باب الوصية في المساكين والفقراء
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل فقال ثلث مالي في المساكين فكل من لا مال له ولا كسب يغنيه داخل في هذا المعنى وهو للأحرار دون المماليك ممن لم يتم عتقه قال وينظر أين كان ماله فيخرج ثلثه فيقسم في مساكين أهل ذلك البلد الذي به ماله دون غيرهم فإن كثر حتى يغنيهم نقل إلى أقرب البلدان له ثم كان هكذا حيث كان له مال صنع به هذا وهكذا لو قال ثلث مالي في الفقراء كان مثل المساكين يدخل فيه الفقير والمسكين لأن المسكين فقير والفقير مسكين إذا أفرد الموصي القول هكذا ولو قال ثلث مالي في الفقراء والمساكين علمنا أنه أراد التمييز بين الفقر والمسكنة فالفقير الذي لا مال له ولا كسب يقع منه موقعا والمسكين من له مال أو كسب يقع منه موقعا ولا يغنيه فيجعل الثلث بينهم نصفين ونعني به مساكين أهل البلد الذي بين أظهرهم ماله وفقراءهم وإن قل ومن أعطى في فقراء أو مساكين فإنما أعطى لمعنى فقر أو مسكنه فينظر في المساكين فإن كان فيهم من يخرجه من المسكنة مائة وآخر يخرجه من المسكنة خمسون أعطى الذي يخرجه من المسكنة مائة سهمين والذي يخرجه خمسون سهما وهكذا يصنع في الفقراء على هذا الحساب ولا يدخل فيهم ولا يفضل ذو قرابة على غيره إلا بما وصفت في غيره من قدر مسكنته أو فقره قال فإذا نقلت من بلد إلى بلد أو خص بها بعض المساكين والفقراء دون بعض كرهته ولم يبن لي أن يكون على من فعل ذلك ضمان ولكنه لو أوصى لفقراء ومساكين فأعطى أحد الصنفين دون الآخر ضمن نصف الثلث وهو السدس لأنا قد علمنا أنه أراد صنفين فحرم أحدهما ولو أعطى من كل صنف أقل من ثلاثة ضمن ولو أعطى واحدا ضمن ثلثي السدس لأن أقل ما يقسم عليه السدس ثلاثة وكذلك لو كان الثلث لصنف كان أقل ما يقسم عليه ثلاثة ولو أعطاها اثنين ضمن حصة واحد إن كان الذي أوصى به السدس فثلث السدس وإن كان الثلث فثلث الثلث لأنه حصة واحدة وكذلك لو قال ثلث مالي في المساكين يضعه حيث رأى منهم كان له أقل ما يضعه في ثلاثة يضمن إن وضعه في أقل منهم حصة ما بقي من الثلاثة وكان الاختيار له أن يعمهم ولا يضيق عليه أن يجتهد فيضعه في أحوجهم ولا يضعه كما وصفت في أقل من ثلاثة وكان له الاختيار إذا خص أن يخص قرابة الميت لإن إعطاء قرابته يجمع أنهم من الصنف الذي أوصى لهم وأنهم ذو رحم على صلتها ثواب ID ' ' يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
صفحة : 1266
باب الوصية في الرقاب قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أوصى بثلث ماله في الرقاب أعطي منها في المكاتبين ولا يبتدئ منها عتق رقبة وأعطى من وجد من المكاتبين بقدر ما بقي عليهم وعموا كما وصفت في الفقراء والمساكين لا يختلف ذلك وأعطى ثلث كل مال له في بلد في مكاتبي أهله قال وإن قال يضعه منهم حيث رأى فكما قلت في الفقراء والمساكين لا يختلف فإن قال يعتق به عني رقابا لم يكن له أن يعطي مكاتبا منه درهما وإن فعل ضمن وإن بلغ أقل من ثلاث رقاب لم يجزه أقل من عتق ثلاث رقاب فإن فعل ضمن حصة من تركه من الثلث وإن لم يبلغ ثلاث رقاب وبلغ أقل من رقبتين يجدهما ثمنا وفضل فضل جعل الرقبتين أكثر ثمنا حتى يذهب في الرقبتين ولا يحبس شيئا لا يبلغ رقبة وهكذا لو لم يبلغ رقبتين وزاد على رقبة ويجيزه أي رقبة اشترى صغيرة أو كبيرة أو ذكرا أو أنثى وأحب إلى أزكى الرقاب وخيرها وأحراها أن يفك من سيده ملكه وإن كان في الثلث سعة تحتمل أكثر من ثلاث رقاب فقيل أيهما أحب إليك إقلال الرقاب واستغلاؤها أو إكثارها واسترخاصها قال إكثارها واسترخاصها أحب إلي فإن قال ولم قيل لأنه يروى عن النبي ﷺ أنه قال من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار ويزيد بعضهم في الحديث حتى الفرج بالفرج ID ' ' والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر
صفحة : 1267
باب الوصية في الغارمين قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أوصى بثلث ماله في الغارمين فالقول أنه يقسم في غارمي البلد الذي به ماله وفي أقل ما يعطاه ثلاثة فصاعدا كالقول في الفقراء والرقاب وفي أنه يعطي الغارمون بقدر غرمهم كالقول في الفقراء لا يختلف ويعطي من له الدين عليهم أحب إلي ولو أعطوه في دينهم رجوت أن يسع باب الوصية في سبيل الله قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل بثلث ماله في سبيل الله أعطيه من أراد الغزو لا يجزى عندي غيره لإن من وجه بأن أعطي في سبيل الله لا يذهب إلى غير الغزو وإن كان كل ما أريد الله به من سبيل الله والقول في أن يعطاه من غزا من غير البلد الذي به مال الموصى ويجمع عمومهم وأن يعطوا بقدر مغازيهم إذا بعدت وقربت مثل القول في أن تعطى المساكين بقدر مسكنتهم لا يختلف وفي أقل من يعطاه وفي مجاوزته إلى بلد غيره مثل القول في المساكين لا يختلف ولو قال أعطوه في سبيل الله أو في سبيل الخير أو في سبيل البر أو في سبيل الثواب جزئ أجزاء فأعطيه ذو قرابته فقراء كانوا أو أغنياء والفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين والغزاة وابن السبيل والحاج ودخل الضيف وابن السبيل والسائل والمعتر فيهم أو في الفقراء والمساكين لا يجزئ عندي غيره أن يقيم بين هؤلاء لكل صنف منهم سهم فإن لم يفعل الوصي ضمن سهم من منعه إذا كان موجودا ومن لم يجده حبس له سهمه حتى يجده بذلك البلد أو ينقل إلى أقرب البلدان به ممن فيه ذلك الصنف فيعطونه ID ' ' على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو
صفحة : 1268
باب الوصية في الحج قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا مات الرجل وكان قد حج حجة الإسلام فأوصى أن يحج عنه فإن بلغ ثلثه حجة من بلده أحج عنه رجل من بلده وإن لم يبلغ أحج عنه رجلا من حيث بلغ ثلثه قال الربيع الذي يذهب إليه الشافعي أنه من لم يكن حج حجة الإسلام أن عليه أن يحج عنه من رأس المال وأقل ذلك من الميقات قال الشافعي ولو قال أحجوا عني فلانا بمائة درهم وكانت المائة أكثر من إجارته أعطيها لأنها وصية له كان بعينه أو بغير عينه ما لم يكن وارثا فإن كان وارثا فأوصى له أن يحج عنه بمائة درهم وهي أكثر من أجر مثله قيل له إن شئت فاحجج عنه بأجر مثلك ويبطل الفضل عن أجر مثلك لأنها وصية والوصية لوارث لا تجوز وإن لم تشأ أحججنا عنه غيرك بأقل ما يقدر عليه أن يحج عنه من بلده والإجارة بيع من البيوع فإذا لم يكن فيها محاباة فليست بوصية ألا ترى أنه لو أوصى أن يشترى عبد لوارث فيعتق فاشترى بقيمته جاز وهكذا لو أوصى أن يحج عنه فقال وارثه أنا أحج عنه بأجر مثلي جاز له أن يحج عنه بأجر مثله قال ولو قال أحجوا عني بثلثي حجة وثلثه يبلغ أكثر من حجج جاز ذلك لغير وارث ولو قال أحجوا عني بثلثي وثلثه يبلغ حججا فمن أجاز أن يحج عنه متطوعا أحج عنه بثلثه بقدر ما بلغ لا يزيد أحدا ويحج عنه على أجر مثله فإن فضل من ثلثه مالا يبلغ أن يحج عنه أحد من بلده أحج عنه من أقرب البلدان إلى مكة حتى ينفذ ثلثه فإن فضل درهم أو أقل مما لا يحج عنه به أحد رد ميراثا وكان كمن اوصى لمن لم يقبل الوصية قال فإن أوصى أن يحج عنه حجة أو حججا في قول من أجاز أن يحج عنه فأحج عنه ضرورة لم يحج فالحج عن الحاج لا عن الميت ويرد الحاج جميع الأجرة قال ولو استؤجر عنه من حج فأفسد الحج رد جميع الإجارة لأنه أفسد العمل الذي استؤجر عليه ولو أحجوا عنه امرأة أجزأ عنه وكان الرجل أحب إلي ولو أحجوا رجلا عن امرأة أجزأ عنها قال وإحصار الرجل عن الحج مكتوب في كتاب الحج وإذا أوصى الرجل أن يحجوا عنه رجلا فمات الرجل قبل أن يحج عنه أحج عنه غيره كما لو أوصى أن يعتق عنه رقبة فابتيعت فلم تعتق حتى ماتت أعتق عنه أخرى ولو أوصى رجل قد حج حجة الإسلام فقال أحجوا عني فلانا بمائة درهم وأعطوا ما بقي من ثلثي فلانا وأوصى بثلث ماله لرجل بعينه فللموصى له بالثلث نصف الثلث لأنه قد أوصى له بالثلث وللحاج وللموصى له بما بقي من الثلث نصف الثلث ويحج عنه رجل بمائة
صفحة : 1269
باب العتق والوصية في المرض أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته ليس له مال غيرهم وذكر الحديث قال الشافعي رحمه الله تعالى فعتق البتات في المرض إذا مات المعتق من الثلث وهكذا الهبات والصدقات في المرض لأن كله شيء أخرجه المالك من ملكه بلا عوض مال أخذه فإذا أعتق المريض عتق بتات وعتق تدبير ووصية بدئ بعتق البتات قبل عتق التدبير والوصية وجميع الوصايا فإن فضل من الثلث فضل عتق منه التدبير والوصايا وأنفذت الوصايا لأهلها وإن لم يفضل منه فضل لم تكن وصية وكان كمن مات لا مال له وهكذا كل ما وهب فقبضه الموهوب له أو تصدق به فقبضه لأن مخرج ذلك في حياته وأنه مملوك عليه إن عاش بكل حال لا يرجع فيه فهي كما لزمه بكل حال في ثلث ماله بعد الموت وفي جميع ماله إن كانت له صحة والوصايا بعد الموت لم تلزمه إلا بعد موته فكان له أن يرجع فيها في حياته فإذا أعتق رقيقا له لا مال له غيرهم في مرضه ثم مات قبل أن تحدث له صحة فإن كان عتقه في كلمة واحدة مثل أن يقول إنهم أحرار أو يقول رقيقي أو كل مملوك لي حر أقرع بينهم فأعتق ثلثه وأرق الثلثان وإن أعتق واحدا أو اثنين ثم أعتق من بقي بدئ بالأول ممن أعتق فإن خرج من الثلث فهو حر وإن لم يخرج عتق ما خرج من الثلث ورق ما بقي وإن فضل من الثلث شيء عتق الذي يليه ثم هكذا ابدا لا يعتق واحد حتى يعتق الذي بدأ بعتقه فإن فضل فضل عتق الذي يليه لأنه لزمه عتق الأول قبل الثاني وأحدث عتق الثاني والأول خارج من ملكه بكل حال إن صح وكل حال بعد الموت إن خرج من الثلث فإن لم يفضل من الثلث شيء بعد عتقه فإنما أعتق ولا ثلث له قال وهكذا لو قال لثلاثة أعبد له أنتم أحرار ثم قال ما بقي من رقيقي حر بدئ بالثلاثة فإن خرجوا من الثلث أعتقوا معا وإن عجز الثلث عنهم أقرع بينهم وإن عتقوا معا وفضل من الثلث شيء أقرع بين من بقي من رقيقه إن لم يحملهم الثلث ولو كان مع هؤلاء مدبرون وعبيد وقال إن مت من مرضي فهم أحرار بدئ بالذين أعتق عتق البتات فإن خرجوا من الثلث ولم يفضل شيء لم يعتق مدبر ولا موصى بعتقه بعينه ولا صفته وإن فضل من الثلث عتق المدبر والموصى بعتقه بعينه وصفته وإن عجز عن أن يعتقوا منه كانوا في العتق سواء لا يبدأ المدبر على عتق الوصية لأن كلا وصية ولا يعتق بحال إلا بعد الموت وله أن يرجع في كل في حياته ولو كان في المعتقين في المرض عتق بتات إماء فولدن بعد العتق وقبل
صفحة : 1270
موت المعتق فخرجوا من الثلث ولم يخرج الولد عتقوا والإماء من الثلث والأولاد أحرار من غير الثلث لأنهم أولاد حرائر ولو كانت المسألة بحالها وكان الثلث ضيقا عن أن يخرج جميع من أعتق من الرقيق عتق بتات قومنا الإماء كل أمة منهن معها ولدها لا يفرق بينها وبينه ثم أقرعنا بينهن فأي أمة خرجت في سهم العتق عتقت من الثلث وتبعها ولدها من غير الثلث لأنا قد علمنا أنه ولد حرة لا يرق وإذا ألغينا قيم الأولاد الذين عتقوا بعتق أمهم فزاد الثلث أعدنا القرعة بين من بقي فإن خرجت أمة معها ولدها أعتقت من الثلث وعتق ولدها لأنه ابن حرة من غير الثلث فإن بقي من الثلث شيء أعدناه هكذا أبدا حتى نستوظفه كله قال وإن ضاق ما يبقي من الثلث فعتق ثلث أم ولد منهن عتق ثلث ولدها معها ورق ثلثاه كما رق ثلثاها ويكون حكم ولدها حكمها فما عتق منها قبل ولاده عتق منه وإذا وقعت عليها قرعة العتق فإنما أعتقناها قبل الولادة وهكذا لو ولدتهم بعد العتق البتات وموت المعتق لأقل من ستة أشهر أو أكثر قال الشافعي وإذا أوصى الرجل بعتق أمة بعد موته فإن مات من مرضه أو سفره فولدت قبل أن يموت الموصي فولدها مماليك لأنهم ولدوا قبل أن يعتق في الحين الذين لو شاء أرقها وباعها وفي الحين الذي لو صح بطلت وصيتها ولو كان عتقها تدبيرا كان فيه قولان أحدهما هذا لأنه يرجع في التدبير والآخر أن ولدها بمنزلتها لأنه عتق واقع بكل حال ما لم يرجع فيه وقد اختلف في الرجل يوصي بالعتق ووصايا غيره فقال غير واحد من المفتين يبدأ بالعتق ثم يجعل ما بقي من الثلث في الوصايا فإن لم يكن في الثلث فضل عن العتق فهو رجل أوصى فيما ليس له قال ولست أعرف في هذا أمر يلزم من أثر ثابت ولا إجماع لا اختلاف فيه ثم اختلف قول من قال هذا في العتق مع الوصايا فقال مرة بهذا وفارقه أخرى فزعم أن من قال لعبده إذا مت فأنت حر وقال إن مت من مرضي هذا فأنت حر فأوقع له عتقا بموته بلا وقت بدئ بهذا على الوصايا فلم يصل إلى أهل الوصايا وصية إلا فضلا عن هذا وقال إذا قال اعتقوا عبدي هذا بعد موتي أو قال عبدي هذا حر بعد موتي بيوم أو بشهر أو وقت من الأوقات لم يبدأ بهذا على الوصايا وحاص هذا أهل الوصايا واحتج بأنه قيل يبدأ بالعتق قبل الوصية وما أعلمه قال يبدأ بالعتق قبل الوصية وما أعلمه قال يبدأ بالعتق قبل الوصية مطلقا ولا يحاص العتق الوصية مطلقا بل فرق القول فيه بغير حجة فيما أرى والله المستعان قال ولا يجوز في العتق في الوصية إلا واحد من قولين إما أن يكون العتق إذا وقع بأي حال ما كان بدئ على جميع الوصايا فلم يخرج منها شيء
صفحة : 1271
حتى يكمل العتق وإما أن يكون العتق وصية من الوصايا يحاص بها المعتق أهل الوصايا فيصيبه من العتق ما أصاب أهل الوصايا من وصاياهم ويكون كل عتق كان وصية بعد الموت بوقت أو بغير وقت سواء أو يفرق بين ذلك خبر لازم أو إجماع ولا أعلم فيه واحدا منهما فمن قال عبدي مدبر أو عبدي هذا حر بعد موتي أو متى مت أو إن مت من مرضي هذا أو اعتقوه بعد موتي أو هو مدبر في حياتي فإذا مت فهو حر فهو كله سواء ومن جعل المعتق يحاص أهل الوصايا فأوصى معه بوصية حاص العبد في نفسه أهل الوصايا في وصاياهم فأصابه من العتق ما اصابهم ورق منهم ما لم يخرج من الثلث وذلك أن يكون ثمن العبد خمسين دينارا وقيمة ما يبقى من ثلثه بعد العتق خمسين دينارا فيوصى بعتق العبد ويوصى لرجل بخمسين دينارا ولآخر بمائة دينار فيكون ثلثه مائة ووصيته مائتين فلكل واحد من الموصى لهم نصف وصيته فيعتق نصف العبد ويرق نصفه ويكون لصاحب الخمسين خمسة وعشرون وللموصى له بالمائة خمسون باب التكملات قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أوصى رجل لرجل بمائة دينار من ماله أو بدار موصوفة بعين أو بصفة أو بعبد كذلك أو متاع أو غيره وقال ثم ما فضل من ثلثي فلفلان كان ذلك كما قال يعطى الموصى له بالشيء بعينه أو صفته ما أوصى له به فإن فضل من الثلث شيء كان للموصى له بما فضل من الثلث وإن لم يفضل شيء فلا شيء له قال الشافعي ولو كان الموصى له به عبدا أو شيئا يعرف بعين أو صفة مثل عبد أو دار أو عرض من العروض فهلك ذلك الشيء هلك من مال الموصى له قوم من الثلث ثم أعطى الذي أوصى له بتكملة الثلث ما فضل عن قيمة الهالك كما يعطاه لو سلم الهالك فدفع إلى الموصى له به قال ولو كان الموصى به عبدا فمات الموصي وهو صحيح ثم اعور قوم صحيحا بحاله يوم مات الموصى وبقيمة مثله يومئذ فأخرج من الثلث ودفع إلى الموصى له به كهيئته ناقصا أو تاما وأعطى الموصى له بما فضل عنه ما فضل عن الثلث وإنما القيمة في جميع ما أوصى به بعينه يوم يموت الميت وذلك يوم تجب الوصية قال الشافعي وإذا قال الرجل ثلث مالي إلى فلان يضعه حيث أراه الله فليس له أن يأخذ لنفسه شيئا كما لا يكون له لو أمره أن يبيع له شيئا أن يبيعه من نفسه لأن معنى يبيعه أن يكون مبايعا به وهو لا يكون مبايعا إلا لغيره وكذلك معنى يضعه يعطيه غيره وكذلك ليس له أن يعطيه وارثا للميت لأنه إنما يجوز له ما كان يجوز للميت فلما لم يكن يجوز للميت أن يعطيه لم يجز لمن
صفحة : 1272
صيره إليه أن يعطي منه من لم يكن له أن يعطيه قال وليس له أن يضعه فيما ليس للميت فيه نظر كما ليس له لو وكله بشيء أن يفعل فيه ما ليس له فيه نظر ولا يكون له أن يحبسه عند نفسه ولا يودعه غيره لأنه لا أجر للميت في هذا وإنما الأجر للميت في أن يسلك في سبيل الخير التي يرجى أن تقربه إلى الله عز وجل قال الشافعي فأختار للموصى إليه أن يعطيه أهل الحاجة من قرابة الميت حتى يعطى كل رجل منهم دون غيرهم فإن أعطاء هموه أفضل من إعطاء غيرهم لما ينفرد دون به من صلة قرابتهم للميت ويشركون به أهل الحاجة في حاجاتهم قال وقرابته ما وصفت من القرابة من قبل الأب والأم معا وليس الرضاع قرابة قال وأحب له إن كان له رضعاء أن يعطيهم دون جيرانه لأن حرمة الرضاع تقابل حرمة النسب ثم أحب له أن يعطي جيرانه الأقرب منهم فالأقرب وأقصى الجوار فيها أربعون دارا من كل ناحية ثم أحب له أن يعطيه أفقر من يجده واشده تعففا واستتار ولا يبقى منه في يده شيئا يمكنه أن يخرجه ساعة من نهار باب الوصية للرجل وقبوله ورده قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل المريض لرجل بوصية ما كانت ثم مات فللموصى له قبول الوصية وردها لا يجبر أن يملك شيئا لا يريد ملكه بوجه أبدا الا بأن يرث شيئا فإنه إذا ورث لم يكن له دفع الميراث وذلك أن حكما من الله عز وجل أنه نقل ملك الموتى إلى ورثتهم من الأحياء فأما الوصية والهبة والصدقة وجميع وجوه الملك غير الميراث فالمملك لها بالخيار إن شاء قبلها وإن شاء ردها ولو أنا أجبرنا رجلا على قبول الوصية جبرناه إن أوصى له بعبيد زمنى أن ينفق عليهم فأدخلنا الضرر عليه وهو لم يحبه ولم يدخله على نفسه قال الشافعي ولا يكون قبول ولا رد في وصية حياة الموصى فلو قبل الموصى له قبل موت الموصى كان له الرد إذا مات ولو ورد في حياة الموصى كان له أن يقبل إذا مات ويجبر الورثة على ذلك لأن تلك الوصية لم تجب إلا بعد موت الموصى فأما في حياته فقبوله ورده وصمته سواء لأن ذلك فيما لم يملك قال وهكذا لو أوصى له بأبيه وأمه وولده كانوا كسائر الوصية إن قبلهم بعد موت الموصى عتقوا وإن ردهم فهم مماليك تركهم الميت لا وصية فيهم فهم لورثته وولده كانوا كسائر الوصية إن قبلهم بعد موت الموصى عتقوا وإن ردهم فهم مماليك تركهم الميت لا وصية فيهم فهم لورثته قال الربيع فإن قبل بعضهم ورد بعضا كان ذلك له وعتق عليه من قبل وكان من لم يقبل مملوكا لورثة الميت ولو مات الموصى ثم مات الموصى له قبل أن يقبل أو يرد كان لورثته
صفحة : 1273
أن يقبلوا أو يردوا فمن قبل منهم فله نصيبه بميراثه مما قبل ومن رد كان ما رد لورثة الميت ولو أن رجلا تزوج جارية رجل فولدت له ثم أوصى له بها ومات فلم يعلم الموصى له بالوصية حتى ولدت له بعد موت سيدها أولادا كثيرا فإن قبل الوصية فمن ولدت له بعد موت السيد له تملكهم بما ملك بهم أمهم وإذا ملك ولده عتقوا عليه ولم تكن أمهم أم ولد له حتى تلد بعد قبولها منه لستة أشهر فأكثر فتكون بذلك أم ولد وذلك أن الوطء الذي كان قبل القبول إنما كان وطء نكاح والوطء بعد القبول وطء ملك والنكاح منفسخ ولو مات قبل أن يرد أو يقبل قام ورثته مقامه فإن قبلوا الوصية فإنما ملكوا لأبيهم فأولاد أبيهم الذين ولدت بعد موت سيدها الموصي أحرار وأمهم مملوكة وإن ردوها كانوا مماليك كلهم وأكره لهم ردها وإذا قبل الموصى له الوصية بعد أن تجب له بموت الموصي ثم ردها فهي مال من مال الميت موروثة عنه كسائر ماله ولو أراد بعد ردها أخذها بأن يقول إنما أعطيتكم ما لم تقبضوا جاز أن يقولوا له لم تملكها بالوصية دون القبول فلما كنت إذا قبلت ملكتها وإن لم تقبضها لأنها لا تشبه هبات الأحياء التي لا يتم ملكها إلا بقبض الموهوبة له لها جاز عليك ما تركت من ذلك كما جاز لك ما أعطيت بلا قبض في واحد منهما وجاز لهم أن يقولوا ردكها إبطال لحقك فيما أوصى لك به الميت ورد إلى ملك الميت فيكون موروثا عنه قال ولو قبلها ثم قال قد تركتها لفلان من بين الورثة أو كان له على الميت دين فقال قد تركته لفلان من بين الورثة قيل قولك تركته لفلان يحتمل معنيين أظهرهما تركته تشفيعا لفلان أو تقربا إلى فلان فإن كنت هذا أردت فهذا متروك للميت فهو بين ورثته كلهم وأصل وصاياه ودينه كما ترك وإن مت قبل أن تسأل فهو هكذا لأن هذا أظهر معانيه كما تقول عفوت عن ديني على فلان لفلان ووضعت عن فلان حقي لفلان أي بشفاعة فلان أو حفظ فلان أو التقرب إلى فلان وإن لم تمت فسألناك فقلت تركت وصيتي أو تركت ديني لفلان وهبته لفلان من بين الورثة فذلك لفلان من بين الورثة لأنه وهب له شيئا يملكه وإذا أوصى رجل لرجلين بعبد أو غيره فقبل أحدهما ورد الآخر فللقابل نصف الوصية ونصف الوصية مردود في مال الميت ولو أوصى رجل لرجل بجارية فمات الموصي ولم يقبل الموصى له ولم يرد حتى وهب إنسان للجارية مائة دينار والجارية ثلث مال الميت ثم قبل الوصية فالجارية له لا يجوز فيما وهب لها وفي ولد ولدته بعد موت السيد وقبل قبول الوصية وردها إلى واحد من قولين أن يكون ما وهب للجارية أو ولدها ملكا للموصى له بها لأنها كانت خارجة من مال الميت إلى
صفحة : 1274
ماله إلا أن له إن شاء أن يردها ومن قال هذا قال هو وإن كان له ردها فإنما ردها إخراج لها من ماله كما له أن يخرج من ماله ما شاء فإذا كانت هي وملك ما وهب للأمة وولدها لمن يملكها فالموصى له بها المالك لها ومن قال هذا قال فإن استهلك رجل من الورثة شيئا مما وهب لها أو ولدها فهو ضامن له للموصى له بها وكذلك إن جنى أجنبي على مالها او نفسها أو ولدها فالموصى له بها إن قبل الوصية الخصم في ذلك لأنه له وإن مات الموصى له بها قبل القبول والرد فورثته يقومون مقامه في ذلك كله والقول الثاني أن ذلك كله لورثة الموصي وأن الموصى له إنما يملك إذا اختار قبول الوصية وهذا قول منكر لا نقول به لأن القبول إنما هو على شيء ملك متقدما ليس بملك حادث وقد قال بعض الناس تكون له الجارية وثلث أولادها وثلث ما وهب لها وإن كانت الجارية لا تخرج من الثلث فولدت أولادا بعد موت الموصي ووهب لها مال لم يكن في كتاب الشافعي من هذه المسألة غير هذا بقي في المسألة الجواب باب ما نسخ من الوصايا قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين فمن بدله بعد ما سمعه الآية قال الشافعي وكان فرضا في كتاب الله تعالى على من ترك خيرا والخير المال أن يوصي لوالديه وأقربيه ثم زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة واختلفوا في الأقربين غير الوارثين فأكثر من لقيت من أهل العلم ممن حفظت عنه قال الوصايا منسوخة لأنه إنما أمر بها إذا كانت إنما يورث بها فلما قسم الله تعالى ذكره المواريث كانت تطوعا قال الشافعي وهذا إن شاء الله تعالى كله كما قالوا فإن قال قائل ما دل على ما وصفت قيل له قال الله تبارك وتعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس أخبرنا ابن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد أن رسول الله ﷺ قال لا وصية لوارث وما وصفت من أن الوصية للوارث منسوخة بآي المواريث وأن لا وصية لوارث مما لا أعرف فيه عن أحد ممن لقيت خلافا قال الشافعي وإذا كانت الوصايا لمن أمر الله تعالى ذكره بالوصية منسوخة بآى المواريث وكانت السنة تدل على أنها لا تجوز لوارث وتدل على أنها تجوز لغير قرابة دل ذلك على نسخ الوصايا للورثة وأشبه أن يدل على نسخ الوصايا لغيرهم قال ودل على أن الوصايا للوالدين وغيرهما ممن
صفحة : 1275
يرث بكل حال إذا كان في معنى غير وارث فالوصية له جائزة ومن قبل أنها إنما بطلت وصيته إذا كان وارثا فإذا لم يكن وارثا فليس بمبطل للوصية وإذا كان الموصي يتناول من شاء بوصيته كان والده دون قرابته إذا كانوا غير ورثة في معنى من لا يرث ولهم حق القرابة وصلة الرحم فإن قال قائل فأين الدلالة على أن الوصية لغير ذي الرحم جائزة قيل له إن شاء الله تعالى حديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له ليس له مال غيرهم فجزأهم النبي ﷺ ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة والمعتق عربي وإنما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه فلو لم تجز الوصية إلا لذي قرابة لم تجز للمملوكين وقد أجازها لهم رسول الله ﷺ قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن طاوس عن ابيه قال الشافعي والحجة في ذلك ما وصفنا من الاستدلال بالسنة وقول الأكثر ممن لقينا فحفظنا عنه والله تعالى أعلم باب الوصية للزوجة قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم الآية وكان فرض الزوجة أن يوصي لها الزوج بمتاع إلى الحول ولم أحفظ عن أحد خلافا أن المتاع النفقة والسكنى والكسوة إلى الحول وثبت لها السكنى فقال غير إخراج ثم قال فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف فدل القرآن على انهن إن خرجن فلا جناح على الأزواج لأنهن تركن ما فرض لهن ودل الكتاب العزيز إذا كان السكنى لها فرضا فتركت حقها فيه ولم يجعل الله تعالى على الزوج حرجا أن من ترك حقه غير ممنوع له لم يخرج من الحق عليه ثم حفظت عمن أرضى من أهل العلم أن نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولا منسوخ بآية المواريث قال الله عز وجل ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين قال الشافعي ولم أعلم مخالفا فيما وصفت من نسخ نفقة المتوفى عنها وكسوتها سنة وأقل من سنة ثم احتمل سكناها إذ كان مذكورا مع نفقتها بأنه يقع عليه اسم المتاع أن يكون منسوخا في السنة وأقل منها كما كانت النفقة والكسوة منسوختين في السنة وأقل منها واحتمل أن تكون نسخت في السنة وأثبتت في عدة المتوفى عنها حتى تنقضي عدتها بأصل هذه الآية وأن تكون داخلة في
صفحة : 1276
