الرئيسيةبحث

كتاب الأم - المجلد الخامس2

المهر الفاسد

قال الشافعي رحمه الله تعالى: في عقد النكاح شيئان: أحدهما العقدة. والآخر المهر الذي يجب بالعقد فلا يفسد العقد إلا بما وصفنا العقد يفسد به من أن يعقد منهيا عنه وليس المهر من إفساد العقد ولا إصلاحه بسبيل. ألا ترى أن عقد النكاح بغير مهر مسمى صحيح فإذا كان العقد منهيا عنه لم يصح أن يكون عقد بمهر صحيح. أو لا ترى أن عقد النكاح يكون بلا مهر فيثبت النكاح ولا يفسد بأن لم يكن مهر ويكون للمرأة إذا وطئت مهر مثلها قال الشافعي: وهذا الموضع الذي يخالف فيه النكاح البيع لأن البيع إذا وقع بغير ثمن لم يجب وذلك أن يقول: قد بعتك بحكمك فلا يكون بيعا وهذا في النكاح صحيح. فإن قال قائل: من أين أجزت هذا في النكاح ورددته في البيوع وأنت تحكم في عامة النكاح أحكام البيوع قيل: قال الله عز وجل: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء إلى ومتعوهن وقال تبارك وتعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم فأعلم الله تعالى في المفروض لها أن الطلاق يقع عليها كما أعلم في التي لم يفرض لها أن الطلاق يقع عليها والطلاق لا يقع إلا على زوجة والزوجة لا تكون إلا ونكاحها ثابت قال: ولم أعلم مخالفا مضى ولا أدركته في أن النكاح يثبت وإن لم يسم مهرا وأن لها إن طلقت وقد نكحت ولم يسم مهرا المتعة وإن أصيبت فلها مهر مثلها فلما كان هذا كما وصفت لم يجز أبدا أن يفسد النكاح من جهة المهر

صفحة : 1674

بحال أبدا. فإذا نكحها بمهر مجهول أو مهر حرام البيع في حاله التي نكحها فيها أو حرام بكل حال قال: فذلك كله سواء وعقد النكاح ثابت والمهر باطل فلها مهر مثلها إن طلقها قبل أن يدخل بها لأنها سمت مهرا وإن لم يجز بأنه معلوم حلال ولم يحل لأنها لم ترد نكاحه بلا مهر وذلك مثل أن ينكح بثمرة لم يبد صلاحها على أن يدعها إلى أن تبلغ فيكون لها مهر مثلها وتكون الثمرة لصاحبها لأن بيعها في هذه الحال لا يحل على هذا الشرط. ولو نكحت بها على أن تقطعها حينئذ كان النكاح جائزا فإن تركها حتى يبدو صلاحها فهي لها وهو متطوع ومتى قام عليها بقطعها فعليها أن تقطعها في أي حال قام عليها فيها. قال: ولو نكحها بخمر أو خنزير فالنكاح ثابت والمهر باطل ولها مهر مثلها وكذلك إن نكحته بحكمها أو حكمه فلها مهر مثلها وإن حكمت حكما أو حكمه فرضيا به فلهما ما تراضيا عليه وإنما يكون لهما ما تراضيا عليه بعد ما يعرفان مهر مثلها ولا يجوز ما تراضيا عليه أبدا إلا بعد ما يعرفان مهر مثلها ولو فرض لها فتراضيا على غيره أو لم يفرض لها فتراضيا فكما يكون ذلك لهما لو ابتدأ بالفرض لها ولا أقول أبدا احكمي ولكن أقول لها مهر مثلها إلا أن تشاءا أن تتراضيا فلا أعرض لكما فيما تراضيتم عليه. أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن الأشعث بن قيس صحب رجلا فرأى امرأته فأعجبته قال: فتوفي في الطريق فخطبها الأشعث بن قيس فأبت أن تتزوجه إلا على حكمها فتزوجها على حكمها ثم طلقها قبل أن تحكم فقال: احكمي فقالت: أحكم فلانا وفلانا رقيقين كانوا لأبيه من بلاده فقال: احكمي غير هؤلاء فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين عجزت ثلاث مرات فقال: ما هن قال: عشقت امرأة قال: هذا ما لا تملك قال: ثم تزوجتها على حكمها ثم طلقتها قبل أن تحكم قال عمر: امرأة من المسلمين قال الشافعي: يعني عمر لها مهر امرأة من المسلمين ويعني من نسائها والله تعالى أعلم. وما قلت أن لها مهر امرأة من نسائها ما لا أعلم فيه اختلافا ويشبه أن يكون الذي أراد عمر والله تعالى أعلم ومتى قلت لها مهر نسائها فإنما أعني أخواتها وعماتها وبنات أعمامها نساء عصبتها وليس أمها من نسائها وأعني مهر نساء بلدها لأن مهور البلدان تختلف وأعني مهر من هو في مثل شبابها وعقلها وأدبها لأن المهور تختلف بالشباب والهيئة والعقل وأعني مهر من هو في مثل يسرها لأن المهور تختلف باليسر وأعني مهر من هو في جمالها لأن المهور تختلف بالجمال وأعني مهر من هو في صراحتها لأن المهور تختلف بالصراحة والهجنة وبكرا كانت أو

صفحة : 1675

ثيبا لأن المهور تختلف في الأبكار والثيب. قال: وإن كان من نسائها من تنكح بنقد أو دين أو بعرض أو بنقد وعرض جعلت صداقها نقدا كله لأن الحكم بالقيمة لا يكون بدين لأنه لا يعرف قدر النقد من الدين وإن الدين إنما يكون برضا من يكون له الدين. فإن كانت لا نساء لها فمهر أقرب النساء منها شبها بها فيما وصفت والنسب فإن المهور تختلف بالنسب ولو كان نساؤها ينكحن إذا نكحن في عشائرهن خففن المهر وإذا نكحن في الغرباء كانت مهورهن أكثر فرضت عليه المهر إن كان من عشيرتها كمهور نسائها في عشيرتها وإن كان غريبا كمهور الغرباء. الاختلاف في المهر قال الشافعي: رحمه الله تعالى: إذا اختلف الرجل والمرأة في المهر قبل الدخول أو بعده وقبل الطلاق أو بعده فقال: نكحتك على ألف وقالت: نكحتني على ألفين أو قال: نكحتك على عبد وقال: بل نكحتني على دار بعينها ولا بينة بينهما تحالفا وأبدأ بالرجل في اليمين فإن حلف أحلفت المرأة فإن حلفت جعلت لها مهر مثلها فإن دخل بها فلها مهر مثلها كاملا وإن كان طلقها ولم يدخل بها فلها نصف مهر مثلها. وهكذا إذا اختلف الزوج وأبو الصبية البكر أو سيد الأمة وهكذا إن اختلف ورثة المرأة وورثة الزوج بعد موتهما أو ورثة أحدهما والآخر بعد موته. قال: ولو اختلف في دفعه فقال: قد دفعت إليك صداقك وقالت: ما دفعت إلي شيئا أو اختلف أبو البكر الذي يلي مالها أو سيد الأمة فقال الزوج: قد دفعت إليك صداق ابنتك قال الأب: لم تدفعه فالقول قول المرأة وقول أبي البكر وسيد الأمة مع أيمانهم. وسواء دخل بها الزوج أو لم يدخل بها أو ماتت المرأة أو الرجل أو كانا حيين ولو ورثتهما في ذلك ما لهما في حياتهما وسواء عرف الصداق أو لم يعرف. إن عرف فلها الصداق الذي يتصادقان عليه أو تقوم به بينة فإن لم يعرف ولم يتصادقا ولا بينة تقوم تحالفا إن كانا حيين وورثتهما على العلم إن كانا ميتين وكان لها صداق مثلها لأن الصداق حق من الحقوق فلا يزول إلا بإقرار الذي له الحق أو الذي إليه الحق من ولي البكر الصبية وسيد الأمة بما يبرىء الزوج منه. قال: ولو اختلفا فيه فأقامت المرأة البينة بأنه أصدقها ألفين وأقام الزوج البينة أنه أصدقها ألفا لم تكن واحدة من البينتين أولى من الأخرى لأن بينة المرأة تشهد بألفين وبينة الرجل تشهد له بألف قد ملك بها العقد فلا يجوز والله تعالى أعلم عندي فيها إلا أن يتحالفا ويكون لها مهر مثلها

صفحة : 1676

فيكون هذا كتصادقهما على المبيع الهالك واختلافهما في الثمن أو القرعة فأيهما خرج سهمه حلف لقد شهد شهوده بحق واخذ بيمينه. قال الشافعي: بعد الشهادة متضادة. ولها صداق مثلها كان أكثر من ألفين أو أقل من ألف وبه يأخذ الشافعي. قال: ولو تصادقا على الصداق أنه ألف فقال: دفعت إليها خمسمائة من صداقها فأقرت بذلك أو قامت عليها بها بينة وقالت: أعطيتنيها هدية وقال: بل صداق فالقول قوله مع يمينه. وهكذا لو دفع إليها عبدا فقال: قد أخذتيه مني بيعا بصداقك وقالت: بل أخذته منك هبة فالقول قوله مع يمينه ويحلف على البيع وترد العبد إن كان حيا أو قيمته إن كان ميتا. ولو تصادقا أن الصداق ألف فدفع إليها ألفين فقال: ألف صداق وألف وديعة وقالت: ألف صداق وألف هدية فالقول قوله مع يمينه وله عندها ألف وديعة وإذا أقرت أن قد قبضت منه شيئا فقد أقرت بمال له وادعت ملكه بغير ما قال فالقول قوله في ماله. قال: وإذا نكح الصغيرة أو الكبيرة البكر التي يلي أبوهما بضعهما ومالهما فدفع إلى أبيهما صداقهما فهو براءة له من الصداق. وهكذا الثيب التي يلي أبوها مالها وكذا إذا دفع صداقها إلى من يلي مالها من غير الآباء فهو براءة له من الصداق وإذا دفع ذلك إلى الأب لابنته الثيب التي تلي نفسها أو البكر الرشيدة البالغ التي تلي ما لها دون أبيها أو إلى أحد من الأولياء لا يلي المال فلا براءة له من صداقها والصداق لازم بحاله ويتبع من دفعه إليه بالصداق بما دفع إليه وإذا وكلت المرأة التي تلي مالها رجلا من كان يدفع صداقها إليه فدفعه إليه الزوج فهو بريء منه. ID ' ' صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت

صفحة : 1677


الشرط في النكاح قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا عقد الرجل النكاح على البكر أو الثيب التي تلي مال نفسها أو لا تليه فإذنها في النكاح غير إذنها في الصداق. فلو نكحها بألف على أن لأبيها ألف فالنكاح ثابت ولها مهر مثلها كان أقل من ألف أو أكثر من ألفين من قبل أنه نكاح جائز عقد فيه صداق فاسد وجب في أصل العقد ليس من العقد ولا يجب بالعقد ما لم يجعله الزوج للمرأة فيكون صداقا لها. فإذا أعطاه الأب فإنما أعطاه بحق غيره فلا يكون له أن يأخذ بحق غيره وليس بهبة ولو كان هبة لم تجز إلا مقبوضة وليس للمرأة إلا مهر مثلها. ولو كانت البنت ثيبا أو بكرا بالغا فرضيت قبل النكاح أن ينكحها بألفين على أن يعطي أباها أو أخاها منهما ألفا كان النكاح جائزا وكان هذا توكيلا منها لأبيها بالألف التي أمرت بدفعها إليه وكانت الألفان لها ولها الخيار في أن تعطيها أباها وأخاها هبة لهما أو منعها لهما لأنها هبة تقبض أو وكالة بقبض ألف فيكون لها الرجعة في الوكالة. وإنما فرقت بين البكر والثيب إذا كانتا يليان أموالهما أو لا يليانها أن التي تلي مالها منهما يجوز لها ما صنعت في مالها من توكيل وهبة. ألا ترى أن رجلا لو باع من رجل عبدا بألف على أن يعطيه خمسمائة وآخر خمسمائة كان جائزا وكانت الخمسمائة إحالة منه للآخر بها أو وكالة والبكر الصغيرة والثيب التي لا تلي مالها لا يجوز لها في مالها ما صنعت. قال: ولو انعقدت عقدة النكاح بأمر التي تلي أمرها بمهر رضيته ثم شرط لها بعد عقدة النكاح شيئا كان له الرجوع فيه وكان الوفاء به أحسن لو رضيت ولو كان هذا في التي لا تلي مالها كان هكذا إلا أنه إن كان نقص التي لا تلي مالها شيئا من مهر مثلها بلغ بها مهر مثلها. ولو حابى أبو التي لا تلي مالها في مهرها أو وضع منه كان على زوجها أن يلحقها بمهر مثلها ولا يرجع به على الأب وكان وضع الأب من مهرها باطلا كما يكون هبته مالها سوى المهر باطلا وهكذا سائر الأولياء وهكذا لو كانت تلي مالها فكان ما صنع بغير أمرها. ولو نكح بكرا أو ثيبا بأمرها على ألف على أن لها أن تخرج متى شاءت من منزله وعلى أن لا تخرج من بلدها وعلى أن لا ينكح عليها ولا يتسرى عليها أو أي شرط ما شرطته عليه مما كان له إذا انعقد النكاح أن يفعله ويمنعها منه فالنكاح جائز والشرط باطل. وإن كان انتقصها بالشرط شيئا من مهر مثلها فلها مهر مثلها وإن كان لم ينقصها من مهر مثلها بالشرط ولم يزدها على مهر مثلها لفساد عقد المهر بالشرط الذي دخل معه. ألا

صفحة : 1678

ترى لو أن رجلا اشترى عبدا بمائة دينار وزق خمر فرضي رب العبد أن يأخذ المائة ويبطل الزق الخمر لم يكن ذلك له لأن الثمن انعقد على ما يجوز وعلى ما لا يجوز فبطل ما لا يجوز وما يجوز وكان له قيمة العبد إن مات في يدي المشتري. ولو أصدقها ألفا على أن لا ينفق عليها أو على أن لا يقسم لها أو على أنه في حل مما صنع بها كان الشرط باطلا وكان له إن كان صداق مثلها أقل من الألف أن يرجع عليها حتى يصيرها إلى صداق مثلها لأنها شرطت له ما ليس له فزادها مما طرح عن نفسه من حقها فأبطلت حصة الزيادة من مهرها ورددتها إلى مهر مثلها فإن قال قائل: فلم لا تجيز عليه ما شرط لها وعليها ما شرطت له قيل: رددت شرطهما إذ أبطلا به ما جعل الله لكل واحد ثم ما جعل النبي ﷺ وبأن رسول الله ﷺ قال: ما بال رجال يشرطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى ما كان من شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ولو كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق فإنما الولاء لمن أعتق فأبطل رسول الله ﷺ كل شرط ليس في كتاب الله جل ثناؤه إذا كان في كتاب الله أو سنة رسول الله ﷺ خلافه. فإن قال قائل: ما الشرط للرجل على المرأة والمرأة على الرجل مما إبطاله بالشرط خلاف لكتاب الله أو السنة أو أمر اجتمع الناس عليه. قيل له: إن شاء الله تعالى أحل الله عز وجل للرجل أن ينكح أربعا وما ملكت يمينه فإذا شرطت عليه أن لا ينكح ولا يتسرى حظرت عليه ما وسع الله تعالى عليه وقال رسول الله ﷺ: لا يحل للمرأة أن تصوم يوما تطوعا وزوجها شاهد إلا بإذنه . فجعل له منعها ما يقربها إلى الله إذا لم يكن فرضا عليهم لعظيم حقه عليها و أوجب الله عز و جل له الفضيلة عليها ولم يختلف أحد علمته في أن له أن يخرجها من بلد إلى بلد ويمنعها من الخروج فإذا شرطت عليه أن لا يمنعها من الخروج ولا يخرجها شرطت عليه إبطال ماله عليها. قال الله تبارك وتعالى: فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعدلوا فدل كتاب الله تعالى على أن على الرجل أن يعول امرأته ودلت عليه السنة فإذا شرط عليها أن لا ينفق عليها أبطل ما جعل لها وأمر بعشرتها بالمعروف ولم يبح له ضربها إلا بحال فإذا شرط عليها أن له أن يعاشرها كيف شاء وأن لا شيء عليه فيما نال منها فقد شرط أن له أن يأتي منها ما ليس له فبهذا أبطلنا هذه الشروط وما في معناها وجعلنا لها مهر مثلها. فإن قال قائل: فقد يروى عن النبي ﷺ أنه قال: إن أحق ما وفيتم

صفحة : 1679

به من الشروط ما استحللتم به الفروج فهكذا نقول في سنة رسول الله ﷺ إنه إنما يوفى من الشروط ما يبين أنه جائز ولم تدل سنة رسول الله ﷺ على أنه غير جائز وقد يروى عنه عليه الصلاة والسلام المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا ومفسر حديثه يدل على جملته. ما جاء في عفو المهر قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة . قال الشافعي: فجعل الله تعالى للمرأة فيما أوجب لها من نصف المهر أن تعفو وجعل للذي يلي عقدة النكاح أن يعفو وذلك أن يتم لها الصداق فيدفعه إن لم يكن دفعه كاملا ولا يرجع بنصفه إن كان دفعه وبين عندي في الآية أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج وذلك أنه إنما يعفو من له ما يعفوه فلما ذكر الله جل وعز عفوها مما ملكت من نصف المهر أشبه أن يكون ذكر عفوه لما له من جنس نصف المهر والله تعالى أعلم. وحض الله تعالى على العفو والفضل فقال عز وجل: وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال: الذي بيده عقدة النكاح الزوج . قال الشافعي: وأخبرنا ابن أبي فديك أخبرنا سعيد بن سالم عن عبد الله بن جعفر بن المسور عن واصل بن أبي سعيد عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه: أنه تزوج امرأة ولم يدخل بها حتى طلقها فأرسل إليها بالصداق تاما فقيل له في ذلك فقال: أنا أولى بالعفو. أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين قال: الذي بيده عقدة النكاح الزوج أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن سعيد بن جبير أنه قال: الذي بيده عقدة النكاح الزوج أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه بلغه عن ابن المسيب أنه قال: هو الزوج. قال الشافعي: والمخاطبون بأن يعفون فيجوز عفوهم والله تعالى أعلم الأحرار وذلك أن العبيد لا يملكون شيئا فلو كانت أمة عند حر فعفت له عن بعض المهر أو المهر لم يجز عفوها وذلك أنها لا تملك شيئا إنما يملك مولاها ما ملك بسببها ولو عفاه المولى جاز وكذلك العبد إن عفا المهر كله وله أن يرجع بنصفه لم يجز عفوه وإذا عفاه مولاه جاز عفوه لأن مولاه المالك للمال. قال الشافعي: فأما أبو البكر يعفو عن نصف المهر فلا يجوز ذلك له من قبل أنه عفا عما لا يملك وما يملكه تملكه ابنته. ألا ترى أنه لو وهب مالا لبنته غير الصداق لم تجز هبته فكذلك إذا وهب الصداق لم تجز هبته لأنه مال من

صفحة : 1680

مالها. وكذلك أبو الزوج لو كان الزوج محجورا عليه فعفا عن نصف المهر الذي له أن يرجع به لم يجز عفو أبيه لأنه مال من ماله يهبه وليس له هبة ماله. قال: ولا يجوز العفو إلا لبالغ حر رشيد يلي مال نفسه فإن كان الزوج بالغا حرا محجورا عليه فدفع الصداق ثم طلقها قبل المسيس فعفا نصف المهر الذي له أن يرجع كان عفوه باطلا كما تكون هبة ماله سوى الصداق. وكذلك لو كانت المرأة بكرا لا يجوز لها هبة مالها ولا لأوليائها هبة أموالها ولو كانت بكرا بالغة رشيدة غير محجور عليها فعفت جاز عفوها إنما ينظر في هذا إلى من يجوز أمره في ماله وأجيز عفوه وأرد عفو من لا يجوز أمره في ماله والعفو هبة كما وصفت وهو إبراء. فإذا لم تقبض المرأة شيئا من صداقها فعفته جاز عفوها لأنه قابض لما عليه فيبرأ منه. ولو قبضت الصداق أو نصفه فقالت: قد عفوت لك عما أصدقتني فإن ردته إليه جاز العفو وإن لم ترده حتى ترجع فيه كان لها الرجوع لأنه غير قابض ما وهبته له ولا معنى لبراءتها إياه من شيء ليس لها عليه. ولو كانت على التمام على عفوه فهلك في يدها لم يكن عليها غرمه إلا أن تشاء. ولو ماتت قبل أن تدفعه إليه لم يكن على ورثتها أن يعطوه إياه وكان مالا من مالها يرثونه. قال: وما كان في يد كل واحد منهما فعفا الذي هو له كان عفوه جائزا وما لم يكن له في يده فعفا له الذي هو له فهو بالخيار في إتمامه والرجعة فيه وحبسه وإتمامه ودفعه أحب إلي من حبسه. وكل عطية لا تجب على أحد فهي بفضل وكلها محمود مرغوب فيه والفضل في المهر لأنه منصوص حض الله تعالى عليه. قال: وإذا نكح الرجل المرأة بصداق فوهبته له قبل القبض أو بعده أو قبل الطلاق أو بعده فذلك كله سواء والهبة جائزة. وإن كانت الهبة قبل الطلاق ثم طلقها فأراد أن يرجع عليها بنصف الصداق فلا يجوز فيها إلا واحد من قولين: أحدهما أن يكون العفو إبراء له مما لها عليه فلا يرجع عليها بشيء قد ملكه عليها ومن قال هذا قال: لم يجب عليها شيء إلا من قبل ما كان لها عليه بإبرائه منه قبل القبض أو بعد القبض والدفع إليه. والثاني أن له أن يرجع عليها بنصفه كان عفوها قبل القبض أو بعد القبض والدفع إليه وذلك أنه قد ملكه عليها بغير الوجه الذي وجب لها عليه. وإذا نكح الرجل المرأة التي يجوز أمرها في مالها بصداق غير مسمى أو بصداق فاسد فأبرأته من الصداق قبل أن تقبضه فالبراءة باطلة من قبل أنها أبرأته مما لا تعلم كم وجب لها منه. ولو سمى لها مهرا جائزا فرضيته ثم أبرأته منه فالبراءة جائزة من قبل أنها أبرأته مما عرفت. ولو

صفحة : 1681

سمى لها مهرا فاسدا فقبضته أو لم تقبضه فأبرأته منه أو ردته عليه إن كانت قبضته كانت البراءة باطلة وترده بكل حال ولها صداق مثلها فإذا علمته فأبرأته منه كانت براءتها جائزة. ألا ترى أن رجلا لو قال لرجل: قد صار لك في يدي مال من وجه فقال: أنت منه بريء لم يبرأ حتى يعلم المالك المال لأنه قد يبرئه منه على أنه درهم ولا يبرئه لو كان أكثر. قال: ولو كان المهر صحيحا معلوما ولم تقبضه حتى طلقها فأبرأته من نصف المهر الذي وجب لها عليه كانت البراءة جائزة ولم يكن لها أن ترجع بشيء بعد البراءة. ولو كانت لم تقبضه ولكنها أحالت عليه ثم أبرأته كانت البراءة باطلة لأنها أبرأته مما ليس لها وما ملكه لغيرها. ولو كانت أحالت عليه بأقل من نصف المهر ثم أبرأته من نصف المهر جازت البراءة مما بقي عليه ولم تجز مما أحالت به عليه لأنه قد خرج منها إلى غيرها فأبرأته مما ليس لها عليه ولا تملكه فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه. صداق الشيء بعينه فيوجد معيبا قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا أصدق الرجل المرأة عبدا بعينه فوجدت به عيبا صغيرا أو كبيرا يرد من مثله كالبيوع كان لها رده بذلك العيب وكذلك لو أصدقها إياه سالما فلم يدفعه إليها حتى حدث به عيب وكذلك كل ما أصدقها إياه فوجدت به عيبا أو حدث به في يد الزوج قبل قبضها إياه عيب كان لها رده بالعيب وأخذه معيبا إن شاءت فإن أخذته معيبا فلا شيء لها في العيب وإن ردته رجعت عليه بمهر مثلها لأنها إنما باعته بضعها بعبد فلما انتقض البيع فيه باختيارها الرد كان لها مهر مثلها كما يكون لها لو اشترته منه بثمن الرجوع بالثمن الذي قبضت منها وهكذا لو أصدقها إياه ولم تره فاختارت عند رؤيته رده كان الجواب فيها هكذا لا يختلفان. قال: وإن أصدقها عبدا لا يملكه أو مكاتبا أو حرا على أنه عبد له أو دارا لغيره ثم ملك الدار والعبد فلها في هذا كله مهر مثلها. قال: وكذلك المكاتب لا يباع والحر لا ثمن له فلم يملك واحدا من هذين بحال والعبد لا يملكه والدار وقع النكاح ولا سبيل له عليه. ولو سلمه سيده أو سلم الدار لم يكن لها كما لو باعها عبدا أو دارا لا يملكها ثم سلمها مالكها لم يجز البيع. ولو أصدقها عبدا بصفة جاز الصداق وأجبرتها إذا جاءها بأقل ما تقع عليه الصفة على قبضه منه. قال: وهكذا لو أصدقها حنطة أو زبيبا أو خلا بصفة أو إلى أجل كان جائزا وكان عليها إذا جاءها بأقل ما يقع عليه اسم الصفة أن تقبله. ولو قال:

صفحة : 1682

أصدقتك ملء هذه الجرة خلا والخل غير حاضر لم يجز وكان لها مهر مثلها كما لو اشترى ملء هذه الجرة خلا والخل غائب لم يجز من قبل أن الجرة قد تنكسر فلا يدري كم قدر الخل وإنما يجوز بيع العين ترى أو الغائب المكيل أو الموزون بكيل أو ميزان يدرك علمه فيجبر عليه المتبايعان. قال: ولو أصدقها جرارا فقال: هذه مملوءة خلا فنكحته على الجرار بما فيها أو على ما في الجرة فإذا فيها خل كان لها الخيار إذا رأته وافيا أو ناقصا لأنها لم تره فإن اختارته فهو لها إن ثبت حديث خيار الرؤية وإن اختارت رده فلها عليه مهر مثلها. ولو وجدته خمرا رجعت عليها بمهر مثلها لأنه لا يكون لها أن تملك الخمر وهذا بيع عين لا تحل كما لو أصدقها خمرا كان لها مهر مثلها. قال: ولو أصدقها دارا لم ترها على أنها بالخيار فيما أصدقها إن شاءت أخذته وإن شاءت ردته أو شرط الخيار لنفسه كان النكاح جائزا لأن الخيار إنما هو في الصداق لا في النكاح وكان لها مهر مثلها ولم يكن لها أن تملك العبد ولا الدار. ولو اصطلحا بعد على العبد والدار لم يجز الصلح حتى يعلم كم مهر مثلها فتأخذه به أو ترضى أن يفرض لها مهرا فتأخذ بالفرض لا بقيمة مهر مثلها الذي لا تعرفه لأنه لا يجوز البيع إلا بثمن يعرفه البائع والمشتري معا لا أحدهما دون الآخر ولا يشبه هذا أن تنكحه بعبد نكاحا صحيحا فيهلك العبد لأن العقد وقع وليس لها مهر مثلها فيكون العبد مبيعا به مجهولا وإنما وقع بالعبد وليس لها غيره إذا صح ملكه. قال: ولو أصدقها عبدا فقبضته فوجدت به عيبا وحدث به عندها عيب لم يكن لها رده إلا أن يشاء الزوج أن يأخذه بالعيب الذي حدث به عندها ولا يكون له في العيب الحادث عندها شيء ولها أن ترجع عليه بما نقصه العيب وكذلك لو أعتقته أو كاتبته رجعت عليه بما نقصه العيب. ID ' ' عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب

صفحة : 1683


كتاب الشغار أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه الرجل الآخر ابنته وليس بينهما صداق. قال الشافعي: لا أدري تفسير الشغار في الحديث أو من ابن عمر أو نافع أو مالك وهكذا كما قال الشغار فكل من زوج رجلا امرأة يلي أمرها بولاية نفس الأب البكر أو الأب وغيره من الأولياء لامرأة على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى فهو الشغار. أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: إن النبي ﷺ نهى عن الشغار. أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن النبي ﷺ قال: لا شغار في الإسلام . قال الشافعي: فإذا أنكح الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت على أن ينكحه ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ولم يسم لواحدة منهما صداق فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله ﷺ فلا يحل النكاح وهو مفسوخ. وإن أصاب كل واحد منهما فلكل واحدة منهما مهر مثلها وعليها العدة وهو كالنكاح الفاسد في جميع أحكامه لا يختلفان. قال الشافعي: وإذا زوج الرجل ابنته الرجل أو المرأة يلي أمرها على أن يزوجه الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها على أن صداق إحداهما كذا لشيء يسميه وصداق الأخرى كذا لشيء يسميه أقل أو أكثر أو على أن يسمي لإحداهما صداقا ولم يسم للأخرى صداقا أو قال لا صداق لها فليس هذا بالشغار المنهي عنه والنكاح ثابت والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثلها إذا دخل بها أو ماتت أو مات عنها ونصف مهر مثلها إن طلقت قبل أن يدخل بها. قال الشافعي: فإن قال قائل: فإن عطاء وغيره يقولون: يثبت النكاح ويؤخذ لكل واحدة منهما مهر مثلها فلم لم تقله وأنت تقول يثبت النكاح بغير مهر ويثبت بالمهر الفاسد وتأخذ مهر مثلها فأكثر ما في الشغار أن يكون المهر فيه فاسدا أو يكون بغير مهر قيل له: أبان الله عز وجل أن النساء محرمات إلا بما أحل الله من نكاح أو ملك يمين فكان رسول الله ﷺ المبين عن الله عز وجل كيف النكاح الذي يحل فمن عقد نكاحا كما أمره الله تعالى ثم رسوله ﷺ أو عقد نكاحا لم يحرمه الله سبحانه وتعالى ولم ينه عنه رسوله ﷺ فالنكاح ثابت

صفحة : 1684

ومن نكح كما نهى رسول الله ﷺ عنه فهو عاص بالنكاح إلا أنه غير مؤاخذ إن شاء الله تعالى بالمعصية إن أتاها على جهالة فلا يحل المحرم من النساء بالمحرم من النكاح والشغار محرم بنهي رسول الله ﷺ عنه وهكذا كل ما نهى عنه رسول الله ﷺ من نكاح لم يحل به المحرم وبهذا قلنا في المتعة ونكاح المحرم وما نهى عنه من نكاح ولهذا قلنا في البيع الفاسد لا يحل به فرج الأمة فإذا نهى النبي ﷺ عن النكاح في حال فعقد على نهيه كان مفسوخا لأن العقد لهما كان بالنهي ولا يحل العقد المنهي عنه محرما. قال الشافعي: ويقال له: إنما أجزنا النكاح بغير مهر لقول الله عز وجل: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة فلما أثبت الله عز وجل الطلاق دل ذلك على أن النكاح ثابت لأن الطلاق لا يقع إلا من نكاح ثابت فأجزنا النكاح بلا مهر ولما أجازه الله سبحانه وتعالى بلا مهر كان عقد النكاح على شيئين أحدهما نكاح والآخر ما يملك بالنكاح من المهر فلما جاز النكاح بلا ملك مهر فخالف البيوع وكان فيه مهر مثل المرأة إذا دخل بها وكان كالبيوع الفاسدة المستهلكة يكون فيها قيمتها كان المهر إذا كان فاسدا لا يفسد النكاح ولم يكن في النكاح بلا مهر ولا في النكاح بالمهر الفاسد نهي من رسول الله ﷺ فنحرمه بنهيه كما كان في الشغار فأجزنا ما أجاز الله عز وجل وما كان في معناه إذا لم ينه رسول الله ﷺ منه عن شيء علمناه ورددنا ما نهى عنه رسول الله ﷺ وكان هذا الواجب علينا الذي ليس لنا ولا لأحد عقل عن الله جل وعلا شيئا علمنا غيره. أخبرنا الربيع: قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن رجلا نكح امرأة على حكمها ثم طلقها فاحتكمت رقيقا من بلاده فأبى فذكر ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال: امرأة من المسلمين. قال الشافعي: أحسبه قال يعني مهر امرأة من المسلمين. ID ' ' الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو

صفحة : 1685


نكاح المحرم قال الشافعي: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار: أن عمر بن عبد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير فأرسل إلى أبان بن عثمان ليحضر. ذلك وهما محرمان فأنكر ذلك عليه أبان وقال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله ﷺ: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب . وأخبرنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النبي ﷺ مثل معناه. قال الشافعي: وأخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار: أن رسول الله ﷺ بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث وهو بالمدينة قبل أن يخرج. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن يزيد بن الأصم وهو ابن أخت ميمونة: أن رسول الله ﷺ نكح ميمونة وهو حلال أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سعيد بن سلمة الأموي عن إسماعيل بن أمية عن ابن المسيب. قال: وهم الذي روى أن النبي ﷺ نكح ميمونة وهو محرم ما نكحها رسول الله ﷺ إلا وهو حلال أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المزني أنه أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نكاحه أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره. قال الشافعي: لا يلي محرم عقدة نكاح لنفسه ولا لغيره فإن تزوج المحرم في إحرامه وكان هو الخاطب لنفسه أو خطب عليه حلال بأمره فسواء لأنه هو الناكح ونكاحه مفسوخ. وهكذا المحرمة لا يزوجها حرام ولا حلال لأنها هي المتزوجة. وكذلك لو زوج المحرم امرأة حلالا أو وليها حلال فوكل وليها حراما فزوجها كان النكاح مفسوخا لأن المحرم عقد النكاح. قال: ولا بأس أن يشهد المحرمون على عقد النكاح لأن الشاهد ليس بناكح ولا منكح ولو توقى رجل أن يخطب امرأة محرمة كان أحب إلي ولا أعلمه يضيق عليه خطبتها في إحرامها لأنها ليست بمعتدة ولا في معناها ومتى خرجت من إحرامها جاز لها أن تنكح وقد تكون معتمرة فيكون لها الخروج من إحرامها بأن تعجل الطواف وحاجة فيكون لها ذلك

صفحة : 1686

بأن تعجل الزيارة يوم النحر فتطوف والمعتدة ليس لها أن تقدم الخروج من عدتها ساعة. قال الشافعي: فأي نكاح عقده محرم لنفسه أو محرم لغيره فالنكاح مفسوخ فإذا دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها إلا ما سمى لها ويفرق بينهما وله أن يخطبها إذا حلت من إحرامها في عدتها منه ولو توفي كان ذلك أحب إلي لأنها وإن كانت تعتد من مائه فإنها تعتد من ماء فاسد. قال: وليس لغيره أن يخطبها حتى تنقضي عدتها منه فإن نكحها هو فهي عنده على ثلاث تطليقات لأن الفسخ ليس بطلاق. وإن خطب المحرم على رجل وولي عقدة نكاحه حلال فالنكاح جائز إنما أجزنا النكاح بالعقد وأكره للمحرم أن يخطب على غيره كما أكره له أن يخطب على نفسه ولا تفسد معصيته بالخطبة إنكاح الحلال وإنكاحه طاعة. فإن كانت معتمرة أو كان معتمرا لم ينكح واحد منهما حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ويأخذ من شعره فإن نكح قبل ذلك فنكاحه مفسوخ. فإن كانت أو كانا حاجين لم ينكح واحد منهما حتى يرسي ويحلق ويطوف يوم النحر أو بعده فأيهما نكح قبل هذا فنكاحه مفسوخ وذلك أن عقد النكاح كالجماع فمتى لم يحل للمحرم الجماع من الإحرام لم يحل له عقد النكاح وإذا كان الناكح في إحرام فاسد لم يجز له النكاح فيه كما لا يجوز له في الإحرام الصحيح. وإن كان الناكح محصرا بعدو لم ينكح حتى يحل وذلك أن يحلق وينحر فإن كان محصرا بمرض لم ينكح حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة وأصل هذا أن ينظر إلى عقد النكاح فإن كان قد حل للمحرم منهما الجماع فأجيزه وإن كان الجماع لم يحل للمحرم منهما لحرمة الإحرام فأبطله. قال الشافعي: ويراجع المحرم امرأته ويراجع المحرمة زوجها لأن الرجعة ليست بابتداء نكاح إنما هي إصلاح شيء أفسد من نكاح كان صحيحا إلى الزوج إصلاحه دون المرأة والولاة وليس فيه مهر ولا عوض ولا يقال للمراجع ناكح. قال الشافعي: ويشتري المحرم الجارية للجماع والخدمة لأن الشراء ليس كالنكاح المنهي عنه كما يشتري المرأة وولدها وأمها وأخواتها ولا ينكح هؤلاء معا لأن الشراء ملك فإن كان يحل به الجماع بحال فليس حكمه حكم النكاح فننهاه عن الشراء لأنه في معنى النكاح. قال الشافعي: ولو وكل رجل قبل أن يحرم رجلا أن يزوجه امرأة ثم أحرم فزوجه وهو ببلده أو غائب عنه يعلم بإحرامه أو لا يعلم فالنكاح مفسوخ إذا عقده والمعقود له محرم. قال: ولو عقد وهو غائب في وقت فقال: لم أكن في ذلك الوقت محرما كان القول قوله مع يمينه إلا أن تقوم عليه بينة بإحرامه في ذلك الوقت فيفسخ النكاح. ولو زوجه في وقت فقال

صفحة : 1687

الزوج: لا أدري كنت في ذلك الوقت محرما أو حلالا أو لم أعلم متى كان النكاح كان الورع أن يدع النكاح ويعطي نصف الصداق إن كان سمى والمتعة إن لم يكن سمى ويفرق في ذلك بتطليقة ويقول: إن لم أكن كنت محرما فقد أوقعت عليها تطليقة ولا يلزمه في الحكم من هذا شيء لأنه على إحلال النكاح حتى يعلم فسخه وهذا كله إذا صدقته المرأة بما يقول في أن النكاح كان وهو ومحرم فإن كذبته ألزمته لها نصف الصداق إن لم يكن دخل بها إلا أن يقيم بينة بأنه كان محرما حين تزوج وفسخت النكاح عليه بإقراره أن نكاحه كان فاسدا. وإن قالت: لا أعرف أصدق أم كذب قلنا: نحن نفسخ النكاح بإقراره وإن قلت: كذب أخذنا لك نصف المهر لأنك لا تدرين ثم تدرين وإن لم تقولي هذا لم نأخذ لك شيئا ولا نأخذ لمن لا يدعي شيئا. وإن قالت المرأة: أنكحت وأنا محرمة فصدقها أو أقامت بينة فالنكاح مفسوخ وإن لم يصدقها فالقول قوله والنكاح ثابت وعليه اليمين وإن نكح أمة فقال سيدها: أنكحتكها وهي محرمة وقالت ذلك الأمة أو لم تقله فإن صدقه الزوج فلا مهر لها وإن كذبه وكذبها فالنكاح ثابت إذا حلف الزوج. نكاح المحلل ونكاح المتعة أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي قال: وكان الحسن أرضاهما عن أبيهما عن علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الأنسية. قال الشافعي: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه: أن النبي ﷺ نهى عن نكاح المتعة. قال الشافعي: وجماع نكاح المتعة المنهي عنه كل نكاح كان إلى أجل من الآجال قرب أو بعد وذلك أن يقول الرجل للمرأة: نكحتك يوما أو عشرا أو شهرا أو نكحتك حتى أخرج من هذا البلد أو نكحتك حتى أصيبك فتحلين لزوج فارقك ثلاثا أو ما أشبه هذا مما لا يكون فيه النكاح مطلقا لازما على الأبد أو يحدث لها فرقة. ونكاح المحلل الذي يروى أن الرسول ﷺ لعنه عندنا والله تعالى أعلم ضرب من نكاح المتعة لأنه غير مطلق إذا شرط أن ينكحها حتى تكون الإصابة فقد يستأخر ذلك أو يتقدم. وأصل ذلك أنه عقد عليها النكاح إلى أن يصيبها فإذا أصابها فلا نكاح له

صفحة : 1688

عليها مثل أنكحك عشرا ففي عقد أنكحك عشرا أن لا نكاح بيني وبينك بعد عشر كما في عقد أنكحك لأحللك أي إذا أصبتك فلا نكاح بيني وبينك بعد أن أصبتك كما يقال: أتكارى منك هذا المنزل عشرا أو استأجر هذا العبد شهرا وفي عقد شهر أنه إذا مضى فلا كراء ولا إجارة لي عليك وكما يقال: أتكارى هذا المنزل مقامي في البلد وفي هذا العقد أنه إذا خرج من هذا البلد فلا كراء له وهذا يفسد في الكراء فإذا عقد النكاح على واحد مما وصفت فهو داخل في نكاح المتعة وكذلك كل نكاح إلى وقت معلوم أو مجهول فالنكاح مفسوخ لا ميراث بين الزوجين وليس بين الزوجين شيء من أحكام الأزواج طلاق ولا ظهار ولا إيلاء ولا لعان إلا بولد. وإن كان لم يصبها فلا مهر لها وإن كان أصابها فلها مهر مثلها لا ما سمى لها وعليها العدة ولا نفقة لها في العدة وإن كانت حاملا. وإن نكحها بعد هذا نكاحا صحيحا فهي عنده على ثلاث. قال الشافعي: وإن قدم رجل بلدا وأحب أن ينكح امرأة ونيته ونيتها أن لا يمسكها إلا مقامه بالبلد أو يوما أو اثنين أو ثلاثة كانت على هذا نيته دون نيتها أو نيتها دون نيته أو نيتهما معا ونية الولي غير أنهما إذا عقدا النكاح مطلقا لا شرط فيه فالنكاح ثابت ولا تفسد النية من النكاح شيئا لأن النية حديث نفس وقد وضع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم وقد ينوي الشيء ولا يفعله وينويه ويفعله فيكون الفعل حادثا غير النية. وكذلك لو نكحها ونيته ونيتها أو نية أحدهما دون الآخر أن لا يمسكها إلا قدر ما يصيبها فيحللها لزوجها ثبت النكاح. وسواء نوى ذلك الولي معهما أو نوى غيره أو لم ينوه ولا غيره والوالي والولي في هذا لا معنى له يفسد شيئا ما لم يقع النكاح بشرط يفسده. قال الشافعي: ولو كانت بينهما مراوضة فوعدها إن نكحها أن لا يمسكها إلا أياما أو إلا مقامه بالبلد أو إلا قدر ما يصيبها كان ذلك بيمين أو غير يمين فسواء. وأكره له المراوضة على هذا ونظرت إلى العقد فإن كان العقد مطلقا لا شرط فيه فهو ثابت لأنه انعقد لكل واحد منهما على صاحبه ما للزوجين وإن انعقد على ذلك الشرط فسد وكان كنكاح المتعة وأي نكاح كان صحيحا وكانت فيه الإصابة أحصنت الرجل والمرأة إذا كانت حرة وأحلت المرأة للزوج الذي طلقها ثلاثا وأوجبت المهر كله وأقل ما يكون من الإصابة حتى تكون هذه الأحكام أن تغيب الحشفة في القبل نفسه. قال الشافعي: وأي نكاح كان فاسدا لم يحصن الرجل ولا المرأة ولم يحللها لزوجها فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها. قال الشافعي: فإن قال قائل: فهل فيما ذكرت من أن الرجل ينكح ينوي

صفحة : 1689

التحليل مراوضة أو غير مراوضة فإذا لم ينعقد النكاح على شرط كان النكاح ثابتا خبر عن أحد من أصحاب رسول الله ﷺ أو من دونهم قيل: فيما ذكرنا من النهي عن المتعة وأن المتعة هي النكاح إلى أجل كفاية. وقد أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن سيف بن سليمان عن مجاهد قال: طلق رجل من قريش امرأة له فبتها فمر بشيخ وابن له من الأعراب في السوق قدما بتجارة لهما فقال للفتى: هل فيك من خير ثم مضى عنه ثم كر عليه فكمثلها ثم مضى عنه ثم كر عليه فكمثلها. قال: نعم قال: فأرني يدك فانطلق به فأخبره الخبر وأمره بنكاحها فنكحها فبات معها فلما أصبح استأذن فأذن له فإذا هو قد ولاها الدبر فقالت: والله لئن طلقني لا أنكحك أبدا فذكر ذلك لعمر فدعاه فقال: لو نكحتها لفعلت بك كذا وكذا وتوعده ودعا زوجها فقال: الزمها أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن مجاهد عن عمر مثله. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال: أخبرت عن ابن سيرين أن امرأة طلقها زوجها ثلاثا وكان مسكين أعرابي يقعد بباب المسجد فجاءته امرأة فقالت له: هل لك في امرأة تنكحها فتبيت معها الليلة فتصبح فتفارقها فقال: نعم وكان ذلك فقالت له امرأته: إنك إذا أصبحت فإنهم سيقولون لك فارقها فلا تفعل فإني مقيمة لك ما ترى واذهب إلى عمر فلما أصبحت أتوه وأتوها فقالت: كلموه فأنتم جئتم به فكلموه فأبى وانطلق إلى عمر فقال: الزم امرأتك فإن رابوك بريب فائتني وأرسل إلى المرأة التي مشت بذلك فنكل بها. ثم كان يغدو إلى عمر ويروح في حلة فيقول الحمد لله الذي كساك يا ذا الرقعتين حلة تغدو فيها وتروح. قال الشافع: وقد سمعت هذا الحديث مسندا متصلا عن ابن سيرين يوصله عن عمر بمثل هذا المعنى. ID ' ' ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة

صفحة : 1690


باب الخيار في النكاح وإذا نكح الرجل المرأة على أنه بالخيار في نكاحها يوما أو أقل أو أكثر أو على أنه بالخيار ولم يذكر مدة ينتهي إليها إن شاء أجاز النكاح وإن شاء رده أو قال: على أني بالخيار يعني من كان له الخيار أنه إن شاء أجاز النكاح وإن شاء رده فالنكاح فاسد. وكذلك إن كان الخيار للمرأة دونه أو لهما معا أو شرطاه أو أحدهما لغيرهما فالنكاح باطل في هذا كله فإن لم يدخل بها فهو مفسوخ وإن أصابها فلها مهر مثلها بما أصاب منها ولا نكاح بينهما ويخطبها مع الخطاب وهي تعتد من مائه ولو تركها حتى تستبرىء كان أحب إلي. قال الشافعي: وإنما أبطلته بأن النبي ﷺ نهى عن نكاح المتعة فلما كان نكاح المتعة مفسوخا لم يكن للنهي عنه معنى أكثر من أن النكاح إنما يجوز على إحلال المنكوحة مطلقا لا إلى غاية وذلك أنها إذا كانت إلى غاية فقد أباحت نفسها بحال ومنعتها في أخرى فلم يجز أن يكون النكاح إلا مطلقا من قبلها كان الشرط أن تكون منكوحة إلى غاية أو قبله أو قبلهما معا. ولما كان النكاح بالخيار في أكثر من المعنى الذي له فيما نرى فسدت المتعة في أنه لم ينعقد والجماع حلال فيه على ما وصفت من الأبد ولا بحال حتى يحدث له اختيارا حادثا فتكون العقدة انعقدت على النكاح والجماع لا يحل فيها بكل حال فالنكاح في العقدة غير ثابت لم يثبت النكاح بشيء حدث بعدها ليس هو هي فيكون متقدم النكاح غير ثابت في حال وثابتا في أخرى وهذا أقبح من نكاح المتعة لأن نكاح المتعة وقع على ثابت أولا إلى مدة وغير ثابت إذا انقطعت المدة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولم أعلم مخالفا في جملة أن النكاح لا يجوز على الخيار كما تجوز البيوع فإذا كان الخيار فيه لا يجوز لزم من أعطى هذه الجملة والله تعالى أعلم أن لا يجيز النكاح إذا كان بشرط الخيار. ID ' ' أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى:

صفحة : 1691


ما يدخل في نكاح الخيار قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كانت المرأة الحرة مالكة لأمرها فزوجها وليها رجلا بغير علمها فأجازت النكاح أو ردته فهو غير جائز ولا يجوز نكاح المرأة بحال أبدا حتى تأذن في أن تنكح قبل أن تنكح فإذا أذنت في ذلك في رجل بعينه فزوجها ولي جاز. قال الشافعي: وكذلك إذا أذنت للولي أن يزوجها من رأى فزوجها كفئا فالنكاح جائز وهكذا الزوج يزوجه الرجل بغير إذنه فالنكاح باطل أجازه الرجل أو رده. وأصل معرفة هذا أن ينظر إلى كل عقد نكاح كان الجماع فيه والنظر إلى المرأة مجردة محرما إلى مدة تأتي بعده فالنكاح فيه مفسوخ وهو في معنى ما وصفت قبل من نكاح الخيار ونكاح المتعة. ولا يجوز إنكاح الصبي ولا الصبية ولا البكر غير الصبية إلا بعد تقدم رضاها أو البكر البالغ لولي غير الآباء خاصة بما وصفنا قبله ولو أن امرأة حرة أذنت لوليها أن يزوجها برجل فزوجها رجل غير وليها ذلك الرجل وأجاز الولي نكاحها لم يجز لأنها كان لها وللولي أن يرد نكاحه لعلة أن المزوج غير المأذون له بالتزويج فلم يجز النكاح. وهكذا المرأة تنكح بغير إذن وليها فيجيز وليها النكاح أو العبد ينكح بغير إذن سيده فيجيز سيده النكاح أو الأمة تنكح بغير إذن سيدها فيجيز سيدها النكاح فهذا كله نكاح مفسوخ لا يجوز بإجازة من أجازه لأنه انعقد منهيا عنه. وهكذا الحر البالغ المحجور عليه ينكح بغير إذن وليه ووليه ولي ماله لا ولاية على البالغ في النكاح في النسب إنما الولي عليه ولي ماله كما يقع عليه في الشراء والبيع ولا يشبه المرأة التي وليها ولي نسبها للعار عليها والرجل لا عار عليه في النكاح فإذا أذن وليه بعد النكاح فالنكاح مفسوخ وكل نكاح مفسوخ قبل الجماع فهو مفسوخ بعد الجماع. قال الشافعي: وإذا زوج الولي رجلا غائبا بخطبة غيره وقال الخاطب: لم يرسلني ولم يوكلني فالنكاح باطل وإذا قال الرجل: قد أرسلني فلان فزوجه الولي أو كتب الخاطب كتابا فزوجه الولي وجاءه بعلم التزويج فإن مات الزوج قبل أن يقر بالرسالة أو الكتاب لم ترثه المرأة وإن لم يمت فقال: لم أرسل ولم أكتب فالقول قوله مع يمينه فإن قامت عليه بينة برسالة بخطبتها أو كتاب بخطبتها ثبت عليه النكاح. وهكذا لو مات ولم يقر بالنكاح أو جحده فقامت عليه بينة ثبت عليه النكاح وكان لها عليه المهر الذي سمى لها ولها منه الميراث. فإن قال الرجل: قد وكلني فلان أزوجه فزوجته فأنكر المزوج فالقول قوله مع يمينه إن لم يكن عليه بينة ولا صداق ولا نصف على المزوج المدعي الوكالة إلا أن يضمن الصداق

