الرئيسيةبحث

عيون الأنباء في طبقات الأطباء/الباب الرابع/أفلاطون

أفلاطون

يقال فلاطن وأفلاطن وأفلاطون، قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل في كتابه أفلاطن الحكيم من أهل مدينة أثينيا، رومي فيلسوف يوناني طبي؛ عالم بالهندسة وطبائع الأعداد، وله في الطب كتاب بعثه إلى طيماوس تلميذه؛ وله في الفلسفة كتب وأشعار، وله في التأليف كلام لم يسبقه أحد إليه، استنبط به صنعة الديباج، وهو الكلام المنسوب إلى الخمس النسب التأليفية التي لا سبيل إلى وجود غيرها في جميع الموجودات المؤتلفات، فلما أحاط علمًا بطبائع الأعداد ومعرفة الخمس النسب التأليفية استشرف إلى علم العالم كله، وعرف موانع الأجزاء المؤتلفات الممتزجات باختلاف ألوانها وأصباغها، وائتلافها على قدر النسبة، فوصل بذلك إلى علم تصوير، فوضع أول حركة جامعة لجميع الحركات ثم صنفها بالنسبة العددية، ووضع الأجزاء المؤتلفة على ذلك فصار إلى علم تصوير التصويرات، فقامت له صناعة الديباج وصناعة كل مؤتلف به، وألف في ذلك كتابا. وله في الفلسفة كلام عجيب، وهو ممن وضع لأهل زمانه سننًا وحدوداً، وله كتاب السياسة في ذلك، وكتاب النواميس، وكان في دولة دارايطو، وهو والد دارا الذي قتله الإسكندر، فكان بعد أبقراط في دولة والد الإسكندر، فيليبس، وكانت الفرس يومئذ تملك الروم واليونانيين، وقال المبشر بن فاتك، في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم معنى أفلاطون وتفسيره في لغتهم العميم الواسع، وكان اسم أبيه أرسطن، وكان أبواه من أشراف اليونانيين من ولد أسقليبيوس جميعاً، وكانت أمه خاصة من نسل سولون صاحب الشرائع. وكان قد أخذ في أول أمره في تعلم علم الشعر واللغة، فبلغ في ذلك مبلغًا عظيمًا إلى أن حضر يومًا سقراطيس وهو يثلب صناعة الشعر، فأعجبه ما سمع منه، وزهد فيما كان عنده منه، ولزم سقراط وسمع منه خمس سنين، ثم مات سقراط، فبلغه أن بمصر قومًا من أصحاب فيثاغورس، فسار إليهم حتى أخذ عنهم، وكان يميل في الحكمة، قبل أن يصحب سقراط، إلى رأي أيرقليطس، ولما صحب سقراط زهد في مذهب إيرقليطس وكان يتبعه في الأشياء المحسوسة، وكان يتبع فيثاغورس في الأشياء المعقولة، وكان يتبع سقراطيس في أمور التدبير، ثم رجع أفلاطن من مصر إلى أثينية، ونصب فيها بيتي حكمة، وعلم الناس فيها، ثم سار إلى سيقليا فجرت له قصة مع ديونوسيوس المتغلب الذي كان بها، وبلي منه بأشياء صعبة، ثم تخلص منه وعاد إلى أثينية، فسار فيهم أحسن سيرة، وأرضى الجميع، وأعان الضعفاء، وراموه أن يتولى تدبير أمورهم فامتنع لأنه وجدهم على تدبير غير التدبير الذي يراه صواباً، وقد اعتادوه وتمكن من نفوسهم، فعلم أنه لا يمكنه نقلهم عنه، وأنه لو رام نقلهم عما هم عليه لكان يهلك كما هلك أستاذه سقراط، على أن سقراط لم يكن قد رام استكمال صواب التدبير. وبلغ أفلاطون من العمر إحدى وثمانين سنة، وكان حسن الأخلاق، كريم الأفعال، كثير الإحسان إلى كل ذي قرابة منه وإلى الغرباء، متئدًا حليما صبوراً، وكان له تلاميذ كثيرة، وتولى التدريس بعده رجلان أحدهما بأثينية في الموضع المعروف بأقاديميا وهو كسانو قراطيس؛ والآخر بلوقين من عمل أثينية أيضًا وهو أرسطوطاليس. وكان يرمز حكمته ويسترها ويتكلم بها ملغوزة، حتى لا يظهر مقصده لذوي الحكمة، وكان درسه وتعلمه على طيماوس وسقراطيس وعنهما أخذ أكثر آرائه.وصنف كتبًا كثيرة، منها ما بلغنا اسمه ستة وخمسون كتاباً، وفيها كتب كبار يكون فيها عدة مقالات، وكتبه يتصل بعضها ببعض أربعة أربعة يجمعها غرض واحد، ويخص كل واحد منها غرض خاص يشتمل عليه ذلك الغرض العام، ويسمى كل واحد منها رابوعاً، وكل رابوع منها يتصل بالرابوع الذي قبله، وكان رجلًا أسمر اللون، معتدل القامة، حسن الصورة، تام التخاطيط، حسن اللحية، قليل شعر العارضين، ساكتًا خافضاً، أشهل العينين براق بياضهما، في ذقنه الأسفل خال أسود؛ تام الباع، لطيف الكلمة، محبًا للفلوات والصحارى والوحدة، وكان يستدل في الحال الأكثر على موضعه بصوت بكائه، ويسمع منه على نحو ميلين في الفيافي والصحارى، ومن خط إسحاق بن حنين عاش أفلاطون ثمانين سنة، وقال حنين بن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء كان منقوشًا على فص خاتم أفلاطون تحريك الساكن أسهل من تسكين المتحرك.