جملة المعتدات فإن الله تبارك وتعالى يقول في المطلقات لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فلما فرض الله في المعتدة من الطلاق السكنى وكانت المعتدة من الوفاة في معناها احتملت أن يجعل لها السكنى لأنها في معنى المعتدات فإن كان هذا هكذا فالسكنى لها في كتاب الله عز وجل منصوص أو في معنى من نص لها السكنى في فرض الكتاب وإن لم يكن هكذا فالفرض في السكنى لها في السنة ثم فيما أحفظ عمن حفظت عنه من أهل العلم أن للمتوفى عنها السكنى ولا نفقة فإن قال قائل فأين السنة في سكنى المتوفى عنها زوجها قيل أخبرنا مالك عن سعد بن إسحق عن كعب بن عجرة قال الشافعي وما وصفت من متاع المتوفى عنها هو الأمر الذي تقوم به الحجة والله تعالى أعلم وقد قال بعض أهل العلم بالقرآن إن آية المواريث للوالدين والأقربين وهذا ثابت للمرأة وإنما نزل فرض ميراث المرأة والزوج بعد وإن كان كما قال فقد اثبت لها الميراث كما أثبته لأهل الفرائض وليس في أن يكون ذلك بآخر ما أبطل حقها وقال بعض أهل العلم إن عدتها في الوفاة كانت ثلاثة قروء كعدة الطلاق ثم نسخت بقول الله عز وجل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإن كان هذا هكذا فقد بطلت عنها الإقراء وثبتت عليها العدة بأربعة أشهر وعشر منصوصة في كتاب الله عز وجل ثم في رسول الله ﷺ فإن قال قائل فأين هي في السنة قيل أخبرنا حديث المغيرة عن حميد بن نافع قال الله عز وجل في عدة الطلاق واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن فاحتملت الآية أن تكون في المطلقة لا تحيض خاصة لأنها سياقها واحتملت أن تكون في المطلقة كل معتدة مطلقة تحيض ومتوفى عنها لأنها جامعة ويحتمل أن يكون استئناف كلام على المعتدات فإن قال قائل فأي معانيها أولى بها قيل والله تعالى أعلم فأما الذي يشبه فأن تكون في كل معتدة ومستبرأة فإن قال ما دل على ما وصفت قيل قال الشافعي لما كانت العدة استبراء وتعبدا وكان وضع الحمل براءة من عدة الوفاة هادما للأربعة الأشهر والعشر كان هكذا في جميع العدد والإستبراء والله أعلم مع أن المعقول أن وضع الحمل غاية براءة الرحم حتى لا يكون في النفس منه شيء فقد يكون في النفس شيء في جميع العدد والإستبراء وإن كان ذلك براءة في الظاهر والله سبحانه وتعالى الموفق قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى في غير آية في قسم الميراث من بعد وصية توصون بها أو دين و من بعد وصية يوصين بها أو دين قال الشافعي فنقل الله تبارك وتعالى ملك
صفحة : 1277
من مات من الأحياء إلى من بقي من ورثة الميت فجعلهم يقومون مقامه فيما ملكهم من ملكه وقال الله عز وجل من بعد وصية توصون بها أو دين قال فكان ظاهر الآية المعقول فيها من بعد وصية توصون بها أو دين إن كان عليهم دين قال الشافعي وبهذا نقول ولا أعلم من أهل العلم فيه مخالفا وقد تحتمل الآية معنى غير هذا أظهر منه وأولى بأن العامة لا تختلف فيه فيما علمت وإجماعهم لا يكون عن جهالة بحكم الله إن شاء الله قال الشافعي وفي قول الله عز وجل من بعد وصية توصون بها أو دين معان سأذكرها إن شاء الله تعالى فلما لم يكن بين أهل العلم خلاف علمته في أن دا الدين أحق بمال الرجل في حياته منه حتى يستوفى دينه وكان أهل الميراث إنما يملكون عن الميت ما كان الميت أملك به كان بينا والله أعلم في حكم الله عز وجل ثم ما لم أعلم أهل العلم اختلفوا فيه أن الدين مبدأ على الوصايا والميراث فكان حكم الدين كما وصفت منفردا مقدما وفي قول الله عز وجل أو دين ثم إجماع المسلمين أن لا وصية ولا ميراث إلا بعد الدين دليل على أن كل دين في صحة كان أو في مرض بإقرار أو بينة أو أي وجه ما كان سواء لأن الله عز وجل لم يخص دينا دون دين قال الشافعي وقد روى في تبدئة الدين قبل الوصية حديث عن النبي ﷺ لا يثبت أهل الحديث مثله أخبرنا سفيان عن ابي إسحق عن الحرث عن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قضى بالدين قبل الوصية وأخبرنا سفيان عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس أنه قيل له كيف تأمرنا بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول وأتموا الحج والعمرة لله فقال كيف تقرءون الدين قبل الوصية أو الوصية قبل الدين فقالوا الوصية قبل الدين قال فبأيهما تبدءون قالوا بالدين قال فهو ذاك قال الشافعي يعني أن التقديم جائز وإذا قضى الدين كان للميت أن يوصي بثلث ماله فإن فعل كان للورثة الثلثان وإن لم يوص أو أوصى بأقل من ثلث ماله كان ذلك مالا من ماله تركه قال فكان للورثة ما فضل عن الوصية من المال إن أوصى قال الشافعي ولما جعل الله عز ذكره للورثة الفضل عن الوصايا والدين فكان الدين كما وصفت وكانت الوصايا محتملة أن تكون مبدأة على الورثة ويحتمل أن تكون كما وصفت لك من الفضل عن الوصية وأن يكون للوصية غاية ينتهي بها إليها كالميراث لكل وارث غاية كانت الوصايا مما أحكم الله عز وجل فرضه بكتابه وبين كيف فرضه على لسان رسول الله ﷺ أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال الشافعي فكان غاية منتهى الوصايا التي لو جاوزها الموصي كان للورثة رد ما جاوز ثلث مال
صفحة : 1278
الموصي قال وحديث عمران بن حصين يدل على أن من جاوز الثلث من الموصين ردت وصيته إلى الثلث ويدل على أن الوصايا تجوز لغير قرابة لأن رسول الله ﷺ حين رد عتق المملوكين إلى الثلث دل على أنه حكم به حكم الوصايا والمعتق عربي وإنما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه والله تعالى أعلم باب الوصية بالثلث وأقل من الثلث وترك الوصية قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل فواسع له أن يبلغ الثلث وقال في قول النبي ﷺ لسعد الثلث والثلث كثير أو كبير إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس قال الشافعي غيا كما قال من بعده في الوصايا وذلك بين في كلامه لأنه إنما قصد قصد اختيار أن يترك الموصي ورثته أغنياء فإذا تركهم أغنياء اخترت له أن يستوعب الثلث وإذا لم يدعهم أغنياء كرهت له أن يستوعب الثلث وأن يوصي بالشيء حتى يكون يأخذ بالحظ من الوصية ولا وقت في ذلك إلا ما وقع عليه اسم الوصية لمن لم يدع كثير مال ومن ترك أقل مما يغني ورثته وأكثر من التافه زاد شيئا في وصيته ولا أحب بلوغ الثلث إلا لمن ترك ورثته أغنياء قال الشافعي في قول النبي ﷺ الثلث والثلث كثير أو كبير يحتمل الثلث غير قليل وهو أولى معانيه لأنه لو كرهه لسعد لقال له غض منه وقد كان يحتمل أن له بلوغه ويحب له الغض منه وقل كلام إلا وهو محتمل وأولى معاني الكلام به ما دل عليه الخبر والدلالة ما وصفت من أنه لو كرهه لسعد أمره أن يغض منه قيل للشافعي فهل اختلف الناس في هذا قال لم أعلمهم اختلفوا في أن جائزا لكل موص أن يستكمل الثلث قل ما ترك أو كثر وليس بجائز له أن يجاوزه فقيل للشافعي وهل اختلفوا في اختيار النقص عن الثلث أو بلوغه قال نعم وفيما وصفت لك من الدلالة عن رسول الله ﷺ ما أغنى عما سواه فقلت فاذكر اختلافهم فقال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر ID ' ' ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ
صفحة : 1279
باب عطايا المريض أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى لما أعتق الرجل ستة مملوكين له لا مال له غيرهم في مرضه ثم مات فأعتق رسول الله ﷺ اثنين وأرق أربعة دل ذلك على أن كل ما أتلف المرء من ماله في مرضه بلا عوض يأخذه مما يتعوض الناس ملكا في الدنيا فمات من مرضه ذلك فحكمه حكم الوصية ولما كان إنما يحكم بأنه كالوصية بعد الموت فما أتلف المرء من ماله في مرضه ذلك فحكمه حكم الوصايا فإن صح تم عليه ما يتم به عطية الصحيح وإن مات من مرضه ذلك كان حكمه حكم وصيته ومتى حدثت له صحة بعدما أتلف منه ثم عاوده مرض فمات تمت عطيته إذا كانت الصحة بعد العطية فحكم العطية حكم عطية الصحيح قال الشافعي وجماع ذلك ما وصفت من أن يخرج من ملكه شيئا بلا عوض يأخذه الناس من أموالهم في الدنيا فالهبات كلها والصدقات والعتاق ومعاني هذه كلها هكذا فما كان من هبة أو صدقة أو ما في معناها لغير وارث ثم مات فهي من الثلث فإن كان معها وصايا فهي مبدأة عليها لأنها عطية بتات قد ملكت عليه ملكا يتم بصحته من جميع ماله ويتم بموته من ثلثه إن حمله والوصايا مخالفة لهذا الوصايا لم تملك عليه وله الرجوع فيها ولا تملك إلا بموته وبعد انتقال الملك إلى غيره قال الشافعي وما كان من عطية بتات في مرضه لم يأخذ بها عوضا أعطاه إياها وهو يوم أعطاه ممن يرثه لو مات اولا يرثه فهي موقوفة فإذا مات فإن كان المعطى وارثا له حين مات أبطلت العطية لأني إذا جعلتها من الثلث لم أجعل لوارث في الثلث شيئا من جهة الوصية وإن كان المعطى حين مات المعطى غير وارث أجزتها له لأنها وصية لغير وارث قال الشافعي وما كان من عطايا المريض على عوض أخذه مما يأخذ الناس من الأموال في الدنيا فأخذ به عوضا يتغابن الناس بمثله ثم مات فهو جائز من رأس المال وإن أخذ به عوضا لا يتغابن الناس بمثله فالزيادة عطية بلا عوض فهي من الثلث فمن جازت له وصية جازت له ومن لم تجز له وصية لم تجز له الزيادة وذلك الرجل يشتري العبد أو يبيعه أو الأمة أو الدار أو غير ذلك مما يملك الآدميون فإذا باع المريض ودفع إليه ثمنه أو لم يدفع حتى مات فقال ورثته حاباك فيه أو غبنته فيه نظر إلى قيمة المشترى يوم وقع البيع والثمن الذي اشتراه به فإن كان اشتراه بما يتغابن أهل المصر بمثله كان الشراء جائزا من رأس المال وإن كان اشراه بما لا يتغابن الناس بمثله كان ما يتغابن أهل المصر بمثله جائزا من رأس المال وما جاوزوه جائزا من الثلث فإن حمله الثلث جاز
صفحة : 1280
له البيع وإن لم يحمله الثلث قيل للمشتري لك الخيار في رد البيع إن كان قائما وتأخذ ثمنه الذي أخذ منك أو تعطي الورثة الفضل عما يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث فإن كان البيع فائتا رد ما بين قيمة ما لا يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث وكذلك إن كان البيع قائما قد دخله عيب رد قيمته قال الشافعي فإن كان المريض المشترى فهو في هذا المعنى ويقال للبائع البيع جائز فيما يتغابن الناس بمثله من رأس المال وبما جاوز ما يتغابن الناس بمثله من الثلث فإن لم يكن له ثلث أو كان فلم يحمله الثلث قيل له إن شئت سلمته بما سلم لك من رأس المال والثلث وتركت الفضل والبيع جائز وإن شئت رددت ما أخذت ونقضت البيع إن كان البيع قائما بعينه قال الشافعي وإن كان مستهلكا ولم تطب نفس البائع عن الفضل فللبائع من مال الميت ما يتغابن الناس بمثله في سلعته وما حمل الثلث مما لا يتغابن الناس بمثله ويرد الفضل عن ذلك على الورثة وإن كان السلعة قائمة قد دخلها عيب قال الشافعي وإن كان المبيع عبدا أو غيره فاشتراه المريض فظهر منه على عيب فأبرأ البائع من العيب فكان في ذلك غبن كان القول فيه كالقول فيما انعقد عليه البيع وفيه غبن وكذلك لو اشتراه صحيحا ثم ظهر منه على عيب وهو مريض فأبرأه منه أو اشتراه وله فيه خيار رؤية أو خيار شرط أو خيار صفقة فلم يسقط خيار الصفقة بالتفرق ولا خيار الرؤية بالرؤية ولا خيار الشرط بانقضاء الشرط حتى مرض ففارق البائع أو رأى السلعة فلم يردها أو مضت أيام الخيار وهو مريض فلم يرده لأن البيع تم في هذا كله وهو مريض قال الشافعي وسواءفي هذا كله كان البائع الصحيح والمشتري المريض أو المشتري الصحيح والبائع المريض على أصل ما ذهبنا إليه من أن الغبن يكون في الثلث وهكذا لو باع مريض من مريض أو صحيح من صحيح ولو اختلف ورثة المريض البائع والمشتري ولو كان المشتري في هذا كله وارثا أو غير وارث فلم يمت الميت حتى صار وارثا كان بمنزلة من لم يزل وارثا له إذا مات الميت فإذا باعه الميت وقبض الثمن منه ثم مات فهو مثل الأجنبي في جميع حاله الا فيما زاد على ما يتغابن الناس به فإن باعه بما يتغابن الناس بمثله جاز وإن باعه بما لا يتغبان الناس بمثله قيل للوارث حكم الزيادة على ما يتغابن الناس بمثله حكم الوصية وأنت فلا وصية لك فإن شئت فاردد البيع إذا لم يسلم لك ما باعك وإن شئت فأعط الورثة من ثمن السلعة ما زاد على ما يتغابن الناس بمثله ثم هو في فوت السلعة وغبنها مثل الأجنبي وكذلك إن باع مريض وارث من مريض ID ' ' الحديث.
صفحة : 1281
باب نكاح المريض قال الشافعي رحمه الله تعالى ويجوز للمريض أن ينكح جميع ما أحل الله تعالى أربعا وما دونهن كما يجوز له أن يشتري فإذا أصدق كل واحدة منهن صداق مثلها جاز لها من جميع المال وأيتهن زاد على صداق مثلها فالزيادة محاباة فإن صح قبل أن يموت جاز لها من جميع المال وإن مات قبل أن يصح بطلت عنها الزيادة على صداق مثلها وثبت النكاح وكان لها الميراث قال الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن مومنى بن عقبة عن نافع مولى ابن عمر أنه قال كانت ابنة حفص بن المغيرة عند عبد الله بن أبي ربيعة فطلقها تطليقة ثم إن عمر بن الخطاب تزوجها بعده فحدث أنها عاقر لا تلد فطلقها قبل أن يجامعها فمكثت حياة عمر وبعض خلافة عثمان بن عفان ثم تزوجها عبد الله ابن أبي ربيعة وهو مريض لتشرك نساءه في الميراث وكان بينها وبينه قرابة اخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة بن خالد يقول أراد عبد الرحمن بن أم الحكم في شكواه أن يخرج امرأته من ميراثها منه فأبت فنكح عليها ثلاث نسوة واصدقهن ألف دينار كل امرأة منهن فأجاز ذلك عبد الملك بن مروان وشرك بينهن في الثمن قال الشافعي أرى ذلك صداق مثلهن ولو كان أكثر من صداق مثلهن لجاز النكاح وبطل ما زادهن على صداق مثلهن إذا مات من مرضه ذلك لأنه في حكم الوصية والوصية لا تجوز لوارث قال الشافعي وبلغنا أن معاذ بن جبل قال في مرضه الذي مات فيه زوجوني لا ألقى الله تبارك وتعالى وأنا عزب قال وأخبرني سعيد بن سالم أن شريحا قضى في نكاح رجل نكح عند موته فجعل الميراث والصداق في ماله قال الشافعي ولو نكح المريض فزاد المنكوحة على صداق مثلها ثم صح ثم مات جازت لها الزيادة لأنه قد صح قبل أن يموت فكان كمن ابتدأ نكاحا وهو صحيح ولو كانت المسألة لحالها ثم لم يصح حتى ماتت المنكوحة فصارت غير وارث كان لها جميع ما أصدقها صداق مثلها من رأس المال والزيادة من الثلث كما يكون ما وهب لأجنبية فقبضته من الثلث فما زاد من صداق المرأة على الثلث إذا ماتت مثل الموهوب المقبوض قال الشافعي ولو كانت المسألة بحالها والمتزوجة ممن لا ترث بأن تكون ذمية ثم مات وهي عنده جاز لها جميع الصداق صداق مثلها من جميع المال والزيادة على صداق مثلها من الثلث لأنها غير وارث ولو أسلمت فصارت وارثا بطل عنها ما زاد على صداق مثلها قال الشافعي ولو نكح المريض امرأة نكاحا فاسدا ثم مات لم ترثه ولم يكن لها مهر إن لم يكن أصابها فإن كان
صفحة : 1282
أصابها فلها مهر مثلها كان أقل مما سمى لها أو أكثر قال الشافعي ولو كانت لرجل أمة فأعتقها في مرضه ثم نكحها وأصدقها صداقا وأصابها بقي الجواب قال الربيع أنا أجيب فيها وأقول ينظر فإن خرجت من الثلث كان العتق جائزا وكان النكاح جائزا بصداق مثلها إلا أن يكون الذي سمى لها من الصداق أقل من صداق مثلها فليس لها إلا ما سماه لها فإن كان أكثر من صداق مثلها ردت إلى صداق مثلها وكانت وارثة وإن لم تخرج من الثلث عتق منها ما احتمل الثلث وكان لها صداق مثلها بحساب ما عتق منها ولم تكن وارثة لأن بعضها رقيق هبات المريض قال الشافعي رحمه الله تعالى وما ابتدأ المريض هبة في مرضه لوارث أو غير وارث فدفع إليه ما وهب له فإن كان وارثا ولم يصح المريض حتى مات من مرضه الذي وهب فيه فالهبة مردودة كلها وكذلك إن وهبه له وهو غير وارث ثم صار وارثا فإن استغل ما وهب له ثم مات الواهب قبل أن يصح رد الغلة لأنه إذا مات استدللنا على أن ملك ما وهب له كان في ملك الواهب ولو وهب لوارث وهو مريض ثم صح ثم مرض فدفع إليه الهبة في مرضه الذي مات فيه كانت الهبة مردودة لأن الهبة إنما تتم بالقبض وقبضه إياها كان وهو مريض ولو كانت الهبة وهو مريض ثم كان الدفع وهو صحيح ثم مرض فمات كانت الهبة تامة من قبل أنها تمت بالقبض وقد كان للواهب حبسها وكان دفعه إياها كهبته إياها ودفعه وهو صحيح قال الشافعي ولو كانت الهبة لمن يراه يرثه فحدث دونه وارث فحجبه فمات وهو غير وارث أو لأجنبي كانت سواء لأن كليهما غير وارث فإذا كانت هبته لهما صحيحا أو مريضا وقبضهما الهبة وهو صحيح فالهبة لهما جائزة من رأس ماله خارجة من ملكه وكذلك لو كانت هبته وهو مريض ثم صح ثم مات كان ذلك كقبضهما وهو صحيح ولو كان قبضهما الهبة وهو مريض فلم يصح كانت الهبة وهو صحيح أو مريض فذلك سواء والهبة من الثلث مبدأة على الوصايا لأنها عطية بتات وما حمل الثلث منها جاز وما لم يحمل رد وكان الموهوب له شريكا للورثة بما حمل الثلث مما وهب له قال الشافعي وما نحل أو ما تصدق به على رجل بعينه فهو مثل الهبات لا يختلف لأنه لا يملك من هذا شيء إلا بالقبض وكل ما لا يملك إلا بالقبض فحكمه حكم واحد لا يختلف ألا ترى أن الواهب والناحل والمتصدق لو مات قبل أن يقبض الموهوب له والمنحول والمتصدق عليه ما صير لكل واحد منهم بطل ما صنع وكان مالا من مال الواهب الناحل المتصدق لورثته أو لا ترى أن
صفحة : 1283
جائزا لمن أعطى هذا أن يرده على معطيه فيحل لمعطيه ملكه ويحل لمعطيه شراؤه منه وارتهانه منه ويرثه إياه فيملكه كما كان يملكه قبل خروجه من يده قال الشافعي ولو كانت دار رجل أو عبده في يدي رجل بسكنى أو إجارة أو عارية فقال قد وهبت لك الدار التي في يديك وكنت قد أذنت لك في قبضه لنفسك كانت هذه هبة مقبوضة للدار والعبد الذي في يديه ثم لم يحدث له منعا لما وهب له حتى مات علم أنه لها قابض قال الشافعي وما كان يجوز بالكلام دون القبض مخالف لهذا وذلك الصدقات المحرمات فإذا تلكم بها المتصدق وشهد بها عليه فهي خارجة من ملكه تامة لمن تصدق بها عليه لا يزيدها القبض تماما ولا ينقص منها ترك ذلك وذلك أن المخرج لها من ملكه أخرجها بأمر منعها به أن يكون ملكه منها متصرفا فيما يصرف فيه المال من بيع وميراث وهبة ورهن وأخرجها من ملكه خروجا لا يحل له أن يعود إليه بحال فأشبهت العتق في كثير من أحكامها ولم تخالفه إلا في أن المعتق يملك منفعة نفسه وكسبها وأن منفعة هذه مملوكة لمن جعلت له وذلك أنها لا تكون مالكة وإنما منعنا من كتاب الآثار في هذا أنه موضوع في غيره فإذا تكلم بالصدقة المحرمة صحيحا ثم مرض أو مريضا ثم صح فهي جائزة خارجة من ماله وإذا كان تكلم بها مريضا فلم يصح فهي من ثلثه جائزة بما تصدق به لمن جازت له الوصية بالثلث ومردودة عمن ترد عنه الوصية بالثلث ID ' ' وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل ولا يكاد يقدر عليه.
صفحة : 1284
باب الوصية بالثلث وفيه الوصية بالزائد على الثلث وشيء يتعلق بالإجارة ولم يذكر الربيع ترجمة تدل على الزائد على الثلث قال الشافعي رحمه الله تعالى وسنة رسول الله ﷺ تدل على أن لا يجوز لأحد وصية إذا جاوز الثلث مما ترك فمن أوصى فجاوز الثلث ردت وصاياه كلها إلى الثلث إلا أن يتطوع الورثة فيجيزون له ذلك فيجوز بإعطائهم وإذا تطوع له الورثة فأجازوا ذلك له فإنما أعطوه من أموالهم فلا يجوز في القياس إلا أن يكون يتم للمعطي بما يتم به له ما ابتدءوا به عطيته من أموالهم من قبضه ذلك ويرد بما رد به ما ابتدءوا من أموالهم إن مات الورثة قبل أن يقبضه الموصى له قال الشافعي فلو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه ولآخر بربعه فلم تجز ذلك الورثة اقتسم أهل الوصايا الثلث على قدر ما أوصى لهم به يجزأ الثلث ثلاثة عشر جزءا فيأخذ منه صاحب النصف ستة وصاحب الثلث أربعة وصاحب الربع ثلاثة ولو أجاز الورثة اقتسموا جميع المال على أنه دخل عليهم عول نصف السدس فأصاب كل واحد منهم من العول نصف سدس وصيته واقتسموا المال كله كما اقتسموا الثلث حتى يكونوا سواء في العول قال الشافعي ولو قال لفلان غلامي فلان ولفلان داري ووصفها ولفلان خمسمائة دينار فلم يبلغ هذا الثلث ولم تجزه لهم الورثة وكان الثلث ألفا والوصية ألفين وكانت قيمة الغلام خمسمائة وقيمة داره ألفا والوصية خمسمائة دخل على كل واحد منهم في وصيته عول النصف وأخذ نصف وصيته فكان للموصى له بالغلام نصف الغلام وللموصى له بالدر نصف الدار وللموصى له بالخمسمائة مائتان وخمسون دينارا لا تجعل وصية أحد منهم أوصى له في شيء بعينه إلا فيما أوصى له به ولا يخرج إلى غيره إلا ما سلمها الورثة فإن قال الورثة لا نسلم له من الدار إلا ما لزمنا قيل له ثلث الدار شريك لكم بها إن شاء وشئتم اقتسمتم ويضرب بقيمة سدس الدار الذي جاز له من وصيته في مال الميت يكون شريكا لكم به وهكذا العبد وكل ما أوصى له به بعينه فلم تسلمه له الورثة والله تعالى الموفق ID ' ' وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا
صفحة : 1285
باب الوصية في الدار والشيء بعينه قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أوصى رجل لرجل بدار فقال داري التي كذا ووصفها وصية لفلان فالدار له بجميع بنائها وما ثبت فيها من باب وخشب وليس له متاع فيها ولا خشب ولا أبواب ليست بثابتة في البناء ولا لبن ولا حجارة ولا آجر لم يبن به لأن هذا لا يكون من الدار حتى يبنى به فيكون عمارة للدار ثابتة فيها ولو أوصى له بالدار فانهدمت في حياة الموصي لم يكن له ما انهدم من الدار وكان له ما بقي لم ينهدم من الدار وما ثبت فيها لم ينهدم منها من خشب وأبواب وغيره ولو جاء عليها سيل فذهب بها أو ببعضها بطلت وصيته أو بطل منها ما ذهب من الدار وهكذا لو أوصى له بعبد فمات أو اعور أو نقص منه شيء بعينه فذهب لم يكن له فيما بقي من الثلث سوى ما أوصى له به شيء لأن ما أوصى له به قد ذهب وهكذا كل ما أوصى له به بعينه فهلك أو نقص وهكذا لو أوصى له بشيء فاستحق على الموصى بشيء بشراء أو هبة أو غصب بطلت الوصية لأنه اوصى له بما لا يملك باب الوصية بشيء بصفته قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا اوصى رجل لرجل بعبد فقال له غلامي البربري او غلامي الحبشي أو نسبه إلى جنس من الأجناس وسماه باسمه ولم يكن له عبد من ذلك الجنس يسمى بذلك الاسم كان غير جائز ولو زاد فوصفه وكان له عبد من ذلك الجنس يسمى باسمه وتخالف صفته صفته كان جائزا له قال الربيع أخاف أن يكون هذا غلطا من الكاتب لأنه لم يقرأ على الشافعي ولم يسمع منه والجواب فيها عندي أنه إن وافق اسمه أنه إن أوصى له بغلام وسماه باسمه وجنسه ووصفه فوجدنا له غلاما بذلك الاسم والجنس غير أنه مخالف لصفته كأنه قال في صفته أبيض طوال حسن الوجه فأصبنا ذلك الاسم والجنس أسود قصير أسمج الوجه لم نجعله له قال الشافعي ولو كان سماه باسمه ونسبه إلى جنسه فكان له عبدان أو أكثر من ذلك الجنس فاتفق اسماهما وأجناسهما لا تفرق بينهما صفة ولم تثبت الشهود أيهما أراد قال الربيع ففيها قولان أحدهما أن الشهادة باطلة إذا لم يثبتوا العبد بعينه كما لو شهدوا لرجل على رجل أن له هذا العبد أو هذه الجارية أن الشهادة باطلة لأنهم لم يثبتوا العبد بعينه والقول الثاني أن الوصية جائزة في أحد العبدين وهما موقوفان بين الورثة والموصى له حتى يصطلحوا لأنا قد عرفنا أن له أحدهما وإن كان بغير عينه
صفحة : 1286
باب المرض الذي تكون عطية المريض فيه جائزة أو غير جائزة قال الشافعي رحمه الله تعالى المرض مرضان فكل مرض كان الأغلب منه أن الموت مخوف منه فعطية المريض فيه إن مات في حكم الوصايا وكل مرض كان الأغلب منه أنه غير مخوف فعطية المريض فيه كعطية الصحيح وإن مات منه فأما المرض الذي الأغلب منه أن الموت مخوف منه فكل حمى بدأت بصاحبها حتى جهدته أي حمى كانت ثم إذا تطاولت فكلها مخوف إلا الربع فإنها إذا استمرت بصاحبها ربعا كان الأغلب فيها أنها غير مخوفة فما أعطى الذي استمرت به حمى الربع وهو في حماه فهو كعطية الصحيح وما أعطى به من حمى غير ربع فعطية مريض فإن كان مع الربع غيرها من الأوجاع وكان ذلك الوجع مخوفا فعطيته كعية المريض ما لم يبرأ من ذلك الوجع وذلك مثل البرسام والرعاف الدائم وذات الجنب والخاصرة والقولنج وما أشبه هذا وكل واحد من هذا انفرد فهو مرض مخوف وإذا ابتدأ البطن بالرجل فأصابه يوما أو يومين لا يأتي فيه دم ولا شيء غير ما يخر من الخلاء لم يكن مخوفا فإن استمر به بعد يومين حتى يعجله أو يمنعه نوما أو يكون منخرقا فهو مخوف وإن لم يكن البطن منخرقا وكان معه زحير أو تقطيع فهو مخوف قال وما أشكل من هذا أن يخلص بين مخوفة وغير مخوفة سئل عنه أهل العلم به فإن قالوا هو مخوف لم تجز عطيته إذا مات إلا من ثلثه وإن قالوا لا يكون مخوفا جازت عطيته جواز عطية الصحيح ومن ساوره الدم حتى تغير عقله أو تغلبه وإن لم يتغير عقله أو المرار فهو في حاله تلك مخوف عليه وإن تطاول به كان كذلك ومن ساوره البلغم كان مخوفا عليه في حال مساورته فإن استمر به فالج فالأغلب أن الفالج يتطاول به وأنه غير مخوف المعاجلة وكذلك إن أصابه سل فالأغلب أن السل يتطاول وهو غير مخوف المعاجلة ولو أصابه طاعون فهذا مخوف عليه حتى يذهب عنه الطاعون ومن أنفذته الجراح حتى تصل منه إلى جوف فهو مخوف عليه ومن أصابه من الجراح ما لا يصل منه إلى مقتل فإن كان لا يحم عليها ولا يجلس لها ولا يغلبه لها وجع ولا يصيبه فيها ضربان ولا أذى ولم يأكل ويرم فهذا غير مخوف وإن اصابه بعض هذا فهو مخوف قال الشافعي ثم جميع الوجاع التي لم تسم على ما وصفت يسأل عنها أهل العلم بها فإن قالوا مخوفة فعطية المعطى عطية مريض وإن قالوا غير مخوفة فعطيته عطية صحيح وأقل ما يكون في المسألة عن ذلك والشهادة به شاهدان ذوا عدل قال الشافعي رحمه الله تعالى وتجوز عطية الحامل حتى يضربها الطلق لولاد أو إسقاط فتكون
صفحة : 1287
تلك حال خوف عليها إلا أن يكون بها مرض غير الحمل مما لو أصاب غير الحامل كانت عطيتها عطية مريض وإذا ولدت الحامل فإن كان بها وجع من جرح أو ورم أو بقية طلق أو أمر مخوف فعطيتها عطية مريض وإن لم يكن بها من ذلك شيء فعطيتها عطية صحيح قال الشافعي فإن ضربت المرأة أو الرجل بسياط أو خشب أو حجارة فثقب الضرب جوفا أو ورم بدنا أو حمل قيحا فهذا كله مخوف وهو قبل أن يبلغ هذا في أول ما يكون الضرب إن كان مما يصنع مثله مثل هذا مخوف فإن أتت عليه أيام يؤمن فيها أن يبقى بعدها وكان مقتلا فليس بمخوف باب عطية الرجل في الحرب والبحر قال الشافعي رحمه الله تعالى وتجوز عطية الرجل في الحرب حتى يلتحم فيها فإذا التحم كانت عطيته كعطية المريض كان محاربا مسلمين أو عدوا قال الربيع وله فيما أعلم قول آخر أن عطيته عطية الصحيح حتى يجرح قال وقد قال لو قدم في قصاص لضرب عنقه إن عطيته عطية الصحيح لأنه قد يعفى عنه فإذا أسر فإن كان في أيدي المسلمين جازت عطيته في ماله وإن كان في أيدي مشركين لا يقتلون أسيرا فكذلك وإن كان في أيدي مشركين يقتلون الأسرى ويدعونهم فعطيته عطية المريض لأن الأغلب منهم أن يقتلوا وليس يخلو المرء في حال أبدا من رجاء الحياة وخوف الموت لكن إذا كان الأغلب عنده وعند غيره الخوف عليه فعطيته عطية مريض وإذا كان الأغلب عنده وعند غيره الأمان عليه مما نزل به من وجع أو إسار أو حال كانت عطيته عطية الصحيح قال الشافعي وإن كان في مشركين يفون بالعهد فأعطوه أمانا على شيء يعطيهموه أو على غير شيء فعطيته عطية الصحيح ID ' ' يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت
