عنوان الحكم المؤلف: أبو الفتح البستي |
زيـادَةُ المَرء فـي دُنيـاهُ نقصـانُ * * * وربْحُـهُ غَيرَ محض الخَير خُسـرانُ
وكُل وِجـدانِ حَظٍّ لا ثَبـاتَ لَـهُ* * * فإنَّ مَعنـاهُ فـي التَّحقيق فُقْـدانُ
يا عامِـراً لخَـرابِ الدَّهرِ مُجتهِـداً* * * باللهِ هـل لخَـرابِ العمر عُمـرانُ
ويا حَريـصاً على الأموالِ تَجمَعُهـا* * * أُنْسِيـتَ أنَّ سُرورَ المـالِ أحْـزانُ
زَعِ الفـؤادَ عـنِ الدُّنيـا وزينتهـا * * * فصَفْوُها كَدَرٌ والوَصـلُ هِجْـرانُ
وأَرعِ سَمعَـكَ أمثـالاً أُفَـصِّـلُها * * * كمـا يُفَصَّـلُ يَاقـوتٌ ومَرْجـانُ
أحسِنْ إلـى النّـاسِ تَستَعبِدْ قُلوبَهُمُ * * * فطالَمـا استعبدَ الإنسـانَ إحسانُ
يا خادمَ الجسم كم تشقـى بِخدمته * * * أتطلب الربح فيمـا فيـه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها * * * فأنـت بالنفس لا بالجسم إنسـان
وإنْ أسـاءَ مُسـيءٌ فلْيَكنْ لكَ في * * * عُـروضِ زَلَّتِهِ صَفْـحٌ وغُفـرانُ
وكُنْ علـى الدَّهر مِعواناً لـذي أمَلٍ * * * يَرجـو نَداكَ فإنَّ الحُـرَّ مِعْـوانُ
واشدُدْ يَدْيـكَ بحَبـلِ الله مُعتَصِمـاً * * * فإنَّـهُ الرُّكْنُ إنْ خانَتْـكَ أركـانُ
مَـنْ يَتَّقِ الله يُحْمَـدُ فـي عَواقِبِـه * * * وَيكفِهِ شَرَّ مَـنْ عزُّوا ومَـنْ هانُوا
مَـنِ استعـانَ بغَيرِ اللهِ فـي طَلَـبٍ * * * فـإنَّ ناصِـرَهُ عَجـزٌ وخِـذْلانُ
مـن كان للخير منّاعـا فليس لـه * * * علـى الحقيقة إخـوان وأَخـدانُ
مـَنْ جادَ بالمـالِ مالَ النَّاسُ قاطِبَـة * * * إلَيـهِ والمـالُ للإنسـان فَتّـانُ
مَنْ سالَمَ النّاسَ يسلَمْ مـن غوائِلِهمْ * * * وعـاشَ وَهْوَ قَريرُ العَينِ جَـذْلانُ
مَنْ كانَ للعَقلِ سُلطـانٌ عَلَيهِ غَـدا * * * وما علـى نَفسِهِ للحِرْصِ سُلطـانُ
مَنْ مّدَّ طَرْفاً لفَرطِ الجَهلِ نحـو هَوى * * * أغضـى على الحَقِّ يَوماً وهْوَ خَزْيانُ
مَنْ عاشَرَ النّاسَ لاقـى مِنهُمُ نَصبَـاَ * * * لأنَّ سوسَـهُـمُ بَغْـيٌ وعُـدْوانُ
ومَنْ يُفَتِّشْ عـنِ الإخـوانِ يقلِهِـمُ * * * فَجُلُّ إخْـوانِ هَذا العَصرِ خَـوّانُ
منِ استشارَ صُروفَ الدَّهرِ قـامَ لـهُ * * * علـى حقيقةِ طَبعِ الدهـر بُرهـانُ
مَنْ يَزْرَعِ الشَّـرَّ يَحصُدْ في عواقبِـهِ * * * نَـدامَـةً ولِحَصـدِ الزَّرْعِ إبّـانُ
مَنِ استَنـامَ إلى الأشـرار نامَ وفـي * * * قَميصِـهِ مِنهُـمُ صِـلٌّ وثُعْبـانُ
كُنْ رَيَّـقَ البِشْـرِ إنْ الحُـرَّ هِمَّتُـهُ * * * صَحيفَةٌ وعَلَيهـا البِشْـرُ عُنْـوانُ
ورافِـقِ الرِّفْقَ في كُلِّ الأمورِ فلَـمْ * * * يندّمْ رَفيـقٌ ولـم يذمُمْهُ إنسـانُ
ولا يَغُرَّنْـكَ حَـظٌّ جَـرَّهْ خـرَقٌ * * * فالخَرْقُ هَـدمٌ ورِفـقُ المَرءِ بُنْيـانُ
أحسِنْ إذا كـانَ إمكانٌ ومَقـدِرةٌ فلن * * * يَـدومَ على الإحسـانِ إمكانُ
فالرَّوضُ يَـزدانُ بالأنْـوَارِ فاغِمـةً * * * والحُرُّ بالعـدلْ والإحسـانِ يَـزْدانُ
صُنْ حُرَّ وَجهِـكَ لا تهتِكْ غِـلامتهُ * * * فكُـل حُـرٍّ لِحُـرِّ الوَجـهِ صَـوّانُ
فإنْ لَقِيـتَ عـدُوّاً فَالْقَـهُ أبَـداً * * * والوَجـهُ بالبِشْرِ والإشـراقِ غَضّـانُ