مواعظ أفلاطون

ومن آداب أفلاطون ومواعظه، مما ذكره المبشر بن فاتك رحمه اللَّه في كتابه، قال إفلاطون للعادة على كل شيء سلطان، وقال إذا هرب الحكيم من الناس فاطلبه، وإذا طلبهم فاهرب منه، وقال من لا يواس الإخوان عند دولته خذلوه عند فاقته. وقيل له لم لا تجتمع الحكمة والمال؟ فقال لعز الكمال، وسئل من أحق الناس إن يؤتمن على تدبير المدينة؟ فقال من كان في تدبير نفسه حسن المذهب.وقيل له من يسلم من سائر العيوب وقبيح الأفعال؟ فقال من جعل عقله أمينه، وحذره وزيره، والمواعظ زمامه والصبر قائده، والاعتصام بالتوقي ظهيره، وخوف اللَّه جليسه، وذكر الموسوعة أنيسه. وقال المَلِكُ هو كالنهر الأعظم تستمد منه الأنهار الصغار، فإن كان عذبًا عذبت، وإن كان مالحًا ملحت. وقال إذا أردت أن تدوم لك اللذة فلا تستوف الملتذ أبداً، بل دع فيه فضله، تدوم لك اللذة، وقال إياك في وقت الحرب أن تستعمل النجدة وتدع العقل، فإن للعقل مواقف قد تتم بلا حاجة إلى النجدة، ولا ترى للنجدة غنى عن العقل، وقال غاية الأدب أن يستحي المرء من نفسه، وقال ما ألمت نفسي إلا من ثلاث من غني افتقر، وعزيز ذل، وحكيم تلاعبت به الجهال، وقال لا تصحبوا الأشرار فإنهم يمنون عليكم بالسلامة منهم، وقال لا تطلب سرعة العمل واطلب تجريده، فإن الناس لا يسألون في كم فرغ من هذا العمل وإنما يسألون عن جودة صنعه. وقال إحسانك إلى الحر يحركه على المكافأة، وإحسانك إلى الخسيس يحركه على معاودة المسألة، وقال الأشرار يتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم، كما يتتبع الذباب المواضع الفاسدة من الجسد ويترك الصحيح منه، وقال لا تستصغر عدوك فيقتحم عليك المكروه من زيادة مقداره على تقديرك فيه، وقال ليس تكمل خيريَّة الرجل حتى يكون صديقًا للمتعاديين، وقال اطلب في الحياة العلم والمال تحز الرئاسة على الناس، لأنهم بين خاص وعام، فالخاصة تفضلك بما تحسن، والعامة تفضلك بما تملك. وقال من جمع إلى شرف أصله شرف نفسه فقد قضى الحق عليه، واستدعى التفضيل بالحجة؛ ومن أغفل نفسه واعتمد على شرف آبائه فقد عقهم واستحق أن لا يقدَّم بهم على غيره، وقال لا تبتاعن مملوكًا قوي الشهوة فإنه له مولى غيرك، ولا غضوبًا فإنه يقلق في ملكك، ولا قوي الرأي فيستعمل الحيلة عليك. وقال استعمل مع فرط النصيحة ما تستعمله الخونة من حسن المداراة، ولا تدخل عليك العجب لفضلك على أكفائك فيفسد عليك ثمرة ما فضلت به. وقال لا تنظر إلى أحد بالموضع الذي رتّبه فيه زمانه، وانظر إليه بقيمته في الحقيقة فإنها مكانه الطبيعي. وقال إذا خبث الزمان كسدت الفضائل وضرت، ونفقت الرذائل ونفعت، وكان خوف الموسر أشد من خوف المُعسر. وقال لا يزال الجائر ممهلًا حتى يتخطى إلى أركان العمارة ومباني الشريعة، وإذا أقصد لها تحرك عليه قيِّم العالم فأباده، وقال إذا طابق الكلام نية المتكلم حرك نية السامع، وإن خالفها لم يحسن موقعه ممن أريد به، وقال أفضل الملوك من بقي بالعدل ذكره واستملى من أتي بعده بفضائله. وقال رجل جاهل لأفلاطون كيف قدرت على كثرة ما تعلمت؟ فقال لأني أفنيت من الزيت بمقدار ما أفنيته أنت من الشراب، وقال عين المحب عمياء عن عيوب المحبوب. وقال إذا خاطبت من هو أعلم منك فجرد له المعاني، ولا تكلف بإطالة اللفظ ولا تحسينه؛ وإذا خاطبت من هو دونك في المعرفة فأبسط كلامك ليلحق في أواخره ما أعجزه في أوائله، وقال الحلم لا ينسب إلا إلى من قدر على السطوة، والزهد لا ينسب إلا إلى من ترك بعد القدرة، وقال العزيز النفس هو الذي يذل للفاقة، وقال الحسن الخلق من صبر على السيئ الخلق، وقال أشرف الناس من شرفته الفضائل، لا من