الرئيسيةبحث

قاعدة مختصرة في وجوب طاعة الله ورسوله وولاة الأمور

قاعدة مختصرة
في وجوب طاعة الله ورسوله وولاة الأمور
  ► فهرس :إسلام ☰  
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﷺ تسليمًا.

أما بعد، فهذه قاعدةٌ مختصرةٌ في وجوب طاعة الله ورسوله في كل حال على كل أحدٍ، وأن ما أمر الله به ورسوله من طاعة الله وولاة الأمور ومناصحتهم واجبٌ، وغير ذلك من الواجبات.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.

فأمر الله المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر منهم، كما أمرهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، وأمرهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله والرسول.

قال العلماء: الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول بعد موته هو الرد إلى سنته، قال الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فجعل الله الكتاب الذي أنزله هو الذي يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.

وفي صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان إذا قام يصلي بالليل يقول: «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».

وفي صحيح مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة». قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». [1]

وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم».

وفي السنن من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وزيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فبلغه إلى من لم يسمعه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه غير فقيه، ثلاثٌ لا يغل عليهن قلبُ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم».

و"يغل" بالفتح هو المشهور، [2] ويقال: غلى صدره فغل [3] إذا كان ذا غشٍ وضغنٍ وحقدٍ، أي: قلب المسلم لا يغل على هذه الخصال الثلاثة، وهي الثلاثة المتقدمة في قوله: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» فإن الله إذا كان يرضاها لنا لم يكن قلب المؤمن الذي يحب ما يحبه الله يغل عليها، يبغضها ويكرهها فيكون في قلبه عليها غل، بل يحبها قلب المؤمن ويرضاها». [4]

وفي صحيح البخاري ومسلم وغيرها عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول أو نقوم بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم».

وفي الصحيحين أيضا عن عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك».

ومعنى قوله: "وأثرة عليك" و"أثرة علينا" أي: وإن استأثر ولاة الأمور عليك فلم ينصفوك ولم يعطوك حقك، كما في الصحيحين عن أسيد بن حضير رضي الله عنه أن رجلًا من الأنصار خلا برسول الله ﷺ، فقال: ألا تستعملني كما استعملت فلانًا؟ فقال: «إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض».

وهذا كما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: «إنها تكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها» يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم».

وفي صحيح مسلم عن وائل بن حُجْر رضي الله عنه قال: سأل سلمةً بن يزيد الجُعْفيُّ رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم، ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث ابن قيس فقال رسول الله ﷺ: «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم».

فذلك ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم هو واجب على المسلم وإن استأثروا عليه، وما نهى الله عنه ورسوله ﷺ معصيتهم فهو محرم عليه وإن أكره عليه. [5]

فصل

وما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم واجب على الإنسان وإن لم يعاهدهم عليه، وإن لم يحلف لهم الأيمان المؤكدة، كما يجب عليه الصلواتُ الخمس والزكاة والصيام وحج البيت وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله من الطاعة، فإذا حلف عل ذلك توكيدًا وتثبيتًا لما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم، فالحالف على هذه الأمور لا يحل له أن يفعل خلاف المحلوف عليه سواء حلف بالله أو غير ذلك من الأيمان التي يحلف بها المسلمون، فإن ما أوجبه الله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم واجبٌ وإن لم يحلف عليه، فكيف إذا حلف عليه!؟ وما نهى الله ورسوله عن معصيتهم وغشهم محرم وإن لم يحلف على ذلك.

وهذا كما أنه إذا حلف ليصلينّ الخمس، وليصومنَّ شهر رمضان، أو ليقضين الحق الذي عليه ويشهدن بالحق، فإن هذا واجبٌ عليه وإن لم يحلف عيه، فكيف إذا حلف عليه؟ وما نهى الله عنه ورسوله من الشرك والكذب وضرب الخمر والظلم والفواحش وغش ولاة الأمور والخروج عما أمر الله به من طاعتهم هو محرم وإن لم يحلف عليه، فكيف إذا حلف عليه؟