صفحة : 1692

فيكون عليه نصفه بالضمان فإن الزوج لم يمسس وليس هذا كالرجل يشتري الشيء فينكر المشتري له الوكالة فيكون الشراء للمشتري وعليه الثمن هذا لا يكون له النكاح وإن ولى عقده لغيره والله تعالى الموفق. باب ما يكون خيار قبل الصداق قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا وكل الرجل أن يزوجه امرأة بصداق فزادها عليه أو أصدق عنه غير الذي يأمره أو أمرت المرأة الولي أن يزوجها بصداق فنقص من صداقها أو زوجها بعرض فلا خيار في واحد من هذين للمرأة ولا للرجل ولا يرد النكاح من قبل تعدي الوكيل في الصداق وللمرأة على الزوج في كل حال من هذه الأحوال مهر مثلها. وإن كان وكيل الرجل ضمن للمرأة ما زادها فعلى الوكيل الزيادة على مهر مثلها وإن كان ضمن الصداق كله أخذت المرأة الوكيل بجميع الصداق الذي ضمن ورجع على الزوج بصداق مثلها ولم يرجع عليه بما ضمن عنه مما زاد على صداق مثلها لأنه متطوع بالزيادة على صداق مثلها. وإن كان ما سمي مثل صداق مثلها رجع به عليه ولو كان الوكيل لم يضمن لها شيئا لم يضمن الوكيل شيئا وليس هذا كالبيوع التي يشتري الرجل منها الشيء للرجل فيزيد في ثمنه فلا يلزم الأمر إلا أن يشاء. قال الربيع: إلا أن يشاء أن يحدث شراء من المشتري لأن العقد كان صحيحا. قال الشافعي: ويلزم المشتري لأنه ولي صفقة البيع وأنه يجوز أن يملك ما اشترى بذلك العقد وإن سماه لغيره وهو لا يجوز له أن يملك امرأة بعقد لغيره ولا يكون للزوج ولا للمرأة خيار من قبل أنه لا يجوز أن يكون في النكاح خيار من هذا الوجه ويثبت النكاح فيكون لها صداق مثلها. فإن قال قائل: فكيف يجعل لها صداق مثلها ولم يرض الزوج أن يتزوجها إلا بصداق مسمى هو أقل من صداق مثلها. قيل له: إن شاء الله تعالى أرأيت إذا لم يرض الزوج أن يتزوج إلا بلا مهر فلم أرد النكاح ولم أجعل فيه خيارا للزوجين ولا لواحد منهما وأثبت النكاح وأخذت منه مهر مثلها من قبل أن عقدة النكاح لا تفسخ بصداق وأنه كالبيوع الفاسدة المستهلكة التي فيها قيمتها فأعطاها الزوج صداقها وولى عقدة النكاح غيره فزادها عليه فأبلغتها صداق مثلها فما أخذت منه من إبلاغها صداق مثلها وإن لم يبلغه أقل من أخذي منه مبتدأ صداق مثلها فهو لم يبذله ولم ينكح عليه. وهكذا لو وكل رجل رجلا يزوجه امرأة بعينها ولم يسم لها صداقا فأصدقها أكثر من صداق مثلها ولم يضمنه الوكيل فلها صداق مثلها لا يجعل على الزوج ما جاوزه إذا لم يسمه

صفحة : 1693

ولا تنقص المرأة منه. ولو وكله بأن يزوجه إياها بمائة فزوجه إياها بخمسين كان النكاح جائزا وكانت لها الخمسون لأنها رضيت بها. ولو وكل أن يزوجه إياها بمائة فزوجه إياها بعبد أو دراهم أو طعام أو غيره كان لها صداق مثلها إلا أن يصدقه الزوج أنه أمره أن يعمل برأيه أن يزوجه بما زوجه به وهكذا المرأة لو أذنت لوليها أن يزوجها فتعدى في صداقها. الخيار من قبل النسب قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أن عبدا انتسب لامرأة حرة حرا فنكحته وقد أذن له سيده ثم علمت أنه عبد أو انتسب لها إلى نسب فوجدته من غير ذلك النسب ومن نسب دونه ونسبها فوق نسبه كان فيها قولان: أحدهما أن لها الخيار لأنه منكوح بعينه وغار بشيء وجد دونه. والثاني: أن النكاح مفسوخ كما ينفسخ لو أذنت في رجل بعينه فزوجت غيره كأنها أذنت في عبد الله بن محمد الفلاني فزوجت عبد الله بن محمد من غير بني فلان فكان الذي زوجته غير من أذنت بتزويجه. فإن قال قائل: فلم تجعل لها الخيار في الرجل يغرها بنسبه وقد نكحته بعينه ولم تجعله لها من جهة الصداق قيل: الصداق مال من مالها هي أملك به لا عار عليها ولا على من هي فيه منه في نقصه ولا ولاية لأوليائها في مالها وهذا كان لأوليائها على الابتداء إذا أذنت فيه أن يمنعوها منه بنقص في النسب ولم يكن لهم على الابتداء يمنعونها كفؤا تترك لها من صداقها. فإن قال قائل: فكيف لم تجعل نكاح الذي غرها مفسوخا بكل حال قيل له: لأنه قد كان لأوليائها على الابتداء أن يزوجوها إياه. وليس معنى النكاح إذا أراد الولاة منعه بأن الناكح غير كفء بأن النكاح محرم وللأولياء أن يزوجوها غير كفء إذا رضيت ورضوا وإنما رددناه بالنقص على المزوجة كما يجعل الخيار في رد البيع بالعيب وليس بمحرم أن يتم إن شاء الذي جعل له الخيار. فإن قال: فقد جعلت خيارا في الكفاءة. قيل: من جهة أن الله عز وجل جعل للأولياء في بضع المرأة أمرا وجعل رسول الله ﷺ نكاح المرأة بغير إذن وليها مردودا فكانت دلالة أن لا يتم نكاحها إلا بولي وكانت إذا فعلت ذلك مفوتة في شيء لها فيه شريك ومن يفوت في شيء له لم يجز ذلك على شريكه فإذا كان الشريك في بضع لم يتم إلا بإجماع الشريكين لأنه لا يتبعض ولم يكن للولاة معها معنى إلا بما وصفنا والله تعالى أعلم إلا أن تنكحن ينقص نسبه عن نسبها ولم يجعل الله للولاة أمرا في مالها. ولو أن المرأة غرت الرجل بأنها حرة فإذا هي أمة وأذن لها سيدها كان له فسخ النكاح إن

صفحة : 1694

شاء ولو غرته بنسب فوجدها دونه ففيها قولان: أحدهما أن له عليها في الغرور بالنسب ما لها عليه من رد النكاح وإذا رد النكاح قبل أن يصيبها فلا مهر ولا متعة وإذا رده بعد الإصابة فلها مهر مثلها لا ما سمي لها ولا نفقة في العدة حاملا كانت أو غير حامل ولا ميراث بينهما إذا فسخ. والثاني لا خيار له إذا كانت حرة لأن بيده الطلاق ولا يلزمه من العار ما يلزمها وله الخيار بكل حال إن كانت أمة. قال الربيع: وإن كانت أمة غر بها كان له الخيار إن كان يخاف العنت وكان لا يجد طولا لحرة وإن كان يجد طولا لحرة أو كان لا يخاف العنت فالنكاح مفسوخ بكل حال وهو قول الشافعي. قال الشافعي: ولو غرها بنسب فوجد دونه وهو بالنسب الدون كفء لها ففيها قولان: أحدهما ليس لها ولا لوليها خيار من قبل الكفاءة لها وإنما جعل لها الخيار ولوليها من قبل التقصير عن الكفاءة فإذا لم يكن تقصير فلا خيار وهذا أشبه القولين وبه أقول. والآخر: أن النكاح مفسوخ لأنها مثل المرأة تأذن في الرجل فتزوج غيره. ومن قال هذا القول الآخر قاله في المرأة تغر بنسب فتوجد على غيره قال: ولو غرت بنسب أو غر به فوجد خيرا منه. وإنما منعني من هذا أن الغرور لم يكن فيه ببدنه ولا فيها ببدنها وهما المزوجان وإنما كان الغرور فيمن فوقه فلم تكن أذنت في غيره ولا أذن في غيرها ولكنه كان ثم غرور نسب فيه حق للعقدة وكان غير فاسد أن يجوز على الابتداء. قال الشافعي: فإن قال: فهل تجد دلالة غير ما ذكرت من الاستدلال من أن معنى الأولياء إنما هو لمعنى النسب في هذا المعنى أو ما يشبهه في كتاب أو سنة حتى يجوز أن تجعل في النكاح خيارا والخيار إنما يكون إلى المخير إثباته وفسخه قيل: نعم عتقت بريرة فخيرها النبي ﷺ ففارقت زوجها وقد كان لها الثبوت عنده لأنه لا يخيرها إلا ولها أن نثبت إن شاءت وتفارق إن شاءت. وقد كان العقد على بريرة صحيحا وكان الجماع فيه حلالا وكان لها فسخ العقد فلم يكن لفسخها معنى والله تعالى أعلم إلا أنها صارت حرة فصار العبد لها غير كفء والتي كانت كفيئة في حال ثم انتقلت إلى أن تكون غير كفء للعبد لتقصيره عنها أدنى حالا من التي لم تكن قط كفيئة لمن غرها فنكحته على الكفاءة فوجد على غيرها. ID ' ' (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى:

صفحة : 1695


في العيب بالمنكوحة قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو تزوج الرجل امرأة على أنها جميلة شابة موسرة تامة بكر فوجدها عجوزا قبيحة معدمة قطعاء ثيبا أو عمياء أو بها ضر ما كان الضر غير الأربع التي سمينا فيها الخيار فلا خيار له. وقد ظلم من شرط هذا نفسه. وسواء في ذلك الحرة والأمة إذا كانتا متزوجتين وليس النكاح كالبيع فلا خيار في النكاح من عيب يخص المرأة في بدنها ولا خيار في النكاح عندنا إلا من أربع أن يكون حلق فرجها عظما لا يوصل إلى جماعها بحال وهذا مانع للجماع الذي له عامة ما نكحها. فإن كانت رتقاء فكان يقدر عن جماعها بحال فلا خيار له أو عالجت نفسها حتى تصير إلى أن يوصل إليها فلا خيار للزوج وإن لم تعالج نفسها فله الخيار إذا لم يصل إلى الجماع بحال. وإن سأل أن يشقها هو بحديدة أو ما شابهها ويجبرها على ذلك لم أجعل له أن يفعل وجعلت له الخيار. وإن فعلته هي فوصل إلى جماعها قبل أن أخيره لم أجعل له خيارا ولا يلزمها الخيار إلا عند حاكم إلا أن يتراضيا هما بشيء يجوز فأجيز تراضيهما ولو تزوجها فوجدها مفضاة لم أجعل له خيارا لأنه يقدر على الجماع وكذلك لو كان بها قرن يقدر معه على الجماع لم أجعل له خيارا ولكن لو كان القرن مانعا للجماع كان كالرتق أو تكون جذماء أو برصاء أو مجنونة ولا خيار في الجذام حتى يكون بينا فأما الزعر في الحاجب أو علامات ترى أنها تكون جذماء ولا تكون فلا خيار فيه بينهما لأنه قد لا يكون وله الخيار في البرص لأنه ظاهر وسواء قليل البرص وكثيره. فإن كان بياضا فقالت ليس هذا برصا وقال هو برص أريه أهل العلم به فإن قالوا هو برص فله الخيار وإن قالوا هو مرار لا برص فلا خيار له فإن شاء أمسك وإن شاء طلق. قال الشافعي: والجنون ضربان: فضرب خنق وله الخيار بقليله وكثيره وضرب غلبة على عقله من غير حادث مرض فله الخيار في الحالين معا وهذا أكثر من الذي يخنق ويفيق. قال الشافعي: فأما الغلبة على العقل بالمرض فلا خيار لها فيه ما كان مريضا فإذا أفاق من المرض وثبتت الغلبة على العقل فلها الخيار. فإن قال قائل: ما الحجة في أن جعلت للزوج الخيار في أربع دون سائر العيوب فالحجة عن غير واحد في الرتقاء ما قلت وإنه إذا يوصل إلى الجماع بحال فالمرأة في غير معاني النساء. فإن قال: فقد قال أبو الشعثاء: لا ترد من قرن فقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء قال: أربع لا يجزن في بيع ولا نكاح إلا أن يسمى فإن سمي جاز: الجنون والجذام والبرص

صفحة : 1696

والقرن. قال الشافعي: فإن قال قائل: فتقول بهذا قيل: إن كان القرن مانعا للجماع بكل حال كما وصفت كان كالرتق وبه أقول وإن كان غير مانع للجماع فإنما هو عيب ينقصها فلا أجعل له خيارا أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها وذلك لزوجها غرم على وليها. قال الشافعي: فإذا علم قبل المسيس فله الخيار فإن اختار فراقها فلا مهر لها ولا نصف ولا متعة وإن اختار حبسها بعد علمه أو نكحها وهو يعلمه فلا خيار له وإن اختار الحبس بعد المسيس فصدقته أنه لم يعلم خيرته فإن اختار فراقها فلها مهر مثلها بالمسيس ولا نفقة عليه في عدتها ولا سكنى إلا أن يشاء ولا يرجع بالمهر عليها ولا على وليها فإن قال قائل: فقد قيل: يرجع بالمهر على وليها. قال الشافعي: إنما تركت أن أرده بالمهر أن النبي ﷺ قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل وإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها فإذا جعل رسول الله ﷺ الصداق للمرأة بالمسيس في النكاح الفاسد بكل حال ولم يرده به عليها وهي التي غرته لا غيرها لأن غيرها لو زوجه إياها لم يتم النكاح إلا بها إلا في البكر للأب. فإذا كان في النكاح الفاسد الذي عقد لها لم يرجع به عليها وقد جعله النبي ﷺ لها كان في النكاح الصحيح الذي للزوج فيه الخيار أولى أن يكون للمرأة فإذا كان للمرأة لم يجز أن تكون هي الآخذة له ويغرمه وليها لأن أكثر أمره أن يكون غر بها وهي غرت بنفسها فهي كانت أحق أن يرجع به عليها ولو رجع به عليها لم تعطه أولا. قال الشافعي: وقضى عمر بن الخطاب في التي نكحت في عدتها إن أصيبت فلها المهر. فإذا جعل لها المهر فهو لو رده به عليها لم يقض لها به ولم يرده على وليها بمهره إنما فسد النكاح من قبل العقد. لأنه لو كان بغير ولي أفسده وإن لم يكن في عدة قال: وما جعلت له فيه الخيار إذا عقدت عقدة النكاح وهو بها جعلت له الخيار إذا حدث بها بعد عقدة النكاح لأن ذلك المعنى قائم فيها. وإني لم أجعل له الخيار بأن النكاح فاسد ولكني جعلت له بحقه فيه وحق الولد. قال: وما جعلت له فيه الخيار إذا كان بها جعلت لها فيه الخيار إذا كان به أو حدث به فإن اختارت فراقه قبل المسيس لم يكن له أن يمسها ولم يكن من المهر شيء ولا متعة وإن لم تعلم حتى أصابها فاختارت فراقه فلها المهر ولها فراقه. والذي يكون به مثل الرتق أن يكون

صفحة : 1697

مجبوبا فأخيرها مكانها فإن كانت علمت بخصلة واحدة مما لها فيه الخيار فلم تختر فراقه وثبتت معه عليها فحدث به أخرى فلها منه الخيار. وكذلك إن علمت باثنين أو ثلاث فاختارت المقام معه جعلت لها فيما سواها الخيار وهكذا هو فيما كان بها. وإن علمت به فتركته وهي تعلم الخيار لها فذلك كالرضا بالمقام معه ولا خيار لها. وإن علم شيئا بها فأصابها فلها الصداق الذي سمى لها ولا خيار له إن شاء طلق وإن شاء أمسك. فإن قال قائل: فهل فيه من علة جعلت لها الخيار غير الأثر قيل: نعم الجذام والبرص فيما يزعم أهل العلم بالطب والتجارب تعدي الزوج كثيرا وهو داء مانع للجماع لا تكاد نفس أحد أن تطيب بأن يجامع من هو به ولا نفس امرأة أن يجامعها من هو به فأما الولد فبين والله تعالى أعلم أنه إذا ولده أجذم أو برص أو جذماء أو برصاء قلما يسلم وإن سلم أدرك نسله ونسأل الله العافية. فأما الجنون والخبل فتطرح الحدود عن المجنون والمخبول منهما ولا يكون منه تأدية حق لزوج ولا زوجة بعقل ولا امتناع من محرم بعقل ولا طاعة لزوج بعقل وقد يقتل أيهما كان به زوجه وولده ويتعطل الحكم عليه في كثير ما يجب لكل واحد منهما على صاحبه حتى يطلقها فلا يلزمه الطلاق ويرد خلعه فلا يجوز خلعه وهي لو دعت إلى مجنون في الابتداء كان للولاة منعها منه كما يكون لهم منعها من غير الكفء. وإذا جعل لها الخيار بأن يكون مجبوبا أو له بأن تكون رتقاء كان الخبل والجنون أولى بجماع ما وصفت أن يكون لها وله الخيار وأولى أن يكون لها فيه الخيار من أن لا يأتيها فيؤجل فإن لم يأتها خيرت. قال الشافعي: فإن قال: فهل من حكم لله تعالى أو سنة رسول الله ﷺ يقع فيه الخيار أو الفرقة بغير طلاق ولا اختلاف دينين قيل: نعم جعل الله للمولى تربص أربعة أشهر أوجب عليه بمضيها أن يفيء أو يطلق وذلك أنه امتنع من الجماع بيمين لو كانت على غير مأثم كانت طاعة الله أن لا يحنث فلما كانت على معصية أرخص له في الحنث وفرض الكفارة في الأيمان في غير ذكر المولى فكانت عليه الكفارة بالحنث فإن لم يحنث أوجبت عليه الطلاق والعلم يحيط أن الضرر بمعاشرة الأجذم والأبرص والمجنون والمخبول أكثر منه بمعاشرة المولى ما لم يحنث وإن كان قد يفترقان في غير هذا المعنى فكل موضع من النكاح لم أفسخه بحال فعقده غير محرم وإنما جعلنا الخيار فيه بالعلة التي فيه فالجماع فيه مباح وأي الزوجين كان له الخيار فمات أو مات الآخر قبل الخيار توارثا ويقع الطلاق ما لم يختر الذي له الخيار فسخ العقدة فإذا اختارها لم يقع طلاق ولا إيلاء ولا ظهار ولا لعان ولا

صفحة : 1698

ميراث. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أذن الرجل لأمته في نكاح رجل ووكل رجلا بتزويجها فخطبها الرجل إلى نفسها فذكرت أنها حرة ولم يذكر ذلك الذي زوجها أو ذكر الذي زوجها ولم تذكره أو ذكراه معا فتزوجها على أنها حرة فعلم بعد عقد النكاح وقبل الدخول أو بعده أنها أمة فله الخيار في المقام معها أو فراقها إن كان ممن يحل له نكاحها بأن لا يجد طولا لحرة ويخاف العنت فإن اختار فراقها قبل الدخول فلا نصف مهر ولا متعة وإن لم يعلم حتى أصابها فلها مهر مثلها كان أقل مما سمى لها أو أكثر إن اختار فراقها والفراق فسخ بغير طلاق. ألا ترى أن لو جعله تطليقة لزمه أن يكون لها نصف المهر الذي فرض لها قبل الدخول وكله بعد الدخول لأن الله عز وجل أوجب للمطلقة قبل الدخول نصف المهر ولا يرجع بمهرها عليها ولا على الذي غره من نكاحها بحال لأن الإصابة توجب المهر إذا درىء فيها الحد وهذه إصابة الحد فيها ساقط وإصابة نكاح لا زنا. قال الشافعي: فإن أحب المقام معها كان ذلك له وإن اختار فراقها وقد ولدت أولادا فهم أحرار وعليه قيمتهم يوم يسقطون من بطون أمهاتهم وذلك أول ما كان حكمهم حكم أنفسهم لسيد الأمة ويرجع بجميع ما أخذ منه من قيمة أولاده على الذي غره إن كان غره الذي زوجه رجع به عليه وإن كانت غرته هي رجع به عليها إذا عتقت ولا يرجع عليها إذا كانت مملوكة. وهكذا إذا كانت مدبرة أو أم ولد أو معتقة إلى أجل لم يرجع عليها في حال رقها ويرجع عليها إذا عتقت إذا كانت هي التي غرته. قال الشافعي: وإن كانت مكاتبة فمثل هذا في جميع المسائل إلا أن له أن يرجع عليها وهي مكاتبة بقيمة أولادها لأن الجناية والدين في الكتابة يلزمها فإن أدته فذاك وإن لم تؤده وعجزت فردت رقيقا لم يلزمها في حال رقها حتى تعتق فيلزمها إذا عتقت وإن كان ممن يجد طولا لحرة فالنكاح مفسوخ بكل حال لا خيار له في إثباته فإن لم يصبها فلا مهر ولا نصف مهر ولا متعة وإن أصابها فلها مهر مثلها وإن ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا فلأبيه فيه ما في جنين الحرة جنينا ميتا. ID ' ' (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل ولا يكاد يقدر عليه. وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن

صفحة : 1699


كتاب النفقات أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم وقال عز وجل: الرجال قوامون على النساء وقال تقدست أسماؤه وعاشروهن بالمعروف وقال عز وجل: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة . قال الشافعي: هذا جملة ما ذكر الله عز وجل من الفرائض بين الزوجين وقد كتبنا ما حضرنا مما فرض الله عز وجل للمرأة على الزوج وللزوج على المرأة مما سن رسول الله ﷺ. قال الشافعي: وفرض الله عز وجل أن يؤدي كل ما عليه بالمعروف وجماع المعروف إعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه وأداؤه إليه بطيب النفس لا بضرورته إلى طلبه ولا تأديته بإظهار الكراهية لتأديته وأيهما ترك فظلم لأن مطل الغني ظالم ومطله تأخيره الحق. قال الشافعي في قوله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله أعلم: أي فما لهن مثل ما عليهن من أن يؤدى إليهن بالمعروف. وجوب نفقة المرأة قال الله عز وجل: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا قرأ إلى: أن لا تعدلوا وقال عز وجل: والوالدات يرضعن أولادهن قرأ إلى: بالمعروف وقال عز وجل: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي ﷺ أن هندا قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما يدخل بيتي فقال رسول الله ﷺ: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي ﷺ أنها حدثته أن هندا أم معاوية جاءت النبي ﷺ فقالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل علي في ذلك من شيء فقال النبي ﷺ: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف . أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله عندي دينار قال: أنفقه على نفسك قال: عندي آخر قال: أنفقه على ولدك

صفحة : 1700

قال: عندي آخر قال: أنفقه على أهلك قال: عندي آخر قال: أنفقه على خادمك قال: عندي آخر قال: أنفقه على خادمك قال: عندي آخر قال: أنت أعلم قال سعيد بن أبي سعيد ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا: يقول ولدك: أنفق علي إلى من تكلني وتقول زوجتك: أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك: أنفق علي أو بعني. قال الشافعي: في قول الله عز وجل: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقوله عز وجل: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ثم قول رسول الله ﷺ: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف بيان أن على الأب أن يقوم بالمؤنة التي في صلاح صغار ولده من رضاع ونفقة وكسوة وخدمة قال: وفي قول الله تبارك وتعالى في النساء: ذلك أدنى أن لا تعدلوا بيان أن على الزوج ما لا غنى بامرأته عنه من نفقة وكسوة وسكنى قال: وخدمة في الحال التي لا تقدر على أن تنحرف لما لا صلاح لبدنها إلا به من الزمانة والمرض فكل هذا لازم للزوج. قال: ويحتمل أن يكون عليه لخادمها نفقة إذا كانت ممن يعرف أنها لا تخدم نفسها وهو مذهب غير واحد من أهل العلم فيفرض على الرجل نفقة خادم واحد للمرأة التي الأغلب أن مثلها لا تخدم نفسها وليس عليه نفقة أكثر من خادم واحد فإذا لم يكن لها خادم فلا أعلمه يجبر على أن يعطيها خادما ولكن يجبر على من يصنع لها من طعامها ما لا تصنعه هي ويدخل عليها ما لا تخرج لإدخاله من الماء ومن مصلحتها لا يجاوز به ذلك. قال الشافعي: وينفق على ولده حتى يبلغوا المحيض والحلم ثم لا نفقة لهم عليه إلا أن يتطوع إلا أن يكونوا زمنى فينفق عليهم قياسا على النفقة عليهم إذا كانوا لا يغنون أنفسهم في الصغر وسواء في ذلك الذكر والأنثى. وإنما ينفق عليهم ما لم تكن لهم أموال فإذا كانت لهم أموال فنفقتهم في أموالهم. قال: وسواء في ذلك ولده وولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على أن ينفق عليهم. قال: وإذا زمن الأب والأم ولم يكن لهما مال ينفقان منه على أنفسهما أنفق عليهما الولد لأنهما قد جمعا الحاجة والزمانة التي لا ينحرفان معها والتي في مثل حال الصغر أو أكثر ومن نغقتهم الخدمة كما وصفت والأجداد وإن بعدوا آباء إذا لم يكن لهم أب دونه يقدر على النفقة عليهم أنفق عليهم ولد الولد. قال الشافعي: وينفق إذا كانوا كما وصفت على ولده بأنهم منه وينفق عليه ولله بذلك المعنى لا بالاستمتاع منهم بما يستمتع به الرجل من امرأته. قال: وينفق على امرأته غنية كانت أو فقيرة بحبسها على نفسه للاستمتاع بها وغير ذلك ومنعها من ذلك من غيره. قال: ولا شك إذا كانت

صفحة : 1701

امرأة الرجل قد بلغت من السن ما يجامع مثلها فامتنع من الدخول عليها ولم تمتنع من الدخول عليه ولا منه بعد الدخول عليه فعليه نفقتها ما كانت زوجة له مريضة وصحيحة وغائبا عنها وحاضرا لها وإن طلقها وكان يملك الرجعة فعليه نفقتها في العدة لأنه لا يمنعه من أن تصير حلالا له يستمتع بها إلا نفسه إذا أشهد شاهدين أنه راجعها فهي زوجته وإذا لم يفعل فهو منع نفسه من رجعتها ولا ينفق عليها إذا لم يكن يملك الرجعة لأنها أحق بنفسها منه ولا تحل له إلا بنكاح جديد. قال: وإذا نكح الصغيرة التي لا يجامع مثلها وهو صغير أو كبير فقد قيل: ليس عليه نفقتها لأنه لا يستمتع بها وأكثر ما ينكح له الاستمتاع بها وهذا قول عدد من علماء أهل زماننا لا نفقة لها لأن الحبس من قبلها. ولو قال قائل: ينفق عليها لأنها ممنوعة به من غيره كان مذهبا. قال: وإذا كانت هي البالغة وهو الصغير فقد قيل: عليه النفقة لأن الحبس جاء من قبله ومثلها يستمتع به وقيل: إذا علمته صغيرا ونكحته فلا نفقة لها لأن معلوما أن مثله لا يستمتع بامرأته. قال: ولا تجب النفقة لامرأة حتى تدخل على زوجها أو تخلي بينه وبين الدخول عليها فيكون الزوج يترك ذلك فإذا كانت هي الممتنعة من الدخول عليه فلا نفقة لها لأنها مانعة له نفسها. وكذلك إن هربت منه أو منعته الدخول عليها بعد الدخول عليه لم يكن لها نففة ما كانت ممتنعة منه. قال الشافعي: وإذا نكحها ثم خلت بينه وبين الدخول عليها فلم يدخل فعليه نفقتها لأن الحبس من قبله. قال الشافعي: وإذا نكحها ثم غاب عنها فسألت النفقة فإن كانت خلت بينه وبين نفسها فغاب ولم يدخل عليها فعليه النفقة وإن لم تكن قد خلت بينه وبين نفسها ولا منعته فهي غير مخلية حتى تخلي ولا نفقة عليه وتكتب إليه ويؤجل فإن قدم وإلا أنفق إذا أتى عليه قدر ما يأتيه الكتاب ويقدم. والله سبحانه وتعالى أعلم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى . قال الشافعي: ففي هذا دلالة على أن على المرء أن يعول امرأته وبمثل هذا جاءت السنة كما ذكرت في الباب قبل هذا من الكتاب والسنة. قال: والنفقة نفقتان: نفقة الموسر ونفقة المقتر عليه رزقه وهو الفقير. قال الله عز وجل: لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه . قال: وأقل ما يلزم المقتر من نفقة امرأته المعروف ببلدهما. قال: فإن كان المعروف أن الأغلب من نظرائها لا تكون إلا مخدومة عالها وخادما لها واحدا لا يزيد عليه وأقل ما يعولها به وخادمها ما لا يقوم بدن أحد على أقل منه وذلك مد بمد النبي ﷺ لها في

