→ كتاب السبق والنضال | كتاب الأم - كتاب السبق والنضال المؤلف: الشافعي |
كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي ← |
ما ذكر في النضال |
[قال الشافعي]: رحمه الله: والنضال فيما بين الاثنين يسبق أحدهما الآخر والثالث بينهما المحلل كهو في الخيل لا يختلفان في الأصل فيجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر ويرد فيهما ما يرد في الآخر ثم يتفرعان فإذا اختلفت عللهما اختلفا، وإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن يجعلا بينهما قرعا معروفا خواسق أو حوابي فهو جائز إذا سميا الغرض الذي يرميانه، وجائز أن يتشارطا ذلك محاطة أو مبادرة فإذا تشارطاه محاطة فكلما أصاب أحدهما بعدد وأصاب الآخر بمثله سقط كل واحد من العددين واستأنفا عددا كأنهما أصابا بعشرة أسهم عشرة سقطت العشرة بالعشرة ولا شيء لواحد منهما على صاحبه ولا يعتد كل واحد منهما على صاحبه إلا بالفضل من إصابته على إصابة صاحبه وهذا من حين يبتدئان السبق إلى أن يفرغا منه وسواء كان لأحدهما فضل عشرين سهما ثم أصاب معه صاحبه بسهم حط منهما سهم ثم كلما أصاب حطه حتى يخلص له فضل العدد الذي شرط فينضله.
وإن وقف وقرع بينهما من عشرين خاسقا وله فضل تسعة عشر فأصاب بسهم وقفنا المفلوج وأمرنا الآخر بالرمي حتى ينفذ ما في أيديهما في رشقها فإن حطه المفلوج عليه بطل فلجه وإن أنفد ما في يديه وللآخر في ذلك الرشق عشرون لم يكلف أن يرمي معه وكان قد فلج عليه.
وإن تشارطا أن القرع بينهما حواب كان الحابي قرعة والخاسق قرعتين ويتقايسان إذا أخطآ في الوجه معا فإن كان أحدهما أقرب من صاحبه بسهم فأكثر عدد ذلك عليه، وإن كان أقرب منه بسهم ثم الآخر أقرب بأسهم بطلت أسهمه الذي هو أقرب به لا يعد القرب لواحد ولا أكثر وثم واحد أقرب منه، وكذلك لو كان أحدهما أقرب بسهم حسبناه له والآخر أقرب بخمسة أسهم بعد ذلك السهم لم نحسبها له إنما نحسب له الأقرب فأيهما كان أقرب بواحد حسبناه له وإن كان أقرب بأكثر وإن كان أقرب بواحد ثم الآخر بعده أقرب بواحد ثم الأول الذي هو أقربهما أقرب بخمسة أسهم لم يحسب له من الخمسة من قبل أن لمناضله سهما أقرب منها، وإن كان أقرب بأسهم فأصاب صاحبه بطل القرب لأن المصيب أولى من القريب إنما يحسب القريب لقربه من المصيب ولكن إن أصاب أحدهما وأخلى الآخر حسب للمصيب صوابه ثم نظر في حوابيهما فإن كان الذي لم يصب أقرب بطل قربه بمصيب مناضله فإن كان المصيب أقرب حسب له من نبله ما كان أقرب مع مصيبه لأنا إذا حسبنا له ما قرب من نبله مع غير مصيبه كانت محسوبة مع مصيبه، وقد رأيت من أهل الرمي من يزعم أنهم إنما يتقايسون في القرب إلى موضع العظم، وموضع العظم وسط الشن والأرض ولست أرى هذا يستقيم في القياس فالقياس أن يتقاربوا إلى الشن من قبل أن الشن موضع الصواب وقد رأيت منهم من يقايس بين النبل في الوجه والعواضد يمينا وشمالا ما لم يجاوز الهدف فإذا جاوز الهدف أو الشن أو كان منصوبا ألغوها فلم يقايسوا بها ما كان عضدا أو كان في الوجه ولا يجوز هذا في القياس فالقياس أن يقاس به خارجا أو ساقطا أو عاضدا أو كان في الوجه وهذا في المبادرة مثله في المحاطة لا يختلفان، والمبادرة أن يسميا قرعا ثم يحسب لكل واحد منهما صوابه إن تشارطوا الصواب وحوابيه إن تشارطوا الحوابي مع الصواب ثم أيهما سبق إلى ذلك العدد كان له الفضل.
