الحكم بين أهل الذمة
قال الشافعي رحمه الله تعالى لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير أن رسول الله ﷺ لما نزل بالمدينة وادع يهود كافة على غير جزية وأن قول الله عز وجل فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم إنما نزلت في اليهود الموادعين الذين لم يعطوا جزية ولم يقروا بأن يجري عليهم الحكم وقال بعض نزلت في اليهوديين اللذين زنيا قال الشافعي رحمه الله تعالى والذي قالوا يشبه ما قالوا لقول الله عز وجل وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله وقوله تبارك وتعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك الآية يعني والله تعالى أعلم إن تولوا عن حكمك بغير رضاهم وهذا يشبه أن يكون ممن أتى حاكما غير مقهور على الحكم والذين حاكموا إلى رسول الله ﷺ في امرأة منهم ورجل زنيا موادعون وكان في التوراة الرجم ورجوا أن لا يكون من حكم رسول الله ﷺ الرجم فجاءوا بهما فرجمهما رسول الله ﷺ قال وإذا وادع الإمام قوما من أهل الشرك ولم يشترط أن يجري عليهم الحكم ثم جاءوه متحاكمين فهو بالخيار بين أن يحكم بينهم أو يدع الحكم فإن اختار أن يحكم بينهم حكم بينهم حكمه بين المسلمين لقول الله عز وجل وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط والقسط حكم الله عز وجل الذي أنزله عليه ﷺ قال الشافعي رحمه الله تعالى وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا جاءوه في حد لله عز وجل وعليه أن يقيمه ولا يفارقون الموادعين إلا في هذا الموضع ثم على الإمام أن يحكم على الموادعين حكمه على المسلمين إذا جاءوه فإن امتنعوا بعد رضاهم بحكمه حاربهم وسواء في أن له الخيار في الموادعين إذا أصابوا حد الله أو حدا فيما بينهم لأن المصاب منه الحد لم يسلم ولم يقر بأن يجري عليه الحكم ID ' ' هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب
صفحة : 1440
الحكم بين أهل الجزية قال الشافعي قال الله عز وجل حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون قال الشافعي رحمه الله تعالى فكان الصغار والله تعالى أعلم أن يجري عليهم حكم الإسلام وأذن الله بأخذ الجزية منهم على أن قد علم شركهم به واستحلالهم لمحارمه فلا يكشفوا عن شيء مما استحلوا بينهم ما لم يكن ضررا على مسلم أو معاهد أو مستأمن غيرهم وإن كان فيه ضرر على أحد من أنفسهم لم يطلبه لم يكشفوا عنه فإذا أبى بعضهم على بعض ما فيه له عليه حق فأتى طالب الحق إلى الإمام يطلب حقه فحق لازم للإمام والله تعالى أعلم أن يحكم له على من كان له عليه حق منهم وإن لم يأته المطلوب راضيا بحكمه وكذلك إن أظهر السخطة لحكمه لما وصفت من قول الله عز وجل وهم صاغرون ولا يجوز أن تكون دار الإسلام دار مقام لمن يمتنع من الحكم في حال ويقال نزلت وأن احكم بينهم بما أنزل الله فكان ظاهر ما عرفنا أن يحكم بينهم والله تعالى أعلم قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن جاءت امرأة رجل منهم تستعدي عليه بأنه طلقها أو آلى منها حكمت عليه حكمي على المسلمين فألزمته الطلاق وفيئية الإيلاء فإن فاء وإلا أخذته بأن يطلق وإن قالت تظاهر مني أمرته أن لا يقربها حتى يكفر ولا يجزئه في كفارة الظهار إلا رقبة مؤمنة وكذلك لا يجزئه في القتل إلا رقبة مؤمنة قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن قال قائل فكيف يكفر الكافر قيل كما يؤدي الواجب وإن كان لا يؤجر على أدائه من دية أو أرش جرح أو غيره وكما يحد وإن كان لا يكفر عنه بالحد لشركه فإن قال فيكفر عنه خطيئة الحد قيل فإن جاز أن يكفر خطئية الحد جاز أن يكفر عنه خطيئة الظهار واليمين وإن قيل يؤدي ويؤخذ منه الواجب وإن لم يؤجر وإن لم يكفر عنه قيل وكذلك الظهار والأيمان والرقبة في القتل فإن جاءنا يريد أن يتزوج لم نزوجه إلا كما يزوج المسلم برضا من الزوجة ومهر وشهود عدول من المسلمين وإن جاءتنا امرأة قد نكحها تريد فساد نكاحها بأنه نكحها بغير شهود مسلمين أو غير ولي وما يرد به نكاح المسلم مما لا حق فيه لزوج غيره لم يرد نكاحه إذا كان اسمه عندهم نكاحا لأن النكاح ماض قبل حكمنا فإن قال قائل من أين قلت هذا قلت قال الله تبارك وتعالى في المشركين بعد إسلامهم اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا وقال وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم فلم يأمرهم برد ما بقي من الربا وأمرهم بأن لا يأخذوا ما لم يقبضوا منه ورجعوا منه إلى رءوس أموالهم وأنفذ رسول الله ﷺ نكاح المشرك بما كان قبل حكمه وإسلامهم وكان
صفحة : 1441
مقتضيا ورد ما جاوز أربعا من النساء لأنهن بواق فتجاوز عما مضى كله في حكم الله عز وجل وحكم رسوله وكانت لرسول ﷺ ذمة وأهل هدنة يعلم أنهم ينكحون نكاحهم ولم يأمرهم بأن ينكحوا غيره ولم نعلمه أفسد لهم نكاحا ولا منع أحدا منهم أسلم امرأته وأمرأته امرأة بالعقد المتقدم في الشرك بل أقرهم على ذلك النكاح إذا كان ماضيا وهم مشركون وإن كانوا معاهدين ومهادنين وهكذا إن جاءنا رجلان منهم قد تبايعا خمرا ولم يتقابضاها أبطلنا البيع وإن تقابضاها لم نرده لأنه قد مضى وإن تبايعاها فقبض المشتري بعضا ولم يقبض بعضا لم يرد المقبوض ورد ما لم يقبض وهكذا بيوع الربا كلها ولو جاءتنا نصرانية قد نكحها مسلم بلا ولي أو شهود نصارى أفسدنا النكاح لأنه ليس للمسلم أن يتزوج أبدا غير تزويج الإسلام فننفذ له ولو جاءنا نصراني باع مسلما خمرا أو نصارني ابتاع من مسلم خمرا تقابضاها أو لم يتقابضاها أبطلناها بكل حال ورددنا المال إلى المشتري وأبطلنا ثمن الخمر عنه إن كان المسلم المشرتي لها لم يملك خمرا وإن كان البائع لها لم يكن له أن يملك ثمن خمر ولا آمر الذمي أن يرد الخمر على المسلم وأهريقها على الذمي إذا كان ملكها على المسلم لأنها ليست كماله وإن كان المسلم القابض للخمر يرد ثمن الخمر على المسلم وأهريقت الخمر لأني لا أقضي على مسلم أن يرد خمرا ويجوز أن أهريقها لأن الذمي عصى بإخراجها إلى المسلم مع معصيته بملكها وأخرجها طائعا فأدبته بإهراقها ولم أكن أهريقها ولم يأذن فيها إنما أهريقها بعد ما أذن فيها بالبيع وإن جاءتنا امرأة الذمي قد نكحته في بقية من عدتها من زوج غيره فرقنا بينه وبينها لحق الزوج الأول وليس هذا كفساد عقدة نجيرها له إذا كانت جائزة عنده لا ضرر فيها على غيره ولا تجوز في الإسلام بحال وإن طلق رجل امرأته ثلاثا ثم تزوجها وذلك جائز عنده فسخنا النكاح وجعلنا لها مهر مثلها إن أصابها ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره يصيبها فإذا نكحت زوجا غير مسلما أو ذميا فأصابها حل له نكاحها قال الشافعي رحمه الله تعالى وتبطل بينهم البيوع التي تبطل بين المسلمين كلها فإذا مضت واستهلكت لم نبطلها إنما نبطلها ما كانت قائمة وإن جاءنا عبد أحدهم قد أعتقه أعتقنا عليه وإن كاتبه كتابة جائزة عندنا أجزناها له أو أم ولد يريد بيعها لم ندعه يبيعها في قول من لا يبيع أم الولد ويبيعها في قول من يبيع أم الولد فإذا أسلم عبد الذمي بيع عليه فإن أعتقه الذمي أو وهبه أو تصدق به وأقبضه فكل ذلك جائز لأنه مالكه وولاؤه للذمي لأنه الذي أعتقه ولا يرثه إن مات بالولاء لاختلاف الدينين فإن أسلم قبل أن يموت ثم مات ورثه بالولاء
صفحة : 1442
وهكذا أمته فإن أسلمت أم ولده عزل عنها وأخذ بنفقتها وكان له أن يؤاجرها فإذا مات فهي حرة وإن دبر عبدا له فأسلم العبد قبل موت السيد ففيها قولان أحدهما أن يباع عليه كما يباع عبده لو قال له أنت حر إذا دخلت الدار أو كان غد أو جاء شهر كذا والآخر لا يباع حتى يموت فيعتق إلا أن يشاء السيد بيعه فإذا شاء جاز بيعه وإن كاتب عبده فأسلم العبد قيل للمكاتب إن شئت فاترك الكتابة وتباع وإن شئت فأنت على الكتابة فإذا أديت عتقت ومتى عجزت أبعت وهكذا لو أسلم العبد ثم كاتبه سيده النصراني أو أسلم ثم دبر أو أسلمت أمته ثم وطئها فحبلت لأنه مالك لهم في هذه الحال ولا حد عليه ولا عليها وإذا جنى النصراني على النصراني عمدا فالمجني عليه بالخيار بين القود والعقل إن كان جنى جناية فيها القود فإذا اختار العقل فهو حال في مال الجاني وإن كانت الجناية خطأ فعلى عاقلة الجاني كما تكون على عواقل المسلمين فإن لم يكن للجاني عاقلة فالجناية في ماله دين يتبع بها ولا يعقل عنه النصارى ولا قرابة بينه وبينهم وهم لا يرثون ولا يعقل المسلمون عنه وهم لا يأخذون ما ترك إذا مات ميراثا إنما يأخذونه فيئا قال الشافعي رحمه الله تعالى وولاءة دماء النصارى كولاة دماء المسلمين إلا أنه لا يجوز بينهم شهادة إلا شهادة المسلمين ويجوز إقرارهم بينهم كما يجوز إقرار المسلمين بعضهم لبعض وكل حق بينهم يؤخذ لبعضهم من بعض كما يؤخذ للمسلمين بعضهم من بعض قال الشافعي رحمه الله تعالى فاذا أهراق واحد منهم لصاحبه خمرا أو قتل له خنزيرا أو حرق له ميتة أو خنزيرا أو جلد ميتة لم يدبغ لم يضمن له في شيء من ذلك شيئا لأن هذا حرام ولا يجوز أن يكون للحرام ثمن ولو كانت الخمر في زق فخرقه أو جر فكسره ضمن ما نقص الجر أو الزق ولم يضمن الخمر لأنه يحل ملك الزق والجرة إلا أن يكون الزق من ميتة لم يدبغ أو جلد خنزير دبغ أو لم يدبغ فلا يكون له ثمن ولو كسر له صليبا من ذهب لم يكن عليه شيء ولو كسره من عود وكان العود إذا فرق لم يكن صليبا يصلح لغير الصليب فعليه ما نقص الكسر العود وكذلك لو كسر له تمثالا من ذهب أو خشب يعبده لم يكن عليه في الذهب شيء ولم يكن أيضا في الخشب شيء إلا أن يكون الخشب موصولا فإذا فرق صلح لغير تمثال فيكون عليه ما نقص كسر الخشب لا ما نقص قيمة الصنم ولو كسر له طنبورا أو مزمارا أو كبرا فإن كان في هذا شيء يصلح لغير الملاهي فعليه ما نقص الكسر وإن لم يكن يصلح إلا للملاهي فلا شيء عليه وهكذا لو كسرها نصراني لمسلم أو نصراني أو يهودي أو مستأمن أو كسرها مسلم لواحد من هؤلاء أبطلت ذلك
صفحة : 1443
كله قال ولو أن نصرانيا أفسد لنصراني ما أبطل عنه فغرم المفسد شيئا بحكم حاكمهم أو شيء يرونه حقا يلزمه بعضهم بعضا أو شيء تطوع له به وضمنه ولم يقبضه المضمون له حتى جاءنا الضامن أبطلناه عنه لأنه لم يقبض ولو لم يأتنا حتى يدفع إليه ثم سألنا إبطاله ففيها قولان أحدهما لا نبطله ونجعله كما مضى من بيوع الربا والآخر أن نبطله بكل حال لأنه أخذ منه على غير بيع إنما أخذ بسبب جناية لا قيمة لها ولو كان الذي غرم له ما أبطل عنه في الحكم مسلما وقبضه منه ثم جاءني رددته على المسلم كما لو أربى على مسلم أو أربى عليه مسلم وتقابضا رددت ذلك بينهما وكذلك لو أهراق نصراني لمسلم خمرا أو أفسد له شيئا مما أبطله عنه ترافعا إلي غرم له النصراني قيمته متطوعا أو بحكم ذمي أو بأمر رآه النصراني لازما له ودفعه إلى المسلم ثم جاءني أبطلته عنه ورددت النصراني به على المسلم لأنه ليس لمسلم قبض حرام وما مضى من قبضه الحرام وبقي سواء في أنه يرد عنه وأنه لا يقر على حرام جهله ولا عرفه بحال ويجوز للنصراني أن يقارض المسلم وأكره للمسلم أن يقارض النصراني أو يشاركه خوف الربا واستحلال البيوع الحرام وإن فعل لم أفسخ ذلك لأنه قد يعمل بالحلال ولا أكره للمسلم أن يستأجر النصراني وأكره أن يستأجر النصراني المسلم ولا أفسخ الإجارة إذا وقعت وأكره أن يبيع المسلم من النصراني عبدا مسلما أو أمة مسلمة وإن باعه لم يبن لي أن أفسخ البيع وجبرت النصراني على بيعه مكانه إلى أن يعتقه أو يتعذر السوق عليه في موضعه فألحقه بالسوق ويتأتى به اليوم واليومين والثلاثة ثم أجبره على بيعه قال وفيه قول آخر أن البيع مفسوخ وإن باع مسلم من نصراني مصحفا فالبيع مفسوخ وكذلك إن باع منه دفترا فيه أحاديث عن رسول الله ﷺ وإنما فرق بين هذا وبين العبد والأمة أن العبد والأمة قد يعتقان فيعتقان كرهت ذلك له ولم أفسخ البيع وإن باعه دفاتر فيها شعر أو نحو لم أكره ذلك له ولم أفسخ البيع وكذلك إن باعه طبا أو عبارة رؤيا وما أشبههما في كتاب قال ولو أن نصرانيا باع مسلما مصحفا أو أحاديث من أحاديث النبي ﷺ أو عبدا مسلما لم أفسخ له البيع ولم أكرهه إلا أني أكره أصل ملك النصراني فإذا أوصى المسلم للنصراني بمصحف أو دفتر فيه أحاديث رسول الله ﷺ أبطلت الوصية ولو أوصى بها النصارني لمسلم لم أبطلها ولو أوصى المسلم للنصراني بعبد مسلم فمن قال أفسخ بيع البعد المسلم لو اشتراه النصراني أبطل الوصية ومن قال أجبره على بيعه أجاز الوصية وهكذا هبة المسلم للنصراني واليهودي والمجوسي في جميع ما ذكرت ولو أوصى
صفحة : 1444
مسلم لنصراني بعبد نصراني فمات المسلم 1 ثم أسلم النصراني جازت الوصية في القولين معا لأنه قد ملكه بموت الموصي وهو نصراني ثم أسلم فيباع عليه ولو أسلم قبل موته النصراني كان كوصية له بعبد مسلم لا يختلفان فإذا أوصى النصراني بأكثر من ثلثه فجاءنا ورثته أبطلنا ما جاوز الثلث إن شاء الورثة كما نبطله إن شاء ورثة المسلم ولو أوصى بثلث ماله أو بشيء منه يبني به كنيسة لصلاة النصراني أو يستأجر به خدما للكنيسة أو يعمر به الكنيسة أو يستصبح به فيها أو يشتري به أرضا فتكون صدقة على الكنيسة وتعمر بها أو ما في هذا المعنى كانت الوصية باطلة وكذلك لو أوصى أن يشتري به خمرا أو خنازير فيتصدق بها أو أوصى بخنازير له أو خمر أبطلنا الوصية في هذا كله ولو أوصى أن تبني كنيسة ينزلها مار الطريق أو وقفها على قوم يسكنونها أو جعل كراءها للنصارى أو للمساكين جازت الوصية وليس في بنيان الكنيسة معصية إلا أن تتخذ لمصلى النصارى الذين اجتماعهم فيها على الشرك وأكره للمسلم أن يعمل بناء أو نجارة أو غيره في كنائسهم التي لصلواتهم ولو أوصى أن يعطي الرهبان والشمامسة ثلثه جازت الوصية لأنه قد تجوز الصدقة على هؤلاء ولو أوصى أن يكتب بثلثه الإنجيل والتوراة لدرس لم تجز الوصية لأن الله عز وجل قد ذكر تبديلهم منها فقال الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله وقال وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب قرأ الربيع الآية ولو أوصى أن يكتب به كتب طب فتكون صدقة جازت له الوصية لو أوصى أن تكتب به كتب سحر لم تجز ولو أوصى أن يشتري بثلثه سلاحا للمسلمين جاز ولو أوصى أن يشتري به سلاحا للعدو من المشركين لم يجز ولو أوصى بثلثه لبعض أهل الحرب جاز لأنه لم يحرم أن يعطوا مالا وكذلك لو أوصى أن يفتدى منه أسير في أيدي المسلمين من أهل الحرب قال ومن استعدى على ذمي أو مستأمن أعدى عليه وإن لم يرض ذلك المستعدي عليه إذا استعدى عليه في شيء فيه حق للمستعدي وإن جاءنا محتسب من المسلمين أو غيرهم يذكر أن الذميين يعملون فيما بينهم أعمالا من رباء لم نكشفهم عنها لأن ما أقررناهم عليه من الشرك أعظم ما لم يكن لها طالب يستحقها وكذلك لا يكشفون عما استحلوا من نكاح المحارم فإن جاءتنا محرم للرجل قد نكحته فسخنا النكاح فإن جاءتنا امرأة نكحها على أربع أجبرناه بأن يختار أربعا ويفارق سائرهن وإن لم تأتنا لم نكشفه عن ذلك فإن قال قائل فقد كتب عمر يفرق بين كل ذي محرم من المجوس فقد يحتمل أن يفرق إذا طلبت ذلك المرأة أو وليها أو طلبه الزوج ليسقط عنه مهرها وتركنا لهم على
صفحة : 1445
الشرك أعظم من تركنا لهم على نكاح ذات محرم وجمع أكثر من أربع ما لم تأتونا فإن جاءنا منهم مسروق بسارق قطعناه له وإن جاءنا منهم سارق قد استعبده مسروق بحكم له أبطلنا العبودية عنه وحكمنا عليه حكمنا على السارق قال وللنصراني الشفعة على المسلم وللمسلم الشفعة عليه ولا يمنع النصراني أن يشتري من مسلم ماشية فيها صدقة ولا أرض زرع ولا نخلا وإن أبطل ذلك الصدقة فيها كما لا يمنع الرجل المسلم أن يبيع ذلك مفرقا من جماعة فتسقط فيه الصدقة قال ولا يكون لذمي أن أن يحيى مواتا من بلاد المسلمين فإن أحياها لم تكن له بإحيائها وقيل له خذ عمارتها وإن كان ذلك فيها والأرض للمسلمين لأن إحياء الموات فضل من الله تعالى بين رسول الله ﷺ أنه لمن أحياه ولم يكن له قبل يحييه كالفيء وإنما جعل الله تعالى الفيء وملك ما لا مالك له لأهل دينه لا غيرهم كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة باب فيمن يجب قتاله من أهل البغي أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين قال الشافعي رحمه الله تعالى فذكر الله عز وجل اقتتال الطائفتين والطائفتان الممتنعتان الجماعتان كل واحدة تمتنع أشد الامتناع أو أضعف أذا لزمها اسم الامتناع وسماهم الله تعالى المؤمنين وأمر بالإصلاح بينهم فحق على كل أحد دعاء المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال أن لا يقاتلوا حتى يدعوا إلى الصلح وبذلك قلت لا يبيت أهل البغي قبل دعائهم لأن على الإمام الدعاء كما أمر الله عز وجل قبل القتال وأمر الله عز وجل بقتال الفئة الباغية وهي مسماة باسم الإيمان حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت لم يكن لأحد قتالهم لأن الله عز وجل إنما أذن في قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفيء قال الشافعي والفيء الرجعة عن القتال بالهزيمة أو التوبة وغيرها وأي حال ترك بها القتال فقد فاء والفيء بالرجوع عن القتال الرجوع عن معصية الله تعالى ذكره إلى طاعته في الكف عما حرم الله عز وجل قال وقال أبو ذؤيب يعير نفرا من قومه انهزموا عن رجل من أهله في وقعة فقتل لا ينسأ الله منا معشرا شهدوا يوم الأميلح لا غابوا ولا جرحوا عقوا بسهم فلم يشعر به أحد ثم استفاءوا وقالوا حبذا الوضح قال الشافعي رحمه الله تعالى وأمر الله تعالى إن فاءوا أن يصلح بينهما
صفحة : 1446
بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال وإنما ذكر الله تعالى الصلح آخرا كما ذكر الإصلاح بينهم أولا قبل الإذن بقتالهم فأشبه هذا والله تعالى أعلم أن تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم قال وقد يحتمل قول الله عز وجل فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم فيعطي بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عز وجل بالعدل والعدل أخذ الحق لبعض الناس من بعض قال الشافعي وإنما ذهبنا إلى أن القود ساقط والآية تحتمل المعنيين قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر بن راشد عن الزهري قال أدركت الفتنة الأولى أصحاب رسول الله ﷺ فكانت فيها دماء وأموال فلم يقتص فيها من دم ولا مال ولا قرح أصيب بوجه التأويل إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه قال الشافعي وهذا كما قال الزهري عندنا قد كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلفت فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما علمته اقتص أحد من أحد ولا غرم له مالا أتلفه ولا علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه فصاحبه أحق به قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبدالله بن عوف عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله ﷺ قال من قتل دون ماله فهو شيهد قال الشافعي رحمه الله تعالى وسنة رسول الله ﷺ تدل على أن للمرء أن يمنع ماله وإذا منعه بالقتال دونه فهو إحلال للقتال والقتال سبب الإتلاف لمن يقاتل في النفس وما دونها قال ولا يحتمل قول رسول الله ﷺ والله تعالى أعلم من قتل دون ماله فهو شيهد إلا أن يقاتل دونه ولو ذهب رجل إلى أن يحمل هذا القول على أن يقتل ويؤخذ ماله كان اللفظ في الحديث من قتل وأخذ ماله أو قتل ليؤخذ ماله ولا يقال له قتل دون ماله ومن قتل بلا أن يقاتل فلا يشك أحد أنه شهيد قال الشافعي وأهل الردة بعد رسول ﷺ ضربان ومنهم قوم كفروا بعد الإسلام مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات فإن قال قائل ما دل على ذلك والعامة تقول لهم أهل الردة قال الشافعي رحمه الله تعالى فهو لسان عربي فالردة الارتداد عما كانوا ومنهم قوم كفروا بعد الإسلام مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات فإن قال قائل ما دل على ذلك والعامة تقول لهم أهل الردة قال الشافعي رحمه الله تعالى فهو لسان عربي فالردة الارتداد عما كانوا عليه بالكفر والارتداد بمنع الحق قال ومن رجع عن شيء جاز أن يقال ارتد عن كذا وقول عمر لأبي بكر أليس قد قال رسول الله صلى ام عليه معرفة منهما معا بأن ممن قاتلوا من هو علي التمسك بالإيمان ولولا ذلك ما شك عمر في قتالهم ولقال أبو بكر تركوا لا إله إلا الله فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبي بكر أشعار من قال الشعر منهم ومخاطبتهم لأبي بكر بعد الإسار فقال شاعرهم ألا أصبحينا قبل نائرة الفجر لعل منايانا قريب وما ندري أطعنا رسول الله ما كان وسطنا فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر فإن الذي يسألكمو فمنعتم لكا لتمر أو أحلى إليهم من التمر سنمنعهم ما كان فينا بقية كرام على العزاء في ساعة العسر وقالوا لأبي بكر بعد الإسار ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا قال الشافعي وقول أبي بكر لا تفرقوا بين ما جمع الله يعني فيما أرى والله تعالى أعلم أنه مجاهدهم على الصلاة وأن الزكاة مثلها ولعل مذهبه فيه أن الله عز وجل يقول وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة وأن الله تعالى فرض عليهم شهادة الحق والصلاة والزكاة وأنه متى منع فرضا قد لزمه لم يترك ومنعه حتى يؤديه أو يقتل قال الشافعي فسار إليهم أبو بكر بنفسه حتى لقي أخا بني بدر الفزاري فقاتله معه عمر وعامة أصحاب رسول الله ﷺ ثم أمضى أبو بكر خالد بن الوليد في قتال من ارتد ومن منع الزكاة معا فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول الله ﷺ قال ففي هذا الدليل على أن من منع ما فرض الله عز وجل عليه فلم يقدر الإمام على أخذه منه بامتناعه قاتله وإن أنى القتال على نفسه وفي هذا المعنى كل حق لرجل على رجل منعه قال فإذا امتنع رجل من تأدية حق وجب عليه والسلطان يقدر على أخذه منه أخذه ولم يقتله وذلك أن يقتل فيقتله أو يسرق فيقطعه أو يمنع أداء دين فيباع فيه ماله أو زكاة فتؤخذ منه فإن امتنع دون هذا أو شيء منه بجماعة وكان إذا قيل له أد هذا قال لا أؤديه ولا أبدؤكم بقتال إلا أن تقاتلوني قوتل عليه لأن هذا إنما يقاتل على ما منع من حق لزمه هكذا من منع الصدقة ممن نسب إلى الردة فقاتلهم أبو بكر بأصحاب رسول الله ﷺ قال الشافعي ومانع الصدقة ممتنع بحق ناصب دونه فإذا لم يختلف أصحاب رسول الله ﷺ في قتاله فالباغي يقاتل الإمام العادل في مثل هذا المعنى في أنه لا يعطي الإمام العادل حقا إذا وجب عليه ويمتنع من حكمه ويزيد على مانع الصدقة أن يريد أن يحكم هو على الإمام العادل ويقاتله فيحل قتاله بإرادته قتال الإمام قال
صفحة : 1448
