهم ولا تجب على الذهب. وقال أبو يوسف: فيه الزكاة كله. ألا ترى أن التاجر يكون له المتاع للتجارة وهو مختلف فيقومه ويضيف بعضه إلى بعض ويزكيه وكذلك الذهب والفضة. وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر رجلا تاجرا أن يقوم تجارته عند الحول فيزكيها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو كان له مائتا درهم وتسعة عشر مثقالا

صفحة : 2636

زكى المائتين ولم يزك التسعة عشر مثقالا كما يكون له خمسة أوسق تمرا وخمسة أوسق زبيبا إلا صاعا فيزكي التمر ولا يزكي الزبيب. باب الصيام قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا اكتحل الرجل في شهر رمضان أو غير رمضان وهو صائم فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا بأس بذلك وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يكره ذلك ويكره أن يدهن شاربه بدهن يجد طعمه وهو صائم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا بأس أن يكتحل الصائم ويدهن شاربه ورأسه ووجهه وقدميه وجميع بدنه بأي دهن شاء غالية أو غير غالية. وإذا صام الرجل يوما من شهر رمضان فشك أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك أنه من رمضان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال: يجزيه وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجزيه ذلك وعليه قضاء يوم مكانه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أصبح الرجل يوم الشك من رمضان وقد بيت الصوم من الليل على أنه من رمضان فهذه نية كاملة تؤدي عنه ذلك اليوم إن كان من شهر رمضان وإن لم يكن من شهر رمضان أفطر. قال الربيع: قال الشافعي في موضع آخر: لا يجزيه لأنه صام على الشك. وإذا أفطرت المرأة يوما من رمضان متعمدة ثم حاضت من آخر النهار فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: ليس عليها كفارة وعليها القضاء وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليها الكفارة وعليها القضاء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أصاب الرجل امرأته في شهر رمضان ثم مرض الرجل في آخر يومه فذهب عقله أو حاضت المرأة فقد قيل: على الرجل عتق رقبة. وقيل: لا شيء عليه. فأما إذا سافر فإن عليه عتق رقبة. وقيل: لا شيء عليه. فأما إذا سافر فإن عليه عتق رقبة وذلك أن السفر شيء يحدثه فلا يسقط عنه ما وجب عليه بشيء يحدثه. قال: وإذا وجب على الرجل صوم شهرين من كفارة إفطار من رمضان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: ذانك الشهران متتابعان ليس له أن يصومهما إلا متتابعين. وذكر أبو حنيفة نحوا من ذلك عن النبي ﷺ وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول ليسا بمتتابعين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا لم يجد المجامع في شهر رمضان عتقا فصام لم يجز عنه إلا شهران متتابعان وكفارته كفارة الظهار ولا يجزي عنه الصوم ولا الصدقة وهو يجد عتقا قال: وإذا توضأ الرجل للصلاة المكتوبة فدخل الماء حلقه وهو صائم في رمضان ذاكرا لصومه فإن أبا

صفحة : 2637

حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: إن كان ذاكرا لصومه حين توضأ فدخل الماء حلقه فعليه القضاء وإن كان ناسيا لصومه فلا قضاء عليه وذكر ذلك أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم وكان ابن أبي ليلى يقول: لا قضاء عليه إذا توضأ لصلاة مكتوبة وإن كان ذاكرا لصومه. وقد ذكر عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا توضأ لصلاة مكتوبة وهو صائم فدخل الماء حلقه فلا شيء عليه وإن كان توضأ لصلاة تطوع فعليه القضاء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا توضأ الرجل للصلاة وهو صائم فتمضمض ودخل الماء جوفه فأحب إلي أن يعيد الصوم احتياطا. وأما الذي يلزمه فلا يلزمه أن يعيد حتى يكون أحدث شيئا من ازدارد أو فعل فعلا ليس له دخل به الماء جوفه. فأما إذا كان إنما أراد المضمضة فسبقه شيء في حلقه بلا إحداث ازدارد تعمد به الماء إلا إدخال النفس وإخراجه فلا يجب عليه أن يعيد الصوم. وهذا خطأ في معنى النسيان أو أخف منه. باب في الحج قال الشافعي رحمه الله تعالى: وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: لا تشعر البدن ويقول: الإشعار مثلة. وكان ابن أبي ليلى يقول: الإشعار في السنام من الجانب الأيسر وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وتشعر البدن في أسنمتها والبقر في أسنمتها أو مواضع الأسنمة ولا تشعر الغنم. والإشعار في الصفحة اليمنى. وكذلك أشعر رسول الله ﷺ وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي ﷺ أنه أشعر في الشق الأيمن. وبذلك تركنا قول من قال: لا يشعر إلا في الشق الأيسر وقد روي أن ابن عمر أشعر في الشق الأيسر أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما كان لا يبالي في أي الشقين أشعر في الأيمن أو الأيسر قال: وإذا أهل الرجل بعمرة فأفسدها فقدم مكة وقضاها فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: يجزيه أن يقضيها من التنعيم وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجزيه أن يقضيها إلا من ميقات بلاده. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أهل الرجل بعمرة من ميقات فأفسدها فلا يجزيه أن يقضيها إلا من الميقات الذي ابتدأ منه العمرة التي أفسدها ولا نعلم القضاء في شيء من الأعمال إلا بعمل مثله. فأما عمل أقل منه فهذا قضاء لبعض دون الكل وإنما يجزي قضاء الكل لا البعض. ومن

صفحة : 2638

قال له: أن يقضيها خارجا من الحرم دخل عليه خلاف ما وصفنا من القيام وخلاف الآثار. وقد ظننت أنه إنما ذهب إلى أن عائشة رضي الله تعالى عنها إنما كانت مهلة بعمرة وأنها رفضت العمرة وأمرها النبي ﷺ بأن تقضيها من التنعيم وهذا ليس كما روي إنما أمرها النبي ﷺ أن تدخل الحج على العمرة فكانت قارنة وإنما كانت عمرتها شيئا استحبته فأمرها النبي ﷺ بها فاعتمرت لا أن عمرتها كانت قضاء. وإذا أصاب الرجل من صيد البحر شيئا سوى السمك فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: لا خير في شيء من صيد البحر سوى السمك وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا بأس بصيد البحر كله. قال الشافعي رحمه الله تعالى عنه: ولا بأس بأن يصيد المحرم جميع ما كان معاشه في الماء من السمك وغيره قال الله عز وجل: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما فقال بعض أهل العلم بالتفسير: طعامه: كل ما كان فيه. وهو شبه ما قال والله تعالى أعلم. وقال أبو يوسف رحمه الله: سألت أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه عن حشيش الحرم فقال: أكره أن يرعى من حشيش الحرم شيئا أو يحتش منه. قال: وسألت ابن أبي ليلى عن ذلك فقال: لا بأس أن يحتش من الحرم ويرعى منه قال: وسألت الحجاج بن أرطاة فأخبرني أنه سأل عطاء بن أبي رباح فقال: لا بأس أن يرعى وكره أن يحتش وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا بأس أن يرعى نبات الحرم شجره ومرعاه ولا خير في أن يحتش منه شيء لأن الذي حرم رسول الله ﷺ من مكة أن يختلى خلاها إلا الإذخر والاختلاء الاحتشاش نتفا وقطعا وحرم أن يعضد شجرها ولم يحرم أن يرعى قال أبو يوسف رحمه الله تعالى: سألت أبا حنيفة رضي الله عنه قال: لا بأس أن يخرج من تراب الحرم وحجارته إلى الحل وبه يأخذ. قال: وسمعت ابن أبي ليلى يحدث عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أنهما كرها أن يخرج من تراب الحرام وحجارته إلى الحل شيئا. وحدثنا شيخ عن رزين مولى علي بن عبد الله بن عباس أن علي بن عبد الله كتب إليه أن يبعث إليه بقطعة من المروة يتخذها مصلى يسجد عليه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا خير في أن يخرج من حجارة الحرم ولا ترابه شيء إلى الحل لأن له حرمة ثبتت باين بها ما سواها من البلدان. ولا أرى والله تعالى أعلم أن جائزا لأحد أن يزيله من الموضع الذي باين به البلدان إلى أن يصير كغيره. قال الشافعي وقد أخبرنا

صفحة : 2639

عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرق عن أبيه عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر قال: قدمت مع أمي أو قال: جدتي مكة فأتتها صفية بنت شيبة فأكرمتها وفعلت بها فقالت صفية: ما أدري ما أكافئها به فأرسلت إليها بقطعة من الركن فخرجت بها فنزلنا أول منزل فذكر من مرضهم وعلتهم جميعا قال: فقالت أمي أو جدتي: ما أرانا أتينا إلا أنا أخرجنا هذه القطعة من الحرم فقالت لي: وكنت أمثلهم انطلق بهذه القطعة إلى صفية فردها وقل لها: إن الله جل وعلا وضع في حرمه شيئا فلا ينبغي أن يخرج منه. قال عبد الأعلى: فقالوا لي: فما هو إلا أن تحينا دخولك الحرم فكأنما أنشطنا من عقل. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقال غير واحد من أهل العلم: لا ينبغي أن يخرج من الحرم شيء إلى غيره. وإذا أصاب الرجل حماما من حمام الحرم فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: عليه قيمته وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه شاة. وسمعت ابن أبي ليلى يقول في حمام الحرم عن عطاء بن أبي رباح: شاة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أصاب الرجل بمكة حماما من حمامها فعليه شاة اتباعا لعمر وعثمان وابن عباس وابن عمر ونافع ابن عبد الحرث وعاصم بن عمر وعطاء وابن المسيب وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وقد زعم الذي قال: فيه قيمة أنه لا يخالف واحدا من أصحاب رسول الله ﷺ وقد خالف أربعة في حمام مكة. وسئل أبو حنيفة رحمه الله تعالى: عن المحرم يصيب الصيد فيحكم عليه فيه عناق أو جفرة أو شبه ذلك فقال: لا يجزي في هدي الصيد إلا ما يجزي في هدي المتعة الجذع من الضأن إذا كان عظيما أو الثني من المعز والبقر والإبل فما فوق ذلك لا يجزي ما دون ذلك. ألا ترى إلى قوله الله عز وجل في كتابه في جزاء الصيد: هديا بالغ الكعبة وسألت ابن أبي ليلى عن ذلك فقال: يبعث به وإن كان عناقا أو حملا. قال أبو يوسف رحمه الله: أخذ بالأثر في العناق والجفرة. وقال أبو حنيفة رحمه الله: في ذلك كله قيمته وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أصاب الرجل صيدا صغيرا فداه بشاة صغيرة لأن الله عز وجل يقول: مثل والمثل مثل الذي يفدى فإذا كان كبيرا كان كبيرا وإذا كان الذي يفدى صغيرا كان صغيرا ولا أعلم من قال: لا يجوز أن يفدى الصيد الصغير بصغير مثله من الغنم إلا خالف القرآن والآثار والقياس والمعقول. وإذا كان يزعم أن الصيد محرم كله فزعم أنه تفدى الجرادة بتمرة أو أقل من تمرة لصغرها وقلة قيمتها وتفدى بقرة الوحش ببقرة لكبرها فكيف لم يزعم أنه يفدى الصغير بالصغير وقد فدي الصغير بصغير