صفحة : 1288
باب الوصية للوارث قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن سليمان الأحول عن مجاهد يعني في حديث لا وصية لوارث قال الشافعي ورأيت متظاهرا عند عامة من لقيت من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله ﷺ قال في خطبته عام الفتح لا وصية لوارث ولم أر بين الناس في ذلك اختلافا وإذا قال رسول الله ﷺ لا وصية لوارث فحكم الوصية لوارث حكم ما لم يكن فمتى أوصى رجل لوارث وقفنا الوصية فإن مات الموصي والموصى له وارث فلا وصية له وإن حدث للموصي وارث يحجبه أو خرج الموصى له من أن يكون يوم يموت وارثا له بأن يكون أوصى صحيحا لامرأته ثم طلقها ثلاثا ثم مات مكانه فلم ترثه فالوصية لها جائزة لأنها غير وارثة وإنما ترد الوصية وتجوز إذا كان لها حكم ولا يكون لها حكم إلا بعد موت الموصي حتى تجب أو تبطل ولو أوصى لرجل وله دونه وارث يحجبه فمات الوارث قبل الموصي فصار الموصى له وارثا أو لامرأة ثم نكحها ومات وهي زوجته بطلت الوصية لهما معا لأنها صارت وصية لوارث ولو أوصى لوارث وأجنبي بعبد أو أعبد أو دار أو ثوب أو مال مسمى ما كان بطل نصيب الوارث وجاز للأجنبي ما يصيبه وهو النصف من جميع ما أوصى به للوارث والأجنبي ولكن لو قال أوصيت بكذا لفلان وفلان فإن كان سمي للوارث ثلثا وللأجنبي ثلثي ما أوصى به جاز للأجنبي ما سمى له ورد عن الوارث ما سمى له ولو كان له ابن يرثه ولابنه أم ولدته أو حضنته أو أرضعته أو أب أرضعه أو زوجة أو ولد لا يرثه أو خادم أو غيره فأوصى لهؤلاء كلهم أو لبعضهم جازت لهم الوصية لأن كل هؤلاء غير وارث وكل هؤلاء مالك لما أوصى له به لملكه ماله إن شاء منعه ابنه وإن شاء أعطاه إياه وما أحد أولى بوصيته من ذوي قرابته ومن عطف على ولده ولقد ذكر الله تبارك وتعالى الوصية فقال إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين وأن الأغلب من الأقربين لأنهم يبتلون أولاد الموصي بالقرابة ثم الأغلب أن يزيدوا وأن يبتلوهم بصلة أبيهم لهم بالوصية وينبغي لمن منع أحدا مخافة أن يرد على وارث أو ينفعه أن يمنع ذوي القرابة وأن لا يعتق العبيد الذي قد عرفوا بالعطف على الورثة ولكن لا يمنع أحد وصية غير الوارث بالخبر عن رسول الله ﷺ وما لا يختلف فيه من أحفظ عنه ممن لقيت ID ' ' عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها
صفحة : 1289
باب ما يجوز من إجازة الوصية للوارث وغيره وما لا يجوز قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أراد الرجل أن يوصي لوارث فقال للورثة إني أريد أن أوصي بثلثي لفلان وارثي فإن أجزتم ذلك فعلت وإن لم تجيزوا أوصيت بثلثي لمن تجوز الوصية له فأشهدوا له على أنفسهم بأن قد أجازوا له جميع ما أوصى له وعلموه ثم مات فخير لهم فيما بينهم وبين الله عز وجل أن يجيزوه لأن في ذلك صدقا ووفاء بوعد وبعدا من غدر وطاعة للميت وبرا للحي فإن لم يفعلوا لم يجبرهم الحاكم على إجازته ولم يخرج ثلث مال الميت في شيء إذا لم يخرجه هو فيه وذلك أن إجازتهموه قبل أن يموت الميت لا يلزمهم بها حكم من قبل انهم أجازوا ما ليس لهم ألا ترى أنهم قد يكونون ثلاثة واثنين وواحدا فتحدث له أولاد أكثر منهم فيكونون أجازوا كل الثلث وإنما لهم بعضه ويحدث له وارث غيرهم يحجبهم ويموتون قبله فلا يكونون أجازوا في واحدة من الحالين في شيء يملكونه بحال وإن أكثر أحوالهم فيه أنهم لا يملكونه أبدا إلا بعد ما يموت أو لا ترى أنهم لو أجازوها لوارث كان الذي أجيزت له الوصية قد يموت قبل الموصي فلو كان ملك الوصية بوصية الميت وإجازتهم ملكها كان لم يملكها ولا شيء من مال الميت إلا بموته وبقائه بعده فكذلك الذين أجازوا له الوصية أجازوها فيما لا يملكون وفيما قد لا يملكونه أبدا قال وهكذا لو استأذنهم فيما يجاوز الثلث من وصيته فأذنوا له به وهكذا لو قال رجل منهم ميراثي منك لأخي فلان أو لبني فلان لم يكن له لأنه اعطاه ما لم يملك وهكذا لو استأذنهم في عتق عبيد له فأعتقهم بعد موته فلم يخرجوا من الثلث كان لهم رد من لا يخرج من الثلث منهم وخير في هذا كله أن يجيزوه ولكنه لو أوصى لوارث بوصية فقال فإن أجازها الورثة وإلا فهي لفلان رجل أجنبي أو في سبيل الله أو في شيء مما تجوز له الوصية به مضى ذلك على ما قال إن أجازها الورثة جازت وإن ردوها فذلك لهم وعليهم أن ينفذوها لمن أوصى له بها إن لم تجزها الورثة لأنها وصية لغير وارث وكذلك لو أوصى بوصية لرجل فقال فإن مات قبلي فما أوصيت له به لفلان فمات قبله كانت الوصية لفلان وكذلك لو قال لفلان ثلثي إلا أن يقدم فلان فإن قدم فلان هذا البلد فهو له جاز ذلك على ما قال ID ' ' هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر
صفحة : 1290
باب ما يجوز من إجازة الورثة للوصية وما لا يجوز أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أوصى الميت لمن لا تجوز له وصيته من وارث أو غيره أو بما لا تجوز به مما جاوز الثلث فمات وقد علموا ما أوصى به وترك فقالوا قد أجزنا ما صنع ففيها قولان أحدهما أن قولهم بعد علمهم وقصهم ميراثه لهم قد أجزنا ما صنع جائز لمن أجازوه له كهبته لو دفعوه إليه من أيديهم ولا سبيل لهم في الرجوع فيه ومن قال هذا القول قال إن الوصايا بعد الموت مخالفة عطايا الأحياء التي لا تجوز إلا بقبض من قبل أن معطيها قد مات ولا يكون مالكا قابضا لشيء يخرجه من يديه وإنما هي إدخال منه لأهل الوصية على الورثة فقوله في وصيته يثبت لأهل الوصية فيما يجوز لهم يثبت لهم ما يثبت لأهل الميراث واذا كان هكذا فأجاز الورثة بعد علمهم وملكهم فإنما قطعوا حقوقهم من مواريثهم عما أوصى به الميت مضى على ما فعل منه جائز له جواز ما فعل مما لم يردوه وليس ما أجازوا لأهل الوصايا بشيء في أيديهم فيخرجونه إليهم إنما هو شيء لم يصر إليهم إلا بسبب الميت وإذا سلموا حقوقهم سلم ذلك لمن سلموه له كما يبرءون من الدين والدعوى فيبرأ منها من أبرءوه ويبرءون من حقوقهم من الشفعة فتنقطع حقوقهم فيها ولهذا وجه محتمل والقول الثاني أن يقول ما ترك الميت مما لا تجوز له الوصية به فهو ملك نقله الله تعالى إليهم فكينونته في أيديهم وغير كينونته سواء وإجازتهم ما صنع الميت هبة منهم لمن وهبوه له فمن دفعوه إليه جاز له ولهم الرجوع ما لم يدفعوه كما تكون لهم أموال ودائع في أيدي غيرهم فيهبون منها الشيء لغيرهم فلا تتم له الهبة إلا بالقبض ولهذا وجه محتمل والله تعالى أعلم وإن قالوا أجزنا ما صنع ولا نعلمه وكنا نراه يسيرا انبغى في الوجهين جميعا أن يقال أجيزوا يسيرا واحلفوا ما أجزتموه إلا وأنتم ترونه هكذا ثم لهم الرجوع فيما بقي وكذلك إن كانوا غيبا وإن أقيمت عليهم البينة بأنهم علموه جازت عليهم في قول من أجاز إجازتهم بغير قبض وإنما تجوز عليهم إذا أوصى بثلثي ماله أو بماله كله أو بجزء معلوم منه إن علموا كم ترك كأن أوصى بشيء يسميه فقال لفلان كذا وكذا دينارا ولفلان عبدي فلان ولفلان من إبلي كذا وكذا فقالوا قد أجزنا له ذلك ثم قالوا إنما أجزنا ذلك ونحن نراه يجاوز الثلث بيسير لأنا قد عهدنا له مالا فلم نجده أو عهدناه غير ذي دين فوجدنا عليه دينا ففيه قولان أحدهما أن يقال هذا يلزمهم في قول من أجاز إجازتهم لأنهم أجازوا ما يعرفون وما لا يعذرون بجهالتهم والآخر أن لهم أن يحلفوا ويردوا الآن هذا إنما يجوز من مال الميت ويقال لهم إذا حلفوا
صفحة : 1291
أجيزوا منه ما كنتم ترونه يجاوز الثلث سدسا كان أو ربعا أو أقل أو أكثر باب اخلاف الورثة قال الشافعي رحمه الله تعالى وإن أجاز بعض الورثة فيما تلزم الإجازة فيه ولم يجز بعضهم جاز في حصة من أجاز ما أجاز كأن الورثة كانوا اثنين فيجب للموصى له نصف ما أوصى له به مما جاوز الثلث قال الشافعي ولو كان في الورثة صغيرا او بالغ محجوز عليه أو معتوه لم يجز على واحد من هؤلاء أن يجيز في نصيبه بشيء جاوز الثلث من الوصية ولم يكن لولي واحد من هؤلاء أن يجيز ذلك في نصيبه ولو أجاز ذلك في ماله كان ضامنا له في ماله وإن وجد في يدي من أجيز له أخذ من يديه وكان للولي أن يتبع من أعطاه إياه بما أعطى منه لأنه أعطاه ما لا يملك الوصية للقرابة قال الشافعي رحمه الله وإذا أوصى الرجل فقال ثلث مالي لقرابتي أو لذوي قرابتي أو لرحمي أو لذوي رحمي أو لأرحامي أو لأقربائي أو قراباتي فذلك كله سواء والقرابة من قبل الأم والأب في الوصية سواء وأقرب قرابته وأبعدهم منه في الوصية سواء والذكر والأنثى والغني والفقير والصغير والكبير لأنهم أعطوا باسم القرابة فاسم القرابة يلزمهم معا كما أعطى من شهد القتال باسم الحضور وإذا كان الرجل من قبيلة من قريش فأوصى في قرابته فلا يجوز إذا كان كل من يعرف نسبه إلا أن يكون بينه وبين من يلقاه إلى أب وإن بعد قرابة فإذا كان المعروف عند العامة أن من قال من قريش لقرابتي لا يريد جميع قريش ولا من هو أبعد منهم ومن قال لقرابتي لا يريد أقرب الناس أو ذوي قرابة أبعد منه بأب وإن كان قريبا صير إلى المعروف من قول العامة ذوي قرابتي فينظر إلى القبيلة التي ينسب إليها فيقال من بني عبد مناف ثم يقال قد يتفرق بنو عبد مناف فمن أيهم فيقال من بني المطلب فيقال أيتميز بنو المطلب قيل نعم هم قبائل فمن أيهم قيل من بني عبد يزيد بن هاشم بن المطلب فيقال أفيتميز هؤلاء قيل نعم هم قبائل قيل فمن أيهم قيل من بني عبيد بن عبد يزيد قيل أفيتميز هؤلاء قيل نعم هم بنو السائب بن عبيد بن عبد يزيد قيل وبنو شافع وبنو علي وبنو عباس وكل هؤلاء من بني السائب فإن قيل أفيتميز هؤلاء قيل نعم كل بطن من هؤلاء يتيميز عن صاحبه فإذا كان من آل شافع فقال لقرابته فهو لآل شافع دون آل علي وآل عباس وذلك أن كل هؤلاء يتميزون ظاهر التمييز من البطن الآخر يعرف ذلك منهم إذا قصدوا آباءهم دون الشعوب والقبائل في آبائهم وفي تناصرهم وتناكحهم ويحول بعضهم لبعض على هؤلاء
صفحة : 1292
الذين معهم ولو قال ثلث مالي لأقرب قرابتي أو لأدنى قرابتي أو لألصق قرابتي كان هذا كله سواء ونظرنا إلى أقرب الناس منه رحما من قبل ابيه وأمه فأعطيناه إياه ولم نعطه غيره ممن هو أبعد منه كأنا وجدنا له عمين وخالين وبني عم وبني خال وأعطينا المال عميه وخاليه سواء بينهم دون بني العم والخال لأنهم يلقونه عند أبيه وأمه قبل بني عمه وخاله وهكذا لو وجدنا له إخوة لأب وإخوة لأم وعمين وخالين أعطينا المال إخوته لأبيه وإخوته لأمه دون عميه وخاليه لأنهم يلقونه عند أبيه وأمه الأدنين قبل عميه وخاليه ولو كان مع الإخوة للأب والأخوة للأم إخوة لأب وأم كان المال لهم دون الإخوة للأب والإخوة للأم لأنا إذا عددنا القرابة من قبل الأب والأم سواء فجمع الإخوة للأب والأم قرابة الأب والأم كانوا أقرب بالميت ولو كان مع الإخوة للأب والأم ولد ولد متسفل لا يرث كان المال له دون الإخوة لأنه ابن نفسه وابن نفسه أقرب إليه من ابن أبيه ولو كان مع ولد الولد المتسفل جد كان الولد أولى منه وإن كان جدا أدنى قال ولو كان مع الإخوة للأب أو الأم جد كان الإخوة أولى من الجد في قول من قال الإخوة أولى بولاء الموالي من الجد لأنهم أقرب منه وأنهم يلقون الميت قبل أن يصير الميت إلى الجد ولو قال في هذا كله ثلث مالي لجماعة من قرابتي فإن كان أقرب الناس به ثلاثة فصاعدا فهو لهم وسواء كانوا رجالا أو نساء وإن كانوا اثنين ثم الذين يلونهم واحد أو أكثر كان للاثنين الثلثان من الثلث وللواحد فأكثر ما بقي من الثلث وإن كانوا واحدا فله ثلث الثلث ولمن يليه من قرابته إن كانوا اثنين فصاعدا ثلثا الثلث ولو كان أقرب الناس واحدا والذي يليه في القرابة واحد أخذ كل واحد منهما ثلث الثلث وأخذ الذين يلونهما في القرابة واحد أو أكثر الثلث الباقي سواء بينهم ID ' ' على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو
صفحة : 1293
باب الوصية لما في البطن والوصية بما في البطن قال الشافعي رحمه الله تعالى وتجوز الوصية بما في البطن ولما في البطن إذا كان مخلوقا يوم وقعت الوصية ثم يخرج حيا فلو قال رجل ما في بطن جاريتي فلانة لفلان ثم توفى فولدت جاريته لأقل من ستة أشهر من يوم تكلم بالوصية كان لمن أوصى له به وإن ولدت لستة أشهر فأكثر لم يكن له لأنه قد يحدث الحمل فيكون الحمل الحادث غير الذي أوصى به ولو قال ولد جاريتي أو جاريتي أو عبد بعينه وصية لما في بطن فلانة امرأة يسميها بعينها فإن ولدت تلك المرأة لأقل من ستة أشهر من يوم تكلم بالوصية فالوصية جائزة وإن ولدت لستة أشهر من يوم تكلم بالوصية فأكثر فالوصية مردودة لأنه قد يحدث حمل بعد الوصية فيكون غير ما أوصى له وإن كان الحمل الذي أوصى به غلاما أو جارية أو غلاما وجارية أو أكثر كانت الوصية بهم كلهم جائزة لمن أوصى له بهم وإن كان الحمل الذي أوصى له غلاما أو جارية أو أكثر كانت الوصية بينهم سواء على العدد وإن مات الموصي قبل أن تلد التي أوصى لحملها وقفت الوصية حتى تلد فإذا ولدت لأقل من ستة أشهر كانت الوصية له باب الوصية المطلقة والوصية على الشيء قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن أوصى فقال إن مت من مرضي هذا ففلان لعبد له حر ولفلان كذا وصية ويتصدق عني بكذا ثم صح من مرضه الذي أوصى فيه ثم مات بعده فجأة أو من مرض غير ذلك المرض بطلت تلك الوصية لأنه أوصى إلى أجل ومن أوصى له وأعتق على شرط لم يكن وكذلك إذا حد في وصيت حدا فقال إن مت في عامي هذا أو في مرضي هذا فمات من مرض سواه بطل فإن أبهم هذا كله وقال هذه وصيتي ما لم أغيرها فهو كما قال وهي وصيته ما لم يغيرها ولكنه لو قال هذا وأشهد أن وصيته هذه ثابتة ما لم يغيرها كانت وصيته نافذة قال الشافعي وإن أوصى فقال إن حدث بي حدث الموت وصية مرسلة ولم يحدد لها حدا أو قال متى حدث بي حدث الموت أو متى مت فوصيته ثابتة ينفذ جميع ما فيها مما جاز له متى مات ما لم يغيرها ID ' ' ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال
صفحة : 1294
باب الوصية للوارث قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله عز وجل كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين الآية إلى المتقين وقال عز وجل في آي المواريث ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث وذكر من ورث جل ثناؤه في آي من كتابه قال الشافعي واحتمل إجماع أمر الله تعالى بالوصية للوالدين والأقربين معنين أحدهما أن يكون للوالدين والأقربين الأمران معا فيكون على الموصي أن يوصي لهم فيأخذون بالوصية ويكون لهم الميراث فيأخذون به واحتمل أن يكون الأمر بالوصية نزل ناسخا لأن تكون الوصية لهم ثابتة فوجدنا الدلالة على أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة بآي المواريث من وجهين أحدهما أخبار ليست بمتصلة عن النبي ﷺ من جهة الحجازيين منها أن سفيان بن عيينة أخبرنا عن سليمان الأحول عن مجاهد أن النبي ﷺ قال لا وصية لوارث وغيره يثبته بهذا الوجه ووجدنا غيره قد يصل فيه حديثا عن النبي ﷺ بمثل هذا المعنى ثم لم نعلم أهل العلم في البلدان اختلفوا في أن الوصية للوالدين منسوخة بآي المواريث واحتمل إذا كانت منسوخة أن تكون الوصية للوالدين ساقطة حتى لو أوصى لهما لم تجز الوصية وبهذا نقول وما روى عن النبي ﷺ وما لم نعلم أهل العلم اختلفوا فيه يدل على هذا وإن كان يحتمل أن يكون وجوبها منسوخا وإذا أوصى لهم جاز وإذا أوصى للوالدين فأجاز الورثة فليس بالوصية أخذوا وإنما أخذوا بإعطاء الورثة لهم ما لهم لأنا قد أبطلنا حكم الوصية لهم فكان نص المنسوخ في وصية الوالدين وسمي معهم الأقربين جملة فلما كان الوالدان وارثين قسنا عليهم كل وارث وكذلك الخبر عن النبي ﷺ فلما كان الأقربون ورثة وغير ورثة أبطلنا الوصية للورثة من الأقربين بالنص والقياس والخبر ألا لا وصية لوارث وأجزنا الوصية للأقربين ولغير الورثة من كان فالأصل في الوصايا لمن أوصى في كتاب الله عز وجل وما روي عن رسول الله ﷺ وما لم أعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه في أن ينظر إلى الوصايا فإذا كانت لمن يرث الميت أبطلتها وإن كانت لمن لا يرثه أجزتها على الوجه الذي تجوز به وموجود عندي والله تعالى أعلم فيما وصفت من الكتاب وما روي عن النبي ﷺ وحيث إن ما لم نعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه أنه إنما يمنع الورثة الوصايا لئلا يأخذوا مال الميت من وجهين وذلك أن ما ترك
صفحة : 1295
المتوفى يؤخذ بميراث أو وصية فلما كان حكمهما مختلفين لم يجز أن يجمع لواحد الحكمان المختلفان في حكم واحد وحال واحدة كما لا يجوز أن يعطي بالشيء وضد الشيء ولم يحتمل معنى غيره بحال فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول إنما لم تجز الوصية للوارث من قبل تهمة الموصي لأن يكون يحابي وارثه ببعض ماله فلولا أن العناء مستعل على بعض من يتعاطى الفقه ما كان فيمن ذهب إلى هذا المذهب عندي والله أعلم للجواب موضع لأن من خفي عليه هذا حتى لا يتبين له الخطأ فيه كان شبيها أن لا يفرق بين الشيء وضد الشيء فإن قال قائل فأين هذا قيل له إن شاء الله تعالى أرأيت امرأ من العرب عصبته يلقونه بعد ثلاثين أبا قد قتل آباء عصبته آباءه وقتلهم آباؤه وبلغوا غاية العداوة بينهم بتسافك الدماء وانتهاك المحارم والقطيعة والنفي من الأنساب في الأشعار وغيرها وما كان هو يصطفي ما صنع بآبائه ويعادي عصبته عليه غاية العداوة ويبذل ماله في أن يسفك دماءهم وكان من عصبته الذين يرثونه من قتل أبويه فأوصى من مرضه لهؤلاء القتلة وهم ورثته مع غيرهم من عصبته كان الوارث معهم في حال عداوتهم أو كان له سلما به برا وله واصلا وكذلك كان آباؤهما اتجوز الوصية لأعدائه وهو لا يتهم فيهم فإن قال لا قيل وكذلك لو كان من الموالي فكان مواليه قد بلغوا بآبائه ما بلغ بهم وبأبيهم ما وصفت من حال القربى فأوصى لورثته من مواليه ومعهم ابنته أتجوز الوصية لهم وهو لا يتهم فيهم فإن قال لا قيل وهكذا زوجته لو كانت ناشزة منه عاصية له عظيمة البهتان وترميه بالقذف قد سقته سما لتقتله وضربته بالحديد لتقتله فأفلت من ذلك وبقيت ممتنعة منه وامتنع من فراقها إضرارا لها ثم مات فأوصى لها لم تجز وصيته لأنها وارث فإن قال نعم قيل ولو أن أجنبيا مات ليس له وارث أعظم النعمة عليه صغيرا وكبيرا وتتابع إحسانه عليه وكان معروفا بمودته فأوصى له بثلث ماله أيجوز فإن قال نعم قيل وهكذا تجوز الوصية له وإن كان ورثته أعداء له فإن قال نعم تجوز وصيته في ثلثه كان ورثته أعداء له أو غير أعداء قيل له أرأيت لو لم يكن في أن الوصية تبطل للوارث وأنه إذا خص بإبطال وصيته الوارث لم يكن فيها معنى إلا ما قلنا ثم كان الأصل الذي وصفت لم يسبقك إليه أحد يعقل من أهل العلم شيئا علمناه أما كنت تركته أو ما كان يلزمك أن تزعم انك تنظر إلى وصيته أبدا فإن كانت وصيته لرجل عدو له أو بغيض إليه أو غير صديق أجزتها وإن كان وارثا وإن كانت لصديق له أو لذي يد عنده أو غير عدو فأبطلتها وإذا فعلت هذا خرجت مما روي عن النبي ﷺ ومما يدخل فيما لم يختلف فيه أهل العلم
صفحة : 1296
علمناه أو رأيت لو كان له عبد يعلم أنه أحب الناس إليه وأوثقه في نفسه وأنه يعرف بتوليج ماله إليه في الحياة وله ولد دون ولده ثم مات ولده فصار وارثه عدوا له فأعتق عبده في وصيته أليس يلزمك أن لا تجيز العتق لشأن تهمته فيه حيا إذ كان يؤثره بماله على ولد نفسه وميتا إذ كان عنده بتلك الحال وكان الوارث له عدوا أو رأيت لو كان وارثه له عدوا فقال والله ما يمنعني أن أدع الوصية فيكون الميراث وافرا عليك إلا حب أن يفقرك الله ولا يغنيك ولكني أوصي بثلث مالي لغيرك فأوصى لغيره أليس إن أجاز هذا أجاز ما ينبغي أن يرد ورد ما كان ينبغي أن يجوز من الوصية لوارث عدو في اصل قوله أورأيت إذا كانت السنة تدل على أن للميت أن يوصي بثلث ماله ولا يحظر عليه منه شيء أن يوصي به إلا لوارث إذا دخل عليه أحد أن يحظر عليه الوصية لغير وارث بحال أليس قد خالفنا السنة أورأيت إذا كان حكم الثلث إليه ينفذه لمن رأى غير وارث لو كان وارثه في العداوة له على ما وصفت من العداوة وكان بعيد النسب أو كان مولى له فأقر لرجل آخر بمال قد كان يجحده إياه أو كان لا يعرف بالإقرار له به ولا الآخر بدعواه أليس إن أجازه له مما يخرج الوارث من جميع الميراث أجاز له أكثر من الثلث وهو متهم على أن يكون صار الوارث وإن أبطله أبطل إقرارا بدين أحق من الميراث لأن الميراث لا يكون إلا بعد الدين قال الشافعي الأحكام على الظاهر والله ولي المغيب ومن حكم على الناس بالإزكان جعل لنفسه ما حظر الله تعالى عليه ورسوله ﷺ لأن الله عز وجل إنما يولي الثواب والعقاب على المغيب لأنه لا يعلمه إلا هو جل ثناؤه وكلف العباد أن يأخذوا من العباد بالظاهر ولو كان لأحد أن يأخذ بباطن عليه دلالة كان ذلك لرسول الله ﷺ وما وصفت من هذا يدخل في جميع العلم فإن قال قائل ما دل على ما وصفت من أنه لا يحكم بالباطن قيل كتاب الله ثم سنة رسول الله ﷺ ذكر الله تبارك وتعالى المنافقين فقال لنبيه ﷺ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله قرأ إلى فصدوا عن سبيل الله فأقرهم رسول الله ﷺ يتناكحون ويتوارثون ويسهم لهم إذا حضروا القسمة ويحكم لهم أحكام المسلمين وقد اخبر الله تعالى ذكره عن كفرهم وأخبر رسول الله ﷺ أنهم اتخذوا أيمانهم جنة من القتل بإظهار الأيمان على الإيمان وقال رسول الله ﷺ إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق اخيه فلا يأخذ
صفحة : 1297
به فإنما اقطع له بقطعة من النار فأخبرهم أنه يقضي بالظاهر وأن الحلال والحرام عند الله على الباطن وأن قضاءه لا يحل للمقضي له ما حرم الله تعالى عليه إذا علمه حراما وقال رسول الله ﷺ أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله تعالى فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله فأخبرهم أنه لا يكشفهم عما لا يبدون من أنفسهم وأنهم إذا ابدوا ما فيه الحق عليهم أخذوا بذلك وبذلك أمر الله تعالى ذكره فقال ولا تجسسوا وبذلك أوصى ﷺ ولا عن رسول الله ﷺ بين أخوي بني العجلان ثم قال انظروا فإن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه فجاءت به على النعت الذي قال رسول الله ﷺ فهو للذي يتهمه به وقال رسول الله ﷺ إن أمره لبين لولا ما حكم الله ولم يستعمل عليهما الدلالة البينة التي لا تكون دلالة أبين منها وذلك خبره أن يكون الولد ثم جاء الولد على ما قال مع أشباه لهذا كلها تبطل حكم الإزكان مع الذرائع في البيوع وغيرها من حكم الإزكان فأعظم ما فيما وصفت من الحكم بالإزكان خلاف ما امر الله عز وجل به أن يحكم بين عباده من الظاهر وما حكم به رسول الله ﷺ ثم لم يمتنع من حكم بالإزكان أن اختلفت أقاويله فيه حتى لو لم يكن آثما بخلافه ما وصفت من الكتاب والسنة كان ينبغي أن تكون أكثر أقاويله متروكة عليه يضعف مذهبه فيها وذلك أنه يزكن في الشيء الحلال فيحرمه ثم يأتي ما هو أولى أن يحرمه منه إن كان له التحريم بالإزكان فلا يحرمه فإن قال قائل ومثل ماذا من البيوع قيل أرأيت رجلا اشترى فرسا على أنها عقوق فإن قال لا يجوز البيع لأن ما في بطنها مغيب غير مضمون بصفة عليه قيل له وكذلك لو اشتراها وما في بطنها بدينار فإن قال نعم قيل أرأيت إذا كان المتبايعان بصيرين فقالا هذه الفرس تسوى خمسة دنانير إن كانت غير عقوق وعشرة إن كانت عقوقا فأنا آخذها منك بعشرة ولولا أنها عندي عقوق لم أزدك على خمسة ولكنا لا نشترط معها عقوقا لإفساد البيع فإن قال هذا البيع يجوز لأن الصفقة وقعت على الفرس دون ما في بطنها ونيتهما معا وإظهارهما الزيادة لما في البطن لا يفسد البيع إذا لم تعقد الصفقة على ما يفسد البيع ولا أفسد البيع ههنا بالنية قيل له إن شاء الله تعالى وكذلك لا يحل نكاح المتعة ويفسخ فإن قال نعم قيل وإن كان أعزب أو آهلا فإن قال نعم قيل فإن أراد أن ينكح امرأة ونوى أن لا يحبسها إلا يوما أو عشرا إنما أراد أن يقضي منها وطرا وكذلك نوت هي منه غير أنهما عقدا النكاح مطلقا على غير شرط
صفحة : 1298
فإن قال هذا يحل قيل له ولم تفسده بالنية إذا كان العقد صحيحا فإن قال نعم قيل له إن شاء الله تعالى فهل تجد في البيوع شيئا من الذرائع أو في النكاح شيئا من الذرائع تفسد به بيعا أو نكاحا أولى أن تفسد به البيع من شراء الفرس العقوق على ما وصفت وكل ذات حمل سواها والنكاح على ما وصفت فإذا لم تفسد بيعا ولا نكاحا بنية يتصادق عليها المتبايعان والمتناكحان أيما كانت نيتهما ظاهرة قبل العقد ومعه وبعده وقلت لا أفسد واحدا منهما لأن عقد البيع وعقد النكاح وقع على صحة والنية لا تصنع شيئا وليس معها كلام فالنية اذا لم يكن معها كلام أولى أن لا تصنع شيئا يفسد به بيع ولا نكاح قال الشافعي وإذا لم يفسد على المتبايعين نيتهما أو كلامهما فكيف أفسدت عليهما بأن أزكنت عليهما أنهما نويا أو أحدهما شيئا والعقد صحيح فأفسدت العقد الصحيح بإزكانك أنه نوى فيه ما لو شرط في البيع أو النكاح فسد فإن قال ومثل ماذا قال قيل له مثل قولك والله تعالى الموفق باب تفريع الوصايا للوارث قال الشافعي رحمه الله تعالى فكل ما أوصى به المريض في مرضه الذي يموت فيه لوارث من ملك مال ومنفعة بوجه من الوجوه لم تجز الوصية لوارث بأي هذا كان الوصية للوارث قال الربيع قال الشافعي وإذا استأذن الرجل أن يوصى لوارث في صحة منه أو مرض فأذنوا له أو لم يأذنوا فذلك سواء فإن وفوا له كان خيرا لهم وأتقى لله عز ذكره وأحسن في الأحدوثة أن يجيزوه فإن لم يفعلوا لم يكن للحاكم أن يجبرهم على شيء منه وذلك بما نقل عن رسول الله ﷺ من الميراث قال الشافعي أخبرنا سفيان ابن عيينة قال سمعت الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة المحدود لا تجوز فأشهد لأخبرني فلان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك أو إن تبت قبلت شهادتك قال سفيان سمي الزهري الذي أخبره فحفظته ثم نسيته وشككت فيه فلما قمنا سألت من حضر فقال لي عمرو بن قيس هو سعيد بن المسيب فقلت هل شككت فيما قال فقال لا هو سعيد بن المسيب غير شك قال الشافعي وكثيرا ما سمعته يحدثه فيسمي سعيدا وكثير ما سمعته يقول عن سعيد إن شاء الله تعالى وقد روى غيره من أهل الحفظ عن سعيد ليس فيه شك وزاد فيه أن عمر استتاب الثلاثة فتاب اثنان فأجاز شهادتهما وأبى أبو بكر فرد شهادته ID ' ' وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع
صفحة : 1299
مسألة في العتق قال ومن أوصى بعتق عبده ولا يحمله الثلث فأجاز له بعض الورثة وأبى بعض أن يجيز عتق منه ما حمل الثلث وحصة من أجاز وكان الولاء للذي أعتق لا للذي أجاز إن قال أجزت لا أرد ما فعل الميت ولا أبطله من قبل أنه لعله أن يكون لزمه عتقه في حياته أو وجه ذكره مثل هذا ومن أوصى له بثلث رقيق وفيهم من يعتق عليه إذا ملكه فله الخيار في أن يقبل أو يرد الوصية فإن قبل عتق عليه من يعتق عليه إذا ملكه وقوم عليه ما بقي منه إن كان موسرا وكان له ولاؤه ويعتق على الرجل كل من ولد الرجل من أب وجد اب وجد أم إذا كان له والدا من جهة من الجهات وإن بعد وكذلك كل من كان ولد بأي جهة من الجهات وإن بعد ولا يعتق عليه أخ ولا عم ولا ذو قرابة غيرهم ومن أوصى لصبي لم يبلغ بأبيه أو جده كان للوصي أن يقبل الوصية لأنه لا ضرر عليه في أن يعتق على الصبي وله ولاؤه وإن أوصى له ببعضه لم يكن للولي أن يقبل الوصية على الصبي وإن قبل لم يقوم على الصبي وعتق منه ما ملك الصبي وإنما يجوز له أمر الولي فيما زاد الصبي أو لم ينقص أو فيما لا بد له منه فأما ما ينقصه مما له منه بد فلا يجوز عليه وهذا نقس له منه بد وإذا كان العبد بين اثنين فأعطى أحدهما خمسين دينارا على أن يعتقه أو يعتق نصيبه منه فأعتقه عتق عليه ورجع شريكه عليه بنصف الخمسين وأخذها ونصف قيمة العبد وكان له ولاؤه ورجع السيد على العبد بالخمسة والعشرين التي قبضها منه السيد ولو كان السيد قال إن سلمت لي هذه الخمسون فأنت حر لم يكن حرا وكان للشريك أن يأخذ منه نصف الخمسين لأنه مال العبد وماله بينهما ومن قال إذا مت فنصف غلامي حر فنصف غلامه حر ولا يعتق عليه النصف الثاني وإن حمل ذلك ثلثه لأنه إذا مات فقد انقطع ملكه عن ماله وإنما كان له أن يأخذ من ماله ما كان حيا فلما أوقع العتق في حال ليس هو فيها مالك لم يقع منه إلا ما أوقع وإذا كنا في حياته لو أعتق نصف مملوك ونصفه لغيره وهو معسر لم نعتقه عليه فهو بعد الموت لا يملك في حاله التي أعتق فيها ولا يفيد ملكا بعده ولو أعتقه فبت عتقه في مرضه عتق عليه كله لأنه أعتق وهو مالك للكل أو الثلث وإذا مات فحمل الثلث عتق كله وبدئ على التدبير والوصايا قال الشافعي وإذا كان العبد بين رجلين أو أكثر فأعتق أحدهم وهو موسر وشركاؤه غيب عتق كله وقوم فدفع إلى وكلاء شركائه نصيبهم من العبد وكان حرا وله ولاؤه فإن لم يكن لهم وكلاء وقف ذلك لهم على أيدي من يضمنه بالنظر من القاضي لهم أو أقره على المعتق إن
صفحة : 1300
كان مليئا ولا يخرجه من يديه إذا كان مليئا مأمونا إنما يخرجه إذا كان غير مأمون وإذا قال الرجل لعبده أنت حر على أن عليك مائة دينار أو خدمة سنة أو عمل كذا فقبل العبد العتق على هذا لزمه ذلك وكان دينا عليه فإن مات قبل أن يخدم رجع عليه المولى بقيمة الخدمة في ماله إن كان له قال الشافعي ولو قال في هذا أقبل العتق ولا أقبل ما جعلت علي لم يكن حرا وهو كقولك أنت حر إن ضمنت مائة دينار أو ضمنت لي كذا وكذا ولو قال أنت حر وعليك مائة دينار وأنت حر ثم عليك مائة دينار او خدمة فإن ألزمه العبد نفسه أو لم يلزمه نفسه عتق في الحالين معا ولم يلزمه منه شيء لأنه أعتقه ثم استأنف أن جعل عليه شيئا فجعله على رجل لا يملكه ولم يعقد به شرطا فلا يلزمه إلا أن يتطوع بأن يضمنه له قال الشافعي وإذا أعتق الرجل شركا له في عبد فإنما أنظر إلى الحال التي أعتق فيها فإن كان موسرا ساعة أعتقه أعتقته وجعلت له ولاءه وضمنته نصيب شركائه وقومته بقيمته حين وقع العتق وجعلته حين وقع العتق حرا جنايتة والجناية عليه وشهادته وحدوده جميع أحكامه أحكام حر وإن لم يدفع القيمة ولم يرتفع إلى القاضي إلا بعد سنة أو أكثر وإن كانت قيمته يوم أعتقه مائة دينار ثم نقصت ثم لم يرافعه إلى الحاكم حتى تصير عشرة أو زادت حتى تصير ألفا فسواء وقيمته مائة وإن كانت المعتقة أمة فولدت أولادا بعد العتق فالقيمة قيمة الأم يوم وقع العتق حاملا كانت أو غير حامل ولا قيمة لما حدث من الحمل ولا من الولادة بعد العتق لأنهم أولاد حرة ولو كان العبد بين رجلين فأعتقه أحدهما وأعتقه الثاني بعد عتق الأول فعتقه باطل وهذا إذا كان الأول موسرا فله ولاؤه وعليه قيمته وإن كان معسرا فعتق الثاني جائز والولاء بينهما وإن أعتقاه جميعا معا لم يتقدم أحدهما صاحبه في العتق كان حرا ولهما ولاؤه وهكذا إن وليا رجلا عتقه فأعتقه كان حرا وكان ولاؤه بينهما ولو قال أحدهما لصاحبه إذا أعتقته فهو حر فأعتقه صاحبه كان حرا حين قال المعتق ولا يكون حرا لو قال إذا أعتقتك فأنت حر لأنه أوقع العتق بعد كمال الأول وكان كمن قال إذا أعتقته فهو حر ولا ألتفت إلى القول الآخر وإذا كان العبد بين شريكين فأعتقه أحدهما وهو معسر فنصيبه حر وللمعتق نصف ماله وللذي لم يعتق نصفه ولو كان موسرا كان حرا وضمن لشريكه نصف قيمته وكان مال العبد بينهما ولا مال للعبد إنما ماله لمالكه إن شاء أن يأخذه أخذه وعتقه غير هبة ماله قال الشافعي وهو غير ماله وهو يقع عليه العتق ولا يقع على ماله ولو قال رجل لغلامه أنت حر ولماله أنت حر كان الغلام حرا ولم يكن المال حرا ما كان المال من حيوان
صفحة : 1301
أو غيره لا يقع العتق إلا على بني آدم وإذا أعتق الرجل عبدا بينه وبين رجل وله من المال ما يعتق عليه ثلاثة أرباعه أو أقل أو أكثر إلا أن الكل لا يخرج عتق عليه ما احتمل ماله منه وكان له من ولائه بقدر ما عتق منه ويرق منه ما بقي وسواء فيما وصفت العبد بين المسلمين أو المسلم والنصراني وسواء أيهما أعتقه وسواء كان العبد مسلما أو نصرانيا فإذا أعتقه النصراني وهو موسر فهو حر كله وله ولاؤه وهو فيه مثل المسلم إلا أنه لا يرثه لاختلاف الدينين كما لا يرث إبنه فإن أسلم بعد ثم مات المولى المعتق ورثه ولا يبعد النصراني أن يكون مالكا معتقا فعتق المالك جائز وقد قال رسول الله ﷺ الولاء لمن أعتق ولا يكون مالكا لمسلم فلو أعتقه لم يجز عتقه فأما مالك معتق يجوز عتقه ولا يكون له ولاؤه فلم اسمع بهذا وهذا خلاف السنة وإذا ملك الرجل اباه أو أمه بميراث عتقا عليه وإذا ملك بعضهما عتق منهما ما ملك ولم يكن عليه أن يقوما عليه لأن الملك لزمه وليس له دفعه لأنه ليس له دفع الميراث لأن حكم الله عز وجل أنه نقل ميراث الموتى إلى الأحياء الوارثين ولكنه لو أوصى له أو وهب له او تصدق به عليه أو ملكه بأي ملك ما شاء غير الميراث عتق عليه وإن ملك بعضهما بغير ميراث كان عليه أن يقوما عليه ولو اشترى بعضهما لأنه قد كان له دفع هذا الملك كله ولم يكن عليه قبوله ولم يكن مالكا له إلا بأن يشاء فكان اختياره الملك ملك ماله قيمة والعتق يلزم العبد أحب أوكره ولو أعتق الرجل شقصا له في عبد قوم عليه فقال عند القيمة إنه آبق أو سارق كلف البينة فإن جاء بها قوم كذلك وإن أقر له شريكه قوم كذلك وإن لم يقر له شريكه أحلف فإن حلف قوم بريا من الإباق والسرقة فإن نكل عن اليمين رددنا اليمين على المعتق فإن حلف قومناه آبقا سارقا وإن نكل قومناه صحيحا ID ' ' سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون
صفحة : 1302
باب الوصية بعد الوصية قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أوصى رجل بوصية مطلقة ثم أوصى بعدها بوصية أخرى أنفذت الوصيتان معا وكذلك إن أوصى بالأولى فجعل إنفاذها إلى رجل وبالأخرى فجعل إنفاذها إلى رجل كانت كل واحدة من الوصيتين إلى من جعلها إليه وإن كان قال في الأولى وجعل وصيته وقضاء دينه وتركته إلى فلان وقال في الأخرى مثل ذلك كان كل ما قال في واحدة من الوصيتين ليس في الأخرى إلى الوصي في تلك الوصية دون صاحبه وكان قضاء دينه وولاية تركته إليهما معا ولو قال في إحدى الوصيتين أوصي بما في هذه الوصية إلى فلان وقال في الأخرى أوصي بما في هذه الوصية وولاية من خلف وقضاء دينه إلى فلان فهذا مفرد بما افرده به من قضاء دينه وولاية تركته وما في وصيته ليست في الوصية الأخرى وشريك مع الآخر فيما في الوصية الأخرى باب الرجوع في الوصية قال الشافعي رحمه الله تعالى وللرجل إذا أوصى بوصية تطوع بها أن ينقضها كلها او يبدل منها ما شاء التدبير أو غيره ما لم يمت وإن كان في وصيته إقرار بدين أو غيره أو عتق بتات فذلك شيء واجب عليه أوجبه على نفسه في حياته لا بعد موته فليس له أن يرجع من ذلك في شيء ID ' ' خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل ولا يكاد يقدر عليه. وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
صفحة : 1303
باب ما يكون رجوعا في الوصية وتغييرا لها وما لا يكون رجوعا ولا تغييرا قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا أوصى رجل بعبد بعينه لرجل ثم أوصى بذلك العبد بعينه لرجل فالعبد بينهما نصفان ولو قال العبد الذي أوصيت به لفلان لفلان أو قد أوصيت بالعبد الذي أوصيت به لفلان لفلان كان هذا ردا للوصية الأولى وكانت وصيته للآخر منهما ولو أوصى لرجل بعبد ثم أوصى أن يباع ذلك العبد كان هذا دليلا على إبطال وصيته به وذلك أن البيع والوصية لا يجتمعان في عبد وكذلك لو أوصى لرجل بعبد ثم أوصى بعتقه أو أخذ مال منه وعتقه كان هذا كله إبطالا للوصية به للأول ولو أوصى لرجل بعبد ثم باعه أو كاتبه أو دبره أو وهبه كان هذا كله إبطالا للوصية فيه قال الشافعي ولو أوصى به لرجل ثم أذن له في التجارة أو بعثه تاجرا إلى بلد أو أجره أو علمه كتابا أو قرآنا أو علما أو صناعة أو كساه أو وهب له مالا أو زوجه لم يكن شيء من هذا رجوعا في الوصية ولو كان الموصى به طعاما فباعه أو وهبه أو أكله أو كان حنطة فطحنها أو دقيقا فعجنه أو خبزه أو حنطة فجعلها سويقا كان هذا كله كنقض الوصية ولو أوصى له بما في هذا البيت من الحنطة ثم خلطها بحنطة غيرها كان هذا إبطالا للوصية ولو أوصى له مما في البيت بمكيلة حنطة ثم خلطها بحنطة مثلها لم يكن هذا إبطالا للوصية وكانت له المكيلة التي أوصى بها له ID ' ' والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها
صفحة : 1304
تغيير وصية العتق أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي إملاء قال وللموصي أن يغير من وصيته ما شاء من تدبير وغير تدبير لأن الوصية عطاء يعطيه بعد الموت فله الرجوع فيه ما لم يتم لصاحبه بموته قال وتجوز وصية كل من عقل الوصية من بالغ محجور عليه وغير بالغ لأنا إنما نحبس عليه ماله ما لم يبلغ رشده فإذا صار إلى أن يحول ملكه لغيره لم نمنعه أن يتقرب إلى الله تعالى في ماله بما أجازت له السنة من الثلث قال ونقتصر في الوصايا على الثلث والحجة في أن يقتصر بها على الثلث وفي أن تجوز لغير القرابة حديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند الموت فأقرع النبي ﷺ بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة فاقتصر بوصيته على الثلث وجعل عتقه في المرض إذا مات وصية وأجازها للعبيد وهم غير قرابة وأحب إلينا أن يوصي للقرابة قال الشافعي وإذا أوصى رجل لرجل بثلث ماله أو شيء مسمى من دنانير أو دراهم أو عرض من العروض وله مال حاضر لا يحتمل ما أوصى به ومال غائب فيه فضل عما أوصى به أعطينا الموصى له ما أوصى له بما بينه وبين أن يستكمل ثلث المال الحاضر وبقينا ما بقي له وكلما حضر من المال شيء دفعنا إلى الورثة ثلثيه والى الموصى له ثلثه حتى يستوفوا وصاياهم وإن هلك المال الغائب هلك منهم ومن الورثة وإن أبطا عليهم أبطأ عليهم معا وأحسن حال الموصى له أبدا أن يكون كالوارث ما احتملت الوصية الثلث فإذا عجز الثلث عنها سقط معه فأما أن يزاد أحد بحال أبدا على ما أوصى له به قليلا أو كثيرا فلا إلا أن يتطوع له الورثة فيهبون له من أموالهم أرأيت من زعم أن رجلا لو أوصى لرجل بثلاثة دراهم وترك ثلاثة دراهم وعرضا غائبا يساوي ألف ألف فقال أخير الورثة بين أن يعطوا الموصى له هذه الثلاثة دراهم كلها ويسلم لهم ثلث مال الميت أو أجبرهم على درهم من الثلاثة لأنه ثلث ما حضر وأجعل للموصى له ثلثي الثلث فيما غاب من ماله أليس كان أقرب إلى الحق وأبعد من الفحش في الظلم لو جبرهم على أن يعطوه من الثلاثة دراهم درهما فإذا لم يجز عنده أن يجبرهم على درهمين يدفعونهما من قبل أنه لا يكون له أن تسلم إليه وصيته ولم تأخذ الورثة ميراثهم كان أن يعطوه قيمة ألوف أحرم عليه وأفحش في الظلم وإنما أحسن حالات الموصى له أن يستوفى ما أوصى له به لا يزاد عليه بشيء ولا يدخل عليه النقص فأما الزيادة فلا تحل ولكن كلما حضر من مال الميت أعطينا الورثة الثلثين وله الثلث حتى يستوفي وصيته وكذلك لو أوصى له بعبد بعينه ولم
صفحة : 1305
يترك الميت غيره إلا مالا غائبا سلمنا له ثلثه وللورثة الثلثين وكلما حضر من المال الغائب شيء له ثلث زدنا الموصى له في العبد أبدا حتى يستوفى رقبته أو يعجز الثلث فيكون له ما حمل الثلث ولا أبالي ترك الميت دارا أو أرضا أو غير ذلك لأنه لا مأمون في الدنيا قد تنهدم الدار وتحترق ويأتي السيل عليها فينسف أرضها وعمارتها وليس من العدل أن يكون للورثة ثلثان بكتاب الله عز وجل وللموصى له ثلث تطوعا من الميت فيعطى بالثلث مالا تعطى الورثة بالثلثين باب وصية الحامل أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي تجوز وصية الحامل ما لم يحدث لها مرض غير الحمل كالأمراض التي يكون فيها صاحبها مضنيا أو تجلس بين القوابل فيضربها الطلق فلو أجزت أن توصي حامل مرة ولا توصي اخرى كان لغيري أن يقول إذا ابتدأ الحمل تغثى نفسها وتغير عن حال الصحة وتكره الطعام فلا أجيز وصيتها في هذه الحال وأجزت وصيتها إذا استمرت في الحمل وذهب عنها الغثيان والنعاس وإقهام الطعام ثم يكون أولى أن يقبل قوله ممن فرق بين حالها قبل الطلق وليس في هذا وجه يحتمله إلا ما قلنا لأن الطلق حادث كالتلف أو كأشد وجع في الأرض مضن وأخوفه أو لا تجوز وصيتها إذا حملت بحال لأنها حاملا مخالفة حالها غير حامل وقد قال في الرجل يحضر القتال تجوز هبته وجميع ما صنع في ماله في كل ما لم يجرح فإذا جرح جرحا مخوفا فهذا كالمرض المضني أو أشد خوفا فلا يجوز مما صنع في ماله إلا الثلث وكذلك الأسير يجوز له ما صنع في ماله وكذلك من حل عليه القصاص ما لم يقتل أو يجرح من قبل أنه قد يمكن أن يحيا ID ' ' فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.
صفحة : 1306
صدقة الحي عن الميت أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي إملاء قال يلحق الميت من فعل غيره وعمله ثلاث حج يؤدى عنه ومال يتصدق به عنه أو يقضى ودعاء فأما ما سوى ذلك من صلاة أو صيام فهو لفاعله دون الميت وإنما قلنا بهذا دون ما سواه استدلالا بالسنة في الحج خاصة والعمرة مثله قياسا وذلك الواجب دون التطوع ولا يحج أحد عن أحد تطوعا لأنه عمل على البدن فأما المال فإن الرجل يجب عليه فيما له الحق من الزكاة وغيرها فيجزيه أن يؤدي عنه بأمره لأنه إنما أريد بالفرض فيه تأديته إلى أهله لا عمل على البدن فإذا عمل امرؤ عني على ما فرض في مالي فقد أدى الفرض عني وأما الدعاء فإن الله عز وجل ندب العباد إليه وأمر رسول الله ﷺ به فإذا جاز أن يدعى للأخ حيا جاز أن يدعى له ميتا ولحقه إن شاء الله تعالى بركة ذلك مع أن الله عز ذكره واسع لأن يوفي الحي أجره ويدخل على الميت منفعته وكذلك كلما تطوع رجل عن رجل صدقة تطوع باب الأوصياء قال الشافعي رحمه الله تعالى ولا تجوز الوصية إلا إلى بالغ مسلم عدل أو امرأة كذلك ولا تجوز إلى عبد أجنبي ولا عبد الموصي ولا عبد الموصى له ولا إلى أحد لم تتم فيه الحرية من مكاتب ولا غيره ولا تجوز وصية مسلم إلى مشرك فإن قال قائل فكيف لم تجز الوصية إلى من ذكرت أنها لا تجوز إليه قيل لا تعدو الوصية أن تكون كوكالة الرجل في الحق له فلسنا نرد على رجل وكل عبدا كافرا خائنا لأنه أملك بماله ونجيز له أن يوكل بما يجوز له في ماله ولا نخرج من يديه ما دفع إليه منه ولا نجعل عليه فيه أمينا ولا أعلم أحدا يجيز في الوصية ما يجيز في الوكالة من هذا وما أشبهه فإذا صاروا إلى أن لا يجيزوا هذا في الوصية فلا وجه للوصية إلا بأن يكون الميت نظر لمن أوصى له بدين وتطوع من ولاية ولده فأسنده إليه بعد موته فلما خرج من ملك الميت فصار يملكه وارث أو ذو دين أو موصى له لا يملكه الميت فإذا قضى عليهم فيما كان لهم بسببه قضاء يجوز أن يبتدئ الحاكم القضاء لهم به لأنه نظر لهم أجزته وكان فيه معنى أن يكون من أسند ذلك إليه بعطف عليهم من الثقة بمودة للميت أو للموصى لهم فإذا ولي حرا أو حرة عدلين أجزنا ذلك لهما بما وصفت من أن ذلك يصلح على الابتداء للحاكم أن يولي أحدهما فإذا لم يول من هو في هذه الصفة بأن لنا ان قد أخطأ عامدا أو مجتهدا على غيره ولا نجيز خطأه على غيره إذا بان
صفحة : 1307
ذلك لنا كما نجيز أمر الحاكم فيما احتمل أن يكون صوابا ولا نجيزه فيما بان خطؤه ونجيز أمر الوالي فيما صنع نظرا ونرده فيما صنع من مال من يلي غير نظر ونجيز قول الرجل والمرأة في نفسه فيما أمكن أن يكون صدقا ولا نجيزه فيما لا يمكن أن يكون صدقا وهكذا كل من شرطنا عليه في نظره أن يجوز بحال لم يجز في الحال التي يخالفها وإذا أوصى الرجل إلى من تجوز وصيته ثم حدث للموصى إليه حال تخرجه من حد أن يكون كافيا لما أسند إليه أو أمينا عليه أخرجت الوصية من يديه إذا لم يكن أمينا وأضم إليه إذا كان أمينا ضعيفا عن الكفاية قويا على الأمانة فإن ضعف عن الأمانة أخرج بكل حال وكلما صار من أبدل مكان وصي إلى تغير في أمانة أو ضعف كان مثل الوصي يبدل مكانه كما يبدل مكان الوصي إذا تغيرت حاله وإذا أوصى إلى رجلين فمات أحدهما أو تغيرت حاله أبدل مكان الميت أو المتغير رجل آخر لأن الميت لم يرض قيام أحدهما دون الآخر ولو أوصى رجل إلى رجل فمات الموصى إليه وأوصى بما أوصى به إلى رجل لم يكن وصى الوصي وصيا للميت الأول لأن الميت الأول لم يرض الموصى الآخر قال الشافعي ولو قال أوصيت إلى فإن حدث به حدث فقد أوصيت إلى من أوصي إليه لم يجز ذلك لأنه إنما أوصى بمال غيره وينبغي للقاضي أن ينظر فيمن أوصى إليه الوصي الميت فإن كان كافيا أمينا ولم يجد آمن منه أو مثله في الأمانة ممن يراه أمثل لتركة الميت من ذي قرابة الميت أو مودة له أو قرابة لتركته أو مودة لهم ابتدأ توليته بتركة الميت وإن وجد أكفأ وأملأ ببعض هذه الأمور منه ولى الذي يراه أنفع لمن يوليه أمره إن شاء الله تعالى قال الشافعي وإذا اختلف الوصيان أو الموليان أو الوصي والمولى معه في المال قسم ما كان منه يقسم فجعل في أيديهما نصفين وآمر بالاحتفاظ بمالا يقسم منه معا وإذا أوصى الميت بإنكاح بناته إلى رجل فإن كان وليهن الذي لا أولى منه زوجهن بولاية النسب أوالولاء دون الوصية جاز وإن لم يكن وليهن لم يكن له أن يزوجهن وفي إجازة تزويج الوصي إبطال للأولياء إذا كان الأولياء أهل النسب ولا يجوز أن يلي غير ذي نسب فإن قال قائل يجوز بوصية الميت أن يلي ما كان يلي الميت فالميت لا ولاية له على حي فيكون يلي أحد بولاية الميت إذا مات صارت الولاية لأقرب الناس بالمزوجة من قبل أبيها بعده أحبت ذلك أو كرهته ولو جاز هذا لوصي الأب جاز لوصي الأخ والمولى ولكن لا يجوز لوصي فإن قيل قد يوكل أبوها الرجل فيزوجها فيجوز قيل نعم ووليها من كان والولاية حينئذ للحي منهما والوكيل يقوم مقامه قال الشافعي فإذا قال الرجل قد أوصيت إلى فلان بتركتي أو قال قد
صفحة : 1308
اوصيت إليه بمالي أو قال بما خلفت قال الربيع أنا أجيب فيها أقول يكون وصيا بالمال ولا يكون إليه من النكاح شيء إنما النكاح إلى العصبة الأقرب فالأقرب من المزوجة والله تعالى أعلم باب ما يجوز للوصي أن يصنعه في أموال اليتامى قال الشافعي رحمه الله تعالى يخرج الوصي من مال اليتيم كل ما لزم اليتيم من زكاة ماله وجنايته وما لا غنى به عنه من كسوته ونفقته بالمعروف وإذا بلغ الحلم ولم يبلغ رشده زوجه وإذا احتاج إلى خادم ومثله يخدم اشترى له خادم وإذا ابتاع له نفقة وكسوة فسرق ذلك أخلف له مكانها وإن أتلف ذلك فائته يوما يوما واؤمره بالاحتفاظ بكسوته فإن أتلفها رفع ذلك إلى القاضي وينبغي للقاضي أن يحبسه في إتلافها ويخيفه ولا بأس بأن يأمر أن يكسى أقل ما يكفيه في البيت مما لا يخرج فيه فإذا رأى أن قد أدبه أمر بكسوته ما يخرج فيه وينفق على امرأته إن زوجه وخادم إن كانت لها بالمعروف ويكسوهما وكذلك ينفق على جاريته إن اشتراها له ليطأها ولا أرى أن يجمع له امرأتين ولا جاريتين للوطء وإن اتسع ماله لأنا إنما نعطيه منه ما فيه الكفاية مما يخرج من حد الضيق وليس بامرأة ولا جارية لوطء ضيق إلا أن تسقم أيتهما كانت عنده حتى لا يكون فيها موضع للوطء فينكح أو يتسرى إذا كان ماله محتملا لذلك وهذا ما لا صلاح له إلا به إن كان يأتي النساء فإن كان مجبوبا أو حصورا فأراد جارية يتلذذ بها لم تشتر له وإن أراد جارية للخدمة اشتريت له فإن أراد أن يتلذذ بها تلذذ بها وإن أراد امرأة لم يزوجها لأن هذا مما له منه بد وإذا زوج المولى عليه فأكثر طلاقها أجبت أن يتسرى فإن أعتق فالعتق مردود عليه ID ' ' وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة
صفحة : 1309
الوصية التي صدرت من الشافعي رضي الله عنه قال الربيع بن سليمان هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي في شعبان سنة ثلاث ومائتين واشهد الله عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وكفى به جل ثناؤه شهيدا ثم من سمعه أنه شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله لم يزل يدين بذلك وبه يدين حتى يتوفاه الله ويبعثه عليه إن شاء الله وأنه يوصي نفسه وجماعة من سمع وصيته بإحلال ما أحل الله عز وجل في كتابه ثم على لسان نبيه ﷺ وتحريم ما حرم الله في الكتاب ثم في السنة وأن لا يجاوز من ذلك إلى غيره وأن مجاوزته ترك رضا الله وترك ما خالف الكتاب والسنة وهما من المحدثات والمحافظة على أداء فرائض الله عز وجل في القول والعمل والكف عن محارمه خوفا لله وكثرة ذكر الوقوف بين يديه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا وأن تنزل الدنيا حيث أنزلها الله فإنه لم يجعلها دار مقام إلا مقام مدة عاجلة الانقطاع وإنما جعلها دار عمل وجعل الآخرة دار قرار وجزاء فيها بما عمل في الدنيا من خير أو شر إن لم يعف الله جل ثناؤه وإن لا يخال أحدا إلا احدا خاله لله ممن يفعل الخلة في الله تبارك وتعالى ويرجى منه إفادة علم في دين وحسن أدب في الدنيا وأن يعرف المرء زمانه ويرغب إلى الله تعالى ذكره في الخلاص من شر نفسه فيه ويمسك عن الإسراف من قول أو فعل في أمر لا يلزمه وأن يخلص النية لله عز وجل فيما قال وعمل وأن الله تعالى يكفيه مما سواه ولا يكفي منه شيء غيره وأوصى متى حدث به حادث الموت الذي كتبه الله جل وعز على خلقه الذي أسأل الله العون عليه وعلى ما بعده وكفاية كل هول دون الجنة برحمته ولم يغير وصيته هذه وأن يلي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي النظر في أمر ثابت الخصى الأقرع الذي خلف بمكة فإن كان غير مفسد فيما خلفه محمد بن إدريس فيه أعتقه عن محمد بن إدريس فإن حدث بأحمد بن محمد حدث قبل أن ينظر في أمره نظر في أمره القائم بأمر محمد بن إدريس بعد أحمد فأنفذ فيه ما جعل إلى أحمد وأوصى أن جاريته الأندليسة التي تدعى فوز التي ترضع ابنه أبا الحسن بن محمد بن إدريس إذا استكمل أبو الحسن بن محمد بن إدريس سنتين واستغنى عن رضاعها أو مات قبل ذلك فهي حرة لوجه الله تعالى وإذا استكمل سنتين ورؤى أن الرضاع خير له أرضعته سنة أخرى ثم هي حرة لوجه الله تعالى إلا أن يرى أن ترك الرضاع خير له أو يموت فتعتق بأيهما كان ومتى أخرج إلى مكة أخرجت معه حتى يكمل ما
صفحة : 1310