تشرف بالفضائل، وذلك أن من كانت الفضائل فيه جوهرية فهي تشرفه ومن كانت فيه عرضية تشرف بها ولم تشرفه. وقال الحياء إذا توسط أوقف الإنسان عما عابه، وإذا أفرط أوقفه عما يحتاج إليه، وإذا قصر خلع عنه ثوب التجمل في كثير من أحواله. وقال إذا حصل عدولك في قدرتك خرج من جملة أعدائك، ودخل في عدة حشمك، وقال ينبغي للمرء أن ينظر وجهه في المرآة، فإن كان حسنًا استقبح أن يضيف إليه فعلًا قبيحاً، وإن كان قبيحًا استقبح أن يجمع بين قبحين. وقال لا تصحب الشرير فإن طبعك يسرق من طبعه شرًا وأنت لا تدري. وقال إذا قامت حجتك في المناظرة على كريم أكرمك ووقرك، وإذا قامت على خسيس عاداك واصطنعها عليك. وقال من مدحك بما ليس فيك من الجميل وهو راض عنك ذمك بما ليس فيك من القبيح وهو ساخط عليك. وقال إنما صار التقليد واجبًا في العالم لأن الضعف فيه قائم في الناس. وقال من تعلم العلم لفضيلته لم يوحشه كساده، ومن تعلمه لجدواه انصرف بانصراف الحظ عن أهله إلى ما يكسبه. وقال ليكن خوفك من تدبيرك على عدوك أكثر من خوفك من تدبير عدوك عليك. وقال رب مغبوط بنعمة هي بلاؤه، ورب محسود على حال هي داؤه. وقال شهوات الناس تتحرك بحسب شهوات الملك وإرادته. وقال ما معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم، وقال الأمل خداع الناس، وقال احفظ الناموس يحفظك، وقال إذا صادقت رجلًا وجب أن تكون صديق صديقه، وليس يجب عليك أن تكون عدو عدوه. وقال المشورة تريك طبع المستشار، وقال ينبغي للعاقل أن لا يتكسب إلا بأزيد ما فيه، ولا يخدم إلا المقارب له في خلقه. وقال أكثر الفضائل مرّةُ المبادي حلوةُ العواقب، وأثر الرذائل حلوة المبادي مرة العواقب. وقال لا تستكثرن عن عشرة حملة عيوب الناس، فإنهم يتسقطون ما غفلت عنه وينقلونه إلى غيرك كما ينقلون عنه إليك.وقال الظفر شافع المذنبين إلى الكرماء. وقال ينبغي للحازم أن يعد للأمر الذي يلتمسه كل ما أوجبه الرأي في طلبه، ولا يتكل فيه على الأسباب الخارجة عن سعية مما يدعو إليه الأمل وما جرت به العادة، فإنها ليست له وإنما هي للإتفاق الذي لا تثق به الحزمة. وقيل لأفلاطون لم صار الرجل يقتني مالًا وهو شيخ؟ فقال لأن يموت الإنسان فيخلف مالًا لأعدائه، خير له من أن يحتاج في حياته إلى أصدقائه، ورأى طبيبًا جاهلًا فقال هذا محب مزعج للموت، وقال الإفراط في النصيحة يهجم بصاحبها على كثير من الظنة، وقال ليس ينبغي للرجل أن يشغل قلبه بما ذهب منه، ولكن يعتني بحفظ ما بقي عليه. وسأله أرسطوطاليس بماذا يعرف الحكيم أنه قد صار حكيماً؟ فقال إذا لم يكن بما يصيب من الرأي معجباً، ولا لما يأتي من الأمر متكلفاً، ولم يستفزه عند الذم الغضب، ولا يدخله عند المرح النخوة، وسئل مم ينبغي أن يحترس؟ فقال من العدو القادر، والصديق المكدر، والمسلط الغاضب، وسئل أي شيء أنفع للإنسان؟ فقال أن يعنى بتقويم نفسه أكثر من عنايته بتقويم غيره، وقال الشرير العالم يسره الطعن على من تقدمه من العلماء، ويسوؤه بقاء من في عصره منهم، لأنه يحب أن لا يعرف بالعلم غيره؛ لأن الأغلب عليه شهوة الرئاسة؛ والخيِّر العالم يسوؤه فقد أحد من طبقته في المعرفة، لأن رغبته في الازدياد وإحياء علمه بالذاكرة أكثر من رغبته في الرئاسة والغلبة، وقال تبكيت الرجل بالذنب بعد العفو عنه إزراء بالصنيعة، وإنما يكون قبل هبة الجرم له، وقال اطلب في حياتك العلم والمال والعمل الصالح، فإن الخاصة تفضلك بما تحسن، والعامة بما تملك، والجميع بما تعمل. وسئل أفلاطون عند موته عن الدنيا فقال خرجت إليها مضطراً، وعشت فيها متحيراً، وها أنا أخرج منها كارهاً؛ ولم أعلم فيها إلا أنني لم أعلم.