صفحة : 2640

والكبير بكبير وقد قال الله عز وجل: فجزاء مثل ما قتل من النعم وإنما رفع وخفض بالمثل عنده فكيف يفدى بتمرة ولا يفدى بعناق وما للضحايا وهدي المتعة وجزاء الصيد هل رآه قياس جزاء الصيد حين أصاب المحرم البقرة بأن قال: يكفيه شاة كما يكفي المتمتع أو المضحي أو قاسه حين أصاب المحرم جرادة بأن قال: لا يجزي المحرم إلا شاة كما لا يجزي المضحي والمتمتع إلا شاة فإن قال: لا قيل: ألأن جزاء الصيد كما قال الله تبارك وتعالى مثل . وإنما المثل صغيرا أو كبيرا على قدر المصاب فإن قال: نعم. قيل: فما أضلك عن الجفرة إذا كانت مثل ما أصيب وإن كنت تقلد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وحده في أقضية لا حجة لك في شيء منها إلا تقليده فكيف خالفته ومعه القرآن والقياس والمعقول وغيره من أصحاب النبي ﷺ وقد قضى عمر رضي الله عنه في الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وقضى في الضب بجدي قد جمع الماء والشجر وقضى ابن مسعود رضي الله عنه في اليربوع بجفرة أو جفر وقضى عثمان رضي الله عنه في أم حبين بحلان من الغنم يعني حملا. وذكر عن خصيف الجزري عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود أنه قال في بيض النعامة يصيبه المحرم: ثمنه داود بن أبي هند عن عامر مثله. وسمعت ابن أبي ليلى يقول عن عطاء بن أبي رباح: في البيضة درهم وقال أبو حنيفة رحمه الله: قيمتها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أصاب المحرم بيض نعام أو بيض حمام أو بيضا من الصيد ففيه قيمته قياسا على الجرادة وعلى ما لم يكن له مثل من النعم. ID ' ' ولا يكاد يقدر عليه. وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما

صفحة : 2641


باب الديات قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قتل الرجل الرجل عمدا وللمقتول ورثة صغار وكبار فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: للكبار أن يقتلوا صاحبهم إن شاءوا. وكان ابن أبي ليلى يقول: ليس لهم أن يقتلوا حتى يكبر الأصاغر وبه يأخذ. حدثنا أبو يوسف عن رجل عن أبي جعفر أن الحسن بن علي رضي الله عنهما قتل ابن ملجم بعلي وقال أبو يوسف: وكان لعلي رضي الله عنه أولاد صغار. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قتل الرجل الرجل عمدا وله ورثة صغار وكبار أو كبار غيب فليس لأحد منهم أن يقتل حتى تبلغ الصغار وتحضر الغيب ويجتمع من له سهم في ميراثه من: زوجة أو أم أو جدة على القتل فإذا اجتمعوا كان لهم أن يقتلوا فإذا لم يجتمعوا لم يكن لهم أن يقتلوا. وإذا كان هذا هكذا فلأيهم شاء من البالغين الحضور أن يأخذ حصته من الدية من مال الجاني بقدر ميراثه من المقتول وإذا فعل كان لأولياء الغيب وعلى أولياء الصغار أن يأخذوا لهم حصصهم من الدية لأن القتل قد حال وصار مالا فلا يكون لولي الصغير أن يدعه وقد أمكنه أخذه. فإن قال قائل: كيف ذهبت إلى هذا دون غيره من الأقاويل وقد قال بعض أهل العلم: أي ولاة الدم قام به قتل وإن عفا الآخرون. فأنزله بمنزلة الحد. وقال غيره من أهل العلم: يقتل البالغون ولا ينتظرون الصغار. وقال غيره: يقتل الولد ولا ينتظرون الزوجة قيل: ذهبنا إليه أنه السنة التي لا ينبغي أن تخالف أو في مثل معنى السنة والقياس على الإجماع. فإن قال: فأين السنة فيه قيل: قال رسول الله ﷺ من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا أخذوا القصاص وإن أحبوا فالدية فلما كان من حكم رسول الله ﷺ أن لولاة الدم أن يقتلوا ولهم أن يأخذوا المال وكان إجماع المسلمين أن الدية موروثة لم يحل لوارث أن يمنع الميراث من ورث معه حتى يكون الوارث يمنع نفسه من الميراث. وهذا معنى القرآن في قول الله عز وجل: فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان وهذا مكتوب في كتاب الديات. ووجدنا ما خالفه من الأقاويل لا حجة فيه لما وصفت من السنة بخلافهم. ووجدت مع ذلك قولهم متناقضا إذ زعموا أنهم امتنعوا من أن يأخذوا الدية من القاتل لأنه إنما عليه دم لا مال. فلو زعموا أن واحدا من الورثة لو عفا حال الدم مالا ما لزموا قولهم ولقد نقضوه. فأما الذين قالوا: هو كالحد يقوم به أي الورثة شاء وإن عفا غيره فقد خالفوا بينه وبين الحد من أجل أنهم يزعمون أن للورثة العفو

صفحة : 2642

عن القتل ويزعمون أن لا عفو لهم عن الحد ويزعمون أنهم لو اصطلحوا في القتل على الدية جاز ذلك ويزعمون أنهم لو اصطلحوا على مال في الحد لم يجز وإذا اقتتل القوم فانجلوا عن قتيل لم يدر أيهم أصابه فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: هو على عاقلة القبيلة التي وجد فيها إذا لم يدع ذلك أولياء القتيل على غيرهم. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول: هو على عاقلة الذين اقتتلوا جميعا إلا أن يدعي أولياء القتيل على غير أولئك وبهذا يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا اقتتل القوم فانجلوا عن قتيل فادعى أولياؤه على أحد بعينه أو على طائفة بعينها أو قالوا: قد قتلته إحدى الطائفتين لا يدري أيتهما قتله قيل لهم: إن جئتم بما يوجب القسامة على إحدى الطائفتين أو بعضهم أو واحد بعينه أو أكثر قيل لكم: أقسموا على واحد فإن لم تأتوا بذلك فلا عقل ولا قود. ومن شئتم أن نحلفه لكم على قتله أحلفناه ومن أحلفناه أبرأناه. وهكذا إن كان جريحا ثم مات ادعى على أحد أو لم يدع عليه إذا لم أقبل دعواه فيما هو أقل من الدم لم أقبلها في الدم وما أعرف أصلا ولا فرعا لقول من قال: تجب القسامة بدعوى الميت ما القسامة التي قضى فيها رسول الله ﷺ في عبد الله بن سهل إلا على خلاف ما قال فيها دعوى ولا لوث من بينة. وإذا أصيب الرجل وبه جراحة فاحتمل فلم يزل مريضا حتى مات فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ديته على تلك القبيلة التي أصيب فيهم وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: ليس عليهم شيء. وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: القصاص لكل وارث وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى: يجعل لكل وارث قصاصا إلا الزوج والمرأة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: الزوج والمرأة الحرة والجدة وبنت الابن وكل وارث من ذكر أو أنثى فله حق في القصاص وفي الدية. وإذا وجد القتيل في قبيلة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: القسامة على أهل الخطة والعقل عليهم وليس على السكان ولا على المشترين شيء وبه يأخذ. ثم قال أبو يوسف رحمه الله تعالى بعد: على المشترين والسكان وأهل الخطة. وكان ابن أبي ليلى يقول: الدية على السكان والمشترين معهم وأهل الخطة. وكذلك إذا وجد في الدار فهو على أهل القبيلة قبيلة تلك الدار والسكان الذين فيها في قول ابن أبي ليلى. وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: على عاقلة أرباب الدور خاصة وإن كانوا مشترين وأما السكان فلا. وبهذا يأخذ رجع أبو يوسف رحمه الله إلى قول ابن أبي ليلى وقول أبو حنيفة المعروف: ما بقي من أهل الخطة رجل فليس على المشتري

صفحة : 2643

شيء . قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا وجد الرجل قتيلا في دار رجل أو أهل خطة أو سكان أو صحراء أو عسكر فكلهم سواء. لا عقل ولا قود إلا ببينة تقوم أو بما يوجب القسامة فيقسم الأولياء فإذا ادعى الأولياء على واحد وألف أحلفناهم وأبرأناهم لأن النبي ﷺ قال للأنصاريين: فتبرئكم يهود بخمسين يمينا فلما أبوا أن يقبلوا أيمانهم لم يجعل على يهود شيئا وقد وجد القتيل بين أظهرهم ووداه النبي ﷺ من عنده متطوعا وإذا قطع رجل يد امرأة أو امرأة يد رجل فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: ليس في هذا قصاص ولا قصاص فيما بين الرجال والنساء فيما دون النفس ولا فيما بين الأحرار والعبيد فيما دون النفس ولا قصاص بين الصبيان في النفس ولا غيرها. وكذلك حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: القصاص بينهم في ذلك وفي جميع الجراحات التي يستطاع فيها القصاص. قال الشافعي رحمه الله تعالى: القصاص بين الرجل والمرأة في الجراح وفي النفس. وكذلك العبيد بعضهم من بعض. وإذا كانوا يقولون: القصاص بينهم في النفس وهي الأكثر كان الجرح الذي هو الأقل أولى لأن الله عز وجل ذكر النفس والجراح في كتابه ذكرا واحدا. وأما الصبيان فلا قصاص بينهم. وإذا قتل الرجل رجلا بعصا أو بحجر فضربه ضربات حتى مات من ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا قصاص بينهما. وكان ابن أبي ليلى يقول: بينهما القصاص. وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أصاب الرجل الرجل بحديدة تمور أو بشيء يمور فمار فيه موران الحديد فمات من ذلك ففيه القصاص. وإذا أصابه بعصا أو بحجر أو ما لا يمور موران السلاح فأصله شيئان: إن كان ضربه بالحجر العظيم والخشبة العظيمة التي الأغلب منها أنه لا يعاش من مثلها وذلك أن يشدخ بها رأسه أو يضرب بها جوفه أو خاصرته أو مقتلا من مقاتله أو حمل عليه الضرب بشيء أخف من ذلك حتى بلغ من ضربه والأغلب عند الناس أن لا يعاش من مثله قتل به وكان هذا عمد القتل وزيادة أنه أشد من القتل بالحديد لأن القتل بالحديد أوحى. وإن ضربه بالعصا أو السوط أو الحجر الضرب الذي الأغلب منه أنه يعاش من مثله فهذا الخطأ شبه العمد ففيه الدية مغلظة ولا قود فيه. وإذا عض الرجل يد الرجل فانتزع المعضوض يده فقلع سنا من أسنان العاض فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا ضمان عليه في السن لأنه قد كان له أن ينزع يده من فيه وبه يأخذ. وقد بلغنا عن رسول الله ﷺ