وصفت من رضاعه ثم هي حرة وإن عتقت قبل أن يخرج إلى مكة لم تكره في الخروج إلى مكة وأوصى أن تحمل أم ابى الحسن أم ولده دنانير وأن تعطى جاريته سكة السوداء وصية لها أو أن يشتري لها جارية أو خصى بما بينها وبين خمسة وعشرين دينارا أو يدفع إليها عشرون دينارا وصية لها فأي واحد من هذا اختارته دفع إليها وإن مات ابنها أبو الحسن قبل أن تخرج به إلى مكة فهذه الوصية لها إن شاءتها وإن فوز لم تعتق حتى تخرج بأبي الحسن إلى مكة حملت وابنها معها مع أبي الحسن وإن مات أبو الحسن قبل أن تخرج به إلى مكة عتقت فوز وأعطيت ثلاثة دنانير وأوصى أن يقسم ثلث ماله بأربعة وعشرين سهما فيوقف على دنانير سهمان من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله ما عاش ابنها وأقامت معه ينفق عليها منه وإن مات ابنها أبو الحسن وأقامت مع ولد محمد بن إدريس فذلك لها ومتى فارقت ابنها وولده قطع عنها ما أوصى لها به وإن أقامت فوز مع دنانير بعدما تعتق فوز ودنانير مقيمة مع ابنها محمد أو ولد محمد بن إدريس وقف على فوز سهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث مال محمد بن إدريس ينفق عليها منه ما أقامت معها ومع ولد محمد بن إدريس فإن لم تقم فوز قطع عنها ورد على دنانير أم ولد محمد بن إدريس وأوصى لفقراء آل شافع بن السائب بأربعة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يدفع إليهم سواء فيه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأناثهم وأوصى لأحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي بستة أسهم مع أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله وأوصى أن يعتق عنه رقاب بخمسة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله ويتحرى أفضل ما يقدر عليه وأحمده ويشتري منهم مسعدة الخياط إن باعه من هوله فيعتق وأوصى أن يتصدق على جيران داره التي كان يسكن بذي طوى من مكة بسهم واحد من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يدخل فيهم كل ما يحوي إدريس ولاءه وموالي أمه ذكرهم وإناثهم فيعطى كل واحد منهم ثلاثة أضعاف ما يعطى واحدا من جيرانه وأوصى لعبادة السندية وسهل وولدهما مواليه وسليمة مولاة أمه ومن أعتق في وصيته بسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يجعل لعبادة ضعف ما يجعل لكل واحد منهم ويسوى بين الباقين ولا يعطى من مواليه إلا من كان بمكة وكل ما أوصى به من السهمان من ثلثه بعد ما أوصى به من الحمولة والوصايا يمضي بحسب ما أوصى به بمصر فيكون مبدأ ثم يحسب باقي ثلثه فيخرج الأجزاء التي وصفت في كتابه وجعل محمد بن إدريس إنفاذ ما كان من وصاياه بمصر وولاية جميع تركته بها إلى الله تعالى ثم إلى عبد
صفحة : 1311
الله بن عبد الحكم القرشي ويوسف بن عمرو بن يزيد الفقيه وسعيد بن الجهم الأصبحي فأيهم مات أو غاب أو ترك القيام بالوصية قام الحاضر القائم بوصيته مقاما يغنيه عمن غاب عن وصية محمد بن إدريس أو تركها وأوصى يوسف بن يزيد وسعيد بن الجهم وعبد الله بن الحكم أن يلحقوا ابنه أبا الحسن متى أمكنهم إلحاقه بأهله بمكة ولا يحمل بحرا والى البر سبيل بوجه ويضموه وأمه إلى ثقة وينفذوا ما أوصاهم به بمصر ويجمعوا ماله ومال أبي الحسن ابنه بها ويلحقوا ذلك كله ورقيق أبي الحسن معه بمكة حتى يدفع إلى وصي محمد بن إدريس بها وما يخلف لمحمد بن إدريس أو ابنه أبي الحسن بن محمد بمصر من شيء فسعيد بن الجهم وعبد الله بن عبد الحكم ويوسف بن عمرو أوصياءه فيه وولاة ولده وما كان له ولهم بمصر على ما شرط أن يقوم الحاضر منهم في كل ما أسند إليه مقام كلهم وما أوصلوا إلى أوصياء محمد بن إدريس بمكة وولاة ولده مما يقدر على إيصاله فقد خرجوا منه وهم قائمون بدين محمد بن إدريس قبضا وقضاء دين إن كان عليه بها وبيع ما رأوا بيعه من تركته وغير ذلك من جميع ماله وعليه بمصر وولاية ابنه أبي الحسن ما كان بمصر وجميع تركة محمد بن إدريس بمصر من أرض وغيرها وجعل محمد بن إدريس ولاء ولده بمكة وحيث كانوا إلى عثمان وزينب وفاطمة بني محمد بن إدريس وولاء ابنه أبي الحسن ابن محمد بن إدريس من دنانير أم ولده إذا فارق مصر والقيام بجميع أموال ولده الذين سمى وولدان حدث لمحمد ابن إدريس حتى يصيروا إلى البلوغ والرشد معا وأموالهم حيث كانت إلا ما يلي أوصياؤه بمصر فإن ذلك إليهم ما قام به قائم منهم فإذا تركه فهو إلى وصيه بمكة وهما أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي وعبيد الله بن إسمعيل بن مقرظ الصراف فإن عبيد الله توفى أو لم يقبل وصية محمد بن إدريس فأحمد بن محمد القائم بذلك كله ومحمد يسأل الله القادر على ما يشاء أن يصلي على سيدنا محمد عبده ورسوله وأن يرحمه فإنه فقير إلى رحمته وأن يجيره من النار فإن الله تعالى غني عن عذابه وأن يخلفه في جميع ما يخلف بأفضل ما خلف به أحدا من المؤمنين وأن يكفيهم فقده ويجير مصيبتهم من بعده وأن يقيهم معاصيه وإتيان ما يقبح بهم والحاجة إلى أحد من خلقه بقدرته ولله الحمد أشهد محمد بن إدريس الشافعي على نفسه في مرضه أن سليما الحجام ليس له إنما هو لبعض ولده وهو مشهود علي فإن بيع فإنما ذلك على وجه النظر له فليس في مالي منه شيء وقد أوصيت بثلثي ولا يدخل في ثلثي ما لا قدر له من فخار وصحاف وحصر من سقط البيت وبقايا طعام البيت وما لا يحتاج إليه مما لا خطر له
صفحة : 1312
شهد على ذلك باب الولاء والحلف أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال أمر الله تبارك وتعالى أن ينسب من كان له نسب من الناس نسبين من كان له أب أن ينسب إلى أبيه ومن لم يكن له أب فلينسب إلى مواليه وقد يكون ذا أب وله موال فينسب إلى أبيه ومواليه وأولى نسبيه أن يبدأ به أبوه وأمر أن ينسبوا إلى الإخوة في الدين مع الولاء وكذلك ينسبون إليها مع النسب والإخوة في الدين ليست بنسب إنما هو صفة تقع على المرء بدخوله في الدين ويخرج منها بخروجه منه والنسب إلى الولاء والآباء إذا ثبت لم يزله المولى من فوق ولا من أسفل ولا الأب ولا الولد والنسب اسم جامع لمعان مختلفة فينسب الرجل إلى العلم وإلى الجهل وإلى الصناعة وإلى التجارة وهذا كله نسب مستحدث من فعل صاحبه وتركه الفعل وكان منهم صنف ثالث لا آباء لهم يعرفون ولا ولاء فنسبوا إلى عبودية الله وإلى أديانهم وصناعاتهم وأصل ما قلت من هذا في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ﷺ وما أجمع عليه عوام أهل العلم قال الله تبارك وتعالى ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وقال عز وجل وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وقال تبارك وتعالى ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين وقال عز وجل واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا وقال تقدست أسماؤه لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم فميز الله عز وجل بينهم بالدين ولم يقطع الأنساب بينهم فدل ذلك على أن الأنساب ليست من الدين في شيء الانساب ثابتة لا تزول والدين شيء يدخلون فيه أو يخرجون منه ونسب ابن نوح إلى أبيه وابنه كافر ونسب إبراهيم خليله إلى أبيه وأبوه كافر وقال عز ذكره يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان فنسب إلى آدم المؤمن من ولده والكافر ونسب رسول الله ﷺ المسلمين بأمر الله عز وجل إلى آبائهم كفارا كانوا أو مؤمنين وكذلك نسب الموالي إلى ولائهم وإن كان الموالي مؤمنين والمعتقون مشركين قال الشافعي أخبرنا مالك وسفيان عن عبد الله بن دينار
صفحة : 1313
عن ابن عمر أن النبي ﷺ نهى عن بيع الولاء وعن هبته أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن الحسين عن يعقوب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب قال الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عليا رضي الله تعالى عنه قال الولاء بمنزلة الحلف أقره حيث جعله الله عز وجل قال الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال أهلها بيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ الله عليه وسلم فقال لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق قال الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت جاءتني بريرة فقالت إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت لها عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها ورسول الله ﷺ جالس فقالت إني قد عرضت عليهم ذلك فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع ذلك رسول الله ﷺ فسألها فأخبرته عائشة فقال رسول الله ﷺ خذيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة ثم قام رسول الله ﷺ في الناس فحمد الله وأثنا عليه فقال أما بعد فما بال الرجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى مكان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وأن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن أعتق قال الشافعى في حديث هشام بن عروة عن النبي ﷺ دلائل قد غلط في بعضها من يذهب مذهبهم من أهل العلم فقال لا بأس ببيع المكاتب بكل حال ولا أراه إلا قد غلط الكتابة ثابتة فإذا عجز المكاتب فلا بأس أن يبعه فقال لي قائل بريرة كانت مكاتبه وبيعت وأجاز رسول الله ﷺ البيع فقلت له ألا ترى أن بريرة جاءت تستعين في كتابتها وتذهب مساومة بنفسها لمن يشتريها وترجع بخبر أهلها فقال بلى ولكن ما قلت في هذا قلت إن هذا رضى منها بأن تباع قال أجل قلت ودلالة على عجزها أو رضاها بالعجز قال أما رضاها بالعجز فإذا رضيت بالبيع دل ذلك على رضاها بالعجز وأما على عجزها فقد تكون غير عاجزة وترضى بالعجز رجاء تعجيل العتق فقلت له والمكاتب إذا حلت نجومه فقال قد عجزت لم يسأل عنه غيره ورددناه رقيقا وجعلنا للذي كاتبه بيعه ويعتق ويرق قال أما هذا فلا يختلف فيه أحد أنه إذا عجز رد رقيقا قلت ولا يعلم عجزه إلا بأن يقول قد عجزت أو تحل
صفحة : 1314
نجومه فلا يؤدي ولا يعلم له مال قال أجل ولكن ما دل على أن بريرة لم تكن ذات مال قلت مسألتها في أوقية وقد بقيت عليها أواق ورضاها بأن تباع دليل على أن هذا عجز منها على لسانها قال إن هذا الحديث ليحتمل ما وصفت ويحتمل جواز بيع المكاتب قلت أما ظاهره فعلى ما وصفت والحديث على ظاهره ولو احتمل ما وصفت ووصفت كان أولى المعنيين أن يؤخذ به ما لا يختلف فيه أكثر أهل العلم من أن المكاتب لا يباع حتى يعجز ولم ينسب إلى العامة أن يجهل معنى حديث ما روى عن النبي ﷺ قال الشافعي فبين في كتاب الله عز وجل ثم سنة رسوله ﷺ ثم مالا تمتنع منه العقول من أن المرء إذا كان مالكا لرجل فأعتقه فأنتقل حكمه من العبودية إلى الحرية فجازت شهادته وورث وأخذ سهمه في المسلمين وحد حدودهم وحد له فكانت هذه الحرية إنما تثبت العتق للمالك وكان المالك المسلم إذا أعتق مسلما ثبت ولاؤه عليه فلم يكن للمالك المعتق أن يرد ولاؤه فيرده رقيقا ولا يهبه ولا يبعه ولا للمعتق ولا لهما لو اجتمعا على ذلك فهذا مثل النسب الذي لا يحول وبين في السنة وما وصفنا في الولاء أن الولاء لا يكون بحال إلا لمعتق ولا يحتمل معنى غير ذلك فإن قال قائل ما دل على ذلك قيل له إن شاء الله تعالى قال الله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والمساكين فلم يختلف المسلمون إنها لا تكون إلا لمن سمى الله وإن في قول الله تبارك الله تعالى معنيين أحدهما إنها لمن سميت له والآخر أنها لا تكون لغيرهم بحال وكذلك قول النبي ﷺ إنما الولاء لمن أعتق فلو أن رجلا لا ولاء له والى رجلا أو أسلم على يديه لم يكن مولى له بالإسلام ولا الموالاة ولو اجتمعا على ذلك وكذلك لو وجده مولودا فالتقطه ومن لم يثبت له ولاء بنعمة تجرى عليه للمعتق فلا يقال لهذا مولا أحد ولا يقال له مولا المسلمين فإن قال قائل فما باله إذا مات كان ماله للمسلمين قيل له ليس بالولاء ورثوه ولكن ورثوه بأن الله عز وجل من عليهم بأن خولهم ما لا مالك له دونه فلما لم يكن لميراث هذا مالك بولاء ولا بنسب ولا له مالك معروف كان مما خولوه فإن قال وما يشبه هذا قيل الأرض في بلاد المسلمين لا مالك لها يعرف هي لمن أحياها من المسلمين والذي يموت ولا وارث له يكون ماله لجماعتهم لا أنهم مواليه ولو كانوا أعتقوه لم يرثه من اعتقه منهم وهو كافر ولكنهم خولوا ماله بأن لا مالك له ولو كان حكم المسلمين في الذي لا ولاء له إذا مات أنهم يرثونه بالولاء حتى كأنه أعتقه جماعة المسلين وجب علينا فيه أمران أحدهما أن ينظر إلى الحال التي كان فيها مولودا لا رق عليه ومسلما فيجعل
صفحة : 1315
ورثته الأحياء يومئذ من المسلمين دون من حدث منهم فإن ماتوا ورثنا ورثة الأحياء يومئذ من الرجال ماله أو جعلنا من كان حيا من المسلمين يوم يموت ورثته قسمناه بينهم قسم ميراث الولاء ولا نجعل في واحدة من الحالين ماله لأهل بلد دون أهل بلد وأحصينا من في الأرض من المسلمين ثم أعطينا كل واحد منهم حظه من ميراثه كما يصنع بجماعة لو أعتقت واحد فتفرقوا في الأرض ونحن والمسلمون إنما يعطون ميراثه أهل البلد الذي يموت فيه دون غيرهم ولكنا إنما جعلناه للمسلمين من الوجه الذي وصفت لامن إنه مولى لأحد فكيف يكون مولى لأحد ورسول الله ﷺ فإنما الولاء لمن اعتق وفي قوله إنما الولاء لمن أعتق تثبيت أمرين أن الولاء للمعتق بأكيد ونفى أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق وهذا غير معتق قال الشافعي ومن أعتق عبدا له سائبة فالعتق ماض وله ولاؤه ولا يخالف المعتق سائبة في ثبوت الولاء عليه والميراث منه غير السائبة لأن هذا معتق وقد جعل رسول الله ﷺ الولاء لمن أعتق وهكذا المسلم يعتق مشركا فالولاء للمسلم وإن مات المعتق لم يرثه مولاه باختلاف الدينين وكذلك المشرك الذمي وغير الذمي فالعتق جائز والولاء للمشرك المعتق وإن مات المسلم المعتق لم يرثه المشرك الذي أعتقه باختلاف الدينين وأن رسول الله ﷺ قضى أن لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فكان هذا في النسب والولاء لأن النبي ﷺ لم يخص واحدا منهم دون الآخر قال الشافعي وإذا قال الرجل لعبده أنت حر عن فلان ولم يأمره بالحرية وقبل المعتق عنه ذلك بعد العتق أو لم يقبله فسواء وهو حر عن نفسه لا عن الذي أعتقه عنه وولاؤه له لأنه أعتقه قال الشافعي وإذا مات المولى المعتق وكانت له قرابة من قبل أبيه ترثه بأصل فريضة أو عصبة أو إخوة لأم يرثونه بأصل فريضة أو زوجة أو كانت امرأة وكان لها زوج ورث أهل الفرائض فرائضهم والعصبة شيئا إن بقي عنهم فإن لم يكن عصبة قام الموالى المعتق مقام العصبة فيأخذ الفضل عن أهل الفرائض فإذا مات المولى المعتق قبل المولى المعتق ثم مات المولى المعتق ولا وارث له غير مواليه أو له وارث لا يجوز ميراثه كله خالف ميراث الولاء ميراث النسب كما سأصفه لك إن شاء الله تعالى فأنظر فإن كان للمولى المعتق بنون وبنات أحياء يوم يموت المولى المعتق فأقسم مال المولى المعتق أو ما فضل عن أهل الفرائض منه بين بني المولى المعتق فلا تورث بناته منه شيئا فإن مات المولى المعتق ولا بنين للمولى المعتق لصلبه وله ولد ولد مستفلون أو قرابة نسب من قبل الأب فأنظر الأحباء يوم مات المولى المعتق من ولد ولد المولى
صفحة : 1316
المعتق فإن كان واحد منهم أقعد إلى المولى المعتق باب واحد فقط فاجعل الميراث له دون من بقي له من ولد ولده وإن استووا في القعدد فاجعل الميراث بينهم شرعا فإن كان المولى المعتق مات ولا ولد له ولا والد للمولى المعتق وله إخوة لأبيه وأمه وإخوة لأبيه وإخوة لأمه فلا حق للإخوة من الأم في ولاء مواليه ولم يكن معهم غيرهم والميراث للإخوة من الأب والأم دون الأخوة للأب ولو كان الأخوة للأب والأم واحدا وهكذا منزلة أبناء الأخوة ما كانوا مستوين فإذا كان بعضهم أقعد من بعض فأنظر فإن كان القعدد لبني الإخوة للأب والأم أو لواحد منهم فاجعل الميراث له وكذلك إن كانوا مثله في القعدد لمساواته في القعدد ولانفراده بقرابة الأم دونهم ومساواته إياهم في قرابة الأب فإن كان القعدد لابن الأخ لأب دون بني الأب والأم فأجعله لأهل القعدد بالمولى المعتق وهكذا منزلة عصبتهم كلهم بعدوا أو قربوا في ميراث الولاء قال الشافعي فإن كانت المعتقة امرأة ورثت من أعتقت وكذلك من أعتق من أعتقت ولا ترث من أعتق أبوها ولا أمها ولا أحد غيرها وغير من أعتق من أعتقت وإن سفلوا ويرث ولد المرأة المعتقة من أعتقت كما يرث ولد الرجل الذكور دون الإناث فإن انقرض ولدها وولد ولدها الذكور وإن سفلوا ثم مات مولى لها أعتقته ورثه أقرب الناس بها من رجال عصبتها لا عصبة ولدها قال الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبيه أنه أخبره أن العاص بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة اثنان لأم ورجل لعلة فهلك أحد الذين لأم وترك مالا وموالي فورثه أخوه الذي لأمه وأبيه ماله وولاء مواليه ثم هلك الذي ورث المال وولاء الموالي وترك ابنه وأخاه لأبيه فقال ابنه قد أحرزت ما كان أبي أحرز من المال وولاء الموالي وقال أخوه ليس كذلك وإنما أحرزت المال فأما ولاء الموالي فلا أرأيت لو هلك أخي اليوم ألست أرثه أنا فاختصما إلى عثمان فقضى لأخيه بولاء الموالي قال الشافعي أخبرنا مالك عن عبدالله بن أبي بكر أن أباه أخبره أنه كان جالسا عند أبان بن عثمان فاختصم إليه نفر من جهينة ونفر من بني الحرث بن الخزرج وكانت امرأة من جهينة عند رجل من بني الحرث بن الخزرج يقال له إبراهيم بن كليب فماتت المرأة وتركت مالا وموالي فورثها ابنها وزوجها ثم مات ابنها فقالت ورثته لنا ولاء الموالي قد كان ابنها أحرزه وقال الجهنيون ليس كذلك إنما هم موالي صاحبتنا فإذا مات ولدها فلنا ولاؤهم ونحن نرثهم فقضى أبان بن عثمان للجهنيين بولاء الموالي قال الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى ابن سعيد عن
صفحة : 1317
إسمعيل بن أبي حكيم أن عمر بن عبد العزيز أعتق عبدا له نصرانيا فتوفى العبد بعد ما عتق قال إسمعيل فأمرني عمر بن عبدالعزيز أن آخذ ماله فأجعله في بيت مال المسلمين قال الشافعي وبهذا كله نأخذ ميراث الولد الولاء قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا مات الرجل وترك ابنين وبنات وموالي هو أعتقهم فمات المولى المعتق ورثه آبناه ولم يرثه أحد من بناته فإن مات أحد الإبنين وترك ولدا ثم مات أحد الموالي الذين أعتقهم ورثه ابن المعتق لصلبه دون بني أخيه لأن المعتق لو مات يوم يموت المولى كان ميراثه لابنه لصلبه دون ابن ابنه ثم هكذا ميراث الولد وولد الولد أبدا وإن تسفلوا في الموالي أنسب ولد الولد أبدا إلى المولى المعتق يوم يموت المولى المعتق فأيهم كان أقرب إليه بأب واحد فاجعل له جميع ميراث المولى المعتق ولو أعتق رجل غلاما ثم مات المعتق وترك ثلاثة بنين ثم مات البنون الثلاثة وترك أحدهم ابنا والآخر أربعة بنين والآخر خمسة بنين ثم مات المولى المعتق اقتسموا ميراث المولى على عشرة أسهم للابن سهم وللأربعة البنين أربعة أسهم وللخمسة خمسة أسهم كما يقتسمون ميراث الجد لو مات يومئذ وهم ورثته لاختلاف حال ميراث الولاء والمال ولو كان الجد الميت فورثه ثلاثة بنون ثم مات البنون وترك أحدهم ابنا والآخر أربعة والآخر خمسة ثم ظهر للجد مال اقتسم بنو البنين على أنه ورثة ثلاثة بنين ثم ورث الثلاثة البنين أبناؤهم فللإبن المنتفرد بميراث أبيه ثلث ميراث الجد وذلك حصة أبيه من ميراث الجد وللأربعة البنين ثلث ميراث الجد أرباعا بينهم وذلك حصة ميراث أبيهم وللخمسة البنين ثلث ميراث الجد أخماسا بينهم وذلك حصة أبيهم من ميراث جدهم ولو كان معهم في المال بنات دخلن ولا يدخلن في ميراث الولاء فإذا أعتق رجل عبدا فمات المولى المعتق وترك أباه وأولادا ذكورا فميراث المولى المعتق لذكور ولده دون بناته وجده لا يرث الجد مع ولد المعتق شيئا ما كان فيهم ذكر ولا ولد ولده وإن سفلوا فإن مات المولى المعتق وترك أباه وإخوته لأبيه وأمه أو لأبيه فالمال للأب دون الأخوة لأنهم إنما يلقون الميت عند أبيه فأبوه أولى بولاء الموالى إذا كانوا إنما يدلون بقرابته فإذا مات المولى المعتق وترك جده وإخوته لأبيه وأمه أو لأبيه فاختلف أصحابنا في ميراث الجد والأخ فمنهم من قال الميراث للأخ دون الجد وذلك لأنه يجمعه والميت أب قبل الجد ومن قال هذا القول قال وكذلك ابن الأخ وابن ابنه وإن سفلوا لأن الأب يجمعهم والمولى المعتق قبل الجد وبهذا أقول ومن أصحابنا من قال الجد
صفحة : 1318
والأخ في ولاء الموالى بمنزلة لأن الجد يلقى المولى المعتق عند أول أب ينتسب إليه فيجمعه والميت أب يكونان فيه سواء وأول من ينسب إليه أبو الميت والميت ابنه والجد أبوه فذهب إلى أن يشرك الجد والميت المعتق أب هما شرع فيه الجد بالأبوة والابن بولادته ويذهب إلى انهما سواء ومن قال هذا قال الجد أولى بولاء الموالى من بني الأخ إذا سوى بينه وبين الأخ جعل المال للجد بالقرب من الميت قال الشافعي الأخوة أولى بولاء المولى من الجد وبنو الإخوة أولى بولاء المولى من الجد فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه فأما إن مات المولى المعتق وترك جده وعمه ومات المولى المعتق فالمال للجد دون العم لأن العم لا يذلي بقرابة إلا بأبوة الجد فلا شيء له مع من يذلي بقرابته ولو مات رجل وترك عمه وجد أبيه كان القول فيها على قياس من قال الأخوة أولى بولاء الموالى من الجد أن يكون المال للعم لأنه يلقى الميت عند جد يجمعهما قبل الذي ينازعه وكذلك ولد العم وإن تسفلوا لأنهم يلقونه عند أب لهم ولد قبل جد أبيه ومن قال الأخ والجد سواء فجد الأب والعم سواء لأن العم يلقاه عند جده وجد أبيه أبو جده قال الشافعي فإن كان المنازع لجد الأب ابن العم فجد الأب أولى كما يكون الجد أولى من ابن الأخ للقرب من المولى المعتق قال الشافعي وإذا مات المولى المعتق ثم مات المولى المعتق ولا وارث للمولى المعتق وترك أخاه لأمه وابن عم قريب أو بعيد فالمال لابن العم القريب أو البعيد لأن الأخ من الأم لا يكون عصبة فإن كان الأخ من الأم من عصبته وكان في عصبته من هو أقعد منه من أخيه لأمه الذي هو من عصبته كان للذي هو أقعد إلى المولى المعتق فإن استوى أخوه لأمه الذي هو من عصبته وعصبته فالميراث كله للأخ من الأم لأنه ساوى عصبته في النسب وانفرد منهم بولادة الأم وكذلك القول في عصبته بعدوا أو قربوا لا اختلاف في ذلك والله تعالى الموفق ID ' ' أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية
صفحة : 1319
الخلاف في الولاء قال الشافعي رحمه الله تعالى وقال لي بعض الناس الكتاب والسنة والقياس والمعقول والأثر على أكثر ما قلت في أصل ولاء السائبة وغيره ونحن لا نخالفك منه إلا في موضع ثم نقيس عليه غيره فيكون مواضع قلت وما ذاك قال الرجل إذا أسلم على يدي الرجل كان له ولاؤه كما يكون للمعتق قلت أتدفع أن الكتاب والسنة والقياس يدل على ما وصفنا من أن المنعم بالعتق يثبت له الولاء كثبوت النسب قال لا قلت والنسب إذا ثبت فإنما الحكم فيه أن الولد مخلوق من الوالد قال نعم قلت فلو أراد الوالد بعد الإقرار بأن المولود منه نفيه وأراد ذلك الولد لم يكن لهما ولا لواحد منهما ذلك قال نعم قلت فلو أن رجلا لا أب له رضي أن ينتسب إلى رجل ورضي ذلك الرجل وتصادقا مع التراضي بأن ينتسب أحدهما إلى الآخر وعلم أن أم المنسوب إلى المنتسب إليه لم تكن للمنتسب إليه زوجة ولا أمه وطئها بشبهة لم يكن ذلك لهما ولا لواحد منهما قال نعم قلت لأن إنما ننسب بأمرين أحدهما الفراش وفي مثل معناه ثبوت النسب بالشبهة بالفراش والنطفة بعد الفراش قال نعم قلت ولا ننسب بالتراضي إذا تصادقا إذا لم يكن ما ينسب به قال نعم قلت وثبت له حكم الأحرار وينتقل عن أحكام العبودية قال نعم قلت والولاء هو إخراجك مملوكك من الرق بعتقك والعتق فعل منك لم يكن لمملوكك رده عليك قال نعم قلت ولو رضيت أن تهب ولاءه أو تبيعه لم يكن ذلك لك قال نعم قلت فإذا كان هذا ثبت فلا يزول بما وصفت من متقدم العتق والفراش والنطفة وما وصفت من ثبوت الحقوق في النسب والولاء أفتعرف أن المعنى الذي اجتمعنا عليه في تثبيت النسب والولاء لا ينتقل وإن رضي المنتسب والمنتسب إليه والمولى المعتق والمولى المعتق لم يجز له ولا لهما بتراضيهما قال نعم هكذا السنة والأثر وإجماع الناس فهل تعرف السبب الذي كان ذلك قال الشافعي فقلت له في واحد مما وصفت ووصفنا كفاية والمعنى الذي حكم بذلك بين عندي والله تعالى أعلم قال فما هو قلت إن الله عز وجل أثبت للولد والوالد حقوقا في المواريث وغيرها وكانت الحقوق التي تثبت لكل واحد منهما على صاحبه تثبت للوالد على ولد الولد وللولد من الأم على ولدي الوالد حقوقا في المواريث وولاء الموالى وعقول الجنايات وولاية النكاح وغير ذلك فلو ترك الوالد والولد حقهما من ذلك ومما يثبت لأنفسهما لم يكن لهما تركة لآبائهما أو أبنائهما أو عصبتهما ولو جاز للابن أن يبطل حقه عن الأب في ولاية الصلاة عليه لو مات والقيام بدمه لو قتل والعقل عنه لو جنى لم يجز له أن يبطل ذلك
صفحة : 1320
لآبائه ولا أبنائه ولا لإخوته ولا عصبته لأنه قد ثبت لآبائه وأبنائه وعصبته حقوق على الولد لا يجوز للوالد إزالتها بعد ثبوتها ومثل هذه الحال الولد فلما كان هذا هكذا لم يجز أن يثبت رجل على آبائه وأبنائه وعصبته نسب من قد علم أنه لم يلده فيدخل عليهم ما ليس له ولا من قبل أحد من المسلمين ميراث من نسب إليه إلى من نسب له والمولى المعتق كالمولود فيما يثبت له من عقل جنايته ويثبت عليه من أن يكون موروثا وغير ذلك فكذلك لا يجوز أن ينتسب إلى ولاء رجل لم يعتقه لأن الذي يثبت المرء على نفسه يثبت على ولده وآبائه وعصبته ولايتهم فلا يجوز له أن يثبت عليهم ما لا يلزمهم من عقل وغيره بأمر لا يثبت ولا لهم بأمر لم يثبت فقال هذا كما وصفت إن شاء الله تعالى قلت فلم جاز لك أن توافقه في معنى وتخالفه في معنى وما وصفت في تثبيت الحقوق في النسب والولاء قال أما القياس على الأحاديث التي ذكرت وما يعرف الناس فكما قلت لولا شيء أراك أغفلته والحجة عليك فيه قائمة قلت وما ذاك قال حديث عمر بن عبد العزيز قلت له ليس يثبت مثل هذا الحديث عند أهل علم بالحديث قال لأنه خالف غيره من حديثك الذي هو أثبت منه قلت لو خالفك ما هو أثبت منه لم نثبته وكان علينا أن نثبت الثابت ونرد الأضعف قال أفرأيت لو كان ثابتا أيخالف حديثنا حديثك عن النبي ﷺ في الولاء فقلت لو ثبت لاحتمل خلافها وأن لا يخالفها لأنا نجد توجيه الحديثان معا لو ثبت وما وجدنا له من الأحاديث توجيها استعملناه مع غيره قال فكيف كان يكون القول فيه لو كان ثابتا قلت يقال الولاء لمن أعتق لا ينتقل عنه أبدا ولو نقله عن نفسه ويوجه قول النبي ﷺ فإنما الولاء لمن أعتق على الإخبار عن شرط الولاء فيمن باع فأعتقه غيره أن الولاء للذي أعتق إذا كان معتقا لا على العام إن الولاء لا يكون إلا لمعتق إذ جعل رسول الله ﷺ ولاء لغير معتق ممن أسلم على يديه قال هذا القول المنصف وغاية النصفة فلم لم تثبت هذا الحديث فتقول بهذا قلت لأنه عن رجل مجهول ومنقطع ونحن وأنت لا نثبت حديث المجهولين ولا المنقطع من الحديث قال فهل يبين لك أنه يخالف القياس إذا لم يتقدم عتق قلت نعم وذلك إن شاء الله تعالى بما وصفنا من تثبيت الحق له وعليه بثبوت العتق وإنه إذا كان يثبت بثبوت العتق لم يجز أن يثبت بخلافه قال فإن قلت يثبت على المولى بالإسلام لأنه أعظم من العتق فإذا أسلم على يديه فكأنما أعتقه قلت فما تقول في مملوك كافر ذمي لغيرك أسلم على يديك أيكون إسلامه ثابتا قال نعم قلت أفيكون ولاؤه لك أم يباع على سيده ويكون رقيقا لمن
