الرئيسيةبحث

كتاب الأصنام

كتاب الأصنام

ابن الكلبي


أخبرنا الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي قرى عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة في سنة 463 قال: أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني إجازة قال: حدثني أبو بكر أحمد بن محمد عبد الله الجوهري قال: حدثنا أبو علي الحسن بن عليل العنزي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الصباح بن الفرات الكاتب قال: قرأت على هشام بن محمدٍ الكلبي في سنة 201 قال:

حدثنا أبي وغيره - وقد أثبت حديثهم جميعا - أن إسماعيل بن إبراهيم (صلى الله عليهما) لما سكن مكة وولد له بها أولاد كثير حتى ملأوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق، ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد والتماس المعاش.

وكان الذي سلخ بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم وصبابةً بمكة. فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم بها وصبابة بالحرم وحبا له. وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة ويحجون ويعتمرون على إرث أبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام).

ثم سلخ ذاك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره؛ فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ماكانت عليه الأمم من قبلهم. وانتجثوا[1] ما كان يعبد قوم نوح (عليه السلام) منها، على إرث ما بقي فيهم من ذكرها. وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها: من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة ومزدلفة وإهداء البدن والإهلال بالحج والعمرة – مع إدخالهم فيه ما ليس منه.

فكانت نزار تقول إذا ما أهلت:

لبيك اللهم لبيك لبيك، لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك!

ويوحدونه بالتلبية ويدخلون معه آلهتهم ويجعلون ملكها بيده. يقول الله (عز وجل) لنبيه (ﷺ): { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون }، أي ما يوحدونني بمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي.

وكانت تلبية عك إذا خرجوا حجاجا قدموا أمامهم غلامين أسودين من غلمانهم فكانا امام ركبهم.

فيقولان: نحن غرابا[2] عك! فتقول عك من بعدهما: عك إليك عانيه عبادك اليمانيه كيما نحج الثانيه!

وكانت ربيعة إذا حجت فقضت المناسك ووقفت في المواقف نفرت في النفر الأول ولم تقم إلى آخر التشريق.

فكان أول من غير دين إسماعيل عليه السلام فنصب الأوثان وسيب السائبة ووصل الوصيلة وبحّر[3] البحيرة وحمى الحامية عمرو بن ربيعة وهو لحي بن حارثة ابن عمرو بن عامر الأزدي وهو أبو خزاعة. وكانت أم عمرو بن لحي فهيرة بنت عمرو بن الحارث. ويقال قمعة بنت مضاض الجرهمي.

وكان الحارث هو الذي يلي أمر الكعبة. فلما بلغ عمرو بن لحي نازعه في الولاية وقاتل جرهما ببني إسماعيل. فظفر بهم وأجلاهم عن الكعبة. ونفاهم من بلاد مكة وتولى حجابة البيت بعدهم.

ثم إنه مرض مرضا شديدا فقيل له: إن بالبلقاء من الشأم حمةً إن أتيتها برأت. فأتاها فاستحم بها فبرأ. ووجد أهلها يعبدون الأصنام فقال ما هذه؟ فقالوا نستسقي بها المطر ونستنصر بها على العدو. فسألهم أن يعطوه منها ففعلوا فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة.

قال أبو المنذر هشام بن محمدٍ: فحدث الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن إسافا ونائلة (رجل من جرهم يقال له إساف بن يعلى ونائلة بنت زيدٍ من جرهم) وكان يتعشقها في أرض اليمن فأقبلوا حجاجا فدخلا الكعبة فوجدا غفلةً من الناس وخلوة في البيت ففجر بها في البيت فمسخا. فأصبحوا فوجدوهما مسخين. [فأخرجوهما] فوضعوهما موضعهما. فعبدتهما خزاعة وقريش ومن حج البيت بعد من العرب.

وكان أول من اتخذ تلك الأصنام (من ولد إسماعيل وغيرهم من الناس [و] سموهما بأسمائها على ما بقى فيهم من ذكرها حين فارقوا دين إسماعيل) هذيل بن مدركة، اتخذوا سواعا. فكان لهم برهاطٍ من أرض ينبع. وينبع عرض من أعراض المدينة. وكانت سدنته بنو لحيان. ولم أسمع لهذيلٍ في أشعارها له ذكرا إلا شعر رجلٍ من اليمن. واتخذت كلب ودا بدومة الجندل واتخذت مذحج وأهل جرش يغوث. وقال الشاعر:

حياك ود فإنا لا يحل لنا ** لهو النساء وإن الدين قد عزما

وقال الآخر:

وسار بنا يغوث إلى مرادٍ ** فناجزناهم قبل الصباح

واتخذت خيوان يعوق فكان بقرية لهم يقال لها خيوان من صنعاء على ليلتين مما يلي مكة.

ولم أسمع همدان سمت به[4] ولا غيرها من العرب ولم أسمع لها ولا لغيرها فيه شعرا. وأظن ذلك لأنهم قربوا من صنعاء واختلطوا بحمير فدانوا معهم باليهودية أيام تهودَ ذو نواسٍ فتهودوا معه.

واتخذت حمير نسرا فعبدوه بأرض يقال لها بلخع. ولم أسمع حمير سمّت به أحدا[5] ولم أسمع له ذكرا في أشعارها ولا أشعار أحدٍ من العرب. وأظن ذلك كان لانتقال حمير أيام تبعٍ عن عبادة الأصنام إلى اليهودية.

وكان لحمير أيضا بيت بصنعاء يقال له رئام[6] يعظمونه ويتقربون عنده بالذبائح. وكانوا فيما يذكرون يكلمون منه. فلما انصرف تبع من مسيره الذي سار فيه إلى العراق قدم معه الحبران اللذان صحباه من المدينة. فأمراه بهدم رئام قال: شأنكما به. فهدماه وتهود تبع وأهل اليمن. فمن ثم لم أسمع بذكر رئام ولا نسرٍ في شيء من الأشعار ولا الأسماء. ولم تحفظ العرب من أشعارها إلا ما كان قبيل الإسلام.

قال هشام أبو المنذر: ولم أسمع في رئام وحده شعرا وقد سمعت في البقية.

هذه الخمسة الأصنام التي كانت يعبدها قوم نوحٍ فذكرها الله (عز وجل) في كتابه فيما أنزل على نبيه (عليه السلام): { قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا}.

فلما صنع هذا عمرو بن لحى دانت العرب للأصنام [وعبدوها] واتخذوها. فكان أقدمها كلها مناة، وقد كانت العرب تسمى عبد مناة وزيد مناة. وكان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد بين المدينة ومكة. وكانت العرب جميعا تعظمه وتذبح حوله. وكانت الأوس والخزرج ومن ينزل المدينة ومكة وما قارب من المواضع يعظمونه ويذبحون له ويهدون له. وكان أولاد معد على بقيةٍ من دين إسماعيل (عليه السلام). وكانت ربيعة ومضر على بقيةٍ من دينه. ولم يكن أحد أشد إعظاما له من الأوس والخزرج.