صفحة : 2644

أن رجلا عض يد رجل فانتزع يده من فيه فنزع ثنيته فأبطلها رسول الله ﷺ وقال: أيعض أحدكم أخاه عض الفحل وكان ابن أبي ليلى يقول هو: ضامن لدية السن وهما يتفقان فيما سوى ذلك مما يجنى في الجسد سواء في الضمان. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا عض الرجل يد الرجل أو رجله أو بعض جسده فانتزع المعضوض ما عض منه من في العاض فسقط بعض ثغره أو كله فلا شيء عليه لأنه كان للمعضوض أن ينزع يده من في العاض ولم يكن متعديا بالانتزاع فيضمن. وقد قضى رسول الله ﷺ في مثل هذا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أن رجلا عض يد رجل فانتزع المعضوض يده من في العاض فسقطت ثنيته أو ثنيتاه فأهدرها رسول الله ﷺ. وقال: أيدع يده في فيك تقضهما كأنها في في فحل وإذا نفحت الدابة برجلها وهي تسير فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا ضمان على صاحبها لأنه بلغنا عن رسول الله ﷺ أنه قال الرجل جبار وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: هو ضامن في هذا لما أصابت. قال الشافعي رحمه الله تعالى: يضمن قائد الدابة وسائقها وراكبها ما أصابت بيد أو فم أو رجل أو ذنب ولا يجوز إلا هذا ولا يضمن شيئا إلا أن يحملها على أن تطأ شيئا فيضمن. لأن وطأها من فعله فتكون حينئذ كأداة من أداته جنى بها. فأما أن نقول: يضمن عن يدها ولا يضمن عن رجلها فهذا تحكم. فإن قال: لا يرى رجلها فهو إذا كان سائقا لا يرى يدها فينبغي أن يقول في السائق: يضمن عن الرجل ولا يضمن عن اليد وليس هكذا بقول. فأما ما روي عن رسول الله ﷺ من: أن الرجل جبار فهو والله تعالى أعلم غلط لأن الحفاظ لم يحفظوا هكذا. وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول في الرجل إذا قتل العبد: إن قيمته على عاقلة القاتل وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: لا تعقله العاقلة ثم رجع أبو يوسف فقال: هو مال لا تعقله العاقلة وعلى القاتل قيمته ما بلغ حالا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قتل الرجل العبد خطأ عقلته عاقلته لأنها إنما تعقل جناية حر في نفس محرمة قد يكون فيها القود. قال: ويكون فيها الكفارة كما تكون في الحر بكل حال فهو بالنفوس أشبه منه بالأموال هو لا يجامع الأموال في معنى إلا في أن ديته قيمته فأما ما سوى ذلك فهو مفارق للأموال مجامع للنفوس في أكثر أحكامه. وبالله تعالى التوفيق.

صفحة : 2645

قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل بالسرقة مرة واحدة والسرقة تساوي عشرة دراهم فصاعدا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: أقطعه. ويقول: إن لم أقطعه جعلته عليه دينا ولا قطع في الدين. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا أقطعه حتى يقر مرتين وبهذا يأخذ ثم رجع إلى قول أبي حنيفة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل بالسرقة مرة واحدة وثبت على الإقرار وكانت مما تقطع فيه اليد قطع. وسواء إقراره مرة أو أكثر. فإن قال قائل: كما لا أقطعه إلا بشاهدين فهو إذا شهد عليه شاهدان قطعه ولم يلتفت إلى رجوعه لو كان أقر وهو لو أقر عنده مائة مرة ثم رجع لم يقطعه. فإن قال قائل: فهكذا لو رجعت الشهود لم نقطعه. قيل: لو رجع الشهود عن الشهادة عليه ثم عادوا فشهدوا عليه بما رجعوا عنه لم تقبل شهادتهم. ولو أقر ثم رجع ثم أقر قبل منه فالإقرار مخالف للشهادات في البدء والمتعقب. وإن كان المسروق منه غائبا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال: لا أقطعه. وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: أقطعه إذا أقر مرتين وإن كان المسروق منه غائبا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان المسروق منه غائبا حبس السارق حتى يحضر المسروق منه لأنه لعله أن يأتي له بمخرج يسقط عنه القطع أو القطع والضمان. وإن كانت السرقة تساوي خمسة دراهم فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا قطع فيها بلغنا عن رسول الله ﷺ وعن علي رضي الله عنه وعن ابن مسعود أنهم قالوا: لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: تقطع اليد في خمسة دراهم ولا تقطع في دونها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا الثقة عن عبد الله بن عمر بن حفص وسفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: القطع في ربع دينار فصاعدا وبه نأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فأما ما ذهب إليه أبو حنيفة من الرواية عن النبي ﷺ التي تخالف هذا فإنها ليست من وجه يثبت مثله لو انفرد. وأما ما روي عن علي رضي الله عنه وابن مسعود فليست في أحد مع النبي ﷺ حجة ولا أعلمه ثابتا عن واحد منهما. وقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن حميد الطويل أنه سمع قتادة يسأل أنس بن مالك رحمه الله تعالى عن القطع فقال: حضرت أبا بكر الصديق رضي الله عنه قطع سارقا في شيء ما يسوي ثلاثة دراهم أو قال: ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم. وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: القطع في ربع دينار فصاعدا

صفحة : 2646

وهو مكتوب في كتاب السرقة. قال: وإذا شهد الشاهدان على رجل بالسرقة والمسروق منه غائب فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: لا أقبل الشهادة والمسروق منه غائب. أرأيت لو قال: لم يسرق مني شيئا أكنت أقطع السارق وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: أقبل وإذا شهد شاهدان على رجل بسرقة والمسروق منه غائب قبلت الشهادة وسألت عن الشهود وأخرت القطع إلى أن يقدم المسروق منه. قال: وإذا اعترف الرجل بالسرقة مرتين وبالزنا أربع مرات ثم أنكر بعد ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: ندرأ عنه الحد فيهما جميعا ونضمنه السرقة. وقد بلغنا عن رسول الله ﷺ حين اعترف عنده ماعز بن مالك وأمر به أن يرجم هرب حين أصابته الحجارة فقال رسول الله ﷺ: فهلا خليتم سبيله . حدثنا بذلك أبو حنيفة رحمه الله يرفعه إلى النبي ﷺ وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: لا أقبل رجوعه فيهما جميعا وأمضي عليه الحد قال الشافعي وإذ أقر الرجل بالزنا أو بشرب الخمر أو بالسرقة ثم رجع قبلت رجوعه قبل أن تأخذه السياط أو الحجارة أو الحديد وبعد. جاء بسبب أو لم يأت به عير أو ألم يعير قياسا على أن النبي ﷺ قال في ماعز: فهلا تركتموه وهكذا كل حد لله فأما ما كان للآدميين فيه حق فيلزمه ولا يقبل رجوعه فيه وأغرمه السرقة لأنها حق للآدميين وإذا دخل الرجل من أهل الحرب إلينا بأمان فسرق عندنا سرقة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: يضمن السرقة ولا يقطع لأنه لم يأخذ الأمان لتجري عليه الأحكام. وكان ابن أبي ليلى يقول: تقطع يده وبه يأخذ. ثم رجع إلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان فسرق ضمن السرقة ولا يقطع ويقال له: ننبذ إليك عهدك ونبلغك مأمنك لأن هذه دار لا يصلح أن يقيم فيها إلا من يجري عليه الحكم. قال الربيع: لا يقطع إذا كان جاهلا فإن كان عالما قطع. قال الشافعي رحمه الله: لا ينبغي لأحد أن يعطي أحدا أمانا على أن لا يجري عليه حكم الإسلام ما دام مقيما في دار الإسلام. ID ' ' سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت

صفحة : 2647


باب القضاء قال الشافعي رحمه الله: وإذا أثبت القاضي في ديوانه الإقرار وشهادة الشهود ثم رفع إليه ذلك وهو لا يذكر فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: لا ينبغي له أن يجيزه. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يجيز ذلك وبه يأخذ. قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إن كان يذكره ولم يثبته عنده أجازه وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجيزه حتى يثبته عنده وإن ذكره. قال الشافعي رحمه الله: وإذا وجد القاضي في ديوانه خطا لا يشك أنه خطه أو خط كاتبه بإقرار رجل لآخر أو يثبت حق عليه بوجه لم يكن له أن يقضي به حتى يذكر منه أو يشهد به عنده كما لا يجوز إذا عرف خطه ولم يذكر الشهادة أن يشهد وإذا جاء رجل بكتاب قاض إلى قاض والقاضي لا يعرف كتابه ولا خاتمه فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: لا ينبغي للقاضي الذي أتاه الكتاب أن يقبله حتى يشهد شاهدا عدل على خاتم القاضي وعلى ما في الكتاب كله إذا قرىء عليه عرف القاضي الكتاب والخاتم أو لم يعرفه ولا يقبله إلا بشاهدين على ما وصفت لأنه حق وهو مثل شهادة على شهادة ثم رجع أبو يوسف رحمه الله وقال: لا يقبل الكتاب حتى يشهد الشهود أنه قرأه عليهم وأعطاهم نسخة معهم يحضرونها هذا القاضي مع كتاب القاضي. وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا شهدوا على خاتم القاضي قبل ذلك منهم وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على كتاب القاضي إلى القاضي عرف المكتوب إليه كتاب القاضي وخاتمه أو لم يعرفه فهو سواء في الحكم ولا يقبل إلا بشاهدين عدلين يشهدان أن هذا كتاب فلان قاضي بلد كذا إلى فلان قاضي بلد كذا ويشهدان على ما في الكتاب إما بحفظ له وإما بنسخة معهما توافق ما فيه. ولا أرى أن يقبله مختوما وهما يقولان: لا ندري ما فيه لأن الخاتم قد يصنع على الخاتم ويبدل الكتاب. وإذا قال الخصم للقاضي: لا أقر ولا أنكر فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: لا أجبره على ذلك ولكنه يدعو المدعي بشهوده بهذا يأخذ قال: وكان ابن أبي ليلى لا يدعه حتى يقر أو ينكر. وكان أبو يوسف إذا سكت يقول له: احلف مرارا فإن لم يحلف قضى عليه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تنازع الرجلان وادعى أحدهما على الآخر دعوى فقال المدعى عليه لا أقر ولا أنكر قيل للمدعي: إن أردت أن نحلفه عرضنا عليه اليمين فإن حلف برىء إلا أن تأتي بينة وإن نكل قلنا لك: احلف على دعواك وخذ فإن أبيت لم نعطك بنكوله شيئا دون يمينك مع نكوله. وإذا أنكر الخصم الدعوى

صفحة : 2648

ثم جاء بشهادة الشهود على المخرج منه فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: أقبل ذلك منه. وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا أقبل منه بعد الإنكار مخرجا. وتفسير ذلك عن الرجل يدعي قبل الرجل الدين فيقول: ماله قبلي شيء فيقيم الطالب البينة على ماله ويقيم الآخر البينة أنه قد أوفاه إياه وقال أبو حنيفة: المطلوب صادق بما قال ليس قبلي شيء وليس قوله هذا بإكذاب لشهوده على البراءة. قال الشافعي رحمه الله: وإذا ادعى الرجل على الرجل دينا فأنكر المدعى عليه فأقام عليه المدعي بينة فجاء المشهود عليه بمخرج مما شهد به عليه قبلته منه وليس إنكاره الدين إكذابا للبينة فهو صادق أنه ليس عليه شيء في الظاهر إذا جاء بالمخرج منه ولعله أراد أولا أن يقطع عنه المؤنة. وإذا ادعى رجل قبل رجل دعوى فقال: عندي المخرج فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: ليس هذا عندي بإقرار إنما يقول: عندي البراءة وقد تكون عنده البراءة من الحق ومن الباطل وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: هذا إقرار فإن جاء بمخرج وإلا ألزمه الدعوى. وأبو حنيفة يقول: إن لم يأت بالمخرج لم تلزمه الدعوى إلا ببينة. قال الشافعي رحمه الله: وإذا ادعى الرجل على الرجل حقا فقال المدعى عليه: عندي منها المخرج فسأل المدعي القاضي أن يجعل هذا إقرارا يأخذه به إلا أن يجيء منه بالمخرج فليس هذا بإقرار لأنه قد يكون عنده المخرج بأن لا يقر به ولا يوجد عليه بينة ولا يأخذ المدعي إلا بينة يثبتها ويقبل من المدعى عليه المخرج وإن شهد عليه. قال: وإذا أقر الرجل عند القاضي بشيء فلم يقض به القاضي عليه ولم يثبته في ديوانه ثم خاصمه إليه فيه بعد ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله قال: إذا ذكر القاضي ذلك أمضاه عليه وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول: لا يمضي ذلك عليه وإن كان ذاكرا له حتى يثبته في ديوانه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل عند الحاكم فأثبت الحاكم إقراره في ديوانه أو كان ذاكرا لإقراره ولم يثبت في ديوانه فسواء. فإن كان ممن يأخذ بالإقرار عنده أخذه به ولا معنى للديوان إلا الذكر. وإذا كان القاضي ذاكرا فسواء كان في الديوان أو لم يكن. قال الربيع: وكان الشافعي يجيز الإقرار عند القاضي وإنما كره أن يتكلم بإجازته لحال ظلم بعض القضاة. ID ' ' عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها

صفحة : 2649


باب الفرية قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قال رجل لرجل من العرب: يا نبطي أو لست بني فلان لقبيلة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: لا حد عليه في ذلك وإنما قوله هذا مثل قوله: يا كوفي يا بصري يا شامي حدثنا أبو يوسف عمن حدثه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس بذلك. وأما قوله: لست من بني فلان فهو صادق ليس هو من ولد فلان لصلبه وإنما هو من ولد الولد إن القذف ههنا إنما وقع على أهل الشرك الذين كانوا في الجاهلية وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: فيهما جميعا الحد. قال الشافعي رحمه الله: وإذا قال رجل لرجل من العرب: يا نبطي وقفته. فإن قال: عنيت نبطي الدار أو نبطي اللسان أحلفته بالله ما أراد أن ينفيه وينسبه إلى النبط فإن حلف نهيته عن أن يقول ذلك القول وأدبته على الأذى. وإن أبى أن يحلف أحلفت المقول له لقد أراد نفيك فإذا حلف سألت القائل عمن نفى. فإذا قال: ما نفيته ولا قلت ما قال جعلت القذف واقعا على أم المقول له. فإن كانت حرة مسلمة حددته إن طلبت الحد فإن عفت فلا حد لها. وإن كانت ميتة فلابنها القيام بالحد. وإن قال: عنيت بالقذف الأب الجاهلي أحلفته ما عنى به أحدا من أهل الإسلام وعزرته ولم أحده. وإن قال: لست من بني فلان لجده ثم قال: إنما عنيت لست من بنيه لصلبه إنما أنت من بني بنيه لم أقبل ذلك منه وجعلته قاذفا لأمه. فإن طلبت الحد وهي حرة كان لها ذلك إلا أن يقول: نفيت الجد الأعلى الذي هو جاهلي فأعزره ولا أحده لأن القذف وقع على مشركة. وإذا قال الرجل لرجل: لست ابن فلان وأمه أمة أو نصرانية وأبوه مسلم فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا حد على القاذف إنما وقع القذف ههنا على الأم ولا حد على قاذفها وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول في ذلك: عليه الحد. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا نفى الرجل الرجل من أبيه وأم المنفي ذمية أو أمة فلا حد عليه لأن القذف إنما وقع على من لا حد له ولكنه ينكل عن أذى الناس بتعزير لا حد قال: وإذا قذف رجل فقال: يا ابن الزانيين وقد مات الأبوان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: إنما عليه حد واحد لأنها كلمة واحدة وبهذا يأخذ قلت: إن فرق القول أو جمعه فهو سواء وعليه حد واحد. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه حدان ويضربه الحدين في مقام واحد وقد فعل ذلك في المسجد. قال الشافعي رحمه الله: وإذا قال الرجل للرجل: يا ابن الزانيين وأبواه حران مسلمان ميتان فعليه حدان ولا يضربهما

صفحة : 2650

في موقف واحد ولكنه يحد ثم يحبس حتى إذا برأ جلده حد حدا ثانيا. وكذلك لو فرق القول أو جمعه أو قذف جماعة بكلمة واحدة أو بكلام متفرق فلكل واحد منهم حده ألا ترى أنه لو قذف ثلاثة بالزنا فلم يطلب واحد الحد وأقر آخر بالزنا حد للطالب الثالث حدا تاما. ولو كانوا شركاء في الحد ما كان ينبغي أن يضرب إلا ثلث حد لأن حدين قد سقطا عنه: أحدهما باعتراف صاحبه والآخر: بترك صاحبه الطلب وعفوه. وإذا كان الحد حقا لمسلم فكيف يبطل بحال أرأيت لو قتل رجل ثلاثة أو عشرة معا أما كان عليه لكل واحد منهم دية إن قتلهم خطأ وعليه القود إن قتلهم عمدا ودية لكل من لم يقد منه لأنهم لا يجدون إلى القود سبيلا وإذا قال الرجل للرجل: يا ابن الزانيين أو قالت المرأة للرجل: يا ابن الزانيين والأبوان حيان فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: إذا كانا حيين بالكوفة لم يكن على قاذفهما الحد إلا أن يأتيا يطلبان ذلك ولا يضرب الرجل حدين في مقام واحد وإن وجبا عليه جميعا وبه يأخذ. قال: ولا يكون في هذا أبدا إلا حد واحد. وكان ابن أبي ليلى يضربهما جميعا حدين في مقام واحد ويضرب المرأة قائمة ويضربهما حدين في كلمة واحدة ويقيم الحدود في المسجد. أظن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال: لا ولا يكون على من قذف بكلمة واحدة أو كلمتين أو جماعة أو فرادى إلا حد واحد فإن أخذه بعضهم فحد له كان لجميع ما قذف. بلغنا عن رسول الله ﷺ وبه يأخذ وقال: لا تقام الحدود في المساجد قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يقام على رجل حدان وجبا عليه في مقام واحد ولكنه يحد أحدهما ثم يحبس حتى يبرأ ثم يحد الآخر ولا يحد في مسجد. ومن قذف أبا رجل وأبوه حي لم يحد له حتى يكون الأب الذي يطلب. وإذا مات كان للابن أن يقوم بالحد. وإن كان له عدد بنين فأيهم قام به حد له وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يضرب الرجل حدين في مقام واحد وإن وجبا عليه جميعا ولكنه يقيم عليه أحدهما ثم يحبس حتى يخف الضرب ثم يضرب الحد الأخر. وإنما الحدان في شرب وقذف أو زنا وقذف أو زنا وشرب فأما قذف كله وشرب كله مرارا أو زنا مرارا فإنما عليه حد واحد. قال: ولو كان الأبوان المقذوفان حيين كانا بمنزلة الميتين في قول ابن أبي ليلى. وأما في قول أبي حنيفة: فلا حق للولد حتى يجيء الوالدان أو أحدهما يطلب قذفه وإنما عليه حد واحد في ذلك كله. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وتضرب الرجال في الحدود قياما وفي التعزير وتترك لهم أيديهم يتقون بها ولا تربط ولا

صفحة : 2651

يمدون وتضرب النساء جلوسا وتضم عليهن ثيابهن ويربطن لئلا ينكشفن ويلين رباط ثيابهن أو تليه منهن امرأة. وإذا قذف الرجل رجلا ميتا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا يأخذ بحد الميت إلا الولد أو الوالد وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول: يأخذ أيضا الأخ والأخت وأما غير هؤلاء فلا قال الشافعي رحمه الله تعالى: يأخذ حد الميت ولده وعصبته من كانوا وإذا قذف الرجل امرأته وشهد عليه الشهود بذلك وهو يجحد فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: إذا رفع إلى الإمام خبره حبسه حتى يلاعن وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: إذا جحد ضربته الحد ولا أجبره على اللعان منها إذا جحد. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على رجل أنه قذف امرأته مسلمة وطلبت أن يحد لها وجحد شهادتهما قيل له: إن لاعنت خرجت من الحد وإن لم تلاعن حددناك. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تزوج المرأة بغير مهر مسمى فدخل بها فإن لها مهر مثلها من نسائها لا وكس ولا شطط. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: نساؤها أخواتها وبنات عمها. وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: نساؤها أمها وخالاتها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تزوج الرجل المرأة بغير مهر فدخل بها فلها صداق مثلها من نسائها ونساؤها نساء عصبتها: الأخوات وبنات العم وليس الأم ولا الخالات إذا لم يكن بنات عصبتها من الرجال ونساؤها اللاتي يعتبر عليها بهن من كان مثلها من أهل بلدها وفي سنها وجمالها ومالها وأدبها وصراحتها لأن المهر يختلف باختلاف هذه الحالات وإذا زوج الرجل ابنته وهي صغيرة ابن أخيه وهو صغير يتيم في حجره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: النكاح جائز وله الخيار إذا أدرك وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجوز ذلك عليه حتى يدرك ثم رجع أبو يوسف وقال: إذا زوج الولي فلا خيار وهو مثل الأب. قال الشافعي رحمه الله: ولا يجوز نكاح الصغار من الرجال ولا من النساء إلا أن يزوجهن الآباء والأجداد إذا لم يكن لهن آباء فإنهم آباء. وإذا زوجهن أحد سواهم فالنكاح مفسوخ ولا يتوارثان فيه وإن كبرا فإن دخل عليها فأصابها فلها المهر ويفرق بينهما. ولو طلقها قبل أن يفسخ النكاح لم يقع طلاقه ولا ظهاره ولا إيلاؤه لأنها لم تكن زوجة قط. وإذا تزوج الرجل المرأة وامرأة أبيها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: هو جائز بلغنا ذلك عن عبد الله بن جعفر أنه فعل ذلك وبه يأخذ. تزوج عبد الله بن جعفر امرأة علي رضي الله عنه وابنته جميعا. وكان ابن أبي ليلى