صفحة : 1702

كل يوم من طعام البلد الذي يقتاتون حنطة كان أو شعيرا أو ذرة أو أرزا أو سلتا ولخادمها مثله ومكيلة من أدم بلادها زيتا كان أو سمنا بقدر ما يكفي ما وصفت من ثلاثين مدا في الشهر ولخادمها شبيه به ويفرض لها في دهن ومشط أقل ما يكفيها ولا يكون ذلك لخادمها لأنه ليس بالمعروف لها. قال الشافعي: وإن كانت ببلد يقتاتون فيه أصنافا من الحبوب كان لها الأغلب من قوت مثلها في ذلك البلد وقد قيل لها في الشهر أربعة أرطال لحم في كل جمعة رطل وذلك المعروف لها. وفرض لها من الكسوة ما يكسي مثلها ببلدها عند المقتر وذلك من القطن الكوفي والبصري وما أشبههما ولخادمها كرباس وتبان وما أشبهه وفرض لها في البلاد الباردة أقل ما يكفي في البرد من جبة محشوة وقطيفة ولحاف وسراويل وقميص وخمار أو مقنعة ولخادمها جبة صوف وكساء تلتحفه يدفىء مثلها وقميص ومقنعة وخف وما لا غنى بها عنه وفرض لها للصيف قميصا وملحفة ومقنعة. قال: وتكفيها القطيفة سنتين والجبة المحشوة كما يكفي مثلها السنتين ونحو ذلك. قال الشافعي: وإن كانت رغيبة لا يجزيها هذا أو زهيدة يكفيها أقل من هذا دفعت هذه المكيلة إليها وتزيدت إن كانت رغيبة من ثمن أدم أو لحم أو عسل وما شاءت في الحب وإن كانت زهيدة تزيدت فيما لا يقوتها منه من الطعام ومن فضل المكيلة. قال: وإن كان زوجها موسعا عليه فرض لها مدين بمد النبي ﷺ وفرض لها من الأدم واللحم ضعف ما وصفته لامرأة المقتر وكذلك في الدهن والعسل وفرض لها من الكسوة وسط البغدادي والهروي ولين البصرة وما أشبهه وكذلك يحشى لها للشتاء إن كانت ببلاد يحتاج أهلها إلى الحشو وتعطى قطيفة وسطا لا تزاد وإن كانت رغيبة فعلى ما وصفت وتنقص إن كانت زهيدة حتى تعطى مدا بمد النبي ﷺ في اليوم لأن لها سعة في الأدم والفرض تزيد بها ما أحبت. قال الشافعي: وأفرض عليه في هذا كله مكيلة طعام لا دراهم فإن شاءت هي أن تبيعه فتصرفه فيما شاءت صرفته وأفرض لها نفقة خادم واحد لا أزيد عليه وأجعله مدا وثلثا بمد النبي ﷺ لأن ذلك سعة لمثلها وأفرض لها عليه في الكسوة الكرباس وغليظ البصري والواسطي وما أشبهه لا أجاوزه بموسع من كان ومن كانت امرأته. وأجعل عليه لامرأته فراشا ووسادة من غليظ متاع البصرة وما أشبهه وللخادمة الفروة ووسادة وما أشبهه من عباءة أو كساء غليظ فإن بلي أخلفه. وإنما جعلت أقل الفرض مدا بالدلالة عن رسول الله ﷺ في دفعه إلى الذي أصاب أهله في شهر

صفحة : 1703

رمضان بعرق فيه خمسة عشر أو عشرون صاعا لستين مسكينا فكان ذلك مدا مدا لكل مسكين والعرق خمسة عشر صاعا على ذلك يعمل ليكون أربعة أعراق وسقا ولكن الذي حدثه أدخل الشك في الحديث خمسة عشر أو عشرين صاعا. قال: وإنما جعلت أكثر ما فرضت مدين مدين لأن أكثر ما جعل النبي ﷺ في فدية الكفار للأذى مدين لكل مسكين وبينهما وسط فلم أقصر عن هذا ولم أجاوز هذا لأن معلوما أن الأغلب أن أقل القوت مد وأن أوسعه مدان. قال: والفرض على الوسط الذي ليس بالموسع ولا بالمقتر ما بينهما مد ونصف للمرأة ومد للخادم. قال الشافعي: وإذا دخل الرجل بامرأته ثم غاب عنها أي غيبة كانت فطلبت أن ينفق عليها أحلفت ما دفع إليها نفقة وفرض لها في ماله نفقتها وإن لم يكن له نقد بيع لها من عرض ماله وأنفق عليها ما وصفت من نفقة موسع أو مقتر أي الحالين كانت حاله. قال: فإن قدم فأقام عليها بينة أو أقرت بأن قد قبضت منه أو من أحد عنه نفقة وأخذت غيرها رجع عليها بمثل الذي قبضت. قال: وإن غاب عنها زمانا فتركت طلب النفقة بغير إبراء له منها ثم طلبتها فرض لها من يوم غاب عنها. قال: وكذلك إن كان حاضرا فلم ينفق عليها فطلبت فيما مضى فعليه نفقتها. قال: وإن اختلفا فقال: قد دفعت إليها نفقتها وقالت: لم يدفع إلي شيئا فالقول قولها مع يمينها وعليه البينة بدفعه إليها أو إقرارها به والنفقة كالحقوق لا يبرئه منها إلا إقرارها أو بينة تقوم عليها بقبضه. قال: وإن دفع إليها نفقة سنة ثم طلقها ثلاثا رجع عليها بما بقي من نفقة السنة من يوم وقع الطلاق. قال: وإن طلق واحدة أو اثنتين يملك الرجعة فيهما رجع عليها بما بقي من نفقة السنة بعد انقضاء العدة لان كانت حاملا فطلقها ثلاثا أو واحدة رجع عليها بما بقي من نفقة السنة بعد وضع الحمل. قال: وإن تركها سنة لا ينفق عليها وأبرأته من نفقة تلك السنة وسنة مستقبلة برىء من نفقة السنة الماضية لأنها قد وجبت لها ولم يبرأ من نفقة السنة المستقبلة لأنها أبرأته قبل أن تجب لها وكان لها أن تأخذه بها وما أوجبت عليه من نفقتها فماتت فهو لورثتها وإذا مات ضربت مع الغرماء في ماله كحقوق الناس عليه والله تعالى أعلم. ID ' ' العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا

صفحة : 1704


باب في الحال التي تجب فيها النفقة ولا تجب قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا ملك الرجل عقدة المرأة يجامع مثلها وإن لم تكن بالغا فخلت بينه وبين الدخول عليها أو خلى أهلها فيما بينه وبين ذلك إن كانت بكرا ولم تمتنع هي من الدخول عليه وجب عليه نفقتها كما تجب عليه إذا دخل بها لأن الحبس من قبله. قال: وكذلك إن كان صغيرا تزوج بالغا فعليه نفقتها لأن الحبس من قبله. قال الشافعي: ولو كان الزوجان بالغين فامتنعت المرأة من الدخول أو أهلها لعلة أو إصلاح أمرها لم تجب على زوجها نفقتها حتى لا يكون الامتناع من الدخول إلا منه. قال الشافعي: ولو امتنعت من الدخول عليه فغاب عنها لم يكن عليه نفقتها حتى يحضر فلا تمتنع من الدخول عليه وإن طالت غيبته إلا أن يبعث إليه أهلها أن أقدم فادخل فيؤجل بقدر ما يسير بعد بلوغ رسالتها إليه أو تسير هي إليه وبوسع في ذلك عليه لقضاء حاجته وما أشبه ذلك فإن تأخر بعد ذلك وجب عليه نفقتها لأن الحبس جاء من قبله. قال: ولو دخلت عليه فمرضت مرضا لا يقدر على إتيانها معه كانت عليه نفقتها وكذلك إن كان يقدر على إتيانها إذا لم تمتنع من أن يأتيها إن شاء. وكذلك لو كانت لم تدخل عليه وخلت بينه وبين نفسها كانت عليه نفقتها وهذا مخالف للصغر هذا إنما يكون الامتناع فيه من الإتيان منه لأنه يعافها بلا امتناع منها لأنها تحتمل أن تؤتى. قال: ولو أصابها في الفرج شيء يضر به الجماع ضررا شديدا منع من جماعها إن شاءت وأخذ بنفقتها إلا أن يشاء أن يطلقها. وكذلك لو ارتتقت فلم يقدر على أن يأتيها أبدا بعدما أصابها أخذ بنفقتها من قبل أن هذا عارض لها لا منع منها لنفسها وقد جومعت وكانت ممن يجامع مثلها. قال: ولو أذن لها فأحرمت أو اعتكفت أو لزمها صوم بنذر أو كفارة كانت عليه نفقتها في حالاتها تلك كلها. قال: وإذا دخلت عليه أو لم تدخل عليه فهربت أو امتنعت أو كانت أمة فمنعها أهلها فلا نفقة لها حتى تخلي بينه وبين نفسها. قال الشافعي: ولو ادعت عليه أنه طلقها ثلاثا وأنكر فامتنعت منه لم يكن لها نفقة حتى تعود إلى غير الامتناع منه. قال: ولو أقر أنه طلق إحدى نسائه ثلاثا ولم يبين أخذ بنفقتهن كلهن حتى يبين لأنهن محبوسات به والامتناع كان منه لا منهن. قال الشافعي: وكل زوجة لحر مسلم حرة مسلمة أو ذمية فسواء في النفقة والخدمة على قدر سعة ماله وضيقه وكذلك إن كانت امرأته أمة فخلى بينه وبينها إلا أنه ليس عليه إن كان موسعا أن ينفق للأمة على خادم لأن المعروف للأمة أنها خادم كانت في

صفحة : 1705

الفراهة وكثرة الثمن ما كانت. قال الشافعي: ويلزم الزوج نفقة ولده على ما ذكرت من قدر نفقه امرأته وكسوته ما كان عليه أن ينفق عليه فإن كانوا مماليك فليس عليه نفقتهم وإذا عتقوا فعليه نفقتهم وينفق على ولده وولد ولده وآبائه كما وصفت ولا ينفق على أحد بقرابة غيرهم أخ ولا عم ولا خالة ولا على عمة ولا على ابن من رضاعة ولا على أب منها. قال: وكل زوج باب نفقة العبد علي امرأته قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تزوج العبد بإذن سيده حرة أو كتابية أو أمة فعليه نفقاتهن كلهن كنفقة المقتر لا يخالفه ولا يفرض عليه أكثر منها لأنه ليس عبد إلا وهو مقتر لأن ما بيديه وإن اتسع ملك لسيده. قال: وليس على العبد أن ينفق على ولده أحرارا كانوا أو مماليك. قال: والمكاتب والمدبر وكل من لم تكمل فيه الحرية في هذا كله كالمملوك وإن كانت للمكاتب أم ولد وطئها في المكاتبة بالملك فولدت له أنفق على ولده فإن عجز فليس عليه نفقتهم لأنهم مماليك لسيده. قال: وينفق العبد على امرأته إذا طلقها طلاقا يملك الرجعة في العدة وإذا لم يملك رجعتها لم ينفق عليها إلا أن تكون حاملا فينفق عليها لأن نفقة الحوامل فرض في كتاب الله تعالى ولست أعرفها إلا لمكان الولد. فإذا أنفق عليها وهي مطلقة لا يملك رجعتها وهو يراها حاملا ثم بان أن ليس بها حمل رجع عليها بالنفقة من يوم طلقها وأنفق عليها إن أراد ذلك. وسواء أنفق عليها بأمر قاض أو غير أمر قاض لأنه كان يلزمه في الظاهر على معنى أنها حامل وإذا بان أنها ليست بحامل رجع عليها به. والله تعالى الموفق. ID ' ' يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها

صفحة : 1706


باب الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال الشافعي رحمه الله تعالى: دل كتاب الله عز وجل ثم سنة رسوله ﷺ على أن على الرجل أن يعول امرأته. قال الشافعي: فلما كان من حقها عليه أن يعولها ومن حقه أن يستمتع منها ويكون لكل على كل ما للزوج على المرأة وللمرأة على الزوج احتمل أن لا يكون للرجل أن يمسك المرأة يستمتع بها ويمنعها غيره تستغني به ويمنعها أن تضطرب في البلد وهو لا يجد ما يعولها به فاحتمل إذا لم يجد ما ينفق عليها أن تخير المرأة بين المقام معه وفراقه فإن اختارت فراقه فهي فرقة بلا طلاق لأنها ليست شيئا أوقعه الزوج ولا جعل إلى أحد إيقاعه. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن يأخذوها أن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا. قال الشافعي: وهذا يشبه ما وصفت قبله وإليه يذهب أكثر أصحابنا وأحسب عمر والله تعالى أعلم لم يجد بحضرته لهم أموالا يأخذ منها نفقة نسائهم فكتب إلى أمراء الأجناد أن يأخذوهم بالنفقة إن وجدوها والطلاق إن لم يجدوها وإن طلقوا فوجد لهم أموال أخذوهم بالبعثة بنفقة ما حبسوا. قال: وإذا وجد نفقة امرأته يوما بيوم لم يفرق بينهما وإذا لم يجدها لم يؤجل أكثر من ثلاث ولا يمنع المرأة في الثلاث من أن تخرج فتعمل أو تسأل فإن لم يجد نفقتها خيرت كما وصفت في هذا القول فإن كان يجد نفقتها بعد ثلاث يوما ويعوز يوما خيرت إذا مضت ثلاث فلم يقدر على نفقتها بأقل ما وصفت للنفقة على المقتر خيرت في هذا القول فإذا بلغ هذا ووجد نفقتها ولم يجد نفقة خادمها لم تخير لأنها تماسك بنفقتها وكانت نفقة خادمها دينا عليه متى أيسر أخذته به. قال: وإذا فرق بينهما ثم أيسر لم ترد عليه ولا يملك رجعتها في العدة إلا أن تشاء هي بنكاح جديد. قال: ومن قال هذا فيمن لا يجد ما ينفق على امرأته فلم يجد صداقها لزمه عندي إذا لم يجد صداقها أن يخيرها وإن وجد نفقتها بعد ثلاث ليال وما أشبهها لأن صداقها شبيه بنفقتها. قال الشافعي: وإن نكحته وهي تعرف عسرته فحكمها وحكمه في عسرته كحكم المرأة تنكح الرجل موسرا فيعسر لأنه قد يوسر بعد العسر ويعسر بعد اليسر وقد تعلمه معسرا وهي ترى له حرفة تغنيها أو لا تغنيه وتغنيها أو من يتطوع في فيعطيه ما يغنيها. قال الشافعي: وإذا أعسر بنفقة المرأة فأجل ثلاثا ثم

صفحة : 1707

خيرت فاختارت المقام معه فمتى شاءت أجل أيضا ثم كان لها فراقه لأن اختيارها المقام معه عفو عما مضى فعفوها فيه جائز وعفوها غير جائز عما استقبل فلا يجوز عفوها عما لم يجب لها وهي كالمرأة تنكح الرجل تراه معسرا لأنها قد تعفو ذلك ثم يوسر بعد عسرته فينفق عليها. قال: وإذا أعسر بالصداق ولم يعسر بالنفقة فخيرت فاختارت المقام معه لم يكن لها فراقه لأنه لا ضرر على بدنها ما أنفق عليها في استئخار صداقها وقد عفت فرقته كما يخير صاحب المفلس في عين ماله وذمة صاحبه فيختار ذمة صاحبه فلا يكون له أن يأخذ بعد عين ماله وصداقها دين عليه إلا أن تعفو. قال الشافعي: وإذا نكحها فأعسر بالصداق فلها أن لا تدخل عليه حتى يعطيها الصداق ولها النفقة إن قالت إذا جئت بالصداق خليت بيني وبينك. قال الشافعي: وإن دخلت فأعسر بالصداق لم يكن لها أن تخير لأنها قد رضيت بالدخول بلا صداق ولا تمتنع منه ما كان ينفق عليها ودخولها عليه بلا صداق رضا بذمته كما يكون رضا الرجل من عين ماله يجده بذمة غريمه أو تفوت عند غريمه فلا يكون له إلا ذمة غريمه. قال: وسواء في العسرة بالصداق والنفقة كل زوج وزوجة الحر تحته الأمة والعبد تحته الحرة والأمة كلهم سواء والخيار للأمة تحت الحر في العسرة بالنفقة فإن شاء سيدها أن يتطوع عن الزوج بالنفقة فلا خيار للأمة لأنه واجد للنفقة وإذا امتنع فالخيار للأمة لا لسيدها. قال: وكذلك الخيار للحرة لا لوليها فإن كانت الأمة أو الحرة مغلوبة على عقلها أو صبية لم تبلغ لم يكن لولي واحدة منهما أن يفرق بينها وبين زوجها بعسره بصداق ولا نفقة وإذا أعسر: زوج الأمة بالصداق فالصداق لسيد الأمة والخيار لسيد الأمة لا للأمة فإن اختارت الأمة فراقه واختار السيد أن لا تفارقه لم يكن عليه أن يفرق بينهما لأن ذلك لسيدها ولا ضرر فيه عليها والمسلم تحته الكتابية والكتابي تحته الكتابية إذا طلبت المرأة حقها قبله في نفقة وصداق كما وصفت من مثله للأزواج الحرائر. قال الشافعي: وقد قيل: لا خيار للمرأة في عسرة الزوج بالنفقة وتخلى تطلب على نفسها ولا خيار في عسره بالصداق ولها الامتناع منه مال ما لم تدخل عليه فإذا دخلت عليه لم يكن لها فإذا دخلت عليه لم يكن لها الامتناع منه وهي غريم من الغرماء. قال: وعلى السيد نفقات أمهات أولاده ومدبره ورقيقه كلهم ذكرهم وأنثاهم مسلمهم وكافرهم وليس عليه نفقة مكاتبيه حتى يعجزوا فإذا عجزوا فعليه نفقتهم. ID ' ' هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت

صفحة : 1708


باب أي الوالدين أحق بالولد أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة عن زياد بن سعد عن هلال بن أبي ميمونة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ خير غلاما بين أبيه وأمه أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة عن يونس بن عبد الله الجرمي عن عمارة الجرمي قال: خيرني علي بين أمي وعمي ثم قال لأخ لي أصغر مني: وهذا أيضا لو قد بلغ مبلغ هذا خيرته. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن يونس بن عبد الله عن عمارة قال: خيرني علي رضي الله تعالى عنه بين أمي وعمي وقال لأخ لي أصغر مني: وهذا لو بلغ مبلغ هذا خيرته قال إبراهيم: وفي الحديث وكنت ابن سبع أو ثمان سنين . قال الشافعي: فإذا افترق الأبوان وهما في قرية واحدة فالأم أحق بولدها ما لم تتزوج وما كانوا صغارا فإذا بلغ أحدهم سبعا أو ثمان سنين وهو يعقل خير بين أبيه وأمه وكان عند أيهما اختار. فإن اختار أمه فعلى أبيه نفقته ولا يمنع من تأديبه. قال: وسواء في ذلك الذكر والأنثى ويخرج الغلام إلى الكتاب والصناعة إن كان من أهلها ويأوي عند أمه وعلى أبيه نفقته وإن اختار أباه لم يكن لأبيه منعه من أن يأتي أمه وتأتيه في الأيام. وإن كانت جارية لم تمنع أمها من أن تأتيها ولا أعلم على أبيها إخراجها إليها إلا من مرض فيؤمر بإخراجها عائدة. قال: وإن ماتت البنت لم تمنع الأم من أن تليها حتى تدفن ولا تمنع في مرضها من أن تلي تمريضها في منزل أبيها. قال: وإن كان الولد مخبولا فهو كالصغير وكذلك إن كان غير مخبول ثم خبل فهو كالصغير الأم أحق به ولا يخير أبدا. قال: وإنما أخير الولد بين أبيه وأمه إذا كان معا ثقة للولد فإن كان أحدهما ثقة والآخر غير ثقة فالثقة أولاهما به بغير تخيير. قال: وإذا خير الولد فاختار أن يكون عند أحد الأبوين ثم عاد فاختار الآخر حول إلى الذي اختار بعد اختياره الأول. قال: وإذا نكحت المرأة فلا حق لها في كينونة ولدها عندها صغيرا كان أو كبيرا ولو اختارها ما كانت ناكحا فإذا طلقت طلاقا يملك فيه الزوج الرجعة أو لا يملكها رجعت على حقها فيهم فإذا راجعها أو نكحته أو غيره دخل بها أو لم يدخل بها أو غاب عن بلدها أو حضر فلا حق لها فيهم حتى تطلق وكلما طلقت عادت على حقها فيهم لأنها تمنعه بوجه فإذا ذهب فهي كما كانت قبل أن تكون وأن في ذلك حقا للولد. قال الشافعي: وإذا تزوجت المرأة ولها أم لا زوج لها فالأم تقوم مقام ابنتها في الولد لا تخالفها في شيء وإن كان لها زوج لم يكن لها

صفحة : 1709

فيهم حق إلا أن يكون زوجها جد الولد فلا تمنع حقا فيهم عند والد. قال: وإذا آمت الأم من الزوج كانت أحق بهم من الجدة. قال الشافعي: وإذا اجتمع القرابة من النساء فتنازعن الولد فالأم أولى ثم أمها ثم أم أمها ثم أمهات أمها وإن بعدن ثم الجدة أم الأب ثم أمها ثم أمهاتها ثم الجدة أم الجد أبي الأب ثم أمها ثم أمهاتها ثم الأخت للأب والأم ثم الأخت للأب ثم الأخت للأم ثم الخالة ثم العمة. قال: ولا ولاية لأم أبي الأم لأن قرابتها بأب لا بأم فقرابة الصبي من النساء أولى. قال: ولا حق لأحد مع الأب غير الأم وأمهاتها فأما أخواته وغيرهن فإنما يكون حقهن بالأب فلا يكون لهن حق معه وهن يدلين به. والجد أبو الأب يقوم مقام الأب إذا لم يكن أب أو كان غائبا أو غير رشيد. قال: وكذلك أبو أب الأب. قال: وكذلك العم وابن العم وابن عم الأب والعصبة يقومون مقام الأب إذا لم يكن أحد أقرب منهم مع الأم وغيرها من أمهاتها. قال: وإذا أراد الرجل أن ينتقل عن البلد الذي نكح به المرأة كانت بلده وبلدها أو بلد أحدهما دون الآخر أو لم تكن فسواء والأب أحق بالولد مرضعا كان أو كبيرا أو كيف ما كان. وكذلك قرابة الأب وإن بعدت والعصبة إذا افترقت الدار أولى فإن صارت الأم أو الجدات معهم في الدار التي يتحول بهم إليها أو رجع هو بهم إلى بلدها كانت على حقها فيهم. قال الشافعي: وكل ما وصفت إذا كانت الزوجة حرة أو من ينازع في الولد بقرابتها حرا فأما إذا كانت الزوجة أو من ينازع بقرابتها مماليك فلا حق للمملوك في الولد الحر والأب الحر أحق بهم إذا كانوا أحرارا. قال: وكذلك إن نكحت أمهم وهي حرة أو لم تنكح وهي غير ثقة ولها أم مملوكة فلا حق للمملوكة بقرابة أم. قال: وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية. قال: ومتى عتقت كانت على حقها في الولد. قال: وإذا كان ولد الحر مماليك فمالكهم أحق بهم منه. قال: وإذا كان الولد من حرة وأبوه مملوك فأمهم أحق بهم ولا يخيرون في وقت الخيار. قال: وليس على الأب إذا لم تكمل فيه الحرية نفقة ولده من زوجة له إن كانوا مماليك فنفقتهم على سيدهم وكذلك لو كان أبوهم حرا وهم مماليك فإذا عتقوا فنفقتهم على أبيهم الحر ولا نفقة على الأب الذي لم تكمل فيه الحرية عتقوا أو كانوا أحرارا من الأصل بأن أمهم حرة لأنه غير وارث لهم ولا ذو مال ينفق عليهم منه ولا يستمتع منهم بما يستمتع به من أمهم إذا كانت زوجة ولا حق له في كينونة الولد عنده. قال: وإذا كان من ينازع في الولد أم أو قرابة غير ثقة فلا حق له في الولد وهي كمن لم يكن في هذه الحال وأقرب الناس به أحق بالمنازعة كأن أمه كانت غير ثقة

صفحة : 1710

وأمها ثقة فالحق لأمها ما كانت البنت غير ثقة ولو صلح حال البنت رجعت على حقها في الولد كما تنكح فلا يكون لها فيهم حق وتئيم فترجع على حقها فيهم وهكذا إن كان الأب غير ثقة كان أبوه يقوم مقامه وأخوه وذو قرابته فإذا صلحت حاله رجع إلى حقه في الولد فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه. باب إتيان النساء حيضا قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: ويسألونك عن المحيض . قال: فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أن قول الله عز وجل: حتى يطهرن حتى يرين الطهر فإذا تطهرن بالماء فأتوهن من حيث أمركم الله أن تجتنبوهن. قال: وما أشبه ما قال والله تعالى أعلم بما قال. ويشبه أن يكون تحريم الله عز وجل إتيان النساء في المحيض لأذى المحيض وإباحته إتيانهن إذا طهرن وتطهرن بالماء من الحيض على أن الإتيان المباح في الفرج نفسه كالدلالة على أن إتيان النساء في أدبارهن محرم. قال: وفيه دلالة على أنه إنما حرم إتيان النساء في دم الحيض الذي تؤمر فيه المرأة بالكف عن الصلاة والصوم ولم يحرم في دم الاستحاضة لأنها قد جعلت في دم الاستحاضة في حكم الطاهر يجب عليها الغسل من دم الحيض ودم الاستحاضة قائم والصلاة والصيام عليها. فإذا كانت المرأة حائضا لم يحل لزوجها أن يصيبها ولا إذا طهرت حتى تطهر بالماء ثم يحل له أن يصيبها قال: وإن كانت على سفر ولم تجد ماء فإذا تيممت حل له أن يصيبها ولا يحل له إصابتها في الحضر بالتيمم إلا أن يكون بها قرح يمنعها الغسل فتغسل فرجها وما لا قرح فيه من جسدها بالماء ثم تتيمم ثم تحل له إصابتها إذا حلت لها الصلاة ويصيبها في دم الاستحاضة إن شاء وحكمه حكم الطهارة. قال: وبين في الآية إنما نهى عن إتيان النساء في المحيض ومعروف أن الإتيان الإتيان في الفرج لأن التلذذ بغير الفرج في شيء من الجسد ليس إتيانا ودلت سنة رسول الله ﷺ على أن للزوج مباشرة الحائض إذا شدت عليها إزارها والتلذذ بما فوق الإزار مفضيا إليها بجسده وفرجه فذلك لزوج الحائض وليس له التلذذ بما تحت الإزار منها. ID ' ' خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.