صفحة : 1321
اشتراه قال بل يباع ويكون رقيقا لمن اشتراه قلت فلست أراك جعلت الإسلام عتقا ولو كان الإسلام يكون عتقا كان للعبد الذمي أن يعتق نفسه ولو كان كذلك كان الذمي الحر الذي قلت هذا فيه حرا وكان إسلامه غير إعتاق من أسلم على يديه لأنه إن كان مملوكا للمسلمين فلهم عندنا وعندك أن يسترقوه ولا يخرج بالإسلام من أيديهم وإن قلت كان مملوكا للذميين فينبغي أن يباع ويدفع ثمنه إليهم قال ليس بممولك للذميين وكيف يكون مملوكا لهم وهو يوارثهم وتجوز شهادته ولا للمسلمين بل هو حر قلت وكيف كان الإسلام كالعتق قال بالخبر قلت لو ثبت قلنا به معك إن شاء الله تعالى وقلت له وكيف قلت في الذي لا ولاء له ولم يسلم على يدي رجل يوالي من شاء قال قياسا أن عمر قال في المنبوذ هو حر ولك ولاؤه قلت أفرأيت المنبوذ إذا بلغ أيكون له أن ينتقل بولاءه قال فإن قلت لا لأن الوالي عقد الولاء عليه قلت أفيكون للوالي أن يعقد عليه ما لم يسبق به حرية ولم يعقد على نفسه قال فإن قلت هذا حكم من الوالي قلت أو يحكم الوالي على غير سبب متقدم يكون به لأحد المتنازعين على الآخر حق أو يكون صغيرا يبيع عليه الحاكم فيما لا بد له منه وما يصلحه وإن كان كما وصفت أفيثبت الولاء بحكم الوالي للملتقط فقست الموالي عليه قلت فإذا والي فأثبت عليه الولاء ولا تجعل له أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فأنت تقول ينتقل بولائه قال فإن قلت ذلك في اللقيط قلت فقد زعمت أن للمحكوم عليه أن يفسخ الحكم قال فإن قلت ليس للقيط ولا للموالي أن ينتقل وإن لم يعقل عنه قلت فهما يفترقان قال وأين افتراقهما قلت اللقيط لم يرض شيئا وإنما لزمه الحكم بلا رضى منه قال ولكن بنعمة من الملتقط عليه قلت فإن أنعم على غير لقيط أكثر من النعمة على اللقيط فأنقذ من قتل وغرق وحرق وسجن وأعطاه مالا أيكون لأحد بهذا ولاؤه قال لا قلت فإذا كان الموالى لا يثبت عليه الولاء إلا برضاه فهو مخالف للقيط الذي يثبت به بغير رضاه فكيف قست عليه قال ولأي شيء خالفتم حديث عمر قلنا وليس مما يثبت مثله هو عن رجل ليس بالمعروف وعندنا حديث ثابت معروف أن ميمونة زوج النبي ﷺ وهبت ولاء بني يسار لابن عباس فقد أجازت ميمونة وابن عباس هبة الولاء فكيف تركته قال نهى رسول الله ﷺ عن بيع الولاء وعن هبته قلنا أفيحتمل أن يكون نهيه على غير التحريم قال هو على التحريم وإن احتمل غيره قلت فإن قال لك قائل لا يجهل ابن عباس وميمونة كيف وجه نهيه قال قد يذهب عنهما الحديث رأسا فنقول ليس في أحد مع النبي ﷺ حجة قلت فكيف
صفحة : 1322
أغفلت هذه الحجة في اللقيط فلم ترها تلزم غيرك كما لزمتك حجتك في أن الحديث عن النبي ﷺ قد يعزب عن بعض أصحابه وإنه على ظاهره ولا يحال إلى باطن ولا خاص إلا بخبر عن النبي ﷺ لا عن غيره قال فهكذا نقول قلت نعم في الجملة وفي بعض الأمر دون بعض قال قد شركنا في هذا بعض أصحابك قلت أفحمدت ذلك منهم قال لا قلت فلا أشركهم فيما لم تحمد وفيما نرى الحجة في غيره فقال لمن حضرنا من الحجازيين أكما قال صاحبكم في أن لا ولاء إلا لمن أعتق فقالوا نعم وبذلك جاءت السنة قال فإن منكم من يخالف في السائبة والذمي يعتق المسلم قالوا نعم قال فيكلمه بعضكم أو أتولى كلامه لكم قالوا افعل فإن قصرت تكلمنا قال فأنا أتكلم عن أصحابك في ولاء السائبة ما تقول في ولاء السائبة وميراثه إذا لم يكن له وارث إلا من سيبه فقلت ولاؤه لمن سيبه وميراثه له قال فما الحجة في ذلك قلت الحجة البينة أمعتق المسيب للمسيب قال نعم قلت فقد قال رسول الله ﷺ الولاء لمن أعتق وجعل المسلمون ميراث المعتق لمن أعتقه إذا لم يكن دونه من يحجبه بأصل فريضة قال فهل من حجة غير هذه قلت ما أحسب أحدا سلك طريق النصفة يريد وراءها حجة قال بلى وقلت له قال الله تبارك وتعالى ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام قال وما معنى هذا قلت سمعت من أرضى من أهل العلم يزعم أن الرجل كان يعتق عبده في الجاهلية سائبة فيقول لا أرثه ويفعل في الوصية من الإبل والحام أن لا يركب فقال الله عز وجل ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام على معنى ما جعلتم فأبطل شروطهم فيها وقضى أن الولاء لمن أعتق ورد البحيرة والوصيلة والحام إلى ملك مالكها إذا كان العتق في حكم الإسلام أن لا يقع على البهائم قال فهل تأول أحد السائبة على بعض البهائم قلت نعم وهذا أشبه القولين بما يعرف أهل العلم والسنة قال أفرأيت قولك قد أعتقتك سائبة أليس خلاف قولك قد أعتقتك قلت أما في قولك أعتقتك فلا وأما في زيادة سائبة فنعم قال فهما كلمتان خرجتا معا فإنما أعتقه على شرط قلت أو ما أعتقت بريرة على شرط أن الولاء للبائعين فأبطل رسول الله ﷺ الشرط فقال الولاء لمن أعتق قال بلى قلت فإذا أبطل رسول الله ﷺ شرط البائع والمبتاع المعتق وإنما انعقد البيع عليه لأن الولاء أعتق ورده إلى المعتق فكيف لا يبطل شرط المعتق ولم يجعله لغيره من الآدميين قال فإن قلت فله الولاء ولا يرثه قلت فقل إذا الولاء للمعتق المشترط عليه أن الولاء لغيره ولا يرثه قال لا يجوز أن أثبت له الولاء وأمنعه الميراث
صفحة : 1323
ودينهما واحد قال الشافعي وقلت له أرأيت الرجل يملك أباه ويتسرى الجارية ويموت لمن ولاء هذين قال لمن عتقا بملكه وفعله قلت أفرأيت له لو قال لك قائل قال النبي ﷺ إنما الولاء لمن أعتق ولم يعتق واحد من هذين هذا ورث أباه فيعتقه وإن كره وهذا ولدت جاريته ولم يعتقها بالولد وهو حي فأعتقها به بعد الموت فلا يكون لواحد من هذين ولاء لأن كليهما غير معتق هل حجتنا وحجتك عليه إلا أنه إذا زال عنه الرق بسبب من يحكم له بالملك كان له ولاؤه قال لا وكفى بهذا حجة منك وهذا في معاني المعتقين قلت فالمعتق سائبة هو المعتق وهذا أكثر من الذي في معاني المعتقين قال فإن القوم يذكرون أحاديث قلت فاذكرها قال ذكروا أن حاطب بن أبي بلتعة أعتق سائبة قلت ونحن نقول إن أعتق رجل سائبة فهو حر وولاؤه له قال فيذكرون عن عمر وعثمان ما يوافق قولهم ويذكر سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه رجل من الحاج فأصابه غلام من بني مخزوم فقضى عمر عليهم بعقله فقال أبو المقضي عليه لو أصاب ابني قال إذا لا يكون له شيء قال فهو إذا مثل الأرقم قال عمر فهو إذا مثل الأرقم فقلت له هذا إذا ثبت بقولنا أشبه قال ومن أين قلت لأنه لو رأى ولاءه للمسلمين رأى عليهم عقله ولكن يشبه أن يكون رأى عقله على مواليه فلما كانوا لا يعرفون لم يرى فيه عقلا حتى يعرف مواليه ولو كان على ما تأولوا وكان الحديث يحتمل ما قالوا كانوا يخالفونه قال وأين قلت هم يزعمون أن السائبة لو قتل كان عقله على المسلمين ونحن نروي عن عمر وغيره مثل معنى قولنا قال فاذكره قلت أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن طارق بن المرقع أعتق أهل بيت سوائب فأتى بميراثهم فقال عمر ابن الخطاب أعطوه ورثة طارق فأبوا أن يأخذوا فقال عمر فاجعلوه في مثلهم من الناس قال فحديث عطاء مرسل قلت يشبه أن يكون سمعه من آل طارق وإن لم يسمعه منهم فحديث سليمان مرسل قال فهل غيره قلت أخبرنا سفيان عن سليمان بن مهران عن إبراهيم النخعي أن رجلا أعتق سائبة فمات فقال عبدالله هو لك قال لا أريد قال فضعه إذا في بيت المال فإن له وارثا كثيرا قال الشافعي أخبرنا سفيان قال أخبرني أبو طوالة عبدالله بن عبدالرحمن عن معمر قال كان سالم مولى أبي حنيفة لامرأة من الأنصار يقال لها عمرة بنت يعار أعتقته سائبة فقتل يوم اليمامة فأتى أبو بكر بميراثه فقال أعطوه عمرة فأبت تقبله قال قد اختلفت فيه الأحاديث قلت فما كنا نحتاج إليها مع قول النبي ﷺ الولاء لمن أعتق وإذا اختلفت فالذي يلزمنا أن نصير إلى أقربها من السنة وما قلنا معنى السنة مع ما ذكرنا من
صفحة : 1324
الاستدلال بالكتاب قال فإن قالوا إنما أعتق السائبة عن المسلمين قلنا فإن قال قد أعتقتك عن نفسي سائبة لاعن غيري وأشهد بهذا القول قبل العتق ومعه فقال أردت أن يكمل أجري بأن لا يرجع إلى ولاؤه قال فإن قالوا فإذا قال هذا فهذا يدل على أنه أعتقه عن المسلمين قلنا هذا الجواب محال يقول أعتقتك عن نفسي ويقول أعتقه عن المسلمين فقال هذا قول غير مستقيم قلت أرأيت لو كان أخرجه من ملكه إلى المسلمين أكان له أن يعتقه ولم يأمروه بعتقه ولو فعل لكان عتقه باطلا إذا أعتق ما أخرج من ملكه إلى غيره بغير أمره فإن قال إنما أجزته لأنه مالك معتق فقد قضى النبي ﷺ أن الولاء لمن أعتق قال فما حجتك عليهم في الذمي يسلم عبده فيعتقه قلت مثل أول حجتي في السائبة أنه لا يعدو أن يكون معتقا فقد قضى رسول الله ﷺ بالولاء لمن أعتق أو يكون إذا اختلف الدينان لا يجوز عتقه فيكون عتقه باطلا قال بل هو معتق والعتق جائز قلت فما أعلمك بقيت للمسألة موضعا قال بلى لو مات العبد لم يرثه المعتق قلت وما منع الميراث إنما منع الميراث الذي منعه الورثة أيضا غير المعتق باختلاف الدينين وكذلك يمنعه وارثه بالنسب باختلاف الولاء والنسب قال أفيجوز أن يثبت له عليه ولاء وهو لا يرثه قلت نعم كما يجوز أن يثبت له على أبيه أبوة وهو لا يرثه إذا اختلف الدينان أو يجوز أن يقال إن الذمي إذا أعتق العبد المسلم وللذمي ولد مسلمون كان الولاء لبنيه المسلمين ولا يكون للذي أعتقه لئن لم يكن للمعتق فالمعتق لهم من بنيه أبعد أن يجوز قال وأنت تقول مثل هذا قلت وأين قال تزعم أن رجلا لو كان له ولد مسلمون وهو كافر فمات أحدهم ورثته إخوته المسلمون ولم يرثه أبوه وبه ورثوه قلت أجل فهذه الحجة عليك قال وكيف قلت أرأيت أبوته زالت عن الميت باختلاف دينهما قال لا هو أبوه بحاله قلت وإن أسلم قبل أن يموت ورثته قال نعم قلت وإنما حرم الميراث باختلاف الدينين قال نعم قلت فلم لم تقل في المولى هذا القول فتقول مولاه من أعتقه ولا يرثه ما اختلف ديناهما فإذا أسلم المعتق ورثه إن مات بعد إسلامه قال فإنهم يقولون إذا أعتقه الذمي ثبت ولاؤه للمسلمين ولا يرجع إليه قلت وكيف ثبت ولاؤه للمسلمين وغيرهم أعتقه قال فبأي شيء يرثونه قلت ليسوا يرثونه ولكن ميراثه لهم لأنه لا مالك له بعينه قال وما دلك على ما تقول فإن الذي يعرف أنهم لا يأخذونه إلا ميراثا قلت أفيجوز أن يرثوا كافرا قال لا قلت أفرأيت الذمي لو مات ولا وارث له من أهل دينه لمن ميراثه قال للمسلمين قلت لأنه لا مالك له لا أنه ميراث قال نعم قلت وكذلك من لا ولاء له من لقيط
صفحة : 1325
ومسلم لا ولاء له أو ولاؤه لكافر لا قرابة له من المسلمين وذكرت ما ذكرت في أول الكتاب من أنه لا يؤخذ على الميراث قال فإن من أصحابنا من خالفك في معنى آخر فقال لو أن مسلما أعتق نصرانيا فمات النصراني ورثه وإنما قال النبي ﷺ لا يرث المسلم الكافر في النسب فقلت أموجود ذلك في الحديث قال فيقولون الحديث يحتمله قلت أفرأيت إن عارضنا وإياهم غيرنا فقال فإنما معنى الحديث في الولاء قال ليس ذلك له قلت ولم ألأن الحديث لا يحتمله قال بل يحتمله ولكنه ليس في الحديث والمسلمون يقولون هذا في النسب قلت ليس كل المسلمين يقولونه في النسب فمنهم من يورث المسلم الكافر كما يجيز له النكاح إليه ولا يورث الكافر المسلم قال فحديث النبي ﷺ جملة قلت أجل في جميع الكفار والحجة على من قال هذا في بعض الكافرين في النسب كالحجة على من قاله في الولاء قلت فإنهم يقولون إن عمر بن عبدالعزيز قضى به فقلت قد أخبرتك أن ميمونة وهبت ولاء بني يسار لابن عباس فانهبه وقلت إذا جاء الحديث عن النبي ﷺ جملة فهو على جمله ولم نحمله ما احتمل إلا بدلالة عن النبي ﷺ قال وكذلك أقول قلت فلم لم تقل هذا في المسلم يعتق النصراني مع أن الذي روينا عن عمر بن عبدالعزيز أنه وضع ميراث مولى له نصراني في بيت المال وهذا أثبت الحديثين عنه وأولاهما به عندنا والله تعالى أعلم والحجة في قول النبي ﷺ لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وقد روى عن عمر بن عبدالعزيز خلاف هذا قال فقد يحتمل أن يكون هذا من عمر بن عبدالعزيز ترك شيء وإن كان له قلت نعم وأظهر معانيه عندنا أنه ليس له أن يرث كافرا وأنه إذا منع الميراث للولد والوالد والزوج بالكفر كان ميراث المولى أولى أن يمنعه لأن المولى أبعد من ذي النسب قال فما حجتك على أحد إن خالفك في الرجل يعتق عبده عن الرجل بغير أمره فقال الولاء للمعتق عنه دون المعتق لعبده لأنه عقد العتق عنه قلت أصل حجتي عليك ما وصفت من ان النبي ﷺ قال الولاء لمن أعتق وهذا معتق قال فقد زعمت أنه إن أعتق عبده عنه بأمره كان الولاء للأمر المعتق عنه عبده وهذا معتق عنه قلت نعم من قبل أنه إذا أعتق عنه بأمره فإنما ملكه عبده وأعتقه عنه بعدما ملكه قال أفقبضه قال المالك المعتق عنه قلت إذا أعتقه عنه بأمره فعتقه أكثر من قبضه هو لو قبضه قال ومن أين قلت إذا جاز للرجل أن يأمر الرجل أن يعتق عبد نفسه فأعتقه فجاز بأنه وكيل له ماضي الأمر فيه ما لم يرجع في وكالته وجاز للرجل أن يشتري العبد من الرجل فيعتقه المشتري
صفحة : 1326
بعد تفرقهما عن المقام الذي تبايعا فيه وقبل القبض فينفذ العتق لأنه مالك جاز إذا ملكه سيد العبد عبده أن ينفذ عليه عتقه وعتق غيره بأمره قال والولاء للأمر قلت نعم لأنه مالك معتق قال ومن أين يكون معتقا وإنما أعتق عنه غيره بأمره قلت إذا أمر بالعتق رجلا فأعتق عنه فهو وكيل له جائز العتق وهو المعتق إذا وكل ونفذ العتق بأمره قال فكيف قلت في الرجل يعتق عن غيره عبده بغير أمره العتق جائز قلت نعم لأنه أعتق ما يملك قال أرأيت قوله هو حر عن فلان ألهذا معنى قلت أما معنى له حكم يرد به العتق أو ينتقل به الولاء فلا قال فما الحجة في هذا سوى ما ذكرت أرأيت لو قال إذا أعتقه عنه بغير أمره فقبل العتق كان له الولاء قلت إذا يلزمه فيه العلة التي لا نرضى أن نقوله قال وما هو قلت يقال له هل يكون العتق إلا لمالك قال يقول لا قلنا فمتى ملك قال حين قبل قلت أفرأيت حين قبل أقبل حرا أو مملوكا قال فأقول بل قبل حرا قلنا أفيعتق حرا أو يملكه قال فأقول بل حين فعل علمنا أنه كان مالكا حين وهبه له قلت أفرأيت إن قال لك قد قبلت وأبطلت عتقك أيكون العبد المعتق مملوكا له قال وكيف يكون مملوكا له قلت تجعله بإعتاقه إياه عنه مملوكا له قبل العتق وإذا ملكتني عبدك ثم اعتقته أنت جاز تمليكك إياي يملكه إياه إلا بعد خروجه من الرق وما أخرجه من الرق غيره فالولاء له كما قلت وهذا قول قد قاله غيرك من أصحابنا أفتوضحه لي بشيء قلت نعم أرأيت لو أعتقت عبدا لي ثم قلت بعد عتقه قد جعلت أجره وولاءه الآن لك قال فلا يكون لي أجره ولا ولاؤه وإنما يقع الأجر والولاء يوم أعتقت فلما أعتقتك عن نفسك لم ينتقل إلي أجرك كما لا ينتقل أجر عملك غير هذا إلي قال الشافعي وقلت له الولاء لا يملكه إلا من أعتق ولا يكون لمن أعتق إخراجه من ملكه إلى غيره وهو غير الأموال المملوكة التي يحولها الناس من أموالهم إلى أموال من شاءوا قال نعم قلت فهذه الحجة على من خالفنا في هذا الوديعة أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال إذا استودع الرجل الرجل الوديعة وأراد المستودع سفرا فلم يثق بأحد يجعلها عنده فسافر بها برا أو بحرا فهلكت ضمن وكذلك لو أراد سفرا فجعل الوديعة في بيت مال المسلمين فهلكت ضمن وكذلك إن دفنها ولم يعلم بها أحدا يأمنه على ماله فهلكت ضمن وكذلك إن دفنها ولم يخلف في منزله أحدا يحفظه فهلكت ضمن وإذا أودع الرجل الوديعة فتعدى فيها فلم تهلك حتى أخذها وردها في موضعها فهلكت ضمن من قبل أنه خرج من حد الأمانة إلى أن كان متعديا ضامنا للمال بكل حال حتى يحدث له المستودع
صفحة : 1327
أمانة مستقبلة وكذلك لو تكاري دابة إلى بلد فتعدى بها ذاهبا أو جائيا ثم ردها سالمة إلى الموضع الذي له في الكراء فهلكت من قبل أن يدفعها كان لها ضامنا من قبل أنه صار متعديا ومن صار متعديا لم يبرأ حتى يدفع إلى من تعدى عليه ماله وكذلك لو سرق دابة لرجل من حرزها ثم ردها إلى حرزها فهلكت ضمن ولا يبرأ من ضمن إلا بدفع ما ضمن إلى مالكه ولو أودعه عشرة دراهم فتعدى منها في درهم فأخرجه فأنفقه ثم أخذه فرده بعينه ثم هلكت M0لديعة ضمن الدرهم ولا يضمن التسعة لأنه تعدى بالدرهم ولم يتعد بالتسعة وكذلك إن كان ثوبا فلبسه ثم رده بعينه ضمنه قال الربيع قول الشافعي إن كان الدرهم الذي أخذه ثم وضع غيره معروفا من الدراهم ضمن الدرهم ولم يضمن التسعة وإن كان لا يتميز ضمن العشرة قال الشافعي وإذا أودع الرجل الرجل الدابة فأمره بسقيها وعلفها فأمر بذلك من يسقي دوابه ويعلفها فتلفت من غير جناية لم يضمن وإن كان سقى دوابه في داره فبعث بها خارجا من داره ضمن قال وإذا استودع الرجل الرجل الدابة فلم يأمره بسقيها ولا علفها ولم ينهه فحبسها المستودع مدة إذا أتت على مثلها ولم تأكل ولم تشرب تلفت فتلفت فهو ضامن وإن كانت تلفت في مدة قد تقيم الدواب في مثلها ولا تتلف فتلفت لم يضمن من تركها وإذا دفع إليه الدابة وأمره أن يكريها ممن يركبها بسرج فأكراها ممن يحمل عليها فعطبت ضمن ولو أمره أن يكريها ممن يحمل عليها تبنا فأكراها ممن يحمل عليها حديدا فعطبت ضمن ولو أمره أن يكريها ممن يحمل عليها حديدا فأكراها ممن يحمل عليها تبنا بوزنه فعطبت ضمن لأنه يفترش عليها من التبن ما يعم فيقتل ويجمع عليها من الحديد ما يلهد فيتلعى ويرم فيقتل ولو أمره أن يكريها ممن يركب بسرج فأكراها ممن يركبها بلا سرج فعطبت ضمن لأن معروفا أن السرج أوقى لها وإن كان يعرف أنه ليس بأوقى لها لم يضمن لأنه زادها خفة ولو كانت دابة ضئيلة فأكراها ممن يعلم أنها لا تطيق حمله ضمن لأنه إذا سلطه على أن يكريها فإنما يسلطه على ان يكريها ممن تحمله فأكراها ممن لا تحمله ضمن وإذا أمره أن يكريها ممن يركبها بسرج فأكراها ممن يركبها بإكاف فكان الإكاف أعم أو أضر في حال ضمن وإن كان أخف أو مثل السرج لم يضمن قال الشافعي وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فأراد المستودع السفر فإن كان المستودع حاضرا أو وكيل له لم يكن له ان يسافر حتى يردها إليه أو إلى وكيله أو يأذنا له أن يودعها من رأى فإن فعل فأودعها من شاء فهلكت ضمن
صفحة : 1328
إذا لم يأذنا له وإن كان غائبا فأودعها من يودع ماله ممن يكون أمينا على ذلك فهلكت لم يضمن فإن أودعها ممن يودع ماله ممن ليست له أمانة فهلكت ضمن وسواء كان المودع من أهلها أو من غيرهم أوحرا أو عبدا أو ذكرا أو أنثى لأنه يجوز له أن يستهلك ماله ولا يجوز له أن يستهلك مال غيره ويجوز له أن يوكل بماله غير أمين ولا يجوز له أن يوكل بأمانته غير أمين وهكذا لو مات المستودع فأوصى إلى رجل بماله والوديعة أو الوديعة دون ماله فهلكت فإن كان الموصي إليه بالوديعة أمينا لم يضمن الميت وإن كان غير أمين ضمن ولو استودعه إياها في قرية آهلة فانتقل إلى قرية غير آهلة أو في عمران من القرية فانتقل إلى خراب من القرية وهلكت ضمن في الحالين ولو استودعه إياها في خراب فانتقل إلى عمارة أو في خوف فانتقل إلى موضع آمن لم يكن ضامنا لأنه زاده خيرا ولو كان شرط عليه أن لا يخرجها من هذا الموضع فتعدى فأخرجها من غير ضرورة فهلكت ضمن فإن كانت ضرورة فأخرجها إلى موضع أحرز من الموضع الذي كانت فيه لم يضمن وذلك مثل النار تغشاه والسيل ولو اختلفا في السيل أو النار فقال المستودع لم يكن سيل ولا نار وقال المستودع قد كان فإن كان يعلم أنه قد كان في تلك الناحية ذلك بعين ترى أو أثر يدل فالقول قول المستودع وإن لم يكن فالقول قول المستودع ومتى ما قلت لواحد منهما القول قوله فعليه اليمين إن شاء الذي يخالفه أحلفه قال وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فاختلفا فقال المستودع دفعتها إليك وقال المستودع لم تدفعها فالقول قول المستودع ولو كانت المسألة بحالها غير أن المستودع قال أمرتني أن أدفعها إلى فلان فدفعتها وقال المستودع لم آمرك فالقول قول المستودع وعلى المستودع البينة وإنما فرقنا بينهما أن المدفوع إليه غير المستودع وقد قال الله عز وجل فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته فالأول إنما ادعي دفعها إلى من ائتمنه والثاني إنما ادعي دفعها إلى غير المستودع بأمره فلما أنكر أنه أمره أغرم له لأن المدفوع إليه غير الدافع وقد قال الله عز وجل فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم وقال عز اسمه فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وذلك أن ولي اليتيم إنما هو وصي أبيه أو وصي وصاه الحاكم ليس أن اليتيم استودعه فلما بلغ اليتيم أن يكون له أمر في نفسه وقال لم أرض أمانة هذا ولم أستودعه فيكون القول قول المستودع كان على المستودع أن يشهد عليه إن أراد أن يبرأ وكذلك الوصي فإذا أقر المدفوع إليه أنه قد قبض بأمر المستودع فإن كانت الوديعة قائمة ردها وإن كان استهلكها رد قيمتها فإن قال هلكت بغير استهلاك ولا تعد فالقول قوله ولا يضمن من قبل أن الدافع إليه بعد
صفحة : 1329
إنما دفع إليه بقول رب الوديعة قال وإذا استودع الرجل الرجل المال في خريطة فحولها إلى غيرها فإن كانت التي حولها إليها حرزا كالتي حولها منها لا يضمن وإن كانت لا تكون حرزا ضمن إن هلكت وإن استودعه إياها على أن يجعلها في صندوق على أن لا يرقد عليه أو على أن لا يقفله أو على أن لا يضع عليه متاعا فرق عليه أو أقفله أووضع عليه متاعا فسرق لم يضمن لأنه زاده خيرا وكذلك لو استودعه على أن يدفنها في موضع من البيت ولا يبني عليه فوضعها في ذلك الموضع وبنى عليه بنيانا بلا أن يكون مخرجا لها من البيت فسرقت لم يضمن لأنه زدها بالبناء حرزا وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة على أن يجعلها في بيت ولا يدخله أحد فأدخله قوما فسرقها بعض الذين دخلوا أو غيرهم فإن كان الذي سرقها ممن أدخله فعليه غرمها وإن كان الذي سرق لم يدخله فلا غرم عليه قال وإذا سأل الرجل الرجل الوديعة فقال ما استودعتني شيئا ثم قال قد كنت استودعتني فهلكت فهو ضامن لها من قبل أنه قد أخرج نفسه من الأمانة وكذلك لو سأله إياها فقال قد دفعتها إليك ثم قال بعد قد ضاعت في يدي فلم أدفعها إليك كان ضامنا ولو قال ما لك عندي شيء ثم قال كان لك عندي شيء فهلك كان القول قوله لأنه صادق أنه ليس له عنده شيء إذا هلكت الوديعة قال وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فوضعها في موضع من داره يحرز فيه ماله ويرى الناس مثله حرزا وإن كان غيره من داره أحرز منه فهلكت لم يضمن وإن وضعها في موضع من داره لا يراه الناس حرزا ولا يحرز فيه مثل الوديعة فهلكت ضمن وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة ذهبا أو فضة في منزله على أن لا يربطها في كمه أو بعض ثوبه فربطها فخرج فهلكت ضمن ولو كان ربطها في مكانه ليحرزها فإن كان إحرازها يمكنه فتركها حتى طرت ضمن وإن كان لا يمكنه بغلق لم ينفتح أو ما أشبه ذلك لم يضمن قال وإذا استودعه إياها خارجا من منزله على أن يحرزها في منزله وعلى أن لا يربطها في كمه فربطها فضاعت فإن كان ربطها من كمه فيما بين عضده وجنبه لم يضمن وإن كان ربطها ظاهرة على عضده ضمن لأنه لا يجد من ثيابه شيئا أحرز من ذلك الموضع وقد يجد من ثيابه ما هو أحرز من إظهارها على عضده وإذا استودعه إياها على أن يربطها في كمه فأمسكها في يده فانفلتت من يده ضمن ولو أكرهه رجل على أخذها لم يضمن وذلك أن يده أحرز من كمه ما لم يجن هو في يده شيئا هلك به قال وإذا استودع الرجل الرجل شيئا من الحيوان ولم يأمره بالنفقة عليه انبغى له أن يرفعه إلى الحاكم حتى يأمره بالنفقة عليه ويجعلها دينا على المستودع ويوكل
صفحة : 1330
الحاكم بالنفقة من يقبضها منه وينفقها غيره لئلا يكون أمين نفسه أو ببيعها وإن لم يفعل فأنفق عليها فهو متطوع ولا يرجع عليه بشيء وكذلك إذا أخذ له دابة ضالة أو عبدا آبقا فأنفق عليه فهو متطوع ولا يرجع عليه بشيء وإذا خاف هلاك الوديعة فحملها إلى موضع آخر فلا يرجع بالكراء على رب الوديعة لأنه متطوع به قال وإذا استودع الرجل الرجل الذهب فخلطها مع ورق له فإن كان خلطها ينقصها ضمن النقصان ولا يضمنها لو هلكت وإن كان لا ينقصها لم يضمن وكذلك لو خلطها مع ذهب يتميز منها فهلكت لم يضمن وإن كان لا يتميز منها تميزا بينا فهلكت ضمن وإذا استودع الرجل الرجل دنانير أو دراهم فأخذ منها دينارا أو درهما ثم رد مكانه بدله فإن كان الذي رد مكانه يتميزمن دنانيره ودراهمه فضاعت الدنانير كلها ضمن ما تسلف فقط وإن كان الذي وضع بدلا مما أخذ لا يتميز ولا يعرف فتلفت الدنانير ضمنها كلها قسم الفيء أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى أصل قسم ما يقوم به الولاة من جمل المال ثلاثة وجوه أحدها ما جعله الله تبارك وتعالى طهورا لأهل دينه قال الله عز وجل لنبيه ﷺ خذ من أموالهم صدقة الآية فكل ما أوجب الله عز وجل على مسلم في ماله بلا جناية جناها هو ولا غيره ممن يعقل عنه ولا شيء لزمه من كفارة ولا شيء ألزمه نفسه لأحد ولا نفقة لزمته لوالد أو ولد أو مملوك أو زوجة أو ما كان في معنى هذا فهو صدقة طهور له وذلك مثل صدقة الأموال كلها عينيها وحوليها وما شيتيها وما وجب في مال مسلم من زكاة أو وجه من وجوه الصدقة في كتاب أو سنة أو أثر أجمع عليه المسلمون وقسم هذا كله واحد لا يختلف في كتاب الله عز ذكره قال الله تبارك وتعالى في سورة براءة إنما الصدقات للفقراء الآية وعلى المسلم في ماله إيتاء واجبة في كتاب أو سنة ليست من هذا الوجه وذلك مثل نفقة من تلزمه نفقته والضيافة وغيرها وما لزم بالجنايات والإقرار والبيوع وكل هذا خروج من دين أو تأدية واجب أو نافلة يوصل فيها الأجر كل هذا موضوع على وجهه في كتاب الصدقات في كل صنف منه في صنفه الذي هو أملك به ID ' ' والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل ولا يكاد يقدر عليه.