وقد قاتل أهل الامتناع بالصدقة وقتلوا ثم قهروا فلم يقد منهم أحدا من أصحاب رسول الله ﷺ وكلا هذين متأول أما أهل الامتناع فقالوا قد فرض الله علينا أن نؤديها إلى رسوله كأنهم ذهبوا إلى قول الله عز وجل لرسوله ﷺ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وقالوا لا نعلمه يجب علينا أن نؤديها إلى غير رسول الله ﷺ واما أهل البغي فشهدوا على من بغوا عليه بالضلال ورأوا أن جهاده حق فلم يكن على واحد من الفريقين عند تقضى الحرب قصاص عندنا والله تعالى أعلم ولو أن رجلا واحدا قتل على التأويل أو جماعة غير ممتنعين ثم كانت لهم بعد ذلك جماعة ممتنعون أو لم تكن كان عليهم القصاص في القتل والجراح وغير ذلك كما يكون على غير المتأولين فقال لي قائل فلم قلت في الطائفة الممتنعة الناصبة المتأولة تقتل وتصيب المال أزيل عنها القصاص وغرم المال إذا تلف ولو أن رجلا تأول فقتل أو أتلف مالا اقتصصت منه وأغرمته المال فقلت له وجدت الله تبارك وتعالى يقول ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل وقال رسول الله ﷺ فيما يحل دم مسلم أو قتل نفس بغير نفس وروى عن رسول الله ﷺ من اعتبط مسلما بقتل فهو قود يده ووجدت الله تعالى قال وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين فذكر الله عز وجل قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما فأثبتنا القصاص بين المسلمين على ما حكم الله عز وجل في القصاص وأزلناه في المتأولين الممتنعين ورأينا أن المعنى بالقصاص من المسلمين هو من لم يكن ممتنعا متأولا فأمضينا الحكمين على ما أمضيا عليه وقلت له علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه ولى قتال المتأولين فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل وقتله ابن ملجم متأولا فأمر بحبسه وقال لولده إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى له القتل وقتله الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله ﷺ لانعلم أحدا أنكر قتله ولا عابه ولا خالفه في أن يقتل إذ لم يكن له جماعة يمتنع بمثلها ولم يقد علي وأبو بكر قبله ولى من قتلته الجماعة الممتنع بمثلها على التأويل كما وصفنا ولا على الكفر قال الشافعي والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال وليس في ذلك إباحة أموالهم ولا شيء منها وأما قطاع الطريق ومن قتل على غير تأويل فسواء ID ' ' الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف
صفحة : 1449
باب السيرة في أهل البغي قال الشافعي رحمه الله تعالى روى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما قال دخلت على مروان بن الحكم فقال ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه لايقتل مدبر ولا يذفف على جريح قال الشافعي فذكرت هذا الحديث للدراوردي فقال ما أحفظه يريد يعجب بحفظه هكذا ذكره جعفر بهذا الإسناد قال الدراوردي أخبرنا جعفر عن أبيه أن عليا رضي الله تعالى عنه كان لا يأخذ سلبا وأنه كان يباشر القتال بنفسه وأنه كان لا يذفف على جريح ولا يقتل مدبرا قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا رضي الله تعالى عنه قال في ابن ملجم بعد ما ضربه أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره إن عشت فأنا ولي دمي أعفوا إن شئت وإن شئت استقدت وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا باب الحال التي لا يحل فيها دماء أهل البغي قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أن قوما أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا جماعات الناس وكفروهم لم يحلل بذلك قتالهم لأنهم على حرمة الإيمان لم يصيروا إلى الحال التي أمر الله عز وجل وجل بقتالهم فيها بلغنا أن عليا رضي الله تعالى عنه بينا هو يخطب إذ سمع تحكيما من ناحية المسجد لا حكم إلا لله عز وجل فقال علي رضي الله تعالى عنه كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا ولا نبدؤكم بقتال قال الشافعى رحمه الله أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي الغساني عن أبيه أن عديا كتب لعمر بن عبدالعزيز أن الخوارج عندنا يسبونك فكتب إليه عمر بن عبدالعزيز إن سبوني فسبوهم أو اعفوا عنهم وإن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم وإن ضربوا فاضربوهم قال الشافعي رحمه الله تعالى وبهذا كله نقول ولا يحل للمسلمين بطعنهم دماءهم ولا أن يمنعوا الفيء ما جرى عليهم حكم الإسلام وكانوا أسوتهم في جهاد عدوهم ولا يحال بينهم وبين المساجد والأسواق قال ولو شهدوا شهادة الحق وهم مظهرون لهذا قبل الاعتقاد أو بعده وكانت حالهم في العفاف والعقول حسنة انبغى للقاضي أن يحصيهم بأن يسأل عنهم فإن كانوا يستحلون في مذاهبهم أن يشهدوا لمن يذهب مذهبهم بتصديقه على ما لم يسمعوا ولم يعاينوا أو يستحلوا أن ينالوا من أموال من خالفهم أو أبدانهم شيئا يجعلون الشهادة بالباطل ذريعة
صفحة : 1450
إليه لم تجز شهادتهم وإن كانوا لا يستحلون ذلك جازت شهادتهم وهكذا من بغى من أهل الأهواء ولا يفرق بينهم وبين غيرهم فيما يجب لهم وعليهم من أخذ الحق والحدود والأحكام ولو أصابوا في هذه الحال حدا لله عز وجل أو للناس دما أو غيره ثم اعتقدوا ونصبوا إمام وامتنعوا ثم سألوا أن يؤمنوا على أن يسقط عنهم ما أصابوا قبل أن يعتقدوا أو شيء منه لم يكن للإمام أن يسقط عنهم منه شيئا لله عز ذكره ولا للناس وكان عيه أخذهم به كما يكون عليه أخذ من أحدث حدا لله تبارك وتعالى أو للناس ثم هرب ولم يتأول ويمتنع قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أن قوما كانوا في مصر أو صحراء فسفكوا الدماء وأخذوا الأموال كان حكمهم كحكم قطاع الطريق وسواء المكابرة في المصر أو الصحراء ولو افترقا كانت المكابرة في المصر أعظمهما قال الشافعي رحمه الله تعالى وكذلك لو أن قوما كابروا فقتلوا ولم يأخذوا مالا أقيم عليهم الحق في جميع ما أخذوا وكذلك لو امتنعوا فأصابوا دما وأموالا على غير التأويل ثم قدر عليهم أخذ منهم الحق في الدماء والأموال وكل ما أتوا من حد قال الشافعي ولو أن قوما متأولين كثيرا كانوا أو قليلا اعتزلوا جماعة الناس فكان عليهم وال لأهل العدل يجري حكمه فقتلوه وغيره قبل أن ينصبوا إماما ويعتقدوا ويظهروا حكما مخالفا لحكمه كان عليهم في ذلك القصاص وهكذا كان شأن الذين اعتزلوا عليا رضي الله تعالى عنه ونقموا عليه الحكومة فقالوا لا نساكنك في بلد فاستعمل عليهم عاملا فسمعوا له ما شاء الله ثم قتلوه فأرسل إليهم أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به قالوا كلنا قاتله قال فاستسلموا نحكم عليكم قالوا لا فسار إليهم فقاتلهم فأصاب أكثرهم قال وكل ما أصابوه في هذه الحال من حد لله تبارك وتعالى أو للناس أقيم عليهم متى قدر عليهم وليس عليهم في هذه الحال أن يبدءوا بقتال حتى يمتنعوا من الحكم وينتصبوا قال وهكذا لو خرج رجل أو رجلان أو نفر يسير قليلو العدد يعرف أن مثلهم لا يمتنع إذا أريد فأظهروا رأيهم ونابذوا إمامهم العادل وقالوا نمتنع من الحكم فأصابوا دما وأموالا وحدودا في هذه الحال متأولين ثم ظهر عليهم أقيمت عليهم الحدود وأخذت منهم الحقوق لله تعالى وللناس في كل شيء كما يؤخذ من غير المتأولين فإن كانت لأهل البغي جماعة تكثر ويمتنع مثلها بموضعها الذي هي به بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال حتى تكثر نكايته واعتقدت ونصبوا إماما وأظهروا حكما وامتنعوا من حكم الإمام العادل فهذه الفئة الباغية التي تفارق حكم من ذكرنا قبلها فينبغي إذا فعلوا هذا أن نسألهم ما نقموا فإن ذكروا مظلمة بينة ردت فإن لم يذكروها بينة قيل لهم عودوا لما فارقتم
صفحة : 1451
من طاعة الإمام العادل وأن تكون كلمتكم وكلمة أهل دين الله على المشركين واحدة وأن لا تمتنعوا من الحكم فإن فعلوا قبل منهم وإن امتنعوا قيل إنا مؤذنوكم بحرب فإن لم يجيبوا قوتلوا ولا يقاتلون حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا قال وإذا امتنعوا من الإجابة وحكم عليهم بحكم فلم يسلموا أو حلت عليهم صدقة فمنعوها وحالوا دونها وقالوا لا نبدؤكم بقتال قوتلوا حتى يقروا بالحكم ويعودوا لما امتنعوا إن شاء الله تعالى قال الشافعي رحمه الله تعالى وما أصابوا في هذه الحال على وجهين أحدهما ما أصابوا من دم ومال وفرج على التأويل ثم ظهر عليهم بعد لم يقم عليهم منه شيء إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيؤخذ والوجه الثاني ما أصابوا على غير وجه التأويل من حد لله تعالى أو للناس ثم ظهر عليهم رأيت أن يقام عليهم كما يقام على غيرهم ممن هرب من حد أو أصابه وهو في بلاد لا والي لها ثم جاء لها وال وهكذا غيرهم من أهل دار غلبوا الإمام عليها فصار لا يجري له بها حكم فمتى قدر عليهم أقيمت عليهم تلك الحدود ولم يسقط عنهم ما أصابوا بالامتناع ولا يمنع الامتناع حقا يقام إنما يمنعه التأويل والامتناع معا فإن قال قائل فأنت تسقط ما أصاب المشركون من أهل الحرب إذا أسلموا 1 فكذلك أسقط عن حربي لو قتل مسلما منفردا ثم أسلم وأقتل الحربي بديئا من غير أن يقتل أحدا وليس هذا الحكم في المتأول في واحد من الوجهين قال الشافعي رحمه الله تعالى فإذا دعى أهل البغي فامتنعوا من الإجابة فقوتلوا فالسيرة فيهم مخالفة للسيرة في أهل الشرك وذلك بأن الله عز وجل حرم ثم رسوله دماء المسلمين إلا بما بين الله تبارك وتعالى ثم رسوله ﷺ فإنما أبيح قتال أهل البغي ما كانوا يقاتلون وهم لا يكونون مقاتلين أبدا إلا مقبلين ممتنعين مريدين فمتى زايلوا هذه المعاني فقد خرجوا من الحال التي أبيح بها قتالهم وهم لا يخرجون منها أبدا إلا إلى أن تكون دماؤهم محرمة كهي قبل يحدثون وذلك بين عندي في كتاب الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين قال الشافعي رحمه الله تعالى ولم يستثن الله تبارك وتعالى في الفيئة فسواء كان للذي فاء فئة أو لم تكن له فئة فمتى فاء والفيئة الرجوع حرم دمه ولا يقتل منهم مدبر أبدا ولا أسير ولا جريح بحال لأن هؤلاء قد صاروا في غير المعنى الذي حلت به دماؤهم وكذلك لا يستمتع من أموالهم بدابة تركب ولا متاع ولا سلاح يقاتل به في حربهم وإن كانت قائمة ولا بعد تقضيها ولا غير ذلك من أموالهم وما صار إليهم من دابة فحبسوها أو سلاح فعليهم رده عليهم
صفحة : 1452
وذلك لأن الأموال في القتال إنما تحل من أهل الشرك الذين يتحولون إذا قدر عليهم فأما من أسلم فحد في قطع الطريق والزنا والقتل فهو لا يؤخذ ماله فهو إذا لا جناية على ماله بدلالة توجب في ماله شيئا قال ومتى ألقى أهل البغي السلاح لم يقاتلوا قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا قاتلت المرأة أو العبد مع أهل البغي والغلام المراهق فهم مثلهم يقاتلون مقبلين ويتركون مولين قال ويختلفون في الأسارى فلو أسر البالغ من الرجال الأحرار فحبس ليبايع رجوت أن يسع ولا يحبس مملوك ولا غير بالغ من الأحرار ولا امرأة لتبايع وإنما يبايع النساء على الإسلام فأما على الطاعة فهن لا جهاد عليهن وكيف يبايعن والبيعة على المسلمين المولودين في الإسلام إنما هي على الجهاد وأما إذا انقضت الحرب فلا أرى أن يحبس أسيرهم ولو قال أهل البغي أنظرونا ننظر في أمرنا لم أر بأسا أن ينظروا قال ولو قالوا أنظرونا مدة رأيت أن يجتهد الإمام فيه فإن كان يرجو فيئتهم أحببت الاستيناء بهم وإن لم يرج ذلك فله جهادهم وإن كان يخاف على الفئة العادلة الضعف عنهم رجوت تأخيرهم إلى أن يرجعوا أو تمكنه القوة عليهم قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو سألوا أن يتركوا بجعل يؤخذ منهم لم ينبغ أن يؤخذ من مسلم جعل على ترك حق قبله ولا يترك جهاده ليرجع إلى حق منعه أو عن باطل ركبه والأخذ منهم على هذا الوجه في معنى الصغار والذلة والصغار لا يجري على مسلم قال ولو سألوا أن يتركوا أبدا ممتنعين لم يكن ذلك للإمام إذا قوى على قتالهم وإذا تحصنوا فقد قيل يقاتلون بالمجانيق والنيران وغيرها ويبيتون إن شاء من يقاتلهم قال الشافعي رحمه الله تعالى وأنا أحب إلي أن يتوقى ذلك فيهم ما لم يكن بإلامام ضرورة إليه والضرورة إليه أن يكون بإزاء قوم متحصنا فيغزونه أو يحرقون عليه أو يرمونه بمجانيق أو عرادات أو يحيطون به فيخاف الاصطلام على من معه فإذا كان هذا أو بعضه رجوت أن يسعه رميهم بالمنجيق والنار دفعا عن نفسه أو معاقبة بمثل ما فعل به قال ولا يجوز لأهل العدل عندي أن يستعينوا على أهل البغي بأحد من المشركين ذمي ولا حربي ولو كان حكم المسلمين الظاهر ولا أجعل لمن خالف دين الله عز وجل الذريعة إلى قتل أهل دين الله قال ولا بأس إذا كان حكم الإسلام الظاهر أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين وذلك أنهم تحل دماؤهم مقبلين ومدبرين ونياما وكيفما قدر عليهم إذا بلغتهم الدعوة وأهل البغي إنما يحل قتالهم دفعا لهم عما أرادوا من قتال أو امتناع من الحكم فإذا فارقوا تلك الحال حرمت دماؤهم قال ولا أحب أن يقاتلهم أيضا بأحد يستحل قتلهم مدبرين وجرحى وأسرى من المسلمين فيسلط
صفحة : 1453
عليهم من يعلم أنه يعمل فيهم بخلاف الحق وهكذا من ولي شيئا ينبغي أن لا يولاه وهو يعلم أنه يعمل بخلاف الحق فيه ولو كان المسلمون الذين يستحلون من أهل البغي ما وصفت يضبطون بقوة الإمام وكثرة من معه حتى لا يتقدموا على خلافه وإن رأوه حقا لم أر بأسا أن يستعان بهم على أهل البغي على هذا المعنى إذا لم يوجد غيرهم يكفي كفايتهم وكانوا أجزأ في قتالهم من غيرهم قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو تفرق أهل البغي فنصب بعضهم لبعض فسألت الطائفتان أو إحداهما إمام أهل العدل معونتها على الطائفة المفارقة لها بلا رجوع إلى جماعة أهل العدل وكانت بالإمام ومن معه قوة على الامتناع منهم لو أجمعوا عليه لم أر أن يعين إحدى الطائفتين على الأخرى وذلك أن قتال إحداهما ليس بأوجب من قتال الأخرى وأن قتاله مع إحداهما كالأمان للتي تقاتل معه وإن كان الإمام يضعف فذلك أسهل في أن يجوز معاونة إحدى الطائفتين على الأخرى فإن انقضى حرب الإمام الأخرى لم يكن له جهاد التي أعان حتى يدعوها ويعذر إليها فإن امتنعت من الرجوع نبذ إليها ثم جاهدها قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أن رجلا من أهل العدل قتل رجلا من أهل العدل في شغل الحرب وعسكر أهل العدل فقال أخطأت به ظننته من أهل البغي أحلف وضمن ديته ولو قال عمدته أقيد منه قال الشافعي وكذلك لو صار إلى أهل العدل بعض أهل البغي تائبا مجاهدا أهل البغي أو تاركا للحرب وإن لم يجاهد أهل البغي فقتله بعص أهل العدل وقال قد عرفته بالبغي وكنت أراه إنما صار إلينا لينال من بعضنا غرة فقتلته أحلف على ذلك وضمن ديته وإن لم يدع هذه الشبهة أقيد منه لأنه إذا صار إلى أهل العدل فحكمه حكمهم قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو رجع نفر من أهل البغي عن رأيهم وأمنهم السلطان فقتل رجلا منهم رجل فادعى معرفتهم أنهم من أهل البغي وجهالته بأمان السلطان لهم ورجوعهم عن رأيهم درئ عنه القود وألزم الدية بعد ما يحلف على ما ادعى من ذلك وإن أتى ذلك عامدا أقيد بما نال من دم وجرح يستطاع فيه القصاص وكان عليه الأرش فيما لا يستطاع فيه القصاص من الجراح قال ولو أن تجارا في عسكر أهل البغي أو أهل مدينة غلب عليها أهل البغي أو أسرى من المسلمين كانوا في أيديهم وكل هؤلاء غير داخل مع أهل البغي برأي ولا معونة قتل بعضهم بعضا أو أتى حدا لله أو للناس عارفا بأنه محرم عليه ثم قدر على إقامته عليه أقيم عليه ذلك كله وكذلك لو كانوا في بلاد الحرب فأتوا ذلك عالمين بأنه محرم وغير مكرهين على إتيانه أقيم عليهم كل حد لله عز وجل وللناس وكذلك لو تلصصوا فكانوا
صفحة : 1454
بطرف ممتنعين لا يجري عليهم حكم أو لا يتلصصون ولا متأولين إلا أنهم لا تجري عليهم الأحكام وكانوا ممن قامت عليهم الحجة بالعلم مع الإسلام ثم قدر عليهم أقيمت عليهم الحقوق حكم أهل البغي في الأموال وغيرها قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا ظهر أهل البغي على بلد من بلدان المسلمين فأقام إمامهم على أحد حدا لله أو الناس فأصاب في إقامته أو أخذ صدقات المسلمين فاستوفى ما عليهم أو زاد مع أخذه ما عليهم ما ليس عليهم ثم ظهر أهل العدل عليهم لم يعودوا على من حده إمام أهل البغي بحد ولا على من أخذوا صدقته بصدقة عامه ذلك فإن كانت وجبت عليهم صدقة فأخذوا بعضها استوفى إمام أهل العدل ما بقي منها وحسب لهم ما أخذ أهل البغي منها قال وكذلك من مر بهم فأخذوا ذلك منه قال وإن أراد إمام أهل العدل أخذ الصدقة منهم فادعوا أن إمام أهل البغي أخذها منهم فهم أمناء على صدقاتهم وإن ارتاب بأحد منهم أحلفه فإذا حلف لم تعد عليه الصدقة وكذلك ما أخذوا من خراج الأرض وجزية الرقاب لم يعد على من أخذوه منه لأنهم مسلمون ظاهر حكمهم في الموضع الذي أخذوا ذلك فيه ما عليهم من خراج وجزية رقبة وحق لزم في مال أو غيره قال ولو استقضى إمام أهل البغي رجلا كان عليه أن يقوم بما يقوم به القاضي من أخذ الحق لبعض الناس من بعض في الحدود وغيرها إذا جعل ذلك إليه ولو ظهر أهل العدل على أهل البغي لم يردد من قضاء قاضي أهل البغي إلا ما يرد من قضاء القضاة غيره وذلك خلاف الكتاب أو السنة أو إجماع الناس أو ما هو في معنى هذا أو عمد الحيف برد شهادة أهل العدل في الحين الذي يردها فيه أو إجازة شهادة غير العدل في الحين الذي يجيزها فيه ولو كتب قاضي أهل البغي إلى قاضي أهل العدل بحق ثبت عنده لرجل على آخر من غير أهل البغي فالأغلب من هذا خوف أن يكون يرد شهادة أهل العدل بخلاف رأيه ويقبل شهادة من لا عدل له بموافقته ومنهم من هو مخوف أن يكون يستحل بعض أخذ أموال الناس بما أمكنه فأحب إلي أن لا يقبل كتابه وكتابه ليس بحكم نفذ منه فلا يكون للقاضي رده إلا بجور تبين له ولو كانوا مأمونين على ما وصفنا براء من كل خصلة منه وكتب من بلاد نائية يهلك حق المشهود له إن رد كتابه فقبل القاضي كتابه كان لذلك وجه والله تعالى أعلم وكان كتاب قاضيهم إذا كان كما وصفت في فوت الحق إن رد شبيها بحكمه قال ومن شهد من أهل البغي عند قاض من أهل العدل في الحال التي يكون فيها محاربا أو ممن يرى رأيهم في غير محاربة فإن كان يعرف باستحلال
صفحة : 1455
بعض ما وصفت من أن يشهد لمن وافقه بالتصديق له على ما لم يعاين ولم يسمع أو باستحلال لمال المشهود عليه أو دمه أو غير ذلك من الوجوه التي يطلب بها الذريعة إلى منفعة المشهود له أو نكاية المشهود عليه استحلالا لم تجز شهادته في شيء وإن قل ومن كان من هذا بريئا منهم ومن غيرهم عدلا جازت شهادته قال ولو وقع لرجل في عسكر أهل البغي على رجل في عسكر أهل العدل حق في دم نفس أو جرح أو مال وجب على قاضي أهل العدل الأخذ له به لا يختلف هو وغيره فيما يؤخذ لبعضهم من بعض من الحق في المواريث وغيرها وكذلك حق على قاضي أهل البغي أن يأخذ من الباغي لغير الباغي من المسلمين وغيرهم حقه ولو امتنع قاضي أهل البغي من أخذ الحق منهم لمن خالفهم كان بذلك عندنا ظالما ولم يكن لقاضي أهل العدل أن يمنع أهل البغي حقوقهم قبل أهل العدل بمنع قاضيهم الحق منهم قال وكذلك أيضا يأخذ من أهل العدل الحق لأهل الحرب والذمة وإن منع أهل الحرب الحق يقع عليهم وأحق الناس بالصبر للحق أهل السنة من أهل دين الله تعالى وليس منع رئيس المشركين حقا قبل من بحضرته لمسلم بالذي يحل لمسلم أن يمنع حربيا مستأمنا حقه لأنه ليس بالذي ظلمه فيحبس له مثل ما أخذ منه ولا يمنع رجلا حقا بظلم غيره وبهذا يأخذ الشافعي قال ولو ظهر أهل البغي على مصر فولوا قضاءه رجلا من أهله معروفا بخلاف رأى أهل البغي فكتب إلى قاض غيره نظر فإن كان القاضي عدلا وسمى شهودا شهدوا عنده يعرفهم القاضي المكتوب إليه بنفسه أو يعرفهم أهل العدالة بالعدل وخلاف أهل البغي قبل الكتاب فإن لم يعرفوا فكتابه كما وصفت من كتاب قاضي أهل البغي قال وإذا غزا أهل البغي المشركين مع أهل العدل والتقوا في بلادهم فاجتمعوا ثم قاتلوا معا فإن كان لكل واحد من الطائفتين إمام فأهل البغي كأهل العدل جماعتهم كجماعتهم وواحدهم مثل واحدهم في كل شيء ليس الخمس قال فإن أمن أحدهم عبدا كان أو حرا أو امرأة منهم جاز الأمان وإن قتل أحد منهم في الإقبال كان له السلب إن كان أهل البغي في عسكر ردءا لأهل العدل فسرى أهل العدل فأصابوا غنائم أو كان أهل العدل ردءا فسرى أهل البغي فأصابوا غنائم شركت كل واحدة من الطائفتين صاحبتها لا يفترقون في حال إلا أنهم إذا دفعوا الخمس من الغنيمة كان إمام أهل العدل أولى به لأنه لقوم مفترقين في البلدان يؤديه إليهم لأن حكمه جار عليهم دون حكم إمام أهل البغي وأنه لا يستحل حبسه استحلال الباغي قال ولو وادع أهل البغي قوما من المشركين لم يكن لأحد من المسلمين غزوهم فإن غزاهم فأصاب لهم شيئا رده
صفحة : 1456
عليهم ولو غزا أهل البغي قوما قد وادعهم إمام المسلمين فسباهم أهل البغي فإن ظهر المسلمون على أهل البغي استخرجوا ذلك من أيديهم وردوه على أهله المشركين قال ولا يحل شراء أحد من ذلك السبي وإن اشترى فشراؤه مردود قال ولو استعان أهل البغي بأهل الحرب على أهل العدل وقد كان أهل العدل وادعوا أهل الحرب فإنه حلال لأهل العدل قتال أهل الحرب مع أهل البغي بأمان إنما يكون لهم الأمان على الكف فأما على قتال أهل العدل فلو كان لهم إمان فقاتلوا أهل العدل كان نقضا له وقد قيل لو استعان أهل البغي بقوم من أهل الذمة على قتال المسلمين لم يكن هذا نقضا للعهد لأنهم مع طائفة من المسلمين وأرى إن كانوا مكرهين أو ذكروا جهالة فقالوا كنا نرى علينا إذا حملتنا طائفة من المسلمين على طائفة من المسلمين أخرى أنها إنما تحملنا على من يحل دمه في الإسلام مثل قطاع الطريق أو قالوا لم نعلم أن من حملونا على قتاله مسلما لم يكن هذا نقضا لعهدهم ويؤخذون بكل ما أصابوا من أهل العدل من دم ومال وذلك أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين أمر الله بالإصلاح بينهم قال الشافعي رحمه الله تعالى ونتقدم إليهم ونجدد عليهم شرطا بأنهم إن خرجوا إلى مثل هذا استحل قتلهم وأسأل الله التوفيق قال فإن أتى أحد من أهل البغي تائبا لم يقتص منه لأنه مسلم محرم الدم وإذا قاتل أهل الذمة مع أهل العدل أهل الحرب لم يعطوا سلبا ولا خمسا ولا سهما وإنما يرضخ لهم ولو رهن أهل البغي نفرا منهم عند أهل العدل ورهنهم أهل العدل رهنا وقالوا احبسوا رهننا حتى ندفع إليكم رهنكم وتوادعوا على ذلك إلى مدة جعلوها بينهم فعدا أهل البغي على رهن أهل العدل فقتلولهم لم يكن لأهل العدل أن يقتلوا رهن أهل البغي الذين عندهم ولا ان يحبسوهم إذا أثبتوا أن قد قتل أصحابهم لأن أصحابهم لا يدفعون إليهم أبدا ولا يقتل الرهن بجناية غيرهم وإن كان رهن أهل البغي بلا رهن من أهل العدل ووادعوهم إلى مدة فجاءت تلك المدة وقد غدر أهل البغي لم يكن لهم حبس الرهن بغدر غيرهم قال ولو أن أهل العدل أمنوا رجلا من أهل البغي فقتله رجل جاهل كان فيه الدية وإذا قتل العدلي الباغي عامدا والقاتل وارث المقتول أو قتل الباغي العدلي وهو وراثه لم أر ان يتوارثا والله تعالى أعلم ويرثهما معا ورثتهما غير القاتلين وإذا قتل أهل البغي في معركة وغيرها صلي عليهم لأن الصلاة سنة في المسلمين إلا من قتله المشركون في المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه وأما أهل البغي إذا قتلوا في المعركة فإنهم يغسلون ويصلى عليهم ويصنع بهم ما يصنع بالموتى ولا يبعث برءوسهم إلى موضع ولا يصلبون ولا يمنعون الدفن وإذا قتل أهل العدل أهل البغي في
صفحة : 1457