صفحة : 1711


باب إتيان النساء في أدبارهن قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم . قال الشافعي: وبين أن موضع الحرث موضع الولد وأن الله تعالى أباح الإتيان فيه إلا في وقت المحيض. و أنى شئتم من أين شئتم. قال الشافعي وإباحة الإتيان في موضع الحرث يشبه أن يكون تحريم إتيان في غيره فالإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب ثم السنة. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة أو ابن فلان ابن أحيحة ابن فلان الأنصاري قال: قال محمد بن علي وكان ثقة عن خزيمة بن ثابت أن سائلا سأل رسول الله ﷺ عن إتيان النساء في أدبارهن فقال رسول الله ﷺ: حلال ثم دعاه أو أمر به فدعي فقال كيف قلت في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن . قال الشافعي: فأما التلذذ بغير إبلاغ الفرج بين الإليتين وجميع الجسد فلا بأس به إن شاء الله تعالى. قال: وسواء هو من الأمة أو الحرة فإذا أصابها فيما هناك لم يحللها لزوج إن طلقها ثلاثا ولم يحصنها ولا ينبغي لها تركه وإن ذهبت إلى الإمام نهاه فإن أقر بالعودة له أدبه دون الحد ولا غرم عليه فيه لها لأنها زوجة ولو كان في زنا حد فيه إن فعله حد الزنا وأغرم إن كان غاصبا لها مهر مثلها. قال: ومن فعله وجب عليه الغسل وأفسد حجه. قال الله عز و جل: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم قرأ إلى العادون قال الشافعي فكان بينا في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الأيمان. وبين أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات دون البهائم ثم أكدها فقال عز وجل: فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون فلا يحل العمل بالذكر إلا في الزوجة أو في ملك اليمين ولا يحل الاستمناء والله تعالى أعلم. وقال في قول الله تعالى: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله معناها والله أعلم ليصبروا حتى يغنيهم الله تعالى وهو كقوله في مال اليتيم: ومن كان غنيا فليستعفف ليكف عن أكله بسلف أو غيره. وكان في قول الله عز وجل: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم بيان أن المخاطبين بها الرجال لا النساء فدلى على أنه لا يحل للمرأة أن تكون

صفحة : 1712

متسرية بما ملكت يمينها لأنها متسراة أو منكوحة لا ناكحة إلا بمعنى أنها منكوحة ودلالة على تحريم إتيان البهائم لأن المخاطبة بإحلال الفرج في الآدميات المفروض عليهن العدة ولهن الميراث منهم وغير ذلك من فرائض الزوجين. الاختلاف في الدخول قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا ملك الرجل عقدة المرأة فأراد الدخول بها فإن كان مهرها حالا أو بعضه لم تجبر على الدخول عليه حتى يدفع الحال منه إليها وإن كان دينا كله أجبرت على الدخول عليه متى شاء لا وقت لها في ذلك أكثر من يوم لتصلح أمرها ونحوه لا يجاوز بها ثلاثا إذا كانت بالغا ويجامع مثلها وسواء في هذا المملوكة والحرة وليس لولي الحرة ولا لسيد الأمة منعه إياها إذا دفع صداقها إن كان حالا أو ما كان حالا منه. قال: ولا يؤجل الرجل في الصداق إلا ما يؤجل في دين الناس ويباع عليه في ماله كما يباع عليه في الدين ويحبس فيه كما يحبس في الديون لا افتراق في ذلك. قال: وهذا كله إذا كانت الزوجة بالغا أو مقاربة البلوغ أو جسيمة يحتمل مثلها أن يجامع فإذا كانت لا تحتمل أن تجامع فلأهلها منعها الدخول حتى تحتمل الجماع وليس على الزوج دفع صداقها ولا شيء منه ولا نفقتها حتى تكون في الحال التي يجامع مثلها ويخلى بينه وبينها. قال: ومتى كانت بالغا فقال: لا أدفع الصداق حتى تدخلوها وقالوا: لا ندفعها حتى تدفع الصداق فأيهما تطوع أجبرت الآخر على ما عليه فإن تطوع الزوج بدفع الصداق أجبرت أهلها على إدخالها وإن تطوع أهلها بإدخالها أجبرت الزوج على دفع الصداق. قال: وإن امتنعوا معا أجبرت أهلها على وقت يدخلونها فيه وأخذت الصداق من زوجها فإن دخلت دفعته إليها وجعلت لها النفقة إذا قالوا ندفعها إليه إذا دفع الصداق إلينا. قال الشافعي: وإن كانت بالغا مضنوا أجبرت على الدخول وكل امرأة تحتمل أن تجامع. قال: فإن كانت مع هذا مضناة من مرض لا يجامع مثلها أمهلت حتى تصير إلى الحال التي يجامع مثلها ثم تجبر على الدخول ومتى أمهلتها بالدخول لم أجبره على دفع الصداق. وإذا دخلت عليه فأصابها فأفضاها ثم لم يلتئم ذلك فعليه ديتها كاملة وهي امرأته بحالها ولها المهر تاما ولها أن تمتنع من أن يصيبها في الفرج حتى تبرأ البرء الذي إذا عاد لإصابتها لم ينكأها ولم يزد في جرحها ثم عليها إن برأت أن تخلي بينها وبين نفسها والقول في ذلك قولها ما زعمت أن العلة قائمة فإن تطاول ذلك فكان النساء يدركن علمه فإن قلن إنها

صفحة : 1713

قد برأت وإن الإصابة لا تضرها أجبرت على التخلية بينه وبين إصابتها. قال: وإن صارت إلى حال لا يجامع من صار إليها أخذت صداقها وديتها وقيل هي امرأتك فإن شئت فطلق وإن شئت فأمسك واجتنبها إذا كان مثلها لا يجامع. اختلاف الزوجين في متاع البيت أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا اختلف الرجل والمرأة في متاع البيت الذي هما فيه ساكنان وقد افترقا أو لم يفترقا أو ماتا أو مات أحدهما فاختلف ورثتهما أو ورثة أحدهما بعد موته فذلك كله سواء. والمتاع إذا كانا ساكني البيت في أيديهما معا فالظاهر أنه في أيديهما كما تكون الدار في أيديهما أو في يد رجلين فيحلف كل واحد منهما لصاحبه على دعواه فإن حلفا جميعا فالمتاع بينهما نصفان لأن الرجل قد يملك متاع النساء بالشراء والميراث وغير ذلك والمرأة قد تملك متاع الرجال بالشراء والميراث وغير ذلك فلما كان هذا ممكنا وكان المتاع في أيديهما لم يجز أن يحكم فيه إلا بهذا لكينونة الشيء في أيديهما وقد استحل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فاطمة رضي الله تعالى عنها ببدن من حديد. وهذا من متاع الرجال وقد كانت فاطمة رضي الله تعالى عنها في تلك الحال مالكة للبدن دون علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. وقد رأيت امرأة بيني وبينها ضبة سيف استفادته من ميراث أبيها بمال عظيم ودرع ومصحف فكان لها دون إخوتها ورأيت من ورث أمه وأخته فاستحيا من بيع متاعهما فصار مالكا لمتاع النساء فإذا كان هذا موجودا فلا يجوز فيه غير ما وصفت. ولو أنا كنا إنما نقضي بالظنون بقدر ما يرى الرجل والمرأة مالكين فوجدنا متاعا في يدي رجلين يتداعيانه فكان في المتاع ياقوت ولؤلؤ وعلية من علية المتاع وأحد الرجلين ممن يملك مثل ذلك المتاع والآخر ليس الأغلب من مثله أنه يملك مثل ذلك المتاع جعلنا علية المتاع للموسر الذي هو أولاهما في الظاهر بملك مثله وجعلنا سفلة المتاع إن كان في يدي موسر ومعسر للمعسر دون الموسر فخالفنا ما اجتمع عليه الناس في غير هذا من أن الدار إذا كانت في يدي رجلين فتداعياها جعلت بينهما نصفين ولم ينظر إلى أشبههما أن يكون له ملك تلك الدار فنعطيه إياها وهذا العدل إن شاء الله تعالى والإجماع. وهكذا ينبغي أن يكون متاع البيت وغيره مما يكون في يد اثنين لا يختلف الحكم فيه أنه لا يجوز أن يخالف بالقياس الأصل إلا أن يفرق بين ذلك سنة أو إجماع ويقال لمن يقول: اجعل متاع النساء للنساء ومتاع

صفحة : 1714

الرجال للرجال أرأيت دباغا وعطارا كانا في حانوت فيه عطر ودباغ كل واحد منهما يدعي العطر والدباغ أيلزمك أن تعطي العطار العطر والدباغ الدباغ. فإن قلت: إني أقسمه بينهما قيل لك: فلم لا تقسم المتاع الذي يشبه النساء بين الرجل والمرأة والمتاع الذي يشبه الرجال بين الرجل والمرأة مثل الدباغ والعطار. الاستبراء أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: أصل الاستبراء أن رسول الله ﷺ نهى عام سبي أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع أو توطأ حائل حتى تحيض . وفي هذا دلالات منها: أن من ملك أمة لم يطأها إلا باستبراء كانت عند ثقة أو غير ثقة أو توطأ أو لا توطأ من قبل أن النبي ﷺ لم يستثن منهن واحدة ولا نشك أن فيهن أبكارا وحرائر كن قبل أن يستأمين وإماء وضيعات وشريفات وكان الأمر فيهن كلهن والنهي واحد. وفي مثل معنى هذا أن كل ملك استحدثه المالك لم يجز فيه الوطء إلا بعد الاستبراء لأن الفرج كان ممنوعا قبل الملك فإذا صار مباحا بالملك كان على المالك فيه أن يستبرئه. وفي هذا المعنى على كل ملك تحول لأن المالك الثاني مثل المالك الأول وقد كان الفرج ممنوعا منه بأنه كان مباحا لغيره وإنما حدث له وكان حلالا له بعد ما ملكه. فلو ابتاع رجل من رجل جارية وقبضها منه وتفرقا بعد البيع ثم اشتراها منه البائع أو استقاله منها وهو يعلم أن الرجل لم يصل إليها كانت مشتريتها امرأة ثقة أم له أو بنت لم يكن له أن يطأها حتى يستبرئها من قبل أن الفرج قد كان حرم عليه ثم حل له بعد الملك الثاني ومتى حل له أن يطأها قدم بين يدي الوطء استبراء لا بد. وكذلك لو كانت بكرا أو عند امرأة محصنة لأن السنة تدل على أن الاستبراء إنما هو من حين يحل الفرج بالملك والاستبراء أن تمكث عند المشتري طاهرا ما كان المكث قل أو كثر ثم تحيض فتستكمل حيض فإذا طهرت منها فهو استبراؤها. ويكون الاستبراء إذا حاضت الحيض الذي تعرفه فإن حاضت على خلاف ما تعرف في الزيادة في الحيض فهو استبراء لأنها قد جاءت بما تعرف وزادت عليه وإن حاضت أقل من أيام حيضها أو بدم أرق أو أقل من دمها أو وجدت شيئا تنكره في بطن أو دلالة ما يستدل بها على الحمل. أمسكت وأمسك عن إصابتها حتى يستدل على أن تلك الريبة لم تكن حملا إما بذهاب ذلك الذي تجد وحيضة بعده مثل الحيض الذي كانت تعرف وإما بزمان يمر عليها يعرف أهل العلم من النساء أنها لو كانت حاملا تلد في

صفحة : 1715

مثل ذلك الزمان فإذا أتى ذلك عليها استدل على أن تلك الريبة من مرض لا من حمل وحل وطؤها. فإن قال قائل: قد قال النبي ﷺ في الحائل: حتى تحيض وهذه الحائل قد حاضت قيل: فمعقول عن النبي ﷺ أنه أراد الاستبراء بالحيض والاستبراء بوضع الحمل أو الحيض إنما يكون استبراء ما لم يكن معه ريبة فإذا كانت معه ريبة بحمل فاستبراء بوضع الحمل لأن الله تعالى فرض العدة ثلاث حيض وثلاثة أشهر وأربعة أشهر وعشرا وقال تبارك وتعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن فدلت السنة على أن وضع الحمل غاية الاستبراء وأنه مسقط لجميع العدد ولم أعلم أحدا خالف في أن المطلقة لو حاضت ثلاث حيض وذكرت أنها حامل لم تحل بها ولا تحل إلا بوضع الحمل أو البراءة أن يكون ذلك حملا. وهكذا والله تعالى أعلم المرتابة في الاستبراء لأنها في مثل هذا المعنى ولو حاضت حيضة وهي غير مرتابة ثم حدثت لها ريبة ثانية بعد طهرها وقبل مسيس سيدها أمسك عن إصابتها حتى تستبرىء نفسها من تلك الريبة ثم أصابها إذا برئت منها. وإذا ملكت الأمة بميراث أو هبة أو صدقة أو بيع أو أي وجه ما كان من وجوه الملك لم توطأ حتى تستبرأ لما وصفت. وإذا كانت تستبرأ لم يجز لمالكها أن يتلذذ منها بمباشرة ولا قبلة ولا جس ولا تجريد ولا بنظر شهوة من قبل أنه قد يظهر بها حمل من بائعها فيكون قد نظر متلذذا أوتلذذ بأكثر من النظر من أم ولد غيره وذلك محظور عليه. ومتى اشتراها فقبضها ثم وضعت حملها برئت وحل له وطؤها ولا يحل له الوطء إلا بوضع جميع حملها إذا كان حملها من غير سيدها وغير زوج إلا زوجا قد طلق أو مات. وكذلك لو قبضها فأقامت ساعة ثم حاضت وطهرت حل له الوطء ولو اشتراها فلم يقبضها ولم يتفرقا حتى وضعت في يدي البائع ثم قبضها لم يكن له وطؤها حتى تطهر من نفاسها ثم تحيض في يديه حيضة مستقبلة من قبل أن البيع إنما تم له حين لم يكن للبائع فيه خيار بأن يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه. ولو اشتراها وشرط عليه البائع أنه بالخيار عليه ثلاثا وقبضها المشتري فحاضت قبل أن يسلم البائع البيع ويبطل شرطه في الخيار أو تمضي ثلاث الخيار لم يطأها بهذه الحيضة حتى تطهر منها ثم تحيض حيضة أخرى ولو اشتراها وقبضها وشرط لنفسه الخيار ثلاثا ثم حاضت قبل الثلاث ثم اختار البيع كانت تلك الحيضة استبراء لأنه تام الملك فيها قابض لها لو أعتقها أو كاتبها

صفحة : 1716

أو وهبها كان ذلك جائزا ولو أراد البائع ذلك فيها لم يكن له لأن البيع فيها تام. ولو بيع جارية معيبة دلس له فيها بعيب وظهر على العيب بعد الاستبراء فاختار أن يمسكها أجزأه ذلك الاستبراء من قبل أن الملك له تام إلا أن له الخيار بالعيب إن شاء رد وإن شاء أمسك وإن ماتت في هذه الحال ماتت منه. وللرجل إذا اشترى الجارية أي جارية ما كانت أن لا يدفع عنها وأن يقبضه إياها بائعها وليس لبائعها منعه إياها ليستبرئها عند نفسه ولا عند غيره ولا مواضعته إياها على يدي أحد ليستبرئها بحال ولا للمشتري أن يحبس عنه ثمنها حتى يستبرئها هو ولا غيره ولا يضعها على يدي غيره فيستبرئها وسواء كان البائع في ذلك غريبا يخرج من ساعته أو مقيما أو معدما أو مليئا أو صالحا أو رجل سوء وليس للمشتري أن يأخذه بحميل بعهدة ولا بوجه ولا ثمن وماله حيث وضعه وإنما التحفظ قبل الشراء فإذا جاز الشراء ألزمناه ما ألزم نفسه من الحق. ألا ترى أنه لو اشترى منه عبدا أو أمة أو شيئا وهو غريب أو أهل فقال: أخاف أن يكون مسروقا أو أخاف أن يكون واحد من العبدين حرا كان ينبغي للحاكم أن يجبره على أن يدفع إليه الثمن لأنه ماله حيث وضعه. ولو أعطيناه أن يأخذ له كفيلا أو يحبس له البائع عن سفره أعطيناه ذلك في خوف أن يكون مسروقا أو معيبا عيبا خافيا من سرقة أو إباق ثم لم نجعل لهذا غاية أبدا لأنه قد لا يعلم ذلك في القريب ويعلم في البعيد وبيوع المسلمين الجائزة بينهم. وفي سنة رسول الله ﷺ ما يلزم البائع والمشتري إذا سلم هذا سلعته أن يكون قابضا لثمنها وأن لا يكون الثمن الذي هو إلى غير أجل ولا السلعة محبوسين إذا سلم البائع إلى المشتري ساعة من نهار ولا يكون المشتري من جارية ولا غيرها محبوسا من مالكها ولو جاز إذا اشترى رجل جارية أن توضع على يدي من يستبرئها كان في هذا خلاف بيوع المسلمين والسنة وظلم البائع والمشتري من قبل أنها لا تعدو أن تكون في ملك البائع بالملك الأول أو في ملك المشتري بالشراء الحادث فلا يجبر واحد منهما على إخراج ملكه إلى غيره. ولو كان الثمن لا يجب على المشتري للبائع إلا بأن تحيض الجارية حيضة وتطهر منها كان هذا فاسدا من قبل أن رسول الله ﷺ ثم المسلمين بعده نهوا أن تكون الأثمان المستأخرة إلا إلى أجل معلوم وهذا إلى أجل غير معلوم لأن الحيضة قد تكون بعد صفقة البيع في خمس وفي شهر وأكثر وأقل وكان فاسدا مع فساده من الثمن من السلعة أيضا أن تكون

صفحة : 1717

السلعة لا مشتراة إلى أجل معلوم بصفة فتكون توجد في تلك المدة ويؤخذ بها بائعها ولا مشتراة بغير تسلط مشتريها على قبضها حتى يستبرئها وهذا لا بيع أجل بصفة ولا عين بعينه يقبض وخارج من بيوع المسلمين. فلو أن رجلين تبايعا جارية وتشارطا في عقد البيع أن لا يقبضها المشتري حتى تستبرأ كان البيع فاسدا ولا يجوز بحال من قبل ما وصفت. ولو اشتراها بغير شرط كان البيع جائزا وكان للمشتري قبضها واستبراؤها عند نفسه أو عند من شاء وإذا قبضها فماتت قبل أن تستبرأ فإن ماتت عنده بعد ما ظهر بها حمل وتصادقا على ذلك كانت من المشتري ويرجع المشتري على البائع من الثمن بقدر ما بين قيمتها حاملا وغير حامل. ولو اشتراها بغير شرط فتراضيا أن يتواضعاها على يدي من يستبرئها فماتت أو عميت عند المستبرىء فإن كان المشتري قبضها ثم رضي بعد قبضها بمواضعتها فهي من ماله وإنما هي جارية قد قبضها ثم أودعها غيره فموتها في يدي غيره إذا كان هو وضعها كموتها في يديه. ولو كان اشتراها فلم يقبضها حتى تواضعاها برضى منهما على يدي من يستبرئها فماتت أو عميت ماتت من مال البائع لأن كل من باع شيئا بعينه فهو مضمون عليه حتى يقبضه منه مشتريه وإذا عميت قيل للمشتري: أنت بالخيار إن شئت فخذها معيبة بجميع الثمن لا يوضع عنك للعيب شيء كما لو عميت في يدي البائع بعد صفقة البيع وقبل قبضها كنت بالخيار في تركها أو أخذها وإن شئت فاتركها بالعيب وكل ما زعمنا أن البيع فيه جائز فعلى المشتري متى طلب البائع منه الثمن وسلم إليه السلعة أن يأخذ منه إلا أن يكون الثمن إلى أجل معلوم فيكون إلى أجله. وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية أو ما اشترى من السلع فلم يشترط المشتري الثمن إلى أجل وقال البائع: لا أسلم إليك السلعة حتى تدفع إلي الثمن وقال المشتري: لا أدفع إليك الثمن حتى تسلم إلي السلعة فإن بعض المشرقيين قال: يجبر القاضي كل واحد منهما: البائع على أن يحضر السلعة والمشتري على أن يحضر الثمن ثم يسلم السلعة إلى المشتري والثمن إلى البائع لا يبالي بأيهما بدأ إذا كان ذلك حاضرا. وقال غيره منهم: لا أجبر واحدا منهما على إحضار شيء ولكن أقول: أيكما شاء أن أقضي له بحقه على صاحبه فليدفع إلي ما عليه من قبل أنه لا يجب على واحد منكما دفع ما عليه إلا بقبض ماله وقال آخرون: أنصب لهما عدلا فأجبر كل واحد منهما على الدفع إلى العدل فإذا صار الثمن والسلعة في يديه أمرناه أن يدفع الثمن إلى البائع والسلعة إلى المشتري. قال الشافعي: ولا يجوز فيها إلا القول الثاني من أن لا يجبر

صفحة : 1718

واحد منهما. أو قول آخر: وهو أن يجبر البائع على دفع السلعة إلى المشتري بحضرته ثم ينظر فإن كان له مال أجبره على دفعه من ساعته وإن غاب ماله وقفت السلعة وأشهد على أنه وقفها للمشتري فإن وجد له مالا دفعه إلى البائع وأشهد على إطلاق الوقف عن الجارية ودفع المال إلى البائع وإن لم يكن له مال فالسلعة عين مال البائع وجده عند مفلس فهو أحق به إن شاء أخذه. وإنما أشهدنا على الوقف لأنه إن أحدث بعد إشهادنا على وقف ماله في ماله شيئا لم يجز وإنما منعنا من القول الذي حكينا أنه لا يجوز عندنا غيره أو هذا القول وأخذنا بهذا القول دونه لأنه لا يجوز للحاكم عندنا أن يكون رجل يقر بأن هذه الجارية قد خرجت من ملكه ببيع إلى مالك ثم يكون له حبسها وكيف يجوز أن يكون له حبسها وقد أعلمنا أن ملكها لغيره ولا يجوز أن يكون رجل قد أوجب على نفسه ثمنا وماله حاضر ولا نأخذه منه. ولا يجوز لرب الجارية أن يطأها ولا يبيعها ولا يعتقها وقد باعها من غيره ولا يجوز للسلطان أن يدع الناس يتدافعون الحقوق وهو يقدر على أخذها منهم. وإذا كانت لرجل أمة فزوجها أو اشتراها ذات زوج فطلقها الزوج أو مات عنها فانقضت عدتها فأراد سيدها إصابتها بانقضاء العدة لم أر ذلك له حتى يستبرئها بحيضة بعد ما حل فرجها له لأن الفرج كان حلالا لغيره ممنوعا منه والاستبراء بسبب غيره لا بسببه. ألا ترى أن رجلا لو أراد بيع أمته فاستبرأها عند أم رجل أو بنته بحيضة أو حيض ثم باعها من رجل لم يكن له أن يصيبها حتى يستبرئها بعد ما أبيح له فرجها ولو كانت لرجل أمة فكاتبها فعجزت لم يكن له وطؤها حتى يستبرئها لأنها كانت ممنوعة الفرج منه وإنما أبيح له فرجها بعد العجز فهي تجامع في هذا المعنى المتزوجة وتفارقها في أن فرجها لم يكن مباحا لغيره والاحتياط تركها. ولو كانت له أمة فحاضت فأذن لها بأن تصوم فصامت أو تحج فحجت واجبا عليها فكانت ممنوعة الفرج في نهار الصوم ومدة الإحرام والحيض ثم خرجت من الإحرام والصوم والحيض لم يكن عليه أن يستبرئها وذلك أنه إنما حيل بينه وبين فرجها بعارض فيها كما يكون العارض فيه من الصوم والإحرام لا أنه حيل بينه وبين الفرج كما حيل بينه وبينها متزوجة ومكاتبة فكان لا يحل له أن يلمسها ولا يقبلها ولا ينظر إليها بشهوة فحالها هذه مخالفة لحالها الأولى. وتجتمع المستبرأة والمعتدة وتختلفان فأما ما تجتمعان فيه فإن في الاستبراء والعدة معنى وتعبدا فأما المعنى فإن المرأة إذا وضعت حملها كانت براءة في الحرة والأمة وانقضاء العدة وأما التعبد فقد تعلم براءتها