صفحة : 2652

يقول: لا يجوز النكاح وقال: كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل لها نكاح صاحبتها فلا ينبغي للرجل أن يجمع بينهما. قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا بأس أن يجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها. قال الشافعي فإن قال قائل: لم زعمت أن الآباء يزوجون الصغار قيل: زوج أبو بكر رسول الله ﷺ عائشة وهي بنت ست أو سبع وبنى بها النبي ﷺ وهي بنت تسع فالحالان اللذان كان فيهما النكاح والدخول كانا وعائشة صغيرة ممن لا أمر لها في نفسها. وزوج غير واحد من أصحاب رسول الله ﷺ ابنته صغيرة. فإن قال قائل: فإذا أجزت هذا للآباء ولم تلتفت إلى القياس في أنه لا يجوز أن يعقد على حرة صغيرة نكاح ثم يكون لها الخيار لأن أصل النكاح لا يجوز أن يكون فيه خيار إلا في الإماء إذا تحولت حالهن. والحرائر لا تحول حالهن ولا يجوز أن يعقد عليهن ما لهن منه بد ثم يلزمهن. فكيف لم تجعل الأولياء قياسا على الآباء قيل: لافتراق الآباء والأولياء. وأن الأب يملك من العقد على ولده ما لا يملكه منه غيره. ألا ترى أنه يعقد على البكر بالغا ولا يرد عنها وإن كرهت ولا يكون ذلك للعم ولا للأخ ولا ولي غيره فإن قال قائل: فإنا لا نجيز للأب أن يعقد على البكر بالغا ونجعله فيها وفي الثيب مثل غيره من الأولياء. قيل: فأنت تجعل قبضه لمهر البكر قبضا ولا تجعل ذلك لولي غيره إلا وصي بمال. وتجعل عقدة عليها صغيرة جائزا لا خيار لها فيه وتجعل لها الخيار إن عقد عليها ولي غيره ولو كان مثل سائر الأولياء ما كنت قد فرقت بينه وبين الأولياء وهذا مكتوب في كتاب النكاح وإذا نظر الرجل إلى فرج المرأة من شهوة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: تحرم على ابنه وعلى أبيه وتحرم عليه أمها وابنتها. بلغنا ذلك عن إبراهيم وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه خلا بجارية له فجردها وأن ابنا له استوهبها منه فقال له إنها لا تحل لك. وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: ملعون من نظر إلى فرج امرأة وأمها وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يحرم من ذلك شيء ما لم يلمسه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا لمس الرجل الجارية حرمت على أبيه وابنه ولا تحرم عليه بالنظر دون اللمس. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا بأس أن يتزوج الرجل ابنة الرجل وامرأة الرجل فيجمع بينهما. لأن الله عز وجل إنما حرم الجمع بين الأختين وهاتان ليستا بأختين. وحرم الأم والبنت إحداهما بعد الأخرى وهذه ليست بأم ولا بنت. وقد جمع عبد الله بن جعفر بين امرأة علي رضي الله عنه وابنته. وعبد الله بن

صفحة : 2653

صفوان بين امرأة رجل وابنته. وإذا نظر الرجل إلى فرج أمته من شهوة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا تحل لأبيه ولا لابنه ولا تحل له أمها ولا بنتها وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى رضي الله عنه يقول: هي له حلال حتى يلمسها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا زنا الرجل بالمرأة فلا تحرم عليه هي إن أراد أن ينكحها ولا أمها ولا ابنتها لأن الله عز وجل إنما حرم بالحلال والحرام ضد الحلال وهذا مكتوب في كتاب النكاح من أحكام القرآن. وإذا تزوج الرجل المرأة بشاهدين من غير أن يزوجها ولي والزوج كفؤ لها فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: النكاح جائز. ألا ترى أنها لو رفعت أمرها إلى الحاكم وأبى وليها أن يزوجها كان للحاكم أن يزوجها ولا يسعه إلا ذلك ولا ينبغي له غيره فكيف يكون ذلك من الحاكم والولي جائزا ولا يجوز ذلك منها وهي قد وضعت نفسها في الكفاءة بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن امرأة زوجت ابنتها فجاء أولياؤها فخاصموا الزوج إلى علي رضي الله تعالى عنه فأجاز علي النكاح وكان ابن أبي ليلى لا يجيز ذلك. وقال أبو يوسف: هو موقوف وإن رفع إلى الحاكم وهو كفؤ أجزت ذلك كأن القاضي ها هنا ولي بلغه أن ابنته قد تزوجت فأجاز ذلك قال الشافعي رحمه الله تعالى: كل نكاح بغير ولي فهو باطل لقول النبي ﷺ أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا. وإذا تزوج الرجل المرأة فأعلن المهر وقد كان أسر قبل ذلك مهرا وأشهد شهودا عليه وأعلم الشهود أن المهر الذي يظهره فهو كذا وكذا سمعة يسمع بها القوم وأن أصل المهر هو كذا وكذا الذي في السر ثم تزوج فأعلن الذي قال فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: المهر هو الأول وهو المهر الذي في السر والسمعة باطل الذي أظهر للقوم وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: السمعة هي المهر والذي أسر باطل. أبو يوسف عن مطرف عن عامر قال: إذا أسر الرجل مهرا وأعلن أكثر من ذلك أخذ بالعلانية. أبو يوسف عن الحسن بن عمار عن الحكم عن شريح وإبراهيم مثله قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تزوج الرجل امرأة بمهر علانية وأسر قبل ذلك مهرا أقل منه فالمهر مهر العلانية الذي وقعت عليه عقدة النكاح إلا أن يكون شهود المهرين واحدا فيثبتون على أن المهر مهر السر وأن المرأة والزوج عقدا النكاح عليه وأعلنا الخطبة بمهر غيره أو يشهدون أن المرأة بعد العقد أقرت بأن ما شهد لها به منه سمعة لا مهر. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يجوز النكاح إلا بولي وشاهدي عدل ورضا المنكوحة والناكح والبكر فإن أباها

صفحة : 2654

يزوجها ومن لم يبلغ فإن الآباء يزوجونهم وهذا مكتوب في كتاب النكاح قال: وإذا زوج الرجل ابنته وقد أدركت فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: إذا كرهت ذلك لم يجر النكاح عليها لأنها قد أدركت وملكت أمرها فلا تكره على ذلك.. بلغنا عن رسول الله ﷺ أنه قال: البكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها. فلو كانت إذا كرهت أجبرت على ذلك لم تستأمر وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: النكاح جائز عليها وإن كرهت. قال الشافعي رحمه الله تعالى: إنكاح الأب خاصة جائز على البكر بالغة وغير بالغة والدلالة على ذلك قول رسول الله ﷺ الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها ففرق رسول الله ﷺ بينهما فجعل الأيم أحق بنفسها وأمر في هذه بالمؤامرة والمؤامرة قد تكون على استطابة النفس لأنه روي أن النبي ﷺ قال: وآمروا النساء في بناتهن ولقول الله عز وجل: وشاورهم في الأمر ولو كان الأمر فيهن واحدا لقال الأيم والبكر أحق بنفسيهما وهذا كله مستقصى بحججه في كتاب النكاح. وإذا تزوج الرجل المرأة ثم اختلفا في المهر فدخل بها وليس بينهما بينة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في ذلك: لها مهر مثلها إلا أن يكون ما ادعت أقل من ذلك فيكون لها ما ادعت. وكان ابن أبي ليلى يقول: إنما لها ما سمى لها الزوج وليس لها شيء غير ذلك وبه يأخذ. ثم قال أبو يوسف بعد: إن أقر الزوج بما يكون مهر مثلها أو قريبا منه قبل منه وإلا لم يقبل منه. قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا تزوج الرجل المرأة دخل بها أو لم يدخل بها فاختلفا في المهر تحالفا وكان لها مهر مثلها كان أقل مما ادعت أو أقل مما أقر به الزوج أو أكثر كالقول في البيوع الفائتة. إلا أنا لا نرد العقد في النكاح بما يرد به العقد في البيوع ونحكم له حكم البيوع الفائتة لأن البيوع الفائتة يحكم فيها بالقيمة وهذا يحكم فيه بالقيمة والقيمة فيه مهر مثلها كما هي في البيوع قيمة مثل السلعة. وإذا أعتقت الأمة وزوجها حر فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يجعل لها الخيار إن شاءت اختارت نفسها وإن شاءت أقامت مع زوجها. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا خيار لها. ومن حجة ابن أبي ليلى في بريرة أنه يقول: كان زوجها عبدا. ومن حجة أبي حنيفة في ذلك أنه يقول: إن الأمة لا تملك نفسها ولا نكاحها وقد بلغنا عن رسول الله ﷺ أنه خير بريرة حين عتقت وقد بلغنا عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان حرا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أعتقت الأمة فإن كانت تحت عبد فلها الخيار

صفحة : 2655

وإن كانت تحت حر فلا خيار لها. وذلك أن زوج بريرة كان عبدا وهذا مكتوب في كتاب النكاح. وإذا تزوجت وزوجها غائب كان قد نعي إليها فولدت من زوجها الآخر ثم جاء زوجها الأول فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: الولد للأول وهو صاحب الفراش. وقد بلغنا عن رسول الله ﷺ أنه قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر وكان ابن أبي ليلى يقول: الولد للآخر لأنه ليس بعاهر والعاهر الزاني لأنه متزوج وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله: وإذا بلغ المرأة وفاة زوجها فاعتدت ثم نكحت فولدت أولادا ثم جاء زوجها المنعي حيا فسخ النكاح الآخر واعتدت منه وكانت زوجة الأول كما هي. وكان الولد للآخر لأنه نكحها نكاحا حلالا في الظاهر حكمه حكم الفراش. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا لمس الرجل الجارية حرمت على أبيه وابنه ولا تحرم على أبيه وابنه بالنظر دون اللمس. باب الطلاق قال أبو يوسف عن الأشعث بن سوار عن الحكم عن إبراهيم عن ابن مسعود أنه كان يقول في الحرام: إن نوى يمينا فيمين وإن نوى طلاقا فطلاق وهو ما نوى من ذلك. وإذا قال الرجل: كل حل علي حرام فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى عنه كان يقول: القول قول الزوج فإن لم يعن طلاقا فليس بطلاق وإنما هي يمين يكفرها. وإن عنى الطلاق ونوى ثلاثا فثلاث وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وإن نوى طلاقا ولم ينو عددا فهي واحدة بائنة. وكذلك إذا قال لامرأته: هي علي حرام. وكذلك إذا قال لامرأته: خلية أو برية أو بائن أو بتة فالقول قول الزوج وهو ما نوى. إن نوى واحدة فهي واحدة بائنة وإن نوى ثلاثا فثلاث بلغنا ذلك عن شريح. وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة وإن لم ينو طلاقا فليس بطلاق غير أن عليه اليمين ما نوى طلاقا وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: في جميع ما ذكرت هي ثلاث تطليقات لا ندينه في شيء منها ولا نجعل القول قوله في شيء من ذلك. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لامرأته: أنت علي حرام. فإن نوى طلاقا فهو طلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق والقول في ذلك قوله مع يمينه. وإن لم يرد طلاقا فليس بطلاق ويكفر كفارة يمين قياسا على الذي يحرم أمته فيكون عليه فيها الكفارة لأن رسول الله ﷺ حرم أمته فأنزل الله عز وجل لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك وجعلها الله يمينا فقال: قد فرض الله لكم تحلة