[قال الربيع: الحابي الذي يصيب الهدف ولا يصيب الشن] فإذا تقايسا بالحوابي فاستوى حابياهما تباطلا في ذلك الوجه فلم يتعادا لأنا إنما نعاد من كل واحد منهما ما كان أقرب به وليس واحد منهما بأقرب من صاحبه، وإذا سبق الرجل الرجل على أن يرمي معه أو سبق رجل بين رجلين فقد رأيت من الرماة من يقول صاحب السبق أولى أن يبدأ والمسبق يبدئ أيهما شاء ولا يجوز في القياس أن يتشارطا أيهما يبدأ فإن لم يفعلا اقترعا، والقياس أن لا يرميا إلا عن شرط وإذا بدأ أحدهما من وجه بدأ الآخر من الوجه الذي يليه ويرمي البادئ بسهم ثم الآخر بسهم حتى ينفد نبلهما وإذا عرق أحدهما فخرج السهم من يده فلم يبلغ الغرض كان له أن يعود فيرمي به من قبل العارض فيه وكذلك لو زهق من قبل العارض فيه أعاده فرمى به وكذلك لو انقطع وتره فلم يبلغ أو انكسر قوسه فلم يبلغ كان له أن يعيده، وكذلك لو أرسله فعرض دونه دابة أو إنسان فأصابهما كان له أن يعيده في هذه الحالات كلها، وكذلك لو اضطربت به يداه أو عرض له في يديه ما لا يمضي معه السهم كان له أن يعود، فأما إن جاز وأخطأ القصد فرمى فأصاب الناس أو أجاز من ورائهم فهذا سوء رمي منه ليس بعارض غلب عليه وليس له أن يعيده، وإذا كان رميهما مبادرة فبدأ أحدهما فبلغ تسعة عشر من عشرين رمى صاحبه بالسهم الذي يراسله به ثم رمى البادئ فإن أصاب بسهمه ذلك فلج عليه ولم يرم الآخر بالسهم لأن أصل السبق مبادرة والمبادرة أن يفوت أحدهما الآخر وليست كالمحاطة.
وإذا تشارطا الخواسق فلا يحسب لرجل خاسق حتى يخرق الجلد ويكون متعلقا مثله، وإن تشارطا المصيب فلو أصاب الشن ولم يخرقه حسب له لأنه مصيب، وإذا تشارطا الخواسق والشن ملصق بهدف فأصاب ثم رجع ولم يثبت فزعم الرامي أنه خسق ثم رجع لغلظ لقيه من حصاة أو غيرها وزعم المصاب عليه أنه لم يخسق وأنه إنما قرع ثم رجع فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم بينهما بينة فيؤخذ بها، وكذلك إن كان الشن باليا فيه خروق فأصاب موضع الخروق فغاب في الهدف فهو مصيب، وإن لم يغب في الهدف ولم يستمسك بشيء من الشن ثم اختلفا فيه فالقول قول المصاب عليه مع يمينه.
فإن أصاب طرفا من الشن فخرمه ففيها قولان: أحدهما: أنه لا يحسب له خاسقا إذا كان شرطهما الخواسق إلا أن يكون بقي عليه من الشن طغية أو خيط أو جلد أو شيء من الشن يحيط بالسهم فيكون يسمى بذلك خاسقا لأن الخاسق ما كان ثابتا في الشن وقليل ثبوته وكثيره سواء، ولا يعرف الناس إذا وجهوا بأن يقال هذا خاسق إلا أن الخاسق ما أحاط به المخسوق فيه، ويقال للآخر خارم لا خاسق. والقول الآخر أن يكون الخاسق قد يقع بالاسم على ما أوهى الصحيح فخرقه فإذا خرق منه شيئا قل أو كثر ببعض النصل فهو خاسق لأن الخسق الثقب وهذا قد ثقب وإن خرم.
وإن كان السهم ثابتا في الهدف وعليه جلدة من الشن أو طغية ليست بمحيطة فقال الرامي خرق هذه الجلدة فانخرمت أو هذه الطغية فانخرمت، وقال المخسوق عليه إنما وقع في الهدف متغلغلا تحت هذه الجلدة أو الطغية اللتين هما طائرتان عما سواهما من الشن فالقول قوله مع يمينه ولا يحسب هذا خاسقا بحال في واحد من القولين، ولو كان في الشن خرق فأثبت السهم في الخرق ثم ثبت في الهدف كان خاسقا لأنه إذا ثبت في الهدف فالشن أضعف منه.
ولو كان الشن منصوبا فرمى فأصاب ثم مرق السهم فلم يثبت كان عندي خاسقا، ومن الرماة من لا يعده إذا لم يثبت، ولو اختلفا فيه فقال الرامي أصاب ومار فخرج وقال المرمى عليه لم يصب أو أصاب حرف الشن بالقدح ثم مضى كان القول قوله مع يمينه.
