صفحة : 3416
ثلاثا. ولو قاله قائل كان مذهبا فإن طلق وإلا طلق عليه السلطان واحدة. قال المزني رحمه الله تعالى: قد قطع بأنه يجبر مكانه فإما أن يفيء وإما أن يطلق وهذا بالقياس أولى والتأقيت لا يجب إلا بخبر لازم وكذا قال في استتابة المرتد مكانه فإن تاب وإلا قتل فكان أصح من قوله ثلاثا. قال: وإنما قلت للسلطان أن يطلق عليه واحدة لأنه كان على المولي أن يفيء أو يطلق إذا كان لا يقدر على الفيئة إلا به فإذا امتنع قدر على الطلاق عنه ولزمه حكم الطلاق كما يأخذ منه كل شيء وجب عليه إذا امتنع من أن يعطيه. وقال في القديم فيها قولان أحدهما: وهو أحبهما إليه. والثاني: يضيق عليه بالحبس حتى يفيء أو يطلق لأن الطلاق لا يكون إلا منه. قال المزني رحمه الله تعالى: ليس الثاني بشيء وما علمت أحدا قاله. قال الشافعي رحمه الله: ويقال للذي فاء بلسانه من عذر إذا أمكنك أن تصيبها وقفناك فإن أصبتها وإلا فرقنا بينك وبينها ولو كانت حائضا أو أحرمت مكانها بإذنه أو بغير إذنه فلم يأمرها بإحلال لم يكن عليه سبيل حتى يمكن جماعها أو تحل إصابتها. قال: وإذا كان المنع من قبله كان عليه أن يفيء فيء جماع أو فيء معذور وفيء الحبس باللسان. وقال في موضع آخر: إذا آلى فحبس استوقفت به أربعة أشهر متتابعة. قال المزني رحمه الله: الحبس والمرض عندي سواء لأنه ممنوع بهما فإذا حسبت عليه في المرض وكان يعجز عن الجماع بكل حال أجل المولي كان المحبوس الذي يمكنه أن تأتيه في حبسه فيصيبها بذلك أولى. وقال في موضعين: ولو كان بينه وبينها مسيرة أشهر وطلبه وكيلها بما يلزمه لها أمرناه أن يفيء بلسانه والمسير إليها كما يمكنه فإن فعل وإلا طلق عليه. قال: ولو غلب على عقله لم يوقف حتى يرجع إليه عقله فإن عقل بعد الأربعة وقف مكانه فإما أن يفيء وإما أن يطلق. قال المزني رحمه الله: هذا يؤكد أن يحسب عليه مدة حبسه ومنع تأخره يوما أو ثلاثا. قال الشافعي رحمه الله: ولو أحرم قيل له: إن وطئت فسد إحرامك وإن لم تفىء طلق عليك ولو آلى ثم تظاهر أو تظاهر ثم آلى وهو يجد الكفارة قيل: أنت أدخلت المنع على نفسك فإن فئت فأنت عاص وإن لم تفىء طلق عليك ولو قالت: لم يصبني وقال أصبتها فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه لأنها تدعي ما به الفرقة التي هي إليه وإن كانت بكرا أريها النساء فإن قلن هي بكر فالقول قولها مع يمينها. قال المزني رحمه الله تعالى: إنما أحلفها لأنه يمكن أن يكون لم يبالغ فرجعت العذرة بحالها. قال: ولو ارتدا أو أحدهما في الأربعة الأشهر أو خالعها ثم راجعها أو رجع من ارتد منهما في العدة استأنف في هذه الحالات كلها أربعة أشهر من يوم حل
صفحة : 3417
له الفرج ولا يشبه هذا الباب الأول لأنها في هذا الباب كانت محرمة كالأجنبية الشعر والنظر والحبس وفي تلك الأحوال لم تكن محرمة بشيء غير الجماع. قال المزني: القياس عندي أن ما حل له بالعقد الأول فحكمه حكم امرأته والإيلاء يلزمه بمعناه وأما من لم تحل له بعقدة الأول حتى يحدث نكاحا جديدا فحكمه مثل الأيم تزوج فلا حكم للإيلاء في معناه المشبه لأصله. قال: وأقل ما يكون به المولي فائتا في الثيب أن يغيب الحشفة وفي البكر ذهاب العذرة فإن قال: لا أقدر على افتضاضها أجل أجل العنين ولو جامعها محرمة أو حائضا أو هو محرم أو صائم خرج من حكم الإيلاء ولو آلى ثم جن فأصابها في جنونه أو جنونها خرج من الإيلاء وكفر إذا أصابها وهو صحيح ولم يكفر إذا أصابها وهو مجنون لأن القلم عنه مرفوع في تلك الحال. قال المزني رحمه الله: جعل فعل المجنون في جنونه كالصحيح في خروجه من الإيلاء. قال المزني رحمه الله: إذا خرج من الإيلاء في جنونه بالإصابة فكيف لا يلزمه الكفارة ولو لم يلزمه الكفارة ما كان حانثا وإذا لم يكن حانثا لم يخرج من الإيلاء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: والذمي كالمسلم فيما يلزمه من الإيلاء إذا حاكم إلينا وحكم الله تعالى على العباد واحد. قال في كتاب الجزية: لو جاءت امرأة تستعدي بأن زوجها طلقها أو آلى منها أو تظاهر حكمت عليه في ذلك حكمي على المسلمين ولو جاء رجل منهم يطلب حقا كان على الإمام أن يحكم على المطلوب وإن لم يرض بحكمه. قال المزني رحمه الله: هذا أشبه القولين به لأن تأويل قول الله عز وجل عنده: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون أن تجرى عليهم أحكام الإسلام. قال: وإذا كان العربي يتكلم بألسنة العجم وآلى بأي لسان كان منها فهو مول في الحكم وإن كان يتكلم بأعجمية فقال: ما عرفت ما قلت وما أردت إيلاء فالقول قوله مع يمينه ولو آلى ثم آلى فإن حنث في الأولى والثانية لم يعد عليه الإيلاء وإن أراد باليمين الثانية الأولى فكفارة واحدة وإن أراد غيرها فأحب كفارتين. وقد زعم من خالفنا في الوقف أن الفيئة فعل يحدثه بعد اليمين في الأربعة الأشهر إما بجماع أو فيء معذور بلسانه وزعم أن عزيمة الطلاق انقضاء أربعة أشهر بغير فعل يحدثه وقد ذكرهما الله تعالى بلا فصل بينهما فقلت له: أرأيت أن لو عزم أن لا يفيء في الأربعة الأشهر أيكون طلاقا قال: لا حتى يطلق. قلت: فكيف يكون انقضاء الأربعة الأشهر طلاقا بغير عزم ولا إحداث شيء لم يكن. ID ' ' وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن
صفحة : 3418
باب إيلاء الخصي غير المجبوب والمجبوب قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا آلى الخصي من امرأته فهو كغير الخصي إذا بقي من ذكره ما ينال به من المرأة ما يبلغ الرجل حتى يغيب الحشفة وإن كان مجبوبا قيل له فىء بلسانك لا شيء عليك غيره لأنه ممن لا يجامع مثله. وقال في الإملاء: ولا إيلاء على المجبوب لأنه لا يطيق الجماع أبدا. قال المزني رحمه الله تعالى: إذا لم نجعل ليمينه معنى يمكن أن يحنث به سقط الإيلاء فهذا بقوله أولى عندي. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو آلى صحيحا ثم جب ذكره كان لها الخيار مكانها في المقام معه أو فراقه. كتاب الظهار باب من يجب عليه ومن لا يجب عليه من كتابي ظهار قديم وجديد قال الشافعي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: والذين يظاهرون من نسائهم الآية. قال الشافعي كل زوج جاز طلاقه وجرى عليه الحكم من بالغ جرى عليه الظهار حرا كان أو عبدا أو ذميا وفي امرأته دخل بها أو لم يدخل يقدر على جماعها أو لا يقدر بأن تكون حائضا أو محرمة أو رتقاء أو صغيرة أو في عدة يملك رجعتها فذلك كله سواء. قال المزني رحمه الله: ينبغي أن يكون معنى قوله في التي يملك رجعتها أن ذلك يلزمه إن راجعها لأنه يقول: لو تظاهر منها ثم أتبع التظهير طلاقا ملك فيه الرجعة فلا حكم للإيلاء حتى يرتجع فإذا ارتجع رجع حكم الإيلاء وقد جمع الشافعي رحمه الله بينهما حيث يلزمان وحيث يسقطان وفي هذا لما وصفت بيان. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو تظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها فسد النكاح والظهار بحاله لا يقربها حتى يكفر لأنها لزمته وهي زوجة ولا يلزم المغلوب على عقله إلا من سكر. وقال في القديم: في ظهار السكران قولان: أحدهما يلزمه والآخر لا يلزمه. قال المزني رحمه الله تعالى: يلزمه أولى وأشبه بأقاويله ولا يلزمه أشبه بالحق عندي إذا كان لا يميز. قال المزني رحمه الله: وعلة جواز الطلاق عنده إرادة المطلق ولا طلاق عنده على مكره لارتفاع إرادته والسكران الذي لا يعقل معنى ما يقول لا إرادة له كالنائم فإن قيل: لأنه أدخل ذلك على نفسه قيل: أو ليس وإن أدخله على نفسه فهو في معنى ما أدخله على غيره من ذهاب عقله وارتفاع إرادته. ولو افترق حكمهما في المبنى الواحد لاختلاف نسبته من نفسه ومن غيره
صفحة : 3419
لاختلف حكم من جن بسبب نفسه وحكم من جن بسبب غيره فيجوز بذلك طلاق بعض المجانين. فإن قيل: ففرض الصلاة يلزم السكران ولا يلزم المجنون. قيل: وكذلك فرض الصلاة يلزم النائم ولا يلزم المجنون فهل يجيز طلاق النوم لوجوب فرض الصلاة عليهم. فإن قيل: لا يجوز لأنه لا يعقل قيل: وكذلك طلاق السكران لأنه لا يعقل. قال الله تعالى: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فلم تكن له صلاة حتى يعلمها ويريدها وكذلك لا طلاق له ولا ظهار حتى يعلمه ويريده وهو قول عثمان بن عفان وابن عباس وعمر بن عبد العزيز ويحيى بن سعيد والليث بن سعد وغيرهم. وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا ارتد سكران لم يستتب في سكره ولم يقتل فيه. قال المزني رحمه الله: وفي ذلك دليل أن لا حكم لقوله لا أتوب لأنه لا يعقل ما يقول فكذلك هو في الطلاق والظهار لا يعقل ما يقول فهو أحد قوليه في القديم. قال: ولو تظاهر منها ثم تركها أكثر من أربعة أشهر فهو متظاهر ولا إيلاء عليه يوقف له لا يكون المتظاهر به موليا ولا المولى بالإيلاء متظاهرا وهو مطيع لله تعالى بترك الجماع في الظهار عاص له لو جامع قبل أن يكفر وعاص بالإيلاء وسواء كان مضارا بترك الكفارة أو غير مضار إلا أنه يأثم بالضرار كما يأثم لو آلى أقل من أربعة أشهر يريد ضرارا ولا يحكم عليه بحكم الإيلاء ولا بحال حكم الله عما أنزل فيه ولو تظاهر يريد طلاقا كان طلاقا أو طلق يريد ظهارا كان طلاقا وهذه أصول. ولا ظهار من أمة ولا أم ولد لأن الله عز وجل يقول: والذين يظاهرون من نسائهم كما قال: يؤلون من نسائهم والذين يرمون أزواجهم فعقلنا عن الله عز وجل أنها ليست من نسائنا وإنما نساؤنا أزواجنا ولو لزمها واحد من هذه الأحكام لزمها كلها. قال الشافعي رحمه الله: الظهار أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي: فإن قال: أنت مني أو أنت معي كظهر أمي وما أشبه فهو ظهار. وإن قال: فرجك أو رأسك أو ظهرك أو جلدك أو يدك أو رجلك علي كظهر أمي كان هذا ظهارا ولو قال: كبدن أمي أو كرأس أمي أو كيدها كان هذا ظهارا لأن التلذذ بكل أمه محرم. ولو قال: كأمي أو مثل أمي وأراد الكرامة فلا ظهار وإن أراد الظهار فهو ظهار وإن قال: لا نية لي فليس بظهار. وإن قال: أنت علي كظهر امرأة محرمة من نسب أو رضاع قامت في ذلك مقام الأم لأن النبي ﷺ قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب . قال المزني رحمه الله تعالى: وحفظي وغيري عنه لا يكون متظاهرا بمن كانت حلالا في حال ثم حرمت بسبب كما حرمت نساء الآباء وحلائل
صفحة : 3420
الأبناء بسبب وهو لا يجعل هذا ظهارا ولا في قوله كظهر أبي. قال: ويلزم الحنث بالظهار كما يلزم بالطلاق. قال الشافعي رحمه الله: ولو قال: إذا نكحتك فأنت علي كظهر أمي فنكحها لم يكن متظاهرا لأن التحريم إنما يقع من النساء على من حل له ولا معنى للتحريم في المحرم ويروى مثل ما قلت عن النبي ﷺ ثم علي وابن عباس وغيرهم وهو القياس. ولو قال: أنت طالق كظهر أمي يريد الظهار فهي طالق لأنه صرح بالطلاق فلا معنى لقوله: كظهر أمي إلا أنك حرام بالطلاق كظهر أمي. ولو قال: أنت علي كظهر أمي يريد الطلاق فهو ظهار ولو قال لأخرى: قد أشركتك معها أو أنت شريكتها أو أنت كهي ولم ينو ظهارا لم يلزمه لأنها تكون شريكتها في أنها زوجة له أو عاصية أو مطيعة له كهي. قال: ولو ظاهر من أربع نسوة له بكلمة واحدة فقال في كتاب الظهار الجديد وفي الإملاء على مسائل مالك أن عليه في كل واحدة كفارة كما يطلقهن معا بكلمة واحدة. وقال في الكتاب القديم: ليس عليه إلا كفارة واحدة لأنها يمين ثم رجع إلى الكفارات. قال المزني وهذا بقوله أولى. قال الشافعي رحمه الله: ولو تظاهر منها مرارا يريد بكل واحدة ظهارا غير الآخر قبل يكفر فعليه بكل تظاهر كفارة كما يكون عليه في كل تطليقة تطليقة ولو قالها متتابعا فقال: أردت ظهارا واحدا فهو واحد كما لو تابع بالطلاق كان كطلقة واحدة ولو قال: إذا تظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي فتظاهر من الأجنبية لم يكن عليها ظهار كما لو طلق أجنبية لم يكن طلاقا. ID ' ' العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت
صفحة : 3421
باب ما يوجب على المتظاهر الكفارة من كتابي الظهار قديم وجديد وما دخله من اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى والشافعي رحمة الله عليهم قال الشافعي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة الآية. قال: والذي عقلت مما سمعت في يعودون لما قالوا الآية. أنه إذا أتت على المتظاهر مدة بعد القول بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي نحرم به وجبت عليه الكفارة كأنهم يذهبون إلى أنه إذا أمسك ما حرم على نفسه فقد عاد لما قال فخالفه فأحل ما حرم ولا أعلم معنى أولى به من هذا. قال: ولو أمكنه أن يطلقها فلم يفعل لزمته الكفارة وكذلك لو مات أو ماتت. ومعنى قول الله تبارك وتعالى: من قبل أن يتماسا وقت لأن يؤدي ما وجب عليه قبل المماسة حتى يكفر وكان هذا - والله أعلم - عقوبة مكفرة لقول الزور فإذا منع الجماع أحببت أن يمنع القبل والتلذذ احتياطا حتى يكفر فإن مس لم تبطل الكفارة كما يقال له: أد الصلاة في وقت كذا وقبل وقت كذا فيذهب الوقت فيؤديها بعد الوقت لأنها فرضه ولو أصابها وقد كفر بالصوم في ليل الصوم لم ينتقض صومه ومضى على الكفارة ولو كان صومه ينتقض بالجماع لم تجزئه الكفارة بعد الجماع ولو تظاهر وأتبع الظهار طلاقا تحل فيه قبل زوج يملك الرجعة أو لا يملكها ثم راجعها فعليه الكفارة ولو طلقها ساعة نكحها لأن مراجعته إياها بعد الطلاق أكثر من حبسها بعد الظهار. قال المزني رحمه الله: هذا خلاف أصله كل نكاح جديد لم يعمل فيه طلاق ولا ظهار إلا جديد. وقد قال في هذا الكتاب: لو تظاهر منها ثم أتبعها طلاقا لا يملك الرجعة ثم نكحها لم يكن عليه كفارة لأن هذا ملك غير الأول الذي كان فيه الظهار ولو جاز أن يظاهر منها فيعود عليه الظهار إذا نكحها جاز ذلك بعد ثلاث وزوج غيره وهكذا الإيلاء. قال المزني رحمه الله: هذا أشبه بأصله وأولى بقوله والقياس أن كل حكم كان في ملك فإذا زال ذلك زال ما فيه من الحكم فلما زال ذلك النكاح زال ما فيه من الظهار والإيلاء. قال: ولو تظاهر منها ثم لاعنها مكانه بلا فصل سقط الظهار ولو كان حبسها قدر ما يمكنه اللعان فلم يلاعن كانت عليه الكفارة. وقال في كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى: لو تظاهر منها يوما فلم يصبها حتى انقضى لم يكن عليه كفارة كما لو آلى فسقطت اليمين سقط عنه حكم اليمين. قال المزني رحمه الله: أصل قوله أن المتظاهر إذا حبس امرأته مدة يمكنه الطلاق فلم يطلقها فيها فقد عاد
صفحة : 3422
ووجبت عليه الكفارة وقد حبسها هذا بعد التظاهر يوما يمكنه الطلاق فيه فتركه فعاد إلى استحلال ما حرم فالكفارة لازمة له في معنى قوله وكذا قال: لو مات. أو ماتت بعد الظهار وأمكن الطلاق فلم يطلق فعليه الكفارة. قال الشافعي رحمه الله: ولو تظاهر وآلى قيل: إن وطئت قبل الكفارة خرجت من الإيلاء وأثمت وإن انقضت أربعة أشهر وقفت فإن قلت: أنا أعتق أو أطعم لم نمهلك أكثر مما يمكنك اليوم وما أشبهه وإن قلت: أصوم قيل إنما أمرت بعد الأربعة بأن تفيء أو تطلق فلا يجوز أن يجعل لك سنة. وما يجزىء من الصوم وما لا يجزىء قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى في الظهار: فتحرير رقبة . قال: فإذا كان واجدا لها أو لثمنها لم يجزئه غيرها وشرط الله عز وجل في رقبة القتل مؤمنة كما شرط العدل في الشهادة وأطلق الشهود في مواضع فاستدللنا على أن ما أطلق على معنى ما شرط وإنما رد الله تعالى أموال المسلمين على المسلمين لا على المشركين وفرض الله تعالى الصدقات فلم تجز إلا للمؤمنين فكذلك ما فرض الله من الرقاب فلا يجوز إلا من المؤمنين وإن كانت أعجمية وصفت الإسلام فإن أعتق صبية أحد أبويها مؤمن أو خرساء جبلية تعقل الإشارة بالإيمان أجزأته وأحب إلي أن لا يعتقها إلا أن تتكلم بالإيمان ولو سبيت صبية مع أبويها كافرين فعقلت ووصفت الإسلام وصلت إلا أنها لم تبلغ لم تجزئه حتى تصف الإسلام بعد البلوغ قال: ووصفها الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ﷺ وتبرأ من كل دين خالف الإسلام وأحب لو امتحنها بالإقرار بالبعث بعد الموت وما أشبهه. قال الشافعي رحمه الله: لا يجزىء في رقبة واجبة تشتري بشرط أن تعتق لأن ذلك يضع من ثمنها ولا يجزىء فيها مكاتب أدى من نجومه شيئا أو لم يؤده لأنه ممنوع من بيعه ولا يجزىء أم ولد في قول من لا يبيعها. قال المزني رحمه الله تعالى: هو لا يجيز بيعها وله بذلك كتاب. قال: وإن أعتق عبدا له غائبا فهو على غير يقين أنه أعتق ولو اشترى من يعتق عليه لم يجزئه لأنه عتق بملكه ولو أعتق عبدا بينه وبين آخر عن ظهاره وهو موسر أجزأ عنه من قبل أنه لم يكن لشريكه أن يعتق ولا يرد عتقه وإن كان معسرا عتق نصفه فإن أفاد واشترى النصف الثاني وأعتقه أجزأه ولو أعتقه على أن جعل له رجل عشرة دنانير لم يجزئه ولو أعتق عنه رجل عبدا بغير أمره لم يجزئه والولاء لمن أعتقه ولو أعتقه بأمره بجعل أو غيره أجزأه والولاء له وهذا مثل شراء مقبوض أو هبة مقبوضة. قال
صفحة : 3423
المزني: معناه عندي أن يعتقه عنه بجعل ولو أعتق عبدين عن ظهارين أو ظهار وقتل كل واحد منهما عن الكفارتين أجزآه لأنه أعتق عن كل واحدة عبدا تاما نصفا عن واحدة ونصفا عن واحدة ثم أخرى نصفا عن واحدة ونصفا عن واحدة فكمل فيها العتق ولو كان ممن عليه الصوم فصام شهرين عن إحداهما كان له أن يجعله عن أيهما شاء وكذلك لو صام أربعة أشهر عنهما أجزأه ولو كان عليه ثلاث كفارات فأعتق رقبة ليس له غيرها وصام شهرين ثم مرض فأطعم ستين مسكينا ينوي بجميع هذه الكفارات الظهار وإن لم ينو. واحدة بعينها أجزأه لأن نيته في كل كفارة بأنها لزمته ولو وجبت عليه كفارة فشك أن تكون من ظهار أو قتل أو نذر فأعتق رقبة عن أيها كان أجزأه ولو أعتقها لا ينوي واحدة منها لم يجزئه ولو ارتد قبل أن يكفر فأعتق عبدا عن ظهاره فإن رجع أجزأه لأنه في معنى دين أداه أو قصاص أخذ منه أو عقوبة على بدنه لمن وجبت له ولو صام في ردته لم يجزئه لأن الصوم عمل البدن وعمل البدن لا يجزىء إلا من يكتب له. باب ما يجزئ من العيوب في الرقاب الواجبة من كتابي الظهار قديم وجديد قال الشافعي رحمه الله: لم أعلم أحدا ممن مضى من أهل العلم ولا ذكر لي عنه ولا بقي خالف في أن من ذوات النقص من الرقاب ما لا يجزىء ومنها ما يجزىء فدل ذلك على أن المراد بعضها دون بعض فلم أجد في معاني ما ذهبوا إليه ما أقول - والله أعلم - وجماعة أن الأغلب فيما يتخذ له الرقيق العمل ولا يكون العمل تاما حتى تكون يدا المملوك باطشتين ورجلاه ماشيتين وله بصر وإن كان عينا واحدة ويكون يعقل وإن كان أبكم أو أصم يعقل أو أحمق أو ضعيف البطش قال في القديم: الأخرس لا يجزىء قال المزني رحمه الله: أولى بقوله أنه يجزىء لأن أصله أن ما أضر بالعمل ضررا بينا لم يجز وإن لم يضر كذلك أجزأ. قال: والذي يجن ويفيق يجزىء وإن كان مطبقا لم يجزىء ويجوز المريض لأنه يرجى والصغير كذلك. ID ' ' جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها
صفحة : 3424
من له الكفارة بالصيام قال الشافعي رحمه الله: من كان له مسكن وخادم لا يملك غيرهما ولا ما يشتري به مملوكا كان له أن يصوم شهرين متتابعين وإن أفطر من عذر أو غيره أو صام تطوعا أو من الأيام التي نهى ﷺ عن صيامها استأنفهما متتابعين. وقال في كتاب القديم: إن أفطر المريض بنى واحتج في القاتلة التي عليها صوم شهرين متتابعين إذا حاضت أفطرت فإذا ذهب الحيض بنت وكذلك المريض إذا ذهب المرض بنى. قال المزني رحمه الله: وسمعت الشافعي منذ دهر يقول: إن أفطر بنى. قال المزني رحمه الله: وإن هذا لشبيه لأن المرض عذر وضرورة والحيض عذر وضرورة من قبل الله عز وجل يفطر بهما في شهر رمضان وبالله التوفيق. قال: وإذا صام بالأهلة صام هلالين وإن كان تسعة أو ثمانية وخمسين ولا يجزئه حتى يقدم نية الصوم قبل الدخول ولو نوى صوم يوم فأغمي عليه فيه ثم أفاق قبل الليل أو بعده ولم يطعم أجزأه إذا دخل فيه قبل الفجر وهو يعقل فإن أغمي عليه قبل الفجر لم يجزئه لأنه لم يدخل في الصوم وهو يعقل. قال المزني رحمه الله: كل من أصبح نائما في شهر رمضان صام وإن لم يعقله إذا تقدمت نيته. قال: ولو أغمي عليه فيه وفي يوم بعده ولم يطعم استأنف الصوم لأن في اليوم الذي أغمي عليه فيه كله غير صائم ولا يجزئه إلا أن ينوي كل يوم منه على حدته قبل الفجر لأن كل يوم منه غير صاحبه ولو صام شهر رمضان في الشهرين أعاد شهر رمضان واستأنف شهرين. قال: وأقل ما يلزم من قال: إن الجماع بين ظهراني الصوم يفسد الصوم لقوله تعالى: من قبل أن يتماسا أن يزعم أن الكفارة بالصوم والعتق لا يجزئان بعد أن يتماسا. قال: والذي صام شهرا قبل التماس وشهرا بعده أطاع الله في شهر وعصاه بالجماع قبل شهر يصومه وأن من جامع قبل الشهر الآخر منهما أولى أن يجوز من الذي عصى الله بالجماع قبل الشهرين معا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإنما حكمه في الكفارات حين يكفر كما حكمه في الصلاة حين يصلي. قال: ولو دخل في الصوم ثم أيسر كان له أن يمضي على الصيام والاختيار له أن يدع الصوم ويعتق. قال المزني رحمه الله: ولو كان الصوم فرضه ما جاز اختيار إبطال الفرض والرقبة فرض وإن وجدها لا غيرها كما أن الوضوء بالماء فرض إذا وجده لا غيره ولا خيار في ذلك بين أمرين فلا يخلو الداخل في الصوم إذا وجد الرقبة من أن يكون بمعناه المتقدم فلا فرض عليه إلا الصوم فكيف يجزئه العتق وهو غير فرضه أو يكون صومه قد بطل لوجود الرقبة فلا فرض إلا العتق
صفحة : 3425
فكيف يتم الصوم فيجزئه وهو غير فرضه فلما لم يختلفوا أنه إذا أعتق أدى فرضه ثبت أن لا فرض عليه غيره وفي ذلك إبطال صومه كمعتدة بالشهور فإذا حدث الحيض بطلت الشهور وثبت حكم الحيض عليها ولما كان وجود الرقبة يبطل صوم الشهرين كان وجودها بعد الدخول في الشهور يبطل ما بقي من الشهور وفي ذلك دليل أنه إذا وجد الرقبة بعد الدخول بطل ما بقي من الشهرين. وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى بهذا المعنى: زعم في الأمة تعتق وقد دخلت في العدة أنها لا تكون في عدتها حرة وتعتد أمة وفي المسافر يدخل في الصلاة ثم يقيم لا يكون في بعض صلاته مقيما ويقصر. ثم قال: وهذا أشبه بالقياس. قال المزني: فهذا معنى ما قلت وبالله التوفيق. ولو قال لعبده: أنت حر الساعة عن ظهاري إن تظهرته كان حرا لساعته ولم يجزئه أن يتظهر لأنه لم يكن ظهار ولم يكن سبب منه. باب الكفاراة بالطعام من كتابي ظهار قديم وجديد قال الشافعي رحمه الله تعالى: فيمن تظهر ولم يجد رقبة ولم يستطع حين يريد الكفارة صوم شهرين متتابعين بمرض أو علة ما كانت أجزأه أن يطعم ولا يجزئه أقل من ستين مسكينا كل مسكين مدا من طعام بلده الذي يقتات حنطة أو شعيرا أو أرزا أو سلتا أو تمرا أو زبيبا أو أقطا ولا يجزئه أن يعطيهم جملة ستين مدا أو أكثر لأن أخذهم الطعام يختلف فلا أدري لعل أحدهم يأخذ أقل وغيره أكثر مع أن النبي ﷺ إنما سن مكيلة طعام في كل ما أمر به من كفارة ولا يجزئه أن يعطيهم دقيقا ولا سويقا ولا خبزا حتى يعطيهموه حبا وسواء منهم الصغير والكبير ولا يجوز أن يعطيه من تلزمه نفقته ولا عبدا ولا مكاتبا ولا أحدا على غير دين الإسلام. قال في القديم: لو علم بعد إعطائه أنه غني أجزأه ثم رجع إلى أنه لا يجزئه. قال المزني رحمه الله: وهذا أقيس لأنه أعطى من لم يفرضه الله تعالى له بل حرمه عليه والخطأ عنده في الأموال في حكم العمد إلا في المأثم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ويكفر بالطعام قبل المسيس لأنها في معنى الكفارة قبلها ولو أعطى مسكينا مدين مدا عن ظهاره ومدا عن اليمين أجزأه لأنهما كفارتان مختلفتان ولا يجوز أن يكفر إلا كفارة كاملة من أي الكفارات كفر وكل الكفارات بمد النبي ﷺ لا تختلف وفي فرض الله على لسان رسول الله ﷺ وسنة نبيه ﷺ ما يدل على أنه بمد النبي ﷺ
صفحة : 3426
وكيف يكون بمد من لم يولد في عهده أو مد أحدث بعده. وإنما قلت: مدا لكل مسكين لحديث النبي ﷺ في المكفر في رمضان فإنه أتي ﷺ بعرق فيه خمسة عشر صاعا فقال للمكفر: كفر به . وقد أعلمه أن عليه إطعام ستين مسكينا فهذا مدخله وكانت الكفارة بالكفارة أشبه في القياس من أن نقيسها على فدية في الحج. وقال بعض الناس: المد رطلان بالحجازي وقد احتججنا فيه مع أن الآثار على ما قلنا فيه وأمر الناس بدار الهجرة وما ينبغي لأحد أن يكون أعلم بهذا من أهل المدينة وقالوا أيضا: لو أعطى مسكينا واحدا طعام ستين مسكينا في ستين يوما أجزأه. قال الشافعي رحمه الله: لئن أجزأه في كل يوم وهو واحد ليجزئه في مقام واحد فقيل له: أرأيت لو قال قائل قال الله: وأشهدوا ذوي عدل منكم شرطان عدد وشهادة فأنا أجيز الشهادة دون العدد فإن شهد اليوم شاهد ثم عاد لشهادته فهي شهادتان فإن قال لا حتى يكونا شاهدين فكذلك لا حتى يكونوا ستين مسكينا. وقال أيضا: لو أطعمه أهل الذمة أجزأه فإن أجزأ في غير المسلمين وقد أوصى الله تبارك وتعالى بالأسير فلم لا يجزىء أسير المسلمين الحربي والمستأمنون إليهم وقال: لو غداهم أو عشاهم وإن تفاوت أكلهم فأشبعهم أجزأ وإن أعطاهم قيمة الطعام عرضا أجزأ فإنه إن ترك ما نصت السنة من المكيلة فأطعم ستين صبيا أو رجالا مرضى أو من لا يشبعهم إلا أضعاف الكفارة فما يقول إذا أعطى عرضا مكان المكيلة لو كان موسرا يعتق رقبة فيتصدق بقيمتها فإن أجاز هذا فقد أجاز الإطعام وهو قادر على الرقبة وإن زعم أنه لا يجوز إلا رقبة فلم جوز العرض وإنما السنة مكيلة طعام معروفة وإنما يلزمه في قياس هذا أن يحيل الصوم وهو مطيق له إلى الضد. ID ' ' فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.