صفحة : 1719

بأن تكون صبية لم يدخل بها ومدخول بها فتحيض حيضة فتعتد عدة الوفاة كما تعتدها البالغة المدخول بها ولا تبرئها حيضة واحدة فلو لم تكن العدة إلا للبراءة كانت الصغيرة في هاتين الحالتين بريئة وكذلك الأمة البالغ وغير البالغ تشترى من المرأة الصالحة المحصنة لها ومن الرجل الصالح الكبير قد حرم عليه فرجها برضاع فلا يكون لمن اشتراها أن يطأها حتى يستبرئها. ولو كان رجل مودع أمة يستبرئها بحيضة عنده قد حاضت في يدي نسائه حيضا كثيرا ثم ملكها ولم تفارق تحصينه بشراء أو هبة أو ميراث أو أي ملك ما كان لم يكن له أن يطأها حتى يستبرئها. وأحب للرجل الذي يطأ أمة أن لا يرسلها وأن يحصنها وإن فعل لم يحرمها ذلك عليه وكانت فيما يحل له منها مثل المحصنة. ألا ترى أن عمر رضي الله عنه يقول: ما بال رجال يطأون ولائدهم ثم يرسلونهن فيخبر أنه تلحق الأولاد بهم وإن أرسلوهن ولا يحرم عليهم الوطء مع الإرسال. ولو ابتاع رجل جارية فاستبرأها ثم جاء رجل آخر فادعى أنها له وجاء عليها بشاهد فوقف المشتري عنها ثم أبطل الحاكم الشاهد لم يكن على المشتري أن يستبرئها بعد ما فسخ عنه وقفها لأنها كانت على الملك الأول لم تستحق ولو استحقها ثم اشتراها الأول وهي في بيته لم تخرج منه لم يطأها حتى يستبرئها لأنه قد ملكها عليه غيره. ولو كانت جارية بين رجلين فاستخلصها أحدهما وكانت في بيته لم يطأها من حين حل له فرجها حتى يستبرئها ولا تكون البراءة إلا بأن يملكها طاهرا ثم تحيض بعد أن تكون طاهرا في ملكه ولو اشتراها ساعة دخلت في الدم لم يكن هذا براءة وأول الدم وآخره سواء كما يكون هذا في العدة في قول من قال الأقراء عين الحيض. ولو طلق الرجل امرأته أول ما دخلت في الدم لم يعتد بتلك الحيضة ولا يعتد بحيضة إلا حيضة تقدمها طهر فإن قال قائل: لم زعمت أن الاستبراء طهر ثم حيضة وزعمت في العدة أن الأقراء الأطهار قلنا له: بتفريق الكتاب ثم السنة بينهما فلما قال الله عز وجل: يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ودل رسول الله ﷺ على أن الأقراء الأطهار لقوله في ابن عمر: يطلقها طاهرا من غير جماع فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء فأمرناها أن تأتي بثلاثة أطهار فكان الحيض فيها فاصلا بينهما حتى يسمى كل طهر منها غير الطهر الآخر لأنه لو لم يكن بينهما حيض كان طهرا واحدا. وأمر رسول الله ﷺ في الإماء أن يستبرئن بحيضة فكانت الحيضة الأولى أمامها طهر كما لا يعد الطهر إلا وأمامه حيض وكان قول النبي ﷺ: يستبرئن

صفحة : 1720

بحيضة يقصد قصد الحيض بالبراءة فأمرناها أن تأتي بحيض كامل كما أمرناها إذا قصد قصد الأطهار أن تأتي بطهر كامل. النفقة على الأقارب أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي قال: قال الله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وان أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير وقال تبارك وتعالى: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى إلى قوله: بعد عسر يسرا . قال الشافعي: أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن هندا قالت لرسول الله ﷺ: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما أدخل علي فقال رسول الله ﷺ: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف . قال الشافعي: أخبرنا أنس بن عياض عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها حدثته أن هندا أم معاوية جاءت رسول الله ﷺ فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني وولده إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل علي في ذلك من شيء. فقال رسول الله ﷺ: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف . قال الشافعي: ففي كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله ﷺ بيان أن الإجارة جائزة على ما يعرف الناس إذ قال الله عز وجل: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن والرضاع يختلف فيكون صبي أكثر رضاعا من صبي وتكون امرأة أكثر لبنا من امرأة ويختلف لبنها فيقل ويكثر فتجوز الإجارة على هذا لأنه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به من هذا فتجوز الإجارات على خدمة العبد قياسا على هذا وتجوز في غيره مما يعرف الناس قياسا على هذا. قال الشافعي: وبيان أن على الوالد نفقة الولد دون أمه كانت أمه متزوجة أو مطلقة. وفي هذا دلالة على أن النفقة ليست على الميراث وذلك أن الأم وارثة وفرض النفقة والرضاع على الأب دونها. قال الشافعي: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قول الله عز وجل: وعلى

صفحة : 1721

الوارث مثل ذلك من أن لا تضار والدة بولدها لا أن عليها الرضاع. قال الشافعي: وإذا وجب على الأب نفقة ولده في الحال التي لا يغني نفسه فيها فكان ذلك عندنا لأنه منه لا يجوز أن يضيع شيئا منه. وكذلك إن كبر الولد زمنا لا يغني نفسه ولا عياله ولا حرفة له أنفق عليه الوالد وكذلك ولد الولد لأنهم ولد. ويؤخذ بذلك الأجداد لأنهم آباء وكانت نفقة الوالد على الولد إذا صار الوالد في الحال التي لا يقدر على أن يغني فيها نفسه أوجب لأن الولد من الوالد وحق الوالد على الولد أعظم. وكذلك الجد وأبو الجد وآباؤه فوقه وإن بعدوا لأنهم آباء. قال: وإذا كانت هند زوجة لأبي سفيان وكانت القيم على ولدها لصغرهم بأمر زوجها فأذن لها رسول الله ﷺ أن تأخذ من مال أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف فمثلها الرجل يكون له على الرجل الحق بأي وجه ما كان فيمنعه إياه فله أن يأخذ من ماله حيث وجده سرا وعلانية. وكذلك حق ولده الصغار وحق من هو قيم بماله ممن توكله أو كفله. قال: وإن وجد الذي له الحق ماله بعينه كان له أخذه وإن لم يجده كان له أخذ مثله إن كان له مثل إن كان طعاما فطعام مثله وإن كان دراهم فدراهم مثلها وإن كان لا مثل له كانت له قيمة مثله دنانير أو دراهم كأن غصبه عبدا فلم يجده فله قيمته دنانير أو دراهم فإن لم يجد للذي غصبه دنانير ولا دراهم ووجد له عرضا كان له أن يبيع عرضه الذي وجد فيستوفي قيمة حقه ويرد إليه فضله إن كان فيما باع له وان كان ببلد الأغلب به الدنانير باعه بدنانير وإن كان الأغلب به الدراهم باعه بالدراهم. قال: وإن غصبه ثوبا فلبسه حتى نقص ثمنه أو عبدا فاستخدمه حتى كسر أو اعور عنده أخذ ثوبه وعبده وأخذ من ماله قيمة ما نقص ثوبه وعبده على ما وصفنا. ID ' ' ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو

صفحة : 1722


نفقة المماليك قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن بكير بن عبد الله عن عجلان أبي محمد عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق . قال الشافعي: على مالك المملوك الذكر والأنثى البالغين إذا حبسهما في عمل له أن ينفق عليهما ويكسوهما بالمعروف وذلك نفقة رقيق بلدهما الشبع لأوساط الناس الذي تقوم به أبدانهم من أي الطعام كان حنطة أو شعيرا أو ذرة أو تمرا وكسوتهم كذلك مما يعرف أهل ذلك البلد أنه معروف صوف أو قطن أو كتان أي ذلك كان الأغلب بذلك البلد وكان لا يسمى ضيقا بموضعه. قال الشافعي: والجواري إذا كانت لهن فراهة وجمال فالمعروف أنهن يكسين أحسن من كسوة اللاتي دونهن. قال الشافعي: أخبرنا أبي لهب أنه سمع ابن عباس يقول في المملوكين: أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون قال الشافعي: هذا كلام مجمل يجوز أن يكون على الجواب فسأل السائل عن مماليكه وهو إنما يأكل تمرا أو شعيرا أو أدنى ما يقدر عليه من الطعام ويلبس صوفا أو أدنى ما يقدر عليه من اللباس فقال: أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون . وكان أكثر حال الناس فيما مضى ضيقة وكان كثير ممن اتسعت حاله مقتصدا فهذا يستقيم. قال: والسائلون عرب ولبوس عامتهم وطعامهم خشن ومعاشهم ومعاش رقيقهم متقارب فأما من لم تكن حاله هكذا وخالف معاش السلف والعرب وأكل رقيق الطعام ولبس جيد الثياب فلو آسى رقيقه كان أكرم وأحسن فإن لم يفعل فله ما قال رسول الله ﷺ: نفقته وكسوته بالمعروف والمعروف عندنا المعروف لمثله في بلده الذي به يكون ولو أن رجلا كان لبسه الوشي والخز والمروي والقصب وطعمته النقي وألوان لحم الدجاج والطير لم يكن عليه أن يطعم مماليكه ويكسوهم مثل ذلك فإن هذا ليس بالمعروف للمماليك. قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليدعه فليجلسه معه فإن أبى فليروغ له لقمة فليناوله إياها أو يعطه إياها أو كلمة هذا معناها . قال الشافعي: فلما قال رسول الله ﷺ: فليروغ له لقمة كان هذا عندنا والله تعالى أعلم على وجهين: أحدهما وهو أولاهما بمعناها والله تعالى أعلم أن إجلاسه معه أفضل وإن لم يفعل فليس بواجب عليه أن يجلسه معه إذ قال رسول الله

صفحة : 1723

ﷺ: وإلا فليروغ له لقمة لأن إجلاسه لو كان واجبا عليه لم يجعل له أن يروغ له لقمة دون أن يجلسه معه أو يكون بالخيار بين أن يناوله أو يجلسه وقد يحتمل أن يكون أمر اختيار غير الحتم وتكون له نفقته بالمعروف كما قال رسول الله ﷺ فلا يجب له أكثر منها. قال الشافعي: وهذا يدلك على ما وصفنا من تباين طعام المملوك وطعام سيده إذا أراد سيده طيب الطعام لا أدنى ما يكفيه فلو كان ممن يريد أدنى ما يكفيه أطعمه من طعامه. قال: والكسوة هكذا. قال: والمملوك الذي يلي طعام الرجل يخالف عندنا المملوك الذي لا يلي طعامه وينبغي لمالك المملوك الذي يلي طعامه أن يكون أقل ما يصنع ن يناوله لقمة يأكلها مما يقرب إليه فإن المعروف لا يكون يرى طعاما قد ولي العناء فيه ثم لا ينال منه شيئا يرد به شهوته وأقل ما ترد به شهوته لقمة. فإن قال قائل: كيف يكون هذا للمملوك الذي يلي الطعام دون غيره قيل: لاختلاف حالهما لأن هذا ولي الطعام ورآه وغيره من المماليك لم يله ولم يره والسنة التي خصت هذا من المماليك دون غيره. قال الشافعي: وفي كتاب الله عز وجل ما يدل على ما يوافق بعض معنى هذا قال الله تبارك وتعالى: وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه . فأمر الله عز وجل أن يرزق من القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين الحاضرون القسمة ولم يكن في الأمر في الآية أن يرزق من القسمة من مثلهم في القرابة واليتم والمسكنة ممن لم يحضر ولهذا أشباه وهي: أن تضيف من جاءك ولا تضيف من لم يقصد قصدك ولو كان محتاجا إلا أن تتطوع. وقال لي بعض أصحابنا: قسمة الميراث. وقال بعضهم: قسمة الميراث وغيره من الغنائم فهذا أوسع وأحب إلي أن يعطوا ما طاب به نفس المعطي ولا يوقت ولا يحرمون. قال الشافعي: ومعنى لا يكلف من العمل إلا ما يطيق يعني به والله تعالى أعلم: إلا ما يطيق الدوام عليه ليس ما يطيقه يوما أو يومين أو ثلاثة ونحو ذلك ثم يعجز فيما بقي عليه وذلك أن العبد الجلد والأمة الجلدة قد يقويان على أن يمشيا ليلة حتى يصبحا وعامة يوم ثم يعجزان عن ذلك ويقويان على أن يعملا يوما وليلة ولا ينامان فيهما ثم يعجزان عن ذلك فيما يستقبلان والذي يلزم المملوك لسيده ما وصفنا من العمل الذي يقدر على الدوام عليه إن كان مسافرا فبمشي العقبة وركوب الأخرى والنوم إن قدر راكبا نام أكثر من ذلك وإن كان لا يقدر على النوم راكبا نام أكثر من ذلك في المنزل وإن كان عمله بالليل تركناه بالنهار للراحة وإن كان عمله بالنهار تركناه بالليل للراحة وإن كان

صفحة : 1724

في الشتاء عمل في السحر ومن أول الليل وإن كان في صيف يعمل ترك في القائلة. ووجه هذا كله في المملوك والمملوكة ما لا يضر بأبدانهما الضرر البين وما يعرف الناس أنهما يطيقان المداومة عليه. قال الشافعي: ومتى مرض واحد منهما فعليه نفقته في المرض ليس له استعماله إن كان لا يطيق العمل. وإن عمي أو زمن أنفق عليه مولاه أيضا إلا أن يشاء يعتقه فإذا أعتقه فلا نفقة له عليه. قال الشافعي: وأم الولد مملوكة يلزمه نفقتها وتخدمه وتعمل له ما تحسن وتطيق بالمعروف في منزله والمدبرة والمملوكة تعمل له في منزله أو خارجا عنه كما وصفنا من المملوكة غير المدبرة وينفق عليهن كلهن بالمعروف والمعروف ما وصفت. وأي مملوك صار إلى أن لا يطيق العمل لم يكلفه وأنفق عليه ورضاع المملوك الصغير يلزم مولاه والمكاتب والمكاتبة مخالفان لمن سواهما لا يلزم مولاهما نفقة في مرض ولا غيره فإن مرضا وعجزا عن نفقة أنفسهما قيل لهما: لكما شرطا كما في الكتابة فأنفقا على أنفسكما فإن زعمتما أنكما عاجزان عن تأدية الكتابة أبطلنا كتابتكما ورددناكما رقيقا كما نبطلها إذا عجزتما عن تأدية أرش جنايتكما. قال: وإذا كان لهما إذا هما عجزا أن يقولا: لا نجد فيردان رقيقين كان لهما في المرض ما وصفت إن شاء الله تعالى لأن هذا دلالة على أن فسخ الكتابة إليهما دون من كاتبهما. قال: ولو كانا اثنين فعجز أحدهما أو مرض فقال: قد عجزت بطلت كتابته وأنفق عليه وكان الذي لم يعجز عن الكتابة مكاتبا ويرفع عنه حصة العاجز من الكتابة. قال الشافعي: وينفق الرجل على مماليكه الصغار وإن لم ينفعوه يجبر على ذلك. قال: ولو زوج رجل أم ولده فولدت أولادا أنفق عليهم كما ينفق على رقيقه حتى يعتقوا بعتق أمهم قال: وإذا ضرب السيد على عبده خراجا فقال العبد: لا أطيقه. قيل له: أجره ممن شئت واجعل له نفقته وكسوته ولا يكلف خراجا. وإن كانت أمة فكذلك غير أنه لا ينبغي أن يأخذ منها خراجا إلا أن تكون في عمل وأحب أن يمنعه الإمام من أخذ الخراج من الأمة إذا لم تكن في عمل وأحب كذلك يمنعه الخراج من العبد إن لم يكن يطيق الكسب صغيرا كان أو كبيرا. قال الشافعي: أخبرنا مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع عثمان رضي الله تعالى عنه يقول في خطبته: ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنكم متى كلفتموه الكسب سرق ولا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها الكسب كسبت بفرجها . قال الشافعي وإن كانت لرجل دابة في المصر أو شاة أو بعير علفه ما يقيمه فإن امتنع من ذلك أخذه السلطان بعلفه أو ببيعه فإن كانت

صفحة : 1725

ببادية فاتخذت الغنم أو الإبل أو البقر على المرعى فخلاها والرعي ولم يحبسها فأجدبت الأرض فأحب إلي لو علفها أو ذبحها أو باعها ولا يحبسها فتموت هزالا إن لم يكن في الأرض متعلق ويجبر عندي على بيعها أو ذبحها أو علفها. فإن كان في الأرض متعلق لم يجبر عندي على بيعها ولا ذبحها ولا علفها لأنها على ما في الأرض تتخذ وليست كالدواب التي لا ترعى والأرض مخصبة إلا رعيا ضعيفا ولا تقوم للجدب قيام الرواعي. قال الشافعي: ولا تحلب أمهات النسل إلا فضلا عما يقيم أولادهن ولا يحلبها ويتركهن يمتن هزالا. قال: وليس له أن يسترضع أمة فيمنع ولدها إلا يكون فيه فضل عن ريه أو يكون ولدها يغتذي بالطعام فيقيم بدنه فلا بأس أن يؤثر ولده باللبن إن اختاره على الطعام. قال: وفي كتاب الطلاق والنكاح نفقة المطلقة والزوجة وغير ذلك من النفقات مما يلزم. الحجة على من خالفنا قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقال بعض الناس قولنا فيمن كان له على رجل حق فلم يعطه إياه فإن له أن يأخذ منه حقه سرا ومكابرة إن غصبه دنانير أو دراهم أو ما يكال أو يوزن فوجد مثله أخذه فإن لم يجد مثله لم يكن له أن يبيع من عرضه شيئا فيستوفي حقه وذلك أن صاحب السلعة الذي وجب عليه الحق لم يرض بأن يبيع ماله فلا ينبغي لهذا أن يكون أمين نفسه. قال الشافعي: أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال: هو إذا غصبه لدراهم فاستهلكها فأمرته أن يأخذ دراهم غيرها فإنما جعلت هذه الدراهم بدلا من تلك القيمة لأنه لو غصبه سودا لم تأمره أن يأخذ وضحا لأن الوضح أكثر قيمة من السود فقد جعلت له البدل بالقيمة والقيمة بيع. فإن قال: هذه دراهم مثل القيمة قلنا: وما مثل قال: لا يجوز الفضل في بعضها على بعض. قلنا: فإن كنت من هذا الوجه أجزته فقل له: يأخذ مكان السود وضحا وهي لا يحل الفضل في بعضها على بعض. قال: لا لأنها وإن لم يحل الفضل في بعضها على بعض فهي أكثر قيمة من الدنانير. قلنا: فحجتك لأن الفضل في بعضها على بعض لا يحل كانت خطأ لأنه إنما صرت إلى أن تعطيه دراهم بقيمة ما أخذ من الدراهم وهذا بيع فكيف لم تجز أن يأخذ دنانير بقيمة الدراهم وإنما إلى القيمة ذهبت وكيف لم تجز له أن يبيع من عرضه فيأخذ مثل دراهمه والعرض يحل بالدراهم وفيه تغابن فما حجتك على أحد إن عارضك بمثل هذا القول فقال: لا يجوز له أن يأخذ أبدا إلا ما أخذ منه لأنك تعلم أنه إذا أخذ غير ما أخذ منه

صفحة : 1726

فإنما يأخذ بدلا والبدل بقيمة ولا يجوز له أن يكون أمين نفسه في مال غيره وأنت تقول في أكثر العلم لا يكون أمين نفسه. قال الشافعي: فقال: فما تقول أنت قلت: أقول: إن سنة رسول الله ﷺ ثم إجماع أكثر من حفظت عنه من أهل العلم قبلنا يدل على أن كل من كان له حق على أحد فمنعه إياه فله أخذه منه وقد يحتمل أن يكون ما أدخل أبو سفيان على هند مما أذن لها رسول الله ﷺ في أخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف منه ذهبا وفضة لا طعاما ويحتمل لو كان طعاما أن يكون أرفع مما يفرض لها وبين أن لها أن تأخذ بالمعروف مثل ما كان فارضا لها لا أرفع ولا أكثر منه. ويحتمل لو كان مثل ما يفرض لها ليس أكثر منه أن تكون إنما أخذته بدلا مما يفرض لها مثله لأنه قد كان لأبي سفيان حبس ذلك الطعام عنها وإعطاؤها غيره لأن حقها ليس في طعام بعينه إنما هو طعام نصفه كطعام الناس وأدم كأدم الناس لا في أرفع الطعام بعينه ولا الأدم ولا في شرهما وهي إذا أخذت من هذا فإنما تأخذ بدلا مما يجب لها ولولدها والبدل هو القيمة والقيمة تقوم مقام البيع وهي إذا أخذت لنفسها وولدها فقد جعلها أمين نفسها وولدها وأباح لها أخذ حقها وحقهم سرا من أبي سفيان وهو مالك المال. قال الشافعي: فقلت له: أما في هذا ما دلك على أن للمرء أن يأخذ لنفسه مثل ما كان على الذي عليه الحق أن يعطيه ومثل ما كان على السلطان إذا ثبت الحق عنده أن يأخذه به قال: وأين قلت له: أرأيت السلطان لو لم يجد للمغتصب سلعته بعينها أليس يقضى على الغاصب بأن يعطيه قيمتها قال: بلى قلت: وإن لم يعطه سلعته بعينها باع السلطان عليه في ماله حتى يعطي المغصوب قيمة سلعته قال: بلى فقيل له: إذا كانت السنة تبيح لمن له الحق أن يأخذ حقه دون السلطان كما كان للسلطان أن يأخذه لو ثبت عنده فكيف لا يكون للمرء إذا لم يجد حقه أن يبيع في مال من له عليه الحق حتى يأخذ حقه قال: للسلطان أن يبيع وليس لهذا أن يبيع قلنا: ومن قال ليس له أن يبيع أرأيت إذا قيل لك ولا له أن يأخذ مال غيره إلا بإذن السلطان ما حجتك أو رأيت السلطان لو باع لرجل في مال رجل والرجل يعلم أن لا حق له على المبيع عليه أيحل له أن يأخذ ما باع له السلطان قال: لا قلنا: فتراك إنما تجعل أن يأخذ بعلمه لا بالسلطان وما للسلطان في هذا معنى أكثر من أن يكون كالمفتي يخبر بالحق لبعض الناس على بعض ويجبر من امتنع من الحق على تأديته وما يحل السلطان شيئا ولا يحرمه ما الحلال وما الحرام إلا على ما يعلم الناس فيما بينهم. قال: أجل قلنا: فلم جمعت بين

صفحة : 1727

الرجل يكون له الحق فيأخذ حقه دون السلطان ويكره الذي عليه الحق وجعلته أمين نفسه فيه وفرقت بينه وبين السلطان في البيع من مال الذي عليه الحق أقلت هذا خبرا أم قياسا قال: قال أصحابنا: يقبح أن يبيع مال غيره. قلت: ليس في هذا شيء لو قبح إلا وقد شركت فيه بأنك تجعله يأخذ مثل عين ماله وذلك قيمته والقيمة بيع. وتخالف معنى السنة في هذا الموضع وتجامعها في موضع غيره. قال: هكذا قال أصحابنا: قلت: فترضى من غيرك بمثل هذا فيقول لك من خالفك هكذا قال أصحابنا قال: ليس له في هذا حجة قلنا: ولا لك أيضا فيه حجة فقال: إنه يقال إن النبي ﷺ قال: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك فما معنى هذا قلنا: ليس هذا بثابت عند أهل الحديث منكم ولو كان ثابتا لم يكن فيه حجة علينا ولو كانت كانت عليك معنا. قال: وكيف قلت: قال الله عز وجل: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فتأدية الأمانة فرض والخيانة محرمة وليس من أخذ حقه بخائن. قال: أفلا تراه إذا غصب دنانير فباع ثيابا بدنانير فقد خان لأن الثياب غير الدنانير قلت: إن الحقوق تؤخذ بوجوه منها أن يوجد الشيء المغصوب بعينه فيؤخذ فإن لم يكن فمثله فإن لم يكن بيع على الغاصب فأخذ منه مثل ما غصب بقيمته ولو كان إذا خان دنانير فبيعت عليه جارية بدنانير فدفعت إلى المغصوب كان ذلك خيانة لم يحل للسلطان أن يجوز ولا يكاثر على ما يعلم أنه لا يحل له وكان على السلطان إن وجد له دنانيره بعينها أعطاه إياها وإلا لم يعطه دنانير غيرها لأنها ليست بالذي غصب ولا يبيع له جارية فيعطيه قيمتها وصاحب الجارية لا يرضى. قال: أفرأيت لو كان ثابتا ما معناه قلنا: إذا دلت السنة واجتماع كثير من أهل العلم على أن يأخذ الرجل حقه لنفسه سرا من الذي هو عليه فقد دل ذلك أن ليس بخيانة الخيانة أخذ ما لا يحل أخذه فلو خانني درهما قلت: قد استحل خيانتي لم يكن لي أن آخذ منه عشرة دراهم مكافأة بخيانته لي وكان لي أن آخذ درهما ولا أكون بهذا خائنا ولا ظالما كما كنت خائنا ظالما بأخذ تسعة مع درهم لأنه لم يخنها. قال الشافعي: ولا تعدو الخيانة المحرمة أن تكون كما وصفنا من أن يأخذ من مال الرجل بغير حق وهي كذلك إن شاء الله تعالى والسنة دليل عليها أو تكون لو كان له حق لم يكن له أن يأخذه بغير أمره وهذا خلاف السنة فإن كان هذا هكذا فقد أمروا رجلا أن يأخذ حقه والبدل من حقه بغير أمر من أخذ منه سرا ومكابرة. قال الشافعي: وخالفنا أيضا في النفقة فقال: إذا مات الأب أنفق على الصغير كل في رحم يحرم عليه نكاحه من

صفحة : 1728

رجل أو امرأة. قلت له: فما حجتك في هذا قال: قول الله تبارك وتعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن إلى قوله: وعلى الوارث مثل ذلك . قال الشافعي: قلت له: أكان على الوارث مثل ذلك عندك على جميع ما فرض الله تبارك وتعالى على الأب والوارث يقوم في ذلك مقام الأب قال: نعم فقلت: أوجدت الأب ينفق ويسترضع المولود وأمه وارث لا شيء عليها من ذلك قال: نعم قلت: أفيكون وارث غير أمه يقوم مقام أبيه فينفق على أمه إذا أرضعته وعلى الصبي قال: لا ولكن الأم تنفق عليه مع الوارث. قلنا: فأول ما تأولت تركت قال: فإني أقول: على الوارث مثل ذلك بعد موت الأب هي في الآية ذلك بعد موت الأب. قال: لا يكون له وارث وأبوه حي قلنا: بلى أمه وقد يكون زمنا مولودا فيرثه ولده لو مات ويكون على أبيه عندك نفقته فقد خرجت مما تأولت. قال الشافعي: فقلت لبعض من يقول هذا القول: أرأيت يتيما له أخ فقير وجد أبو أم غني على من نفقته قال: على جده. قلنا: ولمن ميراثه قال: لأخيه. قلنا: أرأيت يتيما له خال وابن عم غنيان لو مات اليتيم لمن ميراثه قال: لابن عمه فقلت: فقبل يموت على من نفقته قال: على خاله. فقلت لبعضهم: أرأيت يتيما له أخ لأبيه وأمه وهو فقير وله ابن أخ غني لمن ميراثه قال: للأخ فقلت: فعلى من نفقته. قال: على ابن أخيه. قلت: فقد جعلت النفقة على غير وارث وكل ما لزم أحدا لم يتحول عنه لفقر ولا غيره فإن كانت الآية على ما وصفت فقد خالفتها فأبرأت الوارث من النفقة وجعلتها على غير الوارث. قال: إنما جعلتها على ذي الرحم المحرم إن كان وارثا. قلنا: وقد تجعلها على الخال وهو غير وارث فتخالف الآية فيه خلافا بينا أو تجد في الآية أنه إنما عنى بها الرحم المحرم أو تجد أحدا من السلف فسرها كذلك قال: هي هكذا عندنا. قلت: أفرأيت إن عارضك أحد بمثل حجتك فقال: إذا جاز أن تجعلها على بعض الوارثين دون بعض. قلت: أجيزه على نفقة ذي الرحم غير المحرم لأن أجبره على نفقة الجارية وهو يحل له نكاحها فيكون يوما فيها له منفعة وسرور وعلى نفقة الغلام وهو يحل له أن ينكح إليه أو ينكح المرأة التي ينفق عليها فيكون له في ذلك منفعة وسرور أجوز من أن أجبره على نفقة من يحرم عليه نكاحه لأنه لا يستمتع أحدهما بالآخر بما يستمتع به الرجال من النساء والنساء من الرجال ما حجتك عليه ما أعلم أحدا لو قال هذا إلا أحسن قولا منك. قال: لأن الذي يحرم نكاحه أقرب. قلنا: قد يحرم نكاح من لا قرابة له. قال:

صفحة : 1729

وأين قلنا: أم امرأتك وامرأة أبيك وامرأة تلاعنها وامرأتك تبت طلاقها وكل من بينك وبينه رضاع. قال: ليس هؤلاء وارثا. قلنا: أو ليس قد فرضت النفقة على غير الوارث فإن قال قائل: فإنا قد روينا من حديثكم أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أجبر عصبة غلام على رضاعه الرجال دون النساء قلنا: أفتأخذ بهذا قال: نعم. قلت: أفتخص العصبة وهم الأعمام وبنو الأعمام والقرابة من قبل الأب قال: لا إلا أن يكونوا ذوي رحم محرم. قلنا: فالحجة عليك في هذا كالحجة عليك فيما احتججت به من القرآن وقد خالفت هذا قد يكون له بنو عم فيكونون له عصبة وورثة ولا تجعل عليهم النفقة وهم العصبة الورثة وإن لم تجد له ذا رحم تركته ضائعا. قال الشافعي: فقال لي قائل: قد خالفتم هذا أيضا. قلنا: أما الأثر عن عمر فنحن أعلم به منك ليس تعرفه ولو كان ثابتا لم يخالفه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فكان يقول: وعلى الوارث مثل ذلك على الوارث أن لا تضار والدة بولدها وابن عباس رضي الله عنهما أعلم بمعنى كتاب الله عز وجل منا والآية محتملة على ما قال ابن عباس وذلك إن في فرضها على الوارث والأم حية دلالة على أن النفقة ليست على الميراث لأنها لو كانت على الميراث كاد على الأب ثلثاها وسقط عنه ثلثها لأنه حظ الأم. ولو استرضع المولود غير الأم كان على الأب ثلثا الرضاع وعلى الأم ثلثه وإن كانت الأم خرجت من هذا المعنى أو جعلت فيه كالمستأجرة غيرها فكان ينبغي لو مات الأب أن يقوم الوارث مقام الأب فينفق على الأم إذا أرضعته فلا يكون على الأم من رضاعه شيء لو استرضعه أخرى وقد فرض الله عز وجل نفقة المطلقات ذوات الأحمال وجاءت السنة من ذلك بنفقة وغرامات تلزم الناس ليس فيها أن يلزم الوارث نفقة الصبي وكل امرىء مالك لماله وإنما لزمه فيه ما لزمه في كتاب أو سنة أو أثر أو أمر مجمع عليه فأما أن يلزمه في ماله ما ليس في واحد من هذا فلا يجوز لنا فإن كان التأويل كما وصفنا فنحن لم نخالف منه حرفا وإن كان كما وصفت فقد خالفته خلافا بينا. ID ' ' ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ

صفحة : 1730


جماع عشرة النساء أخبرنا أبو علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك بدمشق بقراءتي عليه قال: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي: قال الله تبارك وتعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم وقال الله تعالى: وعاشروهن بالمعروف . وقال عز وجل: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقال عز وجل: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف وقال جل وعلا: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة فجعل الله للزوج على المرأة وللمرأة على الزوج حقوقا بينها في كتابه وعلى لسان نبيه مفسرة ومجملة ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم وقد وضعنا بعض ما حضرنا منها في مواضعه والله نسأل الرشد والتوفيق. وأقل ما يجب في أمره بالعشرة بالمعروف أن يؤدي الزوج إلى زوجته ما فرض الله لها عليه من نفقة وكسوة وترك ميل ظاهر فإنه يقول جل وعز: فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وجماع المعروف إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه وكف المكروه. النفقة على النساء قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء إلى تعدلوا وقول الله ذلك أدنى أن لا تعدلوا يدل والله أعلم أن على الرجل نفقة امرأته. وقوله أن لا تعدلوا أن لا يكثر من تعولون إذا اقتصر المرء على واحدة وإن أباح له أكثر منها. وقال الله عز وجل: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة أتت النبي ﷺ فقالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي منه إلا ما يدخل علي فقال النبي ﷺ: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله عندي دينار قال: أنفقه على نفسك قال: عندي آخر قال: أنفقه على ولدك قال: عندي آخر قال: أنفقه على أهلك قال: عندي آخر قال: أنفقه على خادمك قال: عندي آخر قال: أنت أعلم قال سعيد: ثم يقول أبو هريرة: إذا حدث بهذا الحديث يقول ولدك: أنفق علي إلى من تكلني وتقول زوجتك: أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك: أنفق علي أو بعني.

صفحة : 1731

قال الشافعي: فبهذا نأخذ. قلنا: على الزوج نفقة امرأته وولده الصغار بالمعروف والمعروف نفقة مثلها ببلدها الذي هي فيه برا كان أو شعيرا أو ذرة لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته مثلها ومن الكسوة والأدم بقدر ذلك لقول الله عز وجل: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم فلما فرض عليهم نفقة أزواجهم كانت الدلالة كما وصفت في القرآن. وأبان النبي ﷺ ذلك فإن فرض الله عليهم نفقة أزواجهم فعجزوا عنها لم يجبرن على المقام معهم مع العجز عما لا غنى بهن عنه من النفقة والكسوة. قال: وبالاستدلال قلنا: إذا عجز الرجل عن نفقة امرأته فرق بينهما وقلنا: يجب على الرجل نفقة امرأته إذا ملك عقدة نكاحها وخلت بينه وبين الدخول عليها فأخر ذلك هو ونفقتها مطلقة طلاقا يملك الرجعة حتى تنقضي عدتها وإن كان مثلها لا يخدم نفسها وجبت عليه نفقة خادم لها وإذا دخل بها فغاب عنها قضي لها بنفقتها في ماله فإن لم ترفع ذلك إلى السلطان حتى يقدم وتصادقا على إن لم ينفق عليها في غيبته حكم السلطان عليه بنفقته في الشهور التي مضت وكذلك إن كانت زوجته حرة ذمية وإن كانت عليه ديون ضربت زوجته مع الغرماء بالنفقة الماضية المدة التي حبسها لأنه حق لها. ID ' ' الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل ولا يكاد يقدر عليه.

صفحة : 1732


الخلاف في نفقة المرأة قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقال بعض الناس: ليس على الرجل نفقة امرأته حتى يدخل بها وإذا غاب عنها وجب على السلطان إن طلبت نفقتها أن يعطيها من ماله وإن لم يجد له مالا فرض عليه لها نفقة وكانت دينا عليه وإن لم تطلب ذلك حتى يمضي لها زمان ثم طلبته فرض لها من يوم طلبته ولم يجعل لها نفقة في المدة التي لم تطلب فيها النفقة وإن عجز عن نفقتها لم يفرق بينهما وعليه نفقتها إذا طلقها ملك رجعتها أو لم يملكها. قال الشافعي: وقال لي: كيف قلت في الرجل يعجز عن نفقة امرأته يفرق بينهما. قلت: لما كان من فرض الله على الزوج نفقة المرأة ومضت بذلك سنة رسول الله ﷺ والآثار والاستدلال بالسنة لم يكن له والله أعلم حبسها على نفسه يستمتع بها ومنعها عن غيره تستغني به وهو مانع لها فرضا عليه عاجزا عن تأديته وكان حبس النفقة والكسوة يأتي على نفسها فتموت جوعا وعطشا وعريا. قال: فأين الدلالة على التفريق بينهما قلت: قال أبو هريرة: إن النبي ﷺ أمر الزوج بالنفقة على أهله وقال أبو هريرة: تقول امرأتك: أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك: أنفق علي أو بعني. قال الشافعي: قال: فهذا بيان أن عليه طلاقها قلت: أما بنص فلا وأما بالاستدلال فهو يشبه والله أعلم وقلت له: فما تقول في خادم له لا عمل فيها بزمانة عجز عن نفقتها قال: نبيعها عليه. قلت: فإذا صنعت هذا في ملكه كيف لا تصنعه في امرأته التي ليست بملك له قال: فهل من شيء أبين من هذا قلت: أخبرنا سفيان عن أبي الزناد قال: سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال: يفرق بينهما. قال أبو الزناد: قلت: سنة قال سعيد سنة والذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون سنة رسول الله ﷺ. أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا. فقال: أرأيت إن لم يكن في الكتاب ولا في حديث رسول الله ﷺ منصوصا التفريق بينهما هل بينه وبين ما منعها من حقوقها التي لا تفرق بينها وبينه إذا منعها فرق مثل نشوز الرجل ومثل تركه القسم لها من غير إيلاء. فقلت له: نعم ليس في فقد الجماع أكثر من فقد لذة وولدة وذلك لا يتلف نفسها وترك النفقة والكسوة يأتيان على إتلاف نفسها. وقد وجدت لله عز وجل أباح في

صفحة : 1733

الضرورة من المأكول ما حرم من الميتة والدم وغيرهما منعا للنفس من التلف ووضع الكفر عن المستكره للضرورة التي تدفع عن نفسه ولا أجده أباح للمرأة ولا للرجل في الشهوة للجماع شيئا مما حرم الله عليهما. وأنت تزعم أن الرجل إذا عجز عن إصابة امرأته وإن كان يصيب غيرها أجل سنة ثم يفرق بينهما إن شاءت. قال: هذا رواية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قلت: فإن كانت الحجة فيه الرواية عن عمر فإن قضاء عمر بأن يفرق بين الزوج وامرأته إذا لم ينفق عليها أثبت عنه فكيف رددت إحدى قضايا عمر في التفريق بينهما ولم يخالفه فيه أحد علمته من أصحاب رسول الله ﷺ وقبلت قضاءه في العنين وأنت تزعم أن عليا رضي الله عنه يخالفه فقال: قبلته لأن الجماع من حقوق العقدة. قلت له: أفكما يجامع الناس أو جماع مرة واحدة قال: كما يجامع الناس. قلت: فأنت إذا جامع مرة واحدة لم تفرق بينهما. قال: من أجل أنه ليس بعنين. قلت: فكيف يجامع غيرها ولا يكون عنينا وتؤجله سنة قال: إن أداء الحق إلى غيرها غير مخرج له من حقها. قلت: فإذا كنت تفرق بينهما بأن حقا عليه جماعها ورضيت منه في عمره أن يجامع مرة واحدة فحقها عليه في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ والآثار في نفقتها واجب. قال: نعم قلت: فلم أقررتها معه بفقد حقين في النفقة والكسوة وفقدهما يأتي على إتلافها لأن الجوع والعطش في أيام يسيرة يقتلانها والعري يقتلها في الحر والبرد وأنت تقول: لو أنفق عليها دهره ثم ترك يوما أخذته بنفقتها لأنه يجب لها في كل يوم نفقة وفرقت بينهما بفقد الجماع الذي تخرجه منه في عمرها بجماع مرة واحدة فقد فرقت بينهما بأصغر الضررين وأقررتها معه على أعظم الضررين ثم زعمت متى طلبت نفقتها من ماله غائبا كان أو حاضرا فرضتها عليه وجعلتها دينا في ذمته كحقوق الناس وإن كفت عن طلب نففتها أو هرب فلم تجده ولا مال له ثم جاء لم تأخذه بنفقتها فيما مضى هل رأيت مالا قط يلزم الوالي أخذه لصاحبه حاضرا أو غائبا فيترك من هوله طلبه أو يطلبه فيهرب صاحبه فيبطل عنه قال: فيفحش عندي أن يكون الله أحل لرجل فرجا فأحرمه عليه بلا إحداث طلاق منه. قلت له: أفرأيت أحد الزوجين يرتد أهو قول الزوج: أنت طالق فأنت تفرق بينهما أرأيت الأمة تعتق أهو قول الزوج أنت طالق فأنت تفرق بينهما إن شاءت الأمة رأيت المولى أهو طلق أرأيت الرجل يعجز عن إصابة امرأته أهو طلق فأنت تفرق في هذا كله. قال: أما المولى فاستدللنا بالكتاب وأما ما سواه بالسنة والأثر عن عمر. قلت:

صفحة : 1734

فحجتك بأنه يقبح أن يفرق بغير طلاق يحدثه الزوج لا حجة لك عليه وغير حجة على غيرك. قال الشافعي رحمه الله: وقلت له: فكيف زعمت أنه لا يجب على الرجل نفقة امرأته إلا بالدخول وإن خلت بينه وبين نفسها. قال: لأنه لم يستمتع منها بجماع. قلت: فرأيت إذا غاب أو مرض أيستمتع منها بجماع قال: لا ولكن محبوسة عليه. قلت: أفتجدها مملكة محبوسة عليه قال: نعم. قلت: ويجب بينهما الميراث قال: نعم. قلت: وإن كانت النفقة للحبس فهي محبوسة وإن كانت للجماع فالمريض والغائب لا يجامعان في حالهما تلك فأسقط لذلك النفقة. قال: إذا كان مثلها يجامع وخلت بينه وبين نفسها وجبت لها النفقة. قلت له: لم أوجبت لها النفقة في العدة وقد طلقت ثلاثا وهي غير حامل فخالفت الاستدلال بالكتاب ونص السنة قال: وأين الدلالة بالكتاب. فقلت له: قال الله عز وجل في المطلقات: وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فاستدللنا على أن لا فرض في الكتاب لمطلقة مالكة لأمرها غير حامل. قال: فإنه قد ذكر المطلقات مرسلات لم يخصص واحدة دون الأخرى وإن كان كما تقول ففيه دلالة على أن لا نفقة لمطلقة وإن كان زوجها يملك الرجعة وما مبتدأ السورة إلا على المطلقة للعدة. قلت له: قد يطلق للعدة ثلاثا قال: فلو كان كما تقول ما كانت الدلالة على أنه أراد بمنع النفقة المبتوتة دون التي له رجعة عليها. قلت: سنة رسول الله ﷺ تثبت أن الممنوعة النفقة المبتوتة بجميع الطلاق دون التي لزوجها عليها الرجعة ولو لم تدل السنة عن رسول الله ﷺ على ذلك لكانت الآية تأمر بنفقة الحامل وقد ذكر المطلقات فيها دلت على أن النفقة للمطلقة الحامل دون المطلقات سواها فلم يجز أن ينفق على مطلقة إلا أن يجمع الناس على مطلقة تخالف الحامل إلى غيرها من المطلقات فينفق عليها بالإجماع دون غيرها. قال: فلم لا تكون المبتوتة قياسا عليها قلت: أرأيت التي يملك زوجها رجعتها في عدتها أليس يملك عليها أمرها إن شاء ويقع عليها إيلاؤه وظهاره ولعانه ويتوارثان قال: بلى. قلت: أفهذه في معاني الأزواج في أكثر أمرها قال: نعم قلت: أفتجد كذلك المبتوتة بجميع طلاقها قال: لا قلت: فكيف تقيس مطلقة بالتي تخالفها وقلت له: أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال: والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله ﷺ

صفحة : 1735

فذكرت ذلك له فقال لها: ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني. قالت: فلما حللت ذكرت له: أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد . قالت: فكرهته ثم قال: انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا فاغتبطت به قال: فإنكم تركتم من حديث فاطمة شيئا. قالت: فقال النبي ﷺ: لا سكنى لك ولا نفقة فقلت له ما تركنا من حديث فاطمة حرفا قال: إنما حدثنا عنها أنها قالت: قال لي رسول الله ﷺ: لا سكنى لك ولا نفقة فقلت: لكنا لم نحدث هذا عنها ولو كان ما حدثتم عنها كما حدثتم كان على ما قلنا وعلى خلاف ما قلتم. قال: وكيف قلت: أما حديثنا فصحيح على وجهه أن النبي ﷺ قال: لا نفقة لك عليهم وأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ولو كان في حديثها إحلاله لها أن تعتد حيث شاءت لم يحظر عليها أن تعتد حيث شاءت. قال: كيف أخرجها من بيت زوجها وأمرها أن تعتد في غيره قلت: لعلة لم تذكرها فاطمة في الحديث كأنها استحيت من ذكرها. وقد ذكرها غيرها قال: وما هي قلت: كان في لسانها ذرب فاستطالت على أحمائها استطالة تفاحشت فأمرها النبي ﷺ أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم. فقال: هل من دليل على ما قلت قلت: نعم من الكتاب والخبر عن رسول الله ﷺ وغيره من أهل العلم بها قال: فاذكرها. قلت: قال الله تبارك وتعالى: لا تخرجوهن من بيوتهن وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن ابن عباس في قوله تعالى: إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قال: أن تبذو على أهل زوجها فإن بذت فقد حل إخراجها قال: هذا تأويل قد يحتمل ما قال ابن عباس ويحتمل غيره أن تكون الفاحشة خروجها وأن تكون الفاحشة أن تخرج للحد قال: فقلت له: فإذا احتملت الآية ما وصفت فأي المعاني أولى بها قال: معنى ما وافقته السنة. فقلت: فقد ذكرت لك السنة في فاطمة فأوجدتك ما قال لها رسول الله ﷺ أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم. ID ' ' وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر

صفحة : 1736


القسم للنساء قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم وقال تبارك وتعالى: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا . فقال بعض أهل العلم بالتفسير: لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء بما في القلوب فإن الله عز وجل وعلا تجاوز للعباد عما في القلوب فلا تميلوا تتبعوا أهواءكم كل الميل بالفعل مع الهوى وهذا يشبه ما قال والله أعلم. ودلت سنة رسول الله ﷺ وما عليه عوام علماء المسلمين على أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي وأن عليه أن يعدل في ذلك لا أنه مرخص له أن يجوز فيه فدل ذلك على أنه إنما أريد به ما في القلوب مما قد تجاوز الله للعباد عنه فيما هو أعظم من الميل على النساء والله أعلم. والحرائر المسلمات والذميات إذا اجتمعن عند الرجل في القسم سواء والقسم هو الليل يبيت عند كل واحدة منهن ليلتها ونحب لو أوى عندها نهاره فإن كانت عنده أمة مع حرة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة. قال: وإن هربت منه حرة أو أغلقت دونه أمة أو حبس الأمة أهلها سقط حقها من القسم حتى تعود الحرة إلى طاعة الله في الرجوع عن الهرب والأمة لأن امتناعهما مما يجب عليهما في هذه الحال قطع حق أنفسهما. ويبيت عند المريضة التي لا جماع معها والحائض والنفساء لأن مبيته سكن إلف وإن لم يكن جماع أو أمر تحبه المرأة وترى الغضاضة عليها في تركه أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قبض عن تسع نسوة وكان يقسم منهن لثمان. قال الشافعي رحمه الله: التاسعة التي لم يكن يقسم لها سودة وهبت يومها لعائشة أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه أن سودة وهبت يومها لعائشة. ID ' ' كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما

صفحة : 1737


الحال التي يختلف فيها حال النساء قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا نكح الرجل امرأة فبنى بها فحالها غير حال من عنده فإن كانت بكرا كان له أن يقيم عندها سبعة أيام وإن كانت ثيبا كان له أن يقيم عندها ثلاثة أيام ولياليهن ثم يبتدىء القسمة لنسائه فتكون واحدة منهن بعد مضي أيامها ليس له أن يفضلها عليهن. أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي بكر بن عبد الرحمن: أن رسول الله ﷺ حين تزوج أم سلمة فأصبحت عنده قال لها: ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت قالت: ثلث. أخبرنا ابن أبي الرواد عن ابن جريج عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة أن رسول الله ﷺ خطبها فساق نكاحها وبناءه بها وقوله لها: إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن . أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: للبكر سبع وللثيب ثلاث. قال الشافعي رحمه الله: وبهذا نأخذ وإن قسم أياما لكل امرأة بعد مضي سبع البكر وثلاث الثيب فجائز إذا أوفى كل واحدة منهن عدد الأيام التي أقام عند غيرها. ID ' ' سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف

صفحة : 1738


الخلاف في القسم للبكر وللثيب قال الشافعي رحمه الله تعالى: فخالفنا بعض الناس في القسم للبكر والثيب وقال: يقسم لهما إذا دخلا كما يقسم لغيرهما لا يقام عند واحدة منهما شيء إلا أقيم عند الأخرى مثله. فقلت له: قال الله تبارك وتعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم أفتجد السبيل إلى علم ما فرض الله جملة أنها أثبت وأقوم في الحجة من سنة رسول الله ﷺ قال: لا فذكرت له حديث أم سلمة قال: فهي بيني وبينك أليس قال رسول الله ﷺ: إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت قلت: نعم قال: فلم يعطها في السبع شيئا إلا أعلمها أنه يعطي غيرها مثله. فقالت له: إنها كانت ثيبا فلم يكن لها إلا ثلاث فقال لها: إن أردت حق البكر وهو أعلى حقوق النساء وأشرفه عندهن بعفوك حقك إذا لم تكوني بكرا فيكون لك سبع فعلت وإن لم تريدي عفوه وأردت حقك فهو ثلاث. قال: فهل له وجه غيره قلت: لا إنما يخبر من له حق يشركه فيه غيره من أن ينزل من حقه فقلت له: يلزمك أن تقول مثل ما قلنا لأنك زعمت أنك لا تخالف الواحد من أصحاب النبي ﷺ ما لم يخالفه مثله ولا نعلم مخالفا له والسنة ألزم لك من قوله فتركتها وقوله. ID ' ' ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة

صفحة : 1739


قسم النساء إذا حضر السفر قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن ابن شهاب عن عبيد الله عن عائشة زوج النبي ﷺ أنها قالت: كان رسول الله ﷺ إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها. وبهذا أقول إذا حضر سفر المرء وله نسوة فأراد إخراج واحدة للتخفيف من مؤنة الجميع والاستغناء بها فحقهن في الخروج معه سواء فيقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها للخروج خرج بها فإذا حضر قسم بينها وبينهن ولم يحسب عليها الأيام التي غاب بها قال الشافعي رحمه الله: وقد ذكر الله جل وعز القرعة في كتابه في موضعين فكان ذكرها موافقا ما جاء عن النبي ﷺ. قال الله تبارك وتعالى: وإن يونس لمن المرسلين إلى المدحضين وقال: وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم . قال الشافعي رحمه الله: وقف الفلك بالذين ركب معهم يونس فقالوا: إنما وقف لراكب فيه لا نعرفه فيقرع فأيكم خرج سهمه ألقي فخرج سهم يونس فألقي فالتقمه الحوت كما قال الله تبارك وتعالى ثم تداركه بعفوه جل وعز. فأما مريم فلا يعدو الملقون لأقلامهم يقترعون عليها أن يكونوا سواء في كفالتها لأنه إنما يقارع من يدلي بحق فيما يقارع ولا يعدون إذا كان أرفق بها وأجمل في أمرها أن تكون عند واحد لا يتداولها كلهم مدة مدة ويكونوا يقسموا كفالتها فهذا أشبه معناها عندنا والله أعلم فاقترعوا أيهم يتولى كفالتها دون صاحبه أو تكون يدافعوها لئلا يلزم مؤنة كفالتها واحدا دون أصحابه وأيهما كان فقد اقترعوا لينفرد بكفالتها أحدهم ويخلو منها من بقي. قال الشافعي رحمه الله: فلما كان المعروف لنساء الرافق بالنساء أن يخرج بواحدة منهن فهن في مثل هذا المعنى ذوات الحق كلهن فإذا خرج سهم واحدة كان السفر لها دونهن وكان هذا في معنى القرعة في مريم وقرعة يونس حين استوت الحقوق أقرع لتنفرد واحدة دون الجميع. ID ' ' أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م

صفحة : 1740


الخلاف في القسم في السفر قال الشافعي رحمه الله تعالى: فخالفنا بعض الناس في السفر وقال: هو والحضر سواء وإذا أقرع فخرج واحدة ثم قدم قسم لكل واحدة منهن من عدد الأيام بمثل ما غاب بالتي خرج بها. فقلت له: أيكون للمرء أن يخرج بامرأة بلا قرعة ويفعل ذلك في الحضر فيقيم معها أياما ثم يقسم للنسوة سواها بعدد تلك الأيام قال: نعم. قلت له: فما معنى القرعة إذا أوفى كل واحدة منهن مثل عدد الأيام التي غاب بالتي خرجت قرعتها وكان له إخراجها بغير قرعة أنت رجل خالفت الحديث فأردت التشبيه على من سمعك بخلافه فلم يخف خلافك علينا ولا أراه يخفى على عالم قال: فرق بين السفر والحضر. قلت: فرق الله بينهما في قصر الصلاة في السفر ووضع الصوم فيه إلى أن يقضى وفرق رسول الله ﷺ في التطوع في السفر فصلى حيث توجهت به راحلته راكبا وجمع فيه بين الصلاة ورخص الله فيه في التيمم بدلا من الماء أفرأيت لو عارضك معارض في القبلة فقال: قد أمر الله تبارك وتعالى بالتوجه إلى البيت والنافلة والفرض في ذلك سواء عندك بالأرض مسافرا كان صاحبها أو مقيما فكيف قلت للراكب: صل إن شئت إلى غير القبلة قال: أقول صلى رسول الله ﷺ إلى غير القبلة قلت: فنقول لك: فلا قول ولا قياس مع قول رسول الله ﷺ. قال: لا قلت: ولا فرق بينه وبين مثله. قال: لا وهذا لا يكون إلا من جاهل. قلنا: فكيف كان هذا منك في القرعة في السفر قال: إني قلت: لعله قسم قلت: فإن قال لك قائل: فلعل الذي روي عن النبي ﷺ أنه صلى قبل المشرق في السفر قاله في سفر إذا استقبل فيه المشرق فكانت قبلته. قال: لا تخفى عليه القبلة وهو لا يقول صلى نحو المشرق إلا وهو خلاف القبلة. قلت: فهو إذا أقرع لم يقسم بعدد الأيام التي غاب بالتي خرجت قرعتها. ID ' ' ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل ولا يكاد يقدر عليه. وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن

صفحة : 1741


نشوز الرجل على امرأته قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: الرجال قوامون على النساء إلى قوله سبيلا . قال الشافعي رحمه الله: قال الله عز وجل: واللاتي تخافون نشوزهن يحتمل إذا رأى الدلالات في إيغال المرأة وإقبالها على النشوز فكان للخوف موضع أن يعظها فإن أبدت نشوزا هجرها فإن أقامت عليه ضربها. وذلك أن العظة مباحة قبل الفعل المكروه إذا رئيت أسبابه وأن لا مؤنة فيها عليها تضر بها وأن العظة غير محرمة من المرء لأخيه فكيف لامرأته والهجرة لا تكون إلا بما يحل به الهجرة لأن الهجرة محرمة في غير هذا الموضع فوق ثلاث والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل فالآية في العظة والهجرة والضرب على بيان الفعل تدل على أن حالات المرأة في اختلاف ما تعاتب فيه وتعاقب من العظة والهجرة والضرب مختلفة فإذا اختلفت فلا يشبه معناها إلا ما وصفت. قال الشافعي رحمة الله عليه: وقد يحتمل قوله: تخافون نشوزهن إذا نشزن فخفتم لجاجتهن في النشوز أن يكون لكم جمع العظة والهجرة والضرب. قال: وإذا رجعت الناشز عن النشوز لم يكن لزوجها هجرتها ولا ضربها لأنه إنما أبيحا له بالنشوز فإذا زايلته فقد زايلت المعنى الذي أبيحا له به. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإنما قلنا: لا يقسم للمرأة الممتنعة من زوجها المتغيبة عنه بإذن الله لزوجها بهجرتها في المضجع وهجرتها فيه اجتنابها لم تحرم والله أعلم. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله ﷺ: لا تضربوا إماء الله قال: فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بآل محمد عليه الصلاة والسلام نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن فقال النبي ﷺ: لقد أطاف الليلة بآل محمد نساء كثير أو قال سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن فلا تجدون أولئك خياركم . قال الشافعي رحمه الله: فجعل لهم الضرب وجعل لهم العفو وأخبر أن الخيار ترك الضرب إذا لم يكن لله عليها حد على الوالي أخذه وأجاز العفو عنها في غير حد في الخير الذي تركت حظها وعصت ربها. قال الشافعي رحمه الله: وقول الله تبارك وتعالى: وللرجال عليهن درجة هما مما وصف الله وذكرنا من أن له عليها في بعض الأمور ما ليس لها عليه ولها في بعض الأمور عليه ما ليس له عليها من حمل مؤنتها وما أشبه ذلك.

