بقايا ألحان وأشجان
بقايا ألحان وأشجان المؤلف: مصطفى وهبي التل (عرار) |
عّفا الصّفا وانتفى من كوخ ندماني
وأوشك الشّك أن يودي بإيماني
شرّبت كأسا ولو أنّهم سكروا
بخمرتي وسقاني الصابّ ندماني
لقلت: يا ساق! هلاّ والوفاء كما
ترى تنكّر، هلا جدت بالثاني
سيمت بلادي ضروب الخسف وانتهكت
حظائري واستباح الذئب قطعاني
وراض قومي على الإذعان رائضهم
على احتمال الأذى من كل إنسان
فاستمرأوا الضيم، واستخذى سراتهم
فهاكهم، يا أخي عبدان عبدان
وإن تكن منصفا فاعذر إذا وقعت
عيناك فينا على مليون سكران
إليكها عن أبي وصفي مجلجلة
أبا طلال وما قولي ببهتان
وقلت: هذا هو الباشا وذاك لقد
عليه أنعمت إنعاما بنيشان
رفعت كلّ وضيع لا يقام له
إلاّ بسوق الخنا وزن بميزان
وقلت: أولاء قومي ينهضون بكم
وحسبكم أنهم من خير أعواني
هلاّ رعيت، رعاك الله حرمتنا
هلا جزيت تفانينا بإحسان؟!
مولاي شعبك مكلوم الحشا وبه
من غضّ طرفك والإهمال داءان
وليس ترياقه يا سيّدي وأخي،
في ناب صلّ ولا في سنّ ثعبان
مولاي! إنّ المطايا لا تسير إلى
غاياتها، إن علاها غير فرسان
خداك، يا بنت، من دحنون ديرتنا
روحي فداء الخديد الأحمر القاني
أما هواك، فلن تنفك جذوته
توري زناد تباريحي وأشجاني
يا بنت، وادي الشتا صرت جنادبه
ورجّعت جلهتاه الغرّ ألحاني
فلا عليك إذا أقريتني لبنا
وقلت: خبزتنا من قمح حوران
أما السّكاكر فلينعم بمأكلها
" صبري " و " منكو " و " وتوفيق بن قطان "
وليحيي " لدجر " و " الكوتا " وطغمتها
في ظلّ دوح من اللذات فينان
أما أنا والمناكيد الذين هم
قومي وصحبي وندماني وخلاني
فحسبنا نعمة الذلّ التّي نخرت
عظامنا وأعزت أهل عمان
" يا صاحبيّ فدت نفسي نفوسكما "
على المذلة والإذعان روضاني
لقد تنكّر لي أهلي، وأنكرني
صحبي وأقرب من أدنيت أقصاني
فهاكني كيتامى الزّطّ لا أحد
يرثي لحالي، ولا إنسان يرعاني
وليس لي ملجأ آوي إليه إذا
تهكم الصلفين الفظّ آذاني
ولا يراني أهل الخير، يوم يدي
أمدها لهم، أهلا لإحسان
أقول: هذا صديق صادق فإذا
بعد التجارب بي أمنى بخوّان
فهل عليّ ودأب الناس ثعلبه
ورفع كل وضيع القدر والشان
إذا عكفت على كأسي وقلت له:
يا أيّها الكأس! أنتّ الحادب الحاني؟!
يا صحابيّ! أعيراني عيونكما
أمتاح من دمعها لكن بأشطاني
عسى يخفف كرب الثكل سائلة
تنساب ما بين جثمان وأكفان
قد أنضبت أدمعي من أعيني نوب
تبكي وتضحك قد حلت بأوطاني
يا صاحبيّ! خذا عنّي، فديتكما،
سرّ الصبابة والألحان والحان
وناشدا الشوق هل شامت مرابعه
وجدا كوجدي، وتحنانا كتحناني
ليلاي قيسك قد شالت نعامته
إلى فلسطين من " غور ابن عدوان "
هلاّ تجملت، يا ليلى، وقلت له:
مع السلامة إنّ الدرب سلطاني
شدوا الرّحال إلى ابن السّعود ففي
رحابه مجد غسان وعدنان
ماذا على الناس من سكري وعربدتي
ماذا على الناس من كفري وإيماني
ماذا على الناس من قولي لهم: أحد
ربي، وقولي لهم: ربي له ثان
ماذا على الناس من لهوي ومن عبثي
ماذا على الناس من جهلي وعرفاني
ماذا على الناس من جهلي ومعرفتي
ماذا على الناس من ربحي وخسراني
ماذا على الناس من صفوي ومن كدري
ماذا على الناس إن دهري تحداني
ماذا على الناس من فقري، ومتربتي
ماذا على الناس من ضنّي وإحساني
ماذا على الناس من حبي مكحلة
بين الخرابيش أهواها وتهواني
قالوا: ذوو الشأن في عمان تغضبهم
صراحتي، ولذا أفتوا بحرماني!