ولو أصاب الأرض ثم ازدلف فخرق الشن فقد اختلفت الرماة فمنهم من أنبته خاسقا وقال بالرمية أصاب وإن عرض له دونها شيء فقد مضى بالنزعة التي أرسل بها، ومنهم من زعم أن هذا لا يحسب له لأنه استحدث بضربته الأرض شيئا أحماه فهو غير رمي الرامي ولو أصاب وهو مزدلف فلم يخسق وشرطهم الخواسق لم يحسب في واحد من القولين خاسقا، ولو كان شرطهما المصيب حسب في قول من يحسب المزدلف وسقط في قول من يسقطه. [قال الربيع]: المزدلف الذي يصيب الأرض ثم يرتفع من الأرض فيصيب الشن، ولو كان شرطهم المصيب فأصاب السهم حين تفلت غير مزدلف الشن بقدحه دون نصله لم يحسب لأن الصواب إنما هو بالنصل دون القدح، ولو أرسله مفارقا للشن فهبت ريح فصرفته فأصاب حسب له مصيبا، وكذلك لو صرفته عن الشن وقد أرسله مصيبا، وكذلك لو أسرعت به وهو يراه قاصرا فأصاب حسب مصيبا، ولو أسرعت به وهو يراه مصيبا فأخطأ كان مخطئا ولا حكم للريح يبطل شيئا ولا يحقه ليست كالأرض ولا كالدابة يصيبها ثم يزدلف عنها فيصيب، ولو كان دون الشن شيء ما كان دابة أو ثوبا أو شيئا غيره فأصابه فهتكه ثم مر بحموته حتى يصيب الشن حسب في هذه الحالة لأن إصابته وهتكه لم يحدث له قوة غير النزع إنما أحدث فيه ضعفا.
ولو رمى والشن منصوب فطرحت الريح الشن أو أزاله إنسان قبل يقع سهمه كان له أن يعود فيرمي بذلك السهم لأن الرمية زالت، وكذلك لو زال الشن عن موضعه بريح أو إزالة إنسان بعد ما أرسل السهم فأصاب الشن حيث زال لم يحسب له، ولكنه لو أزيل فتراضيا أن يرمياه حيث أزيل حسب لكل واحد منهما صوابه، ولو أصاب الشن ثم سقط فانكسر سهمه أو خرج بعد ثبوته حسب له خاسقا لأنه قد ثبت وهذا كنزع الإنسان إياه بعد ما يصيب.
ولو تشارطا أن الصواب إنما هو في الشن خاصة فكان للشن وتر يعلق به أو جريد يقوم عليه فأثبت السهم في الوتر أو في الجريد لم يحسب ذلك له لأن هذا وإن كان مما يصلح به الشن فهو غير الشن، ولو لم يتشارطا فأثبت في الجريد أو في الوتر كان فيهما قولان، أحدهما أن اسم الشن والصواب لا يقع على المعلاق لأنه يزايل الشن فلا يضر به وإنما يتخذ ليربط به كما يتخذ الجدار ليسند إليه وقد يزايله فتكون مزايلته غير إخراب له ويحسب ما ثبت في الجريد إذا كان الجريد مخيطا عليه لأن إخراج الجريد لا يكون إلا بضرر على الشن، ويحسب ما ثبت في عرى الشن المخروزة عليه والعلاقة مخالفة لهذا، والقول الثاني أن يحسب أيضا ما يثبت في العلاقة من الخواسق لأنها تزول بزواله في حالها تلك قال ولا بأس أن يناضل أهل النشاب أهل العربية وأهل الحسبان لأن كلها نبل وكذلك القسي الدودانية والهندية وكل قوس يرمى عنها بسهم ذي نصل، ولا يجوز أن يتناضل رجلان على أن في يد أحدهما من النبل أكثر مما في يد الآخر ولا على أنه إذا خسق أحدهما حسب خاسقه خاسقين وخاسق الآخر ولا على أن لأحدهما خاسقا ثابتا لم يرم به يحسب مع خواسقه ولا على أنه يطرح من خواسق أحدهما خاسق ولا على أن أحدهما يرمي من عرض والآخر من أقرب منه ولا يجوز أن يرميا إلا من عرض واحد وبعدد نبل واحد وأن يستبقا إلى عدد قرع لا يجوز أن يقول أحدهما أسابقك على أن آتي بواحد وعشرين خاسقا فأكون ناضلا إن لم تأت بعشرين ولا تكون ناضلا إن جئت بعشرين قبل أن آتي بواحد وعشرين حتى يكونا مستويين معا ولا يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر أن لا يرمي إلا بنبل بأعيانها إن تغيرت لم يبدلها ولا إن أنفذ سهما أن لا يبدله ولا على أن يرمي بقوس بعينها لا يبدلها ولكن يكون ذلك إلى الرامي يبدل ما شاء من نبله وقوسه ما كان عدد النبل والغرض والقرع واحدا، وإن انتضلا فانكسرت نبل أحدهما أو قوسه أبدل نبلا وقوسا، وإن انقطع وتره أبدل وترا مكان وتره، ومن الرماة من زعم أن المسبق إذا سمى قرعا يستبقان إليه أو يتحاطانه فكانا على السواء أو بينهما زيادة سهم كان للمسبق أن يزيد في عدد القرع ما شاء، ومنهم من زعم أنه ليس له أن يزيد في عدد القرع ما لم يكونا سواء ومنهم من زعم أنهما إذا رميا على عدد قرع لم يكن للمسبق أن يزيد فيه بغير رضا المسبق ولا خير في أن يجعل خاسق في السواد بخاسقين في البياض إلا أن يتشارطا أن الخواسق لا تكون إلا في السواد، فيكون بياض الشن كالهدف لا يحسب خاسقا وإنما يحسب حابيا ولا خير في أن يسميا قرعا معلوما فلا يبلغانه ويقول أحدهما للآخر إن أصبت بهذا السهم الذي في يدك فقد نضلت إلا أن يتناقضا السبق الأول ثم يجعل له جعلا معروفا على أن يصيب بسهم ولا بأس على الابتداء أن يقف عليه فيقول إن أصبت بسهم فلك كذا وإن أصبت بأسهم فلك كذا وكذا فإن أصاب بها فذلك له وإن لم يصب بها فلا شيء له لأن هذا سبق على غير نضال، ولكن لو قال له ارم عشرة أرشاق فناضل الخطأ بالصواب فإن كان صوابك أكثر فلك سبق كذا لم يكن في هذا خير لأنه لا يصلح أن يناضل نفسه وإذا رمى بسهم فانكسر فأصاب النصل حسب خاسقا وإن سقط الشق الذي فيه النصل دون الشن وأصاب بالقدح الذي لا نصل فيه لم يحسب ولو انقطع باثنين فأصاب بهما معا حسب له الذي فيه النصل وألغي عنه الآخر.
ولو كان في الشن نبل فأصاب بسهمه فوق سهم من النبل ولم يمض سهمه إلى الشن لم يحسب له لأنه لم يصب الشن وأعيد عليه فرمى به لأنه قد عرض له دون الشن عارض كما تعرض له الدابة فيصيبها فيعاد عليه وإذا سبق الرجل الرجل على أن يرمي معه فرمى معه ثم أراد المسبق أن يجلس فلا يرمي معه وللمسبق فضل أو لا فضل له أو عليه فضل فسواء لأنه قد يكون عليه الفضل ثم ينضل ويكون له الفضل ثم ينضل، والرماة يختلفون في ذلك فمنهم من يجعل له أن يجلس ما لم ينضل، وينبغي أن يقول هو شيء إنما يستحقه بغير غاية تعرف وقد لا يستحقه ويكون منضولا وليس بإجارة فيكون له حصته مما عمل، ومنهم من يقول ليس له أن يجلس به إلا من عذر وأحسب العذر عندهم أن يموت أو يمرض المرض الذي يضر بالرمي أو يصيبه بعض ذلك في إحدى يديه أو بصره وينبغي إذا قالوا له هذا أن يقولوا فمتى تراضيا على أصل الرمي الأول فلا يجوز في واحد من القولين أن يشترط المسبق أن المسبق إذا جلس به كان السبق له به لأن السبق على النضل والنضل غير الجلوس وهذان شرطان وكذلك لو سبقه ولم يشترط هذا عليه ثم شرط هذا بعد السبق سقط الشرط ولا خير في أن يقول له أرمي معك بلا عدد قرع يستبقان إليه أو يتحاطانه، ولا خير في أن يسبقه على أنهما إذا تفالجا أعاد عليه وإن سبقه ونيتهما أن يعيد كل واحد منهما على صاحبه فالسبق غير فاسد وأكره لهما النية إنما أنظر في كل شيء إلى ظاهر العقد فإذا كان صحيحا أجزته في الحكم وإن كانت فيه نية لو شرطت أفسدت العقد لم أفسده بالنية لأن النية حديث نفس وقد وضع الله عن الناس حديث أنفسهم وكتب عليهم ما قالوا وما عملوا.
وإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن لا يرمي معه إلا بنبل معروف أو قوس معروفة فلا خير في ذلك حتى يكون السبق مطلقا من قبل أن القوس قد تنكسر وتعتل فيفسد عنها الرمي فإن تشارطا على هذا فالشرط يبطل السبق بينهما ولا بأس أن يرمي الناشب مع صاحب العربية وإن سابقه على أن يرمي معه بالعربية رمى بأي قوس شاء من العربية وإن أراد أن يرمي بغير العربية من الفارسية لم يكن له ذلك لأن معروفا أن الصواب عن الفارسية أكثر منه عن العربية وكذلك كل قوس اختلفت. وإنما فرقنا بين أن لا نجيز أن يشترط الرجل على الرجل أن لا يرمي إلا بقوس واحدة أو نبل وأجزنا ذلك في الفرس إن سابقه بفرس واحد لأن العمل في السبق في الرمي إنما هو للرامي والقوس والنبل أداة فلا يجوز أن يمنع الرمي بمثل القوس والنبل الذي شرط أن يرمي بها فيدخل عليه الضرر بمنع ما هو أرفق به من أداته التي تصلح رميه والفرس نفسه هو الجاري المسبق ولا يصلح أن يبدله صاحبه وإنما فارسه أداة فوقه ولكنه لو شرط عليه أن لا يجريه إلا إنسان بعينه لم يجز ذلك ولو أجزنا أن يراهن رجل رجلا بفرس بعينه فيأتي بغيره أجزنا أن يسبق رجل رجلا ثم يبدل مكانه رجلا يناضله ولكن لا يجوز أن يكون السبق إلا على رجل بعينه ولا يبدله بغيره وإذا كان عن فرس بعينه فلا يبدل غيره ولا يصلح أن يمنع الرجل أن يرمي بأي نبل أو قوس شاء إذا كانت من صنف القوس التي سابق عليها ولا أرى أن يمنع صاحب الفرس أن يحمل على فرسه من شاء لأن الفارس كالأداة للفرس والقوس والنبل كالأداة للرامي. ولا خير في أن يشترط المتناضلان أحدهما على صاحبه ولا كل واحد منهما على صاحبه أن لا يأكل لحما حتى يفرغ من السبق ولا أن يفترش فراشا. وكذلك لا يصلح أن يقول المتسابقان بالفرس لا يعلف حتى يفرغ يوما ولا يومين لأن هذا شرط تحريم المباح والضرر على المشروط عليه وليس من النضال المباح.
وإذا نهى الرجل أن يحرم على نفسه ما أحل الله له لغير تقرب إلى الله تعالى بصوم كان أو يشرط ذلك عليه غيره أولى أن يكون منهيا عنه ولا خير في أن يشترط الرجل على الرجل أن يرمي معه بقرع معلوم على أن للمسبق أن يعطيه ما شاء الناضل أو ما شاء المنضول ولا خير في ذلك حتى يكون بشيء معلوم مما يحل في البيع والإجارات. ولو سبقه شيئا معلوما على أنه إن نضله دفعه إليه وكان له عليه أن لا يرمي أبدا أو إلى مدة من المدد لم يجز لأنه يشترط عليه أن يمتنع من المباح له. ولو سبقه دينارا على أنه إن نضله كان ذلك الدينار له وكان له عليه أن يعطيه صاع حنطة بعد شهر كان هذا سبقا جائزا إذا كان ذلك كله من مال المنضول ولكنه لو سبقه دينارا على أنه إن نضله أعطاه المنضول ديناره وأعطى الناضل المنضول مد حنطة أو درهما أو أكثر أو أقل لم يكن هذا جائزا من قبل أن العقد قد وقع منه على شيئين شيء يخرجه المنضول جائزا في السنة للناضل وشيء يخرجه الناضل فيفسد من قبل أنه لا يصلح أن يتراهنا على النضال لا محلل بينهما لأن التراهن من القمار ولا يصلح لأن شرطه أن يعطيه المد ليس ببيع ولا سبق فيفسد من كل وجه ولو كان علي لك دينار فسبقتني دينارا فنضلتك فإن كان دينارك حالا فلك أن تقاصني وإن كان إلى أجل فعليك أن تعطيني الدينار وعلي إذا حل الأجل أن أعطيك دينارك ولو سبقه دينارا فنضله إياه ثم أفلس كان أسوة الغرماء لأنه حل في ماله بحق أجازته السنة فهو كالبيوع والإجارات ولو سبق رجل رجلا دينارا إلا درهما أو دينارا إلا مدا من حنطة كان السبق غير جائز لأنه قد يستحق الدينار وحصة الدرهم من الدينار عشر ولعل حصته يوم سبقه نصف عشره وكذلك المد من الحنطة وغيره.