صفحة : 1742


ما لا يحل أن يؤخذ من المرأة قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى ذكره: وعاشروهن بالمعروف إلى قوله: ميثاقا غليظا ففرض الله عشرتها بالمعروف وقال عز وجل: فإن كرهتموهن فدل على أنه أباح حبسها مكروهة واكتفى بالشرط في عشرتها بالمعروف لا أنه أباح أن يعاشرها مكروهة بغير المعروف ثم قال: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج . فأعلم أنه إذا كان الأخذ من الزوج من غير أمر من المرأة في نفسها ولا عشرتها ولم تطب نفسا بترك حقها في القسم لها وماله فليس له منعها حقها ولا حبسها إلا بمعروف وأول المعروف تأدية الحق وليس له أخذ مالها بلا طيب نفسها لأن الله تبارك وتعالى إنما أذن بتخليتها على ترك حقها إذا تركته طيبة النفس به وأذن بأخذ مالها محبوسة ومفارقة بطيب نفسها فقال: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة إلى قوله: مريئا وقال: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا وهذا إذن بحبسها عليه إذا طابت بها نفسها كما وصفت قول الله تعالى: وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض حظر لأخذه إلا من جهة الطلاق قبل الإفضاء وهو الدخول فيأخذ نصفه بما جعل له وأنه لم يوجب عليه أن يدفع إلا نصف المهر في تلك الحال وليس بحظر منه إن دخل أن يأخذه إذا كان ذلك من قبلها وذلك أنه إنما حظر أخذه إذا كان من قبل الرجل فأما إذا كان من قبلها وهي طيبة النفس به فقد أذن به في قول الله تبارك وتعالى: فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به والحال التي أذن به فيها مخالفة الحال التي حرمه فيها فإن أخذ منها شيئا على طلاقها فأقر أنه أخذ بالإضرار بها مضى عليه الطلاق ورد ما أخذ منها وكان له عليها الرجعة إلا أن يكون طلقها ثلاثا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: الطلاق مرتان إلى قوله: فيما افتدت به . قال الشافعي رحمه الله: فنهى الله تعالى الزوج كما نهاه في الآي قبل هذه الآية أن يأخذ مما آتى المرأة شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به وأباح لهما إذا انتقلت عن حد اللاتي حرم أموالهن على أزواجهن لخوف أن لا يقيما حدود الله أن يأخذ منها ما افتدت به لم يحدد في ذلك أن لا يأخذ إلا ما أعطاها ولا غيره وذلك أنه يصير حينئذ كالبيع والبيع إنما يحل ما تراضى به المتبايعان لا حد في ذلك بل في كتاب الله عز وجل دلالة على إباحة ما كثر منه وقل لقوله: فلا جناح عليهما فيما افتدت

صفحة : 1743

به أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة أن حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله ﷺ خرج إلى صلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل على بابه في الغلس فقال رسول الله ﷺ: من هذه فقالت: أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله فقال: ما شأنك قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله ﷺ: هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله ﷺ: خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن حبيبة أنها جاءت تشكو شيئا ببدنها في الغلس ثم ساق الحديث بمعنى حديث مالك وقول الله تبارك وتعالى: إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله يحتمل أن يكون الابتداء بما يخرجهما إلى خوف أن لا يقيما حدود الله من المرأة بالامتناع من تأدية حق الزوج والكراهية له أو عارض منها في حب الخروج منه من غير بأس منه ويحتمل أن يكون من الزوج فلما وجدنا حكم الله بتحريم أن يأخذ الزوج من المرأة شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج استدللنا أن الحال التي أباح بها للزوج الأخذ من المرأة الحال المخالفة الحال التي حرم بها الأخذ تلك الحال هي أن تكون المرأة المبتدئة المانعة لأكثر ما يجب عليها من حق الزوج ولم يكن له الأخذ أيضا منها حتى يجمع أن تطلب الفدية منه لقوله عز وجل: فلا جناح عليهما فيما افتدت به وافتداؤها منه شيء تعطيه من نفسها لأن الله عز وجل يقول: وإن خفتم شقاق بينهما . فكانت هذه الحال التي تخالف هذه الحال وهي التي لم تبذل فيها المرأة المهر والحال التي يتداعيان فيها الإساءة لا تقر المرأة أنها منها. قال الشافعي: وقول الله تبارك وتعالى: إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله كما وصفت من أن يكون لهما فعل تبدأ به المرأة يخاف عليهما فيه أن لا يقيما حدود الله لا أن خوفا منهما بلا سبب فعل. قال الشافعي: وإذا ابتدأت المرأة بترك تأدية حق الله تعالى ثم نال منها الزوج ما له من أدب لم يحرم عليه أن يأخذ الفدية وذلك أن حبيبة جاءت تشكو شيئا ببدنها نالها به ثابت ثم أمرها رسول الله ﷺ أن تفتدي وأذن لثابت في الأخذ منها وذلك أن الكراهة من حبيبة كانت لثابت وأنها تطوعت بالفداء. قال الشافعي: وعدتها إذا كان دخل بها عدة

صفحة : 1744

مطلقة وكذلك كل نكاح يعد فسخا أو طلاقا صحيحا كان أو فاسدا فالعدة. أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنه في رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه بعد فقال: يتزوجها إن شاء لأن الله عز وجل يقول: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان إلى قوله: أن يتراجعا أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن عمرو عن عكرمة قال: كل شيء أجازه المال فليس بطلاق أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن جهمان مولى الأسلميين عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان في ذلك فقال: هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت. قال الشافعي: ولا أعرف جهمان ولا أم بكرة بشيء يثبت به خبرهما ولا يرده ويقول عثمان نأخذ وهي تطليقة وذلك أني رجعت الطلاق من قبل الزوج. ومن ذهب مذهب ابن عباس كان شبيها أن يقول قول الله تبارك وتعالى: فلا جناح عليهما فيما افتدت به يدل على أن الفدية هي فسخ ما كان له عليها وفسخ ما كان عليها لا يكون إلا بفسخ العقد وكل أمر نسب فيه الفرقة إلى انفساخ العقد لم يكن طلاقا إنما الطلاق ما أحدث والعقدة قائمة بعينها وأحسب من قال هذا منهم إنما أرادوا أن الخلع يكون فسخا إن لم يسم طلاقا وليس هكذا حكم طلاق غيره فهو يفارق الطلاق بأنه مأذون به لغير العدة وفي غير شيء. قال الشافعي: ومن ذهب المذهب الذي روي عن عثمان أشبه أن يقول: العقد كان صحيحا فلا يجوز فسخه وإنما يجوز إحداث طلاق فيه فإذا أحدث فيه فرقة عدت طلاقا وحسبت أقل الطلاق إلا أن يسمي أكثر منها وإنما كان لا رجعة له بأنه أخذ عوضا والعوض هو ثمن فلا يجوز أن يملك الثمن ويملك المرأة ومن ملك ثمنا لشيء خرج منه لم يكن له فيما ملكه غيره ومن قال: هذا معارضة معارض بقول ابن عباس قال: أو لست أجد العقد الصحيح ينفسخ في ردة أحد الزوجين وفي الأمة تعتق وفي امرأة العنين تختار فراقه وعند بعض المدنيين في المرأة يوجد بها جنون أو جذام أو برص والرجل يوجد به أحد ذلك فيكونان بالخيار في المقام أو الفرقة وإنما الفرقة فسخ لا إحداث طلاق فإذا أذن الله تبارك وتعالى بالفدية وأذن بها رسول الله ﷺ كانت فاسخة. قال الشافعي إن أعطته ألفا على أن يطلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا لزمه ما طلق ولا رجعة له في واحدة ولا اثنتين للثمن الذي أخذه منها. قال الشافعي: وإذا اختلعت منه ثم طلقها في العدة

صفحة : 1745

لم يلزمها طلاق وذلك أنها غير زوجة. قال الشافعي: فإذا كان في حكم الله أن لا يؤخذ من المرأة في الخلع إلا بطيب نفسها ولا يؤخذ من أمة خلع بإذن سيدها لأنها ليست تملك شيئا ولا يؤخذ من محجور عليها من الحرائر إنما يؤخذ مال امرأة جائزة الأمر في مالها بالبلوغ والرشد والحرية. الخلاف في طلاق المختلعة قال الشافعي رحمه الله تعالى: فخالفنا بعض الناس في المختلعة فقال: إذا طلقت في العدة لحقها الطلاق فسألته هل يروي في قوله خبرا فذكر حديثا لا تقوم بمثله حجة عندنا ولا عنده فقلت: هذا عندنا وعندك غير ثابت قال: فقد قال بعض التابعين عندك: لا يقوم به حجة لو لم يخالفهم غيرهم. قال: فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها قلت: حجتي فيه من القرآن والأثر والإجماع على ما يدل على أن الطلاق لا يلزمها قال: وأين الحجة من القرآن قلت: قال الله تعالى: والذين يرمون أزواجهم إلى آخر الآيتين. وقال الله تبارك وتعالى: للذين يؤلون من نسائهم . وقال: والذين يظاهرون منكم من نسائهم وقال: ولكم نصف ما ترك أزواجكم . وقال عز وجل: ولهن الربع مما تركتم أفرأيت لو قذفها أيلاعنها أو آلى منها أيلزمه الإيلاء أو تظاهر منها أيلزمه الظهار أو ماتت أيرثها أو مات أترثه قال: لا قلت: ألا إن أحكام الله تبارك وتعالى هذه الخمسة تدل على أنها ليست بزوجة قال: نعم قلت: وحكم الله أنه إنما تطلق الزوجة لأن الله تبارك وتعالى قال: إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن قال: نعم فقلت له: كتاب الله إذا كان كما زعمنا وزعمت يدل على أنها ليست بزوجة وهي خلاف قولكم. أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا في المختلعة يطلقها زوجها قالا: لا يلزمها طلاق لأنه طلق ما لا يملك وأنت تزعم أنك لا تخالف واحدا من أصحاب النبي ﷺ إلا إلى قول مثله فخالفت ابن عباس وابن الزبير معا وآيات من كتاب الله تعالى ما أدري لعل أحدا لو قال مثل قولك هذا لقلت له: ما يحل لك أن تتكلم في العلم وأنت تجهل أحكام الله ثم قلت فيها قولا لو تخاطأت فقلته كنت قد أحسنت الخطأ وأنت تنسب نفسك إلى النظر. قال: وما هذا القول قلت: زعمت أنه إن قال للمختلعة: أنت بتة وبرية وخلية ينوي الطلاق لم يلزمها الطلاق وهذا يلزم الزوجة وأنه إن آلى منها أو تظاهر أو قذفها لم يلزمها ما يلزم الزوجة وأنه إن قال: كل امرأة له طالق ولا ينويها ولا غيرها

صفحة : 1746

طلق نساؤه ولم تطلق هي لأنها ليست بامرأة له ثم قلت: وإن قال لها: أنت طالق طلقت الشقاق بين الزوجين قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: وإن خفتم شقاق بينهما قال الله أعلم بمعنى ما أراد من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه أمره أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها والذي يشبه ظاهر الآية فما عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حالاهما الآية. وذلك أني وجدت الله عز وجل أذن في نشوز الزوج أن يصطلحا وسن رسول الله ﷺ ذلك وأذن في نشوز المرأة بالضرب وأذن في خوفهما أن لا يقيما حدود الله بالخلع ودلت السنة أن ذلك برضى من المرأة وحظر أن يأخذ الرجل مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينه بالحكمين دل ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج غيرهما وكان يعرفهما بإباية الأزواج أن يشتبه حالاهما في الشقاق فلا يفعل الرجل الصفح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية أو تكون الفدية لا تجوز من قبل مجاوزة الرجل ما له من أدب المرأة وتباين حالهما في الشقاق والتباين هو ما يصيران فيه من القول والفعل إلى ما لا يحل لهما ولا يحسن ويمتنع كل واحد منهما من الرجعة ويتماديان فيما ليس لهما ولا يعطيان حقا ولا يتطوعان ولا واحد منهما بأمر يصيران به في معنى الأزواج غيرهما فإذا كان هكذا بعث حكما من أهله وحكما من أهلها ولا يبعث الحكمان إلا مأمونين وبرضى الزوجين ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: أخبرنا الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي في هذه الآية: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين: هل تدريان ما عليكما عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي وقال الرجل: أما الفرقة فلا فقال علي رضي الله عنه كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به. قال: فقول علي رضي الله عنه يدل على ما وصفت من أن ليس للحاكم أن يبعث حكمين دون رضى المرأة والرجل بحكمهما وعلى أن الحكمين إنما هما وكيلان للرجل والمرأة بالنظر بينهما في الجمع والفرقة. فإن قال قائل: ما دل على ذلك قلنا: لو كان الحكم إلى علي رضي الله عنه دون الرجل والمرأة بعث هو حكمين ولم يقل ابعثوا حكمين فإن قال قائل: فقد يحتمل أن يقول: ابعثوا حكمين فيجوز حكمهما بتسمية الله

صفحة : 1747

إياهما حكمين كما يجوز حكم الحاكم الذي يصيره الإمام فمن سماه الله تبارك وتعالى حاكما أكثر معنى أو يكونا كالشاهدين إذا رفعا شيئا إلى الإمام أنفذه عليهما أو يقول: ابعثوا حكمين أي دلوني منكم على حكمين صالحين كما تدلوني على تعديل الشهود قلنا: الظاهر ما وصفنا والذي يمنعنا من أن نحيله عنه مع ظهوره أن قول علي رضي الله عنه للزوج: كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به يدل على أنه ليس للحكمين أن يحكما إلا بأن يفوض الزوجان ذلك إليهما وذلك أن المرأة فوضت وامتنع الزوج من تفويض الطلاق فقال علي رضي الله عنه: كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرت به يذهب إلى أنه إن لم يقر لم يلزمه الطلاق وإن رأياه. ولو كان يلزمه طلاق بأمر الحاكم أو تفويض المرأة لقال له: لا أبالي أقررت أم سكت وأمر الحكمين أن يحكما بما رأيا. أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أنه سمعه يقول: تزوج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت: اصبر لي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت: أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة فيسكت حتى دخل عليها يوما وهو برم فقالت: أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة. فقال: على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك كله فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس: لأفرقن بينهما وقال معاوية: ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف قال: فأتياهما فوجداهما قد شدا عليهما أثوابهما وأصلحا أمرهما وهذا يشبه ما روي عن علي رضي الله عنه ألا ترى أن الحكمين ذهبا وابن عباس يقول: أفرق بينهما ومعاوية يقول: لا أفرق بينهما فلما وجداهما قد اصطلحا رجعا وذلك أن اصطلاحهما يدل على أنهما لو جاءاهما فسخا وكالتهما فرجعا ولم تعد المرأة ولا الرجل إلى الشقاق علمناه. قال الشافعي رحمة الله عليه: ولو عاد الشقاق عادا للحكمين ولم تكن الأولى أولى من الثانية فإن شأنهما بعد مرة ومرتين وأكثر واحد في الحكمين. وإذا كان الخبر يدل على أن معنى الآية أن يجوز على الزوجين وكالة الحكمين في الفرقة والاجتماع بالتفويض إليهما دل ذلك على جواز الوكالات وكانت هذه الآية للوكالات أصلا والله أعلم. ودل ذلك على أن للإمام أن يولي الحكم دونه من ليس يليه إلا بتوليته إياه وأن يولوا الحكم في بعض الأمور دون بعض لأن هذا حكم خاص. قال: ولو فوضنا مع الخلع والفرقة إلى الحكمين الأخذ لكل واحد منهما من صاحبه كان على الحكمين الاجتهاد إن رأيا الجمع في الأخذ لأحدهما من صاحبه فيما يريانه صلاحا لهما إذا كان الأغلب عندهما بعد

صفحة : 1748

معرفة أخلاقهما ومذاهبهما أن ذلك أصلح لأمرهما والأخذ من مال أحدهما لصاحبه وكان تفويض ذلك إليهما مثل الفرقة أو أولى من الفرقة بينهما فإذا جازت توليتهما لهما الفرقة جاز الأخذ بتوليتهما وعلى السلطان إن لم يرضيا بحكمين عندي أن لا يجبرهما على حكمين وأن يحكم عليهما فيأخذ لكل واحد منهما من صاحبه من نفقة وقسم ويجبر المرأة على ما عليها وكل واحد منهما على ما يلزمه وله أن يعاقب أيهما رأى إن امتنع بقدر ما يستوجب ولو قال قائل: يجبرهما السلطان على الحكمين كان مذهبا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلى كثيرا . قال الشافعي رحمه الله: يقال والله أعلم: نزلت في الرجل يكره المرأة فيمنعها كراهية لها حق الله في عشرتها بالمعروف ويحبسها مانعا لحقها ليرثها من غير طيب نفس منها بإمساكه إياها على المنع فحرم الله تعالى ذلك على هذا المعنى وحرم على الأزواج أن يعضلوا النساء ليذهبوا ببعض ما أوتين واستثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وإذا أتين بفاحشة مبينة وهي الزنا فأعطين ببعض ما أوتين ليفارقن حل ذلك إن شاء الله تعالى ولم تكن معصيتهن الزوج فيما يجب له بغير فاحشة أولى أن تحل ما أعطين من أن يعصين الله والزوج بالزنا وأمر الله في اللاتي يكرههن أزواجهن ولم يأتين بفاحشة أن يعاشرن بالمعروف وذلك بتأدية الحق وإجمال العشرة. وقال: فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا . قال الشافعي رحمه الله تعالى: فأباح عشرتهن على الكراهية بالمعروف وأخبر أن الله عز وجل قد يجعل في الكره خيرا كثيرا والخير الكثير الأجر في الصبر وتأدية الحق إلى من يكره أو التطول عليه وقد يغتبط وهو كاره لها بأخلاقها ودينها وكفاءتها وبذلها وميراث إن كان لها وتصرف حالاته إلى الكراهية لها بعد الغبطة بها. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: الفرقة بين الزوجين وجوه يجمعها اسم الفرقة ويفترق بها أسماء دون اسم الفرقة فمنها الطلاق والطلاق ما ابتدأه الزوج فأوقعه على امرأته بطلاق صريح أو كلام يشبه الطلاق يريد به الطلاق وكذلك ما جعل إلى امرأته من أمرها فطلقت نفسها أو إلى غيرها فطلقها فهو كطلاقه لأنه بأمره وقع وهذا كله إذا كان الطلاق فيه من الزوج أو ممن جعله إليه الزوج واحدة أو اثنتين فالزوج يملك فيه رجعة المطلقة ما كانت في عدة منه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وكذلك إن آلى من امرأته فطلق أو قال لامرأته: أنت طالق

صفحة : 1749

البتة فحلف ما أراد إلا واحدة أو أنت خلية أو بائن أو برية فحلف ما أراد إلا واحدة فهي واحدة يملك الرجعة لا يكون من هذا شيء بائن أبدا إن كانت الزوجة مدخولا بها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقال لي بعض الناس: ما الحجة فيما قلت قلت: الكتاب والسنة والآثار والقياس قال: فأوجدني ما ذكرته قلت: قال الله تبارك وتعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف . وقال تعالى ذكره: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء إلى قوله: إصلاحا وقلت: أما يتبين لك في هاتين الآيتين أن الله تبارك وتعالى جعل لكل مطلق لم يأت على جميع الطلاق الرجعة في العدة ولم يخصص مطلقا دون مطلق ولا مطلقة دون مطلقة وأن الله تبارك وتعالى إذا قال: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فإنما أمر بالإمساك من له أن يمسك وبالتسريح من له أن يسرح. قال: فما التسريح ههنا قلت: ترك الحبس بالرجعة في العدة تسريح بمتقدم الطلاق. وقلت له: إن هذا في غير هاتين الآيتين أيضا كهو في هاتين الآيتين. قال: فاذكره قلت: قال الله عز وجل: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف إلى قوله: لتعتدوا قال: فما معنى قوله: فبلغن أجلهن قلت: يعني والله تعالى أعلم قاربن بلوغ أجلهن قال: وما الدليل على ذلك. قلت: الآية دليل عليه لقول الله عز وجل: فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا . فلا يؤمر بالإمساك والسراح إلا من هذا إليه ثم شرط عليهم في الإمساك أن يكون بمعروف وهذه كالآية قبلها في قوله: فبلغن أجلهن قال: وتقول هذا العرب قلت: نعم تقول للرجل إذا قارب البلد يريده أو الأمر يريده قد بلغته وتقوله إذا بلغه. وقلت له: قال الله تبارك وتعالى: فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم قال: فلم قلت: انها تكون للأزواج الرجعة في العدة قبل التطليقة الثالثة فقلت له: لما بين الله عز وجل في كتابه: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره إلى أن يتراجعا قال: فلم قلت في قول الله تعالى في المطلقات: فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف إذا قاربن بلوغ أجلهن وقلت: في قول الله عز وجل في المتوفى عنها زوجها: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف هذا إذا قضين أجلهن والكلام فيهما واحد. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقلت له: بلغن أجلهن يحتمل قاربن البلوغ وبلغن فرغن مما عليهن فكان سياق الكلام في الآيتين دليلا على فرق بينهما لقول الله تبارك وتعالى في الطلاق: فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن

صفحة : 1750

بمعروف وقال: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا فلا يؤمر بالإمساك إلا من يجوز له الإمساك في العدة فيمن ليس لهن أن يفعلن في أنفسهن ما شئن في العدة حتى تنقضي العدة وهو كلام عربي هذا من أبينه وأقله خفاء لأن الآيتين تدلان على افتراقهما بسياق الكلام فيهما. ومثل قول الله تعالى ذكره في المتوفى في قوله تعالى: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله حتى تنقضي عدتها فيحل نكاحها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقال وما السنة فيه قلت: أخبرني عمي محمد بن علي عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة ثم أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة البتة و والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله ﷺ لركانة: والله ما أردت إلا واحدة فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول ﷺ فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان قال: فما الأثر فيه. قلت: أو يحتاج مع حكم الله تبارك وتعالى وسنة رسوله ﷺ إلى غيرهما فقال: إن كان عندك أثر فلا عليك أن تذكره. قلت: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع محمد بن عباد بن جعفر يقول: أخبرني المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته البتة ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فذكر ذلك له فقال: ما حملك على ذلك قال: قد فعلته قال: فقرأ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ما حملك على ذلك. قلت: قد فعلته قال: أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة لا تبت. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن أبي سلمة عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للتؤمة مثل قوله للمطلب. أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن الليث عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني زريق طلق امرأته البتة فقال له عمر: احلف فقال: أتراني يا أمير المؤمنين أقع في الحرام والنساء كثير فقال له: احلف فحلف. قال الشافعي: أخبرنا سعيد القداح عن ابن جريج أنه قال لعطاء: البتة فقال: يدين فإن كان أراد ثلاثا فهي ثلاث وإن أراد واحدة فهي واحدة. قال الشافعي: أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أن شريحا دعاه بعض أمرائهم فسأله عن رجل قال لامرأته: أنت طالق البتة فاستعفاه شريح فأبى أن يعفيه فقال: أما الطلاق فسنة وأما البتة فبدعة فأما السنة فالطلاق فأمضوها وأما البدعة فالبتة فقلدوه إياها ودينوه فيها.