صفحة : 3427
مختصر من الجامع من كتابي لعان جديد وقديم وفيما دخل فيهما من الطلاق من أحكام القرآن ومن اختلاف الحديث قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم إلى قوله: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين قال: فكان بينا والله أعلم في كتابه أنه أخرج الزوج من قذف المرأة بالتعانة كما أخرج قاذف المحصنة غير الزوجة بأربعة شهود مما قذفها به وفي ذلك دلالة أن ليس على الزوج أن يلتعن حتى تطلب المقذوفة كما ليس على قاذف الأجنبية حد حتى تطلب حدها. قال: ولما لم يخص الله أحدا من الأزواج دون غيره ولم يدل على ذلك سنة ولا إجماع كان على كل زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض وكذلك كل زوجة لزمها الفرض ولعانهم كلهم سواء لا يختلف القول فيه والفرقة ونفي الولد وتختلف الحدود لمن وقعت له وعليه وسواء قال: زنت أو رأيتها تزني أو يا زانية كما يكون ذلك سواء إذا قدف أجنبية. وقال في كتاب النكاح والطلاق إملاء على مسائل مالك: ولو جاءت بحمل وزوجها صبي دون العشر لم يلزمه لأن العلم يحيط أنه لا يولد لمثله وإن كان ابن عشر سنين وأكثر وكان يمكن أن يولد له كان له حتى يبلغ فينفيه بلعان أو يموت قبل البلوغ فيكون ولده ولو كان بالغا مجبوبا كان له إلا أن ينفيه بلعان لأن اللعن لا يحيط أنه لا يحمل له. ولو قال: قذفتك وعقلي ذاهب فهو قاذف إلا أن يعلم أن ذلك يصيبه فيصدق ويلاعن الأخرس إذا كان يعقل الإشارة وقال بعض الناس: لا يلاعن وإن طلق وباع بإيماء أو بكتاب يفهم جاز. قال: وأصمتت أمامة بنت أبي العاص فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا فأشارت أن نعم فرفع ذلك فرأيت أنها وصية. قال: ولو كانت مغلوبة على عقلها فالتعن وقعت الفرقة ونفى الولد إن انتفى منه ولا تحد لأنها ليست ممن عليه الحدود ولو طلبه وليها أو كانت امرأته أمة فطلبه سيدها لم يكن لواحد منهما فإن ماتت قبل أن تعفو عنه فطلبه وليها كان عليه أن يلتعن أو يحد للحرة البالغة ويعزر لغيرها ولو التعن وأبين اللعان فعلى الحرة البالغة الحد والمملوكة نصف الحد ونفي نصف سنة ولا لعان على الصبية لأنه لا حد عليها ولا أجبر الذمية على اللعان إلا أن ترغب في حكمنا فتلتعن فإن لم تفعل حددناها إن ثبتت على الرضا بحكمنا. قال المزني رحمه الله تعالى: أولى به أن يحدها لأنها رضيت ولزمها حكمنا ولو كان الحكم إذا بت عليها فأبت الرضا به سقط عنها لم يجر عليها حكمنا أبدا لأنها تقدر إذا لزمها بالحكم ما تكره أن لا تقيم على الرضا ولو قدر اللذان حكم النبي
صفحة : 3428
ﷺ عليهما بالرجم من اليهود على أن يرجمهما بترك الرضا لفعلا إن شاء الله تعالى. وقال: في الإملاء في النكاح والطلاق على مسائل مالك: إن أبت أن تلاعن حددناها ولو كانت امرأته محدودة في زنا فقذفها بذلك الزنا أو بزنا كان في غير ملكه عزر إن طلبت ذلك ولم يلتعن وإن أنكر أن يكون قذفها فجاءت بشاهدين لاعن وليس جحوده القذف إكذابا لنفسه ولو قذفها ثم بلغ لم يكن عليه حد ولا لعان ولو قذفها في عدة يملك رجعتها فيها فعليه اللعان ولو بانت فقذفها بزنا نسبه إلى أنه كان وهي زوجته حد ولا لعان إلا أن ينفي به ولدا أو حملا فيلتعن فإن قيل: فلم لاعنت بينهما وهي بائن إذا ظهر بها حمل. قيل: كما ألحقت الولد لأنها كانت زوجته فكذلك لاعنت بينهما لأنها كانت زوجته ألا ترى أنها إن ولدت بعد بينونتها كهي وهي تحته وإذا نفى رسول الله ﷺ الولد وهي زوجة فإذا زال الفراش كان الولد بعد ما تبين أولى أن ينفى أو في مثل حاله قبل أن تبين. ولو قال: أصابك رجل في دبرك حد أو لاعن. ولو قال لها: يا زانية بنت الزانية وأمها حرة مسلمة فطلب حد أمها لم يكن ذلك لها وحد لأمها إذا طلبته أو وكيلها والتعن لامرأته فإن لم يفعل حبس حتى يبرأ جلده فإذا برأ حد إلا أن يلتعن ومتى أبى اللعان فحددته إلا سوطا ثم قال: أنا ألتعن قبلت رجوعه ولا شيء حتى يبرأ جلده فإذا برأ حد إلا أن يلتعن ومتى أبى اللعان فحددته إلا سوطا ثم قال: أنا ألتعن قبلت رجوعه ولا شيء له فيما مضى من الضرب كما يقذف الأجنبية ويقول: لا آتي بشهود فيضرب بعض الحد ثم يقول: أنا آتي بهم فيكون ذلك له وكذلك المرأة إذا لم تلتعن فضربت بعض الحد ثم تقول: أنا ألتعن قبلنا. وقال قائل: كيف لاعنت بينه وبين منكوحة نكاحا فاسدا بولد والله يقول: والذين يرمون أزواجهم فقلت له: قال النبي ﷺ: الولد للفراش وللعاهر الحجر فلم يختلف المسلمون أنه مالك الإصابة بالنكاح الصحيح أو ملك اليمين. قال: نعم هذا الفراش. قلت: والزنا لا يلحق به النسب ولا يكون به مهر ولا يدرأ فيه حد قال: نعم. قلت: فإذا حدثت نازلة ليست بالفراش الصحيح ولا الزنا الصريح وهو النكاح الفاسد أليس سبيلها أن نقيسها بأقرب الأشياء بها شبها قال: نعم. قلت: فقد أشبه الولد عن وطء بشبهة الولد عن نكاح صحيح في إثبات الولد وإلزام المهر وإيجاب العدة فكذلك يشتبهان في النفي باللعان. وقال بعض الناس: لا يلاعن إلا حران مسلمان ليس واحد منهما محدودا في قذف وترك ظاهر القرآن واعتل بأن اللعان شهادة وإنما هو يمين ولو كان شهادة ما
صفحة : 3429
جاز أن يشهد أحد لنفسه ولكانت المرأة على النصف من شهادة الرجل ولا كان على شاهد يمين ولما جاز التعان الفاسقين لأن شهادتهما لا تجوز فإن قيل: قد يتوبان فيجوزان. قيل: فكذلك العبدان الصالحان قد يعتقان فيجوزان مكانهما والفاسقان لو تابا لم يقبلا إلا بعد طول مدة يختبران فيها فلزمهم أن يجيزوا لعان الأعميين النحيفين لأن شهادتهما عندهم لا تجوز أبدا كما لا تجوز شهادة المحدودين. باب أين يكون اللعان قال الشافعي: روي عن النبي ﷺ أنه لاعن بين الزوجين على المنبر. قال: فإذا لاعن الحاكم بينهما في مكة فبين المقام والبيت أو بالمدينة فعلى المنبر أو ببيت المقدس ففي مسجده وكذا كل بلد. قال: ويبدأ فيقيم الرجل قائما والمرأة جالسة فيلتعن ثم يقيم المرأة قائمة فتلتعن إلا أن تكون حائضا فعلى باب المسجد أو كانت مشركة التعنت في الكنيسة وحيث تعظم وإن شاءت المشركة أن تحضره في المساجد كلها حضرته إلا أنها لا تدخل المسجد الحرام لقول الله تعالى: فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا . قال المزني رحمه الله: إذا جعل للمشركة أن تحضره في المسجد وعسى بها مع شركها أن تكون حائضا كانت المسلمة بذلك أولى. قال: وإن كانا مشركين ولا دين لهما تحاكما إلينا لاعن بينهما في مجلس الحكم. ID ' ' وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال
صفحة : 3430
باب سنة اللعان ونفي الولد وإلحاقه بالأم وغير ذلك من كتابي لعان جديد وقديم ومن اختلاف الحديث قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا لاعن امرأته في زمن النبي ﷺ وانتفى من ولدها ففرق ﷺ بينهما وألحق الولد بالمرأة. وقال سهل وابن شهاب: فكانت تلك سنة المتلاعنين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومعنى قولهما فرقة بلا طلاق الزوج. قال: وتفريق النبي ﷺ غير فرقة الزوج إنما هو تفريق حكم. قال: وإذا قال ﷺ: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب فحكم على الصادق والكاذب حكما واحدا وأخرجهما من الحد وقال: وإن جاءت به أديعج فلا أراه إلا قد صدق عليها فجاءت به على النعت المكروه فقال عليه السلام: إن أمره لبين لولا ما حكم الله . فأخبر النبي ﷺ أنه لم يستعمل دلالة صدقه عليها وحكم بالظاهر بينه وبينها فمن بعده من الولاة أولى أن لا يستعمل دلالة في مثل هذا المعنى ولا يقضي إلا بالظاهر أبدا. قال الشافعي رحمه الله تعالى في حديث ذكره: أنه لما نزلت آية المتلاعنين قال ﷺ: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين . ID ' ' تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل ولا يكاد يقدر عليه. وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .
صفحة : 3431
باب كيف اللعان من كتاب اللعان والطلاق وأحكام القرآن قال الشافعي رحمه الله: ولما حكى سهل شهود المتلاعنين مع حداثته وحكاه ابن عمر رضي الله عنهما استدللنا على أن اللعان لا يكون إلا بمحضر من طائفة من المؤمنين لأنه لا يحضر أمرا يريد النبي ﷺ ستره ولا يحضره إلا وغيره حاضر له وكذلك جميع حدود الزنا يشهدها طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة لأنه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم وهذا يشبه قول الله تعالى في الزانيين: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين . وفي حكاية من حكى اللعان عن النبي ﷺ جملة بلا تفسير دليل على أن الله تعالى لما نصب اللعان حكاية في كتابه فإنما لاعن ﷺ بين المتلاعنين بما حكى الله تعالى في القرآن واللعان أن يقول الإمام للزوج: قل أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة بنت فلان من الزنا ويشير إليها إن كانت حاضرة ثم يعود فيقولها حتى يكمل ذلك أربع مرات ثم يقفه الإمام ويذكره الله تعالى ويقول: إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله فإن رآه يريد أن يمضي أمر من يضع يده على فيه ويقول: إن قولك وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجبة فإن أبى تركه وقال قل: وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنا. وإن قذفها بأحد يسميه بعينه واحدا أو اثنين أو أكثر قال مع كل شهادة: إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا بفلان أو فلان وفلان وقال عند الالتعان: وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا بفلان أو بفلان وفلان. قال: وإن كان معها ولد فنفاه أو بها حمل فانتفى منه قال مع كل شهادة أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وإن هذا الولد ولد زنا ما هو مني وإن كان حملا قال: وإن هذا الحمل إن كان بها حمل لحمل من زنا ما هو مني فإن قال هذا فقد فرغ من الالتعان فإن أخطأ الإمام فلم يذكر نفي الولد أو الحمل في اللعان قال للزوج: إن أردت نفيه أعدت اللعان ولا تعيد المرأة بعد إعادة الزوج اللعان إن كانت فرغت منه بعد التعان الزوج وإن أخطأ وقد قذفها برجل ولم يلتعن بقذفه فأراد الرجل حده أعاد عليه اللعان وإلا حد له إن لم يلتعن. وقال في كتاب الطلاق من أحكام القرآن وفي الإملاء على مسائل مالك: ولما حكم الله تعالى على الزوج يرمي المرأة بالقذف ولم يستثن أن يسمي من يرميها به أو لم يسمه ورمى العجلان امرأته بابن عمه أو بابن عمها شريك بن
صفحة : 3432
السحماء وذكر للنبي ﷺ أنه رآه عليها. وقال في الطلاق من أحكام القرآن: فالتعن ولم يحضر ﷺ المرمي بالمرأة فاستدللنا على أن الزوج إذا التعن لم يكن على الزوج للذي قذفه بامرأته حد ولو كان له لأخذه له رسول الله ﷺ ولبعث إلى المرمي فسأله فإن أقر حد وإن أنكر حد له الزوج. وقال في الإملاء على مسائل مالك: وسأل النبي ﷺ شريكا فأنكر فلم يحلفه ولم يحده بالتعان غيره ولم يحد العجلاني القادف له باسمه. وقال: في اللعان: ليس للإمام إذا رمى رجل بزنا أن يبعث إليه فيسأله عن ذلك لأنه الله يقول: ولا تجسسوا فإن شبه على أحد أن النبي ﷺ بعث أنيسا إلى امرأة رجل فقال: إن اعترفت فارجمها فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل فإن أقرت حدت وسقط الحد عمن قذفها وإن أنكرت حد قاذفها وكذلك لو كان قاذفها زوجها. قال: ولما كان القاذف لامرأته إذا التعن لو جاء المقذوف بعينه لم يؤخذ له الحد لم يكن بمسألة المقذوف معنى إلا أن يسأل ليحد ولم يسأله ﷺ وإنما سأل المقذوفة والله عز وجل أعلم للحد الذي يقع لها إن لم تقر بالزنا ولم يلتعن الزوج وأي الزوجين كان أعجميا التعن بلسانه بشهادة عدلين يعرفان لسانه وأحب إلي أن لو كانوا أربعة وإن كان أخرس يفهم الإشارة التعن بالإشارة وإن انطلق لسانه بعد الخرس لم يعد. ثم تقام المرأة فتقول: أشهد بالله أن زوجي فلانا - وتشير إليه إن كان حاضرا - لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ثم تعود حتى تقول ذلك أربع مرات فإذا فرغت وقفها الإمام وذكرها الله تعالى وقال: احذري أن تبوئي بغضب من الله إن لم تكوني صادقة في أيمانك فإن رآها تمضي وحضرتها امرأة أمرها أن تضع يدها على فيها وإن لم تحضرها ورآها تمضي قال لها: قولي وعلي غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا. فإذا قالت ذلك فقد فرغت. قال: وإنما أمرت بوقفهما وتذكيرهما الله لأن ابن عباس رضي الله عنهما حكى أن النبي ﷺ أمر رجلا حين لاعن بين المتلاعنين أن يضع يده على فيه في الخامسة وقال: إنها موجبة . ولما ذكر الله تعالى الشهادات أربعا ثم فصل بينهن باللعنة في الرجل والغضب في المرأة دل على حال افتراق اللعان والشهادات وأن اللعنة والغضب بعد الشهادة موجبان على من أوجبا عليه بأن يجترىء على القول أو الفعل ثم على الشهادة بالله باطلا ثم يزيد فيجترىء على أن يلتعن وعلى أن يدعو بلعنة الله فينبغي للإمام إذا عرف من ذلك ما جهلا أن يقفهما نظرا لهما بدلالة الكتاب والسنة.
صفحة : 3433
باب ما يكون بعد التعان الزوج من الفرقة ونفي الولد وحد المرأة من كتابين قديم وجديد قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحل له أبدا بحال وإن أكذب نفسه التعنت أو لم تلتعن وإنما قلت هذا لأن النبي ﷺ قال: لا سبيل لك عليها ولم يقل حتى تكذب نفسك. وقال في المطلقة ثلاثا: حتى تنكح زوجا غيره ولما قال عليه الصلاة والسلام: الولد للفراش وكانت فراشا لم يجز أن ينفي الولد عن الفراش إلا بأن يزول الفراش وكان معقولا في حكم رسول الله ﷺ إذ ألحق الولد بأمه أنه نفاه عن أبيه وإن نفيه عنه بيمينه بالتعانه لا بيمين المرأة على تكذيبه بنفيه ومعقول في إجماع المسلمين أن الزوج إذا أكذب نفسه لحق به الولد وجلد الحد إذ لا معنى للمرأة في نفسه وأن المعنى للزوج فيما وصفت من نفيه وكيف يكون لها معنى في يمين الزوج ونفي الولد وإلحاقه والدليل على ذلك ما لا يختلف فيه أهل العلم من أن الأم لو قالت: ليس هو منك إنما استعرته لم يكن قولها شيئا إذا عرف أنها ولدته على فراشه إلا بلعان لأن ذلك حق للولد دون الأم وكذلك لو قال: هو ابني وقالت: بل زنيت فهو من زنا كان ابنه ألا ترى أن حكم الولد في النفي والإثبات إليه دون أمه فكذلك نفيه بالتعانه دون أمه. وقال بعض الناس: إذا التعن ثم قالت: صدق إني زنيت فالولد لا حق ولا حد عليها ولا لعان وكذلك إن كانت محدودة فدخل عليه أن لو كان فاسقا قذف عفيفة مسلمة والتعنا نفي الولد وهي عند المسلمين أصدق منه وإن كانت فاسقة فصدقته لم ينف الولد فجعل ولد العفيفة لا أب له وألزمها عاره وولد الفاسقة له أب لا ينفى عنه. قال: وأيهما مات قبل أن يكمل الزوج اللعان ورث صاحبه والولد غير منفي حتى يكمل ذلك كله فإن امتنع أن يكمل اللعان حد لها وإن طلب الحد الذي قذفها به لم يحد لأنه قذف واحد حد فيه مرة والولد للفراش فلا ينفى إلا على ما نفى به رسول الله ﷺ وذلك أن العجلاني قذف امرأته ونفى حملها لما استبانه فنفاه عنه باللعان ولو أكمل اللعان وامتنعت من اللعان وهي مريضة أو في برد أو حر وكانت ثيبا رجمت وإن كانت بكرا لم تحد حتى تصح وينقضي الحر والبرد ثم تحد لقول الله تعالى: ويدرأ عنها العذاب الآية. والعذاب الحد فلا يدرأ عنها إلا باللعان. وزعم بعض الناس لا يلاعن بحمل لعله ريح فقيل له: أرأيت لو أحاط العلم بأن ليس حمل أما تلاعن بالقذف قال: بلى. قيل:
صفحة : 3434
فلم لا يلاعن مكانه وزعم لو جامعها وهو يعلم بحملها فلما وضعت تركها تسعا وثلاثين ليلة وهي في الدم معه في منزله ثم نفى الولد معه كان ذلك له فيترك ما حكم به ﷺ للعجلاني وامرأته وهي حامل من اللعان ونفي الولد عنه كما قلنا ولو لم يكن ما قلنا سنة كان يجعل السكات في معرفة الشيء في معنى الإقرار فزعم في الشفعة إذا علم فسكت فهو إقرار بالتسليم وفي العبد يشتريه إذا استخدمه رضي بالعيب ولم يتكلم فحيث شاء جعله رضا ثم جاء إلى الأشبه بالرضا والإقرار فلم يجعله رضا وجعل صمته عن إنكاره أربعين ليلة كالإقرار وأباه في تسع وثلاثين فما الفرق بين الصمتين وزعم بأنه استدل بأن الله تعالى لما أوجب على الزوج الشهادة ليخرج بها من الحد فإذا لم يخرج من معنى القذف لزمه الحد قيل له: وكذلك كل من أحلفته ليخرج من شيء وكذلك قلت إن نكل عن اليمين في مال أو غصب أو جرح عمد حكمت عليه بذلك كله قال: نعم قلت: فلم لا تقول في المرأة إنك تحلفها لتخرج من الحد وقد ذكر الله تعالى أنها تدرأ بذلك عن نفسها العذاب فإذا لم تخرج من ذلك فلم لم توجب عليها الحد كما قلت في الزوج وفيمن نكل عن اليمين وليس في التنزيل أن الزوج يدرأ بالشهادة حدا وفي التنزيل أن للمرأة أن تدرأ بالشهادة العذاب وهو الحد عندنا وعندك وهو المعقول والقياس وقلت له: لو قالت لك لم حبستني وأنت لا تحبس إلا بحق قال: أقول حبستك لتحلفي فتخرجي به من الحد. فقالت: فإذا لم أفعل فأقم الحد علي قال: لا قالت: فالحبس حد. قال: لا. فقال: قالت فالحبس ظلم لا أنت أقمت علي الحد ولا منعت عني حبسا ولن تجد حبسي في كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس على أحدها. قال: فإن قلت فالعذاب الحبس فهذا خطأ فكم ذلك مائة يوم أو حتى تموت. وقد قال الله تعالى: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين أفتراه عني الحد أم الحبس. قال: بل الحد وما السجن بحد والعذاب في الزنا الحدود ولكن السجن قد يلزمه اسم عذاب. قلت: والسفر والدهق والتعليق كل ذلك يلزمه اسم عذاب. قال: والذين يخالفوننا في أن لا يجتمعا أبدا وروي فيه عن عمر وعلي وابن مسعود رضوان الله عليهم لا يجتمع المتلاعنان أبدا رجع بعضهم إلى ما قلنا وأبى بعضهم. ID ' ' صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه
صفحة : 3435
باب ما يكون قذفا ومالا يكون ونفي الولد بلا قذف وقذف ابن الملاعنة وغير ذلك قال الشافعي رحمه الله: ولو ولدت امرأته ولدا فقال: ليس مني فلا حد ولا لعان حتى يقفه فإن قال: لم أقذفها ولم تلده أو ولدته من زوج قبلي وقد عرف نكاحها قبله فلا يلحقه إلا بأربع نسوة تشهد أنها ولدته وهي زوجة له لوقت يمكن أن تلد منه فيه لأقل الحمل وإن سألت يمينه أحلفناه وبرىء وإن نكل أحلفناها ولحقه فإن لم تحلف لم يلحقه. وقال في كتاب الطلاق من أحكام القرآن: لو قال لها: ما هذا الحمل مني وليست بزانية ولم أصبها. قيل: قد تخطىء فلا يكون حملا فيكون صادقا وهي غير زانية فلا حد ولا لعان فمتى استيقنا أنه حمل قلنا قد يحتمل أن تأخذ نطفتك فتدخلها فتحمل منك فتكون صادقا بأنك لم تصبها وهي صادقة بأنه ولدك فإن قذفت لاعنت فإن نفى ولدها وقال: لا ألاعنها ولا أقذفها لم يلاعنها ولزمه الولد وإن قذفها لاعنها لأنه إذا لاعنها بغير قذف فإنما يدعي أنها لم تلده وقد حكت أنها ولدته وإنما أوجب الله اللعان بالقذف فلا يجب بغيره ولو قال: لم تزن به ولكنها عصت لم ينف عنه إلا بلعان ووقعت الفرقة. ولو قال لابن ملاعنة: لست ابن فلان أحلف ما أراد قذف أمه ولا حد فإن أراد قذف أمه حددناه ولو قال ذلك بعد أن يقر به الذي نفاه حد إن كانت أمه حرة إن طلبت الحد والتعزير إن كانت نصرانية أو أمة. قال المزني رحمه الله: قد قال في الرجل يقول لابنه: لست بابني إنه ليس بقاذف لأمه حتى يسأل لأنه يمكن أن يعزيه إلى حلال وهذا بقوله أشبه. قال: وإذا نفينا عنه ولدها باللعان ثم جاءت بعده بولد لأقل من ستة أشهر أو أكثر ما يلزمه له نسب ولد المبتوتة فهو ولده إلا أن ينفيه بلعان وإذا ولدت ولدين في بطن فأقر بأحدهما ونفى الآخر فهما ابناه ولا يكون حمل واحد بولدين إلا من واحد. قال الشافعي رحمه الله: وإن كان نفيه بقذف لأمه فعليه لها الحد ولو مات أحدهما ثم التعن نفى عنه الحي والميت ولو نفى ولدها بلعان ثم ولدت آخر بعده بيوم فأقر به لزماه جميعا لأنه حمل واحد وحد لها إن كان قذفها ولو لم ينفه وقف فإن نفاه وقال التعاني الأول يكفيني لأنه حمل واحد لم يكن ذلك له حتى يلتعن من الآخر. وقال: بعض الناس: لو مات أحدهما قبل اللعان لاعن ولزمه الولدان وهما عندنا وعنده حمل واحد فكيف يلاعن ويلزمه الولد قال: من قبل أنه ورث الميت. قلت له: ومن زعم أنه يرثه وقال أيضا: لو نفاه بلعان ومات الولد فادعاه الأب ضرب الحد ولم يثبت
صفحة : 3436
النسب ولم يرثه فإن كان الابن المنفي ترك ولدا حد أبوه وثبت نسبه منه وورثه. قال الشافعي رحمه الله: ولا فرق بينه ترك ولدا أو لم يتركه لأن هذا الولد المنفي إذا مات منفي النسب ثم أقر به لم يعد إلى النسب لأنه فارق الحياة بحال فلا ينتقل عنها وكذلك ابن المنفي في معنى المنفي وهو لا يكون ابنا بنفسه فكيف يكون ابنه بالولد المنفي الذي قد انقطع نسب الحي منه والذي ينقطع به نسب الحي ينقطع به نسب الميت لأن حكمهما واحد قال الشافعي رحمه الله: ولو قتل وقسمت ديته ثم أقر به لحقه وأخذ حصته من ديته ومن ماله لأن أصل أمره أن نسبه ثابت وإنما هو منفي ما كان أبوه ملاعنا مقيما على نفيه. ولو قال لامرأته: يا زانية فقالت: زنيت بك وطلبا جميعا مالهما سألنا فإن قالت: عنيت أنه أصابني وهو زوجي أحلفت ولا شيء عليها ويلتعن أو يحد وإن قالت زنيت به قبل أن ينكحني فهي قاذفة له وعليها الحد ولا شيء عليه لأنها مقرة له بالزنا ولو قالت: بل أنت أزنى مني فلا شيء عليها لأنه ليس بالقذف إذا لم ترد به قذفا وعليه الحد أو اللعان ولو قال لها: أنت أزنى من فلانة أو أزنى الناس لم يكن هذا قذفا إلا أن يريد به قذفا ولو قال لها: يا زان كان قذفا وهذا ترخيم كما يقال لمالك يا مال ولحارث يا حار ولو قالت يا زانية أكملت القذف وزادته حرفا أو اثنين. وقال بعض الناس: إذا قال لها: يا زان لاعن أو حد لأن الله تعالى يقول: وقال نسوة . وقال: ولو قالت له يا زانية لم تحد. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وهذا جهل بلسان العرب إذا تقدم فعل الجماعة من النساء كان الفعل مذكرا مثل قال نسوة وخرج النسوة وإذا كانت واحدة فالفعل مؤنث مثل قالت وجلست وقائل هذا القول يقول لو قال رجل: زنأت في الجبل حد له وإن كان معروفا عند العرب أنه صعدت في الجبل. قال الشافعي رحمه الله تعالى: يحلف ما أراد إلا الرقي في الجبل ولا حد فإن لم يحلف حد إذا حلف المقذوف لقد أراد القذف. ولو قال لامرأته: زنيت وأنت صغيرة أو قال: وأنت نصرانية أو أمة وقد كانت نصرانية أو أمة أو قال: مسكترهة أو زنى بك صبي لا يجامع مثله لم يكن عليه حد ويعزر للأذى إلا أن يلتعن ولو قال: زنيت قبل أن أتزوجك حد ولا لعان لأني أنظر إلى يوم تكلم به وبوم توقعه ولو قذفها ثم تزوجها ثم قذفها ولاعنها وطلبته بحد القذف قبل النكاح حد لها ولو لم يلتعن حتى حده الإمام بالقذف الأول ثم طلبته بالقذف بعد النكاح لاعن لأن حكمه قاذفا غير زوجته الحد وحكمه قاذفا زوجته الحد أو اللعان ولو قال لها يا زانية فقالت له: بل أنت زان لاعنها وحدت له وقال بعض الناس: لا حد ولا لعان فأبطل الحكمين
صفحة : 3437
جميعا وكانت حجته أن قال: أستقبح أن ألاعن بينهما ثم أحدها وما قبح فأقبح منه تعطيل حكم الله تعالى عليهما. قال الشافعي رحمه الله: ولو قذفها وأجنبية بكلمة لاعن وحد للأجنبية ولو قذف أربع نسوة له بكلمة واحدة لاعن كل واحدة وإن تشاححن أيتهن تبدأ أقرع بينهن وأيتهن بدأ الإمام بها رجوت أن لا يأثم لأنه لا يمكنه إلا واحدا واحدا. قال المزني رحمه الله: قال في الحدود ولو قذف جماعة كان لكل واحد حد فكذلك لو لم يلتعن كان لكل امرأة حد في قياس قوله ولو أقر أنه أصابها في الطهر الذي رماها فيه فله أن يلاعن والولد لها وذكر أنه قول عطاء. قال: وذهب بعض من ينسب إلى العلم أنه إنما ينفي الولد إذا قال: استبرأتها كأنه ذهب إلى نفي ولد العجلاني إذا قال لم أقر بها منذ كذا وكذا. قيل: فالعجلاني سمى الذي رأى بعينه يزني وذكر أنه لم يصبها فيه أشهرا ورأى النبي ﷺ علامة تثبت صدق الزوج في الولد فلا يلاعن وينفى عنه الولد إذا إلا باجتماع هذه الوجوه فإن قيل: فما حجتك في أنه يلاعن وينفي الولد وان لم يدع الاستبراء قال الشافعي رحمه الله: قلت قال الله تعالى: والذين يرمون المحصنات الآية. فكانت الآية على كل رام لمحصنة قال الرامي لها رأيتها تزني أو لم يقل رأيتها تزني لأنه يلزمه اسم الرامي. وقال: والذين يرمون أزواجهم فكان الزوج راميا. قال: رأيت أو علمت بغير رؤية وقد يكون الاستبراء وتلد منه فلا معنى له ما كان الفراش قائما. قال: ولو زنت بعد القذف أو وطئت وطئا حراما فلا حد عليه ولا لعان إلا أن ينفي ولدا فيلتعن لأن زناها دليل على صدقه. قال المزني رحمه الله: كيف يكون دليلا على صدقه والوقت الذي رماها فيه كانت في الحكم غير زانية وأصل قوله إنما ينظر في حال من تكلم بالرمي وهو في ذلك في حكم من لم يزن قط. قال: ولو لاعنها ثم قذفها فلا حد لها كما لو حد لها ثم قذفها لم يحد ثانية وينهى فإن عاد عزر لو قذفها برجل بعينه وطلبا الحد فإن التعن فلا حد له إذا بطل الحد لها بطل له وإن لم يلتعن حد لهما أو لأيهما طلب لأنه قذف واحد فحكمه حكم الحد الواحد إذا كان لعان واحد أو حد واحد وقد رمى العجلاني امرأته برجل سماه وهو ابن السحماء رجل مسلم فلاعن بينهما ولم يحده له ولو قذفها غير الزوج حد لأنها لو كانت حين لزمها الحكم بالفرقة ونفي الولد زانية حدت ولزمها اسم الزنا ولكن حكم الله تعالى ثم حكم رسوله ﷺ فيهما هكذا ولو شهد عليه أنه قذفها حبس حتى يعدلوا ولا يكفل رجل في حد ولا لعان ولا يحبس بواحد. قال المزني رحمه الله: هذا دليل على
صفحة : 3438
إثباته كفالة الوجه في غير الحد ولو قال: زنى فرجك أو يدك أو رجلك فهو قذف وكل ما قاله وكان يشبه القذف إذا احتمل غيره لم يكن قذفا وقد أتى رجل من فزارة النبي ﷺ فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود فلم يجعله ﷺ قذفا وقال الله تعالى: ولا جناح عليكم عرضتم به من خطبة النساء فكان خلافا للتصريح ولا يكون اللعان إلا عند سلطان أو عدول يبعثهم السلطان. باب في الشهادة في اللعان قال الشافعي رضي الله تعالى: وإذا جاء الزوج وثلاثة يشهدون على امرأته معا بالزنا لاعن الزوج فإن لم يلتعن حد لأن حكم الزوج غير حكم الشهود لأن الشهود لا يلاعنون ويكونون عند أكثر العلماء قذفة يحدون إذا لم يتموا أربعة وإذا عم بأنها قد وترته في نفسه بأعظم من أن تأخذ كثير ماله أو تشتم عرضه أو تناله بشديد من الضرب بما يبقى عليه من العار في نفسه بزناها تحته وعلى ولده فلا عداوة تصير إليهما فيما بينها وبينه تكاد تبلغ هذا ونحن لا نجيز شهادة عدو على عدوه. ولو قذفها وانتفى من حملها فجاء بأربعة فشهدوا أنها زنت لم يلاعن حتى تلد فيلتعن إذا أراد نفي الولد فإن لم يلتعن لحقه الولد ولم تحد حتى تضع ثم تحد. قال: ولو جاء بشاهدين على إقرارها بالزنا لم يلاعن ولم يحد ولا حد عليها ولو قذفها وقال كانت أمة أو مشركة فعليها البينة أنها يوم قذفها حرة مسلمة لأنها مدعية الحد وعليه اليمين ويعزر إلا أن يلتعن ولو كانت حرة مسلمة وادعى أنها مرتدة فعليه البينة ولو ادعى أن له البينة على إقرارها بالزنا فسأل الأجل لم أؤجله إلا يوما أو يومين فإن جاء بها وإلا حد أو لاعن ولو أقامت البينة أنه قذفها كبيرة وأقام البينة أنه قذفها صغيرة فهذان قذفان مفترقان ولو اجتمع شهودها على وقت واحد فهي متصادمة ولا حد ولا لعان ولو شهد عليه شاهدان أنه قذفهما وقذف امرأته لم تجز شهادتها إلا أن يعفوا قبل أن يشهدا ويرى ما بينهما وبينه حسن فيجوزا ولو شهد أحدهما أنه قذفها بالعربية والآخر أنه قذفها بالفارسية لم يجوزا لأن كل واحد من الكلامين غير الآخر ويقبل كتاب القاضي بقذفها وتقبل الوكالة في تثبيت البينة على الحدود فإذا أراد أن يقيم الحد أو يأخذ اللعان أحضر المأخوذ له الحد واللعان وأما حدود الله سبحانه وتعالى فتدرأ بالشبهات. من كتابي لعان قديم وجديد
صفحة : 3439
