الرئيسيةبحث

ظلام

ظلام

ظلام
المؤلف: إبراهيم ناجي



لا تقلْ لي ذاك نجمٌ قد خبا
 
يا فؤادي كلُّ شيءٍ ذهبا
هذه الأنوارُ ما أضيعها
 
صِرْن في جنبي جراحاً وظبى
     
      فإذا حبُّكِ يطغى مُزبداً
       
      كدفوق السل طُغيان الجنونْ
      ما على الهجر معينٌُ أبداً
       
      وعلى النسيان لا شيء يُعينْ
      ذلك الحب الذي فُزت بهِ
       
      لا أُبالي فيه ألوان الملامَهْ
      إنه مزَّق قلبي قسوةً
       
      وسقاني المرَّ من كاس الندامَهْ
         
          ذلك الحب الذي صوَّر من
           
          مُجدِب القفرِ لعينيَّ ربيعا
          وجلا لي الكونَ في أعماقه
           
          أعيُناً تبكي دماءً لا دموعا
          قدرٌ نكَّس مني هامتي
           
          آذن الدهر ببَينٍ وأِذنتِ
          لهفَ قلبي لهفة لا تنقضي
           
          كنت دنياي جميعاً كيف كنتِ؟
          كنتِ في برجٍ من النور على
           
          قمة شاهقة تغزو السحابا
          فَرِحٌ بالنورِ والنارِ معاً
           
          طار للقمَّةِ محموماً وآبا
             
              وهو عمرٌ كاملٌ عشتُ به
               
              كلَّ أعمارِ الورى مجتمعات
                 
                  واغنمي نفح الصّبا وانتقلي
                   
                  في الصِّبا الممراحِ من غصنٍ لغصن
                  لن يُحبّوكِ كحبي! لن ترَيْ
                   
                  ضاحكاً مثلي ولا حزناً كحزني!
                  زعموا أنيَ قد خلّدْتُها
                   
                  بأغانيَّ وألحاني العِذاب
                  لم أزل أقرأُ حتى سجدوا
                   
                  وجعلتُ الخُلدَ عنوانَ الكتاب
                  يا ابنة الأصدافِ والبحرُ أبي
                   
                  قبل أن يُلقي بي الموج هنا
                  إن هجَرْنا القاعَ والليلَ إلى
                   
                  قممٍ شُمٍّ وعشنا في السَّنا
                     
                      اسألي عن مقلة مخلصة
                       
                      خبَّأت رسمكِ في جفن أمينْ
                      بعدما غوَّر نجمي ودليلي
                       
                      ما مسيري دون تربٍ وخليلِ؟
                      الغريبان عليها التقيا
                       
                      يستعينان على الدربِ الطويلِ
                         
                          ما الذي نصنعُ بالعيش إذا
                           
                          ما صحا القلبُ غريباً وغفا؟
                          عندما تُقفِرُ دارٌ من رفاقٍ
                           
                          وتحسُّ السمَّ في كاسٍ وساقِ
                          عندما تُمسي بظلٍّ عالقاً
                           
                          وبخيط الوهمِ مشدودَ الوثاقِ
                             
                              أدَّعي أني مقيم وغداً
                               
                              ركبي المضني إلى الصحراء سائرْ
                              كذَبَتْ كفٌّ على أطرافها
                               
                              رِعشةُ البعدِ وإحساسُ المسافرْ!
                              يا دياراً يومها من سُحُبٍ
                               
                              وغيوم وضباب أُفق غدْ
                              ضاع عمرٌ وحصاد وغدا
                               
                              من هشيم كل ما كنت أعِدْ!
                              قُم بنا والكون جهم كالدجى
                               
                              نتلمَّسْ من جحيمٍ مخرجا
                              لا تُدِرْ رأياً به أضْيَع مَن
                               
                              في لظاهُ مستعينٌ بالحِجا
                                 
                                  انهيارُ المثُلِ العليا وإنكارُ
                                   
                                  آلاءٍ وكُفرٌ بالقٍيَمْ
                                     
                                      هذه الأكذوبةُ الكبرى التي
                                       
                                      خُدِعَ الناسُ بها وا أسفاه!
                                      نحمدُ اللهَ على أنَّا بها
                                       
                                      لم نصُنْ من ذِلةٍ إلا الجباه
                                      عبَثاً أهربُ من نفسي ومن
                                       
                                      ذلك الساكنِ روحي والبدنْ
                                      أينما أمضي فحوْلي ذِكَرٌ
                                       
                                      وحبيبٌ ومكانٌ وزمنْ
                                      أنا لا أدري متى كان ولا
                                       
                                      أين عند اللهِ أسرارُ اللقاءِ
                                      عبقريٌّ مُوحشٌ منفردٌ
                                       
                                      متعالٍ قَلِقُ الأضواءِ ناءِ
                                      مخطئٌ من ظَنَّ أنّا مُهجتانِ
                                       
                                      مخطئُ من ظَنَّ أنّا توأمانِ
                                      نحنُ نبضٌ واحدُ! نحن دمٌ
                                       
                                      واحدٌ حتى الردى متحدان!
                                         