ولا يجوز أن أسبقك ولا أن أشتري منك ولا أن أستأجر منك إلى أجل بشيء إلا شيئا يستثنى منه لا من غيره ولا أن أسبقك بمد تمر إلا ربع حنطة ولا درهم إلا عشرة أفلس ولكن إن استثنيت شيئا من الشيء الذي سبقته فلا بأس إذا سبقتك دينارا إلا سدسا فإنما سبقتك خمسة أسداس دينار وإن سبقتك صاعا إلا مدا فإنما سبقتك ثلاثة أمداد فعلى هذا الباب كله وقياسه، قال: ولا خير في أن أسبقك دينارا على أنك إن نضلتنيه أطعمت به أحدا بعينه ولا بغير عينه ولا تصدقت به على المساكين كما لا يجوز أن أبيعك شيئا بدينار على أن تفعل هذا فيه ولا يجوز إذا ملكتك شيئا إلا أن يكون ملكك فيه تاما تفعل فيه ما شئت دوني.
وإذا اختلف المتناضلان من حيث يرسلان وهما يرميان في المائتين يعني ذراعا فإن كان أهل الرمي يعلمون أن من رمى في هدف يقدم أمام الهدف الذي يرمي من عنده ذراعا أو أكثر حمل على ذلك إلا أن يتشارطا في الأصل أن يرميا من موضع بعينه فيكون عليهما أن يرميا من موضع شرطهما.
وإن تشارطا أن يرميا في شيئين موضوعين أو شيئين يريانهما أو يذكران سيرهما فأراد أحدهما أن يعلق ما تشارطا على أن يضعاه أو يضع ما تشارطا على أن يعلقاه أو يبدل الشن بشن أكبر أو أصغر منه فلا يجوز له ويحمل على أن يرمي على شرطه.
وإذا سبقه ولم يسم الغرض فأكره السبق حتى يسبقه على غرض معلوم وإذا سبقه على غرض معلوم كرهت أن يرفعه أو يخفضه دونه وقد أجاز الرماة للمسبق أن يرفع المسبق ويخفضه فيرمي معه رشقا وأكثر في المائتين ورشقا وأكثر في الخمسين والمائتين ورشقا وأكثر في الثلاثمائة ومن أجاز هذا أجاز له أن يرمي به في الرقعة وفي أكثر من ثلاثمائة ومن أجاز هذا أجاز له أن يبدل الشن وجعل هذا كله إلى المسبق ما لم يكونا تشارطا شرطا، ويدخل عليه إذا كانا رميا أول يوم بعشرة أن يكون للمسبق أن يزيد في عدد النبل وينقص منها إذا استويا في حال أبدا جعلوا ذلك إليه.
ولا بأس أن يتشارطا أن يرميا أرشاقا معلومة كل يوم من أول النهار أو آخره ولا يتفرقان حتى يفرغا منها إلا من عذر بمرض لأحدهما أو حائل يحول دون الرمي والمطر عذر لأنه قد يفسد النبل والقسي ويقطع الأوتار ولا يكون الحر عذرا لأن الحر كائن كالشمس ولا الريح الخفيفة وإن كانت قد تصرف النبل بعض الصرف ولكن إن كانت الريح عاصفا كان لأيهما شاء أن يمسك عن الرمي حتى تسكن أو تخف، وإن غربت لهما الشمس قبل أن يفرغا من أرشاقهما التي تشارطا لم يكن عليهما أن يرميا في الليل.
وإن انكسرت قوس أحدهما أو نبله أبدل مكان القوس والنبل والوتر متى قدر عليه فإن لم يقدر على بدل القوس ولا الوتر فهذا عذر، وكذلك إن ذهبت نبله كلها فلم يقدر على بدلها فإن ذهب بعض نبله ولم يقدر على بدله قيل لصاحبه إن شئت فاتركه حتى يجد البدل وإن شئت فارم معه بعدد ما بقي في يديه من النبل وإن شئت فاردد عليه مما رمى به من نبله ما يعيد الرمي به حتى يكمل العدد وإذا رموا اثنين واثنين وأكثر من العدد فاعتل واحد من الحزبين علة ظاهرة قيل للحزب الذين يناضلونه: إن اصطلحتم على أن تجلسوا مكانه رجلا من كان فذلك وإن تشاححتم لم نخبركم على ذلك وإن رضي أحد الحزبين ولم يرض الآخر لم يجبر الذين لم يرضوا.