المعركة ففيهم قولان أحدهما أن يدفنوا بكلومهم ودمائهم والثياب التي قتلوا فيها إن شاءوا لأنهم شهداء ولا يصلى عليهم ويصنع بهم كما يصنع بمن قتله المشركون لأنهم مقتولون في المعركة وشهداء والقول الثاني أن يصلى عليهم لأن أصل الحكم في المسلمين الصلاة على الموتي إلا حيث تركها رسول الله ﷺ وإنما تركها فيمن قتله المشركون في المعركة قال الشافعي رحمه الله تعالى والصبيان والنساء من أهل البغي إذا قتلوا معهم فهم في الصلاة عليهم مثل الرجال البالغين قال وأكره للعدلي أن يعمد قتل ذي رحمه من أهل البغي ولو كف عن قتل أبيه أو ذي رحمه أو أخيه من أهل الشرك لم أكره ذلك له بل أحبه وذلك أن النبي ﷺ كف أبا حذيفة ابن عتبة عن قتل أبيه وأبا بكر يوم أحد عن قتل أبيه وإذا قتلت الجماعة الممتنعة من أهل القبلة غير المتأولة أو أخذت المال فحكمهم حكم قطاع الطريق وهذا مكتوب في كتاب قطع الطريق وإذا ارتد قوم عن الإسلام فاجتمعوا وقاتلوا فقتلوا وأخذوا المال فحكمهم حكم أهل الحرب من المشركين وإذا تابوا لم يتبعوا بدم ولا مال فإن قال قائل لم لا يتبعون قيل هؤلاء صاروا محاربين حلال الأموال والدماء وما أصاب المحاربون لم يقتص منهم وما أصيب لهم لم يرد عليهم وقد قتل طليحة عكاشة ابن محصن وثابت بن أفرم ثم أسلم هو فلم يضمن عقلا ولا قودا قال الشافعي رحمه الله تعالى والحد في المكابرة في المصر والصحراء سواء ولعل المحارب في المصر أعظم ذنبا قال الربيع وللشافعي قول آخر يقاد منهم إذا ارتدوا وحاربوا فقتلوا من قبل أن الشرك إن لم يزدهم شرا لم يزدهم خيرا بأن يمنع القود منهم قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أن أهل البغي ظهروا على مدينة فأراد قوم غيرهم من أهل البغي قتالهم لم أر أن يقاتلهم أهل المدينة معهم فإن قالوا نقاتلكم معا وسع أهل المدينة قتالهم دفعا لهم عن أنفسهم وعيالهم وأموالهم وكانوا في معنى من قتل دون نفسه وماله إن شاء الله تعالى ولو سبى المشركون أهل البغي وكانت بالمسلمين قوة على قتال المشركين لم يسع المسلمين الكف عن قتال المشركين حتى يستنقذوا أهل البغي ولو غزا المسلمون فمات عاملهم فغزوا معا أو متفرقين وكل واحد منهم ردء لصاحبه شرك كل واحد منهم صاحبه في الغنيمة قال الشافعي رحمه الله تعالى قال لي قائل فما تقول فيمن أراد مال رجل أو دمه أو حرمته قلت له فله دفعه عنه قال فإن لم يكن يدفع عنه إلا بقتال قلت فيقاتله قال وإن أتى القتال على نفسه قلت نعم إذا لم يقدر على دفعه إلا بذلك قال وما معنى يقدر على دفعه بغير ذلك قلت أن يكون فارسا والعارض له راجل فيمعن على الفرس أو
صفحة : 1458
يكون متحصنا فيغلق الحصن الساعة فيمضي عنه وإن أبى إلا حصره وقتاله قاتله أيضا قال أفليس قد ذكر حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن عثمان بن عفان قال قال رسول الله ﷺ لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو تقل نفس بغير نفس فقلت له حديث عثمان كما حدث به وقول رسول الله ﷺ لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث كما قال وهذا كلام عربي ومعناه أنه إذا أتى واحدة من ثلاث حل دمه كما قال فكان رجل زنا ثم ترك الزنا وتاب منه أو هرب من الموضع الذي زنى فيه فقدر عليه قتل رجما ولو قتل مسلما عامدا ثم ترك القتل فتاب وهرب فقدر عليه قتل قودا وإذا كفر فتاب زال عنه اسم الكفر وهذان لا يفارقهما اسم الزنا والقتل ولو تابا وهربا فيقتلان بالإسم اللازم لهما والكافر بعد إيمانه لو هرب ولم يترك القول بالكفر بعد ما أظهره قتل إلا أنه إذا تاب من الكفر وعاد إلى الإسلام حقن دمه وذلك أنه يسقط عنه إذا رجع إلى الإسلام اسم الكفر فلا يقتل وقد عاد مسلما ومتى لزمه اسم الكفر فهو كالزاني والقاتل قال الشافعي رحمه الله تعالى والباغي خارج من أن يقال له حلال الدم مطلقا غير مستثنى فيه وإنما يقال إذا بغى وامتنع أو قاتل مع أهل الامتناع قوتل دفعا عن أن يقتل أو منازعة ليرجع أو يدفع حقا إن منعه فإن أتى القتال على نفسه فلا عقل فيه ولا قود فإنا أبحنا قتاله ولو ولي عن القتال أو اعتزل أو جرح أو أسر أو كان مريضا لا قتال به لم يقتل في شيء من هذه الحالات ولا يقال للباغي وحاله هكذا حلال الدم ولو حل دمه ما حقن بالتولية والإسار والجرح وعزله القتال ولا يحقن دم الكافر حتى يسلم وحاله ما وصفت قبله من حال من أراد دم رجل أو ماله ID ' ' ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال
صفحة : 1459
الخلاف في قتال أهل البغي قال الشافعي رحمه الله تعالى حضرني بعض الناس الذي حكيت حجته بحديث عثمان فكلمني بما وصفت وحكيت له جملة ما ذكرت في قتال أهل البغي فقال هذا كما قلت وما علمت أحدا احتج في هذا بشبيه بما احتججت به ولقد خالفك أحصابنا منه في مواضع قلت وما هي قال قالوا إذا كانت للفئة الباغية فئة ترجع إليها وانهزموا قتلوا منهزمين وذفف عليهم جرحى وقتلوا أسرى فإن كانت حربهم قائمة فأسر منهم أسير قتل أسيرهم وذفف على جرحاهم فأما إذا لم يكن لأهل البغي فئة وانهزم عسكرهم فلا يحل أن يقتل مدبرهم ولا أسيرهم ولا يذفف على جرحاهم قال الشافعي رحمه الله تعالى فقلت له إذا زعمت أن ما احتججنا به حجة فكيف رغبت عن الأمر الذي فيه الحجة أقلت بهذا خبرا أو قياسا قال بل قلت به خبرا قلت وما الخبر قال إن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال يوم الجمل لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح فكان ذلك عندنا على أنه ليس لأهل الجمل فئة يرجعون إليها قال الشافعي رحمه الله تعالى فقلت له أفرويت عن علي أنه قال لو كانت لهم فئة يرجعون إليها قتلنا مدبرهم وأسيرهم وجريحهم فتستدل باختلاف حكمه على اختلاف السيرة في الطائفتين عنده قال لا ولكنه عندي على هذا المعنى قلت أفبدلالة فأوجدناها فقال فكيف يجوز قتلهم مقبلين ولا يجوز مدبرين قلت بما قلنا من أن الله عز وجل إنما أذن بقتالهم إذا كانوا باغين قال الله تبارك وتعالى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله وإنما يقاتل من يقاتل فأما من لا يقاتل فإنما يقال اقتلوه لا فقاتلوه ولو كان فيما احتججت به من هذا حجة كانت عليك لأنك تقول لا تقتلون مدبرا ولا أسيرا ولا جريحا إذا انهزم عسكرهم ولم تكن لهم فئة قال قلته اتباعا لعلي بن أبي طالب قلت فقد خالفت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مثل ما اتبعته فيه وقلت أرأيت إن احتج عليك أحد بمثل حجتك وقال نقتلهم بكل حال وإن انهزم عسكرهم لأن عليا قد يكون ترك قتلهم على وجه المن لا على وجه التحريم قال ليس ذلك له وإن احتمل ذلك الحديث لأنه ليس في الحديث دلالة عليه قلت ولا لك لأنه ليس في حديث علي رضي الله تعالى عنه ولا يحتمله دلالة على قتل من كانت له فئة موليا وأسيرا وجريحا قال وقلت وما ألفيته من هذا المعنى ما هو إلا واحد من معنيين أما ما قلنا بالإستدلال بحكم الله عز وجل وفعل من يقتدي به من السلف فإن أبا بكر قد أسر غير واحد ممن منع الصدقة فما ضربه ولا قتله وعلي رضي الله تعالى عنه قد أسر وقدر
صفحة : 1460
على من امتنع فما ضربه ولا قتله وإما أن يكون خروجهم إلى هذا يحل دماءهم فيقتلون في كل حال كانت لهم فئة أو لم تكن قال لا يقتلون في هذه الحال قلت أجل ولا في الحال التي أبحت دماءهم فيها وقد كان معاوية بالشام فكان يحتمل أن تكون لهم فئة كانوا كثيرا وانصرف بعضهم قبل بعض فكانوا يحتملون أن تكون الفئة المنصرفة أولا فئة للفئة المنصرفة آخرا وقد كانت في المسلمين هزيمة يوم أحد وثبت رسول الله ﷺ وطائفة بالشعب فكان النبي ﷺ فئة لمن انحاز إليه وهم في موضع واحد وقد يكون للقوم فئة فينهزمون ولا يريدونها ولا يريدون العودة للقتال ولا يكون لهم فئة فينهزمون يريدون الرجوع للقتال وقد وجدت القوم يريدون القتال ويشحذون السلاح فنزعم نحن وأنت أنه ليس لنا قتالهم ما لم ينصبوا إماما ويسيروا ونحن نخافهم على الإيقاع بنا فكيف أبحت قتالهم بإرادة غيرهم القتال أو بترك غيرهم الهزيمة وقد انهزموا هم وجرحوا وأسروا ولا تبيح قتالهم بإرادتهم القتال وقلت له لو لم يكن عليك في هذا حجة إلا فعل علي بن أبي طالب وقوله كنت محجوجا بفعل علي وقوله قال وما ذاك قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي فاختة أن عليا رضي الله تعالى عنه أتى بأسير يوم صفين فقال لا تقتلني صبرا فقال علي لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين فخلى سبيله ثم قال أفيك خير أيبايع قال الشافعي رحمه الله تعالى والحرب يوم صفين قائمة ومعاوية يقاتل جادا في أيامه كلها منتصفا أو مستعليا وعلي يقول لأسير من أصحاب معاوية لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين وأنت تأمر بقتل مثله قال فلعله من عليه قلت هو يقو إني أخاف الله رب العالمين قال يقول إني أخاف الله فأطلب الأجر بالمن عليك قلت أفيجوز إذ قال لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح لمن لا فئة له مثل حجتك قال لا لأنه لا دلالة في الحديث عليه قلت ولا دلالة في حديث أبي فاختة على ما قلت وفيه دلالة على خلافك لأنه لو قاله رجاء الأجر قال إني لأرجو الله واسم الرجاء بمن ترك شيئا مباحا له أولى من اسم الخوف واسم الخوف بمن ترك شيئا خوف المأثم أولى وإن احتمل اللسان المعنيين قال فإن أصحابنا يقولون قولك لا نستمتع من أموال أهل البغي شيء إلا في حال واحدة قلت وما تلك الحال قال إذا كانت الحرب قائمة استمتع بدوابهم وسلاحهم فإذا انقضت الحرب رد ذلك عليهم وعلى ورثتهم قلت أفرأيت إن عارضنا وإياك معارض يستحل مال من استحل دمه من أهل القبلة فقال الدم عند الله تعالى أعظم حرمة من المال فإذا حل الدم كان المال له تبعا هل الحجة
صفحة : 1461
عليه إلا أن يقال هذا في رجال أهل الحرب الذين خالفوا دين الله عز وجل هكذا وتحل أموالهم أيضا بما لا تحل به دماؤهم وذلك أن يسبى ذراريهم ونساؤهم فيسترقون وتؤخذ أموالهم ونساؤهم وذراريهم ولا تحل دماؤهم والحكم في أهل القبلة مباين لهذا قد يحل دم الزاني منهم والقاتل ولا يحل من مالهما شيء وذلك لجنايتهما ولا جناية على أموالهما والباغي أخف حالا منهما لأنه يقال للزاني المحصن والقاتل هذا مباح الدم مطلقا لا استثناء فيه ولا يقال للباغي مباح الدم إنما يقال على الباغي ان يمنع من البغي فإن قدر على منعه منه بالكلام أو كان باغيا غير ممتنع مقاتل لم يحل قتاله وإن يقاتل فلم يخلص إلى دمه حتى يصير في غير معنى قتال بتولية أو أن يصير جريحا أو ملقيا للسلاح أو أسيرا لم يحل دمه فقال هذا الذي إذا كان هكذا حرم أو مثل حال الزاني والقاتل محرم المال قال ما الحجة عليه إلا هذا وما فوق هذا حجة فقلت هل الذي حمدت حجة عليك قال إني إنما آخذه لأنه أقوى لي وأوهن لهم ما كانوا يقاتلون فقلت فهل يعدو ما أخذت من أموالهم أن تأخذ مال قتيل قد صار ملكه لطفل أو كبير لم يقاتلك قط فتقوىبمال غائب عنك غير باغ على باغ يقاتلك غيره أو مال جريح أو أسير أو مول قد صاروا في غير معنى أهل البغي الذين يحل قتالهم وأموالهم أو مال رجل يقاتلك يحل لك دفعه وإن أتى االدفع على نفسه ولا جناية على ماله أو رأيت لو سبى أهل البغي قوما من المسلمين أنأخذ من أموالهم ما نستعين به على قتال أهل البغي لنستنقذهم فنعطيهم باستنقاذهم خيرا مما نستمتع به من أموالهم قال لا قلت وقليل الاستمتاع بأموال الناس محرم قال نعم قلت فما أحل لك الاستمتاع بأموال أهل البغي حتى تنقضي الحرب ثم استمتعت بالكراع والسلاح دون الطعام والثياب والمال غيرهما قال فما فيه قياس وما القياس فيه إلا ما قلت ولكني قلته خبرا قلت وما الخبر قال بلغنا ان عليا رضي الله تعالى عنه غنم ما في عسكر من قاتله فقلت له قد رويتم أن عليا عرف ورثة أهل النهروان حتى تغيب قدر أو مرجل أفسار على علي بسيرتين إحداهما غنم والأخرى لم يغنم فيها قال لا ولكن أحد الحديثين وهم قلت فأيهما الوهم قال ما تقول أنت قلت ما أعرف منهما واحدا ثابتا عنه فإن عرفت الثابت فقل بما يثبت عنه قال ماله أن يغنم أموالهم قلت الآن أموالهم محرمة قال نعم فقلت فقد خالفت الحديثين عنه وأنت لا تغنم وقد زعمت أنه غنم ولا تترك وقد زعمت أنه ترك قال إنما استمتع بها في حال قلت فالمحظور يستمتع به فيما سوى هذا قال لا قلت أفيجوز أن يكون شيآن محظوران فيستمتع بأحدهما ويحرم الاستمتاع بالآخر بلا
صفحة : 1462
خبر قال لا قلت فقد أجزته قال الشافعي رحمه الله تعالى وقلت له أرأيت لو وجدت لهم دنانير أو دراهم تقويك عليهم أنأخذها قال لا قلت فقد تركت ما هو أشد لك عليهم تقوية من السلاح والكراع في بعض الحالات قال فإن صاحبنا يزعم أنه لا يصلي على قتلى أهل البغي فقلت له ولم وصاحبك يصلي على من قتله في حد والمقتول في حد يجب على صاحبك قتله ولا يحل له تركه والباغي يحرم على صاحبك قتله موليا وراجعا عن البغي فإذا ترك صاحبك الصلاة على أحدهما دون الآخر كام من لا يحل له إلا قتله أولى أن يترك الصلاة عليه قال كأنه ذهب إلى أن ذلك عقوبة ليتنكل غيره عن مثل ما صنع قلت أو يعاقبه صاحبك بمالا يسعه أن يعاقبه به فإن كان ذلك جائزا فليصلبه أو ليحرقه فهو أشد في العقوبة من ترك الصلاة عليه أو يجز رأسه فيبعث به قال لا يفعل به من هذا شيئا قلت وهل يبالي من قاتلك على أنك كافر أن لا تصلي عليه وهو يرى صلاتك لا تقربه إلى الله تعالى وقلت وصاحبك لو غنم مال الباغي كان أبلغ في تنكيل الناس حتى لا يصنعوا مثل ما صنع الباغي قال ما ينكل أحد بما ليس له أن ينكل به قلت فقد فعلت وقلت له أتمنع الباغي أن تجوز شهادته أو يناكح أو يوارث أو شيئا مما يحوز لأهل الاسلام قال لا قلت قال فكيف منعته الصلاة وحدها أبخبر لا قلت فإن قال لك قائل أصلي عليه وأمنعه أن يناكح أو يوارث قال ليس له أن يمنعه شيئا مما لا يمنعه المسلم إلا بخبر قلت فقد منعه الصلاة بلا خبر وقال إذا قتل العادل أخاه وأخوه باغ ورثه لأن له قتله وإذا قتله أخوه لم يرثه لأنه ليس له قتله فقلت له فقد زعم بعض أصحابنا أن من قتل أخاه عمدا لم يرث من ماله ولا من ديته إن أخذت منه شيئا ومن قتله خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته شيئا لأنه لا يتهم على أن يكون قتله ليرث ماله وروى هذا عمرو بن شعيب يرفعه فقلت حديث عمر بن شعيب ضعيف لا تقوم به حجة وقلت إنما قالى النبي ﷺ ليس لقاتل شيء هذا على من لزمه اسم القتل أيما كان تعمد القتل أو مرفوعا عنه الإثم بأن عمد غرضا فأصاب إنسانا فكيف لم يقل بهذا في القتيل من أهل البغي والعدل فيقول كل من يلزمه اسم قاتل فلا يرث كما احتججت علينا وأنت أيضا تسوي بينهما في القتل فتقول لا أفيد واحدا منهما من صاحبه وإن كان أحدهما ظالما لأن كلا متأول قال فإن صاحبنا قال نقاتل أهل البغي ولا يدعون لأنهم يعرفون ما يدعون إليه وقال حجتنا فيه أن من بلغته الدعوة من أهل الحرب جاز أن يقاتل ولا يدعي فقلت له لو قاس غيرك أهل البغي بأهل الحرب كنت شبيها بالخروج إلى الإسراف في
صفحة : 1463
تضعيفه كما رأيتك تفعل في أقل من هذا قال وما الفرق بينهم قلت أرأيت أهل البغي إذا أظهروا إرادة الخروج علينا والبراءة منا واعتزلوا جماعتنا أنقتلهم في هذه الحال قال لا فقلت ولا نأخذ لهم مالا ولا نسبي لهم ذرية قال لا قلت أفرأيت أهل الحرب إذا كانوا في ديارهم لا يهمون بنا ولا يعرضون بذكرنا أهل قوة على حربنا فتركوها أو ضعف عنها فلم يذكروها أيحل لنا أن نقاتلهم نياما كانوا أو مولين ومرضى ونأخذ ما قدرنا عليه من مال وسبي نسائهم وأطفالهم ورجالهم قال نعم قلت وما يحل منهم مقاتلين مقبلين ومدبرين مثل ما يحل منهم تاركين للحرب غافلين قال نعم قلت وأهل البغي مقبلين يقاتلون ويتركون مولين فلا يؤخذ لهم مال قال نعم قلت أفتراهم يشبهونهم قال أنهم ليفارقونهم في بعض الأمور قلت بل في أكثرها أو كلها قال فما معنى دعوتهم قلت قد يطلبون الأمر ببعض الخوف والإرعاد فيجتمعون ويعتقدون ويسألون عزل العامل ويذكرون جوره أو رد مظلمته أو ما أشبه هذا فيناظرون فإن كان ما طلبوا حقا أعطوه وإن كان باطلا أقيمت الحجة عليهم فيه فإن تفرقوا قبل هذا تفرقا لا يعودون له فذاك وإن أبوا إلا القتال قوتلوا وقد اجتمعوا في زمان عمر بن عبدالعزيز فكلمهم فتفرقوا بلا حرب وقلت له وإذا كانوا عندنا وعندك إذا قاتلوا فأكثروا القتل ثم ولوا لم يقتلوا مولين لحرمة الإسلام مع عظم الجناية فكيف تبيتهم فتقتلهم قبل قتالهم ودعوتهم وقد يمكن فيهم الرجوع بلا سفك دم ولا مؤنة أكثر من الكلام ورد مظلمة إن كانت يجب على الإمام ردها إذا علمها قبل أن يسألها ID ' ' وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى:
صفحة : 1464
الأمان قال الشافعي رحمه الله تعالى قال بعض الناس يجوز أمان المرأة المسلمة والرجل المسلم لأهل الحرب فأما العبد المسلم فإن أمن أهل بغي أو حرب وكان يقاتل أجزنا أمانه كما نجيز أمان الحر وإن كان لا يقاتل لم نجز أمانه فقلت له لم فرقت بين العبد يقاتل ولا يقاتل فقال قال رسول الله ﷺ المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم فقلت له هذه الحجة عليك قال ومن أين قلت إن زعمت أن قول رسول الله ﷺ يسعى بذمتهم أدناهم على الأحرار دون المماليك فقد زعمت أن المملوك يؤمن وهو خارج من الحديث قال ما هو بخارج من الحديث وإنه ليلزمه اسم الإيمان فقلت له فإن كان داخلا في الحديث فكيف زعمت أنه لا يجوز أمانه إذا لم يقاتل قال إنما يؤمن المقاتلين مقاتل قلت ورأيت ذلك استثناء في الحديث أو وجدت عليه دلالة منه قال كان العقل يدل على هذا قلت ليس كما تقول الحديث والعقل معا يدلان على أنه يجوز أمان المؤمن بالإيمان لا بالقتال ولو كان كما قلت كنت قد خالفت أصل مذهبك قال ومن أين قلت زعمت أن المرأة تؤمن فيجوز أمانها والزمن لا يقاتل يؤمن فيجوز أمانه وكان يلزمك في هذين على أصل ما ذهبت إليه أن لا يجوز أمانهما لأنهما لا يقاتلان قال فإني أترك هذا كله فأقول إن النبي ﷺ لما قال تتكافأ دماؤهم فدية العبد أقل من دية الحر فليس بكفء بدمه لدمه فقلت له القول الذي صرت إليه أبعد من الصواب من القول الذي بان لك تناقض قولك فيه قال ومن أين قلت أتنظر في قول رسول الله ﷺ تتكافأ دماؤهم إلى القود أم إلى الدية قال إلى الدية قلت فدية المرأة نصف دية الرجل وأنت تجيز أمانها ودية بعض العبيد عندك أكثر من دية المرأة فلا تجيز أمانه وقد يكون العبد لا يقاتل أكثر دية من العبد يقاتل ولا تجيز أمانه ويكون العبد يقاتل عن مائة درهم فتجيز أمانه فقد تركت أصل مذهبك في إجازة أمان العبد المقاتل يسوي مائة درهم وفي المرأة قال فإن قلت إنما عنى تتكافأ دماؤهم في القود قلت فقله قال فقد قلته قلت فأنت تقيد بالعبد الذي لا يسوي عشرة دنانير الحر ديته ألف دينار كان العبد ممن يحسن قتالا أو لا يحسنه قال إني لأفعل وما هذا على القود قلت أجل ولا على الدية ولا على القتال ولو كان على شيء من ذلك كنت قد تركته كله قال فعلام هو قلت على اسم الإيمان قال وإذا أسر أهل البغي أهل العدل وكان أهل العدل فيهم تجار فقتل بعضهم بعضا أو استهلك بعضهم بعضا مالا لم
صفحة : 1465
يقتص لبعضهم من بعض ولم يلزم بعضهم لبعض في ذلك شيء لأن الحكم لا يجري عليهم وكذلك إن كانوا في دار حرب فقلت له أتعني أنهم في حال شبهة بجهالهم وتنحيهم عن أهل العلم وجهالة من هم بين ظهرانيه من أهل البغي أو مشركين قال لا ولو كانوا فقهاء يعرفون أن ما أتوا وما هو دونه محرم أسقطت ذلك عنهم في الحكم لأن الدار لا يجري عليها الحكم فقلت له إنما يحتمل قولك لا يجري عليها الحكم معنيين أحدهما أن تقول ليس على أهلها أن يعطوا أن يكون الحكم عليها جاريا والمعنى الثاني أن يغلب أهلها عليها فيمنعونها من الحكم في الوقت الذي يصيب فيه هؤلاء الحدود فأيهما عنيت قال أما المعنى الأول فلا أقول به على أهلها أن يصيروا إلى جماعة المسلمين ويستسلموا للحكم وهم بمنعه ظالمون مسلمين كانوا أو مشركين ولكن إذا منعوا دارهم من أن يكون عليها طاعة يجري فيها الحكم عليهم الحكم أو لم يكونوا مطيعين قبله فأصاب المسلمون في هذه الدار حدودا بينهم أو لله لم تؤخذ منهم الحدود ولا الحقوق بالحكم وعليهم فيما بينهم وبين الله عز وجل تأديتها فقلت له نحن وأنت نزعم أن القول لا يجوز إلا أن يكون خبرا أو قياسا معقولا فأخبرنا في أي المعنيين قولك قال قولي قياس لا خبر قلنا فعلام قسته قال على أهل دار المحاربين يقتل بعضهم بعضا ثم يظهر عليهم فلا نقيد منهم قلت أتعني من المشركين قال نعم فقلت له أهل الدار من المشركين يخالفون التجار والأسارى فيهم في المعنى الذي ذهبت إليه خلافا بينا قال فأوجدنيه قلت أرأيت المشركين المحاربين لو سبى بعضهم بعضا ثم أسلموا أتدع السابي يتخول المسبي موقوفا له قال نعم قلت فلو فعل ذلك الأسارى أو التجار ثم ظهرنا عليهم قال فلا يكون لهم أن يسترق بعضهم بعضا قلت أفرأيت أهل الحرب لو غزونا فقتلوا فينا ثم رجعوا إلى دارهم فأسلموا أو أسلموا قبل الرجوع أيكون على القاتل منهم قود قال لا قلت فلو فعل ذلك الأسارى أو التجار غير مكرهين ولا مشتبه عليهم قال يقتلون قلت أفرأيت المسلمين أيسعهم أن يقصدوا قصد الأسارى والتجار من المسلمين ببلاد الحرب فيقتلونهم قال لا بل محرم عليهم قلت أفيسعهم ذلك في أهل الحرب قال نعم قلت أرأيت الأسارى والتجار لو تركوا صلوات ثم خرجوا إلى دار الإسلام أيكون عليهم قضاؤها أو زكاة كان عليهم أداؤها قال نعم قلت ولا يحل لهم في دار الحرب إلا ما يحل في دار الاسلام قال نعم قلت فإن كان الدار لا تغير مما أحل الله لهم وحرم عليهم شيئا فكيف أسقطت عنهم حق الله عز وجل وحق الآدميين الذي أوجبه الله عز وجل فيما أتوا في الدار التي لا تغير عندك شيئا ثم قلت ولا يحل لهم حبس حق
صفحة : 1466
قبلهم في دم ولا غيره وما كان لا يحل لهم حبسه كان على السلطان استخراجه منهم عندك في غير هذا الموضع فقال فإني أقيسهم على أهل البغي الذين أبطل ما أصابوا إذا كان الحكم لا يجري عليهم قلت ولو قستهم بأهل البغي كنت قد أخطأت القياس قال وأين قلت أنت تزعم أن أهل البغي ما لم ينصبوا إماما ويظهروا حكمهم يقاد منهم في كل ما أصابوا وتقام عليهم الحدود والأسارى والتجار لا إمام لهم ولا امتناع فلو قستهم بأهل البغي كان الذي نقيم عليه الحدود من أهل البغي أشبه بهم لأنه غير ممتنع بنفسه وهم غير ممتنعين بأنفسهم وأهل البغي عندك إذا قتل بعضهم بعضا بلا شبهة ثم ظهرت عليهم أقدتهم وأخذت لبعضهم من بعض ما ذهب لهم من مال فقال ولكن الدار ممنوعة من أن يجري عليها الحكم بغيرهم فإنما منعتهم بأن الدار لا يجري عليها الحكم فقلت له فأنت إن قستهم بأهل الحرب والبغي مخطئ وإنما كان ينبغي أن تبتدئ بالذي رجعت إليه قال فيدخل علي في الذي رجعت إليه شيء قلت نعم قال وما هو قلت أرأيت الجماعة من أهل القبلة يحاربون فيمتنعون في مدينة أو صحراء فيقطعون الطريق ويسفكون الدماء ويأخذون الأموال ويأتون الحدود قال يقام هذا كله عليهم قلت ولم وقد منعوا هم بأنفسهم دارهم ومواضعهم حتى صاروا لا تجري الأحكام عليهم وإن كنت إنما ذهبت إلى أنه أسقط الحكم عن المسلمين امتناع الدار فهؤلاء منعوا الدار بأنفسهم من أن يجري عليها حكم وقد أجريت عليهم الحكم فلم أجريته على قوم في دار ممنوعة من القوم وأسقطته عن آخرين وإن كنت قلت يسقط عن أهل البغي فأولئك قوم متأولون مع المنعية مشبه عليهم يرون أن ما صنعوا مباح لهم والأسارى والتجار الذين أسقطت عنهم الحدود يرون ذلك محرما عليهم قال فإنما قلت هذا في المحاربين من أهل القبلة بأن الله تعالى حكم عليهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف قلت له أفيحتمل أن يكون الحكم عليهم إن كانوا غير ممتنعين قال نعم ويحتمل وقل شيء إلا وهو يحتمل ولكن ليس في الآية دلالة عليه والآية على ظاهرها حتى تأتي دلالة على باطن دون ظاهر قال الشافعي رحمه الله تعالى قلت له ومن قال بباطن دون ظاهر بلا دلالة له في القرآن والسنة أو الإجماع مخالف للآية قال نعم فقلت له فأنت إذا تخالف آيات من كتاب الله عز وجل قال وأين قلت قال الله تبارك وتعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وقال الله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وقال عز وجل ذكره والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما فزعمت في هذا وغيره أنك تطرحه عن الأسارى والتجار بأن يكونوا