قال الشافعي رحمه الله: وإذا علم الزوج بالولد فأمكنه الحاكم أو من يلقاه له إمكانا بينا فترك اللعان لم يكن له أن ينفيه كما يكون بيع الشقص فيه الشفعة وإن ترك الشفيع في تلك المدة لم تكن الشفعة له ولو جاز أن يعلم بالولد فيكون له نفيه حتى يقر به جاز بعد أن يكون الولد شيخا وهو مختلف معه اختلاف الولد ولو قال قائل يكون له نفيه ثلاثا وإن كان حاضرا كان مذهبا وقد منع الله من قضى بعذابه ثلاثا وأن النبي ﷺ أذن للمهاجر بعد قضاء نسكه في مقام ثلاث بمكة. وقال في القديم: إن لم يشهد من حضره بذلك في يوم أو يومين لم يكن له نفيه. قال المزني: لو جاز في يومين جاز في ثلاثة وأربعة في معنى ثلاثة وقد قال لمن جعل له نفيه في تسع وثلاثين وأباه في أربعين ما الفرق بين الصمتين فقوله في أول الثانية أشبه عندي بمعناه وبالله التوفيق. قال: وأي مدة قلت له نفيه فيها فأشهد على نفيه وهو مشغول بما يخاف قوته أو بمرض لم ينقطع نفيه وإن كان غائبا فبلغه فأقام لم يكن له نفيه إلا بأن يشهد على نفيه ثم يقدم فإن قال: لم أصدق فالقول قوله ولو كان حاضرا فقال: لم أعلم فالقول قوله ولو رآها حبلى فلما ولدت نفاه فإن قال: لم أدر فلعله ليس بحمل لاعن وإن قال: قلت لعله يموت فأستر علي وعليها لزمه ولم يكن له نفيه ولو هنىء به فرد خيرا ولم يقر به لم يكن هذا إقرارا لأنه يكافىء الدعاء بالدعاء. وأما ولد الأمة فإن سعدا قال: يا رسول الله ابن أخي عتبة قد كان عهد إلي فيه وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال ﷺ: هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر فأعلم أن الأمة تكون فراشا مع أنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا تأتيني وليدة تعترف لسيدها أنه ألم بها إلا ألحقت به ولدها فأرسلوهن بعد أو أمسكوهن. وإنما أنكر عمر حمل جارية له فسألها فأخبرته أنه من غيره وأنكر زيد حمل جارية له وهذا إن حملت وكان على إحاطة من أنها من تحمل منه فواسع له فيما بينه وبين الله تعالى في امرأته الحرة أو الأمة أن ينفي ولدها. قال: ولو قال كنت أعزل عنها ألحقت الولد به إلا أن يدعي استبراء بعد الوطء فيكون دليلا له. وقال بعض الناس: لو ولدت جارية يطؤها فليس هو ولده إلا أن يقر به فإن أقر بواحد ثم جاءت بعده بآخر فله نفيه لأن إقراره بالأول ليس بإقرار بالثاني وله عنده أن يقر بواحد وينفي ثانيا وبثالث وينفي رابعا ثم قالوا: لو أقر بواحد ثم جاءت بعده بولد فلم ينفه حتى مات فهو ابنه ولم يدعه قط ثم قالوا: لو أن قاضيا زوج امرأة رجلا في مجلس القضاء ففارقها ساعة ملك عقدة نكاحها ثلاثا ثم جاءت
صفحة : 3440
بولد لستة أشهر لزم الزوج قالوا هذا فراش قيل: وهل كان فراشا قط يمكن فيه الجماع قال الشافعي رحمه الله: إذا أحاط العلم أن الولد ليس من الزوج فالولد منفي عنه بلا لعان. عدة المدخول بها من الجامع من كتاب العدد ومن كتاب الرجعة والرسالة قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قال: والأقراء عنده الأطهار - والله أعلم - بدلالتين أولاهما: الكتاب الذي دلت عليه السنة والأخرى اللسان. قال: قال الله تعالى: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وقال عليه الصلاة والسلام في غير حديث لما طلق ابن عمر امرأته وهي حائض: يرتجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك . وقال ﷺ: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن أو في قبل عدتهن - الشافعي شك - فأخبر ﷺ عن الله تعالى أن العدة الأطهار دون الحيض. وقرأ فطلقوهن لقبل عدتهن وهو أن يطلقها طاهرا لأنها حينئذ تستقبل عدتها ولو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا من بعد الحيض والقرء اسم وضع لمعنى فلما كان الحيض دما يرخيه الرحم فيخرج والطهر دما يحتبس فلا يخرج كان معروفا من لسان العرب أن القرء الحبس. تقول العرب: هو يقري الماء في حوضه وفي سقائه وتقول: هو يقري الطعام في شدقه. وقالت عائشة رضي الله عنها: هل تدرون ما الأقراء الأقراء الأطهار وقالت: إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه والنساء بهذا أعلم . وقال زيد بن ثابت وابن عمر : إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت وبرىء منها ولا ترثه ولا يرثها. قال الشافعي والأقراء الأطهار والله أعلم. ولا يمكن أن يطلقها طاهرا إلا وقد مضى بعض الطهر. وقال الله تعالى: الحج أشهر معلومات وكان شوال وذو القعدة كاملين وبعض ذي الحجة كذلك الأقراء طهران كاملان وبعض طهر وليس في الكتاب ولا في السنة للغسل بعد الحيضة الثالثة معنى تنقضي به العدة ولو طلقها طاهرا قبل جماع أو بعده ثم حاضت بعده بطرفة فذلك قرء وتصدق على ثلاثة قروء في أقل ما يمكن وأقل ما علمناه من الحيض يوم. وقال في موضع آخر يوم وليلة قال المزني رحمه الله: وهذا أولى لأنه زيادة في الخبر والعلم وقد يحتمل قوله يوما بليلة فيكون المفسر من قوله يقضي على المجمل وهكذا أصله في العلم. قال الشافعي رحمه الله: وإن علمنا أن طهر امرأة أقل من خمسة عشر جعلنا القول فيه قولها وكذلك تصدق على الصدق ولو رأت الدم في الثالثة دفعة ثم ارتفع يومين أو ثلاثة أو أكثر فإن كان الوقت الذي رأت فيه الدفعة
صفحة : 3441
في أيام حيضها ورأت صفرة أو كدرة أو لم تر طهرا حتى يكمل يوما وليلة فهو حيض وإن كان في غير أيام الحيض فكذلك إذا أمكن أن يكون بين رؤيتها الدم والحيض قبله قدر طهر وإن رأت الدم أقل من يوم وليلة لم يكن حيضا ولو طبق عليها فإن كان دمها ينفصل فيكون في أيام أحمر قانئا محتدما كثيرا وفي أيام بعده رقيقا إلى الصفرة فحيضها أيام المحتدم الكثير وطهرها أيام الرقيق القليل إلى الصفرة وإن كان مشتبها كان حيضها بقدر أيام حيضها فيما مضى قبل الاستحاضة وإن ابتدأت مستحاضة أو نسيت أيام حيضها تركت الصلاة يوما وليلة واستقبلنا بها الحيض من أول هلال يأتي عليها بعد وقوع الطلاق فإذا هل هلال الرابع انقضت عدتها ولو كانت تحيض يوما وتطهر يوما ونحو ذلك جعلت عدتها تنقضي بثلاثة أشهر وذلك المعروف من أمر النساء أنهن يحضن في كل شهر حيضة فلا أجد معنى أولى بعدتها من الشهور ولو تباعد حيضها فهي من أهل الحيض حتى تبلغ السن التي من بلغها لم تحض بعدها من المؤيسات اللاتي جعل الله عدتهن ثلاثة أشهر فاستقبلت ثلاثة أشهر. وقد روي عن ابن مسعود وغيره مثل هذا وهو يشبه ظاهر القرآن وقال عثمان لعلي وزيد في امرأة حبان بن منقذ طلقها وهو صحيح وهي ترضع فأقامت تسعة عشر شهرا لا تحيض ثم مرض: ما تريان قالا: نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض وليست من الأبكار التي لم يبلغن المحيض ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل وكثير فرجع حبان إلى أهله فأخذ ابنته فلما فقدت الرضاع حاضت حيضتين ثم توفي حبان قبل الثالثة فاعتدت عدة المتوفى عنها وورثته. وقال عطاء كما قال الله تعالى: إذا يئست اعتدت ثلاثة أشهر . قال الشافعي رحمه الله: في قول عمر رضي الله عنه في التي رفعتها حيضتها تنتظر تسعة أشهر فإن بان بها حمل فذلك وإلا اعتدت بعد التسعة ثلاثة أشهر ثم حلت يحتمل قوله في امرأة قد بلغت السن التي من بلغها من نسائها يئسن فلا يكون مخالفا لقول ابن مسعود رضي الله عنه وذلك وجه عندنا. قال: وإن مات صبي لا يجامع مثله فوضعت امرأته قبل أربعة أشهر وعشر أتمت أربعة أشهر وعشرا لأن الولد ليس منه فإن مضت قبل أن تضع حلت منه وإن كان بقي له شيء يغيب في الفرج أو لم يبق له وكان والخصي ينزلان لحقهما الولد واعتدت زوجتاهما كما تعتد زوجة الفحل وإن أرادت الخروج كان له منعها حيا ولورثته ميتا حتى تنقضي عدتها وإن طلق من لا تحيض من صغر أو كبر في أول الشهر أو آخره اعتدت شهرين بالأهلة. وإن كان تسعا وعشرين وشهرا ثلاثين
صفحة : 3442
ليلة حتى يأتي عليها تلك الساعة التي طلقها فيها من الشهر ولو حاضت الصغيرة بعد انقضاء الثلاثة الأشهر فقد انقضت عدتها ولو حاضت قبل انقضائها بطرفة خرجت من اللائي لم يحضن واستقبلت الأقراء. قال: وأعجب من سمعت به من النساء يحضن نساء تهامة يحضن لتسع سنين فتعتد إذا حاضت من هذه السن بالأقراء فإن بلغت عشرين سنة أو أكثر لم تحض قط اعتدت بالشهور ولو طرحت ما تعلم أنه ولد مضغة أو غيرها حلت. قال المزني رحمه الله: وقال في كتابين: لا تكون به أم ولد حتى يبين فيه من خلق الإنسان شيء وهذا أقيس. قال: ولو كانت تحيض على الحمل تركت الصلاة واجتنبها زوجها ولم تنقض بالحيض عدتها لأنها ليست معتدة به وعدتها أن تضع حملها ولا تنكح المرتابة وإن أوفت عدتها لأنها لا تدري ما عدتها فإن نكحت لم يفسخ ووقفناه فإن برئت من الحمل فهو ثابت وقد أساءت وإن وضعت بطل النكاح. قال المزني رحمه الله: جعل الحامل تحيض ولم يجعل لحيضها معنى يعتد به كما تكون التي لم تحض تعتد بالشهور فإذا حدث الحيض كانت العدة بالحيض والشهور كما كانت تمر عليها وليست بعدة وكذلك الحيض يمر عليها وليس كل حيض عدة كما ليس كل شهور عدة ولو كانت حاملا بولدين فوضعت الأول فله الرجعة ولو ارتجعها وخرج بعض ولدها وبقي بعضه كانت رجعة ولا تخلو حتى يفارقها كله. ولو أوقع الطلاق فلم يدر أقبل ولادها أم بعده فقال وقع بعد ما ولدت فلي الرجعة وكذبته فالقول قوله لأن الرجعة حق له والخلو من العدة حق لها ولم يدر واحد منهما كانت العدة عليها لأنها وجبت ولا نزيلها إلا بيقين والورع أن لا يرتجعها ولو طلقها فلم يحدث لها رجعة ولا نكاحا حتى ولدت لأكثر من أربع سنين فأنكره الزوج فهو منفي باللعان لأنها ولدته بعد الطلاق لما لا يلد له النساء. قال المزني رحمه الله: فإذا كان الولد عنده لا يمكن أن تلده منه فلا معنى للعان به ويشبه أن يكون هذا غلطا من غير الشافعي. وقال في موضع آخر: لو قال لامرأته كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين بينهما سنة طلقت بالأول وحلت للأزواج بالآخر ولم نلحق به الآخر لأن طلاقه وقع بولادتها ثم لم يحدث لها نكاحا ولا رجعة ولم يقر به فيلزمه إقراره فكان الولد منتفيا عنه بلا لعان وغير ممكن أن يكون في الظاهر منه. قال المزني رحمه الله: فوضعها لما لا يلد له النساء من ذلك أبعد وبأن لا يحتاج إلى لعان به أحق. قال: ولو ادعت المرأة أنه راجعها في العدة أو نكحها إن كانت بائنا أو أصابها وهي ترى أن له عليها الرجعة لم يلزمه الولد وكانت اليمين عليه إن كان حيا وعلى
صفحة : 3443
ورثته على علمهم إن كان ميتا ولو نكح في العدة وأصيبت فوضعت لأقل من ستة أشهر من نكاح الآخر وتمام أربع سنين من فراق الأول فهو للأول ولو كان لأكثر من أربع سنين من فراق الأول لم يكن ابن واحد منهما لأنه لم يمكن من واحد منهما. قال المزني رحمه الله: فهذا قد نفاه بلا لعان فهذا والذي قبله سواء. قال: فإن قيل: فكيف لم ينف الولد إذا أقرت أمه بانقضاء العدة ثم ولدت لأكثر من ستة أشهر بعد إقرارها قيل: لما أمكن أن تحيض وهي حامل فتقر بانقضاء العدة على الظاهر والحمل قائم لم ينقطع حق الولد بإقرارها بانقضاء العدة وألزمناه الأب ما أمكن أن يكون حملا منه وكان الذي يملك الرجعة ولا يملكها في ذلك سواء لأن كلتيهما تحلان بانقضاء للأزواج. وقال في باب اجتماع العدتين والقافة: إن جاءت بولد لأكثر من أربع سنين من يوم طلقها الأول إن كان يملك الرجعة دعا له القافة وإن كان لا يملك الرجعة فهو للثاني. قال المزني رحمه الله: فجمع بين من له الرجعة عليها ومن لا رجعة له عليها في باب المدخول بها وفرق بينهما بأن تحل في باب اجتماع العدتين. والله أعلم. قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن الآية. قال: والمسيس الإصابة. وقال ابن عباس وشريح وغيرهما: لا عدة عليها إلا بالإصابة بعينها لأن الله تعالى قال هكذا. قال الشافعي وهذا ظاهر القرآن فإن ولدت التي قال زوجها: لم أدخل بها لستة أشهر أو لأكثر ما يلد له النساء من يوم عقد نكاحها لحق نسبه وعليه المهر إذا ألزمناه الولد حكمنا عليه بأنه مصيب ما لم تنكح زوجا غيره ويمكن أن يكون منه. قال: ولو خلا بها فقال: لم أصبها وقالت: قد أصابني ولا ولد فهي مدعية والقول قوله مع يمينه وإن جاءت بشاهد بإقراره أحلفتها مع شاهدها وأعطيتها الصداق. ID ' ' الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها
صفحة : 3444
باب العدة من الموت والطلاق وزوج غائب قال الشافعي رحمه الله: وإذا علمت المرأة يقين موت زوجها أو طلاقه ببينة أو أي علم اعتدت من يوم كانت فيه الوفاة والطلاق وإن لم تعتد حتى تمضي العدة لم يكن عليها غيرها لأنها مدة وقد مرت عليها وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي ﷺ أنه قال: تعتد من يوم تكون الوفاة أو الطلاق وهو قول عطاء وابن المسيب والزهري. باب في عدة الأمة قال الشافعي رحمه الله: فرق الله بين الأحرار والعبيد في حد الزنا فقال في الإماء: فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة الآية. وقال تعالى: وأشهدوا ذوي عدل منكم . وذكر المواريث فلم يختلف أحد لقيته أن ذلك في الأحرار دون العبيد وفرض الله العدة ثلاثة أشهر وفي الموت أربعة أشهر وعشرا وسن ﷺ أن تستبرأ الأمة بحيضة وكانت العدة في الحرائر استبراء وتعبدا وكانت الحيضة في الأمة استبراء وتعبدا ولم أعلم مخالفا ممن حفظت عنه من أهل العلم في أن عدة الأمة نصف عدة الحرة فيما له نصف معدود فلم يجز إذا وجدنا ما وصفنا من الدلائل على الفرق فيما ذكرنا وغيره إلا أن نجعل عدة الأمة نصف عدة الحرة فيما له نصف فأما الحيضة فلا يعرف لها نصف فتكون عدتها فيه أقرب الأشياء من النصف إذا لم يسقط من النصف شيء وذلك حيضتان. وأما الحمل فلا نصف له كما لم يكن للقطع نصف فقطع العبد والحر قال عمر رضي الله عنه: يطلق العبد تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين فإن لم تحض فشهرين أو شهرا ونصفا. قال: ولو أعتقت الأمة قبل مضي العدة أكملت عدة حرة لأن العتق وقع وهي في معاني الأزواج في عامة أمرها ويتوارثان في عدتها بالحرية ولو كانت تحت عبد فاختارت فراقه كان ذلك فسخا بغير طلاق وتكمل منه العدة من الطلاق الأول ولو أحدث لها رجعة ثم طلقها ولم يصبها بنت على العدة الأولى لأنها مطلقة لم تمسس. قال المزني رحمه الله: هذا عندي غلط بل عدتها من الطلاق الثاني لأنه لما راجعها بطلت عدتها وصارت في معناها المتقدم بالعقد الأول لا بنكاح مستقبل فهو في معنى من ابتدأ طلاقها مدخولا بها ولو كان طلاقا لا يملك فيه الرجعة ثم عتقت ففيها قولان أحدهما: أن تبني على العدة الأولى ولا خيار لها ولا تستأنف عدة لأنها ليست في معاني الأزواج. والثاني: أن تكمل عدة حرة. قال المزني رحمه الله: هذا أولى بقوله ومما يدلك على ذلك قوله في المرأة تعتد بالشهور ثم تحيض إنها تستقبل
صفحة : 3445
الحيض ولا يجوز أن تكون في بعض عدتها حرة وهي تعتد عدة أمة وكذلك قال: لا يجوز أن يكون في بعض صلاته مقيما ويصلي صلاة مسافر وقال: هذا أشبه القولين بالقياس. قال المزني رحمه الله: وما احتج به من هذا يقضي على أن لا يجوز لمن دخل في صوم ظهار ثم وجد رقبة أن يصوم وهو ممن يجد رقبة ويكفر بالصيام ولا لمن دخل في الصلاة بالتيمم أن يكون ممن يجد الماء ويصلي بالتيمم كما قال لا يجوز أن تكون في عدتها ممن تحيض وتعتد بالشهور في نحو ذلك من أقاويله. وقد سوى الشافعي رحمه الله في ذلك بين ما يدخل فيه المرء وبين ما لم يدخل فيه فجعل المستقبل فيه كالمستدبر. قال: والطلاق إلى الرجال والعدة بالنساء وهو أشبه بمعنى القرآن مع ما ذكرناه من الأثر وما عليه المسلمون فيما سوى هذا من أن الأحكام تقام عليهما ألا ترى أن الحر المحصن يزني بالأمة فيرجم وتجلد الأمة خمسين والزنا معنى واحد فاختلف حكمه لاختلاف حال فاعليه فكذلك يحكم للحر حكم نفسه في الطلاق ثلاثا وإن كانت امرأته أمة وعلى الأمة عدة أمة وإن كان زوجها حرا. عدة الوفاة قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن الآية. فدلت سنة رسول الله ﷺ أنها على الحرة غير ذات الحمل لقوله ﷺ لسبيعة الأسلمية ووضعت بعد وفاة زوجها بنصف شهر: قد حللت فانكحي من شئت . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو وضعت وزوجها على سريره لم يدفن لحلت. وقال ابن عمر: إذا وضعت حلت قال: فتحل إذا وضعت قبل تطهر من نكاح صحيح ومفسوخ. قال الشافعي رحمه الله: وليس للحامل المتوفى عنها نفقة. قال جابر بن عبد الله: لا نفقة لها حسبها الميراث. قال الشافعي رحمه الله: لأن مالكه قد انقطع بالموت وإذا لم تكن حاملا فإن مات نصف النهار وقد مضى من الهلال عشر ليال أحصت ما بقي من الهلال فإن كان عشرين حفظتها ثم اعتدت ثلاثة أشهر بالأهلة ثم استقبلت الشهر الرابع فأحصت عدة أيامه فإذا كمل لها ثلاثون يوما بلياليها فقد أوفت أربعة أشهر واستقبلت عشرا بلياليها فإذا أوفت لها عشرا إلى الساعة التي مات فيها فقد انقضت عدتها وليس عليها أن تأتي فيها بحيض كما ليس عليها أن تأتي في الحيض بشهور ولأن كل عدة حيث جعلها الله إلا أنها إن ارتابت استبرأت نفسها من الريبة ولو طلقها مريضا ثلاثا فمات من مرضه وهي في العدة فقد قيل: لا
صفحة : 3446
ترث مبتوتة وهذا مما أستخير الله فيه. قال المزني رحمه الله: وقال في موضع آخر وهذا قول يصح لمن قال به. قلت فالاستخارة شك وقوله يصح إبطال للشك. وقال في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى: إن المبتوتة لا ترث وهذا أولى بقوله وبمعنى ظاهر القرآن لأن الله تعالى ورث الزوجة من زوج يرثها لو ماتت قبله فلما كانت إن مات لم يرثها وإن مات لم تعتد منه عدة من وفاته خرجت من معنى حكم الزوجة من القرآن. واحتج الشافعي رحمه الله على من ورث رجلين كل واحد منهما النصف من ابن ادعياه وورث الابن إن ماتا قبله الجميع. فقال الشافعي رحمه الله: إنما يرث الناس من حيث يورثون يقول الشافعي: فإن كانا يرثانه نصفين بالبنوة فكذلك يرثهما نصفين بالأبوة. قال المزني رحمه الله: فكذلك إنما ترث المرأة الزوج من حيث يرث الزوج المرأة بمعنى النكاح فإذا ارتفع النكاح بإجماع ارتفع حكمه والموارثة به ولما أجمعوا أنه لا يرثها لأنه ليس بزوج كان كذلك أيضا لا ترثه لأنها ليست بزوجة وبالله التوفيق. قال الشافعي رحمه الله: فإن قيل قد ورثها عثمان قيل: وأقد أنكر ذلك عبد الرحمن بن عوف في حياته على عثمان رضي الله عنهما إن مات أن يورثها منه. وقال ابن الزبير: لو كنت أنا لم أر أن ترث مبتوتة. وهذا اختلاف وسبيله القياس وهو ما قلنا. قال الشافعي ولو طلق إحدى امرأتيه ثلاثا فمات ولا تعرف اعتدتا أربعة أشهر وعشرا تكلم كل واحدة منهما فيها ثلاث حيض. ID ' ' هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو
صفحة : 3447
باب مقام المطلقة في بيتها والمتوفى عنها من كتاب العدد وغيره قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى في المطلقات: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة . وقال ﷺ لفريعة بنت مالك حين أخبرته أن زوجها قتل وأنه لم يتركها في مسكن يملكه: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله . وقال ابن عباس: الفاحشة المبينة أن تبذو على أهل زوجها فإذا بذت فقد حل إخراجها. قال الشافعي رحمه الله: هو معنى سنة رسول الله ﷺ فيما أمر به فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم مع ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها أرسلت إلى مروان في مطلقة انتقلها: اتق الله واردد المرأة إلى بيتها . قال مروان: أما بلغك شأن فاطمة. فقالت: لا عليك أن تذكر فاطمة فقال: إن كان بك شر فحسبك ما بين هذين من الشر. وعن ابن المسيب: تعتد المبتوتة في بيتها. فقيل له: فأين حديث فاطمة بنت قيس فقال: قد فتنت الناس كانت في لسانها ذرابة فاستطالت على أحمائها فأمرها النبي ﷺ أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فعائشة ومروان وابن المسيب يعرفون حديث فاطمة أن النبي ﷺ أمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم كما حدثت ويذهبون إلى أن ذلك إنما كان للشر وكره لها ابن المسيب وغيره أنها كتمت السبب الذي به أمرها النبي ﷺ تعتد في بيت غير زوجها خوفا أن يسمع ذلك سامع فيرى أن للمبتوتة أن تعتد حيث شاءت. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فلم يقل لها النبي ﷺ اعتدي حيث شئت بل خصها ذا كان زوجها غائبا فبهذا كله أقول فإن طلقها فلها السكنى في منزله حتى تنقضي عدتها يملك الرجعة أو لا يملكها فإن كان بكراء فهو على المطلق وفي مال الزوج الميت ولزوجها إذا تركها فيما يسعها من المسكن وتستر بينه وبينها أن يسكن في سوى ما يسعها. وقال في كتاب النكاح والطلاق: لا يغلق عليه وعليها حجرة إلا أن يكون معها ذو محرم بالغ من الرجال وإن كان على زوجها دين لم يبع مسكنها حتى تنقضي عدتها وذلك أنها ملكت عليه سكنى ما يكفيها حين طلقها. كما يملك من يكتري وإن كان في منزل لا يملكه ولم يكتره فلأهله إخراجها وعليه غيره إلا أن يفلس فنضرب مع الغرماء بأقل قيمة سكناها وتتبعه بفضله متى أيسر وإن كانت هذه المسائل في موته ففيها قولان أحدهما: ما وصفت ومن قاله احتج بقول النبي صلى
صفحة : 3448
الله عليه وسلم لفريعة: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله . والثاني: أن الاختيار للورثة أن يسكنوها فإن لم يفعلوا فقد ملكوا دونه فلا سكنى لها كما لا نفقة لها ومن قاله قال إن قول النبي ﷺ لفريعة: امكثي في بيتك ما لم يخرجك منه أهلك لأنها وصفت أن المنزل ليس لزوجها. قال المزني: هذا أولى بقوله لأنه لا نفقة لها حاملا وغير حامل وقد احتج بأن الملك قد انقطع عنه بالموت. قال المزني: وكذلك قد انقطع عنه السكنى بالموت وقد أجمعوا أن من وجبت له نفقة وسكنى من ولد ووالد على رجل فمات انقطعت النفقة لهم والسكنى لأن ماله صار ميراثا لهم فكذلك امرأته وولده وسائر ورثته يرثون جميع ماله. قال: ولورثته أن يسكنوها حيث شاءوا إذا كان موضعها حرزا وليس لها أن تمتنع وللسلطان أن يخصها حيث ترضى لئلا يلحق بالزوج من ليس له ولو أذن لها أن تنتقل فنقل متاعها وخدمها ولم تنتقل ببدنها حتى مات أو طلق اعتدت في بيتها الذي كانت فيه ولو خرج مسافرا بها أو أذن لها في الحج فزايلت منزله فمات أو طلقها ثلاثا فسواء لها الخيار في أن تمضي لسفرها ذاهبة وجاثية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن تقضي سفرها ولا تقيم في المصر الذي أذن لها في السفر إليه إلا أن يكون أذن لها في المقام فيه أو النقلة إليه فيكون ذلك عليها إذا بلغت ذلك المصر فإن كان أخرجها مسافرة أقامت ما يقيم المسافر مثلها ثم رجعت وأكملت عدتها ولو أذن لها في زيارة أو نزهة فعليها أن ترجع لأن الزيارة ليست مقاما ولا تخرج إلى الحج بعد انقضاء العدة ولا إلى مسيرة يوم إلا مع في محرم إلا أن يكون حجة الإسلام وتكون مع نساء ثقات ولو صارت إلى بلد أو منزل بإذنه ولم يقل لها أقيمي ولا لا تقيمي ثم طلقها فقال لم أنقلك وقالت نقلتني فالقول قولها إلا أن تقر هي أنه كان للزيارة أو مدة تقيمها فيكون عليها أن ترجع وتعتد في بيته وفي مقامها قولان أحدهما: أن تقيم إلى المدة كما جعل لها أن تقيم في سفرها إلى غاية. قال: وتنتوي البدوية حيث ينتوي أهلها لأن سكن أهل البادية إنما هو سكنى مقام غبطة وظعن غبطة وإذا دلت السنة على أن المرأة تخرج من البذاء على أهل زوجها كان العذر في ذلك المعنى أو أكثر. قال: ويخرجها السلطان فيما يلزمها فإذا فرغت ردها ويكتري عليه إذا غاب ولا نعلم أحدا بالمدينة فيما مضى أكرى منزلا إنما كانوا يتطوعون بإنزال منازلهم وبأموالهم مع منازلهم ولو تكارت فإن طلبت الكراء كان لها من يوم تطلبه وما مضى حق تركته فأما امرأة صاحب السفينة إذا كانت مسافرة معه فكالمرأة المسافرة إن شاءت مضت وإن شاءت رجعت إلى منزله
صفحة : 3449
فاعتدت به. قال الشافعي رحمه الله: ولما قال ﷺ: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا وكانت هي والمطلقة التي لا يملك زوجها رجعتها معا في عدة وكانتا غير ذواتي زوجين أشبه أن يكون على المطلقة إحداد كهو على المتوفى عنها - والله أعلم - فأحب ذلك لها ولا يبين أن أوجبه عليها لأنهما قد تختلفان في حال وإن اجتمعتا في غيره ولو لم يلزم القياس إلا باجتماع كل الوجوه بطل القياس. قال المزني رحمه الله: وقد جعلهما في الكتاب القديم في ذلك سواء وقال فيه: ولا تجتنب المعتدة في النكاح الفاسد وأم الولد ما تجتنب المعتدة ويسكن حيث شئن. قال الشافعي رحمه الله: وإنما الإحداد في البدن وترك زينة البدن وهو أن تدخل على البدن شيئا من غيره زينة أو طيبا يظهر عليها فيدعو إلى شهوتها فمن ذلك الدهن كله في الرأس وذلك أن كل الأدهان في ترجيل الشعر وإذهاب الشعث سواء وهكذا المحرم يفتدي بأن يدهن رأسه أو لحيته بزيت لما وصفت وأما مد يديها فلا بأس إلا الطيب كما لا يكون بذلك بأس للمحرم وإن خالفت المحرم في بعض أمرها وكل كحل كان زينة فلا خير فيه لها فأما الفارسي وما أشبهه إذا احتاجت إليه فلا بأس لأنه ليس بزينة بل يزيد العين مرها وقبحا وما اضطرت إليه مما فيه زينة من الكحل اكتحلت به ليلا وتمسحه نهارا وكذلك الدمام. دخل النبي ﷺ على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة فقال: ما هذا يا أم سلمة فقالت: إنما هو صبر فقال عليه السلام: اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار . قال الشافعي الصبر يصفر فيكون زينة وليس بطيب فأذن لها فيه بالليل حيث لا يرى وتمسحه بالنهار حيث يرى وكذلك ما أشبهه. قال: وفي الثياب زينتان إحداهما جمال اللابسين وتستر العورة قال الله تعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد فالثياب زينة لمن لبسها فإذا أفردت العرب التزين على بعض اللابسين دون بعض فإنما من الصبغ خاصة ولا بأس أن تلبس الحاد كل ثوب من البياض لأن البياض ليس بمزين وكذلك الصوف والوبر وكل ما نسج على وجهه لم يدخل عليه صبغ من خز أو غيره وكذلك كل صبغ لم يرد به تزيين الثوب مثل السواد وما صبغ ليقبح لحزن أو لنفي الوسخ عنه وصباغ الغزل بالخضرة يقارب السواد لا الخضرة الصافية وما في معناه. فأما ما كان من زينة أو وشي في ثوب وغيره فلا تلبسه الحاد وكذلك كل حرة وأمة كبيرة أو صغيرة مسلمة أو ذمية ولو تزوجت نصرانية نصرانيا فأصابها
صفحة : 3450
أحلها لزوجها المسلم ويحصنها لأنه زوج ألا ترى أن النبي ﷺ رجم يهوديين زنيا ولا يرجم إلا محصنا. اجتماع العدتين والقافة قال الشافعي رحمه الله: فإذا تزوجت في العدة ودخل بها الثاني فإنها تعتد بنية عدتها من الأول ثم تعتد من الثاني واحتج في ذلك بقول عمر وعلي وعمر بن عبد العزيز رحمة الله عليهم. قال الشافعي لأن عليها حقين بسبب الزوجين وكذلك كل حقين لزما من وجهين. قال: ولو اعتدت بحيضة ثم أصابها الثاني وحملت وفرق بينهما اعتدت بالحمل فإذا وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها الآخر فهو من الأول وإن جاءت به لأكثر من أربع سنين من يوم فارقها الأول وكان طلاقه لا يملك فيه الرجعة فهو للآخر وإن كان يملك فيه الرجعة وتداعياه ولم ينكراه ولا واحدا منهما أريه القافة فإن ألحقوه بالأول فقد انقضت عدتها منه وتبتدىء عدة من الثاني وله خطبتها فإن ألحقوه بالثاني فقد انقضت عدتها منه وتبتدىء فتكمل على ما مضى من عدة الأول وللأول عليها الرجعة ولو لم يلحقوه بواحد منهما أو ألحقوه بهما أو لم تكن قافة أو مات قبل يراه القافة أو ألقته ميتا فلا يكون ابن واحد منهما وإن كان أوصى له بشيء وقف حتى يصطلحا فيه والنفقة على الزوج الصحيح النكاح ولا آخذه بنفقتها حتى تلده فإن ألحق به الولد أعطيتها نفقة الحمل من يوم طلقها وإن أشكل أمره لم آخذه بنفقته حتى ينتسب إليه فإن ألحق بصاحبه فلا نفقة لها لأنها حبلى من غيره. قال المزني رحمه الله: خالف الشافعي في إلحاق الولد في أكثر من أربع سنين بأن يكون له الرجعة. قال الشافعي رحمه الله: وإن طلقها طلقة يملك رجعتها ثم مات اعتدت عدة الوفاة وورثت ولو راجعها ثم طلقها قبل أن يمسها ففيها قولان أحدهما: تعتد من الطلاق الأخير وهو قول ابن جريج وعبد الكريم وطاوس والحسن بن مسلم ومن قال هذا انبغى أن يقول رجعته مخالفة لنكاحه إياها ثم يطلقها قبل أن يمسها لم تعتد فكذلك لا تعتد من طلاق أحدثه وإن كانت رجعة إذا لم يمسها. قال المزني رحمه الله: المعنى الأول أولى بالحق عندي لأنه إذا ارتجعها سقطت عدتها وصارت في معناها القديم بالعقد الأول لا بنكاح مستقبل فإنما طلق امرأة مدخولا بها في غير عدة فهو في معنى من ابتدأ طلاقه قال المزني رحمه الله: ولو لم يرتجعها حتى طلقها فإنها تبني على عدتها من أول طلاقها لأن تلك العدة لم تبطل حتى طلق وإنما زادها
