عَمّا بِصَباحِ العِلمِ رَغَداً وَاِنعَما
عَمّا بِصَباحِ العِلمِ رَغَداً وَاِنعَما المؤلف: شكيب أرسلان |
عَمّا بِصَباحِ العِلمِ رَغَداً وَاِنعَما
بِرَبعٍ ظَلامُ الجَهلِ عَنهُ تَصَرَّما
قَد اِنصاحَ صُبحُ السَعدِ في لَيلِ نَحسِهِ
فَغادَرَهُ شَيئاً فَشَيئاً مُهَزَّما
وَثابَ إِلَيهِ العِلمُ عَدُوّاً بِعودِهِ
إِلَيهِ فَلا لَومٌ إِذا ما تَلَوَّما
فَأَصبَحَ داجي أُفقِهِ اليَومَ زاهِراً
وَقَد كانَ زاهي أُفقِهِ قَبلَ مُظلِما
وَأَينَعَ ذاوي رَوضِهِ اليَومَ بُعدانَ
تَصَوَّحَ مِن عَصفِ البَوارِجِ في الحِمى
تَرَنَّحَ عَطفُ السَعدِ مِنهُ بُعَيدَ أَن
رَأى لِثُغروِ العِلمِ فيهِ تَبَسُّما
وَباتَت غُصونُ العِزِّ تَخطُرُ عِندَما
رأَت فَوقضها طَيرَ المَعارِفِ حَوَّما
لَعَمرُكَ إِنَّ الشَرقَ رُدَّ بَهاؤُهُ
فَيَرفُلُ في ثَوبِ النِساءِ مُنَمنَما
وَعادَ إِلَيهِ الفَضلِ وَالعودُ أحَمدُ
عَلَيهِ إِذا كانَ الغِيابُ مُذَمَّما
وَما الشَرقُ إِلّا ذَلِكَ الشَرقُ لَم يَزَل
مَدى الدَهرِ أَعلامَ العِلى مُتَسَنَّما
فَإِن نابَهُ يَوماً مِنَ الدَهرِ صَرفُهُ
فَلَم تَمضِ إِلّا بُرهَةً فَتَثَلَّما
وَإِما تَطِش دَهمَ اللَيالي سِهامَهُ
فَهَيهاتَ لَم تَسلِبهُ لِلحَظِّ أَسهُما
وَإِن فاتَهُ لِلفَضلِ غَيثٌ فَإِنَّما
تَوَخّى إِلَيهِ الرَجعَ جَمّاً فَعَتَّما
وَإِن تَعرُهُ الأَحداثَ مِن بَعدِ بَسطَةٍ
فَيُّ الوَرى لَم يَلقَ بوسى وَأَنعُما
وَإِن يَكُ يَوماً سَوَّدَ الجَهلَ أُفقَهُ
فَقَد طالَما في الفَضلِ أَطلَعُ أَنجُما
نُجومَ عُلومٍ أَخجَلَت بِضِيائِها
نُجومُ ضِياءٍ لَحنَ في كَبَدِ السَما
بِهِنَّ أَهتَدي في سَيرِهِ كُلٌّ بارِجٍ
تَوَغَّلَ في بَحرِ الكِيانِ الَّذي طَمى
رِجالٌ بِهِم جادَ الزَمانُ وَعلُهُ
عَلى مِثلِ هَذا الجودِ يَوماً تَندَما
أضقامَهُم في الشَرقِ يُحيونَ شَأنَهُ
فَإِذا هَل عَمّا نالَ عاداً وَجَرَّهُما
هُمِ المَلَأُ الأَخيارُ وَالعُصبَةُ الأولى
رَأَينا لَعَمري الرُشدُ فيهِم مُجَسَّما
تَظَلَّمَ مِنهُ الفَجرُ قَبلَ مَجيئِهِم
فَجاؤوا فَلَمّا أَثَقَلوهُ تَظَلَّما
لَكُم أَرهَفوا بِالجِدِّ لِلمَجدِ مِخذَما
وَكَم أَرَ عَفواً بِالحَزمِ لِلدَهرِ مَرغَما
وَسَلوا مِن الآراءِ أَبيَضَ صارِما
فَفَلّوا مِنَ الأَرزاءِ بَحراً عَرَمرَما
أَماطوا قِناعَ المَكرُماتِ وَقَد جَلوا
مُحَيّا المَعالي بَعدَ أَن كانَ اِسحَما
وَاِعلوا مَنارَ الرُشدِ في أُفقٍ شَرقَهُم
وَخَلّوا سَبيلاً أَضحَت إِلى النُجحِ سَلما