كتب أفلاطون

ولأفلاطن من الكتب كتاب احتجاج سقراط على أهل أثينية؛ كتاب فأذن في النفس؛ كتاب السياسة المدنية؛ كتاب طيماوس الروحاني في ترتيب العوالم الثلاثة العقلية، التي هي عالم الربوبية وعالم العقل وعالم النفس؛ كتاب طيماوس الطبيعي؛ أربع مقالات في تركيب عالم الطبيعة، - كتب بهذين الكتابين إلى تلميذ له يسمى طيماوس، وغرض فلاطن في كتابه هذا أن يصف جميع العلم الطبيعي. أقول وذكر جالينوس في المقالة الثامنة من كتابه من آراء أبقراط وفلاطن أن كتاب طيماوس قد شرحه كثير من المفسرين وأطنبوا في ذلك، حتى جاوزوا المقدار الذي ينبغي ما خلا الأقاويل الطبيعية التي فيه، فإنه قل من رام شرحها، ومن رام شرحها أيضًا لم يحسن فيما كتب فيها، ولجالينوس كتاب ينقسم إلى أربع مقالات فسر فيه ما في كتاب طيماوس من علم الطب، كتاب الأقوال الأفلاطونية؛ كتاب أونفرن؛ كتاب أقريطن؛ كتاب قراطلس؛ كتاب ثاطيطس؛ كتاب سوفسطس؛ كتاب فوليطيقوس؛ كتاب برمينيدس؛ كتاب فلبس؛ كتاب سمبوسين، كتاب القيبيادس الأول؛ كتاب القيبيادس الثاني؛ كتاب أبرخس؛ كتاب أرسطا في الفلسفة؛ كتاب ثاجيس في الفلسفة؛ كتاب أوثوديموس؛ كتاب لاخس في الشجاعة؛ كتاب لوسيس؛ كتاب فروطاغورس؛ كتاب غورجياس؛ كتاب مانون؛ كتابان مسميان أبيا؛ كتاب أين؛ كتاب منكسانس، كتاب فليطفون، كتاب الفلسفي؛ كتاب أقريطياس؛ كتاب مينس؛ كتاب أفينومس؛ كتاب النواميس؛ اثنا عشر كتابًا في الفلسفة؛ كتاب فيما ينبغي؛ كتاب في الأشياء العالية؛ كتاب خرميدس في العفة؛ كتاب فدروس؛ كتاب المناسبات؛ كتاب التوحيد؛ كتاب في النفس والعقل والجوهر والغرض؛ كتاب الحس واللذة، مقالة؛ كتاب تأديب الأحداث ووصاياهم؛ كتاب معاتبة النفس؛ كتاب أصول الهندسة.