قصيدة الفرزدق في علي بن الحسين بن علي زين العابدين المؤلف: الفرزدق |
| ||
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ | وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ | |
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ، | هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ | |
هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ | بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا | |
وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه | العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ | |
كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا | يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ | |
سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ | يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ | |
حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ، إذا افتُدِحُوا | حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ | |
ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ، | لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ | |
عَمَّ البَرِيّةَ بالإحسانِ، فانْقَشَعَتْ | عَنْها الغَياهِبُ والإمْلاقُ والعَدَمُ | |
إذا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قال قائِلُها | إلى مَكَارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ | |
يُغْضِي حَياءً، وَيُغضَى من مَهابَتِه | فَمَا يُكَلَّمُ إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ | |
بِكَفّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ | من كَفّ أرْوَعَ، في عِرْنِينِهِ شمَمُ | |
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ رَاحَتِهِ | رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَستَلِمُ | |
الله شَرّفَهُ قِدْماً، وَعَظّمَهُ | جَرَى بِذاكَ لَهُ في لَوْحِهِ القَلَمُ | |
أيُّ الخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ، | لأوّلِيّةِ هَذا، أوْ لَهُ نِعمُ | |
مَن يَشكُرِ الله يَشكُرْ أوّلِيّةَ ذا؛ | فالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَمُ | |
يُنمى إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ | عَنها الأكفُّ، وعن إدراكِها القَدَمُ | |
مَنْ جَدُّهُ دان فَضْلُ الأنْبِياءِ لَهُ؛ | وَفَضْلُ أُمّتِهِ دانَتْ لَهُ الأُمَمُ | |
مُشْتَقّةٌ مِنْ رَسُولِ الله نَبْعَتُهُ، | طَابَتْ مَغارِسُهُ والخِيمُ وَالشّيَمُ | |
يَنْشَقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غرّتِهِ | كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ | |
من مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وَبُغْضُهُمُ | كُفْرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ | |
مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ | في كلّ بَدْءٍ، وَمَختومٌ به الكَلِمُ | |
إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ، | أوْ قيل: «من خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم | |
لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بَعدَ جُودِهِمُ، | وَلا يُدانِيهِمُ قَوْمٌ، وَإنْ كَرُمُوا | |
هُمُ الغُيُوثُ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ، | وَالأُسدُ أُسدُ الشّرَى، وَالبأسُ محتدمُ | |
لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ؛ | سِيّانِ ذلك: إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا | |
يُستدْفَعُ الشرُّ وَالبَلْوَى بحُبّهِمُ، | وَيُسْتَرَبّ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ | |
مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللَهِ ذِكْرُهُمْ | فِي كُلِّ فَرْضٍ وَمَخْتُومٌ بِهِ الكَلِمُ | |
إنْ عُدَّ أهْلُ التُّقَي كَانُوا أئمَّتَهُمْ | أوْ قِيلَ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الارْضِ قِيلَ: هُمُ | |
لاَ يَسْتَطِيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غَأيَتِهِمْ | وَلاَ يُدَانِيهِمُ قَوْمٌ وَإنْ كَرُمُوا | |
هُمُ الغُيُوثُ إذَا مَا أزْمَةٌ أزَمَتْ | وَالاُسْدُ أُسْدُ الشَّرَي وَالبَأْسُ مُحْتَدِمُ | |
يَأبَي لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الذَّمُّ سَاحَتَهُمْ | خِيمٌ كَرِيمٌ وَأيْدٍ بِالنَّدَي هُضُمُ | |
لاَ يَقْبِضُ العُسْرُ بَسْطاً مِنْ أكُفِّهِمُ | سِيَّانِ ذَلِكَ إنْ أثْرَوْا وَإنْ عَدِمُوا | |
أيٌّ القَبَائِلِ لَيْسَتْ فِي رَقَابِهِمُ | لاِوَّلِيَّةِ هَذَا أوْ لَهُ نِعَمُ | |
مَنْ يَعْرِفِ اللَهَ يَعْرِفْ أوَّلِيَّةَ ذَا | فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا نَالَهُ الاُمَمُ | |
بُيُوتُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ يُسْتَضَاءُ بِهَا | فِي النَّائِبَاتِ وَعِنْدَ الحُكْمِ إنْ حَكَمُوا | |
فَجَدُّهُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي أُرُومَتِهَا | مُحَمَّدٌ وَعليّ بَعْدَهُ عَلَمُ | |
بَدرٌ له شَاهِدٌ وَالشِّعْبُ مِنْ أُحُدٍ | والخَنْدَقَانِ وَيَومُ الفَتْحِ قَدْ عَلِمُوا | |
وَخَيْبَرٌ وَحُنَيْنٌ يَشْهَدَانِ لَهُ | وَفِي قُرَيْضَةَ يَوْمٌ صَيْلَمٌ قَتَمُ | |
مَوَاطِنٌ قَدْ عَلَتْ فِي كُلِّ نائِبَةٍ | علی الصَّحَابَةِ لَمْ أَكْتُمْ كَمَا كَتَمُو |