ولهذا من كان حالفًا على ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم أو الصلاة أو الزكاة أو صوم رمضان أو أداء الأمانة والعدل ونحو ذلك، لا يجوز لأحدٍ أن يفتيه بمخالفة ما حلف عليه والحنث في يمينه، ولا يجوز له أن يستفتي في ذلك. ومن أفتى مثل هؤلاء بمخالفة ما حلفوا عليه والحنث في أيمانهم فهو مفترٍ على الله الكذب، مفتٍ بغير دين الإسلام، بل لو أفتى آحاد العامة بأن يفعل خلاف ما حلف عليه من الوفاء في عقد بيع أو نكاح أو إجاره أو غير ذلك مما يجب عليه الوفاء به من العقود التي يجب الوفاء بها وإن لم يحلف عليها، فإذا حلف كان أوكد، فمن أفتى مثل هذا بجواز نقض هذه العقود والحنث في يمينه كان مفتريًا على الله الكذب مفتيًا بغير دين الإسلام، فكيف إذا كان ذلك في معاقدة ولاة الأمور التي هي أعظم العقود التي أمر الله بالوفاء بها. [6]

وهذا كما أن جمهور العلماء يقولون: يمين المكره بغير حق لا ينعقد سواء كان بالله أو النذر أو الطلاق أو العتاق، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد.

ثم إذا أكره ولي الأمر الناس على ما يجب عليهم من طاعته ومناصحته وحلفهم على ذلك لم يجز لأحدٍ أن يأذن لهم في ترك ما أمر الله به ورسوله من ذلك، ويرخصَ لهم في الحنث في هذه الأيمان هـ لأن ما كان واجبًا بدون اليمين فاليمين تقويه لا تضعفه، ولو قدر أن صاحبها أكره عليها.

ومن أراد أن يقول بلزوم المحلوف مطلقًا في بعض الأيمان؟ لأجل تحليف ولاة الأمور أحيانًا، قيل له. وهذا يرد عليك فيما تعتقده في يمين المكره، فإنك تقول: لا يلزم فان حلف بها ولاة الأمور، ويرد عليك في أمورٍ كثيرةٍ تفتي بها في الحيل، مع ما فيه من معصية الله تعالى ورسوله وولاة الأمور.

أما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهم، بوجه من الوجوه، كما قد عُرف من عادات أهل السنة، الدين قديمًا وحديثًا ومن سيرة غيرهم.

وقد ثبت في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي ﷺ، أنه قال: «ينصب لكل غادر لواءٌ يوم القيامة عند أسته بقدر غدره» قال: وإن من أعظم الغدر يعني بإمام المسلمين، [7] وهذا حدّث به عبد الله بن عمر لما قام قوم من أهل المدينة يخرجون عن طاعة ولي أمرهم ينقضون بيعته". [8]

وفي صحيح مسلم عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثًا، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من خلع يدًا [من طاعة] لقي الله يوم القيامة ولا حُجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعةٌ مات ميتةً جاهليةً».

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «من رأى من أمير شيئًا يكرهه فليصبر عليه، فإنه ليس أحدٌ من الناس يخرج من السلطان شبرًا فمات عليه إلاّ مات ميتةً جاهليةً».

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات مات ميتةً جاهليةً، عن قاتل تحت راية عُمِّيَّةٍ، يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصية فقُتل فقتلةٌ جاهليةٌ». وفي لفظ: «ليس من أمتي من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشا من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدها، فليس مني ولست منه».

فالأول: هو الذي يخرج من طاعة ولي الأمر ويفارق الجماعة.

والثاني: هو الذي يقاتل لأجل العصبية والرياسة لا في سبيل الله، كأهل الأهواء مثل قيس ويمن.

والثالث: مثل الذي يقطع الطريق فيقتل من لقيه من مسلم وذمي، ليأخذ ماله، وكالحرورية المارقين الذين قاتلهم علي بن أبي طالب الذين قال فيهم النبي ﷺ: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاكم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنَّ في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة». [9]

وقد أمر النبي ﷺ بطاعة ولي الأمر وإن كان عبدًا حبشيًا، كما في صحيح مسلم عن النبي ﷺ قال: «اسمعوا وأطيعوا وإن استمعل عليكم عبدٌ حبشيٌ كأنَّ رأسه زبيبةٌ». [10]

وعن أبي ذر قال: أوصاني خليلي: «أن اسمعوا وأطيعوا ولو كان حبشيًا مجدع الأطراف». [11]

وعند البخاري: «ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة». [12]

وفي صحيح مسلم عن أم الحصين رضي الله عنها: سمعت رسول الله ﷺ بحجة الوداع وهو يقول: «ولو استعمل عبدٌ [13] يقودكم بكتاب الله، اسمعوا وأطيعوا»، وفي رواية: «عبد حبشي مجدعًا».

وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عيكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم» قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك؟ قال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية [الله] فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنَّ يدًا من طاعةٍ».

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «إن المقسطين عند الله على منابر من نورٍ عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا».

وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولى من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به».

وفي الصحيحين عن الحسن البصري قال: عاد عبيد الله [14] بن زياد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه فقال له معقل: إني محدثك حديثًا سمعته من رسول الله ﷺ، إني سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت وهو غاش لرعيته إلا حرَّم الله عليه الجنَّة».

وفي رواية لمسلم: «ما من أمير يلي من أمر المسلمين شيئًا لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنَّة».

وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: «ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، [فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئولٌ عن رعيته] والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وهي مسئولة عنه، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».

وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه: أن النبي ﷺ بعث جيشًا وأمَّر عليهم رجلًا، فأوقد نارًا، فقال: ادخلوها. فأراد الناس أن يدخلوها، وقال الآخرون: إنا فررنا منها، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين: قولًا حسنًا، وقال: «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف».

فصل

قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}. وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}. وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}. وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}. وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}.

فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية فإن اعطوه أطاعهم، وإن منعوه عصاهم، فما له في الآخرة من خلاق.

وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجلٌ على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجلٌ بايع رجلًا بسلعةٍ بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقَّه وهو [على] غير ذلك، ورجلٌ بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفي، وإن لم يعطه منها لم يف».

هامش

  1. روى ابن أبي عاصم في السنة (2/ 507) عن النبي ﷺ قال: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه». قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي في الرياض الناضرة: "وأما النصيحة لأئمة المسلمين، وهم ولاتهم من السلطان الأعظم إلى الأمير، إلى القاضي إلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة، فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم، وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم، وذلك باعتقاد إمامتهم والاعتراف بولايتهم، ووجوب طاعتهم بالمعروف، وعدم الخروج عليهم، وحث الرعية على طاعتهم، ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسله، وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم، وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم، كل أحد بحسب حاله، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق، فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم، واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم، فإن في ذلك شرًا وضررًا وفسادًا كبيرًا فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك، وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سرًا لا علنًا بلطف وعبارة تليق بالمقام ويحصل بها المقصود، فإن هذا مطلوب في حق كل أحد، وبالأخص ولاة الأمور، فإن تنبيههم عل هذا الوجه فيه خير كثير، وذلك علامة الصدق والإخلاص،. واحذر أيها الناصح لهم عل هذا الوجه المحمود أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس فتقول لهم: إني نصحتهم وقلت وقلت. فإن هذا عنوان الرياء، وعلامة ضعف الإخلاص، وفيه أضرار أخر معروفة".
  2. قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث: "وأما قول النبي ﷺ: «ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن..» فإنه يروى لا يغل ولا يُغِل. فمن قال: يَغِل بالفتح فإنه يجعله من الغل وهو الحقد والضغن والشحناء، ومن قال: يُغِل بضم الياء جعله من الخيانة من الإغلال".
  3. كذا في الأصل، والصواب: غل صدره يغل.
  4. يؤكد هذا المعنى ما في سنن الدارمي: «لا يعتقد قلبُ مسلم على ثلاث خصال إلا دخل الجنة، قال قلت: ما هن؟ قال: إخلاص العمل لله والنصيحة لولاة الأمر ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من ورائهم».
  5. قال ابن أبي العز الحنفي عند شرحه لقول الطحاوي: "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا"، قال: "وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا؛ فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل. قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}.. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير فليتركوا الظلم" شرح العقيدة الطحاوية
  6. قال الخطابي في غريب الحديث (2/ 318): "وإنما قيل لهم أهل العقدة؛ لأن الناس قد عقدوا لهم البيعة وأعطوهم الصفقة، ومعنى العُقدة أي: البيعة المعقودة لهم".
  7. أي من أعظم الغدرِ الغدر بإمام المسلمين
  8. متفق عليه. ولفظ البخاري عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إني سمعت النبي ﷺ يقول: «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة» وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله وإني لا أعلم غدرًا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله روسوله وإني لا أعلم غدرًا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله روسوله ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحدًا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه. قال التيمي في الحجة: "قال أهل اللغة: والفيصل: القطيعة والهجران". وقال ابن حجر في الفتح (13/ 71): "وفي هذا الحديث وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، والمنع من الخروج عليه ولو جار في حكمه، وأنه لا ينخلع بالفسق".
  9. متفق عليه
  10. صحيح البخاري (4/ 329)
  11. صحيح مسلم (3/ 1467).
  12. صحيح البخاري (1/ 230).
  13. في الأصل: "عبدًا".
  14. في الأصل: "عبد الله"