صفحة : 2656

أيمانكم . وإذا قال الرجل لامرأته: أمرك في يدك فقالت: قد طلقت نفسي ثلاثا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: إذا كان الزوج نوى ثلاثا فهي ثلاث وإن كان نوى واحدة فهي واحدة بائنة وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: هي ثلاث ولا يسأل الزوج عن شيء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا خير الرجل امرأته أو ملكها أمرها فطلقت نفسها تطليقة فهو يملك الرجعة فيها كما يملكها لو ابتدأ طلاقها وكان أبو حنيفة يقول في الخيار: إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فلا شيء وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: إن اختارت نفسها فواحدة يملك بها الرجعة وإن اختارت زوجها فلا شيء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لامرأته ولم يدخل بها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق بانت بالأولى ولم يكن عليها عدة فتلزمها الثنتان. وإنما أحدث كل واحدة منهما لها وهي بائن منه حلال لغيره وهكذا قال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام وإذا قال الرجل لامرأته ولم يدخل بها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق طلقت بالتطليقة الأولى ولم يقع عليها التطليقتان الباقيتان وهذا قول أبي حنيفة. بلغنا عن عمر بن الخطاب وعن علي وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وإبراهيم بذلك لأن امرأته ليست عليها عدة فقد بانت منه بالتطليقة الأولى وحلت للرجال. ألا ترى أنها لو تزوجت بعد التطليقة الأولى قبل أن يتكلم بالثانية زوجا كان نكاحها جائزا. فكيف يقع عليها الطلاق وهي ليست بامرأته وهي امرأة غيره وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليها الثلاث التطليقات إذا كانت من الرجل في مجلس واحد على ما وصفت لك. وإذا شهد شاهد على رجل أنه طلق امرأته واحدة وشهد آخر أنه طلقها اثنتين فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول شهادتهما باطلة لأنهما قد اختلفا. وكان ابن أبي ليلى يقول: يقع عليها من ذلك تطليقة لأنهما قد اجتمعا عليها وبهذا يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد الرجل أنه سمع رجلا يقول لامرأته: أنت طالق واحدة. وشهد آخر أنه سمعه يقول لها: أنت طالق ثنتين فهذه شهادة مختلفة فلا تجوز. ولو شهدا فقالا: نشهد أنه طلق امرأته وقال أحدهما: قد أثبت الطلاق ولم أثبت عدده وقال الآخر: قد أثبت الطلاق وهو ثنتان لزمته واحدة لأنهما يجتمعان عليها. وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا وقد دخل بها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في ذلك: لها السكنى والنفقة حتى تنقضي عدتها وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لها السكنى وليس لها النفقة. وقال أبو حنيفة: لم وقد قال الله عز

صفحة : 2657

وجل في كتابه فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه جعل للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا ولا حبل بها فلها السكنى وليس لها نفقة وهذا مكتوب في كتاب الطلاق. وإذا آلى الرجل من امرأته فحلف لا يقربها شهرا أو شهرين أو ثلاثا لم يقم عليها بذلك إيلاء ولا طلاق لأن يمينه كانت على أقل من أربعة أشهر. حدثنا سعيد ابن أبي عروبة عن عامر الأحول عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو قول أبي حنيفة وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: هو مول منها إن تركها أربعة أشهر بانت بالإيلاء والإيلاء تطليقة بائنة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو أقل لم يقم عليه حكم الإيلاء لأن حكم الإيلاء إنما يكون بعد مضي الأربعة الأشهر فيوم يكون حكم الإيلاء يكون الزوج لا يمين عليه. وإذا لم يكن عليه يمين فليس عليه حكم الإيلاء وهذا مكتوب في كتاب الإيلاء. وإذا حلف الرجل لا يقرب امرأته في هذا البيت أربعة أشهر فتركها أربعة أشهر فلم يقربها فيه ولا في غيره فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: ليس عليه في هذا إيلاء. ألا ترى أن له أن يقربها في غير ذلك البيت ولا تجب عليه الكفارة وإنما الإيلاء كل يمين تمنع الجماع أربعة أشهر لا يستطيع أن يقربها إلا أن يكفر يمينه وبه يأخذ. وكان ابن أبي يقول في هذا: هو مول إن تركها أربعة أشهر بانت بالإيلاء والإيلاء تطليقة بائنة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا حلف الرجل لا يقرب امرأته في هذا البيت أو في هذه الغرفة أو في موضع يسميه فليس على هذا حكم الإيلاء إنما حكم الإيلاء على من كان لا يصل إلى أن يصيب امرأته بحال إلا لزمه الحنث فأما من يقدر على إصابة امرأته بلا حنث فلا حكم للإيلاء عليه. وإذا ظاهر الرجل من امرأته فقال: أنت علي كظهر أمي يوما أو وقت وقتا أكثر من ذلك فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: هو مظاهر منها لا يقربها في ذلك الوقت حتى يكفر كفارة الظهار فإذا مضى ذلك الوقت سقطت عنه الكفارة وكان له أن يقربها بغير كفارة وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: هو مظاهر منها أبدا وإن مضى ذلك الوقت فهو مظاهر لا يقربها حتى يكفر كفارة الظهار. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا ظاهر الرجل من امرأته يوما فأراد أن يقربها في ذلك اليوم كفر كفارة الظهار. وإن مضى ذلك اليوم ولم يقربها فيه فلا كفارة للظهار عليه كما قلنا في المسألة

صفحة : 2658

في الإيلاء: إذا سقطت اليمين سقط حكم اليمين والظهار يمين لا طلاق. وإذا ارتد الزوج عن الإسلام وكفر فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: بانت منه امرأته إذا ارتد لا تكون مسلمة تحت كافر وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: هي امرأته على حالها حتى يستتاب فإن تاب فهي امرأته وأن أبى قتل وكان لها ميراثها منه. قال الشافعي رحمه الله: وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فنكاح امرأته موقوف فإن رجع إلى الإسلام قبل أن تنقضي عدتها فهما على النكاح الأول وإن انقضت عدتها قبل رجوعه إلى الإسلام فقد بانت منه والبينونة فسخ بلا طلاق. وإن رجع إلى الإسلام فخطبها لم يكن هذا طلاقا وهذا مكتوب في كتاب المرتد. قال: وإذا رجعت المرأة من أهل الإسلام إلى الشرك كان هذا والباب الأول سواء في قولهما جميعا غير أن أبا حنيفة كان يقول: يعرض على المرأة الإسلام فإن أسلمت خلى سبيلها وإن أبت حبست في السجن حتى تتوب ولا تقبل. بلغنا ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وكان ابن أبي ليلى يقول: إن لم تتب قتلت وبه يأخذ. ثم رجع إلى قول أبي حنيفة وكيف تقتل وقد نهى رسول الله ﷺ عن قتل النساء في الحروب من أهل الشرك فهذه مثلهم. قال الشافعي رحمه الله: وإذا ارتدت المرأة عن الإسلام فلا فرق بينها وبين الرجل تستتاب فإن تابت وإلا قتلت كما يصنع بالرجل. فخالفنا في هذا بعض الناس فقال: يقتل الرجل إذا ارتد ولا تقتل المرأة. واحتج بشيء رواه عن ابن عباس لا يثبت أهل الحديث مثله وقد روي شبيه بذلك الإسناد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قتل نسوة ارتددن عن الإسلام فلم نر أن نحتج به إذا كان إسناده مما لا يثبته أهل الحديث واحتج من خالفنا بأن النبي ﷺ نهى عن قتل النساء في دار الحرب وقال: إذا نهى عن قتل المشركات اللاتي لم يؤمن فالمؤمنة التي ارتدت عن الإسلام أولى أن لا تقتل. قيل لبعض من يقول هذا القول: قد رويت أن النبي ﷺ نهى عن قتل الكبير الفاني وعن قتل الأجير ورويت أن أبا بكر الصديق نهى عن قتل الرهبان أفرأيت إن ارتد شيخ فان أو أجير أتدع قتلهما أو ارتد رجل راهب أتدع قتله قال: لا. قيل: ولم ألأن حكم القتل على الردة حكم قتل حد لا يسع الوالي تعطيله مخالف لحكم قتل المشركين في دار الحرب قال: نعم. قلت: فكيف احتججت بحكم دار الحرب في قتل المرأة ولم تره حجة في قتل الكبير الفاني والأجير والراهب ثم قلت لنا: أن ندع أهل الحرب بعد القدرة عليهم ولا نقتلهم وليس لنا أن ندع مرتدا فكيف ذهب عليك

صفحة : 2659

افتراقهما في المرأة فإن المرأة تقتل حيث يقتل الرجل في الزنا والقتل وإذا قال الرجل: كل امرأة أتزوجها فهي طالق فإن أبا حنيفة كان يقول: هو كما قال. وأي امرأة تزوجها فهي طالق واحدة وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يقع عليه الطلاق لأنه عمم فقال: كل امرأة أتزوجها فإذا سمى امرأة مسماة أو مصرا بعينه أو جعل ذلك إلى أجل فقولهما فيه سواء ويقع به الطلاق. قال الربيع: للشافعي فيه جواب. قال: وإذا قال الرجل لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق. أو قال: إذا تزوجت إلى كذا وكذا من الأجل امرأة فهي طالق. أو قال: كل امرأة أتزوجها من قرية كذا وكذا فهي طالق أو من بني فلان فهي طالق فهما جميعا كانا يقولان: إذا تزوج تلك فهي طالق. وإن دخل بها فإن أبا حنيفة كان يقول: لها مهر ونصف مهر. مهر بالدخول ونصف مهر بالطلاق الذي وقع عليها قبل الدخول وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لها نصف مهر ويفرق بينهما في قولهما جميعا قال: وإذا قذف الرجل امرأته وقد وطئت وطئا حراما قبل ذلك فإن أبا حنيفة كان يقول: لا حد عليه ولا لعان وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه الحد. ولو قذفها غير زوجها لم يكن عليه حد في قول أبي حنيفة. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليه الحد ينبغي في قول ابن أبي ليلى أن يكون مكان الحد اللعان. قال الشافعي وإذا وطئت المرأة وطئا حراما مما يدرأ عنها الحد فيه ثم قذفها زوجها سئل: فإن قذفها حاملا وانتفى من ولدها لوعن بينهما لأن الولد لا ينفى إلا بلعان. وإن قذفها غير حامل بالوطء الأول أو بزنا غيره فلا حد عليه وعليه التعزير. وكذلك إن قذفها بأجنبي فقال: عنيت ذلك الوطء الذي هو محرم فلا حد عليه وعليه التعزير. وإذا قال الرجل لامرأته: لا حاجة لي فيك فإن أبا حنيفة كان يقول: ليس هذا بطلاق وإن أراد به الطلاق وبه يأخذ. وقال أبو حنيفة: وكيف يكون هذا طلاقا وهو بمنزلة لا أشتهيك ولا أريدك ولا أهواك ولا أحبك فليس في شيء من هذا طلاق. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لامرأته: لا حاجة لي فيك. فإن قال: لم أرد طلاقا فليس بطلاق. وإن قال: أردت طلاقا فهو طلاق وهي واحدة إلا أن يكون أراد أكثر منها ولا يكون طلاقا إلا أن يكون أراد به إيقاع طلاق. فإن كان إنما قال: لا حاجة لي فيك سأوقع عليك الطلاق فلا طلاق حتى يوقعه بطلاق غير هذا. وإذا قذف الرجل وهو عبد امرأته وهي حرة وقد أعتق نصف العبد أحد الشريكين وهو يسعى للآخر في نصف قيمته فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: هو عبد ما بقي عليه شيء من