صفحة : 3451
طلاقا وهي معتدة بإجماع فلا نبطل ما أجمع عليه من عدة قائمة إلا بإجماع مثله أو قياس على نظيره. امرأة المفقود وعدتها إذا نكحت غيره وغير ذلك قال الشافعي رحمه الله: في امرأة الغائب أي غيبة كانت لا تعتد ولا تنكح أبدا حتى يأتيها يقين وفاته وترثه ولا يجوز أن تعتد من وفاته ومثلها يرث إلا ورثت زوجها الذي اعتدت من وفاته. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في امرأة المفقود إنها لا تتزوج. قال: ولو طلقها وهو خفي الغيبة أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها لزمه ما يلزم الزوج الحاضر ولو اعتدت بأمر حاكم أربع سنين ثم أربعة أشهر وعشر أو نكحت ودخل بها الزوج كان حكم الزوجية بينها وبين زوجها الأول بحاله غير أنه ممنوع من فرجها بوطء شبهة ولا نفقة لها من حين نكحت ولا في حين عدتها من الوطء الفاسد لأنها مخرجة نفسها من يديه وغير واقفة عليه ومحرمة عليه بالمعنى الذي دخلت فيه ولم ألزم الواطىء بنفقتها لأنه ليس بينهما شيء من أحكام الزوجين إلا لحوق الولد فإنه فراش بالشهبة وإذا وضعت فلزوجها الأول أن يمنعها من رضاع ولدها إلا اللبأ وما إن تركته لم يعتد غيرها ولا ينفق عليها في رضاعها ولد غيره ولو ادعاه الأول أريته القافة ولو مات الزوج الأول والآخر ولا يعلم أيهما مات أولا بدأت فاعتدت أربعة أشهر وعشرا لأنه النكاح الصحيح الأول ثم اعتدت بثلاثة قروء. ID ' ' ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال
صفحة : 3452
باب استبراء أم الولد من كتابين امرأة المفقود وعدتها إذا نكحت غيره وغير ذلك قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في أم الولد يتوفى عنها سيدها: تعتد بحيضة. قال الشافعي رحمه الله: ولا تحل أم الولد للأزواج حتى ترى الطهر من الحيضة. وقال في كتاب النكاح والطلاق إملاء على مسائل مالك: وإن كانت ممن لا تحيض فشهر. قال: وإن مات سيدها أو أعتقها وهي حائض لم تعتد بتلك الحيضة وإن كانت حاملا فأن تضع حملها وإن استرابت فهي كالحرة المستريبة وإن مات سيدها وهي تحت زوج أو في عدة زوج فلا استبراء عليها لأن فرجها ممنوع منه بشيء أباحه لزوجها فإن ماتا فعلم أن أحدهما مات قبل الآخر بيوم أو بشهرين وخمس ليال أو أكثر ولا نعلم أيهما أولا اعتدت من يوم مات الآخر منهما أربعة أشهر وعشرا فيها حيضة وإنما لزمها إحداهما فإذا جاءت بهما فذلك أكمل ما عليها. قال المزني رحمه الله: هذا عندي غلط لأنه إذا لم يكن بين موتهما إلا أقل من شهرين وخمس ليال فلا معنى للحيضة لأن السيد إذا كان مات أولا فهي تحت زوج مشغولة به عن الحيضة وإن كان موت الزوج أولا فلم ينقض شهران وخمس ليال حتى مات السيد فهي مشغولة بعدة الزوج عن الحيضة وإن كان بينهما أكثر من شهرين وخمس ليال فقد أمكنت الحيضة فكما قال الشافعي. قال الشافعي رحمه الله: ولا ترث زوجها حتى يستيقن أن سيدها مات قبل زوجها فترثه وتعتد عدة الوفاة كالحرة والأمة يطؤها تستبرأ بحيضة فإن نكحت قبلها فمفسوخ ولو وطىء المكاتب أمته فولدت ألحقته به ومنعته الوطء وفيها قولان أحدهما: لا يبيعها بحال لأني حكمت لولدها بحكم الحرية إن عتق أبوه. والثاني: أن له بيعها خاف العجز أو لم يخفه. قال المزني رحمه الله: القياس على قوله أن لا يبيعها كما لا يبيع ولدها. ID ' ' تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل
صفحة : 3453
باب الاستبراء من كتاب الاستبراء والإملاء قال الشافعي رحمه الله: نهى رسول الله ﷺ عام سبي أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع أو حائل حتى تحيض ولا يشك أن فيهن أبكارا وحرائر كن قبل أن يستأمين وإماء ووضيعات وشريفات وكان الأمر فيهن واحدا. قال الشافعي رحمه الله: فكل ملك يحدث من مالك لم يجز فيه الوطء إلا بعد الاستبراء لأن الفرج كان ممنوعا قبل الملك ثم حل بالملك فلو باع جارية من امرأة ثقة وقبضتها وتفرقا بعد البيع ثم استقالها فأقالته لم يكن له أن يطأها حتى يستبرئها من قبل أن الفرج حرم عليه ثم حل له بالملك الثاني. قال: والاستبراء أن تمكث عند المشتري طاهرا بعد ملكها ثم تحيض حيضة معروفة فإذا طهرت منها فهو الاستبراء وإن استرابت أمسكت حتى تعلم أن تلك الريبة لم تكن حملا ولا أعلم مخالفا في أن المطلقة لو حاضت ثلاث حيض وهي ترى أنها حامل لم تحل إلا بوضع الحمل أو البراءة من أن يكون ذلك حملا فلا يحل له قبل الاستبراء التلذذ بمباشرتها ولا نظر بشهوة إليها وقد تكون أم ولد لغيره ولو لم يفترقا حتى وضعت حملا لم تحل له حتى تطهر من نفاسها ثم تحيض حيضة مستقبلة من قبل أن البيع إنما تم حين تفرقا عن مكانهما الذي تبايعا فيه ولو كانت أمة مكاتبة فعجزت لم يطأها حتى يستبرئها لأنها ممنوعة الفرج منه ثم أبيح بالعجز ولا يشبه صومها الواجب عليها وحيضتها ثم تخرج من ذلك لأنه يحل له في ذلك أن يمسها ويقبلها ويحرم ذلك في الكتابة كما يحرم إذا زوجها وإنما قلت طهر ثم حيضة حتى تغتسل منها لأن النبي ﷺ دل على أن الأقراء الأطهار بقوله في ابن عمر يطلقها طاهرا من غير جماع فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء وأمر النبي ﷺ في الإماء أن يستبرئن بحيضة فكانت الحيضة الأولى أمامها طهر كما كان الطهر أمامه الحيض فكان قصد النبي ﷺ في الاستبراء إلى الحيض وفي العدة إلى الأطهار. ID ' ' ولا يكاد يقدر عليه. وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا
صفحة : 3454
مختصر ما يحرم من الرضاعة من كتاب الرضاع ومن كتاب النكاح ومن أحكام القرآن قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى فيمن حرم مع القرابة: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة . وقال ﷺ: يحرم من الرضاع مما يحرم من الولادة . قال الشافعي رحمه الله: فبينت السنة أن لبن الفحل يحرم كما تحرم ولادة الأب. وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاما والأخرى جارية هل يتزوج الغلام الجارية فقال: لا اللقاح واحد. وقال مثله عطاء وطاوس. قال الشافعي رحمه الله: فبهذا كله نقول فكل ما حرم بالولادة وبسببها حرم بالرضاع وكان به من ذوي المحارم والرضاع اسم جامع يقع على المصة وأكثر إلى كمال الحولين وعلى كل رضاع بعد الحولين فوجب طلب الدلالة في ذلك. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان فيما أنزل الله تعالى في القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي ﷺ وهن مما يقرأ من القرآن فكان لا يدخل عليها إلا من استكمل خمس رضعات. وعن ابن الزبير قال رسول الله ﷺ: لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان قال المزني رحمه الله: قلت للشافعي: أفسمع ابن الزبير من النبي ﷺ قال: نعم وحفظ عنه وكان يوم سمع من رسول الله ﷺ ابن تسع سنين. وعن عروة أن النبي ﷺ أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالما خمس رضعات فتحرم بهن. قال: فدل ما وصفت أن الذي يحرم من الرضاع خمس رضعات كما جاء القرآن بقطع السارق فدل ﷺ أنه أراد بعض السارقين دون بعض وكذلك أبان أن المراد بمائة جلدة بعض الزناة دون بعض لا من لزمه اسم سرقة وزنا وكذلك أبان أن المراد بتحريم الرضاع بعض المرضعين دون بعض واحتج فيما قال النبي ﷺ لسهلة بنت سهل لما قالت له: كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل علي وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا تأمرني فقال عليه السلام: فيما بلغنا: أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها ففعلت فكانت تراه ابنا من الرضاعة فأخذت بذلك عائشة رضي الله عنها فيمن أحبت أن يدخل عليها من الرجال وأبى سائر أزواج النبي ﷺ أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن: ما نرى الذي أمر به ﷺ إلا رخصة في سالم وحده. وروى الشافعي رحمه
صفحة : 3455
الله أن أم سلمة قالت في الحديث: هو لسالم خاصة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإذا كان خاصا فالخاص مخرج من العام والدليل على ذلك قول الله جل ثناؤه: حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة فجعل الحولين غاية وما جعل له غاية فالحكم بعد مضي الغاية خلاف الحكم قبل الغاية كقوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فإذا مضت الأقراء فحكمهن بعد مضيها خلاف حكمهن فيها. قال المزني: وفي ذلك دلالة عندي على نفي الولد لأكثر من سنتين بتأقيت حمله وفصاله ثلاثين شهرا كما نفى توقيت الحولين الرضاع لأكثر من حولين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وكان عمر رضي الله عنه لا يرى رضاع الكبير يحرم وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء. قال: ولا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات متفرقات كلهن في الحولين. قال: وتفريق الرضعات أن ترضع المولود ثم تقطع الرضاع ثم ترضع ثم تقطع كذلك فإذا رضع في مرة منهن ما يعلم أنه وصل إلى جوفه ما قل منه وما كثر فهي رضعة وإن التقم الثدي فلها قليلا وأرسله ثم عاد إليه كانت رضعة واحدة كما يكون الحالف لا يأكل بالنهار إلا مرة فيكون يأكل ويتنفس بعد الازدراد ويعود يأكل فذلك أكل مرة وإن طال وإن قطع ذلك قطعا بينا بعد قليل أو كثير ثم أكل حنث وكان هذا أكلتين ولو أنفد ما في إحدى الثديين ثم تحول إلى الأخرى فأنفد ما فيها كانت رضعة واحدة والوجور كالرضاع وكذلك السعوط لأن الرأس جوف ولو حقن به كان فيها قولان أحدهما أنه جوف وذلك أنها تفطر الصائم والآخر أن ما وصل إلى الدماغ كما وصل إلى المعدة لأنه يغتذى من المعدة وليس كذلك الحقنة. قال المزني رحمه الله: قد جعل الحقنة في معنى من شرب الماء فأفطر فكذلك هو في القياس في معنى من شرب اللبن وإذ جعل السعوط كالوجور لأن الرأس عنده جوف فالحقنة إذا وصلت إلى الجوف عندي أولى وبالله التوفيق. وأدخل الشافعي رحمه الله تعالى على من قال إن كان ما خلط باللبن أغلب لم يحرم وإن كان اللبن الأغلب حرم فقال: أرأيت لو خلط حراما بطعام وكان مستهلكا في الطعام أما يحرم فكذلك اللبن. قال الشافعي رحمه الله: ولو جبن اللبن فأطعمه كان كالرضاع ولا يحرم لبن البهيمة إنما يحرم لبن الآدميات. قال الله تعالى جل ثناؤه: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وقال: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن قال: ولو حلب منها رضعة خامسة ثم ماتت فأوجره صبي كان ابنها ولو رضع منها بعد موتها لم يحرم لأنه لا يحل لبن الميتة ولو حلب من امرأة لبن
صفحة : 3456
كثير ففرق ثم أوجر منه صبي مرتين أو ثلاثة لم يكن إلا رضعة واحدة وليس كاللبن يحدث في الثدي كلما خرج منه شيء حدث غيره ولو تزوج صغيرة ثم أرضعتها أمه أو ابنته من نسب أو رضاع أو امرأة ابنه من نسب أو رضاع بلبن ابنه حرمت عليه الصغيرة أبدا وكان لها عليه نصف المهر ورجع على التي أرضعتها بنصف صداق مثلها لأن كل من أفسد شيئا لزمه قيمة ما أفسد بخطأ أو عمد ولو أرضعتها امرأة له كبيرة لم يصبها حرمت الأم لأنها من أمهات نسائه ولا نصف مهر لها ولا متعة لأنها المفسدة وفسد نكاح المرضعة بلا طلاق لأنها صارت وأمها في ملكه في حال ولها نصف المهر ويرجع على التي أرضعتها بنصف مهر مثلها ولو تزوج ثلاثا صغارا فأرضعت امرأة اثنين منهن الرضعة الخامسة معا فسد نكاح الأم ونكاح الصبيتين معا ولكل واحدة منهما نصف المهر المسمى ويرجع على امرأته بمثل نصف مهر كل واحدة منهما وتحل له كل واحدة منهما على الانفراد لأنهما ابنتا امرأة لم يدخل بها فإن أرضعت الثالثة بعد ذلك لم تحرم لأنها منفردة. قال: ولو أرضعت إحداهن الرضعة الخامسة ثم الأخريين الخامسة معا حرمت عليه والتي أرضعتها أولا لأنهما صارتا أما وبنتا في وقت واحد معا وحرمت الأخريان لأنهما صارتا أختين في وقت معا ولو أرضعتهما متفرقتين لم يحرما معا لأنها لم ترضع واحدة منهما إلا بعد ما بانت منه هي والأولى فيثبت نكاح التي أرضعتهما بعد ما بانت الأولى ويفسد نكاح التي أرضعتها بعدها لأنها أخت امرأته فكانت كامرأة نكحت على أختها. قال المزني رحمه الله: ليس ينظر الشافعي في ذلك إلا إلى وقت الرضاع فقد صارتا أختين في وقت معا برضاع الآخرة منهما. قال المزني رحمه الله: ولا فرق بين امرأة له كبيرة أرضعت امرأة له صغيرة فصارتا أما وبنتا في وقت معا وبين أجنبية أرضعت له امرأتين صغيرتين فصارتا أختين في وقت معا ولو جاز أن تكون إذا أرضعت صغيرة ثم صغيرة كامرأة نكحت على أختها لزم إذا نكح كبيرة ثم صغيرة فأرضعتها أن تكون كامرأة نكحت على أمها. وفي ذلك دليل على ما قلت أنا. وقد قال في كتاب النكاح القديم: لو تزوج صبيتين فأرضعتهما امرأة واحدة بعد واحدة انفسخ نكاحهما. قال المزني رحمه الله: وهذا وذاك سواء وهو بقوله أولى. قال الشافعي رحمه الله: ولو كان للكبيرة بنات مراضع أو من رضاع فأرضعن الصغار كلهن انفسخ نكاحهن معا ورجع على كل واحدة منهن بنصف مهر التي أرضعت. قال المزني رحمه الله: ويرجع عليهن بنصف مهر امرأته الكبيرة إن لم يكن دخل بها لأنها صارت جدة مع بنات بناتها معا وتحرم
صفحة : 3457
الكبيرة أبدا ويتزوج الصغار على الانفراد ولو كان دخل بالكبيرة حر من جميعا أبدا ولو لم يكن دخل بها فأرضعتهن أم امرأته الكبيرة أو جدتها أو أختها أو بنت أختها كان القول فيها كالقول في بناتها في المسألة قبلها. ولو أن امرأة أرضعت مولودا فلا بأس أن تتزوج المرأة المرضعة أباه ويتزوج الأب ابنتها أو أمها على الانفراد لأنها لم ترضعه ولو شك أرضعته خمسا أو أقل لم يكن ابنا لها بالشك. باب لبن الرجل والمرأة قال الشافعي رحمه الله: واللبن للرجل والمرأة كما الولد لهما والمرضع بذلك اللبن ولدهما. قال: ولو ولدت ابنا من زنا فأرضعت مولودا فهو ابنها ولا يكون ابن الذي زنى بها وأكره له في الورع أن ينكح بنات الذي ولده من زنا فإن نكح لم أفسخه لأنه ليس ابنه في حكم النبي ﷺ قضى عليه الصلاة والسلام بابن وليدة زمعة لزمعة وأمر سودة أن تحتجب منه لما رأى من شبهه بعتبة فلم يرها وقد حكم أنه أخوها لأن ترك رؤيتها مباح وإن كان أخاها. قال المزني رحمه الله: وقد كان أنكر على من قال يتزوج ابنته من زنا ويحتج بهذا المعنى وقد زعم أن رؤية ابن زمعة لسودة مباح وإن كرهه فكذلك في القياس لا يفسخ نكاحه وإن كرهه ولم يفسخ نكاح ابنه من زنا بناته من حلال لقطع الأخوة فكذلك في القياس لو تزوج ابنته من زنا لم يفسخ وإن كرهه لقطع الأبوة وتحريم الأخوة كتحريم الأبوة ولا حكم عنده للزنا لقول النبي ﷺ: وللعاهر الحجر فهو في معنى الأجنبي وبالله التوفيق. قال الشافعي ولو تزوج امرأة في عدتها فأصابها فجاءت بولد فأرضعت مولودا كان ابنها وأري المولود القافة فبأيهما ألحق لحق وكان المرضع ابنه وسقطت أبوة الآخر ولو مات فالورع أن لا ينكح ابنة واحد منهما ولا يكون محرما لها ولو قالوا المولود هو ابنهما جبر إذا بلغ على الانتساب إلى أحدهما وتنقطع أبوة الآخر ولو كان معتوها لم يلحق بواحد منهما حتى يموت وله ولد فيقومون مقامه في الانتساب إلى أحدهما أو لا يكون له ولد فيكون ميراثه موقوفا ولو أرضعت بلبن مولود نفاه أبوه باللعان لم يكن أبا للمرضع فإن رجع لحقه وصار أبا للمرضع ولو انقضت عدتها بثلاث حيض وثبت لبنها أو انقطع ثم تزوجت زوجا فأصابها فثاب لها لبن ولم يظهر بها حمل فهو من الأول ولو كان لبنها ثبت فحملت من الثاني فنزل بها لبن في الوقت الذي يكون لها فيه لبن من الحمل الآخر كان اللبن من الأول بكل حال لأنا على علم من لبن الأول وفي شك من أن يكون خلطه لبن
صفحة : 3458
الآخر فلا أحرم بالشك وأحب للمرضع لو توقى بنات الزوج الآخر. قال المزني رحمه الله عليه: هذا عندي أشبه. قال الشافعي رحمه الله: ولو انقطع فلم يثب حتى كان الحمل الآخر في وقت يمكن من الأول ففيها قولان أحدهما: أنه من الأول بكل حال كما يثوب بأن ترحم المولود أو تشرب عواء فتمر عليه. والثاني: أنه إذا انقطع انقطاعا بينا فهو من الآخر وإن كان لا يكون من الآخر لبن ترضع به حتى تلد فهو من الأول في جميع هذه الأقاويل وإن كان يثوب شيء ترضع به وإن قل فهو منهما جميعا ومن لم يفرق بين اللبن والولد قال هو للأول ومن فرق قال هو منهما معا ولو لم ينقطع اللبن حتى ولدت من الآخر فالولادة قطع للبن الأول فمن أرضعت فهو ابنها وابن الزوج الآخر. الشهادات في الرضاع والإقرار من كتاب الرضاع ومن كتاب النكاح القديم قال الشافعي رحمه الله تعالى: وشهادة النساء جائزة فيما لا يحل للرجال من غير ذوي المحارم أن يتعمدوا النظر إليه لغير شهادة من ولادة المرأة وعيوبها التي تحت ثيابها والرضاع عندي مثله لا يحل لغير ذي محرم أو زوج أن يتعمد أن ينظر إلى ثدييها ولا يمكنه أن يشهد على رضاعها بغير رؤية ثدييها ولا يجوز من النساء على الرضاع أقل من أربع حرائر بوالغ عدول وهو قول عطاء بن أبي رباح لأن الله تعالى لما أجاز شهادتهن في الدين جعل امرأتين يقومان مقام رجل وإن كانت المرأة تنكر الرضاع فكانت فيهن أمها أو ابنتها جزن عليها وإن كانت تدعي الرضاع لم يجز فيها أمها ولا أمهاتها ولا ابنتها ولا بناتها ويجوز في ذلك شهادة التي أرضعت لأنه ليس لها في ذلك ولا عليها ما ترد به شهادتها. قال المزني رحمه الله: وكيف تجوز شهادتها على فعلها ولا تجوز شهادة أمها وأمهاتها وبناتها فهن في شهادتهن على فعلها أجوز في القياس من شهادتها على فعل نفسها. قال الشافعي رحمه الله: ويوقفن حتى يشهدن أن قد رضع المولود خمس رضعات يخلصن كلهن إلى جوفه وتسعهن الشهادة على هذا لأنه ظاهر علمهن وذكرت السوداء أنها أرضعت رجلا وامرأة تناكحا فسأل الرجل النبي ﷺ عن ذلك فأعرض فقال: وكيف وقد زعمت السوداء أنها قد أرضعتكما . قال الشافعي إعراضه ﷺ يشبه أن يكون لم ير هذا شهادة تلزمه وقوله: وكيف وقد زعمت السوداء أنها قد أرضعتكما يشبه أن يكره له أن يقيم معها وقد قيل إنها أخته من الرضاعة وهو معنى ما قلنا
صفحة : 3459
يتركها ورعا لا حكما. ولو قال رجل: هذه أختي من الرضاعة أو قالت: هذا أخي من الرضاعة وكذبته أو كذبها فلا يحل لواحد منهما أن ينكح الآخر ولو أقر بذلك بعد عقد نكاحها فرق بينهما فإن كذبته أخذت نصف ما سمى لها ولو كانت هي المدعية أفتيته أن يتقي الله ويدع نكاحها بطلقة لتحل بها لغيره إن كانت كاذبة وأحلفه لها فإن نكل حلفت وفرقت بينهما. باب رضاع الخنثى قال الشافعي رحمه الله: إن كان الأغلب من الخنثى أنه رجل نكح امرأة ولم ينزل فنكحه رجل فإذا نزل له لبن فأرضع به صبيا لم يكن رضاعا يحرم وإن كان الأغلب أنه امرأة فنزل له لبن من نكاح أو غيره فأرضع صبيا حرم وإن كان مشكلا فله أن ينكح بأيهما شاء وبأيهما نكح به أولا أجزته ولم أجعل له ينكح بالآخر. وجوب النفقة للزوجة من كتاب النفقة ومن كتاب عشرة النساء ومن الطلاق ومن أحكام القرآن ومن النكاح إملاء على مسائل مالك قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: ذلك أدنى أن لا تعولوا أي لا يكسر من تعولون قال: وفيه دليل على أن على الزوج نفقة امرأته فأحب أن يقتصر الرجل على واحدة وإن أبيح له أكثر وجاءت هند إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهولا يعلم فهل علي في ذلك من جناح فقال ﷺ: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف . وجاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله عندي دينار. قال: أنفقه على نفسك قال: عندي آخر. قال: أنفقه على ولدك قال: عندي آخر. فقال: أنفقه على أهلك قال: عندي آخر. قال: أنفقه على خادمك قال: عندي آخر. قال: أنت أعلم قال سعيد المقبري ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يقول ولدك أنفق علي إلى من تكلني وتقول زوجتك أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك أنفق علي أو بعني. قال الشافعي رحمه الله تعالى: في القرآن والسنة بيان أن على الرجل ما لا غنى بامرأته عنه من نفقة وكسوة وخدمة في الحال التي لا تقدر على ما لا صلاح لبدنها من زمانة ومرض إلا به. قال في كتاب عشرة النساء: يحتمل أن يكون عليه لخادمها
صفحة : 3460
نفقة إذا كانت ممن لا تخدم نفسها وقال فيه أيضا: إذا لم يكن لها خادم فلا يبين أن يعطيها خادما ولكن يجبر على من يصنع لها الطعام الذي لا تصنعه هي ويدخل عليها ما لا تخرج لإدخاله من ماء وما يصلحها ولا يجاوز به ذلك. قال المزني: قد أوجب لها في موضع من هذا نفقة خادم وقاله في كتاب النكاح إملاء على مسائل مالك المجموعة وقاله في كتاب النفقة وهو بقوله أولى لأنه لم يختلف قوله أن عليه أن يزكي عن خادمها فكذلك ينفق عليها. قال المزني رحمه الله: ومما يؤكد ذلك قوله: لو أراد أن يخرج عنها أكثر من واحدة أخرجهن. قال الشافعي وينفق المكاتب على ولده من أمته. وقال في كتاب النكاح: ولو كانت امرأته مكاتبة وليست كتابتهما واحدة ولا مولاهما واحدا وولد له في الكتابة أولاد فنفقتهم على الأم لأنها أحق بهم ويعتقون بعتقها وليس على العبد أن ينفق على ولده من امرأة حرة ولا أمة. قدر النفقة: من ثلاثة كتب قال الشافعي رحمة الله عليه: النفقة نفقتان: نفقة الموسع ونفقة المقتر قال الله تعالى: لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه الآية. فأما ما يلزم المقتر لامرأته إن كان الأغلب ببلدها أنها لا تكون إلا مخدومة عالها وخادما واحدا بما لا يقوم بدن على أقل منه وذلك مد بمد النبي ﷺ في كل يوم من طعام البلد الأغلب فيها من قوت مثلها ولخادمها مثله ومكيلة من أدم بلادها زيتا كان أو سمنا بقدر ما يكفي ما وصفت ويفرض لها في دهن ومشط أقل ما يكفيها ولا يكون ذلك لخادمها لأنه ليس بالمعروف لها وقيل في كل جمعة رطل لحم وذلك المعروف لمثلها وفرض لها من الكسوة ما يكسى مثلها ببلدها عند المقتر من القطن الكوفي والبصري وما أشبهه ولخادمها كرباس وما أشبهه وفي البلد البارد أقل ما يكفي البرد من جبة محشوة وقطيفة أو لحاف يكفي السنتين وقميص وسراويل وخمار أو مقنعة ولجاريتها جبة صوف وكساء تلتحفه يدفىء مثلها وقميص ومقنعة وخف وما لا غنى بها عنه ويفرض لها في الصيف قميصا وملحفة ومقنعة وإن كانت رغيبة لا يجزئها هذا دفع إليها ذلك وتزيدت من ثمن أدم ولحم وما شاءت في الحب وإن كانت زهيدة تزيدت فيما لا يقوتها من فضل المكيلة وإن كان زوجها موسعا فرض لها مدان ومن الأدم واللحم ضعف ما وصفت لامرأة المقتر وكذلك في الدهن والمشط ومن الكسوة وسط البغدادي والهروي ولين البصرة وما أشبهه ويحشى لها إن كانت ببلاد يحتاج أهلها إليه وقطيفة وسط ولا أعطيها في القوت
صفحة : 3461
دراهم فإن شاءت أن تبيعه فتصرفه فيما شاءت صرفته وأجعل لخادمها مدا وثلثا لأن ذلك سعة لمثلها وفي كسوتها الكرباس وغليظ البصري والواسطي وما أشبهه ولا أجاوزه بموسع من كان ومن كانت امرأته. ولامرأته فراش ووسادة من غليظ متاع البصرة وما أشبهه ولخادمها فروة ووسادة وما أشبهه من عباءة أو كساء غليظ فإذا بلي أخلفه وإنما جعلت أقل الفرض في هذا بالدلالة عن النبي ﷺ في دفعه إلى الذي أصاب أهله في شهر رمضان عرقا فيه خمسة عشر صاعا لستين مسكينا وإنما جعلت أكثر ما فرضت مدين لأن أكثر ما أمر به النبي ﷺ في فدية الأذى مدان لكل مسكين فلم أقصر عن هذا ولم أجاوز هذا مع أن معلوما أن الأغلب أن أقل القوت مد وأن أوسعه مدان والفرض الذي على الوسط الذي ليس بالموسع ولا المقتر بينهما مد ونصف وللخادمة مد وإن كانت بدوية فما يأكل أهل البادية ومن الكسوة بقدر ما يلبسون لا وقت في ذلك إلا قدر ما يرى بالمعروف وليس على رجل أن يضحي لامرأته ولا يؤدي عنها أجر طبيب ولا حجام. الحال التي يجب فيها النفقة وما لا يجب من كتاب عشرة النساء وكتاب التعريض بالخطبة ومن الإملاء على مسائل مالك قال الشافعي رحمه الله: إذا كانت المرأة يجامع مثلها فخلت أو أهلها بينه وبين الدخول بها وجبت عليه نفقتها وإن كان صغيرا لأن الحبس من قبله. وقال في كتابين: وقد قيل إذا كان الحبس من قبله فعليه وإذا كان من قبلها فلا نفقة لها ولو قال قائل ينفق لأنها ممنوعة من غيره كان مذهبا. قال المزني رحمه الله: قد قطع بأنها إذا لم تخل بينه وبينها فلا نفقة لها حتى قال: فإن ادعت التخلية فهي غير مخلية حتى يعلم ذلك منها. قال الشافعي رحمه الله: ولو كانت مريضة لزمته نفقتها وليست كالصغيرة ولو كان في جماعها شدة ضرر منع وأخذ بنفقتها ولو ارتتقت فلم يقدر على جماعها فهذا عارض لا منع به منها وقد جومعت ولو أذن لها فأحرمت أو اعتكفت أو لزمها نذر كفارة كان عليه نفقتها ولو هربت أو امتنعت أو كانت أمة فمنعها سيدها فلا نفقة لها ولا يبرئه مما وجب لها من نفقتها وإن كان حاضرا معها إلا إقرارها أو بينة تقوم عليها ولو أسلمت وثنية وأسلم زوجها في العدة أو بعدها فلها النفقة لأنها محبوسة عليه متى شاء أسلم وكانت امرأته ولو كان هو المسلم لم يكن لها نفقة في أيام كفرها وإن دفعها إليها فلم يسلم حتى انقضت عدتها فلا حق له لأنه تطوع بها. وقال في كتاب النكاح القديم:
صفحة : 3462
فإن أسلم ثم أسلمت فهما على النكاح ولها النفقة في حال الوقف لأن العقد لم ينفسخ. قال المزني رحمه الله: الأول أولى بقوله لأنه تمنع المسلمة النفقة بامتناعها فكيف لا تمنع الوثنية بامتناعها قال الشافعي رحمه الله: وعلى العبد نفقة امرأته الحرة والكتابية والأمة إذا بوئت معه بيتا وإذا احتاج سيدها إلى خدمتها فذلك له ولا نفقة لها قال: ونفقته نفقة المقتر لأنه ليس من عبد إلا وهو فقير لأن ما بيده وإن اتسع لسيد ومن لم تكمل فيه الحرية فكالمملوك. قال المزني رحمه الله: إذا كان تسعة أعشاره حرا فهو يجعل له تسعة أعشار ما يملك ويرثه مولاه الذي أعتق تسعة أعشاره فكيف لا ينفق على قدر سعته قال المزني رحمه الله: قد جعل الشافعي رحمه الله من لم تكمل فيه الحرية كالمملوك وقال في كتاب الأيمان: إذا كان نصفه حرا ونصفه عبدا كفر بالإطعام فجعله كالحر ببعض الحرية ولم يجعله ببعض الحرية هاهنا كالحر بل جعله كالعبد فالقياس على أصله ما قلنا من أن الحر منه ينفق بقدر سعته والعبد منه بقدره وكذا قال في كتاب الزكاة: إن على الحر منه بقدره في زكاة الفطر وعلى سيد العبد بقدر الرق منه فالقياس ما قلنا فتفهموه تجدوه كذلك إن شاء الله تعالى. الرجل لا يجد نفقة: من كتابين قال الشافعي رحمه الله: لما دل الكتاب والسنة على أن حق المرأة على الزوج أن يعولها احتمل أن لا يكون له أن يستمتع بها ويمنعها حقها ولا يخليها تتزوج من يغنيها وأن تخير بين مقامها معه وفراقه وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا وهذا يشبه ما وصفت. وسئل ابن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال: يفرق بينهما قيل له فسنة قال: سنة. والذي يشبه قول ابن المسيب سنة أن يكون سنه رسول الله ﷺ وإذا وجد نفقتها يوما بيوم لم يفرق بينهما وإن لم يجد لم يؤجل أكثر من ثلاث ولا تمنع المرأة في ثلاث من أن تخرج فتعمل أو تسأل فإن لم يجد نفقتها خيرت كما وصفت في هذا القول وإن وجد نفقتها ولم يجد نفقة خادمها لم تخير لأنها تماسك بنفقتها وكانت نفقة خادمها دينا عليه متى أيسر أخذته به ومن قال هذا لزمه عندي إذا لم يجد صداقها أن يخيرها لأنه شبيه بنفقتها. قال المزني رحمه الله: قد قال: ولو أعسر بالصداق ولم يعسر بالنفقة فاختارت المقام معه لم يكن لها فراقه لأنه لا ضرر على بدنها إذا أنفق عليها في استئخار صداقها. قال المزني: فهذا دليل
