فنون الوصف
فنون الوصف المؤلف: إيليا أبو ماضي |
كأنّي في روض أرى الماء جاريا
أمامي، و فوقي الغيم يجهد بالنشر
توهّمته هما فقلت له انجلي
فإنّ همومي ضاق عن وسعها صدري
بربّك سر حيث الخلي فإنّني
فتى لا أرى غير المصائب في دهري
فأقشع حتّى لم أشكّ بأنّه
أصاخ إلى قولي و ما شكّ في أمري
رعى الله ذيّاك الغمام الذي رعى
عهودي و أولاني الجميل ولم يدر
تظلّلت بالأشجار عند اختفائه
و يا ربّ ظلّ كان أجمل من قطر
جلست أبثّ الزّهر سرّا كتمته
عن الناس حتّى صرت أخفى من السّرّ
و لمّا شكوت الوجد تمايلت
كأنّ الذي أشكوه ضرب من الخمر
و أدهشها صبري فأدهشني الهوى
دهشت لأنّ الزّهر أدهشها صبري
و لمّا درت أنّي محبّ متيّم
بكت و بكائي كلّ ضاحك مفتر
عجبت لها تبكي لمّا بي و لم يكن
عجيبا على مثلي البكاء من الصخر
كأنّي بدر، و الزهور كواكب،
و ذا الروض أفق ضاء بالبدر و الزهر
كأنّي و قد أطلقت نفسي من العنا
مليك لي الأغصان كالعسكر المجر
فما أسعد الإنسان في ساعة المنى
و ما أجمل الأحلام في أوّل العمر؟
و هاتفه قد أقلقتني بنوحها
فكنت كمخمور أفاق من السّكر
ترى روّعت مثلي من الدّهر بالفرا
ق، أم بدّلت مثلي من اليسر بالعسر
بكيت و لو لم أبك مما بكت له
بكيت لمّا بي من سقام و من ضرّ
و نهر إذا والى التجعّد ماؤه
ذكرت الأفاعي إذ تلوي على الجمر
تحيط به الأشجار من كلّ جانب
كما دار حول الجيد عقد من الدّر
و قد رقمت أغصانها في أديمه
كتابا من الأوراق، سطرا على سطر
كأنّ دنانير تساقط فوقه
و ليس دنانير سوى الورق النّضر
كأنّي به المرآة عند صفائها
تمثّل ما يدنو إليها و لا تدري
فما كان أدرى الغصن بالنظم و النثر؟
و ما كان أدرى الماء بالطّيّ و النّشر
ذر المدح و التشبيب بالخمر و المهى
فإنّي رأيت الوصف أليق بالشعر
و ما كان نظم الشّعر دأبي و إنّما
دعاني إليه الحبّ و الحبّ ذو أمر
و لي قلم كالرّمح يهتزّ في يدي
إلى الخير يسعى و الرّماح إلى الشّر
و تفتك هاتيك الأسنّة في الحشى
و يحيي الحشى إن راح بفتك بالخير
إذا ما شدا بالطرس أذهب شدوه
هموم ذوي الشّكوى ووقر ذوي الوقر
تبختر فوق الطرس يسحب ذيله
فقالوا به كبر، فقلت عن الكبر
لكلّ من الدنيا حبيب و ذا الذي
أشدّ به أزري و يعلو به قدري
و يبقى به ذكرى إذا غالني الرّدى
حسب الفتى ذكر يدوم إلى الحشر