قال أبو المنذر هشام بن محمد: وحدثنا رجل من قريش عن أبي عبيدة بن عبد الله بن أبي عبيدة بن عمار ابن ياسر (وكان أعلم الناس بالأوس والخزرج) قال: كانت الأوس والخزرج ومن يأخذ بإخذهم[7] من عرب أهل يثرب وغيرها فكانوا يحجون فيقفون مع الناس المواقف كلها ولا يحلقون رءوسهم. فإذا نفروا أتوه فحلقوا رءوسهم عنده وأقاموا عنده. لا يرون لحجهم تماما إلا بذلك. فلإعظام الأوس والخزرج يقول عبد العزى بن وديعة المزني أو غيره من العرب:

إني حلفت يمين صدقٍ برةً ** بمناة عند محل آل الخزرج

وكانت العرب جميعا في الجاهلية يسمون الأوس والخزرج جميعا: الخزرج. فلذلك يقول: عند محل آل الخزرج. ومناة هذه التي ذكرها الله (عز وجل) فقال: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى}.

وكانت لهذيلٍ وخزاعة. وكانت قريش وجميع العرب تعظمه.[8]

فلم يزل على ذلك حتى خرج رسول الله (ﷺ) من المدينة سنة ثمانٍ من الهجرة وهو عام فتح الله عليه.[9] فلما سار من المدينة أربع ليالٍ أو خمس ليالٍ بعث عليا إليها فهدمها وأخذ ما كان لها. فأقبل به إلى النبي (ﷺ). فكان فيما أخذ سيفان كان الحارث بن أبي شمرٍ الغساني ملك غسان أهداهما لها: أحدهما يسمى مخذما والآخر رسوبا. وهما سيفا الحارث اللذان ذكرهما علقمة في شعره فقال:

مظاهر سرباليْ حديدٍ عليهما ** عقيلا سيوفٍ: مخذم ورسوب

فوهبهما النبي (ﷺ) لعلى (رضي الله عنه). فيقال: إن ذا الفقار سيفَ علي أحدُهما.[10]

ويقال إن عليا وجد هذين السيفين في الفلس وهو صنم طي حيث بعثه النبي (ﷺ) فهدمه.

ثم اتخذوا اللات، واللات بالطائف وهي أحدث من مناة. وكانت صخرةً مربعةً. وكان يهودي يلت عندها السويق. وكان سدنتها من ثقيف بنو عتاب بن مالكٍ. وكانوا قد بنوا عليها بناءً. وكانت قريش وجميع العرب تعظمها. وبها كانت العرب تسمى زيد اللات وتيم اللات. وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى اليوم. وهي التي ذكرها الله في القرآن فقال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى}. ولها يقول عمرو بن الجعيد:

فإني وتَركِي وصل كأسٍ لكالذي ** تبرأ من لاتٍ وكان يدينها

وله[11] يقول المتلمس في هجائه عمرو بن المنذر:

أطردتني حذر الهجاء ولا ** واللات والأنصاب لا تئل!

فلم تزل كذلك حتى أسلمت ثقيف فبعث رسول الله (ﷺ) المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار. وفي ذلك يقول شداد بن عارضٍ الجشمي حين هدمت وحرقت ينهى ثقيفا عن العود إليها:

لا تنصر[وا] اللات إن الله مهلكها ** وكيف نصركم من ليس ينتصر

إن التي حرقت بالنار فاشتعلت ** ولم تقاتل لدى أحجارها هدر

إن الرسول متى ينزل بساحتكم ** يظعن وليس بها من أهلها بشر

وقال أوس بن حجرٍ يحلف باللات:

وباللات والعزى ومن دان دينها ** وبالله إن الله منهن أكبر

ثم اتخذوا العزى، وهي أحدث من اللات ومناة. وذلك أني سمعت العرب سمّت بهما قبل العزى. فوجدت تميم بن مر سمى [ابنه] زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة، وعبد مناة بن أد. و[باسم] اللات سمى ثعلبة بن عكابة ابنه: تيم اللات؛ وتيم اللات بن رفيدة بن ثور وزيد اللات بن رفيدة بن ثور بن وبرة بن مر بن أد بن طابخة؛ وتيم اللات بن النمر بن قاسط؛ وعبد العزى بن كعب بن سعد ابن زيد مناة بن تميم. فهي أحدث من الأوليين. وعبد العزى بن كعب من أقدم ما سمت به العرب. وكان الذي اتخذ العزى ظالم بن أسعد.

كانت بوادٍ من نخلة الشآمية يقال له حراض بإزاء الغمير عن يمين المصعد إلى العراق من مكة. وذلك فوق ذات عرقٍ إلى البستان بتسعة أميال. فبنى عليها بُسّا (يريد بيتا). وكانوا يسمعون فيه الصوت. وكانت العرب وقريش تسمي بها عبد العزى. وكانت أعظم الأصنام عند قريش. وكانوا يزورونها ويهدون لها ويتقربون عندها بالذبح.

وقد بلغنا أن رسول الله (ﷺ) ذكرها يوما فقال: لقد أهديت للعزى شاةً عفراء وأنا على دين قومي. [12] وكانت قريش تطوف بالكعبة وتقول: واللاتِ والعزَّى ومناةَ الثالثةِ الأخرى! فإنهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى! كانوا يقولون: بنات الله (عز وجل عن ذلك) وهن يشفعن إليه.

فلما بعث الله رسوله أنزل عليه: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ}.

وكانت قريش قد حمت لها شعبا من وادي حراضٍ يقال له سقام. يضاهون به حرم الكعبة. فذاك قول أبي جندب الهذلي ثم القردي في امرأة كان يهواها، فذكر حَلِفَها له بها:

لقد حَلَفَتْ جَهدا يمينا غليظةً ** بِفَرعِ التي أحمَت فُروعَ سِقام

لئن أنت لم ترسل ثيابي فانطلِقْ ** أباديك أخرى عيشنا بكلام

يعز عليه صرم أم حويرثٍ ** فأمسى يروم الأمر كل مرام

ولها يقول درهم بن زيدٍ الأوسي:

إني وربِ العزى السعيدة والله الذي دون بيته سرف

وكان لها منحر ينحرون فيه هداياها يقال له الغبغب. فله يقول الهذلي وهو يهجو رجلا تزوج امرأةً جميلةً يقال لها أسماء:

لقد أُنكِحَت أسماءُ لحى بقيرةٍ ** من الأدم أهداها امرؤ من بني غنم

رأى قذعا في عينها إذ يسوقها ** إلى غبغب العزى فوضع في القسم

فكانوا يقسمون لحوم هداياهم فيمن حضرها وكان عندها. فلغبغبٍ يقول نهيكة الفزاري لعامر بن الطفيل:

يا عامِ لو قدرت عليك رماحنا ** والراقصات إلى منى فالغبغب

[لتقيت بالوجعاء طعنة فاتكٍ مران أو لثويت غير محسب]

وله يقول قيس بن منقذ بن عبيد بن ضاطر بن حبشية بن سلول [الخزاعي] (ولدته امرأة من بني حُداد من كنانة، وناس يجعلونها من حداد محارب) وهو قيس بن الحدادية الخزاعي:

تلينا بيت الله أول حلفةٍ ** وإلا فأنصابٍ يسرن بغبغب

وكانت قريش تخصها بالإعظام. فلذلك يقول زيد بن عمرو بن نفيل، وكان قد تألّه [13] في الجاهلية وترك عبادتها وعبادة غيرها من الأصنام:

تركت اللات والعزى جميعا ** كذلك يفعل الجلد الصبور

فلا العزى أدين ولا ابنتيها ** ولا صنمي بني غنمٍ أزور

ولا هبلا أزور وكان رَبًّا ** لنا في الدهر إذ حلمي صغير

وكان سدنة العزى بنو شيبان بن جابر بن مرة بن عبس بن رفاعة بن الحارث ابن عتيبة بن سليم بن منصور من بني سليم. وكان آخر من سدنها منهم دُبَيَّةُ ابن حَرَمِيَّ السلمي. وله يقول أبو خراشٍ الهذلي، وكان قدم عليه فحذاه نعلين جيدتين فقال:

حذاني بعد ما خَذِمَت نعالي ** دبية إنه نعم الخليل

مقابلتين من صَلَوى مشب ** من الثيران، وصلُهما جميل

فنعم معرس الأضياف تَذحى ** رجالهم شامية بليل

يقاتل جوعهم بمكللاتٍ ** من الفرنيّ يرعبها الجميل

فلم تزل العزى كذلك حتى بعث الله نبيه (ﷺ) فعابها وغيرَها من الأصنام ونهاهم عن عبادتها ونزل القرآن فيها. فاشتد ذلك على قريش. ومرض أبو أُحيحة (وهو سعيد بن العاص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف) مرضه الذي مات فيه. فدخل عليه أبو لهبٍ يعوده فوجده يبكي. فقال: ما يبكيك يا أبا أحيحة أمن الموت تبكي ولا بد منه قال: لا. ولكني أخاف أن لا تعبد العزى بعدي. قال أبو لهب: والله ما عُبِدَتْ حياتَك لأجلك، ولا تتركُ عبادتها بعدك لموتك! فقال أبو أحيحة: الآن علمت أن لي خليفة! وأعجبه شدة نصبه في عبادتها.

فلما كان عام الفتح دعا النبي (ﷺ) خالد بن الوليد فقال: انطلق إلى شجرةٍ ببطن نخلة فاعضدها. فانطلق فأخذ دبية فقتله وكان سادنها. فقال أبو خراش الهذلي في دبية يرثيه:

ما لدبية منذ اليوم لم أره ** وسط الشروب ولم يُلمِم ولم يطف

لو كان حيا لغاداهم بمترعةٍ ** من الرواويق من شيزى بني الهطف

ضخم الرماد عظيم القدر جفنته ** حين الشتاء كحوض المنهل اللقف

أمسى سقام خلاءً لا أنيس به ** إلا السباع ومر الريح بالغرف

(قال أبو المنذر: بطيف من الطوفان من طاف يطيف والهطف بطن من بني عمرو بن أسدٍ. اللقف الحوض المنكسر الذي يصرف أصله الماء ___ قال أبو المنذر: وكان سعيد بن العاص أبو أحيحة يعتم بمكة. فإذا اعتم لم يعتم أحد بلون عمامته.)

حدثنا العنزي أبو علي قال: حدثنا علي بن الصباح قال أخبرنا أبو المنذر قال: حدثني أبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: كانت العزى شيطانةً تأتي ثلاث سمراتٍ ببطن نخلة. فلما افتتح النبي (ﷺ) مكة بعث خالد بن الوليد فقال له: إيتِ بطن نخلة فإنك تجد ثلاث سمراتٍ فاعضد الأولى! فأتاها فعضدها. فلما جاء إليه (عليه السلام) قال: هل رأيت شيئا قال: لا. قال: فاعضد الثانية! فأتاها فعضدها. ثم أتى النبي (عليه السلام) فقال: هل رأيت شيئا قال: لا. قال: فاعضد الثالثة! فأتاها. فإذا هو بحبشية نافشةٍ شعرها واضعةٍ يديها على عاتقها تصرف بأنيابها وخلفها دبية بن حرمي الشيباني ثم السلمي وكان سادنها. فلما نظر إلى خالدٍ قال:

أَعُزّاءُ شُدي شدةً لا تُكذّبي ** على خالدٍ! ألقي الخمار وشمرى!

فإنك إلا تقتلي اليوم خالدا تبوئي بذل عاجلا وتَنَصَّرِي

فقال خالد:

يا عُزُّ كفرانك لا سبحانك! إني رأيت الله قد أهانك!

ثم أتى النبي (ﷺ) فأخبره. فقال: تلك العزى ولا عزى بعدها للعرب! أما إنها لن تعبد بعد اليوم. فقال أبو خراش في دبية الشعر الذي تقدم.

قال أبو المنذر: ولم تكن قريش بمكة ومن أقام بها من العرب يعظمون شيئا من الأصنام إعظامهم العزى ثم اللات ثم مناة.

فأما العزى فكانت قريش تخصها دون غيرها بالزيارة والهدية. وذلك فيما أظن لقربها كان منها. وكانت ثقيف تخص اللات كخاصة قريشٍ العزى. وكانت الأوس والخزرج تخص مناة كخاصة هؤلاء الآخرين. وكلهم كان معظما لها [أي للعزى]. ولم يكونوا يرون في الخمسة الأصنام التي دفعها عمرو بن لحي [وهي التي ذكرها الله تعالى في القرآن المجيد حيث قال: ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا] كرأيهم في هذه ولا قريبا من ذلك. فظننت أن ذلك كان لبعدها منهم. [وكانت قريش تعظمها وكانت غنى وباهلة يعبدونها معهم. فبعث النبي خالد ابن الوليد فقطع الشجر وهدم البيت وكسر الوثن.]

وكانت لقريش أصنام في جوف الكعبة وحولها. وكان أعظمها عندهم هبل، وكان فيما بلغني من عقيق أحمر على صورة الإنسان مكسور اليد اليمنى، أدركته قريش كذلك فجعلوا له يدا من ذهبٍ. وكان أول من نصبه خزيمة بن مدركة بن اليأس بن مضر. وكان يقال له هبل خزيمة. وكان في جوف الكعبة قدامه سبعة أقدحٍ؛ مكتوب في أولها: صريح، والآخر: ملصق. فإذا شكوا في مولود أهدوا له هديةً ثم ضربوا بالقداح. فإن خرج صريح ألحقوه، وإن خرج ملصق دفعوه. وقدح على الميت وقدح على النكاح وثلاثة لم تفسر لي على ما كانت. فإذا اختصموا في أمرٍ أو أرادوا سفرا أو عملا أتوه فاستقسموا بالقداح عنده. فما خرج عملوا به وانتهوا إليه. وعنده ضرب عبد المطلب بالقداح على ابنه عبد الله [والد النبي ﷺ]. وهو الذي يقول له أبو سفيان بن حربٍ حين ظفر يوم أحدٍ: أُعلُ هُبَل! أي علا دينك فقال رسول الله (ﷺ): الله أعلى وأجل!