صفحة : 1467
في دار ممتنعة ولم تجد دلالة على هذا في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسول الله ﷺ ولا إجماع فتزيل ذلك عنهم بلا دلالة وتحصهم بذلك دون غيرهم وقال بعض الناس لا ينبغي لقاضي أهل البغي أن يحكم في الدماء والحدود وحقوق الناس وإذا ظهر الإمام على البلد الذي فيه قاض لأهل البغي لم يرد من حكمه إلا ما يرد من حكم غيره من قضاة غير أهل البغي وإن حكم على غير أهل البغي فلا ينبغي للإمام أن يجيز كتابه خوف استحلاله أموال الناس بما لا يحل له قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا كان غير مأمون برأيه على استحلال ما لا يحل له من مال امرئ أو دمه لم يحل قبول كتابه ولا إنفاذ حكمه وحكمه أكثر من كتابه فكيف يجوز أن ينفذ حكمه وهو الأكثر ويرد كتابه وهو الأقل وقال من خالفنا إذا قتل العادل أباه ورثه وإذا قتل الباغي أباه لم يرثه وخالفه بعض أصحابه فقال هما سواء يتوارثان لأنهما متأولان وخالفه آخر فقال لا يتوارثان لأنهما قاتلان قال الشافعي رحمه الله تعالى والذي هو أشبه بمعنى الحديث أنهما سواء لا يتوارثان ويرثهما غيرهما من ورثتهما قال الشافعي قال من خالفنا يستعين الإمام على أهل البغي بالمشركين إذا كان حكم المسلمين ظاهرا قال الشافعي رحمه الله تعالى قلت له إن الله عز وجل أعز بالإسلام أهله فخولهم من خالفهم بخلاف دينه فجعلهم صنفين صنفا مرقوقين بعد الحرية وصنفا مأخوذا من أموالهم ما فيه لأهل الإسلام المنفعة صغارا غير مأجورين عليه ومنعهم من أن ينالوا نكاح مسلمة وأباح نساء حرائر أهل الكتاب للمسلمين ثم زعمت أن لا يذبح النسك إذا كان تقربا إلى الله جل ذكره أحد من أهل الكتاب فكيف أجزت أن تجعل المشرك في منزلة ينال بها مسلما حتى يسفك بها دمه وأنت تمنعه من أن تسلطه على شاته التي يتقرب بها إلى ربه قال حكم الإسلام هو الظاهر قلت والمشرك هو القاتل والمقتول قد مضى عنه الحكم وصيرت حتفه بيدي من خالف دين الله عز وجل ولعله يقتله بعداوة الإسلام وأهله في الحال التي لا تستحل أنت فيها قتله قال الشافعي وقلت له أرأيت قاضيا إن استقضى تحت يده قاضيا هل يولي ذميا مأمونا أن يقضي في حزمة بقل وهو يسمع قضاءه فإن أخطأ الحق رده قال لا قلت ولم وحكم القاضي الظاهر قال وإن فإن عظيما أن ينفذ على مسلم شيء بقول ذمي قلت إنه بأمر مسلم قال وإن كان كذلك فالذمي موضع حاكم فقلت له أفتجد الذمي في قتال أهل البغي قاتلا في الموضع الذي لا يصل الإمام إلى أن يأمره بقتل إن رآه ولا كف قال إن هذا كما وصفت ولكن أصحابنا احتجوا بأن النبي ﷺ استعان بالمشركين على المشركين قلت
صفحة : 1468
ونحن نقول لك استعن بالمشركين على المشركين لأنه ليس في المشركين عز محرم أن نذله ولا حرمة حرمت إلا أن نستبقيها كما يكون في أهل دين الله عز وجل ولو جاز أن يستعان بهم على قتال أهل البغي في الحرب كان أن يمضوا حكما في حزمة بقل أجوز وقلت له ما أبعد ما بين أقاويلك قال في أي شيء قلت أنت تزعم أن المسلم والذمي إذا تداعيا ولذا جعلت الولد للمسلم وحجتهما فيه واحدة لأن الإسلام أولى بالولد قبل أن يصف الولد الإسلام وزعمت أن أحد الأبوين إذا أسلم كان الولد مع أيهما أسلم تعزيزا للإسلام فأنت في هذه المسألة تقول هذا وفي المسألة قبلها تسلط المشركين على قتل أهل الإسلام كتاب السبق والنضال أخبرنا الربيع بن سلمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال جماع ما يحل أن يأخذه الرجل من الرجل المسلم ثلاثة وجوه أحدهما ما وجب على الناس في أموالهم مما ليس لهم دفعه من جناياتهم وجنايات من يعقلون عنه وما وجب عليهم بالزكاة والنذور والكفارات وما أشبه ذلك وما أوجبوا على أنفسهم مما أخذوا به العوض من البيوع والإجارات والهبات للثواب وما في معناه وما أعطوا متطوعين من أموالهم التماس واحد من وجهين أحدهما طلب ثواب الله تعالى والآخر طلب الاستحماد ممن أعطوه إياه وكلاهما معروف حسن ونحن نرجو عليه الثواب إن شاء الله تعالى ثم ما أعطى الناس من أموالهم من غير هذه الوجوه وما في معناها واحد من وجهين أحدهما حق والآخر باطل فما أعطوا من الباطل غير جائز لهم ولا لمن أعطوه وذلك قول الله عز وجل ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل فالحق من هذا الوجه الذي هو خارج من هذه الوجوه التي وصفت يدل على الحق في نفسه وعلى الباطل فيما خالفه وأصل ذكره في القرآن والسنة والآثار قال الله تبارك وتعالى فيما ندب إليه أهل دينه وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل فزعم أهل العلم بالتفسير أن القوة هي الرمي وقال الله تبارك وتعالى وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال لا سبق إلا في نصل أو حافر أو خف قال الشافعي وأخبرني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال لا سبق إلا في حافر أو خف قال وأخبرنا ابن أبي فديك
صفحة : 1469
عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال مضت السنة في النصل والإبل والخيل والدواب حلال قال وأخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ سابق بين الخيل التي قد أضمرت قال الشافعي رحمه الله تعالى وقول النبي ﷺ لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل يجمع معنيين أحدهما أن كل نصل رمي به من سهم أو نشابة أو ما ينكأ العدو نكايتهما وكل حافر من خيل وحمير وبغال وكل خف من إبل بخت أو عراب داخل في هذا المعنى الذي يحل فيه السبق والمعنى الثاني أنه يحرم أن يكون السبق إلا في هذا وهذا داخل في معنى ما ندب الله عز وجل إليه وحمد عليه أهل دينه من الإعداد لعدوه القوة ورباط الخيل والآية الأخرى فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب لأن هذه الركاب لما كان السبق عليها يرغب أهلها في اتخاذها لآمالهم إدارك السبق فيها والغنيمة عليها كانت من العطايا الجائزة بما وصفتها فالإستباق فيها حلال وفيما سواها محرم فلو أن رجلا سابق رجلا على أن يتسابقا على أقدامهما أو سابقه على أن يعدو إلى رأس جبل أو على أن يعدو فيسبق طائرا أو على أن يصيب ما في يديه أو على أن يمسك في يده شيئا فيقول له اركن فيركن فيصيبه أو على أن يقوم على قدميه ساعة أو أكثر منها أو على أن يصارع رجلا أو على أن يداحي رجلا بالحجارة فيغلبه كان هذا كله غير جائز من قبل أنه خارج من معاني الحق الذي حمد الله عليه وخصته السنة بما يحل فيه السبق وداخل في معنى ما حظرته السنة إذ نفت السنة أن يكون السبق إلا في خف أو نصل أو حافر وداخل في معنى أكل المال بالباطل لأنه ليس مما أخذ المعطي عليه عوضا ولا لزمه بأصل حق ولا أعطاه طلبا لثواب الله عز وجل ولا لمحمدة صاحبه بل صاحبه يأخذه غير حامد له وهو غير مستحق له فعلى هذا عطايا الناس وقياسها قال الشافعي رحمه الله تعالى والأسباق ثلاثة سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعا به وذلك مثل أن يسبق بين الخيل من غاية إلى غاية فيجعل للسابق شيئا معلوما وإن شاء جعل للمصلي والثالث والرابع والذي يليه بقدر ما رأى فما جعل لهم كان لهم على ما جعل لهم وكان مأجورا عليه أن يؤدي فيه وحلالا لمن أخذه وهذا وجه ليست فيه علة والثاني يجمع وجهين وذلك أن يكون الرجلان يريدان أن يستبقيان بفرسيهما ولا يريد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه ويريدان أن يخرجا سبقين من عندهما وهذا لا يجوز حتى يدخلا بينهما محللا والمحلل فارس أو أكثر من فارس ولا يجوز المحلل حتى يكون كفؤا للفارسين لا يأمنان أن يسبقهما فإذا كان بينهما محلل أو
صفحة : 1470
أكثر فلا بأس أن يخرج كل واحد منهما ما تراضيا عليه مائة مائة أو أكثر أو أقل ويتواضعانها على يدي من يثقان به أو يضمنانها ويجري بينهما المحلل فإن سبقهما المحلل كان ما أخرجا جميعا له وإن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله وأخذ مال صاحبه وإن أتيا مستويين لم يأخذ واحد منهما من صاحبه شيئا وأقل السبق أن يفوت أحدهما صاحبه بالهادي أو بعضه أو بالكتد أو بعضه قال الربيع الهادي عنق الفرس والكتد كتف الفرس والمصلي هو الثاني والمحلل هو الذي يرمي معى ومعك ويكون كفؤا للفارسين فإن سبقنا المحلل أخذ منا جميعا وإن سبقناه لم نأخذ منه شيئا لأنه محلل وإن سبق أحدنا صاحبه وسبقه المحلل أخذ المحلل منه السبق ولم يأخذ مني لأني قد أخذت سبقي قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا كان هذا في الاثنين هكذا فسواء لو كانوا مائة أخرج كل واحد منهم مثل ما يخرج صاحبه وأدخلوا بينهم محللا إن سبق كان له جميع ذلك وإن سبق لم يكن عليه شيء وإنما قلنا هذا لأن أصل السنة في السبق أن يكون بين الخيل وما يجري فإن سبق غنم وإن سبق لم يغرم وهكذا هذا في الرمي والثالث أن يسبق أحد الفارسين صاحبه فيكون السبق منه دون صاحبه فإن سبقه صاحبه كان له السبق وإن سبق صاحبه لم يغرم صاحبه شيئا وأحرز هو ماله وسواء لو أدخل معه عشرة هكذا ولا يجوز أن يجري الرجل مع الرجل يخرج كل واحد منها سبقا ويدخلان بينهما محللا إلا والغاية التي يجريان منها والغاية التي ينتهيان إليها واحدة ولا يجوز أن ينفصل أحدهما عن الآخر بخطوة واحدة ID ' ' (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل ولا يكاد يقدر عليه. وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
صفحة : 1471
ما ذكر في النضال قال الشافعي رحمه الله والنضال فيما بين الاثنين يسبق أحدهما الآخر والثالث بينهما المحلل كهو في الخيل لايختلفان في الأصل فيجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر ويرد فيهما ما يرد في الآخر ثم يتفرعان فإذا اختلفت عللهما اختلفا وإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن يجعلا بينهما قرعا معروفا خواسق 1 أو حوابي فهو جائز إذا سميا الغرض الذي يرميانه وجائز أن يتشارطا ذلك محاطة أو مبادرة فإذا تشارطاه محاطة فكلما أصاب أحدهما بعدد وأصاب الآخر بمثله سقط كل واحد من العددين واستأنفا عددا كأنهما أصابا بعشرة أسهم عشرة سقطت العشرة بالعشرة ولا شيء لواحد منهما على صاحبه ولا يعتد كل واحد منهما على صاحبه إلا بالفضل من إصابته على إصابة صاحبه وهذا من حين يبتدئان السبق إلى أن يفرغا منه وسواء كان لأحدهما فضل عشرين سهما ثم أصاب معه صاحبه بسهم حط منها سهما ثم كلما أصاب حطه حتى يخلص له فضل العدد الذي شرط فينضله وإن وقف وقرع بينهما من عشرين خاسقا وله فضل تسعة عشر فأصاب بسهم وقفنا المفلوج وأمرنا الآخر بالرمي حتى ينفد ما في أيديهما في رشقها فإن حطه المفلوج عليه بطل فلجه وإن أنفد ما في يديه وللآخر في ذلك الرشق عشرون لم يكلف أن يرمي معه وكان قد فلج عليه وإن تشارطا أن القرع بينهما حواب كان الحابي قرعة والخاسق قرعتين ويتقايسان إذا أخطآ في الوجه معا فإن كان أحدهما أقرب من صاحبه بسهم فأكثر عدد ذلك عليه وإن كان أقرب منه بسهم ثم الآخر أقرب بأسهم بطلت أسهمه بالسهم الذي هو أقرب به لا يعد القرب لواحد ولا أكثر وثم واحد أقرب منه وكذلك لو كان أحدهما أقرب بسهم حسبناه له والآخر أقرب بخمسة أسهم بعد ذلك السهم لم نحسبها له إنما نحسب له الأقرب فأيهما كان أقرب بواحد حسبناه وإن كان أقرب بأكثر وإن كان أقرب بواحد ثم الآخر بعده أقرب بواحد ثم الأول الذي هو أقربهما أقرب بخمسة أسهم لم يحسب له من الخمسة من قبل أن لمناضله سهما أقرب منها وإن كان أقرب بأسهم فأصاب صاحبه بطل القرب لأن المصيب أولى من القريب إنما يحسب القريب لقربه من المصيب ولكن إن أصاب أحدهما وأخلى الآخر حسب للمصيب صوابه ثم نظر في حوابيهما فإن كان الذي لم يصب أقرب بطل قربه بمصيب مناضله فإن كان المصيب أقرب حسب له من نبله ما كان أقرب مع مصيبه لأنا إذا حسبنا له ما قرب من نبله مع غير مصيبه كانت محسوبة مع مصيبه وقد رأيت من أهل الرمي من يزعم أنهم
صفحة : 1472
إنما يتقايسون في القرب إلى موضع العظم وموضع العظم وسط الشن بالأرض ولست أرى هذا يستقيم في القياس فالقياس أن يتقاربوا إلى الشن من قبل أن الشن موضع الصواب وقد رأيت منهم من يقايس بين النبل في الوجه والعواضد يمينا وشمالا ما لم يجاوز الهدف فإذا جاوز الهدف أو الشن أو كان منصوبا ألغوها فلم يقايسوا بها ما كان عضدا أو كان في الوجه ولا يجوز هذا في القياس فالقياس أن يقاس به خارجا أو ساقطا أو عاضدا أو كان في الوجه وهذا في المبادرة مثله في المحاطة لا يختلفان والمبادرة أن يسميا قرعا ثم يحسب لكل واحد منهما صوابه إن تشارطوا الصواب وحوابيه إن تشارطوا الحوابي مع الصواب ثم أيهما سبق إلى ذلك العدد كان له النضل قال الربيع الحابي الذي يصيب الهدف ولا يصيب الشن فإذا تقايسا بالحوابي فاستوى حابياهما تباطلا في ذلك الوجه فلم يتعادا لأنا إنما نعاد من كل واحد منهما ما كان أقرب به وليس واحد منهما بأقرب من صاحبه وإذا سبق الرجل الرجل على أن يرمي معه أو سبق رجل بين رجلين فقد رأيت من الرماة من يقول صاحب السبق أولى أن يبدأ والمسبق يبدئ أيهما شاء ولا يجوز في القياس أن يتشارطا أيهما يبدأ فإن لم يفعلا اقترعا والقياس أن لا يرميا إلا عن شرط وإذا بدأ أحدهما من وجه بدأ الآخر من الوجه الذي يليه ويرمي البادئ بسهم ثم الآخر بسهم حتى ينفد نبلهما وإذا عرق أحدهما فخرج السهم من يده فلم يبلغ الغرض كان له أن يعود فيرمي به من قبل العارض فيه وكذلك لو زهق من قبل العارض فيه أعاده فرمى به وكذلك لو انقطع وتره فلم يبغ أو انكسر قوسه فلم يبلغ كان له أن يعيده وكذلك لو أرسله فعرض دونه دابة أو إنسان فأصابهما كان له أن يعيده في هذه الحالات كلها وكذلك لو اضطربت به يداه أو عرض له في يديه ما لا يمضي معه السهم كان له أن يعود فأما إن جاز وأخطأ القصد فرمى فأصاب الناس أو أجاز من ورائهم فهذا سوء رمى منه ليس بعارض غلب عليه وليس له أن يعيده وإذا كان رميهما مبادرة فبدأ أحدهما فبلغ تسعة عشر من عشرين رمى صاحبه بالسهم الذي يراسله به ثم رمى البادئ فإن أصاب بسهمه ذلك فلج عليه ولم يرم الآخر بالسهم لأن أصل السبق مبادرة والمبادرة أن يفوت أحدهما الآخر وليست كالمحاطة وإذا تشارطا الخواسق فلا يحسب لرجل خاسق حتى يخرق الجلد ويكون متعلقا مثله وإن تشارطا المصيب فلو أصاب الشن ولم يخرقه حسب له لأنه مصيب وإذا تشارطا الخواسق والشن ملصق بهدف فأصاب ثم رجع ولم يثبت فزعم الرامي أنه خسق ثم رجع لغلظ لقيه من حصاة أو غيرها وزعم المصاب
صفحة : 1473
عليه أنه لم يخسق وأنه إنما قرع ثم رجع فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم بينهما بينة فيؤخذ بها وكذلك إن كان الشن باليا فيه خروق فأصاب موضع الخروق فغاب في الهدف فهو مصيب وإن لم يغب في الهدف ولم يستمسك بشيء من الشن ثم اختلفا فيه فالقول قول المصاب عليه مع يمينه فإن أصاب طرفا من الشن فخرمه ففيها قولان أحدهما أنه لا يحسب له خاسقا إذا كان شرطهما الخواسق إلا أن يكون بقي عليه من الشن طغية أو خيط أو جلد أو شيء من الشن يحيط بالسهم فيكون يسمى بذلك خاسقا لأن الخاسق ما كان ثابتا في الشن وقليل ثبوته وكثيره سواء ولا يعرف الناس إذا وجهوا بأن يقال هذا خاسق إلا أن الخاسق ما أحاط به المخسوق فيه ويقال للآخر خارم لا خاسق والقول الآخر أن يكون الخاسق قد يقع بالإسم على ما أوهى الصحيح فخرقه فإذا خرق منه شيئا قل أو كثر ببعض الفصل فهو خاسق لأن الخسق الثقب وهذا قد ثقب وإن خرم وإن كان السهم ثابتا في الهدف وعليه جلدة من الشن أو طغية ليست بمحيطة فقال الرامي خرق هذه الجلدة فانخرمت أو هذه الطغية فانخرمت وقال المخسوق عليه إنما وقع في الهدف متغلغلا تحت هذه الجلدة أو الطغية اللتين هما طائرتان عما سواهما من الشن فالقول قوله مع يمينه ولا يحسب هذا خاسقا بحال في واحد من القولين ولو كان في الشن خرق فأثبت السهم في الخرق ثم ثبت في الهدف كان خاسقا لأنه إذا ثبت في الهدف فالشن أضعف منه ولو كان الشن منصوبا فرمى فأصاب ثم مرق السهم فلم يثبت كان عندي خاسقا ومن الرماة من لا يعده إذا لم يثبت ولو اختلفا فيه فقال الرامي أصاب ومار فخرج وقال المرمي عليه لم يصب أو أصاب حرف الشن بالقدح ثم مضى كان القول قوله مع يمينه ولو أصاب الأرض ثم ازدلف فخرق الشن فقد اختلفت الرماة فمنهم من أثبته خاسقا وقال بالرمية أصاب وإن عرض له دونها شيء فقد مضى بالنزعة التي أرسل بها ومنهم من زعم أن هذا لا يحسب له لأنه استحدث بضربته الأرض شيئا أحماه فهو غير رمي الرامي ولوأصاب وهو مزدلف فلم يخسق وشرطهم الخواسق لم يحسب في واحد من القولين خاسقا ولو كان شرطهما المصيب حسب في قول من يحسب المزدلف وسقط في قول من يسقطه قال الربيع المزدلف الذي يصيب الأرض ثم يرتفع من الأرض فيصيب الشن ولو كان شرطهم المصيب فأصاب السهم حين تفلت غير مزدلف الشن بقدحه دون نصله لم يحسب لأن الصواب إنما هو بالنصل دون القدح ولو أرسله مفارقا للشن فهبت ريح فصرفته فأصاب حسب له مصيبا وكذلك لو صرفته عن الشن وقد أرسله
صفحة : 1474
مصيبا وكذلك لو أسرعت به وهو يراه قاصرا فأصاب حسب مصيبا ولو أسرعت به وهو يراه مصيبا فأخطأ كان مخطئا ولا حكم للريح يبطل شيئا ولا يحقه ليست كالأرض ولا كالدابة يصيبها ثم يزدلف عنها فيصيب ولو كان دون الشن شيء ما كان دابة أو ثوبا أو شيئا غيره فأصابه فهتكه ثم مر بحموته حتى يصيب الشن حسب في هذه الحالة لأن إصابته وهتكه لم يحدث له قوة غير النزع إنما أحدث فيه ضعفا ولو رمى والشن منصوب فطرحت الريح الشن أو أزاله إنسان قبل يقع سهمه كان له أن يعود فيرمي بذلك السهم لأن الرمية زالت وكذلك لو زال الشن عن موضعه بريح أو إزالة إنسان بعد ما أرسل السهم فأصاب الشن حيث زال لم يحسب له ولكنه لو أزيل فتراضيا أن يرمياه حيث أزيل حسب لكل واحد منهما صوابه ولو أصاب الشن ثم سقط فانكسر سهمه أو خرج بعد ثبوته حسب له خاسقا لأنه قد ثبت وهذا كنزع الإنسان إياه بعد ما يصيب ولو تشارطا أن الصواب إنما هو في الشن خاصة فكان للشن وتر يعلق به أو جريد يقوم عليه فأثبت السهم في الوتر أو في الجريد لم يحسب ذلك له لأن هذا وإن كان مما يصلح به الشن فهو غير الشن ولو لم يتشارطا فأثبت في الجريد أو في الوتر كان فيهما قولان أحدهما أن اسم الشن والصواب لا يقع على المعلاق لأنه يزايل الشن فلا يضر به وإنما يتخذ ليربط به كما يتخذ الجدار ليسند إليه وقد يزايله فتكون مزايلته غير إخراب له ويحسب ما ثبت في الجريد إذا كان الجريد مخيطا عليه لأن إخراج الجريد لا يكون إلا بضرر على الشن ويحسب ما ثبت في عرى الشن المخروزة عليه والعلاقة مخالفة لهذا والقول الثاني أن يحسب أيضا ما يثبت في العلاقة من الخواسق لأنها تزول بزواله في حالها تلك قال ولا بأس أن يناضل أهل النشاب أهل العربية وأهل الحسبان لأن كلها نبل وكذلك القسى الدودانية والهندية وكل قوس يرمى عنها بسهم ذي نصل ولا يجوز أن يتناضل رجلان على أن في يد أحدهما من النبل أكثر مما في يد الآخر ولا على أنه إذا خسق أحدهما حسب خاسقه خاسقين وخاسق الآخر خاسقا ولا على أن لأحدهما خاسقا ثابتا لم يرم به يحسب مع خواسقه ولا على أنه يطرح من خواسق أحدهما خاسق ولا على أن أحدهما يرمي من عرض والآخر من أقرب منه ولا يجوز أن يرميا إلا من عرض واحد وبعدد نبل واحد وأن يستبقا إلى عدد قرع لا يجوز أن يقول أحدهما أسابقك على أن آتي بواحد وعشرين خاسقا فأكون ناضلا إن لم تأت بعشرين ولا تكون ناضلا إن جئت بعشرين قبل أن آتي بواحد وعشرين حتى يكونا مستويين معا ولا يجوز أن
صفحة : 1475
يشترط أحدهما على الآخر أن لا يرمي إلا بنبل بأعيانها إن تغيرت لم يبدلها ولا إن أنفد سهما أن لا يبدله ولا على أن يرمي بقوس بعينها لا يبدلها ولكن يكون ذلك إلى الرامي يبدل ما شاء من نبله وقوسه ما كان عدد النبل والغرض والقرع واحدا وإن انتضلا فانكسرت نبل أحدهما أو قوسه أبدل نبلا وقوسا وإن انقطع وتره أبدل وترا مكان وتره ومن الرماة من زعم أن المسبق إذا سمى قرعا يستبقان إليه أو يتحاطانه فكانا على السواء أو بينهما زيادة سهم كان للمسبق أن يزيد في عدد القرع ما شاء ومنهم من زعم أنه ليس له أن يزيد في عدد القرع ما لم يكونا سواء ومنهم من زعم أنهما إذا رميا على عدد قرع لم يكن للمسبق أن يزيد فيه بغير رضا المسبق ولا خير في أن يجعل خاسق في السواد بخاسقين في البياض إلا أن يتشارطا أن الجواسق لا تكون إلا في السواد فيكون بياض الشن كالهدف لا يحسب خاسقا وإنما يحسب حابيا ولا خير في أن يسميا قرعا معلوما فلا يبلغانه ويقول أحدهما للآخر إن أصبت بهذا السهم الذي في يدك فقد نضلت إلا أن يتناقضا السبق الأول ثم يجعل له جعلا معروفا على أن يصيب بسهم ولا بأس على الابتداء أن يقف عليه فيقول إن أصبت بسهم فلك كذا وإن أصبت بأسهم فلك كذا وكذا فإن أصاب بها فذلك له وإن لم يصب بها فلا شيء له لأن هذا سبق على غير نضال ولكن لو قال له ارم عشرة أرشاق فناضل الخطأ بالصواب فإن كان صوابك أكثر فلك سبق كذا لم يكن في هذا خير لأنه لا يصلح أن يناضل نفسه وإذا رمى بسهم فانكسر فأصاب النصل حسب خاسقا وإن سقط الشق الذي فيه النصل دون الشن وأصاب بالقدح الذي لا نصل فيه لم يحسب ولو انقطع باثنين فأصاب بهما معا حسب له الذي فيه النصل وألغي عنه الآخر ولو كان في الشن نبل فأصاب بسهمه فوق سهم من النبل ولم يمض سهمه إلى الشن لم يحسب له لأنه لم يصب الشن وأعيد عليه فرمى به لأنه قد عرض له دون الشن عارض كما تعرض له الدابة فيصيبها فيعاد عليه وإذا سبق الرجل الرجل على أن يرمي معه فرمى معه ثم أراد المسبق أن يجلس فلا يرمي معه وللمسبق فضل أولا فضل له أو عليه فضل فسواء لأنه قد يكون عليه الفضل ثم ينضل ويكون له الفضل ثم ينضل والرماة يختلفون في ذلك فمنهم من يجعل له أن يجلس ما لم ينضل و ينبغي أن يقول في شيء إنما يستحقه بغير غاية تعرف وقد لا يستحقه ويكون منضولا وليس بإجارة فيكون له حصته مما عمل ومنهم من يقول ليس له أن يجلس به إلا من عذر وأحسب العذر عندهم أن يموت أو يمرض المرض الذي يضر بالرمي أو يصيبه بعض ذلك في إحدى يديه
صفحة : 1476