صفحة : 2660

السعاية وعليه حد العبد. وكان ابن أبي ليلى يقول: هو حر وعليه اللعان. وبه يأخذ. وكذلك لو شهد شهادة أبطلها أبو حنيفة وأجازها ابن أبي ليلى. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ويحد العبد والأمة في كل شيء. حد العبد والأمة حتى تكمل فيهما جميعا الحرية ولو بقي سهم من ألف سهم فهو رقيق. قال الشافعي رضي الله عنه: وكذلك لا يحد له حتى تكمل فيه الحرية ولا يقص له من جرح حتى يستكمل العبد الحرية. ولو قذف رجل هذا العبد الذي يسعى في نصف قيمته لم يكن عليه حد في قول أبي حنيفة لأنه بمنزلة العبد وكان على قاذفه الحد في قول ابن أبي ليلى وبه يأخذ. ولو قطع هذا العبد يد رجل متعمدا لم يكن عليه القصاص في قول أبي حنيفة وبه يأخذ وهو بمنزلة العبد وكان عليه القصاص في قول ابن أبي ليلى وهو بمنزلة الحر في كل قليل أو كثير أو حد أو شهادة أو غير ذلك وهو في قول أبي حنيفة بمنزلة العبد ما دام عليه درهم من قيمته. وكذلك هو في قولهما جميعا. لو أعتق جزء من مائة جزء أو بقي عليه جزء من مائة جزء من كتابته إن شاء الله تعالى. وإذا كانت أمة بين اثنين ولها زوج عبد أعتقها أحد مولييها وقضى عليها بالسعاية للآخر لم يكن لها خيار في النكاح في قول أبي حنيفة حتى تفرغ من السعاية وتعتق. وكان لها الخيار في قول ابن أبي ليلى يوم يقع العتق عليها وبه يأخذ. ولو طلقت يومئذ كانت عدتها وطلاقها في قول أبي حنيفة عدة أمة وطلاق أمة. وكانت عدتها وطلاقها في ابن أبي ليلى عدة حرة وطلاق حرة. ولو لم يكن لها زوج وأرادت أن تتزوج لم يكن لها ذلك حتى يأذن الذي له عليها السعاية. فهي في قول أبي حنيفة: بمنزلة الأمة وفي قول ابن أبي ليلى. بمنزلة الحرة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كانت أمة تحت عبد لم يكن لها الخيار حتى تكمل فيها الحرية فيوم تكمل فيها الحرية فلها الخيار فإن طلقت وهي لم تكمل فيها الحرية كانت عدتها عدة أمة وحكمها في كل شيء حكم أمة. وإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء فلان وفلان غائب لا يدرى أحي هو أو ميت أو فلان ميت قد علم بذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا يقع عليها الطلاق وبهذا يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: يقع عليها الطلاق قال أبو حنيفة: وكيف يقع عليها الطلاق ولم يشأ فلان قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء فلان وفلان ميت قبل ذلك. أو مات فلان بعد ما قال ذلك وقبل أن يشاء فلا تكون طالقا أبدا بهذا الطلاق. إذ لو كان فلان حاضرا حيا ولم يشأ لم تطلق وإنما يتم الطلاق بمشيئته فإذا مات قبل أن يشاء

صفحة : 2661

علمنا أنه لا يشاء أبدا ولم يشأ قبل فتطلق بمشيئته. وإذا قذف الرجل امرأته وقامت لها البينة وهو يجحد فإن أبا حنيفة كان يقول: يلاعن وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يلاعن ويضرب الحد. وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال له مولاه: طلقها. فإن أبا حنيفة كان يقول: ليس هذا بإقرار بالنكاح إنما أمره بأن يفارقها فكيف يكون هذا إقرارا بالنكاح وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول هذا إقرار بالنكاح. قال الشافعي رحمه الله: وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال له مولاه: طلقها فليس هذا بإقرار بالنكاح من مولاه في قول من يقول: إن أجازه مولاه فالنكاح يجوز. وأما في قولنا: فلو أجازه له المولى لم يجز لأن أصل ما نذهب إليه أن كل عقدة نكاح وقعت والجماع لا يحل أن يكون فيها أو لأحد فسخها فهي فاسدة لا نجيزها إلا أن تجدد ومن أجازها بإجازة أحد بعدها فإن لم يجزها كانت مفسوخة دخل عليه أن يجيز أن ينكح الرجل المرأة على أنه بالخيار وعلى أنها بالخيار والخيار لا يجوز عنده في النكاح كما يجوز في البيوع. وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة بائنة فأراد أن يتزوج في عدتها خامسة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا أجيز ذلك وأكرهه له. وكان ابن أبي ليلى يقول: هو جائز وبه يأخذ. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا فارق الرجل امرأته بخلع أو فسخ نكاح كان له أن ينكح أربعا وهي في العدة. وكان له إن كان لا يجد طولا لحرة وخاف العنت على نفسه أن ينكح أمة مسلمة لأن المفارقة التي لا رجعة له عليها غير زوجة. وإذا طلق الرجل امرأة ثلاثا وهو مريض فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: إن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها منه وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لها الميراث ما لم تتزوج. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقي له عليها غيرها وهو مريض ثم مات بعد انقضاء عدتها فإن عامة أصحابنا يذهبون: إلى أن لها منه الميراث ما لم تتزوج. وقد خالفنا في هذا بعض الناس بأقاويل فقال أحدهم: لا يكون لها الميراث في عدة ولا في غير عدة وهذا قول ابن الزبير. وقال غيره: هي ترثه ما لم تنقض العدة ورواه عن عمر بإسناد لا يثبت مثله عند أهل العلم بالحديث وهو مكتوب في كتاب الطلاق. وقال غيره: ترثه وإن تزوجت. قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا ترث مبتوتة في عدة كانت أو غير عدة. وهو قول: ابن الزبير وعبد الرحمن طلق امرأته إن شاء الله على أنها لا ترث وأجمع المسلمون أنه إذا طلقها ثلاثا ثم آلى منها لم يكن موليا وإن تظاهر لم يكن متظاهرا وإذا قذفها لم يكن له أن

صفحة : 2662

يلاعنها ويبرأ من الحد وإن ماتت لم يرثها. فلما أجمعوا جميعا أنها خارجة من معاني الأزواج لم ترثه. وإذا طلق الرجل امرأته في صحته ثلاثا فجحد ذلك الزوج وادعته عليه المرأة ثم مات الرجل بعد أن استحلفه القاضي فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: لا ميراث لها وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لها الميراث إلا أن تقر بعد موته أنه كان طلقها ثلاثا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا ادعت المرأة على زوجها أنه طلقها ثلاثا البتة فأحلفه القاضي بعد إنكاره وردها عليه ثم مات لم يحل لها أن ترث منه شيئا إن كانت تعلم أنها صادقة ولا في الحكم بحال لأنها تقر أنها غير زوجة. فإن كانت تعلم أنها كاذبة حل لها فيما بينها وبين الله أن ترثه. وإذا خلا الرجل بامرأته وهي حائض أو وهي مريضة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لها نصف المهر وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لها المهر كاملا. وإذا قال الرجل لامرأته: إن ضممت إليك امرأة فأنت طالق واحدة فطلقها فبانت منه وانقضت العدة ثم تزوج امرأة أخرى ثم تزوج تلك المرأة التي حلف عليها فإن أبا حنيفة كان يقول: لا يقع عليها الطلاق من قبل أنه لم يضمها إليها وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: يقع عليها الطلاق. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لامرأته: إن ضممت إليك امرأة فأنت طالق ثلاثا فطلقها وانقضت عدتها ثم نكح غيرها ثم نكحها بعد نكاحا جديدا فلا طلاق عليها. وهو لم يضم إليها امرأة إنما ضمها هي إلى امرأة. وإذا قال الرجل: إن تزوجت فلانة فهي طالق فتزوجها على مهر مسمى ودخل بها فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: هي طالق واحدة بائنة وعليها العدة ولها مهر ونصف. نصف من ذلك بالطلاق ومهر بالدخول وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: لها نصف مهر بالطلاق وليس لها بالدخول شيء. ومن حجته في ذلك: أن رجلا آلى من امرأته فقدم بعد أربعة أشهر فدخل بامرأته ثم أتى ابن مسعود فأمره أن يخطبها وأصدقها صداقا مستقبلا ولم يبلغنا أنه جعل في ذلك الوطء صداقا ومن حجة أبي حنيفة أنه قال: قد وقع الطلاق قبل الجماع فوجب لها نصف المهر وجامعها بشبهة فعليه المهر. ولو لم أجعل عليه المهر جعلت عليه الحد. وقال أبو حنيفة: كل جماع يدرأ فيه الحد ففيه صداق لا بد من الصداق إذا درأت الحد وجب الصداق وإذا لم أجعل الصداق فلا بد من الحد. قال أبو يوسف: حدثني محدث عن حماد عن إبراهيم أنه قال: فيه لها مهر ونصف مهر مثل قول أبي حنيفة. وإذا قال الرجل لامرأته إن

صفحة : 2663

دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فدخلت الدار فإن أبا حنيفة وابن أبي ليلى قالا: لا يقع الطلاق. ولو قال: أنت طالق إن شاء الله ولم يقل: إن دخلت الدار فإن أبا حنيفة رضي الله عنه قال: لا يقع الطلاق. وقال هذا والأول سواء وبه يأخذ. أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم. أنه قال في ذلك: لا يقع الطلاق ولا العتاق. وأخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: لا يقع الطلاق. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء الله تعالى فلا طلاق ولا عتاق. وإذا طلق الرجل امرأته واحدة فانقضت عدتها فتزوجت زوجا ودخل بها ثم طلقها ثم تزوجها الأول فإن أبا حنيفة قال: هي على الطلاق كله وبه يأخذ. وقال ابن أبي ليلى: هي على ما بقي. قال الشافعي وإذا طلق الرجل امرأته واحدة أو اثنتين فانقضت عدتها ونكحت زوجا غيره ثم أصابها ثم طلقها أو مات عنها فانقضت عدتها فنكحت الزوج الأول فهي عنده على ما بقي من الطلاق يهدم الزوج الثاني الثلاث ولا يهدم الواحدة ولا الثنتين. وقولنا هذا قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعدد من كبار أصحاب النبي ﷺ وقد خالفنا في بعض هذا بعض الناس فقال: إذا هدم الزوج ثلاثا هدم واحدة واثنتين واحتج بقول ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وسألنا فقال: من أين زعمتم أن الزوج يهدم الثلاث ولا يهدم ما هو أقل منها. قلنا: زعمناه بالأمر الذي لا ينبغي لأحد أن يدفعه. قال: وما هو قلنا: حرمها الله بعد الثلاث حتى تنكح زوجا غيره وبين رسول الله ﷺ عن الله عز وجل أن النكاح الذي أحلها الله به بعد الثلاث إصابة الزوج وكانت محرمة قبل الزوج لا تحل بحال إلا بالزوج فكان للزوج حكم هدم الثلاث لهذا المعنى وكانت في الواحدة والثنتين حلالا فلم يكن للزوج هاهنا حكم فزعمنا أنه يهدم حيث كانت لا تحل له إلا به وكان حكمه قائما ولا يهدم لا حكم له وحيث كانت حلالا بغيره. وكان أصل المعقول أن أحدا لا يحل له بفعل غيره شيء فلما أحل الله له بفعل غيره أحللنا له حيث أحل الله له ولم يجز أن نقيس عليه ما خالفه لو كان الأصل للمعقول فيه وقد رجع إلى هذا القول محمد بن الحسن بعد ما كان يقول بقول أبي حنيفة والله أعلم. ID ' ' فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.

