الرئيسيةبحث

كتاب الأم/صدقة الشافعي/الخلاف في السائبة والكافر يعتق المؤمن


الخلاف في السائبة والكافر يعتق المؤمن


[قال الشافعي]: رحمه الله: ولا أحفظ عن أحد لقيته من فقهاء المكيين والمشرقيين خلافا فيما قلت من أن ولاء السائبة والمؤمن يعتقه الكافر لمن أعتقهما. وقد حفظت عن بعض المدنيين من أهل الحديث هذا وخالفنا بعض أصحابنا في ميراث السائبة: فقال أحدهم: يوالي من شاء. وقال آخر: لا يوالي من شاء وولاؤه للمسلمين وقال قائل: هذا وإذا أعتق الكافر عبده والعبد مسلم فولاؤه للمسلمين وإذا أسلم سيده الذي أعتقه لم يرجع إليه ولاؤه ولو أعتق رجل كافر عبدا كافرا ثم أسلم العبد المعتق قبل المولى المعتق كان ولاؤه للمسلمين إذا مات ورثوه فإن أسلم السيد المعتق قبل أن يموت رجع إليه ولاؤه لأنه قد كان ثبت له الولاء ولو أسلم العبد المعتق قبل المولى المعتق وللمولى المعتق بنون مسلمون كان ولاؤه لبنيه المسلمين.

[قال الشافعي]: رحمه الله: وقد وصفت موضع الحجة على هذا القول من الكتاب والسنة ووصفت بعد هذا الحجة عليه وهذا قول ينقض بعضه بعضا. أرأيت إن زعم أن الكافر يعتق الكافر فيكون الولاء ثابتا للكافر على الكافر ثم أسلم العبد المعتق والمولى كافر يخرج الولاء زعم من يديه بإسلامه أرأيت إذا زعم أيضا أن الكافر إذا أعتق عبدا مسلما لم يكن له ولاؤه وإن أسلم وإن كان للكافر ولد مسلمون كان لهم ولاؤه فكيف يرثه ولد المولى المعتق بأن كان ولد المولى المعتق مسلمين إذا لم يكن الولاء لأبيهم فكيف يرثونه بولاء أبيهم إنما ينبغي أن يكونوا في قوله كأسوة المسلمين في ولائه. وكيف إذا ورثوه بالولاء ثم أسلم المولى المعتق إذا كان كافرا والذي أعتق كافرا رجع إليه الولاء وقد أحرزه بنوه دونه فإن كانوا أحرزوه دونه لم يرجع إليه. وإن كانوا أحرزوه بسببه فالولاء له ولكنه لا يرث لاختلاف الملتين.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وما وصفت يدخل على من قال من أهل ناحيتنا ما حكيت وأكثر منه. ومن مختصر ما يدخل عليه في قول الله عز وجل: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة} أنه لا بد بحكم الله تبارك وتعالى أن يبطل أمر السائبة كله أو بعض أمره دون بعض لأن الله تبارك وتعالى قد ذكره مبطلا مع ما أبطل قبله وبعده من البحيرة والوصيلة والحام. فإن قال يبطل أمر السائبة كله فلا يجعل عتقه عتقا كما لا تجعل البحيرة والوصيلة والحام خارجة عن ملك مالكيها فهذا قول قد يحتمله سياق الآية ولكن الله عز وجل قد فرق بين إخراج الآدميين من ملك مالكيهم وإخراج البهائم فأجزنا العتق في السائبة بما أجاز الله تبارك وتعالى من العتق وأمر به منه ولما أجزنا العتق في السائبة كنا مضطرين إلى أن نعلم أن الذي أبطل الله عز وجل من السائبة التسييب وهو إخراج المعتق للسائبة ولاء السائبة من يديه فلما أبطله الله تبارك وتعالى كان ولاؤه للمعتق مع دلائل الآي في كتاب الله عز وجل فيما ينسب فيه أصل الولاء إلى من أعتقهم.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ويلزم قائل هذا القول أن يسأل عن السائبة أعتقها مالك؟ فإن قال نعم: قيل له فقد: (قضى رسول الله ﷺ أن الولاء لمن أعتق) وإن قال: لا قيل له فلم تعتق السائبة؟ ولو لم يعتقها مالكها لم تعتق ويلزمه في الشبه هذا في النصراني مالك يعتق المسلم فإن قال النصراني مالك معتق قيل: فقد: (قضى رسول الله ﷺ أن الولاء لمن أعتق) وإن قال لا يكون مالكا لمسلم فليس المسلم المعتق يجوز عتقه لأنه أعتقه غير مالك فإن قال ألا ترى أن المولى لا يرثه؟ قيل له وما للميراث والولاء والنسب؟ فإن قال فأبن أنه إذا منع ميراثه ثبت له الولاء؟ قيل نعم: أرأيت لو قتله مولاه أيرثه؟ فإن قال لا. قيل له أفيزول ولاؤه عنه؟ فإن قال: لا قيل فما أزال الميراث لا يزيل الولاء فإن قال أما ها هنا فلا قيل فكيف قلت هناك ما قلت ما أزال الميراث أزال الولاء؟ وقيل له: أنه رأيت إذ نسب الله عز وجل إبراهيم خليله عليه الصلاة والسلام إلى أبيه وأبوه كافر ونسب ابن نوح وهو كافر إلى أبيه نوح عليه السلام أرأيته قطع الأبوة باختلاف الملتين؟ فإن قال: لا قيل أفيرث الأب ابنه والابن أباه؟ فإن قال لا قيل فتنقطع الأبوة بانقطاع الميراث؟ فإن قال لا قيل فكيف قطعت الولاء ولم تقطع النسب وهما معا سبب؟ إنما منع الميراث باختلاف الدينين. وقد يمنع بأن يكون دونه من يحجبه وذلك لا يقطع ولاء ولا نسبا والحجة تمكن على قائل هذا القول بأكثر من هذا وفي أقل من هذا كفاية إن شاء الله تعالى.