صفحة : 3463
على أن لا خيار لها فيه كالنفقة. قال الشافعي ولو اختارت المقام معه فمتى شاءت أجل أيضا لأن ذلك عفو عما مضى ولو علمت عسرته لأنه يمكن أن يوسر ويتطوع عنه بالغرم ولها أن لا تدخل عليه إذا أعسر بصداقها حتى تقبضه واحتج على مخالفه فقال: إذا خيرتها في العنين يؤجل سنة ورضيت منه بجماع مرة فإنما هو فقد لذة ولا صبر لها على فقد النفقة فكيف أقررتها معه في أعظم الضررين وفرقت بينهما في أصغر الضررين. نفقة التي لا يملك زوجها رجعتها وغير ذلك قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم . وقال تعالى: وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن . فلما أوجب الله لها نفقة بالحمل دل على أن لا نفقة لها بخلاف الحمل ولا أعلم خلافا أن التي يملك رجعتها في معاني الأزواج في أن عليه نفقتها وسكناها وأن طلاقه وإيلاءه وظهاره ولعانه يقع عليها وأنها ترثه ويرثها فكانت الآية على غيرها من المطلقات وهي التي لا يملك رجعتها وبذلك جاءت سنة رسول الله ﷺ في فاطمة بنت قيس بت زوجها طلاقها فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال: ليس لك عليه نفقة . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: نفقة المطلقة ما لم تحرم . وعن عطاء: ليست المبتوتة الحبلى منه في شيء إلا أنه ينفق عليها من أجل الحبل فإن كانت غير حبلى فلا نفقة لها. قال: وكل ما وصفت من متعة أو نفقة أو سكنى فليست إلا في نكاح صحيح فأما كل نكاح كان مفسوخا فلا نفقة حاملا أو غير حامل فإن ادعت الحمل ففيها قولان. أحدهما: أنه لا يعلم بيقين حتى تلد فتعطي نفقة ما مضى لها وهكذا لو أوصى لحمل أو كان الوارث أو الموصى له غائبا فلا يعطى إلا بيقين أرأيت لو أعطيناها بقول النساء ثم أنفس أليس قد أعطينا من ماله ما لم يجب عليه والقول الثاني: أن تحصي من يوم فارقها فإذا قال النساء بها حمل أنفق عليها حتى تضع ولما مضى. قال المزني رحمه الله: هذا عندي أولى بقوله لأن الله عز وجل أوجب بالحمل النفقة وحملها قبل أن تضع. قال الشافعي رحمه الله: ولو ظهر بها حمل فنفاه وقذفها لاعنها ولا نفقة عليه فإن أكذب نفسه حد ولحق به الولد ثم أخذت منه النفقة التي بطلت عنه ولو أعطاها بقول القوابل أن بها حملا ثم علم أن لم يكن بها حمل أو أنفق عليها فجاوزت أربع سنين رجع عليها بما أخذت ولو كان يملك الرجعة فلم تقر بثلاث حيض أو كان حيضها يختلف فيطول ويقصر لم
صفحة : 3464
أجعل لها إلا الأقصر لأن ذلك اليقين وأطرح الشك. قال المزني رحمه الله: إذا حكم بأن العدة قائمة فكذلك النفقة في القياس لها بالعدة قائمة ولو جاز قطع النفقة بالشك في انقضاء العدة لجاز انقطاع الرجعة بالشك في انقضاء العدة. قال الشافعي رحمه الله: ولا أعلم حجة بأن لا ينفق على الأمة الحامل ولو زعمنا أن النفقة للحمل كانت نفقة الحمل لا تبلغ بعض نفقة أمة ولكنه حكم الله جل ثناؤه. وقال في كتاب الإملاء: النفقة على السيد. قال المزني رحمه الله: الأول أحق به لأنه شهد أنه حكم الله وحكم الله أولى مما خالفه. قال الشافعي فأما كل نكاح كان مفسوخا فلا نفقة لها ولا سكنى حاملا أو غير حامل. وقال في موضع آخر: إلا أن يتطوع المصيب لها بذلك ليحصنها فيكون ذلك بتطوعه وله تحصينها وبالله التوفيق. باب النفقة على الأقارب من كتاب النفقة ومن ثلاثة كتب قال الشافعي رحمه الله: في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ بيان أن على الأب أن يقوم بالمؤنة في إصلاح صغار ولده من رضاع ونفقة وكسوة وخدمة دون أمه وفيه دلالة أن النفقة ليست على الميراث. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وعلى الوارث مثل ذلك من أن لا تضار والدة بولدها لا أن عليها النفقة قال: فينفق الرجل على ولده حتى يبلغوا الحلم أو المحيض ثم لا نفقة لهم إلا أن يكونوا زمنى فينفق عليهم إذا كانوا لا يغنون أنفسهم وكذلك ولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على أن ينفق عليهم وإن كانت لهم أموال فنفقتهم في أموالهم وإذا لم يجز أن يضيع شيئا منه فكذلك هو من ابنه إذا كان الوالد زمنا لا يغني نفسه ولا عياله ولا حرفة له فينفق عليه ولده وولد ولده إن سفلوا لأنهم ولد وحق الوالد على الولد أعظم ومن أجبرناه على النفقة بعنا فيها العقار ولا تجبر امرأة على رضاع ولدها شريفة كانت أو دنيئة موسرة كانت أو فقيرة وأحكام الله فيهما واحدة وإذا طلبت رضاع ولدها وقد فارقها زوجها فهي أحق بما وجد الأب أن يرضع به فإن وجد بغير شيء فليس للأم أجرة والقول قول الأب مع يمينه. وقال في موضع آخر: إن أرضعت أعطاها أجر مثلها قال المزني رحمه الله: هذا أحب إلي لقول الله جل ثناؤه: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن . ID ' ' يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن
صفحة : 3465
باب أي الوالدين أحق بالولد من كتب عدة قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة بن زياد بن سعد عن هلال بن أبي ميمونة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ خير غلاما بين أبيه وأمه وما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خير غلاما بين أبويه. وعن عمارة الجرمي قال: خيرني علي رضي الله عنه بين أمي وعمي ثم قال لأخ لي أصغر مني: وهذا أيضا لو قد بلغ مبلغ هذا خيرته. وقال في الحديث: وكنت ابن سبع أو ثمان سنين. قال الشافعي فإذا استكمل سبع سنين ذكرا كان أو أنثى وهو يعقل عقل مثله خير. وقال في كتاب النكاح القديم: إذا بلغ سبعا أو ثمان سنين خير إذا كانت دارهما واحدة وكانا جميعا مأمونين على الولد فإن كان أحدهما غير مأمون فهو عند المأمون منهما حتى يبلغ وإذا افترق الأبوان وهما في قرية واحدة فالأم أحق بالولد ما لم تتزوج وعلى أبيه نفقته ولا يمنع من تأديبه ويخرج الغلام إلى الكتاب أو الصناعة إذا كان من أهلها ويأوي إلى أمه فإن اختار أباه لم يكن له منعه من أن يأتي أمه وتأتيه في الأيام وإن كانت جارية لم تمنع أمها من أن تأتيها ولا أعلم على أبيها إخراجها إليها إلا أن تمرض فيؤمر بإخراجها عائدة وإن ماتت البنت لم تمنع الأم من أن تليها حتى تدفن ولا تمنع في مرضها من أن تلي تمريضها في منزل أبيها وإن كان الولد مخبولا فهو كالصغير فالأم أحق به ولا يخير أبدا وإذا خير فاختار أحد الأبوين ثم اختار الآخر حول ولو منعت منه بالزوج فطلقها طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها رجعت على حقها في ولدها لأنها منعته بوجه فإذا ذهب فهي كما كانت فإن قيل: فكيف تعود إلى ما بطل بالنكاح. قيل: لو كان بطل ما كان لأمها أن تكون أحق بولدها من أبيهم وكان ينبغي إذا بطل عن الأم أن يبطل عن الجدة التي إنما حقها لحق الأم وقد قضى أبو بكر على عمر رضي الله عنهما بأن جدة ابنه أحق به منه فإن قيل فما حق الأم فيهم قيل: كحق الأب هما والدان يجدان بالولد فلما كان لا يعقل كانت الأم أولى به على أن لك حق للولد لا للأبوين لأن الأم أحنى عليه وأرق من الأب فإذا بلغ الغلام ولى نفسه إذا أونس رشده ولم يجبر على أن يكون عند أحدهما واختار له برهما وترك فراقهما وإذا بلغت الجارية كانت مع أحدهما حتى تزوج فتكون مع زوجها فإن أبت وكانت مأمونة سكنت حيث شاءت ما لم تر ريبة واختار لها أن لا تفارق أبويها. قال: وإذا اجتمع القرابة من النساء فتنازعن المولود فالأم أولى ثم أمها ثم أمهات أمها وإن بعدن ثم الجدة أم الأب ثم أمها ثم أمهاتها ثم الجدة أم الجد
صفحة : 3466
للأب ثم أمها ثم أمهاتها ثم الأخت للأب والأم ثم الأخت للأب ثم الأخت للأم ثم الخالة ثم العمة ولا ولاية لأم أبي الأم لأن قرابتها بأب لا بأم فقاربة الصبي من النساء أولى ولا حق لأحد مع الأب غير الأم وأمهاتها فأما أخواته وغيرهن فإنما حقوقهن بالأب فلا يكون لهن حق معه وهن يدلين به والجد أبو الأب يقوم مقام الأب إذا لم يكن أب أو كان غائبا أو غير رشيد وكذلك أبو أبي الأب وكذلك العصبة يقومون مقام الأب إذا لم يكن أقرب منهم مع الأم وغيرها من أمهاتها وإذا أراد الأب أن ينتقل عن البلد الذي نكح به المرأة كان بلده أو بلدها فسواء والقول قوله إذا قال أردت النقلة وهو أحق بالولد مرضعا كان أو كبيرا. وكذلك العصبة إلا أن تخرج الأم إلى ذلك البلد فتكون أولى ولا حق لمن لم تكمل فيه الحرية في ولد الحر وإذا كان ولد الحر مماليك فسيدهم أحق بهم وإذا كانوا من حرة وأبوهم مملوك فهي أحق بهم ولا يخيرون في وقت الخيار. باب نفقة المماليك قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن بكر أو بكير بن عبد الله - المزنى شك - عن عجلان أبي محمد عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق قال: فعلى مالك المملوك الذكر والأنثى البالغين إذا شغلهما في عمل له أن ينفق عليهما ويكسوهما بالمعروف وذلك نفقة رقيق بلدهما الشبع لأوساط الناس الذي تقوم به أبدانهم من أي الطعام كان قمحا أو شعيرا أو ذرة أو تمرا وكسوتهم كذلك مما يعرف أهل ذلك البلد أنه معروف صوف أو قطن أو كتان أي ذلك كان الأغلب بذلك البلد وكان لا يسمى مثله ضيقا بموضعه والجواري إذا كانت لهن فراهة وجمال فالمعروف أنهن يكسين أحسن من كسوة اللائي دونهن. وقال ابن عباس في المملوكين: أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون. قال الشافعي رحمه الله: هذا كلام مجمل يجوز أن يكون على الجواب فيسأل السائل عن مماليكه وإنما يأكل تمرا أو شعيرا ويلبس صوفا فقال: أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون والسائلون عرب ولبوس عامتهم وطعامهم خشن ومعاشهم ومعاش رقيقهم متقارب فأما من خالف معاش السلف فأكل رقيق الطعام ولبس جيد الثياب فلو آسى رقيقة كان أحسن وإن لم يفعل فله ما قال رسول الله ﷺ: نفقته وكسوته بالمعروف . فأما من لبس الوشي والمروي والخز وأكل النقي وألوان لحوم الدجاج فهذا ليس بالمعروف للمماليك وقال عليه السلام: إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليدعه
صفحة : 3467
فليجلسه معه فإن أبى فليروغ له لقمة فيناوله إياها أو كلمة هذا معناها فلما قال ﷺ: فليروغ له لقمة كان هذا عندنا - والله أعلم - على وجهين أولاهما بمعناه أن إجلاسه معه أفضل وإن لم يفعل فليس بواجب إذ قال النبي ﷺ وإلا فليروغ له لقمة لأن إجلاسه لو كان واجبا لم يجعل له أن يروغ له لقمة دون أن يجلسه معه أو يكون بالخيار بين أن يناوله أو يجلسه وقد يكون أمر اختيار غير الحتم وهذا يدل على ما وصفنا من بيان طعام المملوك وطعام سيده والمملوك الذي يلي طعام الرجل مخالف عندي للمملوك الذي لا يلي طعامه ينبغي أن يناوله مما يقرب إليه ولو لقمة فإن المعروف أن لا يكون يرى طعاما قد ولى العمل فيه ثم لا ينال منه شيئا يرد به شهوته وأقل ما يرد به شهوته لقمة وغيره من المماليك لم يله ولم يره والسنة خصت هذا من المماليك دون غيره وفي القرآن ما يدل على ما يوافق بعض معنى هذا. قال الله جل ثناؤه: وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ولم يقل يرزق مثلهم ممن لم يحضر وقيل ذلك في المواريث وغيرها من الغنائم وهذا أوسع وأحب إلي ويعطون ما طابت به نفس المعطي بلا توقيت ولا يحرمون ومعنى لا يكلف من العمل إلا ما يطيق يعني - والله أعلم - إلا ما يطيق الدوام عليه لا ما يطيق يوما أو يومين أو ثلاثة ونحو ذلك ثم يعجز وجملة ذلك ما لا يضر ببدنه الضرر البين وإن عمي أو زمن أنفق عليه مولاه وليس له أن يسترضع الأمة غير ولدها فيمنع منها ولدها إلا أن يكون فيها فضل عن ريه أو يكون ولدها يغتذي بالطعام فيقيم بدنه فلا بأس به وينفق على ولد أم ولده من غيره ويمنعه الإمام أن يجعل على أمته خراجا إلا أن يكون في عمل واجب وكذلك العبد إذا لم يطق الكسب. قال عثمان بن عفان رضي الله عنه في خطبته: لا تكلفوا الصغير الكسب فيسرق ولا الأمة غير ذات الصنعة فتكسب بفرجها . ID ' ' يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها
صفحة : 3468
صفة نفقة الدواب قال الشافعي رحمه الله: ولو كانت لرجل دابة في المصر أو شاة أو بعير علفه بما يقيمه فإن امتنع أخذه السلطان بعلفه أو بيعه فإن كان ببادية غنم أو إبل أو بقر أخذت على المرعى خلاها والرعي فإن أجدبت الأرض علفها أو ذبحها أو باعها ولا يحبسها فتموت هزلا إن لم يكن في الأرض متعلق وأجبر على ذلك إلا أن يكون فيها متعلق لأنها على ما في الأرض تتخذ وليست كالدواب التي لا ترعى والأرض مخصبة إلا رعيا ضعيفا ولا تقوم للجدب قيام الرواعي. قال: ولا تحلب أمهات النسل إلا فضلا عما يقيم أولادهن لا يحلبهن فيمتن هزلا. كتاب القتل باب تحريم القتل ومن يجب عليه القصاص ومن لا يجب قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم الآية. وقال تعالى: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق . وقال عليه السلام: لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس . قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تكافأ الدمان من الأحرار المسلمين أو العبيد المسلمين أو الأحرار من المعاهدين أو العبيد منهم قتل من كل صنف مكافىء دمه منهم الذكر إذا قتل بالذكر وبالأنثى والأنثى إذا قتلت بالأنثى وبالذكر ولا يقتل مؤمن بكافر لقول النبي ﷺ: لا يقتل مؤمن بكافر وإنه لا خلاف أنه لا يقتل بالمستأمن وهو في التحريم مثل المعاهد. قال المزني رحمه الله: فإذا لم يقتل بأحد الكافرين المحرمين لم يقتل بالآخر. قال الشافعي رحمه الله: قال قائل عن النبي ﷺ لا يقتل مؤمن بكافر حربي فهل من بيان في مثل هذا يثبت قلت: نعم قول النبي ﷺ: لا يرث المؤمن الكافر ولا الكافر المؤمن . فهل تزعم أنه أراد أهل الحرب لأن دماءهم وأموالهم حلال قال: لا ولكنها على جميع الكافرين لأن اسم الكفر يلزمهم. قلنا: وكذلك لا يقتل مؤمن بكافر لأن اسم الكفر يلزمهم فما الفرق. قال قائل روينا حديث ابن السلماني قلنا منقطع وخطأ إنما روي فيما بلغنا أن عمرو بن أمية قتل كافرا كان له عهد إلى مدة وكان المقتول رسولا فقتله النبي ﷺ به فلو كان ثابتا كنت قد خالفته وكان منسوخا لأنه قتل قبل الفتح بزمان وخطبة رسول الله ﷺ: لا يقتل مؤمن بكافر عام الفتح وهو خطأ لأن عمرو بن أمية عاش بعد النبي صلى الله
صفحة : 3469
عليه وسلم دهرا وأنت تأخذ العلم ممن بعد ليس لك به معرفة أصحابنا. قال: ولا يقتل حر بعبد وفيه قيمته وإن بلغت ديات. قال المزني رحمه الله تعالى: وفي إجماعهم أن يده لا تقطع بيد العبد قضاء على أن الحر لا يقتل بالعبد فإذا منع أن يقتص من يده وهي أقل لفضل الحرية على العبودية كانت النفس أعظم وهي أن تقص بنفس العبد أبعد. قال الشافعي رحمه الله: ولا يقتل والد بولد لأنه إجماع ولا جد من قبل أم ولا أب بولد ولد وإن بعد لأنه والد. قال المزني رحمه الله: هذا يؤكد ميراث الجد لأن الأخ يقتل بأخيه ولا يقتل الجد بابن ابنه ويملك الأخ أخاه في قوله ولا يملك جده وفي هذا دليل على أن الجد كالأب في حجب الإخوة وليس كالأخ. قال: ويقتل العبد والكافر بالحر المسلم والولد بالوالد ومن جرى عليه القصاص في النفس جرى عليه القصاص في الجراح ويقتل العدد بالواحد واحتج بأن عمر رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة برجل قتلوه غيلة وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا. قال الشافعي رحمه الله: ولو جرحه أحدهما مائة جرح والآخر جرحا واحدا فمات كانوا في القود سواء ويجرحون بالجرح الواحد إذا كان جرحهم إياه معا لا يتجزأ ولا يقتص إلا من بالغ وهو من احتلم من الذكور أو حاض من النساء أو بلغ أيهما كان خمس عشرة سنه. ID ' ' هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة
صفحة : 3470
صفة القتل العمد وجراح العمد التي فيها قصاص وغير ذلك قال الشافعي رحمه الله: وإذا عمد رجل بسيف أو خنجر أو سنان رمح أو ما يشق بحده إذا ضرب أو رمى به الجلد واللحم دون المقتل فجرحه جرحا كبيرا أو صغيرا فمات منه فعليه القود وإن شدخه بحجر أو تابع عليه الخنق أو والى عليه بالسوط حتى يموت أو طين عليه بيتا بغير طعام ولا شراب مدة الأغلب أنه يموت من مثله أو ضربه بسوط في شدة برد أو حر ونحو ذلك مما الأغلب أنه يموت منه فمات فعليه القود. قال: ولو قطع مريئه وحلقومه أو قطع حشوته فأبانها من جوفه أو صيره في حال المذبوح ثم ضرب عنقه آخر فالأول قاتل دون الآخر ولو أجافه أو خرق أمعاءه ما لم يقطع حشوته فيبينها منه ثم ضرب آخر عنقه فالأول جارح والآخر قاتل. قد جرح معى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في موضعين وعاش ثلاثا فلو قتله أحد في تلك الحال كان قاتلا وبرىء الذي جرحه من القتل ولو جرحه جراحات فلم يمت حتى عاد إليه فذبحه صار والجراح نفسا ولو برأت الجراحات ثم عاد فقتله كان عليه ما على الجارح منفردا وما على القاتل منفردا. قال: ولو تداوى المجروح بسم فمات أو خاط الجرح في لحم حي فمات فعلى الجاني نصف الدية لأنه مات من فعلين وإن كانت الخياطة في لحم ميت فالدية على الجاني ولو قطع يد نصراني فأسلم ثم مات لم يكن قود لأن الجناية كانت وهو ممن لا قود فيه وعليه دية مسلم ولا يشبه المرتد لأن قطعه مباح كالحد والنصراني يده ممنوعة ولو أرسل سهما فلم يقع على نصراني حتى أسلم أو على عبد فلم يقع حتى أعتق لم يكن عليه قصاص لأن تخلية السهم كانت ولا قصاص وفيه دية حر مسلم والكفارة وكذلك المرتد يسلم قبل وقوع السهم لتحول الحال قبل وقوع الرمية ولو جرحه مسلما فارتد ثم أسلم ثم مات فالدية والكفارة ولا قود للحال الحادثة ولو مات مرتدا كان لوليه المسلم أن يقتص بالجرح. قال المزني: القياس عندي على أصل قوله أن لا ولاية لمسلم على مرتد كما لا وراثة له منه وكما أن ماله للمسلمين فكذلك الولي في القصاص من جرحه ولي المسلمين. قال الشافعي رحمه الله: ولو فقأ عيني عبد قيمته مائتان من الإبل فأعتق فمات لم يكن فيه إلا دية لأن الجناية تنقص بموته حرا وكانت الدية لسيده دون ورثته. قال المزني رحمه الله: القياس عندي أن السيد قد ملك قيمة العبد وهو عبد فلا ينقص ما وجب له بالعتق. قال الشافعي رحمه الله: ولو قطع يد عبد وأعتق ثم مات فلا قود إذا كان الجاني حرا مسلما أو نصرانيا حرا أو مستأمنا حرا وعلى الحر الدية كاملة في
صفحة : 3471
ماله للسيد منها نصف قيمته يوم قطعه والباقي لورثته ولو قطع ثان بعد الحرية رجله وثالث بعدهما يده فمات فعليهم دية حر والذي للسيد من الدية قولان أحدهما: أن له الأقل من ثلث الدية ونصف قيمته عبدا ولا يجعل له أكثر من نصف قيمته عبدا ولو كان لا يبلغ إلا بعيرا لأنه لم يكن في ملكه جناية غيرها ولا يجاوز به ثلث دية حر ولو كان نصف قيمته من بعير من أجل أنها تنقص بالموت. والقول الثاني: أن لسيده الأقل من ثلث قيمته عبدا أو ثلث ديته حرا لأنه مات من جناية ثالثة. قال المزني رحمه الله: وقد قطع في موضع آخر أنه لو جرحه ما الحكومة فيه إليه ولزمه بالجزية ومن شركة عشر من الإبل لم يأخذ السيد إلا البعير الذي وجب بالجرح وهو عليه. قال المزني رحمه الله: فهذا أقيس بقوله وأولى عندي بأصله وإن لم يزده على بعير لأنه وجب بالجرح وهو عبده ففي القياس أن لا ينقصه وإن جاوز عقل حر لأنه وجب له بالجرح وهو عبد. قال الشافعي رحمه الله: وعلى المتغلب باللصوصية والمأمور القود إذا كان قاهرا للمأمور وعلى السيد القود إذا أمر عبده صبيا أو أعجميا لا يعقل بقتل رجل فقتله فإن كان لعبد يعقل فعلى العبد القود ولو كانا لغيره فكانا يميزان بينه وبين سيدهما فهما قاتلان وإن كانا لا يميزان فالآمر القاتل وعليه القود ولو قتل مرتد نصرانيا ثم رجع ففيها قولان أحدهما: أن عليه القود وهو أولاهما لأنه قتل وليس بمسلم. والثاني: أن لا قود عليه لأنه لا يقر على دينه. قال المزني رحمه الله: قد أبان أن الأول أولاهما فالأولى أحق بالصواب وقد دل قوله في رفع القود عنه لأنه لا يقر على دينه على أنه لو كان القاتل نصرانيا يقر على دينه لكان القود عليه وإن أسلم. قال المزني رحمه الله: فإذا كان النصراني الذي يقر على دينه الحرام الدم إذا أسلم يقتل بالنصراني فالمباح الدم بالردة أحق أن يقاد بالنصراني وإن أسلم في قياس قوله. قال الشافعي رحمه الله: ويقتل الذابح دون الممسك كما يحد الزاني دون الممسك ولو ضربه بما الأغلب أنه يقطع عضوا أو يوضح رأسا فعليه القود ولو عمد عينه بأصبعه ففقأها اقتص منه لأن الأصبع يأتي منها على ما يأتي به السلاح من النفس وإن لم تنفقىء واعتلت حتى ذهب بصرها أو انتجفت ففيها القصاص وإن كان الجاني مغلوبا على عقله فلا قصاص عليه إلا السكران فإنه كالصحيح ولو قطع رجل ذكر خنثى مشكل وأنثييه وشفريه عمدا قيل إن شئت وقفناك فإن بنت ذكرا أقدناك في الذكر والأنثيين وجعلنا لك حكومة في الشفرين وإن بنت أنثى فلا قود لك وجعلنا لك دية امرأة في الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين. قال المزني رحمه الله: بقية هذه المسألة في معناه أن
صفحة : 3472
يقال له وإن لم تشأ أن تقف حتى يتبين أمرك وعفوت عن القصاص وبرأت فلك دية شفري امرأة وحكومة في الذكر والأنثيين لأنه الأقل وإن قلت لا أعفو ولا أقف قيل لا يجوز أن يقص مما لا يدري أي القصاص لك فلا بد لك من أحد الأمرين على ما وصفنا. باب الخيار في القصاص قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: ثم أنتم يا بني خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل قتيلا بعده فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل . قال الشافعي رحمه الله: ولم يختلفوا في أن العقل يورث كالمال وإذا كان هكذا فكل وارث ولي زوجة أو ابنة لا يخرج أحد منهم من ولاية الدم ولا يقتل إلا باجتماعهم وحبس القاتل حتى يحضر الغائب ويبلغ الطفل وإن كان فيهم معتوه فحتى يفيق أو يموت فيقوم وارثه مقامه وأيهم عفا عن القصاص كان على حقه من الدية وإن عفا على غير مال كان الباقون على حقوقهم من الدية فإن عفوا جميعا وعفا المفلس يجني عليه أو على عبده القصاص جاز ذلك لهم ولم يكن لأهل الدين والوصايا منعهم لأن المال لا يملك بالعمد إلا بمشيئة المجني عليه إن كان حيا وبمشيئة الورثة إن كان ميتا. قال المزني رحمه الله: ليس يشبه هذا الاعتلال أصله لأنه احتج في أن العفو يوجب الدية بأن الله تعالى لما قال: فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان لم يجز أن يقال عفا إن صولح على مال لأن العفو ترك بلا عوض فلم يجز إذا عفا عن القتل الذي هو أعظم الأمرين إلا أن يكون له مال في مال القاتل أحب أو كره ولو كان إذا عفا لم يكن له شيء لم يكن للعافي ما يتبعه بمعروف ولا على القاتل ما يؤديه بإحسان. قال المزني رحمه الله: فهذا مال بلا مشيئة أو لا تراه يقول إن عفو المحجور جائز لأنه زيادة في ماله وعفوه المال لا يجوز لأنه نقص في ماله وهذا مال بغير مشيئة فأقرب إلى وجه ما قال عندي في العفو الذي ليس لأهل الدين منعه منه هو أن يبرئه من القصاص ويقول بغير مال فيسقطان وبالله التوفيق. قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا . قال: وإذا خلى الحاكم الولي وقتل القاتل فينبغي له أن يأمر من ينظر إلى سيفه فإن كان صارما وإلا أمره بصارم لئلا يعذبه ثم يدعه وضرب عنقه وإن ضربه بما لا يخطىء بمثله من قطع رجل
صفحة : 3473
أو وسط عزر وإن كان مما يلي العنق من رأسه أو كتفه فلا عقوبة عليه وأجبره الحاكم على أن يأمر من يحسن ضرب العنق ليوجئه. قال: ولو أذن لرجل فتنحى به فعفاه الولي فقتله قبل أن يعلم ففيها قولان أحدهما: أن ليس له على القاتل شيء إلا أن يحلف بالله ما علمه عفا ولا على العافي. والثاني: أن ليس على القاتل قود لأنه قتله على أنه مباح وعليه الدية والكفارة ولا يرجع بها على الولي لأنه متطوع وهذا أشبههما. قال المزني رحمه الله: فالأشبه أولى به. قال الشافعي رحمه الله: ولا تقتل الحامل حتى تضع فإن لم يكن لولدها مرضع فأحب إلي أن لو تركت بطيب نفس الولي حتى يوجد له مرضع فإن لم يفعل قتلت. قال المزني رحمه الله: إذا لم يوجد للمولود ما يحيا به لم يحل عندي قتله بقتل أمه حتى يوجد ما يحيا به فتقتل. قال الشافعي رحمه الله: ولو عجل الإمام فاقتص منها حاملا فعليه المأثم فإن ألقت جنينا ضمنه الإمام على عاقلته دون المقتص. قال المزني رحمه الله: بل على الولي لأنه اقتص لنفسه مختارا فجنى على من لا قصاص له عليه فهو بغرم ما أتلف أولى من إمام حكم له بحقه فأخذه وما ليس له. قال الشافعي رحمه الله: ولو قتل نفرا قتل للأول وكانت الديات لمن بقي في ماله فإن خفي الأول منهم أقرع بينهم فأيهم قتل أولا قتل به وأعطى الباقون الديات من ماله ولو قطع يد رجل وقتل آخر قطعت يده باليد وقتل بالنفس. قال المزني رحمه الله: فإن مات المقطوعة يده الأول بعد أن اقتص من اليد فقياس قول الشافعي عندي أن لوليه أن يرجع بنصف الدية في مال قاطعه لأن المقطوع قد استوفى قبل موته ما فيه نصف الدية باقتصاصه به قاطعه. قال الشافعي رحمه الله: ولو قتله عمدا ومعه صبي أو معتوه أو حر وعبد قتلا عبدا أو مسلم ونصراني قتلا نصرانيا أو قتل ابنه ومعه أجنبي فعلى الذي عليه القصاص القصاص وعلى الآخر نصف الدية في ماله وعقوبة إن كان الضرب عمدا. قال المزني رحمه الله: وشبه الشافعي أخذ القود من البالغ عون الصبي بالقاتلين عمدا يعفو الولي عن أحدهما إن له قتل الآخر فإن قيل: وجب عليهما القود فزال عن أحدهما بإزالة الولي قيل فإذا أزاله الولي عنه أزاله عن الآخر فإن قال: لا قيل: فعلهما واحد فقد حكمت لكل واحد منها بحكم نفسه لا بحكم غيره. قال: فإن شركه قاتل خطأ فعلى العامد نصف الدية في ماله وجناية المخطىء على عاقلته واحتج على محمد بن الحسن في منع القود من العامد إذا شاركه صبي أو مجنون فقال: إن كنت رفعت عنه القود لأن القلم عنهما مرفوع وإن عمدهما خطأ على عاقلتهما فهلا أقدت من الأجنبي إذا قتل عمدا مع الأب لأن القلم
صفحة : 3474
عن الأب ليس بمرفوع وهذا ترك أصلك. قال المزني رحمه الله: قد شرك الشافعي رحمه الله محمد بن الحسن فيما أنكر عليه في هذه المسألة لأن رفع القصاص عن الخاطىء والمجنون والصبي واحد فكذلك حكم من شاركهم بالعمد واحد. قال الشافعي رحمه الله: ولو قتل أحد الوليين القاتل بغير أمر صاحبه ففيها قولان أحدهما: أن لا قصاص بحال للشبهة قال الله تعالى: فقد جعلنا لوليه سلطانا يحتمل أي ولي قتل كان أحق بالقتل وهو مذهب أكثر أهل المدينة ينزلونه منزلة الحد لهم عن أبيهم إن عفوا إلا واحدا كان له أن يحده. قال الشافعي رحمه الله: وإن كان ممن لا يجهل عزر وقيل للولاة معه لكم حصصكم والقول من أين يأخذونها واحد من قولين أحدهما: أنها لهم من مال القاتل يرجع بها ورثة القاتل في مال قاتله ومن قال هذا قال فإن عفوا عن القاتل الدية رجع ورثة قاتل المقتول على قاتل صاحبهم بحصة الورثة معه من الدية والقول الثاني: في حصصهم أنها لهم في مال أخيهم القاتل قاتل أبيهم لأن الدية إنما كانت تلزمه لو كان لم يقتله ولي فإذا قتله ولي فلا يجتمع عليه القتل والغرم. والقول الثاني: أن على من قتل من الأولياء قاتل أبيه القصاص حتى يجتمعوا على القتل. قال المزني رحمه الله: وأصل قوله أن القاتل لو مات كانت الدية في ماله. قال المزني رحمه الله: وليس تعدي أخيه بمبطل حقه ولا بمزيله عمن هو عليه ولا قود للشبهة. قال الشافعي رحمه الله: ولو قطع يده من مفصل الكوع فلم يبرأ حتى قطعها آخر من المرفق ثم مات فعليهما القود يقطع قاطع الكف من الكوع ويد الآخر من المرفق ثم يقتلان لأن ألم القطع الأول واصل إلى الجسد كله. قال الشافعي وإذا تشاح الولاة قيل لهم: لا يقتله إلا واحد منكم فإن سلمتم لواحد أو لأجنبي جاز وقتله وإن تشاححتم أقرعنا بينكم فأيكم خرجت قرعته خليناه وقتله ويضرب بأصرم سيف وأشد ضرب. ID ' ' للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى.