وكان لهم إساف ونائلة. لما مسخا حجرين وضعا عند الكعبة ليتعظ الناس بهما. فلما طال مكثهما وعبدت الأصنام عبدا معها. وكان أحدهما بلصق الكعبة والآخر في موضع زمزم. فنقلت قريش الذي كان بلصق الكعبة إلى الآخر. فكانوا ينحرون ويذبحون عندهما. فلهما يقول أبو طالب (وهو يحلف بهما حين تحالفت قريش على بني هاشم في أمر النبي عليه السلام):

أحضرت عند البيت رهطي ومعشري ** وأمسكت من أثوابه بالوصائل

وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم بمفضى السيو من إسافٍ ونائل

(قال: والوصائل البرود)

ولإسافٍ يقول بشر بن أبى خازم [الأسدي]:

عليه الطير ما يدنون منه ** مقامات العوارك من إساف

وقد كانت العرب تسمى بأسماء يعبدونها، [14] لا أدري أعبَّدوها للأصنام أم لا؛ منها: عبد يالِيل وعبد غَنَم وعبد كُلال وعبد رُضًى.

وذكر بعض الرواء أن رضى كان بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة فهدمه المستوغر. (وهو عمرو بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وإنما سمي المستوغر لأنه قال:

ينش الماء في الربلات منها ** نشيش الرضف في اللبن الوغير.

(قال: الوغير: الحار)

وقال المستوغر في كسره رضى في الإسلام، فقال:

ولقد شددت على رُضاءٍ شدةً ** فتركتها تَلًّا تنازع أسحما

ودعوت عبد الله في مكروهها ** ولمثل عبد الله يغشى المحرما

وقال ابن أدهم (رجل من بني عامر بن عوفٍ من كلب):

ولقد لقيت فوارسا من قومنا ** غنظوك غنظ درادة العيار

ولقد رأيت مكانهم فكرهتهم ** ككراهة الخِنزير للإيغار

(قال: الايغار الماء الحار. والعيار رجل من كلبٍ وقع في غداةٍ قرةٍ على جرادٍ. وكان أثرم. فجعل يأكل الجراد. فخرجت واحدة من ثرمته. فقال: هذه والله حية! يعني لم تمت. وغنظوك دفعوك دفع الجرادة العيار.)

فلما ظهر رسول الله (ﷺ) يوم فتح مكة دخل المسجد والأصنام منصوبة حول الكعبة. فجعل يطعن بسية قوسه في عيونها ووجوهها ويقول: { جاء الحق وزهق الباطل إن البطل كان زهوقا }. ثم أمر بها فكفئت على وجوهها. ثم أخرجت من المسجد فحرقت.

فقال في ذلك راشد بن عبد الله السُلَمي:

قالت: هلم إلى الحديث! فقلت لا ** يأبى الإله عليك والإسلام

أوَما رأيت محمدا وقبيلَه ** بالفتح حين تكسر الأصنام

لرأيت نور الله أضحى ساطعا ** والشرك يغشى وجهه الإظلام

قال: وكان لهم أيضا مناف. فبه كانت تسمى قريش عبد مناف. ولا أدري أين كان ولا من نصبه ولم تكن الحيض من النساء تدنو من أصنامهم ولا تمسح بها. إنما كانت تقف ناحية منها. ففي ذلك يقول بلعاء بن قيس بن عبد الله بن يعمر وهو الشداخ الليثي وكان أبرص. (قال هشام بن محمد أبو المنذر: وحدثني خالد بن سعيد بن العاص عن أبيه قال: قيل له: ما هذا يا بلعاء قال: هذا سيف الله جلاه):

[تركت ابن الحريز على ذمام وصحبته تلوذ به العوافي

ولم يصرف صدور الخيل لا صوايح من أياتيم ضعاف]

وقرنٍ قد تركت الطير منه ** كمعتنز العوارك من مناف

(قال: المعتنز المتنحي في ناحية.)

قال: وكان لأهل كل دارٍ من مكة صنم في دارهم يعبدونه. فإذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به وإذا قدم من سفره كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح فلما بعث الله نبيه وأتاهم بتوحيد الله وعبادته وحده لا شريك له قالوا: { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } يعنون الأصنام.

واستهترت العرب في عبادة الأصنام: فمنهم من اتخذ بيتا ومنهم من اتخذ صنما ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيتٍ نصب حجرا أمام الحرم وأمام غيره مما استحسن ثم طاف به كطوافه بالبيت. وسموها الأنصاب. فإذا كانت تماثيل دعوها الأصنام والأوثان وسموا طوافهم الدوار.

فكان الرجل إذا سافر فنزل منزلا أخذ أربعة أحجارٍ فنظر إلى حسنها فاتخذه ربا وجعل ثلاث أثافي لقدره وإذا ارتحل تركه. فإذا نزل منزلا آخر فعل مثل ذلك.

فكانوا ينحرون ويذبحون عند كلها ويتقربون إليها وهم على ذلك عارفون بفضل الكعبة عليها - يحجونها ويعتمرون إليها. وكان الذين يفعلون من ذلك في أسفارهم إنما هو للاقتداء منهم بما يفعلون عندها ولصبابة بها.

وكانوا يسمون ذبائح الغنم التي يذبحون عند أصنامهم وأنصابهم تلك العتائر (والعتيرة في كلام العرب الذبيحة) والمذبح الذي يذبحون فيه لها العتر. ففي ذلك يقول زهير بن أبي سلمي:

فزل عنها وأوفى رأس مرقبةٍ ** كمنصب العتر دمى رأسه النسك

وكانت بنو مليحٍ من خزاعة - وهم رهط طلحة الطلحات - يعبدون الجن. وفيهم نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}.

وكان من تلك الاصنام ذو الخلصة، وكان مروة بيضاء منقوشةً، عليها كهيئة التاج. وكانت بتباله بين مكة واليمن على مسيرة سبه ليالٍ من مكة. وكان سدنتها بنو أمامة من باهلة بن أعصر. وكانت تعظمها وتهدى لها خثعم ويجيلة وأزد السراة ومن قاربهم من بطون العرب من هوازن [ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة].

قال رجل منهم:

لو كنت ياذا الخلص الموتورا ** مثلي وكان شيخك المقبورا

لم تنه عن قتل العداة زورا

وكان أبوه قتل فأراد الطلب بثأره فأتى ذا الخلصة فاستقسم عنده بالأزلام فخرج السهم ينهاه عن ذلك فقال هذه الأبيات، ومن الناس من ينحلها امرأ القيس ابن حجر الكندي. ففيها يقول خداش بن زهير العامري لعثعث بن وحشي الخثعمي، في عهدٍ كان بينهم فغدر بهم:

وذكرته بالله بيني وبينه ** وما بيننا من مدة لو تذكرا

وبالمروة البيضاء يوم تَبالةٍ ** ومحبسة النعمان حيث تنصَرا

فلما فتح رسول الله (ﷺ) مكة وأسلمت العرب ووفدت عليه وفودها قدم عليه جرير بن عبد الله مسلما. فقال له: يا جريرُ، ألا تكفيني ذا الخلصة. فقال: بلى! فوجهه إليه. فخرج حتى أتى [بني] أحمس من بجيلة فسار بهم إليه. فقاتلته خثعم وباهلة دونه. فقتل من سدنته من باهلة يومئذ مائة رجل، وأكثر القتل في خثعم وقتل مائتين من بني قحافة بن عامر بن خثعم. فظفر بهم وهزمهم وهدم بنيان ذي الخلصة وأضرم فيه النار فاحترق. فقالت امرأة من خثعم:

وبنو أمامة بالولية صرعوا ** ثملا يعالج كلهم أنبوبا

جاءوا لبيضتهم فلاقوا ** دونها أسدا تقب لدى السيوف قبيبا

قسم المذلة بين نسوة خثعم ** فتيان أحمس قسمةً تشعيبا

وذو الخلصة اليوم عتبة باب مسجد تبالة.