صفحة : 2664


باب الحدود قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أقيم الحد على البكر وجلد مائة جلدة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا أنفيه من قبل أنه بلغنا عن علي بن أبي طالب أنه نهى عن ذلك وقال: كفى بالنفي فتنة وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: ينفى سنة إلى بلد غير البلد الذي فجر به وروي ذلك عن رسول الله ﷺ وعن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما. قال الشافعي وينفى الزانيان البكران من موضعهما الذي زنيا به إلى بلد غيره بعد ضرب مائة وقد نفى النبي ﷺ الزاني ونفى أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم وقد خالف هذا بعض الناس وهذا مكتوب في كتاب الحدود بحججه. وإذا زنى المشركان وهما ثيبان فإن أبا حنيفة رضي الله عنه قال: ليس على واحد منهما الرجم. وكان ابن أبي ليلى يقول: عليهما الرجم ويروى ذلك عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله ﷺ أنه رجم يهوديا ويهودية وبه يأخذ أبو يوسف قال أبو حنيفة لا تقام الحدود في المساجد وروي ذلك عن رسول الله ﷺ وبه يأخذ. وكان ابن أبي ليلى يقول: نقيم الحدود في المساجد وقد فعل ذلك. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تحاكم إلينا أهل الكتاب ورضوا أن نحكم بينهم فترافعوا في الزنا وأقروا به رجمنا الثيب وضربنا البكر مائة ونفيناه سنة. وقد رجم رسول الله ﷺ يهوديين زنيا وهو معنى كتاب الله تبارك وتعالى. فإن الله عز وجل يقول لنبيه ﷺ: وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط وقال: وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا يجوز أن يحكم بينهم في شيء من الدنيا إلا بحكم المسلمين لأن حكم الله واحد لا يختلف. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا تقام الحدود في المساجد. وإذا وطىء الرجل لم يحد وبه يأخذ وعليه المهر. وقال ابن أبي ليلى: وأنا أسمع أقر عندي رجل أنه وطىء جارية أمه فقال له: أوطئتها. قال: نعم فقال له: أوطئتها قال: نعم. فقال له: أوطئتها قال: نعم. قال له الرابعة: وطئتها قال: نعم. قال ابن أبي ليلى: فأمرت به فجلد الحد وأمرت الجلواز فأخذه بيده فأخرجه من باب الجسر نفيا. قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أصاب الرجل جارية أمه وقال: ظننتها تحل لي أحلف ما وطئها إلا وهو يراها حلالا ثم درىء عند الحد وأغرم المهر. فإن قال: قد علمت أنها حرام علي قبل الوطء ثم وطئتها حد ولا يقبل هذا إلا ممن أمكن فيه أنه يجهل مثل هذا.

صفحة : 2665

فأما من أهل الفقه فلا قال أبو حنيفة: ليس ينبغي للحاكم أن يقول له: أفعلت ولا نوجب عليه الحد بإقرار أربع مرات في مقام واحد. ولو قال: وطئت جارية أمي في أربعة مواطن لم يكن عليه حد لأن الوطء قد يكون حلالا وحراما فلم يقر هذا بالزنا والله أعلم. اختلاف علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أبواب الوضوء والغسل والتيمم أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن علية عن شعبة عن عمرو بن مرة عن زاذان قال: سأل رجل عليا رضي الله عنه عن الغسل فقال: اغتسل كل يوم إن شئت فقال: لا الغسل الذي هو الغسل قال: يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر وهم لا يرون شيئا من هذا واجبا. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا هشيم عن خالد عن أبي إسحاق أن عليا رضي الله عنه قال: في التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين هكذا يقولون ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين. باب الوضوء قال الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن أبي السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال: توضأ علي رضي الله تعالى عنه فغسل ظهر قدميه وقال: لولا أني رأيت رسول الله ﷺ يمسح ظهر قدميه لظننت أن باطنهما أحق أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان قال: رأيت عليا رضي الله عنه بال ثم توضأ ومسح على النعلين ثم دخل المسجد فخلع نعليه وصلى ابن مهدي عن سفيان عن حبيب عن زيد بن وهب أنه رأى عليا رضي الله عنه فعل ذلك ابن مهدي عن سفيان عن الزبير بن عدي عن أكتل بن سويد بن غفلة أن عليا رضي الله عنه فعل ذلك. محمد بن عبيد عن محمد بن أبي إسماعيل عن معقل الخثعمي أن عليا فعل ذلك. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولسنا ولا إياهم ولا أحد نعلمه يقول بهذا من المفتين. خالد بن عبد الله الواسطي عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه في الفأرة تقع في البئر فتموت قال: تنزح حتى تغلبهم قال: ولسنا ولا إياهم نقول بهذا. أما نحن فنقول بما روينا عن رسول الله ﷺ: إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا وأما هم فيقولون: ينزح منها عشرون أو ثلاثون دلوا. عمرو بن الهيثم عن شعبة عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله بأبي أنت

صفحة : 2666

وأمي إن أبي قد مات قال: اذهب فواره . فقلت: إنه مات مشركا قال: اذهب فواره فواريته ثم أتيته قال: اذهب فاغتسل وهم لا يقولون بهذا. هم يزعمون أنه ليس على من مس ميتا مشركا غسل ولا وضوء. عمرو بن الهيثم عن الأعمش عن إبراهيم بن أبي عبيدة عن عبد الله قال: القبلة من اللمس وفيها الوضوء عن شعبة عن مخارق عن طارق عن عبد الله مثله وهم يخالفون هذا فيقولون: لا وضوء من القبلة ونحن نأخذ بأن في القبلة الوضوء وقال ذلك ابن عمر وغيره. وعن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عبد الله أنه قال: الماء من الماء. قال الشافعي ولسنا ولا إياهم نقول بهذا نقول: إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل وهذا القول كان في أول الإسلام ثم نسخ. قال الشافعي أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: الجنب لا يتيمم. وليسوا يقولون بهذا ويقولون: لا نعلم أحدا يقول به. ونحن نروي عن النبي ﷺ أنه أمر الجنب أن يتيمم ورواه ابن علية عن عوف الأعرابي عن أبي رجاء عن عمران بن حصين عن النبي ﷺ أنه أمر رجلا أصابته جنابة أن يتيمم ويصلي. قال الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الحرث بن الأزمع قال: سمعت ابن مسعود يقول: إذا غسل الجنب رأسه بالخطمي فلا يعيد له غسلا وليسوا يقولون بهذا. يقولون: ليس الخطمي بطهور وإن خالطه الماء الطهور إنما الطهور الماء محضا. فأما غسل رأسه بالماء بعد الخطمي أو قبله فأما الخطمي فلا يطهر وحده. ID ' ' ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال

صفحة : 2667


أبواب الصلاة قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن الحنفية أن عليا رضي الله تعالى عنه أخبره أن رسول الله ﷺ قال: مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم وبهذا نقول نحن: لا يحرم بالصلاة إلا التكبير. وقال صاحبهم: يحرم بها بغير التكبير بالتسبيح ورجع صاحباه إلى قولنا وقولنا: لا تنقضي الصلاة إلا بالتسليم. فمن عمل عملا مما يفسد الصلاة فيما بين أن يكبر إلى أن يسلم فقد أفسدها. لا فيما بين أن يكبر إلى أن يجلس قدر التشهد. قال الشافعي أخبرنا ابن علية عن شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله تعالى عنه قال: إذا وجد أحدكم في صلاته في بطنه رزا أو قيئا أو رعافا فلينصرف فليتوضأ فإن تكلم استقبل الصلاة وإن لم يتكلم احتسب بما صلى وليسوا يقولون بهذا. يقولون: ينصرف من الرز وإن انصرف من الرعاف فصلاته تامة. ويخالفونه في بعض قوله ويوافقونه في بعضه. وإن كانوا يثبتون هذه الرواية فيلزمهم أن يقولوا في الرز ما يقولون في الرعاف لأنه لم يخالفه في الرز غيره من أصحاب النبي ﷺ علمته. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا هشيم عن حصين قال: حدثنا أبو ظبيان قال: كان علي رضي الله عنه يخرج إلينا ونحن ننظر إلى تباشير الصباح فيقول: الصلاة الصلاة فإذا قام الناس قال: نعم ساعة الوتر هذه. فإذا طلع الفجر صلى ركعتين ثم أقيمت الصلاة قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة عن شبيب بن غرقدة عن حيان بن الحرث قال: أتيت عليا رضي الله عنه وهو معسكر بدير أبي موسى فوجدته يطعم فقال: ادن فكل فقلت: إني أريد الصوم فقال: وأنا أريده فدنوت فأكلت فلما فرغ قال: يا ابن التياح أقم الصلاة . وهذان خبران عن علي رضي الله عنه كلاهما يثبت أنه كان يغلس بأقصى غاية التغليس. وهم يخالفونه فيقولون: يسفر بالفجر أشد الإسفار. ونحن نقول بالتغليس به وهو يوافق ما روينا من حديث النبي ﷺ في التغليس. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا هشيم وغيره عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قيل: ومن جار المسجد قال: من أسمعه المنادي. ونحن وهم نقول: يجب لمن لا عذر له أن لا يتخلف عن المسجد فإن صلى فصلاته تجزي عنه إلا أنه قد ترك موضع الفضل. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا وكيع عن الأعمش عن

صفحة : 2668

عمرو بن مرة عن زاذان أن عليا رضي الله عنه كان يغتسل من الحجامة ولسنا ولا إياهم نقول بهذا. قال الشافعي أخبرنا شريك عن عمران بن ظبيان عن حكيم بن سعد أن رجلا من الخوارج قال لعلي رضي الله عنه: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك الآية فقال علي رضي الله عنه: فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون وهو راكع وهم يقولون: من فعل هذا يريد به الجواب فصلاته فاسدة. قال الشافعي أخبرنا ابن علية عن شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: إذا ركعت فقلت: اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت . فقد تم ركوعك. وهذا عندهم كلام يفسد الصلاة وهم يكرهون هذا. وهذا عندي كلام حسن وقد روى عن النبي ﷺ شبيه به ونحن نأمر بالقول به وهم يكرهونه. قال الشافعي أخبرنا ابن علية عن خالد الحذاء عن عبد الله بن الحرث عن الحرث الهمداني عن علي رضي الله تعالى عنه كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وزاد ابن علية عن شعبة عن أبي إسحاق ونسي إسناده. وهم يكرهون هذا ولا يقولون به. قال الشافعي أخبرنا هشيم عن مغيرة عن أبي رزين: أن عليا رضي الله عنه كان يسلم عن يمينه وعن شماله سلام عليكم سلام عليكم قال الشافعي أخبرنا ابن علية عن شعبة عن الأعمش عن أبي رزين عن علي رضي الله عنه مثله سواء. وليسوا يأخذون به ويزيدون فيه: ورحمة الله وبركاته قال الشافعي أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن معقل أن عليا رضي الله عنه قنت في المغرب يدعو على قوم بأسمائهم وأشياعهم فقلنا: آمين. هشيم عن رجل عن ابن معقل: أن عليا رضي الله عنه قنت بهم فدعا على قوم يقول: اللهم العن فلانا بادئا وفلانا حتى عد نفرا. وهم يفسدون صلاة من دعا لرجل باسمه أو دعا على رجل فسماه باسمه. ونحن لا نفسد بهذا صلاته لأنه يشبه ما روينا عن النبي ﷺ. زيد بن الحباب عن سفيان عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي رضي الله عنه أن رجلا قال: إني صليت ولم أقرأ قال: أتممت الركوع والسجود قال: نعم قال: تمت صلاتك وهم لا يقولون بهذا ويزعمون أن عليه إعادة الصلاة هشيم عن منصور عن الحسن عن علي رضي الله تعالى عنه: اقرأ فيما أدركت مع الإمام وهم لا يقولون بهذا يقولون: إنما يقرأ فيما يقضي لنفسه فأما وهو وراء الإمام فلا قراءة عليه. ونحن