صفحة : 1331
قسم الغنيمة والفيء قال الشافعي رحمه الله تعالى وما أخذ من مشرك بوجه من الوجوه غير ضيافة من مر بهم من المسلمين فهو على وجهين لا يخرج منهما كلاهما مبين في كتاب الله تعالى وعلى لسان رسول الله ﷺ وفي فعله فأحدهما الغنيمة قال الله عز وجل في سورة الأنفال واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية والوجه الثاني الفيءوهو مقسوم في كتاب الله عز ذكره في سورة الحشر قال الله تبارك وتعالى وما أفاء الله على رسوله منهم إلى قوله رءوف رحيم فهذان المالان اللذان خولهما الله تعالى من جعلهما له من أهل دينه وهذه أموال يقوم بها الولاة لا يسعهم تركها وعلى أهل الذمة ضيافة وهذا صلح صولحوا عليه غير مؤقت فهو لمن مر بهم من المسلمين خاص دون العام من المسلمين خارج من المالين وعلى الإمام إن امتنع من صولح على الضيافة من الضيافة أن يلزمه إياها جماع سنن قسم الغنيمة والفيء قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله عز وجل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية وقال الله تعالى ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى الآية وقال عز وجل وما أفاء الله على رسوله منهم الآية قال الشافعي فالغنيمة والفيء يجتمعان في أن فيهما معا الخمس من جميعهما لمن سماه الله تعالى له ومن سماه الله عز وجل له في الآيتين معا سواء مجتمعين غير مفترقين قال ثم يتعرف الحكم في الأربعة الأخماس بما بين الله عز وجل على لسان نبيه ﷺ وفي فعله فإنه قسم أربعة أخماس الغنيمة والغنيمة هي الموجف عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غني وفقير والفيء وهو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت سنة النبي ﷺ في قرى عرينة التي أفاءها الله عليه أن أربعة أخماسها لرسول الله ﷺ خاصة دون المسلمين يضعه رسول الله ﷺ حيث أراه الله عز وجل أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان قال سمعت عمر بن الخطاب وعلي والعباس رحمة الله عليهم يختصمان إليه في أموال النبي ﷺ فقال عمر كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت للنبي ﷺ خالصا دون المسلمين فكان النبي ﷺ ينفق منها على أهله نفقة سنة فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل ثم توفي النبي صلى الله عليه
صفحة : 1332
وسلم فوليها أبو بكر بمثل ما وليها به رسول الله ﷺ ثم وليها عمر بمثل ما وليها به رسول الله ﷺ وأبو بكر ثم سألتماني أن أوليكماها فوليتكماها على أن تعملا فيها بمثل ما وليها به رسول الله ﷺ ثم وليها به وأبو بكر ثم وليتها به فجئتماني تختصمان أتريدان أن أدفع إلى كل واحد منكما نصفا أتريدان مني قضاء غير ما قضيت به بينكما أولا فلا والله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي بينكما قضاء غير ذلك فإن عجزتما عنها فادفعها إلي أكفكماها قال الشافعي فقال لي سفيان لم أسمعه من الزهري ولكن أخبرنيه عمرو بن دينار عن الزهري قلت كما قصصت قال نعم قال الشافعي فأموال بني النضير التي أفاء الله على رسوله عليه الصلاة والسلام التي يذكر عمر فيها ما بقي في يدي النبي ﷺ بعد الخمس وبعد أشياء قد فرقها النبي ﷺ منها بين الرجال من المهاجرين لم يعط منها أنصاريا إلا رجلين ذكرا فقرا وهذا مبين في موضعه وفي هذا الحديث دلالة على أن عمر إنما حكى أن أبا بكر وهو أمضيا ما بقي من هذه الأموال التي كانت بيد رسول الله ﷺ على وجه ما رأيا رسول الله ﷺ يعمل به فيها وأنهما لم يكن لهما مما لم يوجف عليه المسلمون من الفيء ما كان لرسول الله ﷺ وأنهما إنما كانا فيه أسوة للمسلمين وذلك سيرتهما وسيرة من بعدهما والأمر الذي لم يختلف فيه أحد من أهل العلم عندنا علمته ولم يزل يحفظ من قولهم أنه ليس لأحد ما كان لرسول الله ﷺ من صفي الغنيمة ولا من أربعة أخماس ما لم يوجف عليه منها قال الشافعي وقد مضى من كان ينفق عليه رسول الله ﷺ من أزواجه وغيرهن لو كان معهن فلم أعلم أحدا من أهل العلم قال لورثتهم تلك النفقة التي كانت لهم ولا خلاف في أن تجعل تلك النفقات حيث كان النبي ﷺ يجعل فضول غلات تلك الأموال فيما فيه صلاح الإسلام وأهله قال الشافعي فما صار في أيدي المسلمين من فيء لم يوجف عليه فخمسه حيث قسمه الله تبارك وتعالى وأربعة أخماسه على ما سأبينه إن شاء الله وقد سن النبي ﷺ ما فيه الدلالة على ما وصفت أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال لا يقتسمن ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤنة عاملي فهو صدقة أخبرنا سفيان عن أبي زناد عن الأعرج عن أبي هريرة بمثل معناه قال الشافعي وقد أخبرنا أن النفقة إنما هي جارية بقوت منه على أعيان أهله وأن ما فضل
صفحة : 1333
من نفقتهم فهو صدقة ومن وقفت له نفقة لم تكن موروثة عنه قال الشافعي والجزية من الفيء وسبيلها سبيل جميع ما أخذ مما أوجف من مال مشرك أن يخمس فيكون لمن سمى الله عز وجل الخمس وأربعة أخماسه على ما سأبينه إن شاء الله وكذلك كل ما أخذ من مال مشرك بغير إيجاف وذلك مثل ما أخذ منه إذا اختلف في بلاد المسلمين ومثل ما أخذ منه إذا مات ولا وارث له وغير ذلك مما أخذ من ماله وقد كان في زمان النبي ﷺ فتوح في غير قرى عرينة التي وعدها الله رسوله ﷺ قبل فتحها فأمضاها النبي ﷺ كلها لمن هي له ولم يحبس منها ما حبس من القرى التي كانت له وذلك مثل جزية أهل البحرين وهجر وغير ذلك وقد كان في زمان النبي ﷺ فيء من غير قرى عرينة وذلك مثل جزية أهل البحرين فكان له أربعة أخماسها يمضيها حيث أراه الله عز وجل كما يمضي ماله وأوفى خمسه من جعله الله له فإن قال قائل ما دل على ذلك قيل أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله الحديث قال الربيع قال غير الشافعي قال النبي ﷺ لجابر لو جاءني مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا فتوفى النبي ﷺ ولم يأته فجاء أبا بكر فأعطاني ID ' ' وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت
صفحة : 1334
تفريق القسم فيما أوجف عليه الخيل والركاب قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا غزا المسلمون بلاد أهل الحرب بالخيل والركاب فغنموا أرضهم ديارهم وأموالهم وأنفسهم أو بعض ذلك دون بعض فالسنة في قسمه أن يقسمه الإمام معجلا على وجه النظر فإن كان معه كثيرا في ذلك الموضع آمنين لا يكر عليهم العدو فلا يؤخر قسمه إذا أمكنه في موضعه الذي غنمه فيه وإن كانت بلاد حرب أو كان يخاف كرة العدو عليهم أو كان منزله غير رافق بالمسلمين تحول عنه إلى أرفق بهم منه وآمن لهم من عدوهم ثم قسمه وإن كانت بلاد شرك قال الشافعي وذلك أن النبي ﷺ قسم اموال بني المصطلق وسبيهم في الموضع الذي غنمه فيه قبل أن يتحول عنه وما حوله كله بلاد شرك وقسم أموال أهل بدر بسير على أميال من بدر ومن حول سير وأهله مشركون وقد يجوز أن يكون قسمه بسير لأن المشركين كانوا أكثر من المسلمين فتحول إلى موضع لعل العدو لا يأتونه فيه ويجوز أن يكون سير أوصف بهم في المنزل من بدر قال الشافعي وأكثر ما قسم رسول الله ﷺ وأمراء سراياه ما غنموا ببلاد أهل الحرب قال الشافعي وما وصفت من قسم النبي ﷺ وسراياه معروف عند أهل العلم عندنا لا يختلفون فيه فقال لي بعض الناس لا تقسم الغنيمة إلا في بلاد الإسلام وبلغني أن بعض أصحابه خالفه وقال فيه قولنا والحجة على من خالفنا فيه ما وصفنا من المعروف عن النبي ﷺ من القسم ببلاد العدو وإذا حوله الإمام عن موضعه إلى موضع غيره فإن كانت معه حمولة حمله عليها وإن لم تكن معه فينبغي للمسلمين أن يحملوه له إن كان معهم حمولة بلا كراء وإن امتنعوا فوجد كراء كارى على الغنائم واستأجر عليها ثم أخرج الكراء والإجارة من جميع المال قال الشافعي ولو قال قائل يجبر من معه فضل محمل كان مذهبا قال الشافعي وإن لم يجد حمولة ولم يحمل الجيش قسمه قسمه مكانه ثم من شاء أخذ ماله قال الشافعي ولو قال قائل يجبرون على حمله بكراء مثلهم لأن هذا موضع ضرورة كان مذهبا قال الشافعي وإذا خرجت سرية من عسكر فغنمت غنيمة فالأمر فيها كما وصفت في الجيش في بلاد العدو قال الشافعي فإن ساق صاحب الجيش أو السرية سبيا أو خرثيا أو غير ذلك فأدركه العدو فخاف أن يأخذوه منه أو أبطأ عليه بعض ذلك فالأمر الذي لا أشك فيه أنه إن أراد قتل البالغين من الرجال قتلهم وليس له قتل من لم يبلغ ولا قتل النساء منهم ولا عقر الدواب ولا ذبحها وذلك أني إنما وجدت الدلالة من كتاب الله عز وجل ثم
صفحة : 1335
سنة النبي ﷺ ثم ما لا يختلف أهل العلم فيه عندنا أنه إن ما أبيح قتله من ذوات الأرواح من البهائم فإنما أبيح أن يذبح إذا قدر على ذبحه ليؤكل ولا يقتل بغير الذبح والنحر الذي هو مثل الذبح وذلك أن النبي ﷺ نهى أن تصبر البهائم وهي أن ترمى بعد ما تؤخذ وأبيح ما امتنع منها بما نيل به من سلاح لأحد معنيين أن يقتل ليؤكل وتلك ذكاته لأنه لا يقدر من ذكاته على أكثر من ذلك أما قتل ما لايؤكل لضرره وأذاه لأنه في معاني الأعداء أو الحوت أو الجراد فإن قتله ذكاته وهو يؤكل بلا ذكاة وأما ما سوى ذلك فلا أجده أبيح قال الشافعي وقد قيل تذبح خيلهم وتعقر ويحتج بأن جعفرا عقر عند الحرب ولا أعلم ما روي عن جعفر من ذلك ثابتا لهم موجودا عند عامة أهل المغازي ولا ثابتا بالإسناد المعروف الموتصل فإن كان من قال هذا إنما أراد غيظ المشركين لما في غيظهم من أن يكتب به عمل صالح فذلك فيما أغيظوا به مما أبيح لنا وكذلك إن أراد توهينهم وذلك أنا نجد مما يغيظهم ويوهنهم ما هو محظور علينا غير مباح لنا فإن قال قائل وما ذلك قلنا قتل أبنائهم ونسائهم ولو قتلوا كان أغيظ وأهون لهم وقد نهى النبي ﷺ عن ذلك وقتل ذوي الأرواح بغير وجهه عذاب فلا يجوز عندي لغير معنى ما أبيح من أكله وإطعامه أو قتل ما كان عدوا منه قال الشافعي فأما ما لا روح فيه من أموالهم فلا بأس بتحريقه وإتلافه بكل وجه وذلك أن النبي ﷺ حرق أموال بني النضير وعقر النخيل بخيبر والعنب بالطائف وإن تحريق هذا ليس بتعذيب له لأنه لا يألم بالتحريق والعذاب إلا ذو روح وهذا مكتوب في غير هذا الموضع قال الشافعي ولو كان رجل في الحرب فعقر رجل فرسه رجوت أن لا يكون به بأس لأن ذلك ضرورة وقد يباح في الضرورات ما لا يباح في غير الضرورات ID ' ' عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب
صفحة : 1336
الأنفال قال الشافعي رحمه الله تعالى ثم لا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شيء غير السلب أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة قال خرجنا مع رسول الله ﷺ عام خيبر فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه قال فضربته على حبل عاتقه ضربة وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت له ما بال الناس فقال أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله ﷺ من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال رسول الله ﷺ من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقال رسول الله ﷺ مالك يا أبا قتادة فقصصت عليه القصة فقال الرجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله عز وجل يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله ﷺ صدق فأعطه إياه فأعطانيه فبعت الدرع وابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام قال الشافعي هذا حديث ثابت معروف عندنا والذي لا أشك فيه أن يعطى السلب من قتل والمشرك مقبل يقاتل من أي جهة قتله مبارزا أو غير مبارز وقد أعطى النبي ﷺ سلب مرحب من قتله مبارزا وأبو قتادة غير مبارز ولكن المقتولين جميعا مقبلان ولم يحفظ عن النبي ﷺ أنه أعطى أحدا قتل موليا سلب من قتله والذي لا أشك فيه أن له سلب من قتل الذي يقتل المشرك والحرب قائمة والمشركون يقاتلون ولقتلهم هكذا مؤنة ليست لهم إذا انهزموا أو انهزم المقتول ولا أرى أن يعطى السلب إلا من قتل مشركا مقبلا ولم ينهزم جماعة المشركين وإنما ذهبت إلى هذا أنه لم يحفظ عن رسول الله ﷺ قط أنه أعطى السلب قاتلا إلا قاتلا قتل مقبلا وفي حديث أبي قتادة دل على أن النبي ﷺ قال من قتل قتيلا له سلبه يوم حنين بعدما قتل أبو قتادة الرجل وفي هذا دلالة على أن بعض الناس خالف السنة في هذا فقال لا يكون للقاتل السلب إلا أن يقول الإمام قبل القتال من قتل قتيلا فله سلبه وذهب بعض أصحابنا إلى أن هذا من الإمام على وجه الإجتهاد وهذا من النبي ﷺ عندنا حكم وقد
صفحة : 1337
أعطى النبي ﷺ السلب للقاتل في غير موضع قال الشافعي ولو اشترك نفر في قتل رجل كان السلب بينهم ولو أن رجلا صرب رجلا ضربة لا يعاش من مثلها أو ضربة يكون مستهلكا من مثلها وذلك مثل أن يقطع يديه أو رجليه ثم يقتله آخر كان السلب لقاطع اليدين أو الرجلين لأنه قد صيره في حال لا يمنع فيها سلبه ولا يمتنع من أن يذفف عليه وإن ضربه وبقي فيه ما يمنع نفسه ثم قتله بعده آخر فالسلب للآخر إنما يكون السلب لمن صيره بحال لا يمتنع فيها قال الشافعي والسلب الذي يكون للقاتل كل ثوب عليه وكل سلاح عليه ومنطقته وفرسه إن كان راكبه أو ممسكه فإن كان منفلتا منه أو مع غيره فليس له وإنما سلبه ما أخذ من يديه أو مما على بدنه أو تحت بدنه قال الشافعي فإن كان في سلبه سوار ذهب أو خاتم أو تاج أو منطقة فيها نفقة فلو ذهب ذاهب إلى أن هذا مما عليه من سلبه كان مذهبا ولو قال ليس هذا من عدة الحرب وإنما له سلب المقتول الذي هو له سلاح كان وجهها والله أعلم قال الشافعي ولا يخمس السلب قال الشافعي فعارضنا معارض فذكر أن عمر بن الخطاب قال إنا كنا لا نخمس السلب وأن سلب البراء قد بلغ شيئا كثيرا ولا أراني إلا خامسه قال فخمسه وذكر عن ابن عباس أنه قال السلب من الغنيمة وفيه الخمس قال الشافعي فإذا قال النبي ﷺ من قتل قتيلا فله سلبه فآخذ خمس السلب أليس إنما يكون لصاحبه أربعة أخماسه لا كله وإذا ثبت عن النبي ﷺ شيء لم يجز تركه فإن قال قائل فلعل النبي ﷺ أعطى السلب أنه لم يكن ذا خطر وعمر يخبر أنه لم يكن يخمسه وإنما خمسه حين بلغ مالا كثبرا فالسلب إذا كان غنيمه فأخرجناه من أن يكون حكمه حكمها وقلنا قد يحتمل أن يكون قول الله تعالى فأن لله خمسه على أكثر الغنيمة لا على كلها فيكون السلب مما لم يرد من الغنيمة وصفي النبي ﷺ وما غنم مأكولا فأكله من غنمه ويكون هذا بدلالة السنة وما بقي تحتمله الآية وإذا كان النبي ﷺ أعطى السلب من قتل لم يجز عندي والله أعلم أن يخمس ويقسم إذ كان اسم السلب يكون كثيرا وقليلا ولم يستثن النبي ﷺ قليل السلب ولا كثيره أن يقول يعطي القليل من السلب دون الكثير ونقول دلت السنة أنه إنما أراد بما يخمس ما سوى السلب من الغنيمة قال الشافعي وهذه الرواية من خمس السلب عن عمر ليست من روايتنا وله رواية عن سعد بن أبي وقاص في زمان عمر تخالفها أخبرنا ابن عيينة عن الأسود بن قيس عن رجل من قومه يسمى سير بن علقمة قال بارزت رجلا يوم القادسية فقتلته
صفحة : 1338
فبلغ سلبه اثني عشر ألفا فنفلنيه سعد بن أبي وقاص قال الشافعي واثني عشر ألفا كثير الوجه الثاني من النفل قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي ﷺ بعث سرية فيها عبدالله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكانت سهمانهم إثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان الناس يعطون النفل من الخمس قال الشافعي وحديث ابن عمر يدل على أنهم إنما أعطوا مالهم مما أصابوا على أنهم نفلوا بعيرا بعيرا والنفل هو شيء زيدوه غير الذي كان لهم وقول ابن المسيب يعطون النفل من الخمس كما قال إن شاء الله وذلك من خمس النبي ﷺ فإن له خمس الخمس من كل غنيمة فكان النبي ﷺ يضعه حيث أراه الله كما يضع سائر ماله فكان الذي يريه الله تبارك وتعالى ما فيه صلاح المسلمين قال الشافعي وما سوى سهم النبي ﷺ من جميع الخمس لمن سماه الله عز وجل له فلا يتوهم عالم أن يكون قوم حضروا فأخذوا مالهم وأعطوا مما لغيرهم إلا أن يطوع به عليهم غيرهم قال الشافعي والنفل في هذا الوجه من سهم النبي ﷺ فينبغي للإمام أن يجتهد فإذا كثر العدو واشتدت الشوكة وقل من بإزائه من المسلمين نفل منه اتباعا لسنة رسول الله ﷺ وإذا لم يكون ذلك لم ينفل وذلك أن أكثر مغازي النبي ﷺ وسراياه لم يكن فيها أنفال من هذا الوجه قال الشافعي والنفل في أول مغزى والثاني وغير ذلك سواء على ما وصفت من الاجتهاد قال الشافعي والذي يختار من أرضى من أصحابنا أن لا يزاد أحد على ماله لا يعطى غير الأخماس أو السلب للقاتل ويقولون لم نعلم أحدا من الأئمة زاد أحدا على حظه من سلب أو سهما من مغنم إلا أن يكون ما وصفت من كثرة العدو وقلة المسلمين فينفلون وقد روى بعض الشاميين في النفل في البدأة والرجعة الثلث في واحدة والربع في الأخرى ورواية ابن عمر أنه نفل نصف السدس فهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يجاوزه الإمام وأكثر مغازي رسول الله ﷺ لم يكن فيها أنفال فإذا كان للإمام أن لا ينفل فنفل فينبغي لتنفيله أن يكون على الاجتهاد غير محدود ID ' ' الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه
صفحة : 1339
الوجه الثالث من النفل قال الشافعي رحمه الله تعالى قال بعض أهل العلم إذا بعث الإمام سرية أو جيشا فقال لهم قبل اللقاء من غنم شيئا فهو له بعد الخمس فذلك لهم على ما شرط الإمام لأنهم على ذلك غزوا وبه رضوا وقالوا يخمس جميع ما أصاب كل واحد منهم غير السلب في إقبال الحرب وذهبوا في هذا إلى أن النبي ﷺ يوم بدر قال من أخذ شيئا فهو له وذلك قبل نزول الخمس والله أعلم ولم أعلم شيئا يثبت عندنا عن النبي ﷺ إلا ما وصفنا من قسمة الأربعة الأخماس بين من حضر القتال وأربعة أخماس الخمس على أهله ووضعه سهمه حيث أراه الله عز وجل وهو خمس الخمس وهذا أحب إلي والله أعلم ولهذا مذهب وذلك أن يقال إنما قاتل هؤلاء على هذا الشرط والله أعلم كيف تفريق القسم قال الشافعي رحمه الله تعالى وكل ما حصل مما غنم من أهل دار الحرب من شيء قل أو كثر من دار أو أرض وغير ذلك من المال أو سبي قسم كله إلا الرجال البالغين فالإمام فيهم بالخيار بين أن يمن على من رأى منهم أو يقتل أو يفادى أو يسبي وإن من أو قتل فذلك له وإن سبى أو فادى فسبيل ما سبى وما أخذ مما فادى سبيل ما سواه من الغنيمة قال وذلك إذا أخذ منهم شيئا علىإطلاقهم فأما أن يكون أسير من المسلمين فيفاديه بأسيرين أو أكثر فذلك له ولا شيء للمسلمين على من فادى من المسلمين بأسارى المشركين وإذا جاز له أن يمن عليهم فلا يعود على المسلين منه منفعة يقبضونها كان أن يستخرج أسيرا من المسلمين أنفع وأولى أن يجوز أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي ﷺ فادى رجلا برجلين قال الشافعي وفي الرجل يأسره الرجل فيسترق أو تؤخذ منه الفدية قولان أحدهما ما أخذ منه كالمال يغنم وأنه إن استرق فهو كالذرية وذلك يخمس وأربعة أخماسه بين جماعة من حضر فلا يكون ذلك لمن أسره وهذا قول صحيح لا أعلم خبرا ثابتا يخالفه وقد قيل الرجل مخالف للسبي والمال لأن عليه القتل فهو لمن أخذه وما أخذ منه فلمن أخذه كما يكون سلبه لمن قتله لأن أخذه أشد من قتله وهذا مذهب والله أعلم فينبغي للإمام أن يعزل خمس ما حصل بعد ما وصفنا كاملا ويقر أربعة أخماسه ويحسب من حضر القتال من الرجال المسلمين البالغين ويعرف من حضر من أهل الذمة وغير البالغين من المسلين ومن النساء
صفحة : 1340
فينفلهم شيئا فمن رأى أن ينفلهم من الأربعة الأخماس عزل لهم نفلهم وسيذكر هذا في موضعه إن شاء الله ثم يعرف عدد الفرسان والرجالة من بالغي المسلمين الذي حضروا القتال فيضرب للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما فيسوى بين الراجل والراجل فيعطيان سهما سهما ويفضل ذو الفرس فإن الله عز وجل ندب إلى إتخاذ الخيل فقال وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة الآية فأطاع في الرباط وكانت عليه مؤنة في اتخاذه وله غناء بشهوده عليه ليس الراجل شبيها به أخبرنا الثقة عن إسحق الأزرق عن عبدالله عن نافع عن ابن عمر أن النبي ﷺ ضرب للفرس بسهمين وللفارس بسهم فزعم بعض الناس أنه لا يعطى فرس إلا سهما وفارس سهما ولا يفضل فرس على مسلم فقلت لبعض من يذهب مذهبه هو كلام عربي وإنما يعطى الفارس بسبب القوة والغناء مع السنة والفرس لا يملك شيئا إنما يملكه فارسه ولا يقال لا يفضل فرس على مسلم والفرس بهيمة لا يقاس بمسلم ولو كان هذا كما قال صاحبك لم يجز أن يسوى بين فرس ومسلم وفي قوله وجهان أحدهما خلاف السنة والآخر قياسه الفرس بالمسلم وهو لو كان قياسا له دخل عليه أن يكون قد سوى فرسا بمسلم وقال بعض أصحابه بقولنا في سهمان الخيل وقال هذه السنة التي لا ينبغي خلافها قال الشافعي وأحب الأقاويل إلي وأكثر قول أصحابنا أن البراذين والمقاريف يسهم لها سهمان العربية ولأنها قد تغني غناءها في كثير من المواطن واسم الخيل جامع لها وقد قيل يفضل العربي على الهجين وإذا حضر الرجل بفرسين أو أكثر لم يسهم إلا لفرس واحد ولو جاز أن يسهم لاثنين جاز أن يسهم لأكثر وهو لا يلفى أبدا إلا على واحد ولو تحول عنه كان تاركا له آخذا لمثله قال الشافعي وليس فيما قلت من أن لا يسهم إلا لفرس واحد ولا خلافه خبر يثبت مثله والله تعالى أعلم وفيه أحاديث منقطعة أشبهها أن يكون ثابتا أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن يحيى بن سعيد بن عباد بن عبدالله ابن الزبير أن الزبير بن العوام كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم سهما له وسهمين لفرسه وسهما في ذي القربى قال الشافعي يعني والله تعالى أعلم بسهم ذي القربى سهم صفية أمه وقد شك سفيان أحفظه عن هشام عن يحيى سماعا ولم يشك سفيان أنه من حديث هشام عن يحيى هو ولا غيره ممن حفظه عن هشام قال الشافعي وحديث مكحول عن النبي ﷺ مرسل أن الزبير حضر خيبر بفرسين فأعطاه النبي ﷺ خمسة أسهم سهما له وأربعة أسهم لفرسيه ولو كان كما حدث مكحول أن الزبير حضر خيبر بفرسين فأخذ خمسة أسهم كان ولده أعرف
صفحة : 1341
بحديثه وأحرص على ما فيه زيادة من غيرهم إن شاء الله تعالى قال الشافعي ولا يسهم لراكب دابة غير الفرس لا بغل ولا حمار ولا بعير ولا فيل ولا غيره وينبغي للإمام أن يتعاهد الخيل فلا يدخل إلا شديدا ولا يدخل حطما ولا قحما ضعيفا ولا ضرعا ولا أعجف رازحا فإن غفل فشهد رجل على واحد من هذه فقد قيل لا يسهم له لأنه ليس واحد منها غناء الخيل التي أسهم لها رسول الله ﷺ ولم نعلمه أسهم لأحد فيما مضى على مثل هذه الدواب قال الشافعي ولو قال رجل أسهم للفرس كما أسهم للرجل ولم يقاتل كانت شبهة ولكن في الحاضر غير المقاتل العون بالرأي والدعاء وإن الجيش قد ينصرون بأضعفهم وأنه قد لا يقاتل ثم يقاتل وفيهم مرضى فأعطى سهمه سنة وليست في فرس ضرع ولا قحم ولا واحد مما وصفنا من هذه المعاني قال الشافعي وإنما أسهم للفارس بسهم فارس إذا حضر شيئا من الحرب فارسا قبل أن تنقطع الحرب فأما إن كان فارسا إذا دخل بلاد العدو وكان فارسا بعد انقطاع الحرب وقبل جمع الغنيمة فلا يسهم له بسهم فارس قال وقال بعض الناس إذا دخل بلاد العدو فارسا ثم مات فرسه أسهم له سهم فارس وإن أفاد فرسا ببلاد العدو قبل القتال فحضر عليه لم يسهم له قال الشافعي فقيل له ولم أسهمت له إذا دخل أدنى بلاد العدو فارسا وإن لم يحضر القتال فارسا قال لأنه قد يثبت في الديوان فارسا قيل فقد يثبت هو في الديوان فإن مات فلا يسهم له إلا أن يموت بعد ما تحرز الغنيمة قيل فقد أثبت هو وفرسه في الديوان فزعمت أن الموت قبل إحراز الغنيمة وإن حضر القتال يقطع حظه في الغنيمة وأن موت فرسه قبل حضور القتال لا يقطع حظه قبل فعليه مؤنة وقد وافى أدنى بلاد العدو قيل فذلك كله يلزمك في نفسه ويلزمك في الفرس أرأيت الخراساني أو اليماني يقود الفرس للزوم حتى إذا لم يكن بينه وبين أدنى بلاد العدو إلا ميل فمات فرسه أيسهم لفرسه قال لا قيل فهذا قد تكلف من المؤنة أكثر مما يتكلف رجل من أهل الثغور ابتاع فرسا ثم غزا عليه فأمسى بأدنى العدو ثم مات فرسه فزعمت أنك تسهم له ولو كنت بالمؤنة التي الزمته في الفرس تسهم له كان هذا أولى أن تحرمه من الذي تكلف أكثر مما تكلف فحرمته قال الشافعي ولو حاصر قوم مدينة فكانوا لا يقاتلون إلا رجالة أو غزا قوم في البحر فكافوا لا يقاتلون إلا رجالة لا ينتفعون بالخيل في واحد من المعنيين أعطى الفارس سهم الفارس لم ينقص منه قال الشافعي ولو دخل رجل يريد الجهاد فلم يجاهد أسهم له ولو دخل أجير يريد الجهاد فقد قيل يسهم له وقيل يخير بين أن يسهم له ويطرح الإجارة أو الإجارة ولا
صفحة : 1342
يسهم له وقد قيل يرضخ له قال الشافعي ولو انفلت أسير في أيدي العدو قبل أن تحرز الغنيمة فقد قيل لا يسهم له إلا أن يكون قتال فيقاتل فأرى أن يسهم له وقد قيل يسهم له ما لم تحرز الغنيمة ولو دخل قوم تجار فقاتلوا لم أر بأسا أن يسهم لهم وقد قيل لا يسهم لهم قال الشافعي فأما الذمي غير البالغ والمرأة يقاتلون فلا يسهم لهم ويرضخ لهم وكان أحب إلي في الذمي لو استؤجر بشيء من غير الغنيمة أو المولود في بلاد الحرب يرضخ له ويرضخ لمن قاتل أكثر مما يرضخ لمن لم يقاتل وليس لذلك عندي حد معروف يعطون من الخرثى والشيء المتفرق مما يغنم ولو قال قائل يرضخ لهم من جميع المال كان مذهبا وأحب إلي أن يرضخ لهم من الأربعة الأسهم لأنهم حضروا القتال والسنة بالرضخ لهم بحضورهم كما كانت بالإسهام لغيرهم بحضورهم قال الشافعي فإن جاء مدد للمسلمين بلاد الحرب قبل أن تنقطع الحرب فحضروا من الحرب شيئا قل أو كثر شركوا في الغنيمة وإن لم يأتوا حتى تنقطع الحرب ولا يكون عند الغنيمة مانع لها لم يشركوهم ولو جاءوا بعدما أحرزت الغنيمة ثم كان قتال بعدها فإن غنموا شيئا حضروه شركوا فيه ولا يشركون فيما أحرز قبل حضورهم ولو أن قائدا فرق جنده في وجيهن فغنمت إحدى الفرقتين ولم تغنم الأخرى أو بعث سرية من عسكر أو خرجت هي فغنمت في بلاد العدو ولم يغنم العسكر أو غنم العسكر ولم تغنم السرية شرك كل واحد من الفريقين صاحبه لأنه جيش واحد كلهم ردء لصاحبه قد مضت خيل المسلمين فغنمت بأوطاس غنائم كثيرة وأكثر العسكر حنين فشركوهم وهم مع رسول الله ﷺ قال الشافعي ولو كان قوم مقيمين ببلادهم فخرجت منهم طائفة فغنموا لم يشركهم المقيمون وإن كان منهم قريبا لأن السرايا كانت تخرج من المدينة فتغنم ولا يشركهم أهل المدينة ولو أن إماما بعث جيشين على كل واحد منهما قائد وأمر كل واحد منهما أن يتوجه ناحية غير ناحية صاحبه من بلاد عدو فغنم أحد الجيشين لم يشركهم الآخرون فإن اجتمعوا فغنموا مجتمعين فهم كجيش واحد ويرفعون الخمس إلى الإمام وليس واحد من القائدين بأحق بولاية الخمس إلى أن يوصله إلى الإمام من الآخر وهما فيه شريكان قال الشافعي ولو غزت جماعة باغية مع جماعة أهل عدل شركوهم في الغنيمة ولأهل العدل بطاعة الإمام أن يلوا الخمس ID ' ' أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.
