فجعتُ بألطف العلماء روحاً
فجعتُ بألطف العلماء روحاً المؤلف: زكي مبارك |
فجعتُ بألطف العلماء روحاً
وأفصحهم إذا اشتجر الجدال
أديبٌ لا يساميه أديبٌ
له في كل معضلةٍ مقالُ
أ طه مات لا تبكوا عليه
ففي روض الخلود له مجالُ
جوار اللَه أفضل من جوار
بأرض كل ما فيها محال
ذكرت لقاءنا في سنتريس
ونحن بذلك الوادي جمال
لقد خسف الهلال فكان رهصاً
بموتٍ سوف يعرفه الهلال
لقد مات الهلالُ هلال طه
وغاية هذه الدنيا زوال
أ طه مات لا أدري فإني
أكذب كل يوم ما يقال
نعى ناعيه أشواقي إليه
وأعجب كيف تنصدق الجبال
إذا مات الصديق فكلّ روح
بهذي الدار في الدنيا خيال
صديقٌ مات ما أسفى عليه
وقد فنى الزمان فلا زمان
أكان الأمس يوماً ثم ولّى
ويوم غدٍ أيصحبه مكان
أراني لا أرى إلا طيوفاً
تجول بأنفس فيها طعان
جراثيمٌ تقاتلنا صحاحا
كخيل السبق يقتلها الرهان
يقول الغافلون ولست منهم
بأن الخيل ينجدها الحران
غضبتُ على زماني لا زمان
فما شيءٌ بذى الدنيا يصان
دماء المؤمنين تراق عمداً
فليس لها وقد كرمت أمان
يا سمِيَّ النبيّ لا الدار دارٌ
حين تنعى لنا ولا العهد عهد
فطرة أنت من لطائف روح
لن ترى مثلها الخلائق بعد
أريحيّ الطباع فاض سناه
كالذي يصنع الحسام الفرند
ماجدٌ أطنبَ المعزّون فيه
من ثناء يعدّ أو لا يعدّ
قد سكتنا فما رثيناك حزنا
إن بعض السكوت في الحزن حمد
أيّ قبر حواك يا صنو قلبي
كل روح لطيب روحك لحد
ما بكت أدمعي عليك ولكن
قد بكى القلب وهو للحب مهد
بغدادُ مات عظيم لا يطاوله
في ساحة الخلد إلا روح بغداد
لو كفّنوه بأحلام الربيع غدت
أكفانه في هيام الظامىء الصادي
طه أمتّ أجبني كيف لا عجبٌ
إن السيوف إلى أجفان أغماد
ما متّ هل متّ إلا كي يطيب لهم
حُسّاد فضلك طعم الماء والزاد
هذا حبيبك ملقى فوق أتربة
كما تلوذ بظهر الأرض أزهارُ
لم ينجه فضله من موته فهوى
بعض الفضائل للأمجاد إعصار
ذكرت طه وأشواقي تحدثني
بأنه غائبٌ عني إلى حين
إن التقينا فدار الخلد مرجعنا
ما يجمل الخلد إلا بالرياحين
إذا أثمت فصارت دارتي سقرا
فسوف يحمل آثامي ويفديني
معطّر الروح بالآداب عالية
والزهر في دوحه بعض الأفانين
الذوق والعقل مجموعان في رجل
أعزّه اللَه بالدنيا وبالدين
لا تسألوني عن طه ومنزله
والكرخ دارٌ له من بعد بغداد
أكاد أنسى فلا واللَه ما نسيت
روحي لطائفه في ذلك النادي
يهفو الضيوف إلى ساحات منزله
ليسمعوا صوت ذاك الباغم الشادي
أين الطعام وقد فاضت أطايبه
من صوت روح بنور العقل وقاد
طه أجبني أجب هل مت هل ذهبت
تلك الخصال إلى آباد آباد
هذا قصيدي إلى بغداد أرسله
من نور قلبي ومن نيران أحشائي
إني لديها مقيم والجوى قبسٌ
فيه حياة لمقتول النوى نائي
يوم العروبة وهو يوم الجمعة احتشدت
فيه القرائح تبكي ذلك الطائي
لو ناب عني الشبيبي في تحيته
لكنت أغمدت يوم الحزن أشعاري
قالوا الشبيبي بكى عني فقلت لهم
بين الشبيبي وبين ألف مضمار
القول منه قصيدٌ حين يلفظه
إن الزئير قصيد الضيغم الضاري