وَأَجروا يَنابيعَ المَعرِفِ في المَلا
فَطالَ بِها بِنتَ المَعاني وَقد نَما
وَشادوا أُصولاً لِلفُنونِ وَأَوضَحوا
لَها سُبُلاً أَضحَت إِلى النُجحِ سَلما
فَنِعمَ رِجالِ الشَرقِ قَوماً وَمَعشَراً
فَطالَ بِها بَنَتِ المَعاني وَقَد نَما
جَروا في رِهانِ الفَضلِ في أَوَّل المَدى
سِباقاً كَما أُجرِيَت أَجرَدَ شَيظَما
وَلَم يُرهِبوا مِن دونِها في جِهادِهِم
خِطاراً فَقَد خالوا التوقي تَقَحُّما
فَهُم أَسَّسوا رُكنَ الحَضارَةِ في الوَرى
وَلَم يَفعَلوا إِلّا لِنُدرِكَ مَغنَما
وَهُم أَكنَهوا سِرَّ المَعارشفِ أَوَّلاً
وَهُم عيفوا نَفعَ العُلومِ مَقدَما
فَلَمّا أَحَلَّ اللَهُ فيهِم قَضاءَهُ
وَأَوفاهُم داعي الرَدى مُتَخَرِّما
طَوَتهُم أَيادي البَينِ مِن بَعدِ أَن رَموا
مِنَ الهِمَّةِ الشَمّاءِ أَبعَدَ مُرتَمى
فَغارَ ضِياءُ الشَرقِ عِندَ غِيارِهِم
وَأَظلَمَ وَجهُ الشَرقِ وَقتاً وَاِقتَما
وَدالَت إِلى العَرَبِ العُلومِ مَعَ العُلى
كَما حَكَمَ المُبدي المُعيدُ وَأَبرَما
وَأَوجَفَ رَكبُ السَعيِ في طَلَبِ العُلى
فَكانَ بِذا الجَريِ الجَوادِ المُصَمَّما
وَباتَت بِلادُ الشَرقِ مِن بَعدِ عِزِّها
كَأَن لَم تَنَل مَجداً وَلَم تَحوِ مَغرَما
إِلى أَن تَجلي طالِعُ العَصرِ بَعدَ أَن
تَحَجَّبَ عَن تِلكَ الجَوانِبِ وَاِكتَمى
فَثابِتٌ لَدى إِشراقِهِ الهِمَمَ الَّتي
عَنِ العِلمِ قَبلاً قَد تَقاعَسنَ نُوَّما
عَنِ العِلمِ حَقُّ العِلمِ بِالفَضلِ ظاهِرٌ
فَذَلِكَ لِلأَلبابِ قَد كانَ الزَما
وَعَفَّت عَلى ما كانَ قَبلاً وَذَلَّلَت
جِماحَ زَمانٍ قَد طَغى وَتَجَرَّما
فَإِن يَكُ خَسفَ الشَرقِ أَضحى مُحَلَّلا
لَدَيهِ فَما كانَ الفَلاحُ مُحرِما
أَلا يا بَني الأَوطانِ إِنَّ عَلَيكُم
إِلى السَعيِ في تِلكَ المَعالي التَقَدُّما
عَلَيكُم بِها فَاِسعَوا لَها وَتَشَبَّهوا
فَمَن يُشبِهِ بِالكِرامِ تَكَرَّما
وَمَن قَصُرَت أَيديهِ فَليَسعَ طَوقُهُ
وَمَن لَم يَجِد ماءً بِأَرضٍ تَيَمُّما
وَقَد نَكتَفي بِالطَلِّ إِن بانَ وابِلِ
فَإِن اِعوِرارَ العَينِ خَيرٌ مِنَ العَمى
وَلا سِيَّما العِلمُ الشَريفُ فَإِنَّنا
نَرى نَيلُهُ جَدّاً عَلى الكُلِّ مُغرَما
أَما نَحنُ مَن سَنّوا المَآثِرِ وَاِقتَفى
مَآثِرَنا مَن بَعدَنا حازَ مُستَمى
أَلَم نُعلِ أَعلامَ العُلومِ بِقَطرِنا
عَلى حينٍ حَدُّ السَيفِ يَرعَفُ بِالدِما
أَلَم نَكُ أَهلَ الأَولِيَةِ في العُلى
لَيالي لَم نَقصُر عَنِ المَجدِ مُعزِما