دَعِ التكاسُلَ في الخَـيراتِ تطلُبُـها * * * فليـسَ يسعَدُ بالخَــيراتِ كَسْـلانُ
لا ظِلَّ للمَرءِ يعرى من تُقىً ونُهـىَ * * * وإن أظلَّتْـهُ أوراقٌ وأغصـانُ
والنّاسُ أعـوانُ مَنْ وَالتْـهُ دولَتُـهُ * * * وهُمْ علَيـهِ إذا عـادَتْـهُ أعـوانُ
سَحْبـانُ من غَيرِ مالٍ باقِلٌ حَصـرٌ * * * وبـاقِلٌ فـي ثَراءِ المـالِ سَحْبـانُ
لا تُودِعِ السِـرَّ وَشَّـاءً يبـوحُ بهِ * * * فما رعـى غَنَماً فـي البدَّوِّ سِرْحـانُ
لا تَحسَبِ النَّاسَ طَبْعاً واحِداً فَلهُمْ * * * غـرائـزٌ لسْتَ تُحصِيـهن ألـوانُ
ما كُـلُّ مـاءٍ كصَـدّاءٍ لـوارِدِه* * * نَعَمْ ولا كُـلُّ نَبْتٍ فهـو سَعْـدانُ
لا تَخدِشَـنَّ بِمَطْلٍٍ وَجْـهَ عارِفَـةٍ * * * فـالبِـرُّ يَخدِشُـهُ مَطْـلٌ ولَيّـانُ
لا تَستشِـرْ غيرَ نَدْبٍ حتازِمٍ يَقِـظٍ * * * قـدِ اسْتَـوى فيـه إسْرارٌ وإعْـلانُ
فللِتـدابيـرِ فُرْسـانٌ إذا ركِبـُوا * * * فيهـا أبَـرُّوا كمـا للِحَربِ فُرْسـانُ
ولـلأمـور مَواقيـتٌ مُـقَـدَّرَةٌ * * * وكُـلُّ أمـرٍ لـهُ حَـدُّ ومِـيـزانُ
فلا تكُـنْ عَجِـلاً بـالأمرِ تطلُبُـهُ * * * فليـسَ يُحمَدُ قبـل النُّضْجِ بُحْـرانُ
كفى مِنَ العيـشِ ما قدْ سَدَّ من عَوَزٍ * * * ففيـهِ للـحُـرِّ إن حققـت غُنيـانُ
وذو القَنـاعَةِ راضٍ مـن مَعيشَتِـهِ * * * وصاحبُ الحِرْصِ إن أثـرى فَغَضبْـانُ
حَسْبُ الفـتى عقلُـهُ خِـلاًّ يُعاشِرُهُ * * * إذا تـحـامـاهُ إخـوانٌ وخُـلاّنُ
هُما رضيـعا لِبـانٍ حِكَمةٌ وتُقـىً * * * وساكِـنـا وَطَـنٍ مـالٌ وطُغْيـانُ
إذا نَبـا بـكريـمٍ موطِـنٌ فلَـهُ * * * وراءهُ فـي بسيـط الأرض أوطـانُ
يا ظالمـا فرحـا بالعـزِّ ساعَـدَه * * * إن كنت فـي صلـة فالظهر يقظـانُ
ما استَمْرأ الظُّلْمَ لو أنصْتَ آكِلُـهُ * * * وهلْ يلَـذُّ مَـذاقَ المـرء خُـطْبـانُ
يا أيُّـها العَالِـمُ المَرضِـيُّ سيرَتُـهُ * * * أبشِـرْ فـأنـتَ بغَـيرِ المـاءِ رَيـانُ
ويا أخَا الجَهلِ لو أصبَحْتَ في لُجَجٍ * * * فأنـتَ ما بينَـهـا لاشَـكَّ ضمـآنُ
لا تحسَبَـنَّ سُروراً دائمـاً أبَـداً * * * مَـنْ سَـرَّهُ زمَـنٌ ساءتْـهُ أزمـانُ
إذا جفـاك خليـلٌ كنت تألفـه * * * فـاطلب سـواه فكـل الناس إخوانُ
وإن نبَتْ فيك أوطان نشأت بهـا * * * فـارحـل فكـل بـلاد الله أوطـانُ
يا رافِلاً في الشَّبابِ الرحب مُنتشِياً * * * مِـنْ كأسِهِ هلْ أصابَ الرُّشْدَ نَشْـوانُ
لا تَغتَـرِرْ بشَبـابٍ رائـقٍ نظِـر ٍ * * * فـكَـم تَقـدَّمَ قَبـَل الشّيْبِ شُبّـانُ
ويا أخَا الشَّيبِ لو ناصَحتَ نفسَكَ * * * لم يكُـنْ لمثِـلكَ فـي اللَّـذاتِ إنعـامُ
هبِ الشَّبيبَةَ تُبْذي عُذرَ صاحبـها * * * ما عُـذْرُ أشَيـبَ يَستهويـهِ شَيْطـانُ
كُـلُّ الذُّنـوبِ فإنَّ الله يغفِرهـا * * * إن شَيَّـعَ المَـرءَ إخـلاصٌ وإيـمـانُ
وكُـلُّ كَسْـرٍ فإنَّ الديـن يَجبُرُهُ * * * ومـا لِكَسـرِ قَنـاةِ الدِّيـنِ جُبْـرانُ
خذهـا سوائـر أمثـالٍ مهذَّبـةً * * * فيهـا لمـن يبتغـي التِّبيـانَ تِبيـانُ
ما ضرَّ حسَّـانَها والطبع صائِغُهـا * * * إنْ يقُلْهـا قَـريـعُ الشِّـعرِ حَسّـانُ