صفحة : 3475
باب القصاص بغير السيف قال الشافعي رحمه الله: وإن طرحه في نار حتى يموت طرح في النار حتى يموت وإن ضربه بحجر فلم يقلع عنه حتى مات أعطى وليه حجرا مثله فقتله به. وقال بعض أصحابنا: إن لم يمت من عدد الضرب قتل بالسيف. قال المزني: هكذا قال الشافعي رحمه الله في المحبوس بلا طعام ولا شراب حتى مات إنه يحبس فإن لم يمت في تلك المدة قتل بالسيف وكذا قال لو غرقه في الماء وكذلك يلقيه في مهواة في البعد أو مثل سدة الأرض وكذا عدد الضرب بالصخرة فإن مات وإلا ضربت عنقه فالقياس على ما مضى في أول الباب أن يمنعه الطعام والشراب حتى يموت كما قال في النار والحجر والخنق بالحبل حتى يموت إذا كان ما صنع به من المتلف الوحي. قال الشافعي ولو قطع يديه ورجليه فمات فعل به الولي ما فعل بصاحبه فإن مات وإلا قتل بالسيف ولو كان أجافه أو قطع ذراعه فمات كان لوليه أن يفعل ذلك به على أن يقتله فأما على أن لا يقتله فلا يترك وإياه. وقال في موضع آخر: فيها قولان أحدهما: هذا والآخر: لا نقصه من ذلك بحال لعله إذا فعل ذلك به أن يدع قتله فيكون قد عذبه بما ليس في مثله قصاص. قال المزني رحمه الله: قد أبى أن يوالي عليه بالجوائف كما والى عليه بالنار والحجر والخنق بمثل ذلك الحبل حتى يموت ففرق بين ذلك والقياس عندي على معناه أن يوالي عليه بالجوائف إذا والى بها عليه حتى يموت كما يوالي عليه بالحجر والنار والخنق حتى يموت. قال المزني: أولاهما بالحق عندي فيما كان في ذلك من جراح أن كل ما كان فيه القصاص لو برىء أقصصته منه فإن مات وإلا قتلته بالسيف وما لا قصاص في مثله لم أقصه منه وقتلته بالسيف قياسا على ما قال في أحد قوليه في الجائفة وقطع الذراع أنه لا يقصه منهما بحال ويقتله بالسيف. ID ' ' هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى:
صفحة : 3476
باب القصاص في الشجاج والجراح والأسنان ومن به نقص أو شلل أو غير ذلك قال الشافعي رحمه الله تعالى: والقصاص دون النفس شيئان جرح يشق وطرف يقطع فإذا شجه موضحة فبرىء حلق موضعها من رأس الشاج ثم شق بحديدة قدر عرضها وطولها فإن أخذت رأس الشاج كله وبقي شيء منه أخذ منه أرشه وكذا كل جرح يقتص منه ولو جرحه فلم يوضحه أقص منه بقدر ما شق من الموضحة فإن أشكل لم أقد إلا مما استيقن. وتقطع اليد باليد والرجل بالرجل من المفاصل والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن كان القاطع أفضل طرفا أو أدنى ما لم يكن نقص أو شلل فإن كان قاطع اليد ناقصا أصبعا قطعت يده وأخذ منه أرش أصبع وإن كانت شلاء فله الخيار إن شاء اقتص بأن يأخذ أقل من حقه وإن شاء أخذ دية اليد وإن كان المقطوع أشل لم يكن له القود فيأخذ أكثر وله حكومة يد شلاء وإن قطع أصبعه فتأكلت ذهبت كفه أقيد من الأصبع وأخذ أرش يده إلا إصبعا ولم ينتظر به أن يراقى إلى مثل جنايته أولا. قال: ولو سأل القود ساعة قطع إصبعه أقدته فإن ذهبت كف المجني عليه جعلت على الجاني أربعة أخماس ديتها ولو كان مات منها قتلته به لأن الجاني ضامن لما حدث من جنايته والمستقاد منه غير مضمون له ما حدث من القود بسبب الحق. قال المزني: وسمعت الشافعي رحمه الله يقول: لو شجه موضحة فذهبت منها عيناه وشعره فلم ينبت ثم برىء أقص من الموضحة فإن ذهبت عيناه ولم ينبت شعره فقد استوفى حقه وإن لم تذهب عيناه ونبت شعره زدنا عليه الدية وفي الشعر حكومة ولا أبلغ بشعر رأسه ولا بشعر لحيته دية. قال المزني رحمه الله: هذا أشبه بقوله عندي قياسا على قوله إذا قطع يده فمات عنها أنه يقطع فإن مات منها فقد استوفى حقه فكذلك إذا شجه مقتصا فذهبت منها عيناه وشعره فقد أخذ حقه غير أني أقول: إن لم ينبت شعره فعليه حكومة الشعر ما خلا موضع الموضحة فإنه داخل في الموضحة فلا نغرمه مرتين. قال الشافعي رحمه الله: ولو أصابته من جرح يده أكلة فقطعت الكف لئلا تمشي الأكلة في جسده لم يضمن الجاني من قطع الكف شيئا فإن مات من ذلك فنصف الدية على الجاني ويسقط نصفها لأنه جنى على نفسه ولو كان في يد المقطوع أصبعان شلاوان لم تقطع يد الجاني ولو رضي فإن سأل المقطوع أن يقطع له أصبع القاطع الثالث ويؤخذ له أرش الأصبعين والحكومة في الكف كان ذلك له ولا أبلغ بحكومة كفه دية أصبع
صفحة : 3477
لأنها تبع للأصابع وكلها مستوية ولا يكون أرشها كواحدة منها ولو كان القاطع مقطوع الأصبعين قطعت له كفه وأخذت للمقطوعة يده أرش إصبعين تامتين ولو كان للقاطع ست أصابع لم تقطع لزيادة الإصبع ولو كان الذي له خمس أصابع هو القاطع كان للمقطوع قطع يده وحكومة الأصبع الزائدة ولا أبلغ بها أرش إصبع ولو قطع له أنملة لها طرفان فله القود من إصبعه وزيادة حكومة وإن كان للقاطع مثلها أقيد بها ولا حكومة فإن كان للقاطع طرفان وللمقطوع واحد فلا قود لأنها أكثر. قال: ولو قطع أنمل طرف ومن آخر الوسطى من إصبع واحد فإن جاء الأول قبل اقتص له ثم الوسطى وإن جاء صاحب الوسطى قيل لا قصاص لك إلا بعد الطرف ولك الدية. قال: ولا أقيد بيمنى يسرى ولا بيسرى يمنى. قال: ولو قلع سنه أو قطع أذنه ثم إن المقطوع ذلك منه ألصقه بدمه وسأل القود فله ذلك لأنه وجب له بإبانته وكذلك الجاني لا يقطع ثانية إذا أقيد منه مرة إلا بأن يقطع لأنها ميتة. قال: ويقاد بذكر رجل شيخ وخصي وصبي والذي لا يأتي النساء كان الذكر ينتشر أو لا ينتشر ما لم يكن به شلل يمنعه من أن ينقبض أو ينبسط وبأنثي الخصى لأن كل ذلك طرف وإن قدر على أن يقاد من إحدى أنثي رجل بلا ذهاب الأخرى أقيد منه وإن قطعهما ففيهما القصاص أو الدية تامة فإن قال الجاني: جنيت عليه وهو موجوء وقال المجني عليه: بل صحيح فالقول قول المجني عليه مع يمينه لأنه هذا يغيب عن أبصار الناس ولا يجوز كشفه لهم. وقال: ويقاد أنف الصحيح بأنف الأخرم ما لم يسقط أنفه أو شيء منه وأذن الصحيح بأذن الأصم وإن قلع سن من قد أثغر قلع سنه فإن كان المقلوع سنه لم يثغر فلا قود حتى يثغر فيتتام طرحة أسنانه ونباتها فإن لم ينبت سنه وقال أهل العلم به لا ينبت أقدناه ولو قلع له سنا زائدة ففيها حكومة إلا أن يكون للقالع مثلها فيقاد منه ومن اقتص حقه بغير سلطان عزر ولا شيء عليه. ولو قال المقتص: أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها وقال: عمدت وأنا عالم فلا عقل ولا قصاص فإذا برأ اقتص من يمينه وإن قال: لم أسمع أو رأيت أن القصاص بها يسقط عن يميني لزم المقتص دية اليد لو كان ذلك في سرقة لم يقطع يمينه ولا يشبه الحد حقوق العباد ولو قال الجاني مات من قطع اليدين والرجلين وقال الولي: مات من غيرهما فالقول قول الولي. قال: ويحضر الإمام القصاص عدلين عاقلين حتى لا يقاد إلا بحديدة حادة مسقاة ويتفقد حديده لئلا يسم فيقتل فيقطع من حيث قطع بأيسر ما يكون به القطع ويرزق من يقيم الحدود ويأخذ القصاص من سهم النبي ﷺ من الخمس كما يرزق الحكام فإن لم يفعل
صفحة : 3478
فعلى المقتص منه الأجر كما عليه أجر الكيال والوزان فيما يلزمه. باب عفو المجني عليه ثم يموت وغير ذلك قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو قال المجني عليه عمدا قد عفوت عن جنايته من قود وعقل ثم صح جاز فيما لزمه بالجناية ولم يجز فيما لزمه من الزيادة لأنها لم تكن وجبت حين عفا ولو قال: قد عفوت عنها وما يحدث منها من عقل وقود ثم مات منها فلا سبيل إلى القود للعفو ونظر إلى أرش الجناية فكان فيها قولان أحدهما: أنه جائز العفو عنه من ثلث مال العافي كأنها موضحة فهي نصف العشر ويؤخذ بباقي الدية. والقول الثاني: أن يؤخذ بجميع الجناية لأنها صارت نفسا وهذا قاتل لا يجوز له وصية بحال. قال المزني رحمه الله: هذا أولى بقوله لأن كل ذلك وصية لقاتل فلما بطل بعضها بطل جميعها ولأنه قطع بأنه لو عفا والقاتل عبد جاز العفو من ثلث الميت. قال: وإنما أجزنا ذلك لأنه وصية لسيد العبد مع أهل الوصايا ولأنه قال في قتل الخطأ لو عفا عن أرش الجناية جاز عفوه لأنها وصية لغير قاتل. قال الشافعي رحمه الله: ولو كان القاتل خطأ ذميا لا يجري على عاقلته الحكم أو مسلما أقر بحناية خطأ فالدية في أموالهم والعفو باطل لأنه وصية للقاتل ولو كان لهما عاقلة لم يكن عفوا عن العاقلة إلا أن يريد بقوله: عفوت عنه أرش الجناية أو ما يلزم من أرش الجناية قد عفوت ذلك عن عاقلته فيجوز ذلك لها. قال المزني رحمه الله: قد أثبت أنها وصية وأنها باطلة لقاتل. قال الشافعي رحمه الله: ولو جنى عبد على حر فابتاعه بأرش الجرح فهو عفو ولم يجز البيع إلا أن يعلما أرش الجرح لأن الاثمان لا تجوز إلا معلومة فإن أصاب به عيبا رده وكان له في عنقه أرش جنايته. ID ' ' (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل ولا يكاد يقدر عليه. وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه
صفحة : 3479
باب أسنان الإبل المغلظة والعمد وكيف يشبه العمد الخطأ قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: ألا إن في قتل العمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها . قال الشافعي رحمه الله: فهذا خطأ في القتل وإن كان عمدا في الضرب واحتج بعمر بن الخطاب وعطاء رضي الله عنهما أنهما قالا: في تغليظ الإبل أربعون خلفة وثلاثون حقة وثلاثون جذعة. قال الشافعي رحمه الله: والخلفة الحامل وقل ما تحمل الأثنية فصاعدا فأية ناقة من إبل العاقلة حملت فهي خلفة تجزىء في الدية ما لم تكن معيبة وكذلك لو ضربه بعمود خفيف أو بحجر لا يشدخ أو بحد سيف لم يجرح أو ألقاه في بحر قرب البر وهو يحسن العوم أو ماء الأغلب أنه لا يموت من مثله فمات فلا قود وفيه الدية على العاقلة وكذلك الجراح وكذلك التغليظ في النفس والجراح في الشهر الحرام والبلد الحرام وذي الرحم. وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قضى في دية امرأة وطئت بمكة بدية وثلث. قال: وهكذا أسنان دية العمد حالة في ماله إذا زال عنه القصاص. قال المزني رحمه الله: إذا كانت المغلظة أعلى سنا من سن الخطأ للتغليظ فالعامد أحق بالتغليظ إذا صارت عليه وبالله التوفيق. ID ' ' الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.
صفحة : 3480
باب أسنان الخطأ وتقويمها وديات النفوس والجراح وغيرها قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله فأبان على لسان نبيه ﷺ أن الدية مائة من الإبل. وروي عن سليمان بن يسار قال: إنهم كانوا يقولون دية الخطأ مائة من الإبل عشرون ابنة مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة. قال الشافعي رحمه الله: فبهذا نأخذ ولا يكلف أحد من العاقلة غير إبله ولا يقبل منه دونها فإن لم يكن لبلده إبل كلف إلى أقرب البلدان إليه فإن كانت إبل العاقلة مختلفة أدى كل رجل منهم من إبله فإن كانت عجافا أو جربا قيل: إن أديت صحاحا جبر على قبولها فإن أعوزت الإبل فقيمتها دنانير أو دراهم كما قومها عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: والعلم محيط بأنه لم يقومها إلا قيمة يومها فإذا قومها كذلك فاتباعه أن تقوم متى وجبت ولعله أن لا يكون قومها إلا في حين وبلد أعوزت فيه. أو يتراضى الجاني والولي فيدل على تقويمه للإعواز قوله: لا يكلم أعرابي الذهب ولا الورق لأنه يجد الإبل وأخذه ذلك من القروي لإعواز الإبل فيما أرى والله أعلم. ولو جاز أن يقوم بغير الدراهم والدنانير جعلنا على أهل الخيل الخيل وعلى أهل الطعام الطعام. قال المزني رحمه الله: وقوله القديم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم ورجوعه عن القديم رغبة عنه إلى الجديد وهو بالسنة أشبه. قال الشافعي رحمه الله: وفي الموضحة خمس من الإبل وهي التي تبرز العظم حتى يقرع بالمرود لأنها على الأسماء صغرت أو كبرت شانت أو لم تشن ولو كان وسطها ما لم ينخرق فهي موضحتان فإن قال: شققتها من رأسي وقال الجاني: بل تأكلت من جنايتي فالقول قول المجني عليه مع يمينه لأنهما وجبتا له فلا يبطلهما إلا إقراره أو بينة عليه. وقال: في الهاشمة عشر من الإبل وهي التي توضح وتهشم وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وهي التي تكسر عظم الرأس حتى يتشظى فينقل من عظامه ليلتئم وذلك كله في الرأس والوجه واللحي الأسفل وفي المأمومة ثلث النفس وهي التي تخرق إلى جلد الدماغ ولم أعلم رسول الله ﷺ حكم فيما دون الموضحة بشيء ففيما دونها حكومة لا يبلغ بها قدر موضحة وإن كان الشين أكثر. وفي كل جرح ما عدا الرأس والوجه حكومة إلا الجائفة ففيها ثلث النفس وهي التي تخرق إلى الجوف من بطن أو ظهر صدر أو ثغرة نحر فهي جائفة وفي الأذنين الدية وفي السمع الدية ويتغفل ويصاح به فإن أجاب
صفحة : 3481
عرف أنه يسمع ولم يقبل منه قوله وإن لم يجب عند غفلاته ولم يفزع إذا صيح به حلف لقد ذهب سمعه وأخذ الدية وفي ذهاب العقل الدية وفي العينين الدية وفي ذهاب بصرهما الدية فإن نقصت إحداهما عن الأخرى اختبرته بأن أعصب عينه العليلة وأطلق الصحيحة وأنصب له شخصا على ربوة أو مستوى فإذا أثبته بعدته حتى ينتهي بصرها ثم أذرع بينهما وأعطيه على قدر ما نقصت عن الصحيحة ولو قال: جنيت عليه وهو ذاهب البصر فعلى المجني عليه البينة أنه كان يبصر ويسعها أن تشهد إذا رأته يتبع الشخص بصره ويطرف عنه ويتوقاه وكذلك المعرفة بانبساط اليد والذكر وانقباضهما وكذلك المعتوه والصبي ومتى علم أنه صحيح فهو على الصحة حتى يعلم غيرها. قال: وفي الجفون إذا استؤصلت الدية وفي كل واحد منهما ربع الدية لأن ذلك من تمام خلقته وما يألم بقطعه وفي الأنف إذا أوعب مارنه جدعا الدية وفي ذهاب الشم الدية. قال الشافعي رحمه الله: وفي الشفتين الدية إذا استوعبتا وفي كل واحدة منهما نصف الدية وفي اللسان الدية وإن خرس ففيه الدية وإن ذهب بعض كلامه اعتبر عليه بحروف المعجم ثم كان ما ذهب من عدد الحروف بحسابه وإن قطع ربع اللسان فذهب بأقل من ربع الكلام فربع الدية وإن ذهب نصف الكلام فنصف الدية وفي لسان الصبي إذا حركه ببكاء أو بشيء يغير اللسان الدية وفي لسان الأخرس حكومة فإن قال: لم أكن أبكم فالقول قول الجاني مع يمينه فإن علم أنه ناطق فهو ناطق حتى يعلم خلاف ذلك. قال: وفي السن خمس من الإبل إذا كان قد أثغر فإن لم يثغر انتظر به فإن لم تنبت تم عقلها وإن نبتت فلا عقل لها والضرس سن وإن سمي ضرسا كما أن الثنية سن وإن سميت ثنية وكما أن اسم الإبهام غير اسم الخنصر وكلاهما إصبع وعقل كل إصبع سواء فإن نبتت سن رجل قلعت بعد أخذه أرشها قال في موضع: يرد ما أخذ وقال في موضع آخر: لا يرد شيئا. قال المزني رحمه الله: هذا أقيس في معناه عندي لأنه لم ينتظر بسن الرجل كما انتظر بسن من لم يثغر هل تنبت أم لا فدل ذلك عندي من قوله إن عقلها أو القود منها قد تم ولولا ذلك لا تنظر كما انتظر بسن من لم يثغر وقياسا على قوله ولو قطع لسانه فأخذ أرشه ثم نبت صحيحا لم يرد شيئا ولو قطعه آخر ففيه الأرش تاما ومن أصل قوله أن الحكم على الأسماء. قال المزني: وكذلك السن في القياس نبتت أو لم تنبت سواء إلا أن تكون في الصغير إذا نبتت لم يكن لها عقل أصلا فيترك له القياس. قال الشافعي رحمه الله: والأسنان العليا في عظم الرأس والسفلى في اللحيين ملتصقتين ففي
صفحة : 3482
اللحيين الدية وفي كل سن من أسنانها خمس من الإبل ولو ضربها فاسودت ففيها حكومة. وقال: في كتاب عقولها تم عقلها. قال المزني رحمه الله: الحكومة أولى لأن منفعتها بالقطع والمضغ ورد الريق وسد موضعها قائمة كما لو اسود بياض العين لم يكن فيها إلا حكومة لأن منفعتها بالنظر قائمة. قال الشافعي رحمه الله: وفي اليدين الدية وفي الرجلين الدية وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل وفي كل أنملة ثلث عقل إصبع إلا أنملة الإبهام فإنها مفصلان ففي أنملة الإبهام نصف عقل الإصبع وأيها شل تم عقلها وإن قطعت من الذراع ففي الكف نصف الدية وفيما زاد حكومة وما زاد على القدم حكومة وقدم الأعرج ويد الأعسم إذا كانتا سالمتين الدية. ولو خلقت لرجل كفان في ذراع إحداهما فوق الأخرى فكان يبطش بالسفلى ولا يبطش بالعليا فالسفلى هي الكف التي فيها القود والعليا زائدة وفيها حكومة وكذلك قدمان في ساق فإن استوتا فهما ناقصتان فإن قطعت إحداهما ففيها حكومة لا تجاوز نصف دية قدم وإن قطعتا معا ففيهما دية قدم ويجاوز بها دية قدم وإن قطعت إحداهما ففيها حكومة فإنعملت الأخرى لما انفردت ثم عاد فقطعها وهي سالمة يمشي عليها ففيها القصاص مع حكومة الأولى وفي الأليتين الدية وهما ما أشرف على الظهر من المأكمتين إلى ما أشرف على استواء الفخذين وسواء قطعتا من رجل أو امرأة وكل ما قلت فيهما الدية ففي إحداهما نصف الدية ولا تفضل يمنى على يسرى ولا عين أعور على عين ليس بأعور ولا يجوز أن يقال فيها دية تامة وإنما قضى النبي ﷺ في العينين الدية وعين الأعور كيد الأقطع فإن كسر صلبه فلم يطق المشي ففيه الدية. قال: ودية المرأة وجراحها على النصف من دية الرجل فيما قل أو كثر وفي ثدييها ديتها وفي حلمتيها ديتها لأن فيهما منفعة الرضاع وليس ذلك في الرجل ففيهما من الرجل حكومة وفي إسكتيها وهما شفراها إذا أوعبتا ديتها والرتقاء التي لا تؤتى وغيرها سواء ولو أفضى ثيبا كان عليه ديتها ومهر مثلها بوطئه إياها في العين القائمة واليد الرجل الشلاء ولسان الأخرس وذكر الأشل فيكون منبسطا لا ينقبض أو منقبضا لا ينبسط وفي الأذنين المستحشفتين بهما من الاستحشاف ما باليد من الشلل وذلك أن تحركا فلا تتحركا أو تغمزا بما يؤلم فلا تألما وكل جرح ليس فيه أرش معلوم وفي شعر الرأس والحاجبين واللحية وأهداب العينين في كل ذلك حكومة ومعنى الحكومة أن يقوم المجني عليه كم يسوي أن لو كان عبدا غير مجني عليه ثم يقوم مجنيا عليه فينظركم بين القيمتين فإن كان العشر ففيه عشر الدية أو الخمس فعليه خمس الدية
صفحة : 3483
وما كسر من سن أو قطع من شيء له أرش معلوم فعلى حساب ما ذهب منه. وقال: في الترقوة جمل وفي الضلع جمل وقال في موضع آخر: يشبه ما حكي عن عمر فيما صفت حكومة لا توقيت. قال المزني رحمه الله: هذا أشبه بقوله كما يؤول قول زيد في العين القائمة مائة دينار أن ذلك على معنى الحكومة لا توقيت وقد قطع الشافعي رحمه الله بهذا المعنى فقال في كل عظم كسر سوى السن حكومة فإذا جبر مستقيما ففيه حكومة بقدر الألم والشين وإن جبر معيبا بعجز أو عرج أو غير ذلك زيد في حكومته بقدر شينه وضره وألمه لا يبلغ به دية العظم لو قطع. قال: ولو جرحه فشان وجه أو رأسه شيئا يبقى فإن كان الشين أكثر من الجرح أخذ بالشين وإن كان الجرح أكثر من الشين أخذ بالجرح ولم يزد للشين. قال: فإن كان الشين أكثر من موضحة نقصت من الموضحة شيئا ما كان الشين لأنها لو كانت موضحة معها شين لم أزد على موضحة فإذا كان الشين معها وهو أقل من موضحة لم يجز أن يبلغ به موضحة وفي الجراح على قدر دياتهم والمرأة منهم وجراحها على النصف من دية الرجل فيما قل أو كثر. قال الشافعي رحمه الله: في الجراح في غير الوجه والرأس بقدر الشين الباقي بعد التئامه لا يبلغ بها الدية إن كان حرا ولا ثمنه إن كان عبدا ولأنه ليس في الجسد قدر معلوم سوى الجائفة ودية النصراني واليهودي ثلث الدية واحتج في ذلك بعمر وعثمان رضي الله عنهما ودية المجوسي ثمانمائة درهم واحتج في ذلك بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وجراحهم على قدر دياتهم والمرأة منهم وجراحها على النصف من دية الرجل فيما قل أو كثر واحتج في ديات أهل الكفر بأن الله تعالى فرق ثم رسوله ﷺ بين المؤمنين والكافرين فجعل الكفار متى قدر عليهم المؤمنون صنفا منهم يعبدون وتؤخذ أموالهم لا يقبل منهم غير ذلك وصنفا يصنع ذلك بهم إلا أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فلا يجوز أن يجعل من كان خولا للمسلمين في حال أو خولا بكل حال إلا أن يعطوا الجزية كالعبد المخارج في بعض حالاته كفيئا لمسلم في دم ولا دية ولا يبلغ بدية كافر دية مؤمن إلا ما لا خلاف فيه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وبقول سعيد بن المسيب أقول جراح العبد من ثمنه كجراح الحر من ديته في كل قليل وكثير وقيمته ما كانت وهذا يروى عن عمر وعلي رضي الله عنهما. قال: وتحمل ثمنه العاقلة إذا قتل خطأ وفي ذكره ثمنه ولو زاد القطع في ثمنه أضعافا. قال الشافعي رحمه الله: فإن قيل فإذا كنت تزعم أن ثمنه كثمن البعير إذا قتل فلم لم يحكم في جرحه كجرح البعير وبعضه قلت: قد يجامع الحر البعير يقتل
صفحة : 3484
فيكون ثمنه مثل دية الحر فهو في الحر دية وفي البعير قيمة والقيمة دية العبد وقسته بالحر دون البهيمة بدليل من كتاب الله تعالى في قتل النفس الدية وتحرير رقبة وحكمت وحكمنا في الرجل والمرأة والعبد بديات مختلفات وجعلنا في كل نفس منهم دية ورقبة وإنما جعل الله في النفس الرقبة حيث جعل الدية وبدل البعير والمتاع قيمة لا رقبة معها فجامع العبد الأحرار في أن فيه كفارة وفي أنه إذا قتل قتل وإذا جرح جرح في قولنا وفي أن عليه حد الحر في بعض الحدود ونصف حد الحر في بعض الحدود وأن عليه الفرائض من الصلاة والصوم والتعبد وكان آدميا كالأحرار فكان بالآدميين أشبه فقسنه عليهم دون البهائم والمتاع. قال المزني: وقال في كتاب الديات والجنايات: لا تحمله العاقلة كما لا تغرم قيمة ما استهلك من مال. قال المزني: الأول بقوله أشيه لأنه شبهه بالحر في أن جراحه من ثمنة كجراح الحر من ديته لم يختلف ذلك عندي من قوله. قال الشافعي رحمه الله: وكل جناية عمد لا قصاص فيها فالأرش في مال الجاني وقيل جناية الصبي والمعتوه عمدا وخطأ يحملها العاقلة وقيل: لا لأن النبي ﷺ قضى أن تحمل العاقلة الخطأ في ثلاث سنين فلو قضينا بها إلى ثلاث سنين خالفنا دية العمد لأنها حالة فلم يقض على العاقلة بدية عمد بحال. قال المزني: هذا هو المشهور من قوله. قال الشافعي ولو صاح برجل فسقط عن حائط لم أر عليه شيئا ولو كان صبيا أو معتوها فسقط من صيحته ضمن ولو طلب رجلا بسيف فألقى بنفسه عن ظهر بيت فمات لم يضمن وإن كان أعمى فوقع في حفرة ضمنت عاقلة الطالب ديته لأنه اضطره إلى ذلك ولو عرض له في طلبه سبع فأكله لم يضمن لأن الجاني غيره. قال: ويقال لسيد أم الولد إذا جنت أقدها بالأقل من قيمتها أو جنايتها ثم هكذا كلما جنت. قال المزني: هذا أولى بقوله من أحد قوليه وهو أن السيد إذا غرم قيمتها ثم جنت شرك المجني عليه الثاني المجني عليه الأول. قال المزني: فهذا عندي ليس بشيء لأن المجني عليه الأول قد ملك الأرش بالجناية فكيف تجني أمة غيره ويكون بعض الغرم عليه ID ' ' ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن
صفحة : 3485
التقاء الفارسين والسفينتين قال الشافعي: وإذا اصطدم الراكبان على أي دابة كانتا فماتا معا فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه لأنه مات من صدمته وصدمة صاحبه كما لو جرح نفسه وجرحه صاحبه فمات وإن ماتت الدابتان ففي مال كل واحد منهما نصف قيمة دابة صاحبه وكذلك لو رموا بالمنجنيق معا فرجع الحجر عليهم فقتل أحدهم فترفع حصته من جناينه ويغرم عاقلة الباقين باقي ديته. قال: وإذا كان أحدهما واقفا فصدمه الآخر فماتا فالصادم هدر ودية صاحبه على عاقلة الصادم. قال: وإذا اصطدمت السفينتان وتكسرتا أو إحداهما فمات من فيهما فلا يجوز فيها إلا واحد من قولين أحدهما: أن يضمن القائم بهما في تلك الحال نصف كل ما أصابت سفينته لغيره أو لا يضمن بحال إلا أن يقدر على تصريفها بنفسه وبمن يطيعه فأما إذا غلبته فلا يضمن في قول من قال بهذا القول والقول قول الذي يصرفها أنها غلبته بريح أو موج وإذا ضمن غير النفوس في ماله ضمنت النفوس عاقلته إلا أن يكون عبدا فيكون ذلك في عنقه. قال المزني رحمه الله: وقد قال في كتاب الإجارات: لا ضمان إلا أن يمكن صرفها. قال الشافعي وإذا صدمت سفينته من غير أن يعهد بها الصدم لم يضمن شيئا مما في سفينته بحال لأن الذين دخلوا غير متعدى عليهم ولا على أموالهم وإذا عرض لهم ما يخافون به التلف عليها وعلى من فيها فألقى أحدهم بعض ما فيها رجاء أن تخف فتسلم فإن كان ماله فلا شيء على غيره وكذلك لو قالوا له: ألق متاعك فإن كان لغيره ضمن ولو قال لصاحبه: ألقه على أن أضمنه أنا وركبان السفينة ضمنه دونهم إلا أن يتطوعوا. قال المزني: هذا عندي غلط غير مشكل وقياس معناه أن يكون عليه بحصته فلا يلزمه ما لم يضمن ولا يضمن أصحابه ما أراد أن يضمنهم إياه. قال الشافعي ولو خرق السفينة فغرق أهلها ضمن ما فيها وضمن ديات ركبانها عاقلته وسواء من خرق ذلك منها. ID ' ' ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال
صفحة : 3486
باب من العاقلة التي تغرم قال الشافعي لم أعلم مخالفا أن النبي ﷺ قضى بالدية على العاقلة ولا اختلاف بين أحد علمته في أن النبي ﷺ قضى بها في ثلاث سنين ولا مخالفا في أن العاقلة العصبة وهم القرابة من قبل الأب. وقضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على علي بن أبي طالب بأن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب وقضى للزبير بميراثهم لأنه ابنها. قال الشافعي رحمه الله: ومعرفة العاقلة أن ينظر إلى إخوته لأبيه فحملهم ما يحمل العاقلة فإن لم يحتملوها دفعت إلى بني جده فإن لم يحتملوها دفعت إلى بني جد أبيه ثم هكذا لا يدفع إلى بني أب حتى يعجز من هو أقرب منهم ومن في الديوان ومن ليس فيه منهم سواء. قضى رسول الله ﷺ على العاقلة ولا ديوان في حياته ولا في حياة أبي بكر ولا صدر من ولاية عمر رضي الله عنه ولا أعلم مخالفا أن الصبي والمرأة لا يحملان منها شيئا وإن كانا موسرين وكذلك المعتوه عندي. ويؤدي العاقلة الدية في ثلاث سنين من حين يموت القتيل ولا يقوم نجم من الدية إلا بعد حلوله فإن أعسر به أو مطل حتى يجد الإبل بطلت القيمة وكانت عليه الإبل ولا يحملها فقير وإن قضى بها فأيسر الفقير قبل أن يحل نجم منها أو افتقر غني فإنما أنظر إلى الموسر يوم يحل نجم منها ومن غرم في نجم ثم أعسر في النجم الآخر ترك فإن مات بعد حلول النجم موسرا أخذ من ماله ما وجب عليه ولم أعلم مخالفا في أن لا يحمل أحد منهم إلا قليلا وأرى على مذاهبهم أن يحمل من كثر ماله نصف دينار ومن كان دونه ربع دينار لا يزاد على هذا ولا ينقص منه وعلى قدر ذلك من الإبل حتى يشترك النفر في البعير ويحمل كل ما كثر وقل من قتل أو جرح من حر وعبد لأن النبي ﷺ لما حملها الأكثر دل على تحميلها الأيسر فإن كان الأرش ثلث الدية أدته في مضي سنة من يوم جرح المجروح فإن كان أكثر من الثلث فالزيادة في مضي السنة الثانية فإن زاد على الثلثين ففي مضي السنة الثالثة وهذا معنى السنة. ولا تحمل العاقلة ما جنى الرجل على نفسه. ID ' ' وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة
صفحة : 3487
باب عقل الموالي قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يعقل الموالي المعتقون عن رجل من الموالي المعتقين وله قرابة تحمل العقل فإن عجزت عن بعض حمل الموالي المعتقون الباقي وإن عجزوا عن بعض ولهم عواقل عقلته عواقلهم فإن عجزوا ولا عواقل لهم عقل ما بقي جماعة المسلمين. قال: ولا أحمل الموالي من أسفل عقلا حتى لا أجد نسبا ولا موالي من أعلى ثم يحملونه لا أنهم وورثته ولكن يعقلون عنه كما يعقل عنهم. باب أين تكون العاقلة قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا جنى رجل جناية بمكة وعاقلته بالشام فإن لم يكن خبر مضى يلزم به خلاف القياس فالقياس أن يكتب حاكم مكة إلى حاكم الشام يأخذ عاقلته بالعقل وقد قيل يحمله عاقلة الرجل ببلده ثم أقرب العواقل بهم ولا ينتظر بالعقل غائب وإن احتمل بعضهم العقل وهم حضور فقد قيل يأخذ الوالي من بعضهم دون بعض لأن العقل لزم الكل. قال: وأحب إلي أن يقضى عليهم حتى يستووا فيه. باب عقل الحلفاء قال الشافعي ولا يعقل الحليف إلا أن يكون مضى بذلك خبر ولا الدعي ولا يعقل عنه ولا يرث ولا يورث إنما يعقل بالنسب أو الولاء الذي كالنسب وميراث الحليف والعقل عنه منسوخ وإنما يثبت من الحلف أن تكون الدعوة واليد واحدة لا غير ذلك. ID ' ' أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل
صفحة : 3488
باب عقل من لا يعرف نسبه وعقل أهل الذمة قال الشافعي إذا كان الجاني نوبيا فلا عقل على أحد من النوبة حتى يكونوا يثبتون أنسابهم إثبات أهل الإسلام وكذلك كل رجل من قبيلة أعجمية أو القبط أو غيره فإن لم يكن له ولاء يعلم فعلى المسلمين لما بينه وبينهم من ولاية الدين وإنهم يأخذون ماله إذا مات ومن انتسب إلى نسب فهو منه إلا أن تثبت بينة بخلاف ذلك ولا يدفع نسب بالسماع وإذا حكمنا على أهل العهد ألزمنا عواقلهم الذين تجري أحكامنا عليهم فإن كانوا أهل حرب لا يجري حكمنا عليهم ألزمنا الجاني ذلك ولا يقضى على أهل دينه إذا لم يكونوا عصبة لأنهم لا يرثونه ولا على المسلمين لقطع الولاية بينهم وإنهم لا يأخذون ماله على الميراث إنما يأخذونه فيئا. باب وضع الحجر حيث لا يجوز وضعه وميل الحائط قال الشافعي ولو وضع حجرا في أرض لا يملكها وآخر حديدة فتعقل رجل بالحجر فوقع على الحديدة فمات فعلى واضع الحجر لأنه كالدافع ولو حفر في صحراء أو طريق واسع محتمل فمات به إنسان أو مال حائط من داره فوقع على إنسان فمات فلا شيء فيه وإن أشهد عليه لأنه وضعه في ملكه والميل حادث من غير فعله وقد أساء بتركه وما وضعه في ملكه فمات به إنسان فلا شيء عليه. قال المزني: وإن تقدم إليه الوالي فيه أو غيره فلم يهدمه حتى وقع على إنسان فقتله فلا شيء عليه عندي في قياس قول الشافعي. ID ' ' ولا يكاد يقدر عليه. وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.