وبلغنا رسول الله (عليه السلام) قال: لا تذهب الدنيا حتى تصطك أَلَيات نساء دوسٍ على ذي الخلصة يعبدونه كما كانوا يعبدونه.

وكان لمالك ومِلكان ابني كنانة بساحل جُدّةَ وتلك الناحية صنم يقال له سعد. وكان صخرةً طويلةً. فأقبل رجل منهم بإبلٍ له ليقفها عليه يتبرك بذلك فيها. فلما أدناها منه نفرت منه وكان يهراق عليه الدماء. فذهبت في كل وجهٍ وتفرقت عليه. وأسف فتناول حجرا فرماه به وقال: "لا بارك الله فيك إلها! أنفرت على إبلي!" ثم خرج في طلبها حتى جمعها وانصرف عنه وهو يقول:

أتينا إلى سعدٍ ليجمع شملنا ** فشتتنا سعد، فلا نحن من سعد!

وهل سعدٌ الّا صخرةٌ بتنوفةٍ ** من الأرض لا يدعى لغي ولا رشد

وكان لدوس ثم لبني مُنهِب بن دوس صنم يقال له ذو الكفين. فلما أسلموا بعث النبي (ﷺ) الطفيل بن عمرو الدوسي فحرقه وهو يقول:

يا ذا الكفين لست من عبادكا ** ميلادنا أكبر من ميلادكا

إني حشوت النار في فؤادكا

وكان لبني الحارث بن يشكر بن مبشرٍ من الأزد صنم يقال له ذو الشرى. وله يقول أحد الغطاريف:

إذن لَحَلْلنا حولَ ما دون ذي الشَّرى ** وشَجَّ العِدَى منا خميسٌ عَرَمرَمُ

وكان لقضاعة ولخمٍ وجذام وعاملة وغطفان صنم في مشارف الشام يقال له الأقيصر. وله يقول زهير بن أبي سلمى:

حلفت بأنصاب الأُقَيصَرِ جاهدا ** وما سحقت فيه المقاديمُ والقَملُ

وقال ربيع بن ضبع الفزاري:

فإنني والذي نَغمُ الأنام له ** حول الأقيصر تسبيحٌ وتهليلُ

وله يقول الشنفَرَى الأزدي حليف فَهم:

وإن امرَأً أجار عَمرًا ورهطُه ** عليّ، وأثواب الأقيصر! يعنُفُ

وكان لمزينة صنم يقال له نهم. وبه كانت تسمى عبد نُهمٍ. وكان سادن نهمٍ يسمى خُزاعيَّ بن عبد نهمٍ من مزينة ثم من بني عداءٍ. فلما سمع بالنبي (ﷺ) ثار إلى الصنم فكسره وأنشأ يقول:

ذهبت إلى نهمٍ لأذبح عنده ** عتيرة نسكٍ كالذي كنت أفعل

فقلت لنفسي حين راجعت علقها: ** أهذا إله أيكم ليس يعقل

أبَيتُ، فديني اليوم دين محمدٍ. ** إلهُ السماءِ الماجدُ المتفضلُ

ثم لحق بالنبي (ﷺ) فأسلم وضمن له إسلام قومه مزينة. وله يقول أيضا أمية بنم الأسكر:

إذا لقيت راعيين في غنم ** أسيدين يحلفان بنُهُمْ

بينهما أشلاء لحمٍ مقتسم فامض ولا يأخذك باللحم القرم

وكان لأزد السراة صنم يقال له عائم. وله يقول زيد الخير وهو زيد الخيل الطائي:

تُخَبِّرُ مَن لاقيتَ أن قد هَزَمتَهُم ** ولم تَدرِ ما سِمياهُم، لا وعائم

وكان لعنزة صنم يقال له سعير. فخرج جعفر بن أبي خلاسٍ الكلبي على ناقته. فمرت به وقد عترت عنزة عنده فنفرت ناقته منه. فأنشأ يقول:

نَفَرت قَلُوصي من عتائر صُرِّعَت ** حول السُّعَير تزوره ابنا يَقدُمِ

وجُموع يَذكُرَ مُهطِعين جَنابَه ** ما إن يُحِيرُ إليهم بِتَكلمِ

(قال أبو المنذر: يقدم ويذكر ابنا عنزة، فرأى بني هؤلاء يطوفون حول السعير.)

وكانت للعرب حجارة غير منصوبة يطوفون بها ويَعتِرون عندها، يسمونها الأنصاب ويسمون الطواف بها الدوار. وفي ذلك يقول عامر بن الطفيل (وأتى غنى بن أعصر يوما وهم يطوفون ينصبٍ لهم فرأى في فتياتهم جمالا وهن يطفن به) فقال:

ألا ياليت أخوالي غنيا ** عليهم كلما أمسوا دوار

وفي ذلك يقول عمرو بن جابرٍ الحارثي ثم الكعبي:

حلفت غطيف لا تنهنه سربها ** وحلفت بالأنصاب أن لا يرعدوا

وقال في ذلك المثقب العبدي لعمرو بن هندٍ:

يطيف بنصبهم حجن صغار فقد كادت حواجبهم تشيب

(حجن: صبيان.)

وقال في ذلك الفزاري (وغضبت عليه قريش في حدثٍ أحدثه فمنعوه دخول مكة):

أسوق بدنى محقبا أنصابي ** هل لي من قومي من أرباب

وقال في ذلك أحد بني ضمرة في حربٍ كانت بينهم:

وحلفت بالأنصاب والستر

وفي ذلك يقول المتلمس الضبعي لعمرو بن هندٍ فيما كان صنع به وبطرفة ابن العبد:

أطردتني حذر الهجاء، ولا ** واللاتِ والأنصابِ لا تَئِلُ

(أي لا تنجو. من أطردت ليس من طردت)

وفي ذلك يقول عامر بن وائلة أبو الطفيل الليثي في الإسلام وهو يذكر حربا شهدها:

فإنك لا تدرين أن رب غارةٍ ** كورد القطا ريعانها متتابع

نصبت لها وجهي ووردا كأنه ** لها نصب قد ضرجته النقائع

وكان لخولان صنم يقال له عميانس بأرض خَولان، يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قسما بينه وبين الله (عز وجل) بزعمهم. فما دخل في حق الله من حق عُميانس ردوه عليه وما دخل في حق الصنم من حق الله الذي سموه له تركوه [له]. وهم بطن من خولان يقال لهم الأدوم وهم الأسوم. وفيهم نزل فيما بلغنا: { وجعلوا الله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله يزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون }

وقال حسان بن ثابتٍ للعزى التي كانت بنخلة:

شهدت بإذن الله أن محمدا ** رسولُ الذي فوق السموات مِن عَلُ

وأن أبا يحيى ويحيى كلَيهما ** له عمل في دينه مُتقبلُ

[وأن الذي عادى اليهود ابن مريم ** رسول أتى من عند ذي العرش مرسل

وأن أخا الأحقاف إذ يعذلونه ** يجاهد في ذات الإله ويعدل]

وأن التي بالسُّد من بطن نخلة ** ومن دانها فَلٌّ من الخير مَعزلُ

(قال هشام: والفل من الأرض المجدبة التي لا خير فيها ولا بركة. فشبها بذلك.)