أو بصره وينبغي إذا قالوا له أن يقولوا فمتى تراضيا على أصل الرمي الأول فلا يجوز في واحد من القولين أن يشترط المسبق أن المسبق إذا جلس به كان السبق له به لأن السبق على النضل والنضل غير الجلوس وهذان شرطان وكذلك لو سبقه ولم يشترط هذا عليه ثم شرط هذا بعد السبق سقط الشرط ولا خير في أن يقول له أرمي معك بلا عدد قرع يستبقان إليه أو يتحاطانه ولا خير في أن يسبقه على أنهما إذا تفالجا أعاد عليه وإن سبقه ونيتهما أن يعيد كل واحد منهما على صاحبه فالسبق غير فاسد وأكره لهما النية إنما أنظر في كل شيء إلى ظاهر العقد فإذا كان صحيحا أجزته في الحكم وإن كانت فيه نية لو شرطت أفسدت العقد لم أفسده بالنية لأن النية حديث نفس قد وضع الله عن الناس حديث أنفسهم وكتب عليهم ما قالوا وما عملوا وإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن لا يرمي معه إلا بنبل معروف أو قوس معروفة فلا خير في ذلك حتى يكون السبق مطلقا من قبل أن القوس قد تنكسر وتعتل فيفسد عنها الرمي فإن تشارطا على هذا فالشرط يبطل السبق بينهما ولا بأس أن يرمي الناشب مع صاحب العربية وإن سابقه على أن يرمي معه بالعربية رمى بأي قوس شاء من العربية وإن أراد أن يرمي بغير العربية من الفارسية لم يكن له ذلك لأن معروفا أن الصواب عن الفارسية أكثر منه عن العربية وكذلك كل قوس اختلفت وإنما فرقنا بين أن لا نجيز أن يشترط الرجل على الرجل أن لا يرمي بقوس واحدة أو نبل وأجزنا ذلك في الفرس إن سابقه بفرس واحد لأن العمل في السبق في الرمي إنما هو للرامي والقوس والنبل أداة فلا يجوز أن يمنع الرمي بمثل القوس والنبل الذي شرط أن يرمى بها فيدل عليه الضرر بمنع ما هو أرفق به من أداته التي تصلح رميه والفرس نفسه هو الجاري المسبق ولا يصلح أن يبدله صاحبه وإنما فارسه أداة فوقه ولكنه لو شرط عليه أن لا يجريه إلا إنسان بعينه لم يجز ذلك ولو أجزنا أن يراهن رجل رجلا بفرس بعينه فيأتي بغيره أجزنا أن يسبق رجل رجلا ثم بدل مكانه رجلا يناضله ولكن لا يجوز أن يكون السبق إلا على رجل بعينه ولا يبدله بغيره وإذا كان عن فرس بعينه فلا يبدل غيره ولا يصلح أن يمنع الرجل أن يرمي بأي نبل أو قوس شاء إذا كانت من صنف القوس التي سابق عليها ولا أرى أن يمنع صاحب الفرس أن يحمل على فرسه من شاء لأن الفارس كالأداة للفرس والقوس والنبل كالأداة للرامي ولا خير في ان يشترط المتناضلان أحدهما على صاحبه ولا كل واحد منهما على صاحبه أن لا يأكل لحما حتى يفرغ من السبق ولا أن يفترش فراشا وكذلك لا يصلح أن يقول المتسابقان بالفرس لا يعلف حتى يفرغ
صفحة : 1477
يوما ولا يومين لأن هذا شرط تحريم المباح والضرر على المشروط عليه وليس من النضال المباح وإذا نهى الرجل أن يحرم على نفسه ما أحل الله له لغير تقرب إلى الله تعالى بصوم كان أن يشرط ذلك عليه غيره أولى أن يكون منهيا عنه ولا خير في أن يشترط الرجل على الرجل أن يرمي معه بقرع معلوم على أن للمسبق أن يعطيه ما شاء الناضل أو ما شاء المنضول ولا خير في ذلك حتى يكون بشيء معلوم مما يحل في البيع والإجارات ولو سبقه شيئا معلوما على أنه إن نضله دفعه إليه وكان له عليه أن لا يرمي أبدا أو إلى مدة من المدد لم يجز لأنه يشترط عليه أن يمتنع من المباح له ولو سبقه دينارا على أنه إن نضله كان ذلك الدينار له وكان له عليه أن يعطيه صاع حنطة بعد شهر كان هذا سبقا جائزا إذا كان ذلك كله من مال المنضول ولكنه لو سبقه دينار على أنه إن نضله أعطاه المنضول ديناره وأعطى الناضل المنضول مد حنطة أو درهما أو أكثر أو أقل لم يكن هذا جائزا من قبل أن العقد قد وقع منه على شيئين شيء يخرجه المنضول جائزا في السنة للناضل وشيء يخرجه الناضل فيفسد من قبل أنه لا يصلح أن يتراهنا على النضال لا محلل بينهما لأن التراهن من القمار ولا يصلح لأن شرطه أن يعطيه المد ليس ببيع ولا سبق فيفسد من كل وجه ولو كان على لك دينار فسبقتني دينارا فنضلتك فإن كان دينارك حالا فلك أن تقاصني وإن كان إلى أجل فعليك أن تعطيني الدينار وعلي إذا حل الأجل أن أعطيك دينارك ولو سبقه دينارا فنضله إياه ثم أفلس كان أسوة الغرماء لأنه حل في ماله بحق أجازته السنة فهو كالبيوع والإجارات ولو سبق رجل رجلا دينارا إلا درهما أو دينارا إلا مدا من حنطة كان السبق غير جائز لأنه قد يستحق الدينار وحصة الدرهم من الدينار عشر ولعل حصته يوم سبقه نصف عشره وكذلك المد من الحنطة وغيره ولا يجوز أن أسبقك ولا أن أشتري منك ولا أن أستأجر منك إلى أجل بشيء إلا شيئا يستثنى منه لا من غيره ولا أن أسبقك بمد تمر إلا ربع حنطة ولا درهم إلا عشرة أفلس ولكن إن استثنيت شيئا من الشيء الذي سبقتكه فلا بأس إذا سبقتك دينارا إلا سدسا فإنما سبقتك خمسة أسداس دينار وإن سبقتك صاعا إلا مدا فإنما سبقتك ثلاثة أمداد فعلى هذا الباب كله وقياسه قال ولا خير في أن أسبقك دينارا على أنك إن نضلتنيه أطعمت به أحدا بعينه ولا بغير عينه ولا تصدق به على المساكين كما لا يجوز أن أبيعك شيئا بدينار على أن تفعل هذا فيه ولا يجوز إذا ملكتك شيئا إلا أن يكون ملكك فيه تاما تفعل فيه ما شئت دوني وإذا اختلف المتناضلان من حيث يرسلان وهما يرميان في المائتين يعني ذراعا
صفحة : 1478
فإن كان أهل الرمي يعلمون أن من رمى في هدف يقدم أمام الهدف الذي يرمي من عنده ذراعا أو أكثر حمل على ذلك إلا أن يتشارطا في الأصل أن يرميا من موضع بعينه فيكون عليهما أن يرميا من موضع شرطهما وإن تشارطا أن يرميا في شيئين موضوعين أو شيئين يريانهما أو يذكران سيرهما فأراد أحدهما أن يعلق ما تشارطا على أن يضعاه أو يضع ما تشارطا على أن يعلقاه أو يبدل الشن بشن أكبر أو أصغر منه فلا يجوز له ويحمل على أن يرمي على شرطه وإذا سبقه ولم يسم الغرض فأكره السبق حتى يسبقه على غرض معلوم وإذا سبقه على غرض معلوم كرهت أن يرفعه أو يخفضه دونه وقد أجاز الرماة للمسبق أن يرفع المسبق ويخفضه فيرمي معه رشقا وأكثر في المائتين ورشقا وأكثر في الخمسين والمائتين ورشقا وأكثر في الثلثمائة ومن أجاز هذا أجاز له أن يرمي به في الرقعة وفي أكثر من ثلثمائة ومن أجاز هذا أجاز له أن يبدل الشن وجعل هذا كله إلى المسبق ما لم يكونا تشارطا شرطا ويدخل عليه إذا كانا رميا أول يوم بعشرة أن يكون للمسبق أن يزيد في عدد النبل وينقص منها إذا استويا في حال أبدا جعلوا ذلك إليه ولا بأس أن يتشارطا أن يرميا أرشاقا معلومة كل يوم من أول النهار أو آخره ولا يتفرقان حتى يفرغا منها إلا من عذر بمرض لأحدهما أو حائل يحول دون الرمي والمطر عذر لأنه قد يفسد النبل والقسي ويقطع الأوتار ولا يكون الحر عذرا لأن الحر كائن كالشمس ولا الريح الخفيفة وإن كانت قد تصرف النبل بعض الصرف ولكن إن كانت الريح عاصفا كان لأيهما شاء أن يمسك عن الرمي حتى تسكن أو تخف وإن غربت لهما الشمس قبل أن يفرغا من أرشاقهما التي تشارطا لم يكن عليهما أن يرميا في الليل وإن انكسرت قوس أحدهما أو نبله أبدل مكان القوس والنبل والوتر متى قدر عليه فإن لم يقدر على بدل القوس ولا الوتر فهذا عذر وكذلك إن ذهبت نبله كلها فلم يقدر على بدلها فإن ذهب بعض نبله ولم يقدر على بدله قيل لصاحبه إن شئت فاتركه حتى يجد البدل وإن شئت فارم معه بعدد ما بقي في يديه من النبل وإن شئت فاردد عليه مما رمى به من نبله ما يعيد الرمي به حتى يكمل العدد وإذا رموا اثنين واثنين وأكثر من العدد فاعتل واحد من الحزبين علة ظاهرة قيل للحزب الذين يناضلونه إن اصطلحتم على أن تجلسوا مكانه رجلا من كان فذلك وإن تشاححتم لم نجبركم على ذلك وإن رضي أحد الحزبين ولم يرض الآخر لم يجبر الذين لم يرضوا وإذا اختلف المتناضلان في موضع شن معلق فأراد المسبق أن يستقبل به عين الشمس لم يكن ذلك له إلا أن يشاء المسبق كما لو أراد أن يرمي به في الليل أو
صفحة : 1479
المطر لم يجبر على ذلك المسبق وعين الشمس تمنع البصر من السهم كما تمنعه الظلمة قال الربيع المسبق أبدا هو الذي يغرم قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو اختلفا في الإرسال فكان أحدهما يطول بالإرسال إلتماس أن تبرد يد الرامي أو ينسى صنيعه في السهم الذي رمى به فأصاب أو أخطأ فيلزم طريق الصواب ويستعتب من طريق الخطأ أو قال هو لم أنو هذا وهذا يدخل على الرامي لم يكن ذلك له وقيل له ارم كما يرمي الناس لا معجلا عن أن تثبت في مقامك وفي إرسالك ونزعك ولا مبطئا لغير هذا لإدخال الحبس على صاحبك وكذلك لو اختلفا في الذي يوطن له فكان يريد الحبس أو قال لا أريده والموطن يطيل الكلام قيل للموطن وطن له بأقل ما يفهم به ولا تطل ولا تعجل عن أقل ما يفهم به ولو حضرهما من يحبسهما أو أحدهما أو يلغط فيكون ذلك مضرا بهما أو بأحدهما نهو عن ذلك قال الربيع الموطن الذي يكون عند الهدف فإذا رمى الرامي قال دون ذا قليل أرفع من ذا قليل قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا اختلف الراميان في الموقف فخرجت قرعة أحدهما على أن يبدأ فبدأ من عرض وقف حيث شاء من المقام ثم كان للآخر من العرض الآخر الذي بدأ منه أن يقف حيث شاء من المقام وإذا سبق الرجل الرجل سبقا معلوما فنضله المسبق كان السبق في ذمة المنضول حالا يأخذه به كما يأخذ بالدين فإن أراد المناضل أن يسلفه المنضول أو يشتري به الناضل ما شاء فلا بأس وهو متطوع بإطعامه إياء وما نضله فله أن يحرزه ويتموله ويمنعه منه ومن غيره وهو عندي كرجل كان له على رجل دينار فأسلفه الدينار ورده عليه أو أطعمه به فعليه دينار كما هو ولا يجوز عند أحد رأيته ممن يبصر الرمي أن يسبق الرجل الرجل على أن يرمي بعشر ويجعل القرع من تسع ومنهم من يذهب إلى أن لا يجوز أن يجعل القرع من عشر ولا يجيز إلا أن يكون القرع لا يؤتى به بحال إلا في أكثر من رشق فإذا كان لا يؤتى به إلا بأكثر من الرشق فسواء قل ذلك أو كثر فهو جائز فإذا أصاب الرجل بالسهم فخسق وثبت قليلا ثم سقط بأي وجه سقط به حسب لصاحبه ولو وقف رجل على أن يفلج فرمى بسهم فقال إن أصبت فقد فلجت وإن لم أصب 1 فالفلج لكم وقال له صاحبه إن أصبت بهذا السهم فلك به الفلوج وإن لم يكن يبلغه به إذا أصابه وإن أخطأت به فقد أنضلتني نفسك فهذا كله باطل لا يجوز وهما على أصل رميهما لا يفلج واحد منهما على صاحبه إلا أن يبلغ الفلوج ولو طابت نفس المسبق أن يسلم له السبق من غير ان يبلغه كان هذا شيئا تطوع به من ماله كما وهب له وإذا كانوا في السبق اثنين واثنين وأكثر
صفحة : 1480
فبدأ رجلان فانقطع أو تارهما أو وتر أحدهما كان له أن يقف من بقي حتى يركب وترا وينفذ نبله وقد رأيت من يقول هذا إذا رجى أن يتفالجا ويقول إذا علم أنهما والحزب كله لا يتفالجون لو أصابوا بما في أيديهم لأنهم لم يقاربوا عدد الغاية التي بينهم يرمي من بقي ثم يتم هذان وإذا اقتسموا ثلاثة وثلاثة فلا يجوز أن يقترعوا وليقتسموا قسما معروفا ولا يجوز أن يقول أحد الرجلين أختار على أن أسبق ولا يختار على أن يسبق ولا أن يقترعا فأيهما خرجت قرعته سبقه صاحبه ولكن يجوز أن يقتسما قسما معروفا ويسبق أيها شاء متطوعا لا مخاطرة بالقرعة ولا بغيرها 2 من أن يقول أرمي أنا وأنت هذا الوجه فأينا أفضل على صاحبه سبقه المفضول والسبق على من بذله دون حزبه إلا أن يدخل حزبه أنفسهم معه في ضمان السبق أو يأمروه أن يسبق عنهم فيلزم كل واحد منهم حصته على قدر عدد الرجال لا على قدر جودة الرمي وإذا قال الرجل للرجل إن أصبت بهذا السهم فلك سبق فهذا جائز وليس هذا من وجه النضال فإن قال إن أخطأت بهذا السهم فلك سبق لم يكن ذلك له وإن حضر الغريب أهل الغرض فقسموه فقال من معه كنا نراه راميا ولسنا نراه راميا أو قال أهل الحزب الذين يرمي عليهم كنا نراه غير رام وهو الآن رام لم يكن لهم من إخراجه إلا ما لهم من إخراج من عرفوا رميه ممن قسموه وهم يعرفونه بالرمي فسقط أو بغير الرمي فوافق ولا يجوز أن يقول الرجل للرجل سبق فلانا دينارين على أني شريك في الدينارين إلا أن يتطوع بأن يهب له أحدهما أو كليهما بعد ما ينضل وكذلك لو تطارد ثلاثة فأخرج اثنان سبقين وأدخلا محللا لم يجز أن يجعل رجلا لا يرمي عليه نصف سبق أحدهما على أن له نصف الفضل إن أحرز على صاحبه وإذا سبق الرجل الرجل على أن له أن يبدأ عليه رشقين فأكثر لم يجز ذلك له وذلك أنا إذا أعطيناه ذلك أعطيناه فضل سهم أو أكثر ألا ترى أنهما لو رميا بعشر ثم ابتدأ الذي بدأ كان لو فلج بذلك السهم الحادي عشر كنا أعطيناه أن يرمي بسهم يكون في ذلك الوقت فضلا على مراسله عن غير مراسلة وإنما نجيز هذا له إذا تكافئا فكان أحدهما يبدأ في وجه والآخر في آخر وإذا سبق الرجل الرجل فجائز أن يعطيه السبق موضوعا على يديه أو رهنا به أو حميلا أو رهنا وحميلا أو يأمنه كل ذلك جائز وإذا رميا إلى خمسين مبادرة فأفضل أحدهما على صاحبه خمسا أو أقل أو أكثر فقال الذي أفضل عليه اطرح فضلك على أن أعطيك به شيئا لم يجز ولا يجوز إلا أن يتفاسخا هذا السبق برضاهما ويتسابقان سبقا آخر قال الشافعي رحمه الله تعالى في الصلاة في المضربة والأصابع إذا
صفحة : 1481
كان جلدهما ذكيا مما يؤكل لحمه أو مدبوغا من جلد ما لا يؤكل لحمه ما عدا كلب أو خنزير فإن ذلك لا يطهر بالدباغ والله تعالى أعلم فإن صلى الرجل والمضربة والأصابع عليه فصلاته مجزئة عنه غير أني أكرهه لمعنى واحد إني آمره أن يفضي ببطون كفيه إلى الأرض وإذا كانت عليه المضربة والأصابع منعتاه أن يفضي بجميع بطون كفيه لا معنى غير ذلك ولا بأس أن يصلي متنكبا القوس والقرن إلا أن يكونا يتحركان عليه حركة تشغله فأكره ذلك له وإن صلى أجزأه ولا يجوز أن يسبق الرجل الرجل على أن يرمي معه ويختار المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق ولا المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق قال ولا يجوز السبق حتى يعرف كل واحد من المتناضلين من يرمي معه وعليه بأن يكون حاضرا يراه أو غائبا يعرفه وإذا كان القوم المتناضلون ثلاثة وثلاثة أو أكثر كان لمن له الإرسال وحزبه ولمناضليهم أن يقدموا أيهم شاءوا كما شاءوا ويقدم الآخرون كذلك ولو عقدوا السبق على أن فلانا يكون مقدما وفلان معه وفلان ثان وفلان معه كان السبق مفسوخا ولا يجوز حتى يكون القوم يقدمون من رأوا تقديمه وإذا كان البدء لأحد المتناضلين فبدأ المبدأ عليه فأصاب أو أخطأ رد ذلك السهم خاصة وإن لم يعلما حتى يفرغا من رميهما رد عليه السهم الأول فرمى به فإن كان أصاب به بطل عنه وإن كان أخطأ به رمى به فإن أصاب به حسب له لأنه رمى به في البدء وليس له الرمي به فلا ينفعه مصيبا كان أو مخطئا إلا أن يتراضيا به ID ' ' والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها
صفحة : 1482
كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال الحكم في قتال المشركين حكمان فمن غزا منهم أهل الأوثان ومن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب من كانوا فليس له أن يأخذ منهم الجزية ويقاتلهم إذا قوى عليهم حتى يقتلهم أو يسلموا وذلك لقول الله عز وجل فإذا انسلخ الأشهر الحرم الآيتين ولقول رسول الله ﷺ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن كان من أهل الكتاب من المشركين المحاربين قوتلوا حتيى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فإذا أعطوها لم يكن للمسلمين قتلهم ولا إكراههم على غير دينهم لقول الله عز وجل قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية وإذا قوتل أهل الأوثان وأهل الكتاب قتلوا وسبيت ذراريهم ومن لم يبلغ الحلم والمحيض منهم ونساؤهم البوالغ وغير البوالغ ثم كانوا جميعا فيئا يرفع منهم الخمس ويقسم الأربعة الأربعة الأخماس على من أوجف عليهم بالخيل والركاب فإن أثخنوا فيهم وقهروا من قاتلوه منهم حتى تغلبوا على بلادهم قسمت الدور والأرضون قسم الدنانير والدراهم لا يختلف ذلك تخمس وتكون أربعة أخماسها لمن حضر وإذا أسر البالغون من الرجال فالإمام فيهم بالخيار بين أن يقتلهم إن لم يسلم أهل الأوثان أو يعط الجزية أهل الكتاب أو يمن عليهم أو يفاديهم بمال يأخذه منهم أو بأسرى من المسلمين يطلقون لهم أو يسترقهم فإن استرقهم أو أخذ منهم مالا فسبيله سبيل الغنيمة يخمس ويكون أربعة أخماسه لأهل الغنيمة فإن قال قائل كيف حكمت في المال والولدان والنساء حكما واحدا وحكمت في الرجال أحكاما متفرقة قيل ظهر رسول الله ﷺ على قريظة وخيبر فقسم عقارهما من الأرضين والنخل قسمة الأموال وسبى رسول الله ﷺ ولدان بني المصطلق وهوازن ونساءهم فقسهم قسمة الأموال وأسر رسول الله ﷺ أهل بدر فمنهم من من عليه بلا شيء أخذه منه ومنهم من أخذ منه فدية ومنهم من قتله وكان المقتولان بعد الإسار يوم بدر عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحرث وكان من الممنون عليم بلا فدية أبو عزة الجمحي تركه رسول الله ﷺ لبناته وأخذ عليه عهدا أن لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد فدعا رسول الله ﷺ أن لا يفلت فما أسر من المشركين رجلا
صفحة : 1483
غيره فقال يا محمد امنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن لا أعود لقتالك فقال النبي ﷺ لا تمسح على عارضيك بمكة تقول قد خدعت محمدا مرتين فأمر به فضربت عنقه ثم أسر رسول الله ﷺ ثمامة ابن أثال الحنفي بعد فمن عليه ثم عاد ثمامة بن أثال فأسلم وحسن إسلامهأخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله ﷺ فدى رجلا من المسلمين برجلين من المشركين قال الشافعي رحمه الله تعالى ولا يجوز لأحد من المسلمين أن يعمد قتل النساء والولدان لأن رسول الله ﷺ نهى عن قتلهم أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن كعب ابن مالك عن عمه أن رسول الله ﷺ نهى الذين بعث إلى ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان قال الشافعي لا يعمدون بقتل وللمسلمين أن يشنوا عليهم الغارة ليلا ونهارا فإن أصابوا من النساء والولدان أحدا لم يكن فيه عقل ولا قود ولا كفارة فإن قال قائل ما دل على هذا قيل أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الصعب بن جثامة الليثي أن رسول الله ﷺ سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وأبنائهم فقال رسول الله ﷺ هم منهم وربما قال سفيان في الحديث هم من آبائهم قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن قال قائل قول النبي ﷺ هم من آبائهم قيل لا عقل ولا قود ولا كفارة فإن قال فلم لا يعمدون بالقتل قيل لنهي النبي ﷺ أن يعمدوا به فإن قال فلعل الحديثين مختلفان قيل لا ولكن معناهما ما وصفت فإن قال ما دل على ما قلت قيل له إن شاء الله تعالى إذا لم ينه عن الإغارة ليلا فالعلم يحيط أن القتل قد يقع على الولدان وعلى النساء فإن قال فهل أغار على قوم ببلد غارين ليلا أو نهارا قيل نعم أخبرنا عمر ابن حبيب عن عبدالله بن عون أن نافعا مولى ابن عمر كتب إليه يخبره أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أخبره أن رسول الله ﷺ أغار على بني المصطلق وهم غارون في نعمهم بالمريسيع فقتل المقاتلة وسبى الذرية قال الشافعي رحمه الله تعالى وفي أمر رسول الله ﷺ أصحابه بقتل ابن أبي الحقيق غارا دلالة على أن الغار يقتل وكذلك أمر بقتل كعب بن الأشرف فقتل غارا فإن قال قائل فقد قال أنس كان النبي ﷺ إذا نزل بقوم ليلا لم يغر حتى يصبح قيل له إذا كان موجودا في سنته أنه أمر بما وصفنا من قتل الغارين وأغار على الغارين ولم ينه في حديث
صفحة : 1484
الصعب عن البيات دل ذلك على أن حديث أنس غير مخالف لهذه الأحاديث ولكنه قد يترك الغارة ليلا لأن يعرف الرجل من يقاتل أو أن لا يقتل الناس بعضهم بعضا وهم يظنون أنهم من المشركين فلا يقتلون بين الحصن ولا في الآكام حيث لا يبصرون من قبلهم لا على معنى أنه حرم ذلك وفيما وصفنا من هذا كله ما يدل على أن الدعاء للمشركين إلى الإسلام أو إلى الجزية إنما هو واجب لمن تبلغه الدعوة فأما من بلغته الدعوة فللمسلمين قتله قبل أن يدعى وإن دعوه فذلك لهم من قبل أنهم إذا كان لهم ترك قتاله بمدة تطول فترك قتاله إلى أن يدعي أقرب فأما من لم تبلغه دعوة المسلمين فلا يجوز أن يقاتلوا حتى يدعوا إلى الإيمان إن كانوا من غير أهل الكتاب أو إلى الإيمان أو إعطاء الجزية إن كانوا من أهل الكتاب ولا أعلم أحدا لم تبلغه الدعوة اليوم إلا أن يكون من وراء عدونا الذين يقاتلون أمة من المشركين فلعل أولئك أن لا تكون الدعوة بلغتهم وذلك مثل أن يكونوا خلف الروم أو الترك 1 أو الخزر أمة لا نعرفهم فإن قتل أحد من المسلمين أحدا من المشركين لن تبلغه الدعوة وداه إن كان نصرانيا أو يهوديا دية نصراني أو يهودي وإن كان وثنيا أو مجوسيا دية المجوسي وإنما تركنا قتل النساء والولدان بالخبر عن رسول الله ﷺ وأنهم ليسوا ممن يقاتل فإن قاتل النساء أو من لم يبلغ الحلم لم يتوق ضربهم بالسلاح وذلك أن ذلك إذا لم يتوق من المسلم إذا أراد دم المسلم كان ذلك من نساء المشركين ومن لم يبلغ الحلم منهم أولى أن لا يتوقى وكانوا قد زايلوا الحال التي نهى عن قتلهم فيها وإذا أسروا أو هربوا أو جرحوا وكانوا ممن لا يقاتل فلا يقتلون لأنهم قد زايلوا الحال التي أبيحت فيها دماؤهم وعادوا إلى أصل حكمهم بأنهم ممنوعين بأن يقصد قصدهم بالقتل ويترك قتل الرهبان وسواء رهبان الصوامع ورهبان الديارات والصحارى وكل من يحبس نفسه بالترهب تركنا قتله اتباعا لأبي بكر رضي الله تعالى عنه وذلك أنه إذا كان لنا أن ندع قتل الرجال المقاتلين بعد المقدرة وقتل الرجال في بعض الحالات لم نكن آثمين بترك الرهبان إن شاء الله تعالى وإنما قلنا هذا تبعا لا قياسا ولو أنا زعمنا انا تركنا قتل الرهبان لأنهم في معنى من لا يقاتل تركنا قتل المرضى حين نغير عليهم والرهبان وأهل الجبن والأحرار والعبيد وأهل الصناعات الذين لا يقاتلون فإن قال قائل ما دل على أنه يقتل من لا قتال منه من المشركين قيل قتل أصحاب رسول الله ﷺ يوم حنين دريد بن الصمة وهو في شجار مطروح لا يستطيع أن يثبت جالسا وكان قد بلغ نحوا من خمسين ومائة سنة فلم يعب رسول الله ﷺ قتله ولم أعلم أحدا من المسلمين عاب أن نقتل من رجال
صفحة : 1485
المشركين من عدا الرهبان ولو جاز أن يعاب قتل من عدا الرهبان بعنى أنهم لا يقاتلون لم يقتل الأسير ولا الجريح المثبت وقد ذفف على الجرحى بحضرة رسول الله ﷺ منهم أبو جهل بن هشام ذفف عليه ابن مسعود وغيره وإذا لم يكن في ترك قتل الراهب حجة إلا ما وصفنا غنمنا كل مال له في صومعته وغير صومعته ولم ندع له منه شيئا لأنه لا خبر في أن يترك ذلك له فيتبع وتسبى أولاد الرهبان ونساؤهم إن كانوا غير مترهبين والأصل في ذلك أن الله عز وجل أباح أموال المشركين فإن قيل فلم لا تمنع ماله قيل كما لا أمنع مال المولود والمرأة وأمنع دماءهما وأحب لو ترهب النساء تركهن كما أترك الرجال فإن ترهب عبد من المشركين أو أمة سبيتهما من قبل أن السيد لو أسلم قضيت له يسترقهما ويمنعهما الترهب لأن المماليك لا يملكون من أنفسهم ما يملك الأحرار فإن قال قائل وما الفرق بين المماليك والأحرار قيل لا يمنع حر من غزو ولا حج ولا تشاغل ببر عن صنعته بل يحمد على ذلك ويكون الحج والغزو لازمين له في بعض الحالات ولمالك العبد منعه من ذلك وليس يلزم العبد من هذا شيء الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ قال الشافعي رحمه الله تعالى المجوس والصابئون والسامرة أهل كتاب فخالفنا بعض الناس فقال أما الصابئون والسامرة فقد علمت أنهما صنفان من اليهود والنصارى وأما المجوس فلا أعلم أنهم أهل كتاب وفي الحديث ما يدل على أنهم غير أهل كتاب لقول النبي ﷺ سنوا بهم سنة أهل الكتاب وأن المسلمين لا ينكحون نساءهم ولا يأكلون ذبائحهم 1 فإن زعم أنهم إذا أبيح أن تؤخذ منهم الجزية فكل مشرك عابد وثن أو غيره فحرام إذا أعطى الجزية أن لاتقبل منه وحالهم حال أهل الكتاب في أن تؤخذ منهم الجزية وتحقن دماءؤهم بها إلا العرب خاصة فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وقال لي بعض من يذهب هذا المذهب ما حجتك في أن حكمت في المجوس حكم أهل الكتاب ولم تحكم بذلك في غير المجوس فقلت الحجة أن سفيان أخبرنا عن أبي سعيد عن نصر بن عاصم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل عن المجوس فقال كانوا أهل الكتاب فما قوله سنوا بهم سنة أهل الكتاب قلت كلام عربي الله عز وجل أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى فالتوراة كتاب موسى والإنجيل كتاب عيسى والصحف كتاب إبراهيم ما لم تعرفه العامة من العرب حتى أنزل الله وقال الله عز وجل ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون قال فما معنى قوله سنوا