قالوا ذوو الشأن في عمان قد برموا
بمسلكي واصطفائي رهط مجان!
واستنكروا شرّ الاستنكار هرولتي
إلى الخرابيش مع صحبي وندماني
ما كان أصدق هذا القول لو عرفت
عمان مذ خلقت إنسان ذا شان!
قالوا: (تمشكح) في يافا وقد صدقوا
إنّي (تمشكحت) رغم العاذل الشاني
وقد جررت ولم أحفل بلومهم
بين الخرابيش عند الزّطّ أرداني
يافا عروس فلسطين التي غبرت
ما في يدي خلا شجوي وأشجاني
يا أهل يافا لقد طوقتم عنقي
شتى العقود فمن بر لإحسان
إلى الإشادة في ذكري ومعرفتي
وأعرف الناس بي يوصي بنكراني
ماذا عساه لساني أن يقول لكم
إن أوجب الأمر تقريظي وإحساني
إلا مقال ابن حجر يوم أنزله
بالأبلق الفرد ياهوديّ قحطاني
يا أهل يافا لقد بالأمس أرقني
برق تألق في أجواء حسبان
وحين رفّ لقدّ والله ذكّرني
بأنّني ذات يوم كنت عماني
فاستيقظت عبرتي من بعد هجعتها
وعادني ذكرهم من بعد نسيان
ليلاي دنياي أحلام مجنحة
تطير بي في فضاء أحمر قان
يا ليتها حلقت ليلى بأجنحتي
إذن لقلت لها: طوباك جنحاني
إذن لزغردت يا ليلى وقلت لها:
مع السلامة إنّ الدرب سلطاني
قالوا: يحب، أجل، إنّي أحب متى
كانّ الهوى سبّة يا أهل عمان؟
أما هواك فلا زلت الحفي به
ولا أزال عليه الحادب الحاني
أما لياليك، يا ليلى، فقد سحبت
سود الليالي عليها ذيل نسيان
طيري غدا والسلوقيّ استجاب إلى
بياع عظمات يا ليلى تحداني
فهل عليّ وهذا ما منيت به
إن صحت، يا كأس انت الحادب الحاني
فادني شفاهك من فيهي أمصمصها
وأدفئيني، فإنّ البرد آذاني
أما الشّباب فقد أودت بجدته
ليلاي ليلاي إرهاقات سجّاني
ليلاي! إنّ الخلابيس العتاة عتوا
على فراشي واستصلوا بنيراني
فربتي، بأبي أنت، على كتفي
إني على نفسه إنّي أنا الجاني
ما زال وادي الشّتا دفلاه مزدهر
مالي ومالكمو يا جيرة البان
أما هواك فقد شالت نعامته
وقد حططت بوادي السّير ركباني
مالي وزمزم ماء غير سائغة
فأسقني جرعة من ماء حسبان
ودع هواهم فما بالرقمتين هوى
وليس حبّ ذوي حزوى بإمكاني
جيران وادي الشّتا كانوا وما برحوا
برغم أنفك... جيراني
أمّا أنا فالهوى العذريّ يكلؤني
وأعين الخفرات البيض ترعاني
" لولا الهوى لم أرق دمعا على طلل "
ولا حننت إلى أطلال عمان
الحمد لله ليست مصر لي وطنا
وأحمد الله أني لست عماني
لا أنت منّي ولا أهلوك خلاني
ولا نداماك يا عمان ندماني
عمّان! عمّان إنّ الكوخ قد عصفت
به الرياح فلست اليوم عماني
يا ميّ! وادي الشّتا صرت جناديه
فطرّ شارب ذاك المجرم الجاني
ذاك الذي كان قلبي، يوم كنت به
برا وكان عليّ الحادب الحاني
أيام كان الهوى العذريّ يكلؤني
وأعين الخفرات البيض ترعاني
يا ميّ! دحنون وادي الحور حمرته
قد شابها ببياض طلّ نيسان
خداك لونهما من لونه القاني
يا ميّ شبنا وما تبنا فهل نزلت
بما انتهينا إليه آيّ قرآن
يا ميّ! يا ميّ! قد حال الصبا هرما
إلى قذالي سبيلا هينا داني
والنّفس تزخر بالآمال ساخرة