وكان لبني الحارث بن كعبٍ كعبة بنجبران يعظمونها. وهي التي ذكرها الأعشى. وقد زعموا أنها لم تكن كعبة عبادةٍ إنما كانت غرفة لأولئك القوم الذين ذكرهم. وما أشبه ذلك عندي بأن يكون كذلك لأني لا أسمع بني الحارث تسموا بها في شعرٍ.

وكان لإيادٍ كعبة أخرى بسنداد من أرضٍ بين الكوفة والبصرة في الظهر وهي التي ذكرها الأسود بن يعفر. وقد سمعت أن هذا البيت لم يكن بيت عبادة إنما كان منزلا شريفا فذكره.

وكان رجل من جهينة يقال له عبد الدار بن حديبٍ قال لقومه: هلم نبني بيتا بأرضٍ من بلادهم يقال لها الحوراء نضاهي به الكعبة ونعظمه حتى نستميل به كثيرا من العرب. فأعظموا ذلك وأبوا عليه فقال في ذلك:

ولقد أردت بأن تقام بَنيّةٌ ** ليست بحوبٍ أو تُطيفُ بمأثمِ

فأبى الذين إذا دعوا لعظيمة ** راغوا ولاذوا في جوانب قَودمِ

يَلحَون [15] أن لا يؤمروا فإذا دعوا ** ولوا وأعرض بعضهم كالأبكم

صُفُحٌ منافِعُه ويُغمِضُ كَلمَه ** في ذي أقاربه غُمُوض الميسَمِ

قال هشام بن محمد: وقد كان أبرهة الأشرم قد بنى بيتا بصنعاء كنيسةً سماها القَليسَ بالرُّخام وجيد الخشب المُذْهَب. وكتب إلى ملك الحبشة: إني قد بنيت لك كنيسةً لم يبنِ مثلها أحد قط. ولست تاركا العرب حتى أصرف حجهم عن بيتهم الذي يحجونه إليه. فبلغ ذلك بعض نَسَأة الشهور فبعث رجلين من قومه وأمرهما أن يخرجا حتى يتغوطا فيها، ففعلا. فلما بلغه ذلك غضب وقال: من أجترأ على هذا فقيل: بعض أهل الكعبة. فغضب وخرج بالفيل والحبشة. فكان من أمره ما كان.

حدثنا الحسن بن عُلَيلٍ قال: حدثنا على بن الصباح قال: حدثنا أبو المنذر هشام بن محمدٍ قال: أخبرني أبو مسكينٍ عن أبيه قال: لما أقبل امرؤ القيس بن حُجْرٍ يريد الغارة على بني أسدٍ مر بذي الخلصة (وكان صنما بتبالة وكانت العرب جميعا تعظمه وكانت له ثلاثة أقدحٍ: الآمر والناهي والمتربص) فاستقسم عنده ثلاث مراتٍ، فخرج الناهي. فكسر القداح وضرب بها وجه الصنم وقال: عضِضتَ بأير أبيك! لو كان أبوك قتل ما عوقتني. ثم غزا بني أسدٍ فظفر بهم. فلم يستقسم عنده بشيء حتى جاء الله بالإسلام. فكان امرؤ القيس أول من أخفره.

حدثنا العَنَزيُّ قال: حدثنا علي بن الصباح قال: قال هشام بن محمدٍ: حدثني رجل يكنى أبا بشرٍ يقال له عامر بن شبلٍ وكان من جَرمٍ قال: كان لقُضاعة ولخَمٍ وجُذامَ وأهل الشأم صنمٌ يقال له الأقيصر. فكانوا يحجونه ويحلقون رؤوسهم عنده. فكان كلما حلق رجل منهم رأسه ألقى مع كل شعرةٍ قرةً من دقيقٍ. (قال أبو المنذر: القرة القبضة.) قال: فكانت هوازِن تنتابهم في ذلك الإبان. فإن أدركه قبل أن يلقي القرة مع الشعر قال: أعطِنيهِ! فإني من هوازِنَ ضارعُ! وإن فاته أخذ ذلك الشعر بما فيه من القمل والدقيق فخبزه وأكله.

فاختصمت جَرْم وبنو جَعدة في ماءٍ لهم إلى النبي (ﷺ) يقال له العقيق. فقضى به رسول الله لجرمٍ. فقال معاوية بن عبد العزى بن ذراعٍ الجرمي:

فإن أنتم لم تقنعوا بقضائه ** فإني بما قال النبي لقانع

ألم ترَ جرما أنجدت وأبوكم ** مع القمل في جفر الأقَيصِرِ شارعُ

إذا قرة جاءت يقول: أصِب بها ** سِوى القمل إني من هوازنَ ضارعُ

فما أنتم من هؤلا الناسِ كلِّهم ** بلى ذَنَبٌ ما أنتم وأكارع

وإنكم كالخِنصَرَين أُخِسَّتا ** وفاتتهما في طولهن الأصابع

قال أبو المنذر هشام بن محمد: وأنشدني الشرقي في ذلك لسراقة بن مالك بن جعشمٍ المدلجي من بني كنانة:

ألم ينهكم عن شتمنا لا أبا لكم ** جذام ولخم أعرضت ولمواسم

وكل قضاعي كأن جفانه ** حياض برضوى والأنوف رواغم

بما انتهكوا من قبضة الذل فيكم ** فلا المرء مستحىٍ ولا المرء طاعم

[أول ما عبدت الأصنام]

حدثنا أبو علي العنزى قال: حدثنا على بن الصباح قال: أخبرنا أبو المنذر هشام ابن محمد بن السائب الكلبي قال: أخبرني أبى قال: أول ما عبدت الأصنام أن آدم عليه السلام لما مات جعله بنو شيث بن آدم في مغارة في الجبل الذي أهبط عليه آدم بأرض الهند. (ويقال للجبل نوذ وهو أخصب جبل في الأرض. ويقال: أمرع من نوذ وأجدب من برهوت: وبرهوت وادٍ بحضرموت بقرية يقال لها تنعة. حدثنا العنزي قال: حدثنا علي بن الصباح قال أبو المنذر: فأخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أرواح المؤمنين بالجابية بالشأم وأرواح المشركين ببرهوت.)

