قُصار كُلِّ فَتىً مُستَكمِلُ الخَطَر
قُصار كُلِّ فَتىً مُستَكمِلُ الخَطَر المؤلف: شكيب أرسلان |
قُصار كُلِّ فَتىً مُستَكمِلُ الخَطَر
أَن يَنحني لِقَضاءِ اللَهِ وَالقَدَر
وَأَن يُقابِلَ صَرفَ الدَهرِ كَيفَ جَرى
بِالخَلقِ في عَبَراتِ العَينِ وَالعِبَر
وَأَن يَرى غَيرَهُ مَعَ عَينِهِ شَرَعا
فَلَيسَ بَينَهُما فَرقٌ سِوى الصُوَر
فَما أَرى ناعِياً حَيا بِمُفرَدِهِ
إِلّا نَعى لَو عَقِلنا سائِرَ البَشَر
لَيسَ الحَياةُ سِوى تَشييعِ آخِرِنا
لِأَوَّلٍ فَهيَ هَذِهِ فُسحَةَ العُمُر
وَأَن تُغِبَّ المَنايا في مَوارِدِها
فَرُبَّ تَركٍ يَليهِ أَخذٌ مُقتَدِر
مَن سامَحتَهُ بِيَومٍ في مَصارِعِها
فَقَد أُحيلَ عَلى أَيّامِها الأُخَر
لَم يَبرَحِ الدَهرَ فَتاكَ المَضارِبُ عَن
أَيّامِهِ البيضُ أَو لَيلاتِهِ السُمُر
كَفر بِرَيبِ المَنايا وَأَعظا وَجَزا
رُشداً لِمَن كانَ مِن دُنيا عَلى غُرَر
تُخالِفُ الناسَ في الأَهواءِ حينَ حَيّوا
وَجَمَّعَ المَوتُ مِنهُ كُلَّ مُنتَثَر
وَقَد يَلُجُّ بِبَعضٍ كَيدَ شانِئِهِ
وَلَو دَرى لَصَفا صَفواً بِلا كَدَر
وَقَد يُحاوِلُ في أَعدائِهِ ظَفراً
وَأَنَّهُ بَينَ نابَ المَوتِ وَالظُفَر
كَم وَتَّرَت قَوسَ ضَعنٍ كَفَّ ذي تِرَةٍ
فَأَذهَبَ المَوتَ عَزمَ الوِتر والوَتِر
وَالدَمعُ يَغسِلُ ما بِالقَلبِ مِن وَضِر
كَما يَزولُ غبارَ الأَرضِ بِالمَطَر
لَو أَنصَفَ اليازِجي دَمعٌ لَكانَ لَهُ
كَعِلمِهِ بِحرَ دَمعٍ غَيرَ مُنحَصِر
أَو لَو دَرَت نارُ إِبراهيمُ مَصرَعَهُ
لِأَصبَحَت مِن جَوى لَفاحَةِ الشَرَر
أَودى الرَدى حينَما أَودى بِمُهجَتِهِ
بَأَكتُبِ الوَقتِ مِن بُدوٍ وَحَضَر
بِذي الضِياءِ تَكادُ العَمي تُبصِرُهُ
وَذي البَيانِ الَّذي يَشفى مِنَ الحَصَر
مِن بَعدِ ما خَمَدَت ريحُ البَيانِ غَدَت
لَهُ بِهِ دَولَةٌ وَضّاحَةُ الغُرَر
عِبارَةٌ لا تَرى في رَصفِها قَلَقاً
كَالعَدلِ لَم يَشكُ مِن طولٍ وَلا قِصَر
لا تَلتَقي مَوضِعاً فيها لَهُ بَدَل
كَأَنَّما جاءَت المَعنى عَلى قَدَر
بَكَت لَهُ اللُغَةُ الفُصحى وَحَقَّ لَهُ
بُكاءَ كُلِّ كَلامٍ جاءَ عَن مُضَر
يا راحِلاً شَكَتِ الأَقلامُ غَربَتَهُ
وَلَيسَ بَعدَكَ مِنها غَيرَ مُنكَسِر
نَهَجَت في بُلَغاءِ العَصرِ وارَدَةً
بِالحَقِّ لَولاكَ لَم تُسفِر وَلَم تُنِر
إِلَيكَ حَقَّكَ لا ظُلمَ وَلا سَرَف
لا يُنكِرُ الشَمسَ إِلّا فاقِدَ البَصَر
وَإِن يُؤاخِذكَ نِقادٌ بِبادِرَةٍ
فَلَيسَ يَرجُمُ إِلّا مُثمِرَ الشَجَر
وَقَد يُعابُ الَّذي في البَدرِ مِن كَلَفٍ
وَلَيسَ يَسلُبُ مَعنى الحُسنِ في القَمَر
إِلَيكَ مِنّي تَحِيّاتٍ بِرِقَّتِها
كَسِحرِ لَفظِكَ أَو كَالنَفحِ في السَحَر
فَاِذهَب عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ مِن رَجُلٍ
ماضى الحَشاشَةَ لَكَن خالِدَ الأَثَر