مما تبيته يا ميّ! أحزاني
يا حادي الركب! قف واصمت على
مضض فالركب تحدوه سعلاة تحداني
قفا بعمواس يا ابنيّ وانتظرا
لو ساعة فهوى وصفي تحداني
وسائلا كلّ ركب مرّ عن ولدي
وسائلا الركب عن (دحنون) أوطاني
ويسألونك عنّي، إنّني رجل
طرد الهوى، مذ براني الله، ديداني
أين الندامى؟ مضوا كلّ لطيته
وخلفوني بهذا الكوخ وحداني
فلا كؤوس، ولا ساق، ولا وتر
يشنف اليوم، واويلاه آذاني
يا وحشة الكوخ، أضفي فوق وحشتنا
دمعا نهلّه من سقف وجدان
فإنّ عبرتنا أودت بها نوب
كانت وما برحت تجتاح أوطاني
والصحب أضرب حتى عن إعارتنا
دمعا.تموح بقاياه بأشطاني
" لو كنت من مازن لم يستبح إبلي "
(عرص) من الشام أو (عكروت) لبناني
قالوا: تعاقرها؟ قولوا لهم علنا
إني أعاقرها في كل دكان
قال الأطباء: لا تشرب. فقلت لهم:
الشّرب لا الطب عافاني وأبراني
عليّ بالكأس فالدّنيا مهازلها
طغت على الناس لكن شرّ طغيان
قالوا: تدمشق، قولوا: ما يزال على
علاته إربدي اللون حوراني
إليك عنّي ألقابا وأوسمة
قد أرهقت بضروب الخزيّ عنواني
رأسي لربي، وربي لن أطأطئه
ولن أذلك يا نفسي لدّيان
شمس العدالة لم تشرق على نفر
مؤلف من مخاريق وخرسان
فليتق الله بي شعب محبته
كانت وما برحت، ديني وديداني
وليتق الله بي شعب وفيت له
حق الوفاء وبالنكران كافاني
على مذابح قولي: سوف أسعده
ضحيت عمري فلم يسعد وأشقاني
الناس أحلاس من دامت سعادته
وكلّهم خصم من يمنى بخسران
غبر الوجودة إذا لم يظلموا ظلموا
فلا تثق منهم يوما بإنسان
خذني (معاك) فإنّ الناس قد برموا
بما يسمونه ظلمي وطغياني
خذني (معاك) ودعني في مضاربكم
أمتاح من بئركم لكن بأشطاني
خذني (معاك) فإنّي في مضاربكم
والله، أنعم في سهوي ونسياني
ولا أبالي أأنتم معشر نزل
أم أنكم أهل ترحال وتظعان
ألم أقل لك: إنّ الناس أخلصهم
بوركت إنّ هاجمونا جدّ خوان
وأنّ وادي الشتا حوّ جآذره
وأنّ زمزم والأردنّ صنوان
يا أربعا ما وراء الحصن عامرة
بما تعانيه من ظلم وطغيان
قضى أساطين حزبي يا أخي ومضوا
فاشحذ مداك فإني اليوم وحداني
أودى الغريب ولم تجزع لمصرعه
لعلّ جثمان ذاك الميت جثماني
أين الأمين؟ لقد شالت نعامته
وأصبح اليوم يا لله!! ألماني
لا زرت قبرك تحدوني........
ولا رثيتك إبراهيم طوقان
نحن الألى قد وفينا في مودتنا
يوم الرفاق تنادوا يا لقحطان
وعلقوهم على الأعواد ما علموا
أنّ العزائم لا تثنى بعيدان
قالوا: لشعرك عشاق بودهم
أن يجمعوا بعضه في شبه ديوان
فقلت: شعري أشلاء مبعثرة
كأنها عمري في كل ميدان
ويوم يأزف ميعاد النشور وما
يقضي به البعث من سر وإعلان
لسوف يسمع حتى الصمّ من غرري
آيات تلفظّها أفواه خرسان
يا أردنيات إن أوديت مغتربا
فانسجنها بأبي أنتنّ أكفاني
وقلن للصّحب: واروا بعض أعظمه
في تلّ إربد أو في سفح شيحان
قالوا: قضى ومضى وهبي لطيته
تغمدت روحه رحمات رحمان
عسى وعلّ به يوما مكحلة
تمرّ تتلو عليه حزب قرآن