بَلى نَحنُ كُنّا أَهلَها فازالَنا
زَمانٌ تَوَخّى حَيفَنا وَتَحَكَّما
وَما زالَ أَهلُ الغَربِ يَدرونَ قَدرَنا
عَلى مِنبَرٍ صَلّى عَلَينا وَسَلَّما
فَلا تَحسَبونا قَد عَرَينا وَطالَما
جُرِرنا مِنَ الفَضلِ الرِداءِ المُرَقَّما
وَهُم أَثَروا عَنّا العُلومَ فَهَذَبوا
فَجَرّوا عَلَينا مَطرَفَ المَجدِ مُعلَما
تَباروا بِعِلمٍ بِينَهُم وَتَنافَسوا
فَلا جَرَمَأَنَّ العِلمَ سَرَّ فَاِشكَما
وَقَد بَلَغوا مِن باذِخِ العِزِّ مَنزِلاً
يَظَلُّ لِسانُ الحالِ عَنهُ مُتَرجَما
إِذا نَظَرَ الشَرقِيُّ حالَ صَلاحِهِم
بضكى صاحِبي مِنها دَماً عِندَما
فَيا وَطَني حَتّامَ تَلبِثُ غافِلاً
وَحَتّامَ يا شَرقي أَراكَ مُهَوِّما
أَلَم تَدرِ بِالغَربِيِّ في الأَرضِ سائِحاً
عَلى سابِحٍ مِن عِلمِهِ لَيسَ مُلجِما
فَلِلَهِ دَرُّ العِلمِ أَن جَداءَهُ
لِمِمّا يَفوقُ العارِضَ المُتَسَجِّما
لَكُن نالَ مِن فَخرٍ وَأَيَّدَ صاغِراً
وَكَم عالَ مِن فَقرٍ وَقَلَّدَ مُعدَما
وَكَم حَلَّ مِن عِيٍّ وَأَطلَقَ حَبَّةً
وَكَم فَلَّ مِن غَيٍّ وَأَنطَقَ أَبكَما
فَمَن يَعتَصِم بِالعِلمِ يَظهَرُ بِهَديِهِ
فَلَم يَكُ غَيرَ العِلمِ شَيءٌ لِيَعصِما
إِذا العِلمُ هَذا الحَقَّ ما فيهِ شُبهَةٌ
وَحَسبُكَ بِالحَقِّ المُبينِ مُعَلِّما
وَمَن عَزَّ دونَ العِلمِ شَأناً فَإِنَّهُ
لَسَوفَ يُلاقي أَمرَهُ مُتَحَتِّما
فَذو السَيفِ يَلقى العِزَّ حيناً وَمُفرَداً
وَذو العِلمِ العِزِّ دَهراً وَتَوأَما
وَمَن نالَ أَخطارَ اليَراعِ فَإِنَّما
سَتُرِنُ كَفّاهُ يَراعاً وَصَيلَما
فَسُعداً لِمَن في حَلبَةِ العِلمِ قَد جَرى
وَسُحقاً لِمَن في حَلبَةِ العِلمِ أَحجَما
وَماذَلَّ مَن يَهوي العُلومَ وَإِنَّما
تَسَوَّدَ مَن بِالعِلمِ كانَ مُتَيَّما
سَما بِالَّذي كانَ الحَضيضُ مَقَرَّهُ
فَطَنَّبَ مِن فَوقِ الدَراري مُخَيِّما
فَما يَبلُغ المَنطيقُ وَصفَ جَدائِهِ
وَلَو كانَ كُلُّ الكَونِ في وَصفِهِ فَما
فَحَثّوا مَطايا العَزمِ كَي تَظفَروا بِهِ
تَنالوا بِيُمنِ العَصرِ مِنهُ المُيَمَّما
فَلا مُنيَةٌ إِلّا وَنِلتُم أَعِزَّها
وَلَو أَنَّها باتَت عَلى روقٍ أَعصَما
لَئِن تَبذُلوا فيهِ النَفيسَ فَغَيرُكُم
لِإِحرازِهِ هَلَكَ النُفوسَ تَجَشَّما
وَما غَيرُكُم وَاللَهِ إِلّا أُصولَكُم
نُخبِرُ عَنهُم لا حَديثاً مُرَجَّما
وَقَومٌ هَدوا في الحَقِّ هَديُ جُددوكُم
إِلى أَن غَدوا أَعلَينَ في الأَمرِ مِثلَما
أولَئِكَ قَد سادوا وَأَقصى نِكايَةٍ