وإذا اختلف المتناضلان في موضع شن معلق فأراد المسبق أن يستقبل به عين الشمس لم يكن ذلك له إلا أن يشاء المسبق كما لو أراد أن يرمي به في الليل أو المطر لم يجبر على ذلك المسبق وعين الشمس تمنع البصر من السهم كما تمنعه الظلمة. [قال الربيع]: المسبق أبدا هو الذي يغرم.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو اختلفا في الإرسال فكان أحدهما يطول بالإرسال التماس أن تبرد يد الرامي أو ينسى صنيعه في السهم الذي رمى به فأصاب أو أخطأ فيلزم طريق الصواب ويستعتب من طريق الخطأ أو قال هو لم أنو هذا وهذا يدخل على الرامي لم يكن ذلك له وقيل له ارم كما يرمي الناس لا معجلا عن أن تثبت في مقامك وفي إرسالك ونزعك ولا مبطئا لغير هذا الإدخال الحبس على صاحبك وكذلك لو اختلفا في الذي يوطن له فكان يريد الحبس أو قال لا أريده والموطن يطيل الكلام قيل للمواطن وطن له بأقل ما يفهم به ولا تعجل عن أقل ما يفهم به، ولو حضرهما من يحبسهما أو أحدهما أو يغلط فيكون ذلك مضرا بهما أو بأحدهما نهوا عن ذلك. [قال الربيع]: الموطن الذي يكون عند الهدف فإذا رمى الرامي قال دون ذا قليل أرفع من ذا قليل.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا اختلف الراميان في الموقف فخرجت قرعة أحدهما على أن يبدأ فبدأ من عرض وقف حيث شاء من المقام ثم كان للآخر من العرض الآخر الذي بدأ منه أن يقف حيث شاء من المقام وإذا سبق الرجل الرجل سبقا معلوما فنضله المسبق كان السبق في ذمة المنضول حالا يأخذه به كما يأخذ بالدين فإن أراد الناضل أن يسلفه المنضول أو يشتري به الناضل ما شاء فلا بأس وهو متطوع بإطعامه إياه وما نضله فله أن يحرزه ويتموله ويمنعه منه ومن غيره وهو عندي كرجل كان له على رجل دينار فأسلفه الدينار ورده عليه أو أطعمه به فعليه دينار كما هو ولا يجوز عند أحد رأيته ممن يبصر الرمي أن يسبق الرجل الرجل على أن يرمي بعشر ويجعل القرع من تسع ومنهم من يذهب إلى أن لا يجوز أن يجعل القرع من عشر ولا يجيز إلا أن يكون القرع لا يؤتي به بحال إلا في أكثر من رشق فإذا كان لا يؤتي به إلا بأكثر من الرشق فسواء قل ذلك أو كثر فهو جائز.
فإذا أصاب الرجل بالسهم فخسق وثبت قليلا ثم سقط بأي وجه سقط به حسب لصاحبه ولو وقف رجل على أن يفلج فرمى بسهم فقال إن أصبت فقد فلجت وإن لم أصب فالفلج لكم وقال له صاحبه إن أصبت بهذا السهم فلك به الفلوج وإن لم يكن يبلغه به إذا أصابه وإن أخطأت به فقد أنضلتني نفسك فهذا كله باطل لا يجوز وهما على أصل رميهما لا يفلج واحد منهما على صاحبه إلا أن يبلغ الفلوج ولو طابت نفس المسبق أن يسلم له السبق من غير أن يبلغه كان هذا شيئا تطوع به من ماله كما وهب له.
وإذا كانوا في السبق اثنين واثنين وأكثر فبدأ رجلان فانقطع أوتارهما أو وتر أحدهما كان له أن يقف من بقي حتى يركب وترا وينفد نبله. وقد رأيت من يقول هذا إذا رجا أن يتفالجا ويقول إذا علم أنهما والحرب كله لا يتفالجون لو أصابوا بما في أيديهم لأنهم لم يقاربوا عدد الغاية التي بينهم يرمي من بقي ثم يتم هذان.
وإذا اقتسموا ثلاثة وثلاثة فلا يجوز أن يقترعوا وليقتسموا قسما معروفا ولا يجوز أن يقول أحد الرجلين أختار على أن أسبق ولا يختار على أن يسبق ولا أن يقترعا فأيهما خرجت قرعته سبقه صاحبه ولكن يجوز أن يقتسما قسما معروفا ويسبق أيها شاء متطوعا لا مخاطرة بالقرعة ولا بغيرها من أن يقول أرمي أنا وأنت هذا الوجه فأينا أفضل على صاحبه سبقه المفضول والسبق على من بذله دون حزبه إلا أن يدخل حزبه أنفسهم معه في ضمان السبق أو يأمروه أن يسبق عنهم فيلزم كل واحد منهم حصته على قدر عدد الرجال لا على قدر جودة الرمي.