صفحة : 1486
بهم سنة أهل الكتاب قلنا في أن تؤخذ منهم الجزية قال فما دل أنه كلام خاص قلنا لو كان عاما أكلنا ذبائحهم ونكحنا نساءهم قال الشافعي فقال ففي المشركين الذين تؤخذ منهم الجزية حكم واحد أو حكمان قيل بل حكمان قال وهل يشبه هذا شيء قلنا نعم حكم الله جل ثناؤه فيمن قتل من أهل الكتاب وغيرهم قال فإنا نزعم أن غير المجوس ممن لا تحل ذبيحته ولا نساؤه قياسا على المجوس قلنا فأين ذهبت عن قول الله عز وجل فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم إلى فخلوا سبيلهم وقال رسول الله ﷺ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن زعمت أنها والحديث منسوخان بقول الله عز وجل حتى يعطوا الجزية وبقول رسول الله ﷺ سنوا بهم سنة أهل الكتاب قلنا فإذ زعمت ذلك دخل عليك أن تكون العرب ممن يعطون الجزية وإن لم يكونوا أهل كتاب قال فإن قلت لا يصلح أن تعطى العرب الجزية قلنا أو ليسوا داخلين في اسم الشرك قال بلى ولكن لم أعلم النبي ﷺ أخذ منهم جزية قلنا أفعلمت أن النبي ﷺ جزية من غير كتابي أو مجوسي قال لا قلنا فكيف جعلت غير الكتابيين من المشركين قياسا على المجوس أرأيت لو قال لك قائل بل آخذها من العرب دون غيرهم ممن ليس من أهل الكتاب ما تقول له قال أفتزعم أن النبي ﷺ أخذها من عربي قلنا نعم وأهل الإسلام يأخذونها حتى الساعة من العرب قد صالح النبي ﷺ أكيدر الغساني في غزو تبوك وصالح أهل نجران واليمن ومنهم عرب وعجم وصالح عمر رضي الله تعالى عنه نصارى بني تغلب وبني نمير إذ كانوا كلهم يدينون دين أهل الكتاب وهم تؤخذ منهم الجزية إلى اليوم قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو جاز أن يزعم أن إحدى الآيتين والحديثين ناسخ للآخر جاز أن يقال الأمر بأن تؤخذ الجزبة من أهل الكتاب في القرآن ومن المجوس في السنة منسوخ بأمر الله عز وجل أن نقاتل المشركين حتى يسلموا وقول رسول الله ﷺ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ولكن لا يجوز أن يقال واحد منهما ناسخ إلا بخبر عن رسول الله ﷺ ويمضيان جميعا على وجوههما ما كان إلى إمضائهما سبيل بما وصفنا وذلك إمضاء حكم الله عز وجل وحكم رسوله معا وقولك خارج من ذلك في بعض الأمور دون بعض قال فقال لي أفعلي أي شيء الجزية قلنا على الأديان لا على الأنساب ولوددنا أن الذي قلت على ما قلت إلا أن يكون لله سخط وما رأينا الله عز وجل فرق بين عربي ولا عجمي في شرك ولا إيمان ولا المسلمون أنا
صفحة : 1487
لنقتل كلا بالشرك ونحقن دم كل بالإسلام ونحكم على كل بالحدود فيما أصابوا وغيرها قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا ظهر المسلمون على رجال من العدو فأسروهم فأسلموا بعد الإسار فهم مرقوقون لا تحل دماؤهم وأي حال أسلموا فيها قبل الإسار حقنوا دماءهم وأحرزوا أموالهم إلا ما حووا قبل أن يسلموا وكانوا أحرارا ولم يسب من ذراريهم أحد صغير فأما نساؤهم وأبناؤهم البالغون فحكمهم حكم أنفسهم في القتل والسبي لا حكم الأب والزوج وكذلك إن أسلموا وقد حصروا في مدينة أو بيت أو أحاطت بهم الخيل أو غرقوا في البحر فكانوا لا يمتنعون ممن أراد أخذهم أو وقعوا في نار أو بئر وخرجوا وكانوا غير ممتنعين كانوا بهذا كله محقوني الدماء ممنوعين من أن يسبوا ولكن لو سبوا فربطوا أو سجنوا غير مربوطين أو صاروا إلى الإستسلام فأمر بهم الحاكم قوما يحفظونهم فأسلموا حقنت دماؤهم وجرى السبي عليهم فإن قال ما فرق بين هذه الحال وبين المحاط بهم في صحراء أو بيت أو مدينة قيل قد يمتنع أولئك حتى يغلبوا من أحاط بهم أو يأتيهم المدد أو يتفرقون عنهم فيهربوا وليس من كان بهذه الحال ممن يقع عليه اسم السبي إنما يقع عليه اسم السبي إذا حوى غير ممتنع ولو أسر جماعة من المسلمين فاستعان بهم المشركون على مشركين مثلهم ليقاتلوهم فقد قيل يقاتلونهم وقيل قاتل الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن مشركين ومن قال هذا القول قال وما يحرم من القتال معهم ودماء الذين يقاتلونهم وأموالهم مباحة بالشرك ولو قال قائل قتالهم حرام لمعان منها أن واجبا على من ظهر من المسلمين على المشركين فغنم فالخمس لأهل الخمس وهم متفرقون في البلدان وهذا لا يجد السبيل إلى أن يكون الخمس مما غنم لأهل الخمس ليؤديه إلى الإمام فيفرقه وواجب عليهم ان قاتلوا أهل الكتاب فأعطوا الجزية أن يحقنوا دماءهم وهذا إن أعطوا الجزية لم يقدر على أن يمنعهم حتى يحقنوا دماءهم كان مذهبا وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إلي أن لا يقاتلوا ولا نعلم خبر الزبير يثبت ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول ﷺ وصلى النبي ﷺ عليه وإذا غزا المسلمون بلاد الحرب فسرت سرية كثيرة أو قليلة بإذن الإمام أو غير إذنه فسواء ولكني أستحب أن لا يخرجوا إلا بإذن الإمام لخصال منها أن الإمام يغني عن المسألة ويأتيه من الخبر ما لا تعرفه العامة فيقدم بالسرية حيث يرجو قوتها ويكفها حيث يخاف هلكتها وإن أجمع لأمر الناس أن يكون ذلك بأمر الإمام وإن ذلك أبعد من الضيعة لأنهم قد يسيرون بغير إذن الإمام فيرحل ولا يقيم عليهم فيتلفون إذا انفردوا في بلاد
صفحة : 1488
العدو ويسيرون ولا يعلم فيرى الإمام الغارة في ناحيتهم فلا يعينهم ولو علم مكانهم أعانهم وأما أن يكون ذلك يحرم عليهم فلا أعلمه يحرم وذلك أن رسول الله ﷺ ذكر الجنة فقال له رجل من الأنصار إن قتلت صابرا محتسبا قال فلك الجنة قال فانغمس في جماعة العدو فقتلوه وألقى رجل من الأنصار درعا كانت عليه حين ذكر النبي ﷺ ثم انغمس في العدو فقتلوه بين يدي رسول الله ﷺ وأن رجلا من الأنصار تخلف عن أصحابه ببئر معونة فرأى الطير عكوفا على مقتلة أصحابه فقال لعمرو بن أمية سأتقدم إلى هؤلاء العدو فيقتلوني ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل فقتل فرجع عمرو بن أمية فذكر ذلك للنبي ﷺ فقال فيه قولا حسنا ويقال فقال لعمرو فهلا تقدمت فقاتلت حتى تقتل فإذا حل الرجل المنفرد أن يتقدم على الجماعة الأغلب عنده وعند من رآه أنها ستقتله بين يدي رسول الله ﷺ قد رآه حيث لا يرى ولا يأمن كان هذا أكثر مما في انفراد الرجل والرجال بغير إذن الإمام قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار الآية وقال يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إلى قوله والله مع الصابرين أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما 1 قال الشافعي رحمه الله تعالى وهذا كما قال ابن عباس ومستغن بالتنزيل عن التأويل لما كتب الله عز وجل من أن لا يفر العشرون من المائتين فكان هذا الواحد من العشرة ثم خفف الله عنهم فصير الأمر إلى ان لا تفر المائة من المائتين وذلك أن لا يفر الرجل من الرجلين قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن ابن عباس قال من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر قال الشافعي رحمه الله تعالى وهذا مثل معنى قول النبي ﷺ وقول ابن عباس وقولنا وهؤلاء الخارجون من السخط إن فروا من أكثر منهم حتى يكون الواحد فر من ثلاثة فصاعدا فيما نرى والله تعالى أعلم الفارين بكل حال أما الذين يجب عليهم السخط فإذا فر الواحد من اثنين فأقل إلا متحرفا لقتال أو متحيزا والمتحرف له يمينا وشمالا ومدبرا ونيته العودة للقتال والفار متحيزا إلى فئة من المسلمين قلت أو كثرت كانت بحضرته أو منتئية عنه سواء إنما يصير الأمر في ذلك إلى نية المتحرف والمتحيز فإن كان الله عز وجل يعلم أنه إنما تحرف ليعود للقتال أو تحيز لذلك فهو الذي استثنى الله فأخرجه من سخطه في التحرف والتحيز وإن كان لغير هذا المعنى خفت عليه إلا أن يعفو الله تعالى عنه أن يكون قد
صفحة : 1489
باء بسخط من الله وإذا تحرف إلى الفئة فليس عليه أن ينفرد إلى العدو فيقاتلهم وحده ولو كان ذلك الآن لم يكن له أولا أن يتحرف ولا بأس بالمبارزة وقد بارز يوم بدر عبيدة بن الحرث وحمزة بن عبدالمطلب وعلي بأمر النبي ﷺ وبارز محمد بن مسلمة مرحبا يوم خيبر بأمر النبي ﷺ وبارز يومئذ الزبير بن العوام ياسرا وبارز يوم الخندق علي بن أبي طالب عمرو بن عبدود وإذا بارز الرجل من المشركين بغير أن يدعو أو يدعى إلى المبارزة فبرز له رجل فلا بأس أن يعينه عليه غيره لأنهم لم يعطوه أن لا يقاتله إلا واحد ولم يسألهم ذلك ولا شيء يدل على أنه إنما أراد أن يقاتله واحد فقد تبارز عبيدة وعتبة فضرب عبيدة عتبة فأرخى عاتقه الأيسر وضربه عتبة فقطع رجله وأعان حمزة وعلي فقتلا عتبة قال الشافعي رحمه الله تعالى فأما إن دعا مسلم مشركا أو مشرك مسلما إلى أن يبارزه فقال له لا يقاتلك غيري أو لم يقل له ذلك إلا أنه يعرف أن الدعاء إلى مبارزة الواحد كل من الفريقين معا سوى المبارزين أحببت أن يكف عن أن يحمل عليه غيره فإن ولى عنه المسلم أو جرحه 1 فأثخنه فحمل عليه بعد تبارزهما فلهم أن يقتلوه إن قدروا على ذلك لأن قتالهما قد انقضى ولا أمان له عليهم إلا أن يكون شرط أنه آمن منهم حتى يرجع إلى مخرجه من الصف فلا يكون لهم قتله حتى يرجع إلى مأمنه ولو شرطوا ذلك له فخافوه على المسلم أو يجرح المسلم فلهم أن يستنقذوا المسلم منه بلا أن يقتلوه فإن امتنع أن يخليهم وإنقاذ صاحبهم وعرض دونه ليقاتلهم قاتلوه لأنه نقض أمان نفسه ولو عرض بينه وبينهم فقال أنا منكم في أمان قالوا نعم إن خليتنا وصاحبنا فإن لم تفعل تقدمنا لأخذ صاحبنا فإن قاتلتنا قاتلناك وكنت أنت نقضت أمانك فإن قال قائل وكيف لا يعان الرجل المبارز على المشرك قاهرا له قيل إن معونة حمزة وعلي على عتبة إنما كانت بعد أن لم يكن في عبيدة قتال ولم يكن منهم لعتبة أمان يكفون به عنه فإن تشارطا الأمان فأعان المشركون صاحبهم كان للمسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقتلوا من أعان عليه المبارز له ولا يقتلوا المبارز ما لم يكن هو استنجدهم عليه قال الشافعي وإذا تحصن العدو في جبل أو حصن أو خندق أو بحسك أو بما يتحصن به فلا بأس أن يرموا بالمجانيق والعرادات والنيران والعقارب والحيات وكل ما يكرهونه وأن يبثقوا عليهم الماء ليغرقوهم أو يوحلوهم فيه وسواء كان معهم الأطفال والنساء والرهبان أو لم يكونوا لأن الدار غير ممنوعة بإسلام ولا عهد وكذلك لا بأس أن يحرقوا شجرهم المثمر وغير المثمر ويخربوا عامرهم وكل ما لا روح فيه من أموالهم فإن قال قائل
صفحة : 1490
ما الحجة فيما وصفت وفيهم الوالدان والنساء المنهي عن قتلهم قيل الحجة فيه أن رسول الله ﷺ نصب على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان وأن رسول الله ﷺ قطع أموال بني النضير وحرقها أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ حرق أموال بني النضير قال الشافعي أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن رسول الله ﷺ حرق أموال بني النضير فقال قائل وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن قال قائل فقد نهى بعد التحريق في أموال بني النضير قيل له إن شاء الله تعالى إنما نهى عنه أن الله عز وجل وعده بها فكان تحريقه إذهابا منه لعين ماله وذلك في بعض الأحاديث معروف عند أهل المغازي فإن قال قائل فهل حرق أو قطع بعد ذلك قيل نعم قطع بخيبر وهي بعد بني النضير وبالطائف وهي آخر غزوة غزاها لقي فيها قتالا فإن قال قائل كيف أجزت الرمي بالمنجنيق وبالنار على جماعة المشركين فيهم الولدان والنساء وهم منهي عن قتلهم قيل أجزنا بما وصفنا وبأن النبي ﷺ شن الغارة على بني المصطلق غارين وأمر بالبيات وبالتحريق والعلم يحيط أن فيهم الولدان والنساء وذلك أن الدار دار شرك غير ممنوعة وإنما نهى أن تقصد النساء والولدان بالقتل إذا كان قاتلهم يعرفهم بأعيانهم للخبر عن النبي ﷺ وأن النبي ﷺ سباهم فجعلهم مالا وقد كتب هذا قبل هذا فإن كان في الدار أسارى من المسلمين أو تجار مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق وما أشبهه غير محرم له تحريما بينا وذلك أن الدار إذا كانت مباحة فلا يبين أن تحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه وإنما كرهت ذلك احتياطا ولأن مباحا لنا لو لم يكن فيها مسلم أن نجاوزها فلا نقاتلها وإن قاتلناها قاتلناها بغير ما يعم من التحريق والتغريق ولكن لو التحم المسلمون أو بعضهم 1 فكان الذي يرون أنه ينكأ من التحمهم يغرقوه أو يحرقوه كان ذلك رأيت لهم أن يفعلوا ذلك ولم أكرهه لهم بأنهم مأجورون أجرين أحدهما الدفع عن أنفسهم والآخر نكاية عدوهم غير ملتحمين فتترسوا بأطفال المشركين فقد قيل لا يتوقون ويضرب المتترس منهم ولا يعمد الطفل وقد قيل يكف عن المتترس به ولو تترسوا بمسلم رأيت أن يكف عمن تترسوا به إلا أن يكون المسلمون ملتحمين فلا يكف عن المتترس ويضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في شيء من هذه الحالات مسلما أعتق رقبة وإذا حاصرنا المشركين فظفرنا
صفحة : 1491
لهم بخيل أحرزناها أو بنابها عنهم فرجعت علينا واستلحمنا وهي في أيدينا أو خفنا الدرك وهي في أيدينا ولا حاجة لنا بركوبها إنما نريد غنيمتها أو بنا حاجة إلى ركوبها أو كانت معها ماشية ما كانت أو نحل أو ذو روح من أموالهم مما يحل للمسلمين اتخاذه لمأكلة فلا يجوز عقر شيء منها ولا قتله بشيء من الوجوه إلا أن نذبحه كما قال أبو بكر لا تعقروا شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تغرقن نخلا ولا تحرقنه فإن قال قائل فقد قال أبو بكر ولا تقطعن شجرا مثمرا فقطعته قيل فإنا قطعناه بالسنة واتباع ما جاء عن رسول الله ﷺ وكان أولى بي وبالمسلمين ولم أجد لأبي بكر في ذوات الأرواح مخالفا من كتاب ولا سنة ولا مثله من أصحاب رسول الله ﷺ فيما حفظت فلو لم يكن فيه إلا اتباع أبي بكر كانت في اتباعه حجة مع أن السنة تدل على مثل ما قال أبو بكر في ذوات الأرواح من أموالهم فإن قال قائل ما السنة قلنا أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى بني عامر عن عبدالله بن عمرو ابن العاص أن رسول الله ﷺ قال من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتله قيل يا رسول الله وما حقها قال أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها وقد نهى رسول الله ﷺ عن المصبورة ووجدت الله عز وجل أباح قتل ذوات الأرواح من المأكول بواحد من معنيين أحدهما أن تذكى فتؤكل إذا قدر عليها والآخر أن تذكى بالرمي إذا لم يقدر عليها ولم أجده أباح قتلها لغير منفعة وقتلها لغير هذا الوجه عندي محظور فإن قال قائل ففي ذلك نكايتهم وتوهين وغيظ قلنا وقد يغاظون بما يحل فنفعله وبما لا يحل فنتركه فإن قال ومثل ما يغاظون به فنتركه قلنا قتل نسائهم وأولادهم فهم لو أدركونا وهم في أيدينا لم نقتلهم وكذلك لو كان إلى جنبنا رهبان يغيظهم قتلهم لم نقتلهم ولكن إن قاتلوا فرسانا لم نر بأسا إذا كنا نجد السبيل إلى قتلهم بأرجالهم أن نعقر بهم كما نرميهم بالمجانيق وإن أصاب ذلك غيرهم وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فانكسعت به فرسه فسقط عنها فجلس على صدره ليذبحه فرآه ابن شعوب فرجع إليه يعدو كأنه سبع فقتله واستنقذ أبا سفيان من تحته فقال أبو سفيان بعد ذلك شعرا فلو شئت نجتني كميت رجيلة ولم أحمل النعماء لابن شعوب وما زال مهري مزجر الكلب منهم لدن غدوة حتى دنت لغروب أقاتلهم طرا وأدعو لغالب وأدفعهم عني بركن صليب قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن قال قائل ما الفرق بين العقر بهم وعقر بهائمهم قيل العقر بهم يجمع أمرين أحدهما دفع عن العاقر المسلم ولأن الفرس أداة عليه
صفحة : 1492
يقبل بقوته ويحمل عليه فيقتله والآخر يصل به إلى قتل المشرك والدواب توجف أو يخاف طلب العدو لها إذا قتلت ليست في واحد من هذين المعنيين لا أن قتلها منع العدو للطلب ولا أن يصل المسلم من قتل المشرك إلى ما لم يكن يصل إليه قبل قتلها وإذا أسر المسلمون المشركين فأرادوا قتلهم قتلوهم بضرب الأعناق ولم يجاوزوا ذلك إلى أن يمثلوا بقطع يد ولا رجل ولا عضو ولا مفصل ولا بقر بطن ولا تحريق ولا تغريق ولا شيء يعدو ما وصفت لأن رسول الله ﷺ نهى عن المثلة وقتل من قتل كما وصفت فإن قال قائل قد قطع أيدي الذين استاقوا لقاحه وأرجلهم وسمل أعينهم فإن أنس بن مالك ورجلا رويا هذا عن النبي ﷺ ثم رويا فيه أو أحدهما أن النبي ﷺ لم يخطب بعد ذلك خطبة إلا أمر بالصدقة ونهى عن المثلة أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح أن هبار بن الأسود كان قد أصاب زينب بنت رسول الله ﷺ بشيء فبعث النبي ﷺ سرية فقال إن ظفرتم بهبار بن الأسود فاجعلوه بين حزمتين من حطب ثم أحرقوه ثم قال رسول الله ﷺ سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله عز وجل إن ظفرتم به فاقطعوا يديه ورجليه قال الشافعي رحمه الله كان علي بن حسين ينكر حديث أنس في أصحاب اللقاح أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر عن أبيه عن علي بن حسين قال والله ما سمل رسول الله ﷺ عينا ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم قال الشافعي رحمه الله تعالى في الأسارى من المسلمين في بلاد الحرب يقتل بعضهم بعضا أو يجرح بعضهم بعضا أو يغصب بعضهم بعضا ثم يصيرون إلى بلاد المسلمين إن الحدود تقام عليهم إذا صاروا إلى بلاد المسلمين ولا تمنع الدار حكم الله عز وجل ويؤدون كل زكاة وجبت عليهم لا تضع الدار عنهم شيئا من الفرائض ولكنهم لو كانوا من المشركين فأسلموا ولم يعرفوا الأحكام فنال بعضهم من بعض شيئا بجراح أو قتل درأنا عنهم الحد بالجهالة وألزمناهم الدية في أموالهم وأخذنا منهم في أموالهم كل ما أصاب بعضهم لبعض وكذلك لو زنى رجل منهم بامرأة وهو لا يعلم أن الزنا محرم درأنا عنه الحد بأن الحجة لم تقم وتطرح عنه حقوق الله ويلزمه حقوق الآدميين ولو كانت المرأة مسلمة أسرت أو استؤمنت ممن قد قامت عليهم الحجة فامكنته من نفسها حدت ولم يكن لها مهر ولم يكن عليه حد ولو أنه تزوجها بنكاح المشركين فسخنا النكاح وألحقنا به الولد ودرأنا عنه الحد وجعلنا لها المهر ولو سرق بعضهم من بعض شيئا درأنا عنه القطع
صفحة : 1493
وألزمناه الغرامة ولو أربى بعضهم على بعض رددنا الربا بينهم لأن هذا من حقوق الآدميين وقال في القوم من المسلمين ينصبون المجانيق على المشركين فيرجع عليهم حجر المنجنيق فيقتل بعضهم فهذا قتل خطأ فدية المقتولين على عواقل القاتلين قدر حصة المقتولين كأنه جر حبل المنجنيق عشرة فرجع الحجر على خمسة منهم فقتلهم فأنصاف دياتهم على عواقل القاتلين لأنهم قتلوا بفعلهم وفعل غيرهم ولا يؤدون حصتهم من فعلهم فهم قتلوا أنفسهم مع غيرهم ولو رجع حجر المنجنيق على رجل لم يجره كان قريبا من المنجنيق أو بعيدا معينا لأهل المنجنيق بغير الجر أو غير معين لهم كانت ديته على عواقل الجارين كلهم ولو كان فيهم رجل يمسك لهم من الحبال التي يجرونها بشيء ولا يجر معهم في إمساكه لهم لم يلزمه ولا عاقلته شيء من قبل أنا لم ند إلا بفعل القتل فأما بفعل الصلاح فلا ولو رجع عليهم الحجر فقتلهم كلهم أو سقط المنجنيق عليهم من جرهم فقتل كلهم وهم عشرة ودوا كلهم ورفع عن عواقل من يديهم عشر دية كل واحد منهم لأنه قتل بفعل نفسه وفعل تسعة معه فيرفع عنه حصة فعل نفسه ويؤخذ له حصة فعل غيره ثم هكذا كل واحد ولو رمى رجل بعرادة أو بغيرها أو ضرب بسيف فرجعت الرمية عليه كأنها أصابت جدارا ثم رجعت إليه أو ضرب بسيف شيئا فرجع عليه السيف فلا دية له لأنه جنى على نفسه ولا يضمن لنفسه شيئا ولو رمى في بلاد الحرب فأصاب مسلما مستأمنا أو أسيرا أو كافرا أسلم فلم يقصد قصده بالرمية ولم يره فعليه تحرير رقبة ولا دية له وإن رآه وعرف مكانه ورمى وهو مضطر إلى الرمي فقتله فعليه دية وكفارة وإن كان عمده وهو يعرفه مسلما فعليه القصاص إذا رماه بغير ضرورة ولا خطأ وعمد قتله فإن تترس به مشرك وهو يعلمه مسلما وقد التحم فرأى أنه لا ينجيه إلا ضربه المسلم فضربه يريد قتل المشرك فإن أصابه درأنا عنه القصاص وجعلنا عليه الدية وهذا كله إذا كان في بلاد المشركين أوصفهم فأما إذا انفرج عن المشركين فكان بين صف المسلمين والمشركين فذلك موضع يجوز أن يكون فيه المسلم والمشرك فإن قتل رجل رجلا وقال ظننته مشركا فوجدته مسلما فهذا من الخطأ وفيه العقل فإن اتهمه أولياؤه أحلف لهم ما علمه مسلما فقتله فإن قال قائل كيف أبطلت دية مسلم أصيب ببلاد المشركين برمي أو غارة لا يعمد فيها بقتل قيل قال الله عز وجل وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ إلى قوله متتابعين فذكر الله عز وجل في المؤمن يقتل خطأ والذمي يقتل خطأ الدية في كل واحد منهما و تحرير رقبة فدل ذلك على أن هذين مقتولان في بلاد الإسلام الممنوعة لا بلاد الحرب المباحة
صفحة : 1494
وذكر من حكمهما حكم المؤمن من عدو لنا يقتل فجعل فيه تحرير رقبة فلم تحتمل الآية والله تعالى أعلم إلا أن يكون قوله فإن كان من قوم عدو لكم يعني في قوم عدو لكم وذلك أنها نزلت وكل مسلم فهو من قوم عدو للمسلمين لأن مسلمي العرب هم من قوم عدو للمسلمين وكذلك مسلموا العجم ولو كانت على أن لا يكون دية في مسلم خرج إلى بلاد الإسلام من جماعة المشركين هم عدو لأهل الإسلام للزم من قال هذا القول أن يزعم أن من أسلم من قوم مشركين فخرج إلى دار الإسلام فقتل كانت فيه تحرير رقبة ولم تكن فيه دية وهذا خلاف حكم المسلمين وإنما معنى الآية إن شاء الله تعالى على ما قلنا وقد سمعت بعض من أرضى من أهل العلم يقول ذلك فالفرق بين القتلين أن يقتل المسلم في دار الإسلام غير معمود بالقتل فيكون فيه دية وتحرير رقبة أو يقتل مسلم ببلاد الحرب التي لا إسلام فيها ظاهر غير معمود بالقتل ففي ذلك تحرير رقبة ولا دية مسألة مال الحربي قال الشافعي وإذا دخل الذمي أو المسلم دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم يشتري لهم شيئا فأما مع المسلم فلا نعرض له ويرد إلى أهله من أهل الحرب لأن أقل ما فيه أن يكون خروج المسلم به أمانا للكافر فيه وأما مع الذمي قال الربيع ففيها قولان أحدهما أنا نغنمه لأنه لا تكون كينونته معه أمانا له منا لأنه إنما روى المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم فلا يكون ما مع الذمي من أموالهم 1 أمانا لأموالهم وإن ظن الحربي الذي بعث بماله معه أن ذلك أمان له كما لو دخل حربي بتجارة إلينا بلا أمان منا كان لنا أن نسبيه ونأخذ ماله ولا يكون ظنه بأنه إذا دخل تاجرا أن ذلك أمان له ولماله بالذي يزيل عنه حكما والقول الثاني أنا لا نغنم ما مع الذمي من مال الحربي لأنه لما كان علينا أن لا نعرض للذمي في ماله كان ما معه من مال غيره له أمان مثل ماله كما لو أن حربيا دخل إلينا بأمان وكان معه مال لنفسه ومال لغيره من أهل الحرب لم نعرض له في ماله لما تقدم له من الأمان ولا في المال الذي معه لغيره فهكذا لما كان للذمي أمان متقدم لم يتعرض له في ماله ولا في المال الذي معه لغيره مثل هذا سواء والله نسأل التوفيق برحمته وكان آخر القولين أشبه إن شاء الله تعالى ID ' ' فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.