لَنا فيهِم القابَ عَلَجٍ وَأَعجَما
بِعِلمٍ إِذا ما باتَ فيهِم مُتَوَّجاً
فَيا طالَما قَد كانَ فينا مُعَمَّما
فَأَمّا لَعَمري قُدوَةٌ بِمَعاصِرٍ
وَأَمّا تُراثٌ لِلَّذي صارَ أَعظُما
وَلا نَحسَبُ الأضحوالَ وَهيَ عَوراِضٌ
تُغَيِّرُ في أَصلِ المَبادي فَنَسأَما
وَأَمّا نَصَبنا في سَبيلِ جِهادِنا
فَأَيِّ قَرارٍ لا يُقابِلُ مَخرَما
وَقَد أَشرَعَ الدَربَ الموصِلُ نَحوَهُ
بِما شَفَعَ الرَحمَنَ فينا وَالهَما
فَلا صَدَفَت فِتيانُنا عَن وُلوجِهِ
لَيَغدو بِهِم رَثُّ البِلادِ مُرَمَّما
وَيَرتَقِ فَتقُ الشَرقِ بَعدَ اِتِّساعِهِ
وَيَرفى غِطاهُ بَعدَ ما قَد تَشَرَّما
فَإِنَّ الفَتى مِن زانٍ مَسقَطِ رَأسِهِ
بِما نالَهُ مِن حِكمَةٍ وَتَعلَما
فَذاكَ الَّذي في بَردَةِ الفَضلِ يَنثَني
وَلَيسَ الفَتى مَن بِالعَقيقِ تَختِما
فَإِن يَنتَظِم شَملُ الرِجالِ بِقَطرِنا
تَرتُبُ فيهِ أَمرَنا وَتَنظُما
لِأَنَّ نَجاحَ الصَقعِ في حُسنِ أَهلِهِ
إِذا كانَ أَمرِ الوُدِّ في القَومِ مُحكَما
وَكانوا كَما الأَعضاءُ في الجِسمِ فَاِغتَدى
عَلى الكُلِّ مِنهُم خَيرُهُ مُتَقَسِّما
فَيَشتَدُّ أَزرُ القَومِ بَعدَ اِنحِلالِهِ
إِذا شَدَّ مِن عَقدِ التَضافُرِ مُحزَما
إِذا نَبتَغي عِلماً بِدونِ تَضافُرٍ
إِذاً فَاِتِّباعُ الجَهلِ قَد كانَ أَحزَما
وَكُلُّ اِمرِئٍ عَن قَومِهِ مُتَخَلِّفٌ
فَلا يَعدُ مِنَ الدَهرِ لِلوَطءِ مَنسِما
فَكونوا كَجِسمٍ واحِدٍ أَن تَأَلَّمَت
لَهُ أَنمُلٌ تَلقى الجَميعَ تَأَلُّما
تَفوزوا بِتَذليلِ الصِعابِ إِذا عَصَت
وَتَقووا عَلى ذا الدَهرِ إِمّا تَهضِما
بِهِمَّتِكُم مِن عَصرِنا ما توسَما
هُوَ العَصرُ وافى ضاحِكاً عَن فُنونِهِ
وَقَد كانَ مِن قَبلُ عَلَيكُم تَأَجَّما
تَبَدّى وَهَذا الجَهلُ في الناسِ سائِدٌ
فَاِطرُق مِنهُ هَيبَةً وَتَحشَما
وَراحَ عَلى الدُنيا يَنُشُّ بَدائِعاً
فَهَزَّ أَخاً عَشِقَ وَرَنَّحَ ضَيغَما
بِكُم مَعشَرَ الحُضّارِ تَزانُ أَرضُنا
وَيُصبِحُ عَرضَ الخَسفِ فيها مُكَلَّما
تَجلوا عَن أَن تُرشِدوا مِن مُماثِلي
وَلَكِنَّها ذِكرى لِما لَيسَ مُبهَما
كَفى عَصرَكُم فَخَروا وَعِزّاً إِذا اِدَّعى
أَميرَ الوَرى عَبدَ الحَميدِ المُعَظَّما
لِيُجهِدَ في اِستِرجاعِ رَونَقَ شَرقَنا
وَتَجديدَ ما مِن مَجدِهِ قَد تَهدِما
فَلا زالَ في عَصرِ الخِلافَةِ قائِماً
لِما أَنادَ مِن أَمرِ العِبادِ مُقَوِّما
يَنُثُّ عَلَيهِ الخافِقانِ بِعَدلِهِ
ثَناءً جَميلاً بِالدُعاءِ مُختِما