صفحة : 1343
سن تفريق القسم قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك اسمه واعملوا أنما غنمتم من شيء الآية قال الشافعي أخبرنا مطرف عن معمر عن الزهري أن محمد بن جبير بن مطعم أخبره عن أبيه قال لما قسم النبي ﷺ سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا أو منعتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة فقال النبي ﷺ إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أحسبه داود العطار عن ابن المبارك عن يونس عن ابن شهاب الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي ﷺ بمثل معناه أخبرنا الثقة عن محمد ابن إسحق عن الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي ﷺ بمثل معناه قال الشافعي فذكرت لمطرف بن مازن أن يونس وابن إسحق رويا حديث ابن شهاب عن ابن المسيب فقال مطرف حدثنا معمر كما وصفت ولعل ابن شهاب رواه عنهما معا أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن علي بن الحسين عن النبي ﷺ مثله وزاد لعن الله من فرق بين بنى هاشم وبني المطلب قال الشافعي وأخبرنا عن الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال قسم رسول الله ﷺ سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب ولم يعط منه أحدا من بني عبد شمس ولا بني نوفل شيئا قال الشافعي فيعطي جميع سهم ذي القربى حيث كانوا لا يفضل منهم أحد حضر القتال على أحد لم يحضره إلا بسهمه في الغنيمة كسهم العامة ولا فقير على غني ويعطي الرجل سهمين والمرأة سهما ويعطي الصغير منهم والكبير سواء وذلك أنهم إنما أعطوا باسم القرابة وكلهم يلزمه اسم القرابة فإن قال قائل قد أعطى رسول الله ﷺ بعضهم مائة وسق وبعضهم أقل قال الشافعي فكل من لقيت من علماء أصحابنا لم يختلفوا فيما وصفت من التسوية بينهم وبأنه إنما قيل أعطى فلانا كذا لأنه كان ذا ولد فقيل أعطاه كذا وإنما أعطاه حظه وحظ عياله والدلالة على صحة ما حكيت مما قالوا عنهم ما وصفت من اسم القرابة وأن النبي ﷺ أعطاه من حضر خيبر ومن لم يحضرها وأنه لم يسم أحدا من عيال من سمى أنه أعطى بعينه وأن حديث جبير بن مطعم فيه أنه قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني
صفحة : 1344
المطلب والقسم إذا لم يكن تفضيل يشبه قسم المواريث وفي حديث جبير بن مطعم الدلالة على أنه لهم خاصة وقد أعطى النبي ﷺ من سهمه غير واحد من قريش والأنصار لا من سهم ذي القربي قال الشافعي وتفرق ثلاثة أخماس الخمس على من سمى الله عز وجل على اليتامى والمساكين وابن السبيل في بلاد الإسلام كلها يحصون ثم توزع بينهم لكل صنف منهم سهمه كاملا لا يعطى واحد من أهل السهمان سهم صاحبه قال الشافعي وقد مضى النبي ﷺ بأبي هو وأمي ماضيا وصلى الله عليه وملائكته فاختلف أهل العلم عندنا في سهمه فمنهم من قال يرد على السهمان التي ذكرها الله عز وجل معه لأني رأيت المسلمين قالوا فيمن سمى له سهم من أهل الصدقات فلم يوجد يرد على من سمى معه وهذا مذهب يحسن وإن كان قسم الصدقات مخالفا قسم الفيء ومنهم من قال يضعه الأمام حيث رأى على الاجتهاد للاسلام وأهله ومنهم من قال يضعه في الكراع والسلاح قال الشافعي والذي اختار أن يضعه الإمام في كل أمر حصن به الإسلام وأهله من سد ثغر وإعداد كراع أو سلاح أو إعطاء أهل البلاء في الإسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب إعداد للزيادة في تعزيز الإسلام وأهله على ما صنع فيه رسول الله ﷺ فإن النبي ﷺ قد أعطى المؤلفة ونفل في الحرب وأعطى عام خيبر نفرا من أصحابه من المهاجرين والأنصار أهل الحاجة وفضل وأكثرهم أهل فاقة نرى ذلك كله والله تعالى أعلم من سهمه وقال بعض الناس بقولنا في سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل وزاد سهم النبي ﷺ وسهم ذي القربى فقلت له أعطيت بعض من قسم الله عز وجل له ماله وزدته ومنعت بعض من قسم الله له ماله فخالفت الكتاب والسنة فيما أعطيت ومنعت فقال ليس لذي القربى منه شيء قال الشافعي وكلمونا فيه بضروب من الكلام قد حكيت ما حضرني منها وأسأل الله التوفيق فقال بعضهم ما حجتكم فيه قلت الحجة الثابتة من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه وذكرت له القرآن والسنة فيه قال فإن سفيان بن عيينة روى عن محمد بن إسحق قال سألت أبا جعفر محمد بن علي ما صنع علي رحمه الله في الخمس فقال سلك به طريق أبي بكر وعمر وكان يكره أن يؤخذ عليه خلافهما وكان هذا يدل على أنه كان يرى فيه رأيا خلاف رأيهما فاتبعهما فقلت له هل علمت أن أبا بكر قسم على العبد والحر وسوى بين الناس وقسم عمر فلم يجعل للعبيد شيئا وفضل بعض الناس على بعض وقسم علي فلم يجعل للعبيد شيئا وسوى بين الناس قال نعم قلت أفتعلمه
صفحة : 1345
خالفهما معا قال نعم قلت أو تعلم عمر قال لا تباع أمهات الأولاد وخالفه علي قال نعم قلت وتعلم أن عليا خالف أبا بكر في الجد قال نعم قلت فيكف جاز لك أن يكون هذا الحديث عندك على ما وصفت من أن عليا رأى غير رأيهما فاتبعهما وبين عندك أنه قد يخالفهما فيما وصفنا وفي غيره قال فما قوله سلك به طريق أبي بكر وعمر قلت هذا كلام جملة يحتمل معاني فإن قلت كيف صنع فيه علي فذلك يدلني على ما صنع فيه أبو بكر وعمر قال الشافعي وأخبرنا عن جعفر بن محمد عن أبيه أن حسنا وحسينا وعبدالله بن عباس وعبدالله بن جعفر سألوا عليا رضي الله عنه وعنهم نصيبهم من الخمس فقال هو لكم حق ولكني محارب معاوية فإن شئتم تركتم حقكم منه قال الشافعي فأخبرت بهذا الحديث عبدالعزيز بن محمد فقال صدق هكذا كان جعفر يحدثه أفما حدثكه عن أبيه عن جده قلت لا قال ما أحسبه إلا عن جده قال فقلت له أجعفر أوثق وأعرف بحديث أبيه أم ابن إسحق قال بل جعفر فقلت له هذا بين لك إن كان ثابتا أن ما ذهبت إليه من ذلك على غير ما ذهبت إليه فينبغي أن يستدل أن أبا بكر وعمر أعطياه أهله قال الشافعي محمد بن علي مرسل عن أبي بكر وعمر وعلي لا أدري كيف كان هذا الحديث قلت وكيف احتججت به إن كان حجة فهو عليك وإن لم يكن حجة فلا تحتج بما ليس بحجة واجعله كما لم يكن قال فهل في حديث جعفر أعطاهموه قلت أيجوز على علي أو على رجل دونه أن يقول هو لكم حق ثم يمنعهم قال نعم إن طابت أنفسهم قلنا وهم إن طابت أنفسهم عما في أيديهم من مواريث آبائهم وأكسابهم حل له أخذه قال فإن الكوفيين قد رووا فيه عن أبي بكر وعمر شيئا أفعلمته قلت نعم ورووا ذلك عن أبي بكر وعمر مثل قولنا قال وما ذاك قلت أخبرنا إبراهيم بن محمد عن مطر الوراق ورجل لم يسمه كلاهما عن الحكم بن عيينة عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال لقيت عليا عند أحجار الزيت فقلت له بأبي وأمي ما فعل أبو بكر وعمر في حقكم أهل البيت من الخمس فقال علي أما أبو بكر فلم يكن في زمانه أخماس وما كان فقد أوفاناه وأما عمر فلم يزل يعطيناه حتى جاء مال السوس والأهواز أو قال فارس قال الربيع أنا أشك فقال في حديث مطر أو حديث الآخر فقال في المسلمين خلة فإن أحببتم تركتم حقكم فجعلناه في خلة المسلمين حتى يأتينا مال فأوفيكم حقكم منه فقال العباس لعلي لا نطعمه في حقنا فقلت يا أبا الفضل ألسنا أحق من أجاب أمير المؤمنين ورفع خلة المسلمين فتوفى عمر قبل أن يأتيه مال فيقضيناه وقال الحكم في حديث مطر أو الآخر إن عمر قال لكم حق ولا يبلغ علمي
صفحة : 1346
إذ كثر أن يكون لكم كله فإن شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم فأبينا عليه إلا كله فأبى أن يعطينا كله فقال فإن الحكم يحكي عن أبي بكر وعمر أنهما أعطيا ذوي القربى حقهم ثم تختلف الرواة عنه في عمر فتقول مرة أعطاهم حتى جاءهم مال السوس ثم استسلفه منهم للمسلمين وهذا تمام على إعطاءهم القليل والكثير منه وتقول مرة أعطاهموه حتى كثر ثم عرض عليهم حين كثر أن يعطيهم بعض ما يراه لهم حقا لا كله وهذا أعطاهم بعضه دون بعض وقد روى الزهري عن ابن هرمز عن ابن عباس عن عمر قريبا من هذا المعنى قال فكيف يقسم سهم ذي القربى وليست الرواية فيه عن أبي بكر وعمر متواطئة وكيف يجوز أن يكون حقا لقوم ولا يثبت عنهما من كل وجه أنهما أعطياه عطاء بينا مشهورا فقلت له قولك هذا قول من لا علم له قال وكيف قلت هذا الحديث يثبت عن أبي بكر أنه أعطاهموه في هذا الحديث وعمر حتى كثر المال ثم اختلف عنه في الكثرة وقلت أرأيت مذهب أهل العلم في القديم والحديث إذا كان الشيء منصوصا في كتاب الله عز وجل مبينا على لسان رسوله ﷺ أو فعله أليس يستغنى به عن أن يسأل عما بعده ويعلم أن فرض الله عز وجل على أهل العلم اتباعه قال بلى قلت قلت أفتجد سهم ذي القربى مفروضا في آيتين من كتاب الله تبارك وتعالى مبينا على لسان رسوله ﷺ وفعله ثابت بما يكون من أخبار الناس من وجهين أحدهما ثقة المخبرين به واتصاله وأنهم كلهم أهل قرابة برسول الله ﷺ الزهري من أخواله وابن المسيب من أخوال أبيه وجبير بن مطعم ابن عمه وكلهم قريب منه في جذم النسب وهم يخبرونك مع قرابتهم وشرفهم أنهم مخرجون منه وأن غيرهم مخصوص به دونه ويخبرك أنه طلبه هو وعثمان فمنعاه وقرابتهما في جذم النسب قرابة بني المطلب الذي أعطوه قال نعم قلت فمتى تجد سنة أبدا أثبتت بفرض الكتاب وصحة الخبر وهذه الدلالات من هذه السنة لم يعارضها عن النبي ﷺ معارض بخلافها وكيف تريد إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول ظاهر الكتاب يخالفهما وهو لا يخالفهما ثم تجد الكتاب بينا في حكمين منه بسهم ذي القربى من الخمس معه السنة فتريد إبطال الكتاب والسنة هل تعلم قولا أولى بأن يكون مردودا من قولك هذا وقول من قال قولك قال الشافعي له أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال أراك قد أبطلت سهم ذي القربى من الخمس فأنا أبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال ليس ذلك له قلنا فإن قال فأثبت لي أن النبي ﷺ أعطاهموه أو أن أبا بكر وعمر أعطاهموه أو
صفحة : 1347
أحدهما قال ما فيه خبر ثابت عن النبي ﷺ ولا عمن بعده غير أن الذي يجب علينا أن نعلم أن النبي ﷺ أعطاه من أعطى الله إياه وأن أبا بكر وعمر عملا بذلك بعده إن شاء الله تعالى قلنا أفرأيت لو قال فأراك تقول نعطي اليتامي والمساكين وابن السبيل سهم النبي ﷺ وسهم ذي القربى فإن جاز لك أن يكون الله عز وجل قسمه على خمسة فجعلته لثلاثة فأنا أجعله كله لذوي القربى لأنهم مبدءون في الآية على اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعرفون معرفتهم ولأن النبي ﷺ أعطاه ذوي القربى ولا أجد خبرا مثل الخبر الذي يحكى أنه عليه الصلاة والسلام أعطى ذوي القربى سهمهم واليتامى والمساكين وابن السبيل ولا أجد ذلك عن أبي بكر ولا عمر فقال ليس ذلك له قلنا ولم قال لأن الله تعالى إذ قسم لخمسة لم يجز أن يعطاها واحد قلت فكيف جاز لك وقد قسم الله عز وجل لخمسة وأن أعطيته ثلاثة وذوو القربى موجودون قال الشافعي رحمه الله تعالى فقال لعل هذا إنما كان في حياة النبي ﷺ لمكانهم منه فلما توفي النبي ﷺ لم يكن لهم قلت له أيجوز لأحد نظر في العلم أن يحتج بمثل هذا قال ولم لا يجوز إذا كان يحتمل وإن لم يكن ذلك في الخبر ولا شيء يدل عليه قلت فإن عارضك جاهل بمثل حجتك فقال ليس لليتامى والمساكين وابن السبيل بعد النبي ﷺ شيء لأنه يحتمل أن يكون ذلك حقا ليتامى المهاجرين والأنصار الذين جاهدوا في سبيل الله مع رسوله وكانوا قليلا في مشركين كثير ونابذوا الأبناء والعشائر وقطعوا الذمم وصاروا حزب الله فهذا لأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فإذا مضى رسول الله ﷺ وصار الناس مسلمين ورأينا ممن لم ير رسول الله ﷺ ولم يكن لآبائه سابقة معه من حسن اليقين والفضل أكثر ممن يرى أخذوا وصار الأمر واحدا فلا يكون لليتامى والمساكين وابن السبيل شيء إذا استوى في الإسلام قال ليس ذلك له قلت ولم قال لأن الله عز وجل إذا قسم شيئا فهو نافذ لمن كان في ذلك المعنى إلى يوم القيامة قلت له فقد قسم الله عز وجل ورسوله ﷺ لذوي القربى فلم لم تره نافذا لهم إلى يوم القيامة قال فما منعك أن أعطيت ذوي القربى أن تعطيهم على معنى الحاجة فيقضى دين ذي الدين ويزوج العزب ويخدم من لا خادم له ولا يعطى الغني شيئا قلت له منعني أني وجدت كتاب الله عز وجل ذكره في قسم الفيء وسنة النبي ﷺ المبينة عن كتاب الله عز وجل على غير هذا المعنى الذي دعوت إليه وأنت أيضا تخالف ما
صفحة : 1348
دعوت إليه فتقول لا شيء لذوي القربى قال إني أفعل فهلم الدلالة على ما قلت قلت قول الله عز وجل وللرسول ولذي القربى فهل تراه أعطاهم بغير اسم القرابة فال لا وقد يحتمل أن يكون أعطاهم باسم القرابة ومعنى الحاجة قلت فإن قلت وجدت رسول الله ﷺ أعطى من ذوي القربى غنيا لا دين عليه ولا حاجة به بل يعول عامة أهل بيته ويتفضل على غيره لكثرة ماله وما من الله عز وجل به عليه من سعة خلقه قال إذا يبطل المعنى الذي ذهبت إليه قلت فقد أعطى أبا الفضل العباس ابن عبدالمطلب وهو كما وصفت في كثرة المال يعول عامة بني المطلب ويتفضل على غيرهم قال فليس لما قلت من أن يعطوا على الحاجة معنى إذا أعطيه الغنى وقلت له أرأيت لو عارضك معارض أيضا فقال قال الله عز وجل في الغنيمة واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية فاستدللنا أن الأربعة الأخماس لغير أهل الخمس فوجدنا رسول الله ﷺ أعطاها من حضر القتال وقد يحتمل أن يكون أعطاهموها على أحد معنين أو عليهما فيكون أعطاها أهل الحاجة ممن حضر دون أهل الغنى عنه أو قال قد يجوز إذا كان بالغلبة أعطاهموه أن يكون أعطاه أهل البأس والنجدة دون أهل العجز عن الغناء أو أعطاه من جمع الحاجة والغناء ما تقول له قال أقول ليس ذلك له قد أعطى الفارس ثلاثة أسهم والراجل سهما قلت أفيجوز أن يكون أعطى الفارس والراجل ممن هو بهذه الصفة قال إذا حكى أنه أعطى الفارس والراجل فهو عام حتى تأتي دلالة بخبر عن النبي ﷺ أنه خاص وهو على الغني والفقير والعاجز والشجاع لأنا نستدل أنهم أعطوه لمعنى الحضور فقلت له فالدلالة على أن ذوي القربى أعطوا سهم ذوي القربى بمعنى القرابة مثله أو أبين قلت فيمن حضر أرأيت لو قال قائل ما غنم في زمان النبي ﷺ ليس بالكثير فلو غزا قوم فغنموا غنائم كثيرة أعطيناهم بقدر ما كانوا يأخذون في زمان النبي ﷺ قال ليس ذلك له قد علم الله أن يستغنموا القليل والكثير فإذا بين النبي ﷺ أن لهم أربعة أخماس فسواء قلت أو كثرت أو قلوا أوكثروا أو استغنوا أو افتقروا قلت فلم لا تقول هذا في سهم ذي القربى قال الشافعي رحمه الله تعالى وقلت له أرأيت لو غزا نفر يسير بلاد الروم فغنموا ما يكون السهم فيه مائة ألف وغزا آخرون الترك فلم يغنموا درهما ولقوا قتالا شديدا أيجوز أن تصرف من الكثير الذي غنمه القليل بلا قتال من الروم شيئا إلى إخوانهم المسلمين الكثير الذين لقوا القتال الشديد من الترك ولم يغنموا شيئا قال لا قلت ولم وكل يقاتل لتكون كلمة الله
صفحة : 1349
هي العليا قال لا يغير شيء عن موضعه الذي سنه رسول الله ﷺ فيه بمعنى ولا علة قلت وكذلك قلت في الفرائض التي أنزلها الله عز وجل وفيما جاء منها عن بعض أصحاب النبي ﷺ قال وما ذلك قلت أرأيت لو قال لك قد يكون ورثوا لمعنى منفعتهم للميت كانت في حياته وحفظه بعد وفاته ومنفعة كانت لهم ومكانهم كان منه وما يكون منهم مما يتخلى منه غيرهم فأنظر فأيهم كان أحب إليه وخيرا له في حياته وبعد وفاته وأحوج إلى تركته وأعظم مصيبة به بعد موته فأجهل لهم سهم من يخالف هذا ممن كان يسيء إليه في حياته وإلى تركته بعد موته وهو غنى عن ميراثه قال ليس له ذلك بل ينفل ما جعله الله عز وجل لمن جعله قلت وقسم الغنيمة والفيء والمواريث والوصايا على الأسماء دون الحاجة قال نعم قلت له بل قد يعطى أيضا من الفيء الغنى والفقير قال نعم قد أخذ عثمان وعبدالرحمن عطاءهما ولهما غنى مشهور فلم يمنعاه من الغنى قلت فما بال سهم ذوي القربى وفيه الكتاب والسنة وهو أثبت ممن قسم له ممن معه من اليتامى وابن السبيل وكثير مما ذكرنا أدخلت فيه مالا يجوز أن يدخل في مثله وأضعف منه قال فأعاد هو وبعض من يذهب مذهبه قالوا أردنا أن يكون ثابتا عن أبي بكر وعمر قلت له أو ما يكتفي بالكتاب والسنة قال بلى قلت فقد أعدت هذا أفرأيت إذا لم يثبت بخبر صحيح عن أبي بكر ولا عمر إعطاء اليتامى والمساكين وابن السبيل أطرحتهم قال لا قلت أو رأيت إذا لم يثبت عن أبي بكر أنه أعطى المبارز السلب ويثبت عن عمر أنه أعطاه أخرى وخمسه فيكف قلت فيه وكيف استخرجت تثبيت السلب إذا قال الإمام هو لمن قتل وليس يثبت عن أبي بكر وخالفت عمر في الكثير منه وخالفت ابن عباس وهو يقول السلب من الغنيمة وفي السلب الخمس لقول الله عز وجل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية قال إذا ثبت الشيء عن النبي ﷺ لا يوهنه أن لايثبت عمن بعده ولا من خالفه من بعده قلت وإن كان معهم التأويل قال وإن لأن الحجة في رسول الله ﷺ قلت له قد ثبت حكم الله عز وجل وحكم رسول الله ﷺ لذوي القربى بسهمهم فكيف أبطلته وقلت وقد قال الله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وقال النبي ﷺ فيما سقى بالسماء العشر لم يخص مال دون مال في كتاب الله عز وجل ولا في هذا الحديث وقال إبراهيم النخعي العشر فيما أنبتت الأرض فكيف قلت ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة قال فإن أبا سعيد رواه عن النبي ﷺ
صفحة : 1350
فقلت له هل تعلم أحدا رواه تثبت روايته غير أبي سعيد قال لا قلت أفالحديث أن النبي ﷺ أعطى لذي القربى سهمهم أثبت رجالا وأعرف وأفضل أم من روى دون أبي سعيد عن أبي سعيد هذا الحديث قال بل من روى سهم ذي القربى قلت وقد قرأت لرسول الله ﷺ ثلاثة عهود عهده لابن سعيد بن العاص على البحرين وعهده لعمرو بن حزم على نجران وعهدا ثالثا ولأبي بكر عهدا ولعمر عهودا ولعثمان عهودا فما وجدت في واحد منها قط ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وقد عهدوا في العهود التي قرأت على العمال ما يحتاجون إليه من أخذ الصدقة وغيرها ولا وجدنا أحدا قط يروي عن النبي ﷺ بحديث ثابت ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة غير أبي سعيد ولا وجدنا أحدا قط يروى ذلك عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي فهل وجدته قال لا قلت أفهذا لأنهم يأخذون صدقات الناس من الطعام في جميع البلدان وفي السنة مرارا لاختلاف زروع البلدان وثمارها أولى أن يؤخذ عنهم مشهورا معروفا أم سهم ذي القربى الذي هو لنفر بعدد وفي وقت واحد من السنة قال كلاهما مما كان ينبغي أن يكون مشهورا قلت أفتطرح حديث أبي سعيد ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة لأنه ليس عن النبي ﷺ إلا من وجه واحد وأن إبراهيم النخعي تأول ظاهر الكتاب وحديثا مثله ويخالفه هو ظاهر القرآن لأن المال يقع على ما دون خمسة أوسق وأنه غير موجود عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي قال لا ولكني أكتفي بالسنة من هذ كله فقلت له قال الله عز وجل قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية وقد قال ابن عباس وعائشة وعبيد ابن عمير لا بأس بأكل سوى ما سمى الله عز وجل أنه حرام واحتجوا بالقرآن وهم كما تعلم في العلم والفضل وروى أبو إدريس عن النبي ﷺ أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ووافقه الزهري فيما يقول قال كل ذي ناب من السباع حرام والنبي ﷺ أعلم بمعنى ما أراد الله عز وجل وذكره من خالفه شيئا مما روى عن النبي ﷺ فليس في قوله حجة ولو علم الذي قال قولا يخالف ما روى عن النبي ﷺ أن النبي ﷺ قاله رجع إليه وقد يعزب عن الطويل الصحبة السنة ويعلمها بعيد الدار قليل الصحبة وقلت له جعل أبو بكر وابن عباس وعائشة وابن الزبير وعبدالله بن أبي عتبة وغيرهم الجد أبا وتأولوا القرآن فخالفته لقول زيد وابن مسعود قال نعم وخالفت أبا بكر في إعطاء المماليك فقلت لا يعطون قال
صفحة : 1351
نعم وخالفت عمر في امرأة المفقود والبتة وفي التي تنكح في عدتها وفي أن ضعف الغرم على سراق ناقة المزنى وفي أن قضى في القسامة بشطر الدية وفي أن جلد في التعريض الحد وجلد في ريح الشراب الحد وفي أن جلد وليدة حاطب وهي ثيب حد الزنا حد البكر وفي شيء كثير منه ما تخالفه لقول غيره من أصحاب النبي ﷺ ومنه ما تخالفه ولا مخالف له منهم قال نعم أخالفه لقول غيره من أصحاب النبي ﷺ قلت له وسعد بن عبادة قسم ماله صحيحا بين ورثته ثم مات فجاء أبو بكر وعمر قيسا فقالا نرى أن تردوا عليه فقال قيس بن سعد لا أرد شيئا قضاه سعد ووهب لهم نصيبه وأنت تزعم أن ليس عليهم رد شيء أعطوه وليس لأبي بكر وعمر في هذا مخالف من أصحابهما فترد قولهما مجتمعين ولا مخالف لهما وترد قولهما مجتمعين في قطع يد السارق بعد يده ورجله لا مخالف لهما إلا ما لا يثبت مثله عن علي رضوان الله تعالى عليه قال الشافعي رحمه الله ثم عددت عليه ثلاث عشرة قضية لعمر بن الخطاب لم يخالفه فيها غيره من أصحاب النبي ﷺ بحديث يثبت مثله نأخذ بها نحن ويدعها هو منها أن عمر قال في التي نكحت في عدتها فأصيبت تعتد عدتين وقاله علي ومنها أن عمر قضى في الذي لا يجد ما ينفق على امرأته أن يفرق بينهما ومنها أن عمر رأى أن الإيمان في القسامة على قوم ثم حولها على آخرين فقال إنما ألزمنا الله عز وجل قول رسوله ﷺ وفرض علينا أن نأخذ به أفيجوز أن تخالف شيئا روى عن النبي ﷺ ولو خالفه مائة وأكثر ما كانت فيهم حجة قلت فقد خالفت كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ﷺ في سهم ذي القربى ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي ﷺ أنه خالفه قال فقد روى عن ابن عباس كنا نراه لنا فأبى ذلك علينا قومنا قلت هذا كلام عربي يخرج عاما وهو يراد به الخاص قال ومثل ماذا قلت مثل قول الله عز وجل الذين قال لهم الناس الآية فنحن وأنت نعلم أن لم يقل ذلك إلا بعض الناس والذين قالوه أربعة نفر وأن لم يجمع لهم الناس كلهم إنما جمعت لهم عصابة انصرفت عنهم من أحد قال هذا كله هكذا قلت فإذا لم يسم ابن عباس أحدا من قومه ألم تره كلاما من كلهم وابن عباس يراه لهم فكيف لم تحتج بأن ابن عباس لا يراه لهم إلا حقا عنده واحتججت بحرف جملة خبر فيه أن غيره قد خالفه فيه مع أن الكتاب والسنة فيه أثبت من أن يحتاج معهما إلى شيء قال أفيجوز أن قول ابن عباس فأبى ذلك علينا قومنا يعني غير أصحاب النبي ﷺ قلت نعم يجوز أن يكون
صفحة : 1352
عنى به يزيد بن معاوية وأهله قال فكيف لم يعطهم عمر بن عبدالعزيز سهم ذي القربى قلت فأعطى عمر بن عبدالعزيز سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال لا أراه إلا قد فعل قلت أفيجوز أن تقول أراه قد فعل في سهم ذي القربى قال أراه ليس بيقين قلت أفتبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل حتى تتيقن أن قد أعطاهموه عمر بن عبدالعزيز قال لا قلت ولو قال عمر بن عبدالعزيز في سهم ذي القربى لا أعطيهموه وليس لهم كان علينا أن نعطيهموه إذا ثبت عن النبي ﷺ أنه أعطاهموه قال نعم قلت وتخالف عمر بن عبدالعزيز في حكم لو حكم به لم يخالفه فيه غيره قال نعم وهو رجل من التابعين لا يلزمنا قوله وإنما هو كأحدنا قلت فكيف احتججت بالتوهم عنه وهو عندك هكذا قال فعرضت بعض ما حكيت مما كلمت به من كلمني في سهم ذي القربى على عدد من أهل العلم من أصحابنا وغيرهم فكلهم قال إذا ثبت عن النبي ﷺ شيء فالفرض من الله عز وجل على خلقه اتباعه والحجة الثابتة فيه ومن عارضه بشيء يخالفه عن غير رسول الله ﷺ فهو مخطيء ثم إذا كان معه كتاب الله عز وجل فذلك ألزم له وأولى أن لا يحتج أحد معه سهم ذي القربى ثابت في الخمس فيما لم يوجف عليه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى وما أخذ الولاة من المشركين من حزيتهم والصلح عن أرضهم وما أخذ من أموالهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين ومن أموالهم إن صالحوا بغير إيجاف خيل ولا ركاب ومن أموالهم إن مات منهم ميت لا وارث له وما أشبه هذا مما أخذه الولاة من مال المشركين فالخمس في جميعه ثابت فيه وهو على ما قسمه الله عز وجل لمن قسمه له من أهل الخمس الموجف عليه من الغنيمة وهذا هو المسمى في كتاب الله عز وجل قال الشافعي رحمه الله تعالى قال لي قائل قد احتججت بأن النبي ﷺ أعطى سهم ذي القربى عام خيبر ذوي القربى وخيبر مما أوجف عليه فكيف زعمت أن الخمس لهم مما لم يوجف عليه فقلت له وجدت المالين أخذا من المشركين وخولهما بعض أهل دين الله عز وجل وجدت الله تبارك وتعالى اسمه حكم في خمس الغنيمة بأنه على خمسة لأن قول الله تبارك وتعالى لله مفتاح كلام كل شيء وله الأمر من قبل ومن بعد فأنفذ رسول الله ﷺ لذوي القربى حقهم فلا يشك أنه قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل حقهم وأنه قد انتهى إلى كل ما أمره الله عز وجل به فلما وجدت الله عز وجل قد قال في سورة الحشر وما أفاء الله على رسوله منهم الآية فحكم فيها حكمه فيها أوجف عليه بالخيل والركاب ودلت
صفحة : 1353