صفحة : 1495
الأسارى والغلول أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال إذا أسر المسلم فكان في بلاد الحرب أسيرا موثقا أو محبوسا أو مخلى في موضع يرى أنه لا يقدر على البراح منه أو موضع غيره ولم يؤمنوه ولم يأخذوا عليه أنهم أمنوا منه فله أخذ ما قدر عليه من ولدانهم ونسائهم قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن أمنوه أو بعضهم وأدخلوه في بلادهم بمعروف عندهم في أمانهم إياه وهم قادرون عليه فإنه يلزمه لهم أن يكونوا منه آمنين وإن لم يقل ذلك إلا أن يقولوا قد أمناك ولا أمان لنا عليك لأنا لا نطلب منك أمانا فإذا قالوا هذا هكذا كان القول فيه كالقول في المسألة الأولى يحل له اغتيالهم والذهاب بأموالهم وإفسادها والذهاب بنفسه فإن أمنوه وخلوه وشرطوا عليه أن لا يبرح بلادهم أو بلدا سموه وأخذوا عليه أمانا أو لم يأخذوا قال الشافعي رحمه الله تعالى قال بعض أهل العلم يهرب وقال بعضهم ليس له أن يهرب وقال وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه من ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه أمان لهم منه فليس له أن يغتالهم ولا يخونهم وأما الهرب بنفسه فله الهرب فإن أدرك ليؤخذ فله أن يدفع عن نفسه وإن قتل الذي أدركه لأن طلبه غير الأمان فيقتله إن شاء ويأخذ ماله ما لم يرجع عن طلبه فاذا أسر المشركون المسلم فخلوه على فداء يدفعه إلى وقت وأخذوا عليه إن لم يدفع الفداء أن يعود في إسارهم فلا ينبغي له أن يعود في إسارهم ولا ينبغي للإمام أن يدعه إن أراد العودة فإن كانوا امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لأنه مال أكرهوه على أخذه منه بغير حق وإن كان أعطاهموه على شيء يأخذه منهم لم يحل له إلا أداؤه بكل حال وهكذا لو صالحهم مبتدئا على شيء انبغى له أن يؤديه إليهم إنما أطرح عليهم ما استكره عليه قال الشافعي رحمه الله تعالى في أسير في أيدي العدو وأرسلوا معه رسلا ليعطيهم فداء أو أرسلوه بعهد أن يعطيهم فداء سماه لهم وشرطوا عليه إن لم يدفعه إلى رسولهم أو يرسل به إليهم أن يعود في إسارهم قال الشافعي يروى عن أبي هريرة والثوري وإبراهيم النخعي أنهم قالوا لا يعود في إسارهم ويفي لهم بالمال وقال بعضهم إن أراد العودة منعه السلطان العودة وقال ابن هرمز يحبس لهم بالمال وقال بعضهم يفي لهم ولا يحبسونه ولا يكون كديون الناس وروى عن الأوزاعي والزهري يعود في إسارهم إن لم يعطهم المال وروى ذلك عن ربيعة وعن ابن هرمز خلاف ما روى عنه في المسألة الأولى قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن ذهب مذهب الأوزاعي ومن قال قوله فإنما يحتج فيما أراه بما
صفحة : 1496
روى عن بعضهم أنه يروي أن النبي ﷺ صالح أهل الحديبية أن يرد من جاءه بعد الصلح مسلما فجاءه أبو جندل فرده إلى أبيه وأبو بصير فرده فقتل أبو بصير المردود معه ثم جاء إلى النبي ﷺ فقال قد وفيت لهم ونجاني الله منهم فلم يرده النبي ﷺ ولم يعب ذلك عليه وتركه فكان بطريق الشام يقطع على كل مال قريش حتى سألوا رسول الله ﷺ أن يضمه إليه لما نالوه من أذاه قال الشافعي رحمه الله وهذا حديث قد رواه أهل المغازي كما وصفت ولا يحضرني ذكر إسناده فأعرف ثبوته من غيره قال وإذا كان المسلمون أسارى أو مستأمنين أو رسلا في دار الحرب فقتل بعضهم بعضا أو قذف بعضهم بعضا أو زنوا بغير حربية فعليهم في هذا كله الحكم كما يكون عليهم ولو فعلوه في بلاد الإسلام وإنما يسقط عنهم لو زنى أحدهم بحربية إذا ادعى الشبهة ولا تسقط دار الحرب عنهم فرضا كما لا تسقط عنهم صوما ولا صلاة ولا زكاة فالحدود فرض عليهم وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم حد الله تعالى ولو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا عليه الحد أبدا لأنه يمكنه من أي موضع أن يلحق بدار الحرب فيعطل عنه حكم الله جل ثناؤه ثم حكم رسول الله ﷺ قد أقام رسول الله ﷺ الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا دخل الرجل بلاد الحرب فوجد في أيديهم أسيرا أو أسارى رجالا ونساء من المسلمين فاشتراهم وأخرجهم من بلاد الحرب فأراد أن يرجع عليهم بما أعطى فيهم لم يكن ذلك له وكان متطوعا بالشراء وزائدا أن اشترى ما ليس يباع من الأحرار فإن كان بأمرهم اشتراهم رجع عليهم بما أعطى فيهم من قبل أنه أعطى بأمرهم وإذا أسرت المرأة فنكحها بعض أهل الحرب أو وطئها بلا نكاح ثم ظهر عليها المسلمون لم تسترق هي ولا أولادها لأن أولادها مسلمون بإسلامها فإن كان لها زوج في دار الإسلام لم يلحق به هذا الولد ولحقوا بالنكاح المشرك وإن كان نكاحه فاسدا لأنه نكاح شبهة وإذا أسر المسلم فكان في دار الحرب فلا تنكح امراته إلا بعد يقين وفاته عرف مكانه أو خفي مكانه وكذلك لا يقسم ميراثه وما صنع الأسير من المسلمين في دار الحرب أو في دار الإسلام أو المسجون وهو صحيح في ماله غير مكره عليه فهو جائز من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك
صفحة : 1497
قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم أو يبلغوا مدة أمانهم وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم وإن أسر العدو أطفال المسلمين ونساؤهم لم أكن أحب لهم الغدر بالعدو ولكن أحب لهم لو سألوهم أن يردوا إليهم الأمان وينبذوا إليهم فإذا فعلوا قاتلوهم عن أطفال المسلمين ونسائهم ما يجوز للأسير في ماله إذا أراد الوصية قال الشافعي رحمه الله تعالى يجوز للأسير في بلاد العدو ما صنع في ماله في بلاد الإسلام وإن قدم ليقتل ما لم ينله منه ضرب يكون مرضا وكذلك الرجل بين الصفين قال الشافعي أخبرنا بعض أهل المدينة عن محمد ابن عبدالله عن الزهري أن مسروقا قدم بين يدي عبدالله بن زمعة يوم الحرة ليضرب عنقه فطلق امرأته ولم يدخل بها فسألوا أهل العلم فقالوا لها نصف الصداق ولا ميراث لها قال الشافعي أخبرنا بعض أهل العلم عن هشام ابن عروة عن أبيه أن عامة صدقات الزبير تصدق بها وفعل أمورا وهو واقف على ظهر فرسه يوم الجمل وروى عن عمر بن عبدالعزيز عطية الحبلى جائزة حتى تجلس بين القوابل وبهذا كله نقول قال الشافعي وعطية راكب البحر جائزة ما لم يصل إلى الغرق أو شبه الغرق قال الشافعي رحمه الله تعالى وقال القاسم بن محمد وابن المسيب عطية الحامل جائزة قال الشافعي رحمه الله تعالى وما وصفت من قول من سميت وغيرهم من أهل المدينة وقد روى عن ابن أبي ذئب أنه قال عطية الحامل من الثلث وعطية الأسير من الثلث وروى ذلك عن الزهري قال الشافعي وليس يجوز إلا واحد من هذين القولين والله تعالى أعلم ثم قال قائل في الحبلى عطيتها جائزة حتى تتم ستة أشهر وتأول قول الله عز وجل حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت وليس في قول الله عز وجل فلما أثقلت دلالة على مرض ولو كانت فيه دلالة على مرض يغير الحكم 1 قد يكون مرضا غير ثقيل وثقيلا وحكمه في أن لا يجوز له في ماله إلا الثلث سواء ولو كان ذلك فيه كان الإثقال يحتمل أن يكون حضور الولاد حين تجلس بين القوابل لأن ذلك الوقت الذي يخشيان فيه قضاء الله عز وجل ويسألانه أن يؤتيهما صالحا فإن قال قد يدعوان الله قبل قيل نعم مع أول الحمل ووسطه وآخره وقبله والحبلى في أول حملها أشبه بالمرض منها بعد ستة أشهر للتغير والكسل والنوم والضعف ولهي في شهرها أخف منها في شهر البدء من حملها وما في هذا إلا أن الحبل سرور ليس بمرض حتى تحضر الحال المخوفة للولاد أو يكون تغيرها بالحبل مرضا كله من أوله إلى آخره فيكون ما قال ابن أبي
صفحة : 1498
ذئب فأما غير هذا لا يجوز والله تعالى أعلم لأحد أن يتوهمه قيل للشافعي أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم أو بالعورة من عوراتهم هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين قال الشافعي رحمه الله تعالى لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا أن يقتل أو يزني بعد إحصان أو يكفر كفرا بينا بعد إيمان ثم يثبت على الكفر وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين فقلت للشافعي أقلت هذا خبرا أم قياسا قال قلته بما لا يسع مسلما علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب فقيل للشافعي فاذكر السنة فيه قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا يقول بعثنا رسول الله ﷺ أنا والمقداد والزبير فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها أخرجي الكتاب فقالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله ﷺ فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة يخبر ببعض أمر النبي ﷺ قال ما هذا يا حاطب قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرءا ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ولم يكن لي بمكة قرابة فأحببت إذ فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا والله ما فعلته شكا في ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله ﷺ إنه قد صدق فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي ﷺ إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء قال الشافعي رحمه الله تعالى في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكا في الإسلام وأنه فعله ليمنع أهله ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام واحتمل المعنى الأقبح كان القول قوله فيما احتمل فعله وحكم رسول الله ﷺ فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا لأن أمر رسول الله صلى الله عليه
صفحة : 1499
وسلم مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله ﷺ ورسول الله ﷺ يريد غرتهم فصدقه ما عاب عليه الأغلب مما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولا كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه قيل للشافعي أفرأيت إن قال قائل إن رسول الله ﷺ قال قد صدق إنما تركه لمعرفته بصدقه لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره فقال له قد علم رسول الله ﷺ أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر فلو كان حكم النبي ﷺ في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر وتولى الله عز وجل منهم السرائر ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكما له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية وكل ما حكم به رسول الله ﷺ فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصا أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجهلوا له سنة أو يكون ذلك موجودا في كتاب الله عز وجل قلت للشافعي أفتأمر الإمام إذا وجد مثل هذا بعقوبة من فعله أم تركه كما ترك النبي ﷺ فقال الشافعي إن العقوبات غير الحدود فأما الحدود فلا تعطل بحال وأما العقوبات فللإمام تركها على الاجتهاد وقد روى عن النبي ﷺ أنه قال تجافوا لذوي الهيئات وقد قيل في الحديث ما لم يكن حد فإذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة بجهالة كما كان هذا من حاطب بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى له وإذا كان من غير ذي الهيئة كان للإمام والله تعالى أعلم تعزيره وقد كان النبي ﷺ في أول الإسلام يردد المعترف بالزنا 1 فترك ذلك من أمر النبي ﷺ لجهالته يعني المعترف بما عليه وقد ترك النبي ﷺ عقوبة من غل في سبيل الله فقلت للشافعي أرأيت الذي يكتب بعورة المسلمين أو يخبر عنهم بأنهم أرادوا بالعدو شيئا ليحذروه من المستأمن والموادع أو يمضي إلى بلاد العدو مخبرا عنهم قال يعزر هؤلاء ويحبسون عقوبة وليس هذا بنقض للعهد يحل سبيهم وأموالهم ودماءهم وإذا صار منهم واحد إلى بلاد العدو فقالوا لم نر بهذا نقضا للعهد فليس بنقض للعهد ويعزر ويحبس قلت للشافعي أرأيت الرهبان إذا دلوا على عورة المسلمين قال يعاقبون وينزلون من الصوامع ويكون من عقوبتهم إخراجهم من أرض الإسلام فيخيرون بين أن يعطوا الجزية ويقيموا بدار الإسلام أو يتركوا يرجعون فإن عادوا أودعهم السجن وعاقبهم مع السجن قلت للشافعي أفرأيت إن أعانوهم بالسلاح
صفحة : 1500
والكراع أو المال أهو كدلالتهم على عورة المسلمين قال إن كنت تريد في أن هذا لا يحل دماءهم فنعم وبعض هذا أعظم من بعض ويعاقبون بما وصفت أو أكثر ولا يبلغ بهم قتل ولا حد ولا سبي فقلت للشافعي فما الذي يحل دماءهم قال إن قاتل أحد من غير أهل الإسلام راهب أو ذمي أو مستأمن مع أهل الحرب حل قتله وسباؤه وسبي ذريته وأخذ ماله فأما ما دون القتال فيعاقبون بما وصفت ولا يقتلون ولا تغنم أموالهم ولا يسبون الغلول قلت للشافعي أفرأيت المسلم الحر أو العبد الغازي أو الذمي أو المستأمن يغلون من الغنائم شيئا قبل أن تقسم فقال لا يقطع ويغرم كل واحد من هؤلاء قيمة ما سرق إن هلك الذي أخذه قبل أن يؤديه وإن كان القوم جهلة علموا ولم يعاقبوا فإن عادوا عوقبوا فقلت للشافعي أفيرجل عن دابته ويحرق سرجه أو يحرق متاعه فقال لا يعاقب رجل في ماله وإنما يعاقب في بدنه وإنما جعل الله الحدود على الأبدان وكذلك العقوبات فأما على الأموال فلا عقوبة عليها قال الشافعي رحمه الله تعالى وقليل الغلول وكثيره محرم قلت فما الحجة قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار وابن عجلان كلاهما عن عمرو بن شعيب 1 وأخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر فقدمت به على عمر فلما انتهينا إليه قال له عمر تكلم قال كلام حي أو كلام ميت قال تكلم لا بأس قال إنا وإياكم معاشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نتعبدكم ونقتلكم ونغصبكم فلما كان الله عز وجل معكم لم يكن لنا بكم يدان فقال عمر ما تقول فقلت يا أمير المؤمنين تركت بعدي عدوا كثيرا وشوكة شديدة فإن تقتله ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم فقال عمر أستحي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلما خشيت أن يقتله قلت ليس إلى قتله سبيل قد قلت له تكلم لا بأس فقال عمر ارتشيت وأصبت منه فقلت والله ما ارتشيت ولا أصبت منه قال لتأتيني على ما شهدت به بغيرك أو لأبدأن بعقوبتك قال فخرجت فلقيت الزبير بن العوام فشهد معي وأمسك عمر وأسلم وفرض له قال الشافعي رحمه الله تعالى وقبول من قبل من الهرمزان أن ينزل على حكم عمر يوافق سنة رسول الله ﷺ فإن رسول الله ﷺ قبل من بني قريظة حين حصرهم وجهد بهم الحرب أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ قال الشافعي ولا بأس أن يقبل الإمام من أهل الحصن عقله ونظره للإسلام وذلك أن السنة دلت على أن قبول الإمام إنما كان لمن وصفت من أهل
صفحة : 1501
القناعة والثقة فلا يجوز للإمام عندي أن يقبل خلافهم من غير أهل القناعة والثقة والعقل فيكون قبل خلاف ما قبلوا منه ولو فعل كان قد ترك النظر ولم يكن له عذر فإن قال قائل وكيف يجوز أن ينزل على حكم من لعله لا يدري ما يصنع قيل لما كان الله عز وجل أذن بالمن والفداء في الأسارى من المشركين وسن رسول الله ﷺ ذلك لما بعد الحكم أبدا أن يمن أو يفادي أو يقتل أو يسترق فأي ذلك فعل فقد جاء به كتاب الله تبارك وتعالى ثم سنة رسول الله ﷺ قال الشافعي وقد وصفنا أن للإمام في الأسارى الخيار في غير هذا الكتاب وأحب أن يكون على النظر للإسلام وأهله فيقتل إن كان ذلك أوهن للعدو وأطفأ للحرب ويدع إن كان ذلك أشد لنشر الحرب وأطلب للعدو على نحو ما أشار به أنس على عمر ومتى سبق من الإمام قول فيه أمان ثم ندم عليه لم يكن له نقض الأمان بعد ما سبق منه وكذلك كل قول يشبه الأمان مثل قول عمر تكلم لا بأس قال الشافعي ولا قود على قاتل أحد بعينه لأن الهرمزان قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلم ير عليه عمر قودا وقول عمر في هذا موافق سنة رسول الله ﷺ قد جاءه قاتل حمزة مسلما فلم يقتله به قودا وجاءه بشر كثير كلهم قاتل معروف بعينه فلم ير عليه قودا وقول عمر لتأتيني بمن يشهد على ذلك أو لأبدأن بعقوبتك يحتمل أن لم يذكر ما قال للهرمزان 1 من أن لا تقبل إلا بشاهدين ويحتمل أن احتياطا كما احتاط في الأخبار ويحتمل أن يكون في يديه فجعل الشاهد غيره لأنه دافع عمن هو بيديه وأشبه ذلك عندنا أن يكون احتياطا والله تعالى أعلم قال الشافعي أخبرنا الثقفي عن حميد عن موسى بن أنس عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سأله إذا حاصرتم المدينة كيف تصنعون قال نبعث الرجل إلى المدينة ونصنع له هنة من جلود قال أرأيت إن رمى بحجر قال إذا يقتل قال فلا تفعلوا فوالذي نفسي بيده ما يسرني أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضييع رجل مسلم قال الشافعي رحمه الله تعالى ما قال عمر بن الخطاب من هذا احتياط وحسن نظر للمسلمين وإني أستحب للإمام ولجميع العمال وللناس كلهم أن لا يكونوا معترضين لمثل هذا ولا لغيره مما الأغلب عليه منه التلف وليس هذا بمحرم على من تعرضه والمبارزة ليست هكذا لأن المبارزة إنما يبرز لواحد فلا يبين أنه مخاطر إنما المخاطر المتقدم على جماعة أهل الحصن فيرمي أو على الجماعة وحده الأغلب أن لا يدان له بهم فإن قال قائل ما دل على أن لا بأس بالتقدم على الجماعة قيل بلغنا أن رجلا قال يا رسول الله إلا م يضحك الله من
صفحة : 1502
عبده قال غمسه يده في العدو حاسرا فألقى درعا كانت عليه وحمل حاسرا حتى قتل قال الشافعي رحمه الله تعالى والاختيار أن يتحرز قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أن النبي ﷺ ظاهر يوم أحد بين درعين قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال سار رسول الله ﷺ إلى خيبر فانتهى إليها ليلا وكان رسول الله ﷺ إذا طرق قوما ليلا لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يكونوا يصلون أغار عليهم حين يصبح فلما أصبح ركب وركب معه المسلمون وخرج أهل القرية ومعهم مكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله ﷺ قالوا محمد والخميس فقال رسول الله ﷺ الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قال أنس وإني لرديف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم رسول الله ﷺ قال الشافعي وفي رواية أنس أن النبي ﷺ كان لا يغير حتى يصبح ليس بتحريم للإغارة ليلا ونهارا ولا غارين في حال والله تعالى أعلم ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون احتياطا من أن يؤتوا من كمين أو حيث لا يشعرون وقد تختلط الحرب إذا أغاروا ليلا فيقتل بعض المسلمين بعضا وقد أصابهم 2 ذلك في قتل ابن عتيك فقطعوا رجل أحدهم فإن قال قائل ما دل على أن هذا من فعل النبي ﷺ ليس بتحريم أن يغير أحد ليلا قيل قد أمر بالغارة على غير واحد من اليهود فقتلوه ID ' ' ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب
صفحة : 1503
الفداء بالأسارى قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال أسر أصحاب رسول الله ﷺ رجلا من بني عقيل فأوثقوه وطرحوه في الحرة فمر به رسول الله ﷺ ونحن معه أو قال أتى عليه رسول الله ﷺ وهو على حمار وتحته قطيفة فناداه يا محمد يا محمد فأتاه النبي ﷺ فقال ما شأنك قال فبم أخذت وفيم أخذت سابقة الحاج قال أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله ﷺ فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرحمه رسول الله ﷺ فرجع إليه فقال ما شأنك قال إني مسلم فقال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح قال فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرجع إليه فقال إني جائع فأطعمني قال وأحسبه قال وإني عطشان فاسقني قال هذه حاجتك ففداه رسول الله ﷺ بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف وأخذ ناقته قال الشافعي رحمه الله تعالى قول رسول الله ﷺ أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف إنما هو أن المأخوذ مشرك مباح الدم والمال لشركه من جميع جهاته والعفو عنه مباح فلما كان هكذا لم ينكر أن يقول أخذت أي حبست بجريرة حلفائكم ثقيف ويحبسه بذلك ليصير إلى أن يخلوا من أراد ويصيروا إلى ما أراد قال الشافعي رحمه الله تعالى وقد غلط بهذا بعض من يشدد الولاية فقال يؤخذ الولي من المسلمين وهذا مشرك يحل أن يؤخذ بكل جهة وقد قال رسول الله ﷺ لرجلين مسلمين هذا ابنك قال نعم قال أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه وقضى الله عز وجل أن لا تزر وازرة وزر أخرى ولما كان حبس هذا حلالا بغير جناية غيره وإرساله مباحا كان جائزا أن يحبس بجناية غيره لاستحقاقه ذلك بنفسه ويخلي تطوعا إذا نال به بعض ما يحب حابسه قال الشافعي رحمه الله تعالى وأسلم هذا الأسير فرأى النبي ﷺ أنه أسلم لا بنية فقال لو قلتها وأنت تملك نفسك أفلحت كل الفلاح وحقن بإسلامه دمه ولم يخله بالإسلام إذ كان بعد إساره وهكذا من أسر من المشركين فأسلم حقن له إسلامه دمه ولم يخرجه إسلامه من الرق إن رأى الإمام استرقاقه استدلالا بما وصفنا من الحديث عن النبي ﷺ 1 بعد إسلامه بالرجلين فهذا أنه أثبت عليه الرق بعد إسلامه قال الشافعي رحمه الله تعالى وهذا رد لقول مجاهد لأن سفيان أخبرنا عن ابن أبي نجيح
صفحة : 1504
عن مجاهد قال إذا أسلم أهل العنوة فهم أحرار وأموالهم فيء للمسلمين فتركنا هذا استدلالا بالخبر عن النبي ﷺ قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا فاداه النبي ﷺ برجلين من أصحابه فإنما فاداه بهما أنه فك الرق عنه بأن خلوا صاحبيه وفي هذا دلالة على أن لا بأس أن يعطي المسلمون المشركين من يجري عليه الرق وإن أسلم إذا كان من يدفعون إليهم من المسلمين لا يسترق وهذا العقيلي لا يسترق لموضعه فيهم وإن خرج من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك وفي هذا دلالة على أنه لا بأس أن يخرج المسلم من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك لأن النبي ﷺ إذا فدى صاحبيه بالعقيل بعد إسلامه وبلاده بلاد شرك ففي ذلك دلالة على ما وصفت قال الشافعي رحمه الله تعالى فداء النبي ﷺ هذا بالعقيلي ورده إلى بلده وهي أرض كفر لعلمه بأنهم لا يضرونه ولا يجترئون عليه لقدره فيهم وشرفه عندهم ولو أسلم رجل لم يرد إلى قوم يقومون عليه أن يضروه إلا في مثل حال العقيلي قال الشافعي رحمه الله تعالى وفداؤه بالعقيلي والعقيلي لا يسترق خلاف أن يفدى بمن يسترق من المسلمين قال ولا بأس أن يفدى بمن يسترق من المشركين البالغين المسلمين وإذا جاز أن يفدى بمن العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب سألت الشافعي عن العدو يأبق إليهم العبد أو يشرد البعير أو يغيرون فينالونهما أو يملكونهما أسهما قال لا فقلت للشافعي فما تقول فيهما إذا ظهر عليهم المسلمون فجاء أصحابهما قبل أن يقتسما فقال هما لصاحبهما فقلت أرأيت إن وقعا في المقاسم فقال اختلف فيهما المفتون فمنهم من قال هما قبل المقاسم وبعدها سواء لصحبهما ومنهم من قال هما لصاحبهما قبل المقاسم فإذا وقعت المقاسم وصارا في سهم رجل فلا سبيل إليهما ومنهم من قال صاحبهما أحق بهما ما لم يقسما فإذا قسما فصاحبهما أحق بهما بالقيمة قلت للشافعي فما اخترت من هذا قال أنا أستخير الله عز وجل فيه قلت فمع أي القولين الآثار والقياس 1 فقال دلالة السنة والله تعالى أعلم فقلت للشافعي فاذكر السنة فقال أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن عمران بن حصين قال سبيت امرأة من الأنصار وكانت الناقة قد أصيبت قبلها قال الشافعي رحمه الله تعالى كأنه يعني ناقة النبي ﷺ لأن آخر حديثه يدل على ذلك قال عمران بن حصين فكانت تكون فيهم وكانوا يجيئون بالنعم إليهم فاننفلتت ذات ليلة من الوثائق فأتت الإبل فجعلت كلما أتت بعيرا منها فمسته رغا فتركته حتى أتت تلك النقاقة فمستها فلم ترغ وهي ناقة هدرة
صفحة : 1505
فقعدت في عجزها ثم صاحت بها فانطلقت وطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها فجعلت لله عليها إن الله أنجاها عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة عرفوا الناقة وقالوا ناقة رسول الله ﷺ فقالت إنها قد جعلت لله تعالى عليها لتنحرنها فقال والله لا تنحريها حتى نؤذن رسول الله ﷺ فأتوه فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك وأنها قد جعلت لله عليها إن نجاها الله عليها لتنحرنها فقال رسول الله ﷺ لبئسما جزتها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد أو قال ابن آدم قال الشافعي رحمه الله تعالى وهذا الحديث يدل على أن العدو قد أحرز ناقة رسول الله ﷺ وأن الأنصارية انفلتت من إسارهم عليها بعد إحرازهموها ورأت أنها لها فأخبر رسول الله ﷺ أنها قد نذرت فيما لا تملك ولا نذر لها وأخذ رسول الله ﷺ ناقته ولو كان المشركون يملكون على المسلمين لم يعد أخذ الأنصارية الناقة أن تكون ملكتها بأنها أخذتها ولا خمس فيها لأنها لم توجف عليها وقد قال بهذا غيرنا ولسنا نقول به أو تكون ملكت أربعة أخماسها وخمسها لأهل الخمس أو تكون من الفيء الذي لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فيكون أربعة أخماسها للنبي ﷺ وخمسها لأهل الخمس ولا أحفظ قولا لأحد أن يتوهمه في هذا غير أحد هذه الثلاثة الأقاويل قال فلما أخذ رسول الله ﷺ ناقته دل هذا على أن المشركين لا يملكون شيئا على المسلمين وإذا لم يملك المشركون على المسلمين ما أوجفوا عليه بخيلهم فأحرزوه في ديارهم أشبه والله تعالى أعلم أن لا يملك المسلمون عنهم ما لم يملكوا هم لأنفسهم قبل قسم الغنيمة ولا بعده قلت للشافعي رحمه الله تعالى فإن كان هذا ثابتا عن رسول الله ﷺ فكيف اختلف فيه فقال قد يذهب بعض السنن على بعض أهل العلم ولو علمها إن شاء الله تعالى قال بها قلت للشافعي أفرأيت من لقيت ممن سمع هذا كيف تركه فقال لم يدعه كله ولم يأخذ به كله فقلت فكيف كان هذا قال الله تعالى أعلم ولا يجوز هذا لأحد فقلت فهل ذهب فيه إلى شيء فقال كلمني بعض من ذهب هذا المذهب فقال 2 وهكذا يقول فيه المقاسم فيصير عبد رجل في سهم رجل فيكون مفروزا من حقه ويتفرق الجيش فلا يجد أحدا يتبعه بسهمه فينقلب لا سهم له فقلت له أفرأيت لو وقع في سهمه حر أو أم ولد لرجل قال يخرج من يده ويعوض من بيت المال فقلت له وإن لم يستحق الحر الحرية ولا مالك أم الولد إلا بعد تفرق الجيش قال نعم ويعوض من
صفحة : 1506
بيت المال فقلت له وما يدخل على من قال هذا القول في عبد الرجل المسلم يخرج من يدي من صار سهمه ويعوض منه قيمته فقال من أين يعوض قلت من الخمس خاصة قال ومن أي الخمس قلت سهم النبي ﷺ فإنه كان يضعه في الأنفال ومصالح المسلمين قال الشافعي رحمه الله تعالى فقال لي قائل تول الجواب عمن قال صاحب المال أحق به قبل المقاسم وبعده قلت فاسأل فقال ما حجتك فيه قلت ما وصفت من السنة في حديث عمران بن حصين والخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ وأن السنة إذا دلت أن المشركين لا يملكون على المسلمين شيئا بحال لم يجز أن يملكوا عليهم بحال أخرى إلا بسنة مثلها فقال ومن أين قلت إني إذا أعطيت أن مالك العبد إذا وجد عبده 1 قبل ما يحرزه العدو ثم يحرزه المسلمون على العدو قبل أن يقسمه المسلمون فقد أعطيت أن العدو لم يملكوه ملكا يتم لهم ولو ملكوه ملكا يتم لهم لم يكن العبد لسيده إذا ملكه الموجفون عليه من المسلمين قبل القسم ولا بعده أرأيت لو كان أسرهم إياه وغلبتهم عليه كبيع مولاه له منهم أوهبته إياه ثم أوجف عليه ألا يكون للموجفين قال بلى قلت أفتعدو غلبة العدو عليه أن تكون ملكا فيكون كمال لهم سواء مما وهب لهم أو اشتروه أو تكون غصبا لا يملكونه عليه فإذا كانت السنة والآثار والإجماع تدل على أنه كالغصب قبل أن يقسم فكذلك ينبغي أن يكون بعد ما يقسم ألا ترى أن مسلما متأولا أو غير متأول لو أوجف على عبد ثم أخذ من يد من قهره عليه كان لمالكه الأول فإذا لم يملك مسلم على مسلم بغصب كان المشرك أولى أن لا يكون مالكا مع أنك لم تجعل المشرك مالكا ولا غير مالك قال الشافعي فقال إن هذا ليدخله ولكنا قلنا فيه بالأثر قال الشافعي رحمه الله تعالى أرأيت إن قال لك قائل هذه السنة والأثر تجامع ما قلنا وهو القياس والمعقول فكيف صرت إلى أن تأخذ بشيء دون السنة وتدع السنة وشيء من الأثر أقل من الآثار وتدع الأكثر فما حجتك فيه قال إنا قد قلنا بالسنة والآثار التي ذهبت إليها ولم يكن فيها بيان أن ذلك بعد القسمة كهو قبلها قال الشافعي رحمه الله تعالى قلت له أما فيها بيان أن العدو لو ملكوا على المسلمين ما أحرزوا من أموالهم ملكا تاما كان ذلك لمن ملك من المسلمين على المشركين دون مالكه الأول قال بلى قلت أولا يكون مملوكا لمالكه الأول بكل حال أو للعدو إذا أحرزوه فقال إن هذا ليدخل ذلك ولكن صرنا إلى الأثر وتركنا القياس قال الشافعي رحمه الله تعالى فقلت له فهذه السنة والآثار والقياس عليها فقال قد يحتمل أن يكون حكمه قبل ما يقسم 2 حكمه بعد ما يقسم حكمه قال