وإذا قال الرجل للرجل إن أصبت بهذا السهم فلك سبق فهذا جائز وليس هذا من وجه النضال، فإن قال إن أخطأت بهذا السهم فلك سبق لم يكن ذلك له. وإن حضر الغريب أهل الغرض فقسموه فقال من معه كنا نراه راميا، ولسنا نراه راميا أو قال أهل الحرب الذين يرمي عليهم كنا نراه غير رام وهو الآن رام لم يكن لهم من إخراجه إلا ما لهم من إخراج من عرفوا رميه ممن قسموه وهم يعرفونه بالرمي فسقط أو بغير الرمي فوافق، ولا يجوز أن يقول الرجل للرجل سبق فلانا دينارين على أني شريك في الدينارين إلا أن يتطوع بأن يهب له أحدهما أو كليهما بعد ما ينضل.
وكذلك لو تطارد ثلاثة فأخرج اثنان سبقين وأدخلا محللا لم يجز أن يجعل رجلا لا يرمي عليه نصف سبق أحدهما على أن له نصف الفضل إن أحرز على صاحبه وإذا سبق الرجل الرجل على أن له أن يبدأ عليه رشقين فأكثر لم يجز ذلك له، وذلك أنا إذا أعطيناه ذلك أعطيناه فضل سهم أو أكثر ألا ترى أنهما لو رميا بعشر ثم ابتدأ الذي بدأ كان لو فلج بذلك السهم الحادي عشر كنا أعطيناه أن يرمي بسهم يكون في ذلك الوقت فضلا على مراسله عن غير مراسلة وإنما نجيز هذا له إذا تكافأ فكان أحدهما يبدأ في وجه والآخر في آخر.
وإذا سبق الرجل الرجل فجائز أن يعطيه السبق موضوعا على يديه أو رهنا به أو حميلا أو رهنا وحميلا أو يأمنه كل ذلك جائز وإذا رميا إلى خمسين مبادرة فأفضل أحدهما على صاحبه خمسا أو أقل أو أكثر فقال الذي أفضل عليه اطرح فضلك على أن أعطيك به شيئا لم يجز ولا يجوز إلا أن يتفاسخا هذا السبق برضاهما ويتسابقان سبقا آخر.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: في الصلاة في المضربة والأصابع إذا كان جلدهما ذكيا مما يؤكل لحمه أو مدبوغا من جلد ما لا يؤكل لحمه ما عدا جلد كلب أو خنزير فإن ذلك لا يظهر بالدباغ والله تعالى أعلم، فإن صلى الرجل والضربة والأصابع عليه فصلاته مجزئة عنه غير أني أكرهه لمعنى واحد إني آمره أن يفضي ببطون كفيه إلى الأرض وإذا كانت عليه المضربة والأصابع منعتاه أن يقضي بجميع بطون كفيه لا معنى غير ذلك، ولا بأس أن يصلي متنكبا القوس والقرن إلا أن يكون يتحركان عليه حركة تشغله فأكره ذلك له وإن صلى أجزأه،.
ولا يجوز أن يسبق الرجل الرجل على أن يرمي معه، ويختار المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق ولا المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق قال: ولا يجوز السبق حتى يعرف كل واحد من المتناضلين من يرمي معه وعليه بأن يكون حاضرا يراه أو غائبا يعرفه.
وإذا كان القوم المتناضلون ثلاثة وثلاثة أو أكثر كان لمن له الإرسال وحزبه ولمناضليهم أن يقدموا أيهم شاءوا كما شاءوا ويقدم الآخرون كذلك، ولو عقدوا السبق على أن فلانا يكون مقدما وفلان معه وفلان ثان وفلان معه كان السبق مفسوخا ولا يجوز حتى يكون القوم يقدمون من رأوا تقديمه، وإذا كان البدء لأحد المتناضلين فبدأ المبدأ عليه فأصاب أو أخطأ رد ذلك السهم خاصة، وإن لم يعلما حتى يفرغا من رميهما رد عليه السهم الأول فرمى به فإن كان أصاب به بطل عنه وإن كان أخطأ به رمى به فإن أصاب به حسب له لأنه رمى به في البدء وليس له الرمي به فلا ينفعه مصيبا كان أو مخطئا إلا أن يتراضيا به.