حدثنا أبو علي العنزي قال: حدثنا على بن الصباح قال: أخبرنا أبو المنذر عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال: وكان بنو شيثٍ يأتون جسد آدم في المغارة فيعظمونه ويترحمون عليه. فقال رجل من بني قابيل بن آدم: يا بني قابيل! إن لبني شيثٍ دوارا يدورون حوله ويعظمونه وليس لكم شيء. فنحت لهم صنما فكان أول من عمِلَها.

حدثنا الحسن بن عليلٍ قال: حدثنا على بن الصباح قال: أخبرنا أبو المنذر قال: وأخبرني أبي قال: كان ود وسواع ويغرث ويعوق ونسر قوما صالحين ماتوا في شهرٍ. فجزع عليهم ذوو أقاربهم. فقال رجل من بني قابيل: يا قوم! هل لكم أن أعمل لكم خمسة أصنام على صورهم غير أني لا أقدر أن أجعل فيها أرواحا قالوا: نعم! فنحت لهم خمسة أصنام على صورهم ونصبها لهم. فكان الرجل يأتي أخاه وعمه وابن عمه فيعظمه ويسعى حوله حتى ذهب ذلك القرن الأول. وعملت على عهد يَردِي بن مهلايل بن قَينان بن أنوش بن شيث ابن آدم. ثم جاء قرن آخر فعظموهم أشد من تعظيم القرن الأول. ثم جاء من بعدهم القرن فقالوا: ما عظم أولونا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله. فعبدوهم. وعظم أمرهم واشتد كفرهم. فبعث الله إليهم إدريس عليه السلام (وهو أحنوخُ بن يارد بن مهلاييل) [بن قينان] نبيا فدعاهم فكذبوه فرفعه الله إليه مكانا عليا. ولم يزل أمرهم يشتد فيما قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس حتى أدرك نوح بن لَمْك بن متوشلح بن أحنوخ. فبعثه الله نبيا وهو يومئذ ابن أربعمائة وثمانين سنةً. فدعاهم إلى الله (عز وجل) في نبوته عشرين ومائة سنةٍ. فعصوه وكذبوه. فأمره الله أن يصنع الفلك. ففرغ منها وركبها وهو ابن ستمائة سنة. وغرق من غرق. ومكث بعد ذلك ثلثمائة وخمسين سنة. فعلا الطوفان وطيق الأرض كلها. وكان بين آدم ونوحٍ ألفا سنةٍ ومائتا سنةٍ. فأهبط [ماء الطوفان] هذه الأصنام من جبل نوذٍ إلى الأرض. وجعل الماء يشتد جريه وعبابه من أرضٍ إلى أرضٍ حتى قذفها إلى أرض جدة. ثم نضب الماء وبقيت على الشط فسفت الريح عليها حتى وارتها.

حدثنا الحسن بن عليلٍ قال: حدثنا علي بن الصباح قال: قال لنا أبو المنذر هشام بن محمد: إذا كان معمولا من خشب أو ذهب أو من فضة صورة إنسانٍ فهو صنم وإذا كان من حجارةٍ فهو وثن.

حدثنا العنزي قال: حدثنا على بن الصباح قال: حدثنا أبو المنذر عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباسٍ أن آخر ما بقي من ماء الطوفان بحِسمَى من أرض جُذام. فإنه مكث أربعين سنةً ثم نضب.

حدثنا أبو علي العنزي قال: حدثني على بن الصباح قال: قال أبو المنذر: قال الكلبي: وكان عمرو بن لحى وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس ابن مازن بن الأزد وهو أبو خزاعة وأمه فهيرة بنت الحارث ويقال إنها كانت بنت الحارث بن مضاض الجرهمي وكان كاهنا. [وكان قد غلب على مكة واخرج منها جرهما وتولى سدانتها.] وكان له رئي من الجن وكان يكنى أبا ثمامة فقال له:

عجل بالمسير والظعن من تهامه بالسعد والسلامه!

قال: جير ولا إقامة.

قال: ايت ضف جده تجد فيها أصناما معدَّه فأوردها تِهامة ولا تهاب ثم ادع العرب إلى عبادتها تجاب. فأتى شط جدة فاستثارها ثم حملها حتى ورد تهامة. وحضر الحج فدعا العرب إلى عبادتها قاطبةً. فأجابه عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة فدفع إليه ودا. فحمله إلى وادي القرى فأمره بدومة الجندل. وسمى ابنه عبدود. فهو أول من سمى به وهو أول من سمى عبدود. ثم سمت العرب به بعد. وجعل عوف ابنه عامرا الذي يقال له عامر الأجدار سادنا له. فلم تزل بنوه يسدنونه حتى جاء الله بالإسلام.

قال أبو المنذر: قال الكلبي: فحدثني مالك بن حارثة الأجداري أنه رآه يعني ودا. قال: وكان أبي يبعثني باللين إليه فيقول اِسقِهِ إلهك. قال: فأشربه. قال: ثم رأيت خالد بن الوليد بعد كسره فجعله جذاذا. وكان رسول الله (ﷺ) بعث خالد بن الوليد من غزوة تبوك لهدمه. فحالت بينه وبين هدمه بنو عبدود وبنو عامر الأجدار. فقاتلهم حتى قتلهم. فهدمه وكسره. وكان فيمن قتل يومئذٍ رجل من بني عبدود يقال له قطن بن شريح. فأقبلت أمه فرأته مقتولا فأشارت تقول:

ألا تلك المودة لا تدومُ ** ولا يبقى على الدهر النعيمُ

ولا يبقى على الحدثان غُفرٌ ** له أم بشاهقةٍ رؤومُ

ثم قالت:

يا جامعا جامع الأحشاء والكبد ** يا ليت أمك لم تولد ولم تلد

ثم أكبت عليه فشهقت شهقةً فماتت.

وقتل أيضا حسان بن مصادٍ ابن عم الأكيدر صاحب دومة الجندل. وهدمه خالد.

قال الكلبي: فقلت لمالك بن حارثة: صف لي ودا حتى كأنى أنظر إليه. قال: كان تمثال رجلٍ كأعظم ما يكون من الرجال قد ذبر عليه حلتان متزرٌ بحلة مرتدٍ بأخرى. عليه سيف قد تقلده و قد تنكب قوسا وبين يديه حربة فيها لواء ووفضة أي جعبة فيها نبل. قال: ورَجَعَ الحديث.

قال: وأجابت عمرو بن لحي مضر بن نزارٍ فدفع إلى رجل من هذيل يقال له الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن اليأس بن مضر سواعا. فكان بأرضٍ يقال لها رهاط من بطن نخلة يعبده من يليه من مضر. فقال رجل من العرب:

تراهم حول قيلهم عكوفا ** كما هكفت هذيل على سواع

وأجابته مذحج. فدفع إلى أنعم بن عمرو المرادي يغوث. وكان بأكمة باليمن يقال لها مذحج تعبده مذحج ومن والاها.

وأجابته همدان. فدفع إلى مالك بن مرثد بن جشم بن حاشد بن جشم ابن خيران بن نوف بن همدان يعوق. فكان بقرية يقال لها خيوان تعبده همدان ومن والاها من أرض اليمن.

وأجابته حمير. فدفع إلى رجل من ذي رعينٍ يقال له معد يكرب نسرا. فكان بموضعٍ من أرض سبإٍ يقال له بلخع تعبده حمير ومن والاها. فلم يزل يعبدونه حتى هودهم ذو نواس.