صفحة : 3489
باب دية الجنين قال الشافعي في الجنين المسلم بأبويه أو بأحدهما غرة وأقل ما يكون به جنينا أن يفارق المضغة والعلقة حتى يتبين منه شيء من خلق آدمي إصبع أو ظفر أو عين أو ما أشبه ذلك فإذا ألقته ميتا فسواء كان ذكرا أو أنثى. قال المزني: هذا يدل على أن أمته إذا ألقت منه دما أن لا تكون به أم ولد لأنه لم يجعله ههنا ولدا وقد جعله في غير هذا المكان ولدا وهذا عندي أولى من ذلك. قال الشافعي وكذلك إن ألقته من الضرب بعد موتها ففيه غرة عبد أو أمة تورث كما لو خرج حيا فمات لأنه المجني عليه دون أمه وعليه عتق رقبة ولا شيء لها في الأم ولمن وجبت له الغرة أن لا يقبلها دون سبع سنين أو ثماني سنين لأنها لا تستغني بنفسها دون هذين السنين ولا يفرق بينها وبين أمها في البيع إلا في هذين السنين فأعلى وليس عليه أن يقبلها معيبة ولا خصيا لأنه ناقص عن الغرة وإن زاد ثمنها بالخصاء وقيمتها إذا كان الجنين حرا مسلما نصف عشر دية مسلم وإن كان نصرانيا أو مجوسيا فنصف عشر دية نصراني أو مجوسي وإن كانت أمه مجوسية وأبوه نصرانيا أو أمه نصرانية وأبوه مجوسيا فدية الجنين في أكثر أبوابه نصف عشر دية نصراني. ولو جنى على أمة حامل فلم تلق جنينها حتى عتقت أو على ذمية فلم تلق جنينها حتى أسلمت ففيه غرة لأنه جنى عليها وهي ممنوعة. وقال في كتاب الديات والجنايات: ولا أعرف أن يدفع للغرة قيمة إلا أن يكون بموضع لا توجد فيه. قال المزني: هذا معنى أصله في الدية أنها الإبل لأن النبي ﷺ قضى بها فإن لم توجد فقيمتها فكذلك الغرة إن لم توجد فقيمتها. قال الشافعي ويغرمها من يغرم دية الخطأ. قال: فإن قامت البينة أنها لم تزل ضمنة من الضربة حتى طرحته لزمه وإن لم تقم بينة حلف الجاني وبرىء. قال: وإن صرخ الجنين أو تحرك ولم يصرخ ثم مات مكانه فديته تامة وإن لم يمت مكانه فالقول قول الجاني وعاقلته إنه مات من غير جناية ولو خرج حيا لأقل من ستة أشهر فكان في حال لم يتم لمثله حياة قط ففيه الدية تامة وإن كان في حال تتم فيه لأحد من الأجنة حياة ففيه الدية. قال المزني: هذا سقط من الكاتب عندي إذا أوجب الدية لأنه بحال تتم لمثله الحياة فينبغي أن تسقط إذا كان بحال لا تتم لمثله حياة. قال المزني: وقد قال: لو كان لأقل من ستة أشهر فقتله رجل عمدا فأراد ورثته القود فإن كان مثله يعيش اليوم أو اليومين ففيه القود ثم سكت. قال المزني: كأنه يقول: إن لم يكن كذلك فهو في معنى المذبوح يقطع باثنين أو المجروح تخرج منه حشوته فنضرب
صفحة : 3490
عنقه فلا قود على الثاني ولا دية وفي هذا عندي دليل وبالله التوفيق. قال الشافعي ولو ضربها فألقت يدا وماتت ضمن الأم والجنين لأني قد علمت أنه قد جنى على الجنين. باب جنين الأمة قال الشافعي وفي جنين الأمة عشر قيمة أمه يوم جنى عليها ذكرا كان أو أنثى وهو قول المدنيين. قال المزني: القياس على أصله عشر قيمة أمه يوم تلقيه لأنه قال: لو ضربها أمة فألقت جنينا ميتا ثم أعتقت فألقت جنينا آخر فعليه عشر قيمة أمه لسيدها وفي الآخر ما في جنين حرة لأمه ولورثته. قال الشافعي قال محمد بن الحسن للمدنيين: أرأيتم لو كان حيا أليس فيه قيمته وإن كان أقل من عشر ثمن أمه ولو كان ميتا فعشر أمه. فقد أغرمتم فيه ميتا أكثر مما أغرمتم فيه حيا. قال الشافعي رحمه الله فقلت له: أليس أصلك جنين الحرة التي قضى فيها رسول الله ﷺ ولم يذكر عنه أنه سأل أذكر هو أم أنثى قال: بلى. قلت: فجعلت وجعلنا فيه خمسا من الإبل. أو خمسين دينارا إذا لم يكن غرة قال: بلى. قلت: فلو خرجا حيين ذكرا وأنثى فماتا قال: في الذكر مائة وفي الأنثى خمسون. قلت: فإذا زعمت أن حكمهما في أنفسهما مختلفان فلم سويت بين حكمهما ميتين أما يدلك هذا أن حكمهما ميتين حكم غيرهما. ثم قست على ذلك جنين الأمة فقلت: إن كان ذكرا فنصف عشر قيمته لو كان حيا وإن كان أنثى فعشر قيمتها لو كانت حية أليس قد جعلت عقل الأنثى من أصل عقلها في الحياة وضعف عقل الرجل من أصل عقله في الحياة لا أعلمك إلا نكست القياس. قال: فأنت قد سويت بينهما قلت: من أجل أني زعمت أن أصل حكمهما حكم غيرهما لا حكم أنفسهما كما سويت بين الذكر والأنثى من جنين الحرة فكان مخرج قولي معتدلا فكيف يكون الحكم لمن لم يخرج حيا. قال الشافعي أخبرنا مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه أن عبد الله ومحيصة خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما فأخبر محيصة أن عبد الله قتل وطرح في قفير أو عين فأتى يهود فقال: أنتم قتلتموه قالوا: ما قتلناه. فقدم على قومه فأخبرهم فأقبل هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل أخو المقتول إلى رسول الله ﷺ فذهب محيصة يتكلم فقال عليه السلام: كبر كبر - يريد السن - فتكلم حويصة ثم محيصة فقال عليه السلام: إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب .
صفحة : 3491
فكتب عليه السلام إليهم في ذلك فكتبوا إنا والله ما قتلناه. فقال الحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا: لا قال: فتحلف يهود. قالوا: ليسوا بمسلمين. فوداه رسول الله ﷺ من عنده فبعث إليهم مائة ناقة. قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء. قال الشافعي رحمه الله: فإن قيل فقد قال للولي وغيره تحلفون وتستحقون وأنت لا تحلف إلا الأولياء قيل يكون قد قال ذلك لأخي المقتول الوارث ويجوز أن يقول تحلفون لواحد والدليل على ذلك حكم الله عز وجل وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام إن اليمين لا تكون إلا فيما يدفع بها المرء عن نفسه أو يأخذ بها مع شاهله ولا يجوز لحالف يمين يأخذ بها غيره. قال الشافعي فإذا كان مثل السبب الذي قضى فيه عليه الصلاة والسلام بالقسامة حكمت بها وجعلت الدية فيها على المدعى عليهم فإن قيل: وما السبب الذي حكم فيه النبي ﷺ قيل: كانت خيبر دار يهود محضة لا يخالطهم غيرهم وكانت العداوة بين الأنصار وبينهم ظاهرة وخرج عبد الله بعد العصر فوجد قتيلا قبل الليل فيكاد يغلب على من سمع هذا أنه لم يقتله إلا بعض اليهود فإذا كانت دار قوم محضة أو قبيلة وكانوا أعداء للمقتول فيهم - وفي كتاب الربيع أعداء للمقتول أو قبيلته - ووجد القتيل فيهم فادعى أولياؤه قتله فلهم القسامة وكذلك يدخل نفر بيتا أو صحراء وحدهم أو صفين في حرب أو ازدحام جماعة فلا يفترقون إلا وقتيل بينهم أو في ناحية ليس إلى جنبه عين ولا أثر إلا رجل واحد مخضب بدمه في مقامه ذلك أو أتى ببينة متفرقة من المسلمين من نواح لم يجتمعوا فيها يثبت كل واحد منهم على الانفراد على رجل أنه قتله فتتواطأ شهاداتهم ولم يسمع بعضهم شهادة بعض فإن لم يكونوا ممن لم يعدلوا أو يشهد عدل على رجل أنه قتله لأن كل سبب من هذا يغلب على عقل الحاكم أنه كما ادعى وليه وللولي أن يقسم على الواحد والجماعة من أمكن أن يكون في جملتهم وسواء كان به جرح أو غيره لأنه قد يقتل بما لا أثر له فإن أنكر المدعى عليه أن يكون فيهم لم يسمع الولي إلا ببينة أو إقرار أنه كان فيهم ولا أنظر إلى دعوى الميت ولورثته القتيل أن يقسموا وإن كانوا غيبا عن موضع القتيل لأنه يمكن أن يعلموا ذلك باعتراف القاتل أو ببينة لا يعلمهم الحاكم من أهل الصدق عندهم وغير ذلك من وجوه ما يعلم به الغائب وينبغي للحاكم أن يقول لهم: اتقوا الله ولا تحلفوا إلا بعد الاستثبات وتقبل أيمانهم متى حلفوا مسلمين كانوا على مشركين أو مشركين على مسلمين لأن كلا ولي دمه ووارث ديته ولسيد العبد
صفحة : 3491
فكتب عليه السلام إليهم في ذلك فكتبوا إنا والله ما قتلناه. فقال الحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا: لا قال: فتحلف يهود. قالوا: ليسوا بمسلمين. فوداه رسول الله ﷺ من عنده فبعث إليهم مائة ناقة. قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء. قال الشافعي رحمه الله: فإن قيل فقد قال للولي وغيره تحلفون وتستحقون وأنت لا تحلف إلا الأولياء قيل يكون قد قال ذلك لأخي المقتول الوارث ويجوز أن يقول تحلفون لواحد والدليل على ذلك حكم الله عز وجل وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام إن اليمين لا تكون إلا فيما يدفع بها المرء عن نفسه أو يأخذ بها مع شاهله ولا يجوز لحالف يمين يأخذ بها غيره. قال الشافعي فإذا كان مثل السبب الذي قضى فيه عليه الصلاة والسلام بالقسامة حكمت بها وجعلت الدية فيها على المدعى عليهم فإن قيل: وما السبب الذي حكم فيه النبي ﷺ قيل: كانت خيبر دار يهود محضة لا يخالطهم غيرهم وكانت العداوة بين الأنصار وبينهم ظاهرة وخرج عبد الله بعد العصر فوجد قتيلا قبل الليل فيكاد يغلب على من سمع هذا أنه لم يقتله إلا بعض اليهود فإذا كانت دار قوم محضة أو قبيلة وكانوا أعداء للمقتول فيهم - وفي كتاب الربيع أعداء للمقتول أو قبيلته - ووجد القتيل فيهم فادعى أولياؤه قتله فلهم القسامة وكذلك يدخل نفر بيتا أو صحراء وحدهم أو صفين في حرب أو ازدحام جماعة فلا يفترقون إلا وقتيل بينهم أو في ناحية ليس إلى جنبه عين ولا أثر إلا رجل واحد مخضب بدمه في مقامه ذلك أو أتى ببينة متفرقة من المسلمين من نواح لم يجتمعوا فيها يثبت كل واحد منهم على الانفراد على رجل أنه قتله فتتواطأ شهاداتهم ولم يسمع بعضهم شهادة بعض فإن لم يكونوا ممن لم يعدلوا أو يشهد عدل على رجل أنه قتله لأن كل سبب من هذا يغلب على عقل الحاكم أنه كما ادعى وليه وللولي أن يقسم على الواحد والجماعة من أمكن أن يكون في جملتهم وسواء كان به جرح أو غيره لأنه قد يقتل بما لا أثر له فإن أنكر المدعى عليه أن يكون فيهم لم يسمع الولي إلا ببينة أو إقرار أنه كان فيهم ولا أنظر إلى دعوى الميت ولورثته القتيل أن يقسموا وإن كانوا غيبا عن موضع القتيل لأنه يمكن أن يعلموا ذلك باعتراف القاتل أو ببينة لا يعلمهم الحاكم من أهل الصدق عندهم وغير ذلك من وجوه ما يعلم به الغائب وينبغي للحاكم أن يقول لهم: اتقوا الله ولا تحلفوا إلا بعد الاستثبات وتقبل أيمانهم متى حلفوا مسلمين كانوا على مشركين أو مشركين على مسلمين لأن كلا ولي دمه ووارث ديته ولسيد العبد
ولسيد العبد القسامة في عبده على الأحرار والعبيد. قال: ويقسم المكاتب في عبده لأنه ماله، فإن لم يقسم حتى عجز كان للسيد أن يقسم. قال: ولو قتل عبد لأم ولد فلم يقسم سيدها حتى مات وأوصى لها بثمن العبد لم تقسم وأقسم ورثته وكان لها ثمن العبد، وإن لم يقسم الورثة لم يكن لهم ولا لها شيء إلا أيمان المدعى عليهم. قال: ولو جرح رجل فمات أبطلت القسامة لأن ماله فيء، ولو كان رجع إلى الإسلام كانت فيه القسامة للوارث، ولو جرح وهو عبد فعتق ثم مات حراً وجبت فيه القسامة لورثته الأحرار ولسيده المعتق بقدر ما يملك في جراحه ولا تجب القسامة في دون النفس، ولو لم يقسم الولي حتى ارتد فأقسم وقفت الدية فإن رجع أخذها وإن قتل كانت فيئاً. والأيمان في الدماء مخالفة لها في الحقوق وهي في جميع الحقوق يمين يمين وفي الدماء خمسون يميناً. وقال في كتاب العمد: ولو ادعى أنه قتل أباه عمداً فقال بل خطأ فالدية عليه في ثلاث سنين بعد أن يحلف ما قتله إلا خطأ، فإن نكل حلف المدعي لقتله عمداً وكان له القود قال المزني: هذا
صفحة : 2434
قال الشافعي أخبرنا مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه أن عبد الله ومحيصة خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما، فأخبر محيصة أن عبد الله قتل وطرح في قفير أو عين فأتى يهود فقال: أنتم قتلتموه، قالوا: ما قتلناه. فقدم على قومه فأخبرهم فأقبل هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل أخو المقتول إلى رسول الله ﷺ، فذهب محيصة يتكلم فقال عليه السلام: كبر كبر - يريد السن- فتكلم حويصة ثم محيصة، فقال عليه السلام: إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب . فكتب عليه السلام إليهم في ذلك فكتبوا إنا والله ما قتلناه. فقال الحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم? قالوا: لا قال: فتحلف يهود. قالوا: ليسوا بمسلمين. فوداه رسول الله ﷺ من عنده فبعث إليهم مائة ناقة. قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء. قال الشافعي رحمه الله: فإن قيل فقد قال للولي وغيره تحلفون وتستحقون وأنت لا تحلف إلا الأولياء قيل يكون قد قال ذلك لأخي المقتول الوارث، ويجوز أن يقول تحلفون لواحد، والدليل على ذلك حكم الله عز وجل وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام إن اليمين لا تكون إلا فيما يدفع بها المرء عن نفسه أو يأخذ بها مع شاهله، ولا يجوز لحالف يمين يأخذ بها غيره. قال الشافعي فإذا كان مثل السبب الذي قضى فيه عليه الصلاة والسلام بالقسامة حكمت بها وجعلت الدية فيها على المدعى عليهم، فإن قيل: وما السبب الذي حكم فيه النبي ﷺ? قيل: كانت خيبر دار يهود محضة لا يخالطهم غيرهم، وكانت العداوة بين الأنصار وبينهم ظاهرة، وخرج عبد الله بعد العصر فوجد قتيلا قبل الليل فيكاد يغلب على من سمع هذا أنه لم يقتله إلا بعض اليهود، فإذا كانت دار قوم محضة أو قبيلة وكانوا أعداء للمقتول فيهم- وفي كتاب الربيع أعداء للمقتول أو قبيلته- ووجد القتيل فيهم فادعى أولياؤه قتله فلهم القسامة، وكذلك يدخل نفر بيتا أو صحراء وحدهم أو صفين في حرب أو ازدحام جماعة فلا يفترقون إلا وقتيل بينهم أو في ناحية ليس إلى جنبه عين ولا أثر إلا رجل واحد مخضب بدمه في مقامه ذلك، أو أتى ببينة متفرقة من المسلمين من نواح لم يجتمعوا فيها يثبت كل واحد منهم على الانفراد على رجل أنه قتله، فتتواطأ شهاداتهم ولم يسمع بعضهم شهادة بعض، فإن لم يكونوا ممن لم يعدلوا أو يشهد عدل على رجل أنه قتله لأن كل سبب من هذا يغلب على عقل الحاكم أنه كما ادعى وليه، وللولي أن يقسم على الواحد والجماعة من أمكن أن يكون في جملتهم، وسواء كان به جرح أو غيره لأنه قد يقتل بما لا أثر له، فإن أنكر المدعى عليه أن يكون فيهم لم يسمع الولي إلا ببينة أو إقرار أنه كان فيهم ولا أنظر إلى دعوى الميت، ولورثته القتيل أن يقسموا وإن كانوا غيبا عن موضع القتيل لأنه يمكن أن يعلموا ذلك باعتراف القاتل أو ببينة لا يعلمهم الحاكم من أهل الصدق عندهم وغير ذلك من وجوه ما يعلم به الغائب، وينبغي للحاكم أن يقول لهم: اتقوا الله ولا تحلفوا إلا بعد الاستثبات، وتقبل أيمانهم متى حلفوا مسلمين كانوا على مشركين أو مشركين على مسلمين لأن كلا ولي دمه ووارث ديته، ولسيد العبد القسامة في عبده على الأحرار والعبيد. قال: ويقسم المكاتب في عبده لأنه ماله، فإن لم يقسم حتى عجز كان للسيد أن يقسم. قال: ولو قتل عبد لأم ولد فلم يقسم سيدها حتى مات وأوصى لها بثمن العبد لم تقسم وأقسم ورثته وكان لها ثمن العبد، وإن لم يقسم الورثة لم يكن لهم ولا لها شيء إلا أيمان المدعى عليهم. قال: ولو جرح رجل فمات أبطلت القسامة لأن ماله فيء، ولو كان رجع إلى الإسلام كانت فيه القسامة للوارث، ولو جرح وهو عبد فعتق ثم مات حرا وجبت فيه القسامة لورثته الأحرار ولسيده المعتق بقدر ما يملك في جراحه ولا تجب القسامة في دون النفس، ولو لم يقسم الولي حتى ارتد فأقسم وقفت الدية فإن رجع أخذها وإن قتل كانت فيئا. والأيمان في الدماء مخالفة لها في الحقوق وهي في جميع الحقوق يمين يمين وفي الدماء خمسون يمينا. وقال في كتاب العمد: ولو ادعى أنه قتل أباه عمدا فقال بل خطأ فالدية عليه في ثلاث سنين بعد أن يحلف ما قتله إلا خطأ، فإن نكل حلف المدعي لقتله عمدا وكان له القود قال المزني: هذا
صفحة : 2435
القياس على أقاويله في الطلاق والعتاق وغيرهما في النكول ورد اليمين. قال الشافعي وسواء في النكول المحجور عليه وغير المحجور عليه، ويلزمه منها في ماله ما يلزم غير المحجور، والجناية خلاف البيع والشراء فإن قال قائل: كيف يحلفون على ما لا يعلمون. قيل: فأنتم تقولون لو أن ابن عشرين سنة ريء بالمشرق اشترى عبدا ابن مائة سنة ريء بالمغرب فباعه من ساعته فأصاب به المشتري عيبا أن البائع يحلف على البت لقد باعه إياه وما به هذا العيب ولا علم له به، والذي قلنا قد يصح علمه بما وصفنا.القياس على أقاويله في الطلاق والعتاق وغيرهما في النكول ورد اليمين. قال الشافعي وسواء في النكول المحجور عليه وغير المحجور عليه، ويلزمه منها في ماله ما يلزم غير المحجور، والجناية خلاف البيع والشراء فإن قال قائل: كيف يحلفون على ما لا يعلمون. قيل: فأنتم تقولون لو أن ابن عشرين سنة ريء بالمشرق اشترى عبدا ابن مائة سنة ريء بالمغرب فباعه من ساعته فأصاب به المشتري عيبا أن البائع يحلف على البت لقد باعه إياه وما به هذا العيب ولا علم له به، والذي قلنا قد يصح علمه بما وصفنا. باب ما ينبغي للحاكم أن يعلمه من الذي له القسامة وكيف يقسم قال الشافعي وينبغي أن يقول له: من قتل صاحبك? فإن قال: فلان قال: وحده? فإن قال: نعم قال: عمدا أو خطأ? فإن قال: عمدا سأله: وما العمد? فإن وصف ما في مثله القصاص أحلف على ذلك، وان وصف من العمد ما لا يجب فيه القصاص لم يحلفه عليه والعمد في ماله والخطأ على عاقلته في ثلاث سنين، فإن قال قتله فلان ونفر معه لم يحلفه حتى يسمي النفر أو عددهم إن لم يعرفهم، ولو أحلفه قبل أن يسأله عن هذا ولم يقل له عمدا ولا خطأ أعاد عليه عدد الأيمان. قال الشافعي يحلف وارث القتيل على قدر مواريثهم ذكرا كان أو أنثى زوجا أو زوجة، فإن ترك ابنين كبيرا وصغيرا أو غائبا وحاضرا أكذب أخاه وأراد الآخر اليمين قيل له: لا تستوجب شيئا من الدية إلا بخمسين يمينا فإن شئت فاحلف خمسين يمينا وخذ من الدية مورثك، وإن امتنعت فدع حتى يحضر معك وارث تقبل يمينه فيحلفان خمسين يمينا فإن ترك ثلاثة بنين حلف كل واحد منهم سبع عشرة يمينا يجبر عليهم كسر اليمين، فإن ترك أكثر من خمسين ابنا حلف كل واحد منهم يمينا يجبر الكسر من الأيمان، ومن مات من الورثة قبل أن يقسم قام ورثته مقامه بقدر مواريثهم، ولو لم يتم القسامة حتى مات ابتدأ وارثه القسامة، ولو غلب على عقله ثم أفاق بنى لأنه حلف لجميعها. باب ما يسقط القسامة من الاختلاف أو لا يسقطها
صفحة : 2436
قال الشافعي رحمه الله: ولو ادعى أحد الابنين على رجل من أهل هذه المحلة أنه قتل أباه وحده وقال الآخر وهو عدل ما قتله بأنه كان في الوقت الذي قتل فيه ببلد لا يمكن أن يصل إليه في ذلك الوقت ففيها قولان. أحدهما: أن للمدعي أن يقسم خمسين يمينا ويستحق نصف الدية. والثاني: أن ليس له أن يقسم على رجل يبرئه وارثه. قال المزني: قياس قوله أن من أثبت السبب الذي به القسامة حلف ولم يمنعه من ذلك إنكار الآخر،- كما لو أقام أحدهما شاهدا لأبيهما بدين وأنكر الآخر ما ادعاه أخوه وأكذبه-، أن للمدعي مع الشاهد اليمين ويستحق، كذلك للمدعي مع السبب القسامة ويستحق? فالسبب والشاهد بمعنى واحد في قوله لأنه يوجب مع كل واحد اليمين والاستحقاق إلا أن في الدم خمسين يمينا وفي غيره يمين. قال الشافعي ولكن لو قال أحدهما: قتل أبي عبد الله بن خالد ورجل لا أعرفه، وقال الآخر: قتل أبي زيد بن عامر ورجل لا أعرفه فهذا خلاف لما مضى لأنه قد يجوز أن يكون الذي جهله أحدهما هو الذي عرفه الآخر فلا يسقط حق واحد منهما في القسامة. ولو قال الأول: قد عرفت زيدا وليس بالذي قتل مع عبد الله، وقال الآخر: قد عرفت عبد الله وليس بالذي قتل مع زيد ففيها قولان أحدهما: أن يكون لكل واحد القسامة على الذي ادعى عليه ويأخذ حصته من الدية. والقول الثاني: أنه ليس لواحد منهما أن يقسم حتى تجتمع دعواهما على واحد. قال المزني: قد قطع بالقول الأول في الباب الذي قبل هذا وهو أقيس على أصله لأن الشريكين عنده في الدم يحلفان مع السبب كالشريكين عنده في المال يحلفان مع الشاهد، فإذا أكذب أحد الشريكين صاحبه في الحق حلف صاحبه مع الشاهد واستحق، وكذلك إذا أكذب أحد الشريكين صاحب في الدم حلف صاحبه مع السبب واستحق. قال الشافعي ومتى قامت البينة بما يمنع إمكان السبب أو بإقرار وقد أخذت الدية بالقسامة ردت الدية. باب كيف يمين مدعي الدم والمدعي عليه قال الشافعي: وإذا وجبت لرجل قسامه حلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لقد قتل فلان فلانا منفردا بقتله ما شاركه في قتله غيره، وإن ادعى على آخر معه حلف لقتل فلان وآخر معه فلانا منفردين بقتله ما شاركهما فيه غيرهما، وإن ادعى الجاني أنه برأ من الجراح زاد وما برأ من جراحة فلان حتى مات منها، وإذا حلف المدعى عليه حلف كذلك ما قتل فلانا ولا أعان على قتله ولا ناله من فعله ولا بسبب فعله شيء جرحه ولا وصل إلى شيء من بدنه لأنه قد يرمي فيصيب شيئا فيطير الذي أصابه فيقتله، ولا أحدث شيئا مات منه فلان لأنه قد يحفر البئر ويضع الحجر فيموت منه، ولو لم يزده السلطان على حلفه بالله أجزأه لأن الله تعالى جعل بين المتلاعنين الأيمان بالله. باب دعوى الدم في الموضع الذي فيه قسامة قال الشافعي وإذا وجد قتيل في محلة قوم يخالطهم غيرهم أو في صحراء أو مسجد أو سوق فلا قسامة، وإن ادعى وليه على أهل المحلة لم يحلف إلا من أثبتوه بعينه، وإن كانوا ألفا فيحلفون يمينا يمينا لأنهم يزيدون على خمسين، فإن لم يبق منهم إلا واحد حلف خمسين يمينا وبرىء، فإن نكلوا حلف ولاة الدم خمسين يمينا واستحقوا الدية في أموالهم إن كان عمدا وعلى عواقلهم في ثلاث سنين إن كان خطأ. قال: وفي ديات العمد على قدر حصصهم، والمحجور عليه وغيره سواء لأن إقراره بالجناية يلزمه في ماله، والجناية خلاف الشراء والبيع وكذلك العبد إلا في إقراره بجناية لا قصاص فيها فإنه لا يباع فيها لأن ذلك في مال غيره فمتى عتق لزمه. قال المزني: فكما لم يضر سيده إقراره بما يوجب المال فكذلك لا يضر عاقلة الحر قوله بما يوجب عليهم المال. قال الشافعي ومن كان منهم سكران لم يحلف حتى يصحو قال المزني: هذا يدل على إبطال طلاق السكران الذي لا يعقل ولا يميز، وقد قيل لا يبرأ المدعى عليهم إلا بخمسين يمينا كل واحد منهم ولا يحتسب لهم يمين غيره. وهكذا الدعوى فيما دون النفس، وقيل: يلزمه من الأيمان على قدر الدية في اليد خمس وعشرون وفي الموضحة ثلاثة أيمان. قال المزني رحمه الله: وقد قال في أول باب من القسامة: ولا تجب القسامة في دون النفس وهذا عندي أولى بقول العلماء. باب كفارة القتل
صفحة : 2437
قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله وقال تعالى: فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة يعني في قوم في دار حرب خاصة، ولم يجعل له قودا ولا دية إذا قتله وهو لا يعرف مسلما وذلك أن يغير أو يقتله في سرية أو يلقاه منفردا بهيئة المشركين وفي دارهم أو نحو ذلك. قال: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة . قال الشافعي وإذا وجبت عليه كفارة القتل في الخطأ وفي قتل المؤمن في دار الحرب كانت الكفارة في العمد أولى. قال المزني رحمه الله: واحتج بأن الكفارة في قتل الصيد في الإحرام والحرم عمدا أو خطأ سواء إلا في المأثم، فكذلك كفارة القتل عمدا أو خطأ سواء إلا في المأثم. باب لا يرث القاتل من كتاب اختلاف أبي حنيفة وأهل المدينة قال الشافعي رحمه الله: قال أبو حنيفة: لا يرث قاتل خطأ ولا عمدا إلا أن يكون مجنونا أو صبيا فلا يحرم الميراث لأن القلم عنهما مرفوع. وقال أهل المدينة: لا يرث قاتل عمد ولا يرث قاتل خطأ من الدية ويرث من سائر ماله. قال محمد بن الحسن: هل رأيتم وارثا يرث بعض مال رجل دون بعض? إما أن يرث الكل أو لا يرث شيئا. قال الشافعي رحمه الله: يدخل على محمد بن الحسن أنه يسوي بين المجنون والصبي وبين البالغ الخاطىء في قتل الخطأ ويجعل على عواقلهم الدية ويرفع عنهم المأثم، فكيف ورث بعضهم دون بعض وهم سواء في المعنى? قال: ويدخل على أصحابنا ما دخل على محمد بن الحسن وليس في الفرق بين قاتل خطأ لا يرث وقاتل عمد خبر يلزم، ولو كان ثابتا كانت فيه الحجة. قال المزني رحمه الله: فمعنى تأويله إذا لم يثبت فرق أنهما سواء في أنهما لا يرثان، وقد قطع بهذا المعنى في كتاب قتال أهل البغي فقال: إذا قتل العادل الباغي أو الباغي العادل لا يتوارثان لأنهما قاتلان، قال: وهذا أشبه بمعنى الحديث. باب الشهادة علي الجناية
صفحة : 2438