صفحة : 1507
الشافعي رحمه الله تعالى فقلت له أما في قياس أو عقل فلا يجوز أن يكون هذا لو كان إلا بالأثر عن النبي ﷺ فإن لم يرو عن النبي ﷺ فيه شيء ويروي عمن دونه فليس في أحد مع النبي ﷺ حجة قال أفيحتمل من روى عنه قولنا من أصحاب النبي ﷺ أن يكون ذهب عليه هذا عن النبي ﷺ فقلت أفيحتمل عندك فقال نعم فقلت فما مسألتك عن أمر تعلم أن لا مسألة فيه قال فأوجدني مثل هذا فقلت نعم وأبين قال مثل ماذا قال الشافعي قضى رسول الله ﷺ في السن بخمس وقضى عمر في الضرس ببعير فكان يحتمل لذاهب لو ذهب مذهب عمر أن يقول السن ما أقبل والضرس ما أكل عليه ثم يكون هذا وجها محتملا يصح المذهب فيه فلما كانت السن داخلة في معنى الأسنان في حال فإن باينتها باسم منفرد دونها كما تباين الأسنان بأسماء تعرف بها صرنا وأنت إلى ما روى عن النبي ﷺ جملة وجعلنا الأعم أولى بقول النبي ﷺ من الأخص وإن احتمل الأخص من حكم كثير غير هذا نقول فيه نحن وأنت بمثل هذا قال هذا في هذا وغيره كما تقول قلت فما أحرز المشركون ثم أحرز عنهم فكان لمالكه قبل القسم ولم يأت عن النبي ﷺ أنه ليس له بعد القسم أثر غير هذا فأحرى لا يحتمل معنى إلا أن المشركين لا يحرزون على المسلمين شيئا قال فإنا نأخذ قولنا من غير هذا الوجه إذا دخل من هذا الوجه فنأخذه من أنا روينا عن النبي ﷺ من أسلم على شيء فهو له وروينا عنه أن المغيرة أسلم على مال قوم قد قتلهم وأخفاه فكان له قال الشافعي أرأيت ما رويت عن النبي ﷺ من أنه من أسلم على شيء فهو له أيثبت قال هو من حديثكم قلت نعم منقطع ونحن نكلمك على تثبيته فنقول لك أرأيت إن كان ثابتا أهو عام أو خاص قال فإن قلت هو عام قلت إذا نقول لك أرأيت عدوا أحرز حرا أو أم ولد أو مكاتبا أو مدبرا أو عبدا مرهونا فأسلم عليهم قال لا يكون له حر ولا أم ولد ولا شيء لا يجوز ملكه قال الشافعي رحمه الله تعالى فقلت له فتركت قولك إنه عام قال نعم وأقول من أسلم على شيء يجوز ملكه لمالكه الذي غصبه عليه قلنا فأم الولد يجوز ملكها لمالكها إلى أن يموت أفتجعل للعدو ملكها إلى موت سيدها قال لا لأن فرجها لا يحل لهم قلت إن أحللت ملك رقبتها بالغصب حين تقيم الغاصب مقام سيدها إنك لشبيه أن تحل فرجها أو ملكها وإن منعت فرجها أو رأيت إن جعلت الحديث خاصا وأخرجته من العموم أيجوز لك فيه أن تقول فيه
صفحة : 1508
بالخاص بغير دلالة عن النبي ﷺ قال الشافعي فقال فأستدل بحديث المغيرة على أن المغيرة ملك ما يجوز له تملكه فأسلم عليه فلم يخرجه النبي ﷺ من يده ولم يخمسه قال فقلت له الذين قتل المغيرة مشركون فإن زعمت أن حكم أموال المسلمين حكم أموال المشركين كلمناك على ذلك قال ما حكم أموال المشركين حكم أموال المسلمين وإنه ليدخل على هذا القول ما وصفت فهل تجد إن ثبت عن النبي ﷺ أقال من أسلم على شيء فهو له مخرجا صحيحا لا يدخل فيه شيء مثل ما دخل هذا القول قال الشافعي فقلت له نعم من أسلم على شيء يجوز له ملكه فهو له فقال هذا جملة فأبنه فقلت له إن الله تبارك وتعالى أعز أهل دينه 1 إلا بحقها فهي من غير أهل دينه أولى أن تكون ممنوعة أو أقوى على منعها فإذا كان المسلم لو قهر مسلما على عبد ثم ورث عن القاهر أو غلبه عليه متأول أو لص أخذه المقهور عليه بأصل ملكه الأول وكان لا يملكه مسلم بغصب فالكافر أولى أن لا يملكه بغصب وذلك أن الله جل ثناؤه خول المسلمين أنفس الكافرين المحاربين وأموالهم فيشبه والله تعالى أعلم أن يكون المشركون إن كانوا إذا قدروا عليهم وأموالهم خولا لأهل دين الله عز وجل أن لا يكون لهم أن يتخولوا من أموال أهل دين الله شيئا يقدر على إخراجه من أيديهم ولا يجوز أن يكون المتخول متخولا على ممن يتخوله إذا قدر عليه قال فما الذي يسلمون عليه فيكون لهم فقلت ما غصبه بعض المشركين بعضا ثم أسلم عليه الغاصب كان له كما أخذه المغيرة من أموال المشركين وذلك أن المشركين الغاصبين والمغصوبين لم يكونوا ممنوعي الأموال بدين الله عز وجل فلما أخذها بعضهم لبعض أو سبا بعضهم بعضا ثم أسلم السابي الآخذ للمال كان له ما أسلم عليه لأنه أسلم على ما لو ابتدأ أخذه في الإسلام كان له ولم يكن له أن يبتدئ في الإسلام أخذ شيء لمسلم فقال لي أرأيت من قال هذا القول كيف زعم في المشركين إذا أخذوا لمسلم عبدا أو مالا غيره أو أمته أو أم ولده أو مدبره أو مكاتبه أو مرهونه أو أمة جانية أو غير ذلك ثم أحرزها المسلمون فقلت هذا يكون كله لمالكه على الملك الأول وبالحال الأول قبل أن يحرزها العدو وتكون أم الولد أم ولد وإن مات سيدها عتقت بموته في بلاد الحرب أو بعد والمدبرة مدبرة ما لم يرجع فيها سيدها والعبد الجاني والأمة الجانية جانيين في رقابهما الجناية لا يغير السباء منهما شيئا وكذلك الرهن وغيره قال أفرأيت إن أحرز هذا المشركون ثم أحرزه عليهم مشركون غيرهم ثم أحرزه المسلمون ثم أحرزه المشركون عليهم قلت كيف كان هذا وتطاول فهذا قول لا يدخل بحال هو على الملك
صفحة : 1509
الأول وكل حادث فيه بعده لا يبطله ويدفعون إلى مالكيهم الأولين المسلمين فقلت للشافعي رحمه الله تعالى فأجب على هذا القول أرأيت إن أحرز العدو جارية رجل فوطئها المحرز لها فولدت ثم ظهر عليها المسلمون فقال هي وأولادها لمالكها فقلت فإن أسلموا عليها قال تدفع الجارية إلى مالكها ويأخذ ممن وطئها عقرها وقيمة أولادها يوم سقطوا قال الشافعي أخبرنا حاتم عن جعفر عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى بن عباس يسأله عن خلال فقال ابن عباس إن ناسا يقولون إن ابن عباس يكاتب الحرورية ولولا أني أخاف أن أكتم علما لم أكتب إليه فكتب نجدة إليه أما بعد فأخبرني هل كان رسول الله ﷺ يغزو بالنساء وهل كان يضرب لهن بسهم وهل كان يقتل الصبيان ومتى ينقضي يتم اليتيم وعن الخمس لمن هو فكتب إليه ابن عباس إنك كتبت تسألني هل كان رسول الله ﷺ يغزو بالنساء وقد كان يغزو بهن فيداوين المرضى ويحذين من الغنيمة وأما السهم فلم يضرب لهن بسهم وإن رسول الله ﷺ لم يقتل الولدان فلا تقتلهم إلا أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتله فتميز بين المؤمن والكافر فتقتل الكافر وتدع المؤمن وكتبت متى ينقضي يتم اليتيم ولعمري إن الرجل لتشيب لحيته وإنه لضعيف الأخذ ضعيف الإعطاء فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم وكتبت تسألني عن الخمس وإنا كنا نقول هو لنا فأبى ذلك علينا قومنا فصبرنا عليه سألت الشافعي عن المسلمين إذا غزوا أهل الحرب هل يكره لهم أن يقطعوا الشجر المثمر ويخربوا منازلهم ومدائنهم ويغرقوها ويحرقوها ويخربوا ما قدروا عليه من ثمارهم وشجرهم وتؤخذ أمتعتهم قال الشافعي كل ما كان مما يملكوا لا روح له فإتلافه مباح بكل وجه وكل ما زعمت أنه مباح فحلال للمسلمين فعله وغير محرم عليهم تركه وأحب إذا غزا المسمون بلاد الحرب وكانت غزاتهم غارة أو كان عدوهم كثيرا ومتحصنا ممتنعا لا يغلب عليهم أن تصير دارهم دار الإسلام ولا دار عهد يجري عليها الحكم أن يقطعوا ويحرقوا ويخربوا ما قدروا عليه من ثمارهم وشجرهم ويؤخذ متاعهم وما كان يحمل من خفيف متاعهم فقدروا عليه اخترت أن يغنموه وما لم يقدروا عليه حرقوه وغرقوه وإذا كان الأغلب عليهم أنها ستصير دار الإسلام أو دار عهد يجري عليهم الحكم اخترت لهم الكف عن أموالهم ليغنموها إن شاء الله تعالى ولا يحرم عليهم تحريقها ولا تخريبها حتى يصيروا مسلمين أو ذمة أو يصير منها في أيديهم شيء مما يحمل فينقل فلا يحل تحريق ذلك لأنه صار للمسلمين ويحرقوا ما سواه مما لا يحمل وإنما
صفحة : 1510
زعمت أنه لا يحرم تحريق شجرهم وعامرهم وإن طمع بهم لأنه قد يطمع بالقوم ثم يكون الأمر على غير ما عليه الطمع وإنها حرقت ولم يحرزها المسلمون وإنما زعمت أن لهم الكف عن تحريقها لأن هكذا أصل المباح وقد حرق النبي ﷺ على قوم ولم يحرق على آخرين وإن حمل المسلمون شيئا من أموالهم فلم يقتسموه حتى أدركهم عدو وخافوا غلبتهم عليه فلا بأس أن يحرقوه بأن أجمعوا على ذلك وكذلك لو اقتسموه لم أر بأسا على أحد صار في يده أن يحرقه وإن كانوا يرجون منعه لم أحب أن يعجلوا بتحريقه والبيض ما لم يكن فيه فراخ من غير ذوات الأرواح 1 بمعنى الكفار وما ذبحوا من ذوات الأرواح حتى زايله الروح بمنزلة ما لا روح له فيحرق كله إن أدركهم العدو في بلاد المشركين على ما وصفت إن شاءوا ذلك وإن شاءوا تركوه فأما ذوات الأرواح من الخيل والبقر والنحل وغيرها فلا تحرق ولا تعقر ولا تغرق إلا بما يحل به ذبحها أو في موضع ضرورة 2 فقلت كتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه ﷺ قال الله تبارك وتعالى في بني النضير حين حاربهم رسول الله ﷺ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب قرأ إلى يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم وإخراب المؤمنين بيوتهم ووصفه إياه جل ثناؤه كالرضا به وأمر رسول الله ﷺ بقطع نخل من ألوان نخلهم فأنزل الله تبارك وتعالى رضا بما صنعوا من قطع نخيلهم ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين فرضي القطع وأباح الترك فالقطع والترك موجودان في الكتاب والسنة وذلك أن رسول الله ﷺ قطع نخل بني النضير وترك قطع نخل غيرهم وترك وممن غزا من لم يقطع نخله قال الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ﷺ قطع نخل بني النضير قال الشافعي أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن ابن شهاب أن رسول الله ﷺ حرق أموال بني النضير فقال قائل وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير فإن قال قائل ولعل النبي ﷺ حرق مال بني النضير ثم ترك قيل على معنى ما أنزل الله عز وجل وقد قطع وحرق بخيبر وهي بعد النضير وحرق بالطائف وهي آخر غزاة قاتل بها وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل أبنى قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا بعض أصحابنا عن عبدالله بن جعفر الأزهري قال سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة عن أسامة بن زيد قال أمرني رسول الله صلى الله عليه
صفحة : 1511
وسلم أن أغزو صباحا على أهل أبنى وأحرق الخلاف في التحريق قلت للشافعي رحمه الله تعالى فهل خالف ما قلت في هذا أحد فقال نعم بعض إخواننا من مفتي الشاميين فقلت إلى أي شيء ذهبوا قال إلى أنهم رووا عن أبي بكر أنه نهى أن يخرب عامر وأن يقطع شجر مثمر فيها فيما نهى عنه قلت فما الحجة عليه قال ما وصفت من الكتاب والسنة فقلت علام تعد نهي أبي بكر عن ذلك فقال الله تعالى أعلم أما الظن به فإنه سمع النبي ﷺ يذكر فتح الشام فكان على يقين منه فأمر بترك تخريب العامر وقطع المثمر ليكون للمسلمين لا لأنه رآه محرما لأنه قد حضر مع النبي ﷺ تحريقه بالنضير وخيبر والطائف فلعلهم أنزلوه على غير ما أنزله عليه والحجة فيما أنزل الله عز وجل في صنيع رسول الله ﷺ قال وكل شيء في وصية أبي بكر سوى هذا فبه نأخذ ذوات الأرواح قلت للشافعي رحمه الله تعالى أفرأيت ما ظفر المسلمون به من ذوات الأرواح من أموال المشركين من الخيل والنحل وغيرها من الماشية فقدروا على إتلافه قبل أن يغنموه أو غنموه فأدركهم العدو فخافوا أن يستنقذوه منهم ويقووا به على المسلمين أيجوز لهم إتلافه بذبح أو عقر أو تحريق أو تغريق في شيء من الأحوال قال الشافعي رحمه الله تعالى لا يحل عندي أن يقصد قصده بشيء يتلفه إذا كان لا راكب عليه فقلت للشافعي ولم قلت وإنما هو مال من أموالهم لا يقصد قصده بالتلف قال الشافعي لفراقه ما سواه من المال لأنه ذو روح يألم بالعذاب ولا ذنب له وليس كما لا روح له يألم بالعذاب من أموالهم وقد نهى عن ذوات الأرواح أن يقتل ما قدر عليه منها إلا بالذبح لتؤكل وما امتنع بما نيل من السلاح لتؤكل وما كان منها عداء وضارا للضرورة قلت للشافعي اذكر ما وصفت فقال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبدالله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتلها قال الشافعي رحمه الله تعالى فلما كان قتل ذوات الأرواح من البهائم محظورا إلا بما وصفت كان عقر الخيل والدواب التي لا ركبان عليها من المشركين داخلا في معنى الحظر خارجا من معنى المباح فلم يجز عندي أن تعقر ذوات الأرواح إلا على ما وصفت فإن قال قائل ففي ذلك غيظ المشركين وقطع لبعض قوتهم قيل له إنما ينال من غيظ المشركين بما كان غير ممنوع
صفحة : 1512
من أن ينال فأما الممنوع فلا يغاظ أحد بأن يأتي الغائظ له ما نهى عن إتيانه ألا ترى أنا لو سبينا نساءهم وولدانهم فأدركونا فلم نشك في إستنقاذهم إياهم منا لم يجز لنا قتلهم وقتلهم أغيظ لهم وأنكى من قتل دوابهم فإن قال قائل فقد روى أن جعفر بن أبي طالب عقر عند الحرب فلا أحفظ ذلك من وجه يثبت على الانفراد ولا أعلمه مشهورا عند عوام أهل العلم بالمغازي قيل للشافعي رحمه الله تعالى أفرأيت الفارس من المشركين أللمسلم أن يعقره قال نعم إن شاء الله تعالى لأن هذه منزلة يجد السبيل بها إلى قتل من أمر بقتله فإن قال قائل فاذكر ما يشبه هذا قيل يكون له أن يرمي المشرك بالنبل والنار والمنجنيق فإذا صار أسيرا في يديه لم يكن له أن يفعل ذلك به وكان له قتله بالسيف وكذلك له أن يرمي الصيد فيقتله فإذا صار في يديه لم يقتله إلا بالذكاة التي هي أخف عليه وقد أبيح له دم المشرك بالمنجنيق وإن أصاب ذلك بعض من معهم ممن هو محظور الدم للمرء في دفعه عن نفسه عنوة أكثر من هذا فإن قال فهل في هذا خبر نعم عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فرسه فانكسعت به وصرع عنها فجلس حنظلة على صدره وعطف ابن شعوب على حنظلة فقتله وذلك بين يدي رسول الله ﷺ فلم نعلم رسول الله ﷺ أنكر ذلك عليه ولا نهاه ولا نهى غيره عن مثل هذا قال الشافعي رحمه الله تعالى ولكنه إذا صار إلى أن يفارقه فارسه لم يكن له عقره في تلك الحال والله تعالى أعلم وكذلك لو كانت عليه امرأة أو صبي لا يقاتل لم يعقر إنما يعقر لمعنى أن يوصل إلى فارسه ليقتل أو ليؤسر قيل للشافعي فهل سمعت في هذا حديثا عمن بعد النبي ﷺ فقال إنما الغاية أن يوجد على شيء دلالة من كتاب أو سنة وقد وصفت لك بعض ما حضرني من ذلك فلا يزيده شيء وافقه قوة ولا يوهنه شيء خالفه وقد بلغنا عن أبي أمامة الباهلي أنه أوصى ابنه لا يعقر جسدا وعن عمر بن عبدالعزيز أنه نهى عن عقر الدابة إذا هي قامت وعن قبيصة أن فرسا قام عليه بأرض الروم فتركه ونهى عن عقره قال الشافعي رحمه الله تعالى وأخبرنا من سمع هشام بن الغازي يروي عن مكحول أنه سأله عنه فنهاه وقال إن النبي ﷺ نهى عن المثلة قيل للشافعي أفرايت ما أدرك معهم من أموال المشركين من ذوات الأرواح قال لا تعقروا منه شيئا إلا أن تذبحوه لتأكلوا كما وصفت بدلالة السنة وأما ما فارق ذوات الأرواح فيصنعون فيما خافوا أن يستنقذ من أيديهم فيه ما شاءوا من تحريق وكسر وتغريق وغيره قلت أو يدعون أولادهم ونساءهم ودوابهم فقال نعم إذا لم يقدروا
صفحة : 1513
على استنقاذهم منهم فقلت للشافعي أفرأيت إن كان السبي والمتاع قسم قال كل رجل صار له من ذلك شيء فهو مسلط على ماله ويدع ذوات الأرواح إن لم يقو على سوقها وعلى منعها ويصنع في غير ذوات الأرواح ما شاء فقلت للشافعي أفرأيت الإمام إذا أحرز ما يحمل من المتاع فحرقه في بلاد الشرك وهو يقاتل أو حرقه عند إدراك المشركين له وخوفه أن يستنقذوه قبل أن يقسم وبعد ما قسم فقال كل ذلك في الحكم سواء إن أحرقه بإذن من معه حل له ولم يضمن لهم سواه ويعزل الخمس لأهله فإن سلم به دفعه إليهم خاصة وإن لم يسلم به لم يكن عليه شيء ومتى حرقه بغير إذنهم ضمنه لهم إن شاءوا وكذلك رجل من المسلمين إن حرقه يضمن ما حرق منه إن حرقه بعد أن يحوزه المسلمون فأما إذا أحرقه قبل أن يحرز فلا ضمان عليه قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا أسر المشركون فصاروا في يد الإمام ففيهم حكمان أما الرجال البالغون فللإمام إن شاء أن يقتلهم أو بعضهم أو يمن عليهم أو على بعضهم ولا ضمان عليه فيما صنع من ذلك أسرتهم العامة أو أحد أو نزلوا على حكمهم أو وال هو أسرهم قال الشافعي ولا ينبغي له أن يقتلهم إلا على النظر للمسلمين من تقوية دين الله عز وجل وتوهين عدوه وغيظهم وقتلهم بكل حال مباح ولا ينبغي له ان يمن عليهم إلا بأن يكون يرى له سببا ممن من عليه يرجو إسلامه أو كفه المشركين أو تخذيلهم عن المسلمين أو ترهيبهم بأي وجه ما كان وإن فعل على غير هذا المعنى كرهت له ولا يضمن شيئا وكذلك له أن يفادى بهم المسلمين إذا كان له المن بلا مفاداة فالمفاداة أولى أن تكون له قال الشافعي رحمه الله ومن أرق منهم أو أخذ منه فدية فهوكالمال الذي غنمه المسلمون يقسم بينهم ويخمس قال الشافعي رحمه الله تعالى ودون البالغين من الرجال والنساء إذا أسروا بأي وجه ما كان الإسار فهم كالمتاع المغنوم ليس له ترك أحد منهم ولا قتله فإن فعل كان ضامنا لقيمته وكذلك غيره من الجند إن فعل كان ضامنا لقيمة ما استهلك منهم وأتلف ID ' ' غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة
صفحة : 1514
سير الواقدي أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال أصل فرض الجهاد والحدود على البالغين من الرجال والفرائض على البوالغ من النساء من المسلمين في الكتاب والسنة من موضعين فأما الكتاب فقول الله تعالى وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم فأخبر أن عليهم إذا بلغوا الاستئذان فرضا كما كان على من قبلهم من البالغين وقوله عز وجل وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا وكان بلوغ النكاح استكمال خمس عشرة وأقل فمن بلغ النكاح استكمل خمس عشرة أو قبلها ثبت عليه الفرض كله والحدود ومن أبطأ عنه بلوغ النكاح فالسن التي يلزمه بها الفرائض من الحدود وغيرها استكمال خمس عشرة والأصل فيه من السنة أن رسول الله ﷺ رد عبدالله بن عمر عن الجهاد وهو ابن أربع عشرة سنة وأجازه وهو ابن خمس عشرة سنة وعبدالله وابو عبدالله طالبان لأن يكون عبدالله مجاهدا في الحالين فأجازه إذا بلغ أن تجب عليه الفرائض ورده إذا لم يبلغها وفعل ذلك مع بضعة عشر رجلا منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وغيرهم فمن لم يستكمل خمس عشرة ولم يحتلم قبلها فلا جهاد ولا حد عليه في شيء من الحدود وسواء كان جسيما شديدا مقاربا لخمس عشرة وليس بينه وبين استكمالها إلا يوما أو ضعيفا 1 موديا بينه وبين استكمالها سنة أو سنتان لأنه لا يحد على الخلق إلا كتاب أو سنة فأما إدخال الغفلة معهما فالغفلة مردودة إذا لم تكن خلافهما فكيف إذا كانت بخلافهما قال الشافعي رحمه الله تعالى وحد البلوغ في أهل الشرك الذين يقتل بالغهم ويترك غير بالغهم أن ينبتوا الشعر وذلك أنهم في الحال التي يقتلون فيها مدافعون للبلوغ لئلا يقتلوا وغير مشهود عليهم فلو شهد عليهم أهل الشرك لم يكونوا ممن تجوز شهادتهم وأهل الإسلام يشهدون بالبلوغ على من بلغ فيصدقون بالبلوغ فإن قال قائل فهل من خبر سوى الفرق بين المسلمين والمشركين في حد البلوغ قيل نعم كشف رسول الله ﷺ بني قريظة حين قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم فكان من سنته أن لا يقتل إلا رجل بالغ فمن كان أنبت قتله ومن لم يكن أنبت سباه فإذا غزا البالغ فحضر القتال فسهمه ثابت وإذا حضر من دون البلوغ فلا سهم له فيرضخ له وللعبد والمرأة والصبي يحضرون الغنيمة ولا يسهم لهم ويرضخ أيضا للمشرك يقاتل معهم ولا يسهم له ID ' ' أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى.
صفحة : 1515
الاستعانة بأهل الذمة على قتال العدو قال الشافعي رحمه الله تعالى الذي روى مالك كما روى رد رسول الله ﷺ مشركا أو مشركين في غزاة بدر وأبى أن يستعين إلا بمسلم ثم أستعان رسول الله ﷺ بعد بدر بسنتين في غزاة خيبر بعدد من يهود بني قينقاع كانوا أشداء واستعان رسول الله ﷺ في غزاة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية وهو مشرك فالرد الأول إن كان لأن له الخيار أن يستعين 1 بمسلم أو يرده كما يكون له رد المسلم من معنى يخافه منه أو لشدة به فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر وإن كان رده لأنه لم ير أن يستعين بمشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بمشركين فلا بأس أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعا ويرضخ لهم ولا يسهم لهم ولم يثبت عن النبي ﷺ أنه أسهم لهم ولا يجوز أن يترك العبيد من المسلمين بلا سهم وغير البالغين وإن قاتلوا والنساء وإن قاتلن لتقصير هؤلاء عن الرجلية والحرية والبلوغ والإسلام ويسهم للمشرك وفيه التقصير الأكثر من التقصير عن الإسلام وهذا قول من حفظت عنه وإن أكره أهل الذمة على أن يغزوا فلهم أجر مثلهم في مثل مخرجهم من أهلهم إلى أن تنقضي الحرب وإرسالهم إياهم وأحب إلي إذا غزا بهم لو استؤجروا ID ' ' هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل ولا يكاد يقدر عليه. وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .
صفحة : 1516
الرجل يسلم في دار الحرب قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا أسلم الرجل من أهل دار الحرب كان مشركا أو مستأمنا فيهم أو أسيرا في أيديهم سواء ذلك كله فإذا خرج إلى المسلمين بعد ما غنموا فلا يسهم له وهكذا من جاءهم من المسلمين مددا وإن بقي من الحرب شيء شهدها هذا المسلم الخارج أو الجيش شركوهم في الغنيمة لأنها لم تحرز إلا بعد تقضى الحرب وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الغنيمة لمن شهد الوقعة فإن حضر واحد من هؤلاء فارسا أسهم له سهم فارس وإن حضر راجلا أسهم له سهم راجل فإن قاتل التجار مع المسلمين أسهم لهم سهم فرسان إن كانوا فرسانا وسهم رجالة إن كانوا رجالة في السرية تأخذ العلف والطعام قال الشافعي رحمه الله تعالى ولا يجوز لأحد من الجيش أن يأخذ شيئا دون الجيش مما يتموله العدو إلا الطعام خاصة والطعام كله سواء وفي معناه الشراب كله فمن قدر منهم على شيء له أن يأكله أو يشربه ويعلفه ويطعمه وغيره ويسقيه ويعلف له وليس له أن يبيعه وإذا باعه رد ثمنه في المغنم ويأكله بغير إذن الإمام وما كان حلالا من مأكول أو مشروب فلا معنى للإمام فيه والله تعالى أعلم ID ' ' صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت
صفحة : 1517
في الرجل يقرض الرجل الطعام أو العلف إلى دار الإسلام قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أقرض الرجل رجلا طعاما أو علفا في بلاد العدو رده فإن خرج من بلاد العدو لم يكن له رده عليه لأنه مأذون له في بلاد العدو في أكله وغير مأذون له إن الرجل يخرج الشيء من الطعام أو العلف إلى دار الإسلام قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن فضل في يديه شيء من الطعام قل أو كثر فخرج به من دار العدو إلى دار الإسلام لم يكن له أن يبيعه ولا يأكله وكان عليه أن يرده إلى الإمام فيكون في المغنم فان لم يفعل حتى يتفرق الجيش فلا يخرجه منه إن يتصدق به ولا بأضعافه كما لا يخرجه من حق واحد ولا جماعة إلا تأديته إليهم فإن قال لا أجدهم فهو يجد الإمام الأعظم الذي عليه تفريقه فيهم ولا أعرف لقول من قال يتصدق به وجها فإن كان ليس له مالا فليس له الصدقة بمال غيره فإن قال لا أعرفهم قيل ولكن تعرف الوالي الذي يقوم به عليهم ولو لم تعرفهم ولا واليهم ما أخرجك فيما بينك وبين الله إلا أداء قليل ما لهم وكثيره عليهم الحجة في الأكل والشرب في دار الحرب قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن قال قائل كيف أجزت لبعض المسلمين أن يأكل ويشرب ويعلف مما أصاب في دار الحرب ولم تجز له أن يأكل بعد فراقه إياها قيل إن الغلول حرام وما كان في بلاد الحرب فليس لأحد أن يأخذ منه شيئا دون أحد حضره فهم فيه شرع سواء على ما قسم لهم فلو أخذ إبرة أو خيطا كان محرما وقد قال رسول الله ﷺ أدوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار وشنار ونار يوم القيامة فكان الطعام داخلا في معنى أموال المشركين وأكثر من الخيط والمخيط والفلس والخرزة التي لا يحل أخذها لأحد دون أحد فلما أذن رسول الله ﷺ في الطعام في بلاد الحرب كان الإذن فيه خاصا خارجا من الجملة 1 التي استثنى فلم يجز أن نجيز لأحد أن يأكل إلا حيث أمره النبي ﷺ بالأكل وهو ببلاد الحرب خاصة فإذا زايلها لم يكن بأحق بما أخذ من الطعام من غيره كما لا يكون بأحق بمخيط لو أخذه من غيره وكذلك كل ما أحل من محرم في معنى لا يحل إلا في ذلك المعنى خاصة فإذا زايل ذلك المعنى عاد إلى أصل التحريم مثلا الميتة المحرمة في الأصل المحلة للمضطر فإذا زايلت الضرورة عادت إلى أصل التحريم مع أنه يروى من حديث بعض الناس مثل ما قلت من أن النبي ﷺ أذن لهم أن يأكلوا في بلاد العدو ولا يخرجوا بشيء من الطعام فإن
صفحة : 1518
كان مثل هذا ثبت عن النبي ﷺ فلا حجة لأحد معه وإن كان لا يثبت لأن في رجاله من يجهل وكذلك في رجال من روى عنه إحلاله من يجهل بيع الطعام في دار الحرب قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا تبايع رجلان طعاما بطعام في بلاد العدو فالقياس أنه لا بأس به لأنه إنما أخذ مباحا بمباح فأكل كل واحد منهما ما صار إليه ما لم يخرج فإذا خرج رد الفضل فإذا جاز له أن يأخذ طعاما فيطعمه غيره لأنه قد كان يحل لغيره أن يأخذ كما أخذ فيأكل فلا بأس أن يبايعه به الرجل يكون معه الطعام في دار الحرب قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا فضل في يدي رجل طعام ببلاد العدو بعد تقضى الحرب ودخل رجل لم يشركهم في الغنيمة فبايعه لم يجز له بيعه لأنه أعطى من ليس له أكله والبيع مردود فإن فات رد قيمته إلى الإمام ولم يكن له حبسها ولا إخراجها من يديه إلى من ليس له أكلها وكان كإخراجه إياها من بلاد العدو إلى الموضع الذي ليس له أكلها فيه ذبح البهائم من أجل جلودها قال الشافعي رحمه الله تعالى وأحب إلي إذا كانوا غير متفاوتين ولا خائفين من أن يدركوا في بلاد العدو ولا مضطرين أن لا يذبحوا شاة ولا بعيرا ولا بقرة إلا لمأكله ولا يذبحوا لنعل ولا شراك ولا سقاء يتخذونها من جلودها ولو فعلوا كان مما أكره ولم أجز لهم اتخاذ شيء من جلودها قال الشافعي رحمه الله تعالى وجلود البهائم التي يملكها العدو كالدنانير والدراهم لأنه إنما أذن لهم في الأكل من لحومها ولم يؤذن لهم في ادخار جلودها وأسقيتها وعليهم رده إلى المغنم وإذا كانت الرخصة في الطعام خاصة فلا رخصة في جلد شيء من الماشية ولا ظرف فيه طعام لأن الظرف غير الطعام والجلد غير اللحم فيرد الظرف والجلد والوكاء فإن استهكله فعليه قيمته وإن انتفع به فعليه ضمانه حتى يرده وما نقصه الانتفاع وأجر مثله إن كان لمثله أجر ID ' ' خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه
صفحة : 1519