فلم تزل هذه الأصنام تعبد حتى بعث الله النبي (ﷺ) فأمر بهدمها.

قال هشام: فحدثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قال النبي (عليه السلام): رفعت لي النار فرأيت عمرًا رجلا قصيرا أحمر أزرق يجر قصبه في النار. قلت: من هذا قيل: هذا عمرو بن لُحَيّ أول من بحر البحيرة ووصل الوصيلة وسيب السائبة وحمى الحامى وغير دين إبراهيم ودعا العرب إلى عبادة الأوثان. قال النبي ﷺ: أشبه بنيه به قطن بن عبد العزى. فوثب قطن فقال: يا رسول الله! أيضرني شبهه شيئا قال: لا، أنت مسلم وهو كافر. وقال رسول الله (ﷺ): ورفع لى الدجال فإذا رجل أعور آدم جعد. وأشبه بني عمرو به أكثر بن عبد العزى. فقام أكثم فقال: يا رسول الله! هل يضرني شبهي إياه شيئا قال: لا، أنت مسلم وهو كافر.

حدثنا العنزي أبو علي قال: حدثنا علي بن الصباح قال: أخبرنا هشام بن محمد أبو المنذر قال: أخبرنا أبو باسلٍ الطائي عن عمه عنترة بن الأخرس قال: كان لطي صنم يقال له الفَلْسُ. وكان أنفا أحمر في وسط جبلهم الذي يقال له أجأ أسود كأنه تمثال إنسان. وكانوا يعبدونه ويهدون إليه ويعترون عنده عتائرهم ولا يأتيه خائف إلا أمن عنده ولا يطرد أحد طريدةً فيلجأ بها إليه إلا تركت له ولم تخفر حويته. وكانت سدنته بنو بَولان. وبولان هو الذي بدأ بعبادته. فكان آخر من سدنه منهم رجل يقال له صيفي. فأطرد ناقةً خليةً لامرأةٍ من كلبٍ من بني عليمٍ كانت جارةً لمالك بن كلثوم الشمجي وكان شريفا. فانطلق بها حتى وقفها بفناء الفلس. وخرجت جارة مالكٍ فأخبرته بذهابه بنا قتها. فركب فرسا عريا وأخذ رمحه وخرج في أثره. فأدركه وهو عند الفلس والناقة موقوفة عن الفلس. فقال له: خل سبيل ناقة جارتي! فقال: إنها لربك! قال: خل سبيلها! قال: أتخفر إلهك؟ فبوأ له الرمح فحل عقالها وانصرف بها مالك. وأقبل السادن على الفَلس ونظر إلى مالك ورفع يده وقال وهو يشير بيده [إليه]:

يا رب إن مالك بن كلثوم ** أخفرك اليوم بنابٍ علكوم

وكنت قبل اليوم غير مغشوم

يحرضه عليه.

وعَدِيُّ بن حاتم يومئذ قد عتر عنده وجلس هو ونفر معه يتحدثون بما صنع مالك. وفزع لذلك عدي بن حاتم وقال: انظروا ما يصيبه في يومه هذا. فمضت له أيام لم يصبه شيء. فرفض عدي عبادته وعبادة الأصنام وتنصر. فلم يزل متنصرا حتى جاء الله بالإسلام فأسلم. فكان مالك أول من أخفره. فكان بعد ذلك السادن إذا أطرد طريدةً أخذت منه. فلم يزل الفلس يعبد حتى ظهرت دعوة النبي (عليه السلام) فبعث إليه علي بن أبي طالب فهدمه وأخذ سيفين كان الحارث بن أبي شمر الغساني ملك غسان قلده إياهما يقال لهما مِخذَم ورَسوب وهما السيفان اللذان ذكرهما علقمة بن عبدة في شعره. فقدم بهما علي بن أبي طالب على النبي (ﷺ) فتقلد أحدهما ثم دفعه إلى علي بن أبي طالب فهو سيفه الذي كان يتقلده.

(ذيل في آخر النسخة)

اليعبوب - صنم لجديلة طَيِّئٍ. وكان لهم صنم أخذته منهم بنو أسد. فتبدلوا اليعبوب بعده. قال عبيد:

فتبدلوا اليَعبوب بعد إلههم ** صهما. فَقِرُّوا يا جَديلَ وأعذِبوا

(أي لا تأكلوا على ذلك ولا تشربوا.)

باجَر - قال ابن دريد وهو صنم كان للأزد في الجاهلية ومن جاورهم من طيئ وقضاعة. كانوا يعبدونه. بفتح الجيم وربما قالوا باجِر بكسر الجيم.

نقلت هذه النسخة من نسخةٍ بخط الإمام العلامة أبي منصور موهوب بن أحمد ابن الجواليقي رحمه الله ثم قوبات بها بحسب الطاقة.

الحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

نقلتُ من خط ابن الجواليقي رحمه الله في آخر هذا الكتاب ما نصه: بلغت من أوله سماعا بقراءة الشيخ أبي الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي أنا ومحمد بن الحسين الإسكاف في المحرم من سنة 494.

نقلته من نسختي التي نقلتها من خط محمد بن العباس بن الفرات في سنة تسع وعشرين وخمسمائة. والحمد الله كثيرا. وعارضت بها مع ولدي أبي محمد إسماعيل جبر. بقراءتي وهو يسمع وذلك في سنة تسع وعشرين وخمس مائة وسمعه أخوه أبو طاهر إسحاق ولدي.

هامش

  1. استخرجوا
  2. أغربة العرب سودانهم، شبهوا بالأغربة في لونهم، وكلهم سري إليهم السواد من أمهاتهم. ومشاهير الأغربة في الجاهلية والإسلام عنترة وأبو عمير وسليك وخُفّاف وهشام بن عُقبة وعبد الله بن حازم وعمير بن أبي عمير وهمام ومنتشر بن وهب ومطر بن أوفى وتأبط شرا والشنفرى وحاجز. (عن تاج العروس).
  3. شق الأذن بالتخفيف، وبالتشديد هنا لابتداعه السنة
  4. يعني قالوا عبد يعوق
  5. يعني قالوا عبد نسر
  6. هكذا ضبطه البغدادي، وفي نسخة بالياء التحتية
  7. ياقوت: مأخذهم
  8. الضمير راجع إلى مناة باعتبار أنها صنم.
  9. ياقوت والبغدادي: وهو عام الفتح
  10. ياقوت: فأحدهما يقال له ذو الفقار سيف الإمام علي.
  11. أي الصنم
  12. كذا ساقه بدون سند، وهو منكر، وابن الكلبي متروك الحديث كما ذكر الذهبي في طبقات الحفاظ والهيثمي في المجمع وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب والدارقطني، وقال فيه أحمد بن حنبل: إنما كان صاحب سَمَر ونسَب ما ظننت أحدا يحدث عنه، نقله ابن حجر في اللسان
  13. أي تعبد
  14. مثل قولهم عبد الدار، عبد القيس، عبد الأشهل، عبد عمرو.
  15. في القاموس لحاه شتمه