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يقبل في القتل وجراح العمد والحدود سوى الزنا إلا عدلان، ويقبل شاهد وامرأتان ويمين وشاهد فيما لا قصاص فيه مثل الجائفة وجناية من لا قود عليه من معتوه وصبي ومسلم على كافر وحر على عبد وأب على ابن لأن ذلك مال، فإن كان الجرح هاشمة أو مأمومة لم أقبل أقل من شاهدين لأن الذي شج إن أراد أن آخذ له القصاص من موضحة فعلت لأنها موضحة وزيادة. قال: ولو شهدا أنه ضربه بسيف وقفتهما فإن قالا: فأنهر دمه ومات مكانه قبلتهما وجعلته قاتلا، وإن قالا لا ندري أنهر دمه أم لا بل رأيناه سائلا لم أجعله جارحا حتى يقولا أوضحه هذه الموضحة بعينها، ولو شهدا على رجلين أنهما قتلاه وشهد الآخران على الشاهدين الأولين أنهما قتلاه وكانت شهادتهما في مقام واحد فإن صدقهما ولي الدم معا أبطلت الشهادة، وإن صدق اللذين شهدا أولا قبلت شهادتهما وجعلت الآخرين دافعين بشهادتهما، وإن صدق اللذين شهدا آخرا أبطلت شهادتهما لأنهما يدفعان بشهادتهما ما شهد به عليهما، ولو شهد أحدهما على إقراره أنه قتله عمدا والآخر على إقراره ولم يقل خطأ ولا عمدا جعلته قاتلا والقول قوله، فإن قال عمدا فعليه القصاص، وإن قال خطأ أحلف ما قتله عمدا وكانت الدية في ماله في مضي ثلاث سنين، ولو قال أحدهما قتله غدوة وقال الآخر عشية، أو قال أحدهما بسيف والآخر بعصا فكل واحد منهما مكذب لصاحبه ومثل هذا يوجب القسامة، ولو شهد أحدهما أنه قتله والآخر أنه أقر بقتله لم تجز شهادتهما لأن الإقرار مخالف للفعل، ولو شهد أنه ضربه ملففا فقطعه باثنين ولم يبينا أنه كان حيا لم أجعله قاتلا وأحلفته ما ضربه حيا، ولو شهد أحد الورثة أن أحدهم عفا القود والمال فلا سبيل إلى القود وإن لم تجز شهادته وأحلف المشهود عليه ما عفا المال ويأخذ حصته من الدية، وإن كان ممن تجوز شهادته حلف القاتل مع شهادته لقد عفا عنه القصاص والمال وبرىء من حصته من الدية، ولو شهد وارث أنه جرحه عمدا أو خطأ لم أقبل لأن الجرح قد يكون نفسا فيستوجب بشهادته الدية، فإن شهد وله من يحجبه قبلته، فإن لم أحكم حتى صار وارثا طرحته، ولو كنت حكمت ثم مات من يحجبه ورثته لأنها مضت في حين لا يجربها إلى نفسه، ولو شهد من عاقلته بالجرح لم أقبل وإن كان فقيرا لأنه قد يكون له مال في وقت العقل فيكون دافعا عن نفسه بشهادته ما يلزمه قال المزني رحمه الله: وأجازه في موضع آخر إذا كان من عاقلته في قرب النسب من يحمل العقل حتى لا يخلص إليه الغرم إلا بعد موت الذي هو أقرب. قال: وتجوز الوكالة في تثبيت البينة على القتل عمدا أو خطأ، فإذا كان القود لم يدفع إليه حتى يحضر الولي أو يوكله بقتله فيكون له قتله. قال: وإذا أمر السلطان بقتل رجل أو قطعه اقتص من السلطان لأنه هكذا يفعل ويعزر المأمور. باب الحكم في الساحر إذا قتل بسحره قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا سحر رجلا فمات سئل عن سحره، فإن قال: أنا أعمل هذا لأقتل فأخطىء القتل وأصيب وقد مات من عملي ففيه الدية، وإن قال مرض منه ولم يمت أقسم أولياؤه لمات من ذلك العمل وكانت الدية، وإن قال: عملي يقتل المعمول به وقد عمدت قتله به قتل به قودا. قتال أهل البغي باب من يجب قتاله من أهل البغي والسيرة فيهم
صفحة : 2439
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين فأمر الله تعالى جده أن يصلح بينهم بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال وإنما ذكر الصلح آخرا كما ذكر الإصلاح بينهم أولا قبل الإذن بقتالهم، فأشبه هذا أن تكون التبعات في الدماء والجراح وما تلف من الأموال ساقطة بينهم، وكما قال ابن شهاب عندنا قد كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلفت فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهما وجرى الحكم عليهم، فما علمته اقتص من أحد ولا أغرم مالا أتلفه. قال الشافعي رحمه الله: وما علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه أن صاحبه أحق به. قال: وأهل الردة بعد النبي ﷺ ضربان: فمنهم قوم كفروا بعد إسلامهم مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم، ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات ولهم لسان عربي. والردة ارتداد عما كانوا عليه بالكفر وارتداد بمنع حق كانوا عليه، وقول عمر لأبي بكر رضي الله عنهما: أليس قد قال رسول الله ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله? وقول أبي بكر هذا من حقها لو منعوني عناقا مما أعطوه النبي ﷺ لقاتلهم عليها معرفة منهما معا أن ممن قاتلوا من تمسك بالإسلام ولولا ذلك لما شك عمر في قتالهم، ولقال أبو بكر قد تركوا لا اله إلا الله فصاروا مشركين، وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبي بكر وأشعار من قال الشعر منهم فقال شاعرهم : <TABLE BORDER 0 ID POTBL <TR ID POLEFTCELL ألا أصبحينا قبل نـائرة الـفـجـر ID POMIDDLECELL ID PORIGHTCELL لعل منايانا قـريب ومـا نـدري <TR ID POLEFTCELL أطعنا رسول الله ما كان بـينـنـا ID POMIDDLECELL ID PORIGHTCELL فيا عجبا ما بال ملك أبي بـكـر <TR ID POLEFTCELL فإن الذي سألوكـم فـمـنـعـتـم ID POMIDDLECELL ID PORIGHTCELL لكالتمر أو أحلى إليهم من التمـر <TR ID POLEFTCELL سنمنعهم ما كـان فـينـا بـقـية ID POMIDDLECELL ID PORIGHTCELL كرام على العزاء في ساعة العسر
صفحة : 2440
وقالوا لأبي بكر رضي الله عنه بعد الإسار: ما كفرنا بعد إيماننا ولكنا شححنا على أموالنا، فسار إليهم أبو بكر بنفسه حتى لقي أخا بني بدر الفزاري فقاتله ومعه عمر وعامة أصحاب النبي ﷺ، ثم أمضى أبو بكر رضي الله عنه خالدا في قتال من ارتد ومنع الزكاة فقاتلهم بعوام من أصحاب النبي ﷺ. قال الشافعي رحمه الله: ففي هذا دلالة على أن من منع حقا مما فرض الله عليه فلم يقدر الإمام على أخذه بامتناعه قاتله وإن أتى القتال على نفسه، وفي هذا المعنى كل حق لرجل على رجل فمنعه بجماعة وقال لا أؤدي ولا أبدؤكم بقتال قوتل وكذا قال من منع الصدقة ممن نسب إلى الردة، فإذا لم يختلف أصحاب النبي ﷺ في قتالهم بمنع الزكاة فالباغي الذي يقاتل الإمام العادل في مثل معناهم في أنه لا يعطي الإمام العادل حقا يجب عليه ويمتنع من حكمه، ويزيد على مانع الصدقة أن يريد أن يحكم هو على الإمام العادل، ولو أن نفرا يسيرا قليلي العدد ويعرف أن مثلهم لا يمتنع إذا أريدوا فأظهروا آراءهم ونابذوا الإمام العادل وقالوا: نمتنع من الحكم، فأصابوا أموالا ودماء وحددوا في هذه الحال متأولين ثم ظهر عليهم أقيمت عليهم الحدود وأخذت منهم الحقوق كما تؤخذ من غير المتأولين، وإذا كانت لأهل البغي جماعة تكبر ويمتنع مثلها بموضعها الذي هي به بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال إلا حتى تكثر نكايته واعتقدت ونصبت إماما وأظهرت حكما وامتنعت من حكم الإمام العادل فهذه الفئة الباغية التي تفارق حكم من ذكرنا قبلها، فإن فعلوا مثل هذه فينبغي أن يسألوا ما نقموا، فإن ذكروا مظلمة بينة ردت وإن لم يذكروها بينة قيل: عودوا لما فارقتم من طاعة الإمام العادل وأن تكون كلمتكم وكلمة أهل دين الله على المشركين واحدة وأن لا تمتنعوا من الحكم، فإن فعلوا قبل منهم وإن امتنعوا قيل: إنا مؤذنوكم بحرب فإن لم يجيبوا قوتلوا، ولا يقاتلوا حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا حتى يفيئوا إلى أمر الله. قال الشافعي رحمه الله: والفيئة الرجوع عن القتال بالهزيمة أو الترك للقتال أي حال تركوا فيها القتال فقد فاءوا حرم قتالهم لأنه أمر أن يقاتل وإنما يقاتل من يقاتل فإذا لم يقاتل حرم بالإسلام أن يقاتل، فأما من لم يقاتل فإنما يقال اقتلوه لا قاتلوه. نادى منادي علي رضي الله عنه يوم الجمل: ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح. وأتي علي رضي الله عنه يوم صفين بأسير فقال له علي: لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين فخلى سبيله والحرب يوم صفين قائمة ومعاوية يقاتل جادا في أيامه كلها منتصفا أو مستعليا، فبهذا كله أقول. وأما إذا لم تكن جماعة ممتنعة فحكمه القصاص. قتل ابن ملجم عليا متأولا فأمر بحبسه وقال لولده: إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى عليه القتل وقتله الحسن بن علي رضي الله عنه وفي الناس بقية من أصحاب النبي ﷺ فما أنكر قتله ولا عابه أحد، ولم يقد علي وقد ولي قتال المتأولين ولا أبو بكر من قتله الجماعة الممتنع مثلها على التأويل على ما وصفنا ولا على الكفر وإن كان بارتداد إذا تابوا، قد قتل طليحة عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم ثم أسلم فلم يضمن عقلا ولا قودا، فأما جماعة ممتنعة غير متأولين قتلت وأخذت المال فحكمهم حكم قطاع الطريق. قال المزني رحمه الله: هذا خلاف قوله في قتال أهل الردة لأنه ألزمهم هناك ما وضع عنهم ههنا وهذا أشبه عندي بالقياس. قال الشافعي رحمه الله: ولو أن قوما أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا الجماعات وأكفروهم لم يحل بذلك قتالهم. بلغنا أن عليا رضي الله عنه سمع رجلا يقول: لا حكم إلا لله في ناحية المسجد. فقال علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال. قال الشافعي رحمه الله: ولو قتلوا واليهم أو غيره قبل أن ينصبوا إماما أو يظهروا حكما مخالفا لحكم الإمام كان عليهم في ذلك القصاص قد سلموا وأطاعوا واليا عليهم من قبل علي ثم قتلوه فأرسل إليهم علي رضي الله عنه أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به، قالوا كلنا قتله، قال: فاستسلموا نحكم عليكم، قالوا: لا. فسار إليهم فقاتلهم فأصاب
صفحة : 2441
أكثرهم. قال الشافعي رحمه الله: وإذا قاتلت امرأة منهم أو عبد أو غلام مراهق قوتلوا مقبلين وتركوا مولين لأنهم منهم ويختلفون في الإسار، ولو أسر بالغ من الرجال الأحرار فحبس ليبايع رجوت أن يسع، ولا يسع أن يحبس مملوك ولا غير بالغ من الأحرار ولا امرأة لتبايع وإنما يبايع النساء على الإسلام فأما على الطاعة فهن لا جهاد عليهن، فأما إذا انقضت الحرب فلا يحبس أسيرهم وإن سألوا أن ينظروا لم أر بأسا على ما يرجو الإمام منهم، وإن خاف على الفئة العادلة الضعف عنهم رأيت تأخيرهم إلى أن تمكنه القوة عليهم، ولو استعان أهل البغي بأهل الحرب على قتال أهل العدل قتل أهل الحرب وسبوا ولا يكون هذا أمانا إلا على الكف فأما على قتال أهل العدل فلو كان لهم أمان فقاتلوا أهل العدل كان نقضا لأمانهم، وإن كانوا أهل ذمة فقد قيل ليس هذا نقضا للعهد. قال: وأرى إن كانوا مكرهين أو ذكروا جهالة فقالوا كنا نرى إذا حملتنا طائفة من المسلمين على أخرى أن عمها يحل كقطاع الطريق، أو لم نعلم أن من حملونا على قتاله مسلم لم يكن هذا نقضا للعهد وأخذوا بكل ما أصابوا من دم ومال وذلك أنهم ليسوا بمؤمنين الذين أمر الله بالإصلاح بينهم، وإن أتى أحدهم تائبا لم يقص منه لأنه مسلم محرم الدم. قال الشافعي وقال لي قائل: ما تقول فيمن أراد دم رجل أو ماله أو حريمه? قلت: يقاتله وإن أتى القتل على نفسه إذا لم يقدر على دفعه إلا بذلك. وروي حديث النبي ﷺ: لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس قلت: هو كلام عربي ومعناه إذا أتى واحدة من الثلاث حل لحمه فمعناه أن رجلا زنى محصنا ثم ترك الزنا وتاب منه وهرب فقدر عليه قتل رجما، أو قتل عمدا وترك القتل وتاب منه. وهرب ثم قدر عليه قتل قودا، وإذا كفر ثم تاب فارقه اسم الكفر وهذان لا يفارقهما اسم الزنا والقتل ولو تابا وهربا. قال: ولا يستعان عليهم بمن يرى قتلهم مدبرين، ولا بأس إذا كان حكم الإسلام الظاهر أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين وذلك أنه تحل دماؤهم مقبلين ومدبرين، ولا يعين العادل إحدى الطائفتين الباغيتين وإن استعانته على الأخرى حتى ترجع إليه، ولا يرمون بالمنجنيق ولا نار إلا أن تكون ضرورة بأن يحاط بهم فيخافوا الاصطلام، أو يرمون بالمنجنيق فيسعهم ذلك دفعا عن أنفسهم، وإن غلبوا على بلاد فأخذوا صدقات أهلها وأقاموا عليهم الحدود لم تعد عليهم ولا يرد من قضاء قاضيهم إلا ما يرد من قضاء قاضي غيرهم. وقال في موضع آخر: إذا كان غير مأمون برأيه على استحلال دم ومال لم ينفذ حكمه ولم يقبل كتابه. قال: ولو شهد منهم عدل قبلت شهادته ما لم يكن يرى أن يشهد لموافقه بتصديقه، فإن قتل باغ في المعترك غسل وصلي عليه ودفن، وإن كان من أهل العدل ففيها قولان أحدهما: إنه كالشهيد. والآخر: أنه كالموتى إلا من قتله المشركون. قال: وأكره للعدل أن يعمد قتل ذي رحم من أهل البغي، وذلك أن النبي ﷺ كف أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه وأبا بكر رضي الله عنه يوم أحد عن قتل ابنه وأيهما قتل أباه أو ابنه فقال بعض الناس: إن قتل العادل أباه ورثه وإن قتله الباغي لم يرثه، وخالفه بعض أصحابه فقال: يتوارثان لأنهما متأولان، وخالفه آخر فقال: لا يتوارثان لأنهما قاتلان. قال الشافعي رحمه الله: وهذا أشبه بمعنى الحديث فيرثهما غيرهما من ورثتهما ومن أريد دمه أو ماله أو حريمه فله أن يقاتل وإن أتى ذلك على نفس من أراده. قال الشافعي رحمه الله: قال رسول الله ﷺ: من قتل دون ماله فهو شهيد . قال الشافعي رحمه الله: فالحديث عن النبي ﷺ يدل على جواز أمان كل مسلم من حر وامرأة وعبد قاتل أو لم يقاتل لأهل بغي أو حرب.. قال الشافعي رحمه الله: وإذا قاتلت امرأة منهم أو عبد أو غلام مراهق قوتلوا مقبلين وتركوا مولين لأنهم منهم ويختلفون في الإسار، ولو أسر بالغ من الرجال الأحرار فحبس ليبايع رجوت أن يسع، ولا يسع أن يحبس مملوك ولا غير بالغ من الأحرار ولا امرأة لتبايع وإنما يبايع النساء على الإسلام فأما على الطاعة فهن لا جهاد عليهن، فأما إذا انقضت الحرب فلا يحبس أسيرهم وإن سألوا أن ينظروا لم أر بأسا على ما يرجو الإمام منهم، وإن خاف على الفئة العادلة الضعف عنهم رأيت تأخيرهم إلى أن تمكنه القوة عليهم، ولو استعان أهل البغي بأهل الحرب على قتال أهل العدل قتل أهل الحرب وسبوا ولا يكون هذا أمانا إلا على الكف فأما على قتال أهل العدل فلو كان لهم أمان فقاتلوا أهل العدل كان نقضا لأمانهم، وإن كانوا أهل ذمة فقد قيل ليس هذا نقضا للعهد. قال: وأرى إن كانوا مكرهين أو ذكروا جهالة فقالوا كنا نرى إذا حملتنا طائفة من المسلمين على أخرى أن عمها يحل كقطاع الطريق، أو لم نعلم أن من حملونا على قتاله مسلم لم يكن هذا نقضا للعهد وأخذوا بكل ما أصابوا من دم ومال وذلك أنهم ليسوا بمؤمنين الذين أمر الله بالإصلاح بينهم، وإن أتى أحدهم تائبا لم يقص منه لأنه مسلم محرم الدم. قال الشافعي وقال لي قائل: ما تقول فيمن أراد دم رجل أو ماله أو حريمه? قلت: يقاتله وإن أتى القتل على نفسه إذا لم يقدر على دفعه إلا بذلك. وروي حديث النبي ﷺ: لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس قلت: هو كلام عربي ومعناه إذا أتى واحدة من الثلاث حل لحمه فمعناه أن رجلا زنى محصنا ثم ترك الزنا وتاب منه وهرب فقدر عليه قتل رجما، أو قتل عمدا وترك القتل وتاب منه. وهرب ثم قدر عليه قتل قودا، وإذا كفر ثم تاب فارقه اسم الكفر وهذان لا يفارقهما اسم الزنا والقتل ولو تابا وهربا. قال: ولا يستعان عليهم بمن يرى قتلهم مدبرين، ولا بأس إذا كان حكم الإسلام الظاهر أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين وذلك أنه تحل دماؤهم مقبلين ومدبرين، ولا يعين العادل إحدى الطائفتين الباغيتين وإن استعانته على الأخرى حتى ترجع إليه، ولا يرمون بالمنجنيق ولا نار إلا أن تكون ضرورة بأن يحاط بهم فيخافوا الاصطلام، أو يرمون بالمنجنيق فيسعهم ذلك دفعا عن أنفسهم، وإن غلبوا على بلاد فأخذوا صدقات أهلها وأقاموا عليهم الحدود لم تعد عليهم ولا يرد من قضاء قاضيهم إلا ما يرد من قضاء قاضي غيرهم. وقال في موضع آخر: إذا كان غير مأمون برأيه على استحلال دم ومال لم ينفذ حكمه ولم يقبل كتابه. قال: ولو شهد منهم عدل قبلت شهادته ما لم يكن يرى أن يشهد لموافقه بتصديقه، فإن قتل باغ في المعترك غسل وصلي عليه ودفن، وإن كان من أهل العدل ففيها قولان أحدهما: إنه كالشهيد. والآخر: أنه كالموتى إلا من قتله المشركون. قال: وأكره للعدل أن يعمد قتل ذي رحم من أهل البغي، وذلك أن النبي ﷺ كف أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه وأبا بكر رضي الله عنه يوم أحد عن قتل ابنه وأيهما قتل أباه أو ابنه فقال بعض الناس: إن قتل العادل أباه ورثه وإن قتله الباغي لم يرثه، وخالفه بعض أصحابه فقال: يتوارثان لأنهما متأولان، وخالفه آخر فقال: لا يتوارثان لأنهما قاتلان. قال الشافعي رحمه الله: وهذا أشبه بمعنى الحديث فيرثهما غيرهما من ورثتهما ومن أريد دمه أو ماله أو حريمه فله أن يقاتل وإن أتى ذلك على نفس من أراده. قال الشافعي رحمه الله: قال رسول الله ﷺ: من قتل دون ماله فهو شهيد . قال الشافعي رحمه الله: فالحديث عن النبي ﷺ يدل على جواز أمان كل مسلم من حر وامرأة وعبد قاتل أو لم يقاتل لأهل بغي أو حرب.
صفحة : 2442
باب الخلاف في قتال أهل البغي
صفحة : 2443
قال الشافعي رحمه الله: قال بعض الناس: إذا كانت الحرب قائمة استمتع بدوابهم وسلاحهم وإذا انقضت الحرب فذلك رد، قلت: أرأيت إن عارضك وإيانا معارض يستحل مال من يستحل دمه فقال: الدم أعظم فإذا حل الدم حل المال. هل لك من حجة إلا أن هذا في أهل الحرب الذين ترق أحرارهم وتسبى نساؤهم وذراريهم والحكم في أهل القبلة خلافهم، وقد يحل دم الزاني المحصن والقاتل ولا تحل أموالهما بجنايتهما والباغي أخف حالا منهما ويقال لهما مباحا الدم مطلقا ولا يقال للباغي مباح الدم وإنما يقال يمنع من البغي إن قدر على منعه بالكلام أو كان غير ممتنع لا يقاتل لم يحل قتاله? قال: إني إنما آخذ سلاحهم لأنه أقوى لي وأوهن لهم ما كانوا مقاتلين. فقلت له: فإذا أخذت ماله وقتل فقد صار ملكه كطفل أو كبير لم يقاتلك قط، أفتقوى بمال غائب غير باغ على باغ. فقلت له: أرأيت لو وجدت لهم دنانير أو دراهم تقويك عليهم أتأخذها? قال: لا. قلت: فقد تركت ما هو أقوى لك عليهم من السلاح في بعض الحالات. قال: فإن صاحبنا يزعم أنه لا يصلي على قتلى أهل البغي قلت: ولم وهو يصلي على من قتله في حد يجب عليه قتله ولا يحل له تركه? والباغي محرم قتله موليا وراجعا عن البغي ولو ترك الصلاة على أحدهما دون الآخر كان من لا يحل إلا قتله بترك الصلاة أولى. قال: كأنه ذهب إلى أن ذلك عقوبة لينكل بها غيره. قلت: وإن كان ذلك جائزا فاصلبه أو حرقه أو حز رأسه وابعث به فهو أشد في العقوبة. قال: لا أفعل به شيئا من هذا. قلت له: هل يبالي من يقاتلك على أنك كافر لا يصلي عليك وصلاتك لا تقربه إلى ربه? وقلت له: أيمنع الباغي أن تجوز شهادته أو يناكح أو شيئا مما يجري لأهل الإسلام? قال: لا. قلت: فكيف منعته الصلاة وحدها. قال الشافعي ويجوز أمان الرجل والمرأة المسلمين لأهل الحرب والبغي، فأما العبد المسلم فإن كان يقاتل جاز أمانه وإلا لم يجز. قلت: فما الفرق بينه يقاتل أو لا يقاتل? قال: قول النبي ﷺ: المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم . قلت: فإن قلت ذلك على الأحرار فقد أجزت أمان عبد، وإن كان على الإسلام فقد رددت أمان عبد مسلم لا يقاتل. قال: فإن كان القتل يدل على هذا. قلت: ويلزمك في أصل مذهبك أن لا تجيز أمان امرأة ولا زمن لأنهما لا يقاتلان وأنت تجيز أمانهما. قال: فأذهب إلى الدية فأقول دية العبد لا تكافىء دية الحر قلت: فهذا أبعد لك من الصواب. قال: ومن أين? قلت: دية المرأة نصف دية الحر وأنت تجيز أمانها ودية بعض العبيد أكثر من دية المرأة ولا تجيز أمانه، وقد تكون دية عبد لا يقاتل أكثر من دية عبد يقاتل فلا تجيز أمانه فقد تركت أصل مذهبك. قال: فإن قلت إنما عنى مكافأة الدماء في القود. قلت: فأنت تقيد بالعبد الذي لا يسوي عشرة دنانير الحر الذي ديته ألف دينار كان العبد يحسن قتالا أو لا يحسنه. قال: إني لأفعل وما هو على القود. قلت: ولا على الدية ولا على القتال. قال: فعلام هو? قلت: على اسم الإسلام. وقال الناس: إذا امتنع أهل البغي بدارهم من أن يجري الحكم عليهم فما أصابه المسلمون من التجار والأسرى في دارهم من حدود الناس بينهم أو لله لم تؤخذ منهم ولا الحقوق بالحكم وعليهم فيما بينهم وبين الله تعالى تأديتها إلى أهلها. قلت: فلم قتلته? قال: قياسا على دار المحاربين يقتل بعضهم بعضا ثم يظهر عليهم فلا يقاد منهم قلت: هم مخالفون للتجار والأسرى في المعنى الذي ذهبت إليه خلافا بينا أرأيت لو سبى المحاربون بعضهم بعضا ثم أسلموا أندع السابي يتخول المسبي مرقوقا له. قال: نعم. قلت: أفتجيز هذا في التجار والأسرى في دار أهل البغي? قال: لا. قلت: فلو غزانا أهل الحرب فقتلوا منا ثم رجعوا مسلمين أيكون على أحد منهم قود? قال: لا. قلت: فلو فعل ذلك التجار والأسرى ببلاد الحرب غير مكرهين ولا شبه عليهم? قال: يقتلون قلت: أيسع قصد قتل التجار والأسرى ببلاد الحرب فيقتلون? قال: بل يحرم. قلت: أرأيت التجار والأسرى لو تركوا الصلاة والزكاة في دار الحرب ثم خرجوا إلى دار الإسلام أيكون عليهم قضاء ذلك? قال: نعم. قلت: ولا يحل لهم في دار الحرب إلا ما يحل لهم في دار الإسلام? قال: لا. قلت: فإذا كانت الدار لا تغير ما أحل لهم وحرم عليهم فكيف أسقطت عنهم حق الله وحق الآدميين الذي
صفحة : 2444
أوجبه الله عليهم? ثم أنت لا تحل لهم حبس حق قبلهم في دم ولا غيره وما كان لا يحل لهم حبسه فإن على الإمام استخراجه عندك في غير هذا الموضع? فال: فأقيسهم بأهل الردة الذين أبطل ما أصابوا. قلت: فأنت تزعم أن أهل البغي يقاد منهم ما لم ينصبوا إماما ويظهروا حكما والتجار والأسارى لا إمام لهم ولا امتناع. ونزعم لو قتل أهل البغي بعضهم بعضا بلا شبهة أقدت منهم. قال: ولكن الدار ممنوعة من أن يجري عليهم الحكم. قلت: أرأيت لو أن جماعة من أهل القبلة محاربين امتنعوا في مدينة حتى لا يجري عليهم حكم فقطعوا الطريق وسفكوا الدماء وأخذوا الأموال وأتوا الحدود? قال: يقام هذا كله عليهم. قلت: فهذا ترك معناك. وقلت له: أيكون على المدنيين قولهم لا يرث قاتل عمد ويرث قاتل خطأ إلا من الدية? فقلت: لا يرث القاتل في الوجهين لأنه يلزمه اسم قاتل فكيف لم تقل بهذا في القاتل من أهل البغي والعدل لأن كلا يلزمه اسم قاتل وأنت تسوي بينهما فلا نقيد أحدا بصاحبه.أوجبه الله عليهم? ثم أنت لا تحل لهم حبس حق قبلهم في دم ولا غيره وما كان لا يحل لهم حبسه فإن على الإمام استخراجه عندك في غير هذا الموضع? فال: فأقيسهم بأهل الردة الذين أبطل ما أصابوا. قلت: فأنت تزعم أن أهل البغي يقاد منهم ما لم ينصبوا إماما ويظهروا حكما والتجار والأسارى لا إمام لهم ولا امتناع. ونزعم لو قتل أهل البغي بعضهم بعضا بلا شبهة أقدت منهم. قال: ولكن الدار ممنوعة من أن يجري عليهم الحكم. قلت: أرأيت لو أن جماعة من أهل القبلة محاربين امتنعوا في مدينة حتى لا يجري عليهم حكم فقطعوا الطريق وسفكوا الدماء وأخذوا الأموال وأتوا الحدود? قال: يقام هذا كله عليهم. قلت: فهذا ترك معناك. وقلت له: أيكون على المدنيين قولهم لا يرث قاتل عمد ويرث قاتل خطأ إلا من الدية? فقلت: لا يرث القاتل في الوجهين لأنه يلزمه اسم قاتل فكيف لم تقل بهذا في القاتل من أهل البغي والعدل لأن كلا يلزمه اسم قاتل وأنت تسوي بينهما فلا نقيد أحدا بصاحبه. باب حكم المرتد قال الشافعي رحمه الله: ومن ارتد عن الإسلام إلى أي كفر كان مولودا على الإسلام أو أسلم ثم ارتد قتل، وأي كفر ارتد إليه مما يظهر أو يسر من الزندقة ثم تاب لم يقتل، فإن لم يتب قتل امرأة كانت أو رجلا عبدا كان أو حرا. وقال في الثاني: في استتابته ثلاثا قولان أحدهما: حديث عمر يتأنى به ثلاثا. والآخر: لا يؤخر لأن النبي ﷺ لم يأمر فيه بأناة وهو لو تؤني به بعد ثلاث كهيئته قبلها. قال الشافعي رحمه الله: وهذا ظاهر الخبر. قال المزني: وأصله الظاهر وهو أقيس على أصله. قال الشافعي ويوقف ماله وإذا قتل فماله بعد قضاء دينه وجنايته ونفقة من تلزمه نفقته فيء لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وكما لا يرث مسلما لا يرثه مسلم، ويقتل الساحر إن كان ما يسحر به كفرا إن لم يتب. قال: ويقال لمن ترك الصلاة وقال أنا أطيقها ولا أصليها لا يعملها غيرك فإن فعلت وإلا قتلناك كما تترك الإيمان ولا يعلمه غيرك. فإن آمنت وإلا قتلناك، ومن قتل مرتدا قبل أن يستتاب أو جرحه فأسلم ثم مات من الجرح فلا قود ولا دية ويعزر القاتل لأن المتولي لقتله بعد استتابته الحاكم. قال: ولا يسبى للمرتدين ذرية وإن لحقوا بدار الحرب لأن حرمة الإسلام قد ثبتت لهم ولا ذنب لهم في تبديل آبائهم، ومن بلغ منهم إن لم يتب قتل، ومن ولد للمرتدين في الردة لم يسب لأن آباءهم لم يسبوا، وإن ارتد معاهدون ولحقوا بدار الحرب وعندنا لهم ذراري لم نسبهم وقلنا: إذا بلغوا لكم العهد إن شئتم وإلا نبذنا إليكم ثم أنتم حرب، وإن ارتد سكران فمات كان ماله فيئا ولا يقتل وإن لم يتب حتى يمتنع مفيقا. قال المزني: قلت إن هذا دليل على طلاق السكران الذي لا يميز أنه لا يجوز، ولو شهد عليه شاهدان بالردة فأنكره قيل: إن أقررت بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتبرأ من كل دين خالف دين الإسلام لم يكشف عن غيره، وما جرح أو أفسد في ردته أخذ به وإن جرح مرتدا ثم جرح مسلما فمات فعلى من جرحه مسلما نصف الدية.