                                          عاصفٌ عاتٍ تمنيت له
                                           
                                          هدأةً أين له ما تطلبينْ
                                          اسألي عن مقلة مخلصة
                                           
                                          خبَّأت رسمكِ في جفن أمينْ
                                          سهرتْ ترعاك مهما لقيتْ
                                           
                                          في سبيل العهد والودِّ المكينْ
                                          أقسمتْ لا تسأل النومَ ولا
                                           
                                          تطلبُ الرحمةَ منه بعض حينْ!
                                          بعدما غوَّر نجمي ودليلي
                                           
                                          ما مسيري دون تربٍ وخليلِ؟
                                          في طريق الشوكِ والصخرِ وفي
                                           
                                          شُعَب الإرهاقِ والكدِّ الوبيلِ
                                          الغريبان عليها التقيا
                                           
                                          يستعينان على الدربِ الطويلِ
                                          ما انتفاعي بحياتي بعدما
                                           
                                          ساقكِ التَّيَّارُ في غيرِ سبيلي؟
                                             
                                              يا لجهل اثنين أقدارهما
                                               
                                              آه يا ليتهما قد عَرَفا!
                                              ما الذي نصنعُ بالعيش إذا
                                               
                                              ما صحا القلبُ غريباً وغفا؟
                                              ما الذي نصنع بالعيش إذا
                                               
                                              ما السبيلان عليه اختلفا؟
                                              ما الذي نصنع بالعيش إذا
                                               
                                              صار تذكاراً فأمسى أسفا؟
                                              عندما تُقفِرُ دارٌ من رفاقٍ
                                               
                                              وتحسُّ السمَّ في كاسٍ وساقِ
                                              عندما يكشِف بؤسٌ وجههُ
                                               
                                              سافِرَ اللعنةِ مفقودَ الخلاقِ
                                              عندما تُمسي بظلٍّ عالقاً
                                               
                                              وبخيط الوهمِ مشدودَ الوثاقِ
                                              يا فؤادي انظرْ وفكرْ وأفقْ
                                               
                                              أيُّ قيدٍ لكَ بالأحبابِ باقِ؟
                                                 
                                                  كلُّ جِدٍّ عَبَثٌ والدهرُ ساخرْ
                                                   
                                                  وخبيءُ السر للعينين ظاهرْ
                                                  أدَّعي أني مقيم وغداً
                                                   
                                                  ركبي المضني إلى الصحراء سائرْ
                                                  عندما صافحتُ خانتني يدي
                                                   
                                                  ووشى خافٍ من الأشجان سافرْ
                                                  كذَبَتْ كفٌّ على أطرافها
                                                   
                                                  رِعشةُ البعدِ وإحساسُ المسافرْ!
                                                     
                                                      يا دياراً يومها من سُحُبٍ
                                                       
                                                      وغيوم وضباب أُفق غدْ
                                                      كل نبت عبقريٍّ أطْلعتْ
                                                       
                                                      جعلت منه طعاماً للحسَدْ
                                                      أَخْلَفَ الميثاقُ من كان بها
                                                       
                                                      كل آمالي فلم يبقَ أحدْ
                                                      ضاع عمرٌ وحصاد وغدا
                                                       
                                                      من هشيم كل ما كنت أعِدْ!
                                                         
                                                          قُم بنا والكون جهم كالدجى
                                                           
                                                          نتلمَّسْ من جحيمٍ مخرجا
                                                          وانجُ منه ببقايا رمَقٍ
                                                           
                                                          أو حطام وقليلٌ مَنْ نجا
                                                          لا تُدِرْ رأياً به أضْيَع مَن
                                                           
                                                          في لظاهُ مستعينٌ بالحِجا
                                                          واسألِ الرحمنَ أن يُصْلحَ عهداً
                                                           
                                                          كسيحاً وزماناً أعرجا
                                                             
                                                              عشتُ وامتدَّتْ حياتي لأرى
                                                               
                                                              في الثرى من كان قبلاً في القممْ
                                                              انهيارُ المثُلِ العليا وإنكارُ
                                                               
                                                              آلاءٍ وكُفرٌ بالقٍيَمْ
                                                              مَن يكنْ عَضَّ بناناً نادماً
                                                               
                                                              فأنا قطَّعتُ إبهامَ الندَم
                                                              وإذا انحطَّ زمانٌ لم تجدْ
                                                               
                                                              عالياً ذا رفعةٍ إلا الألمْ!
                                                                 
                                                                  ضِحكةٌ ساخرةٌ هازلةٌ
                                                                   
                                                                  وخيالٌ تافهٌ هذي الحياهْ
                                                                  هذه الأكذوبةُ الكبرى التي
                                                                   
                                                                  خُدِعَ الناسُ بها وا أسفاه!
                                                                  ذلَّ فيها المالُ والجاهُ إلى
                                                                   
                                                                  أن غدا أحقرها مال وجاه
                                                                  نحمدُ اللهَ على أنَّا بها
                                                                   
                                                                  لم نصُنْ من ذِلةٍ إلا الجباه
                                                                     
                                                                      عبَثاً أهربُ من نفسي ومن
                                                                       
                                                                      ذلك الساكنِ روحي والبدنْ
                                                                      من لقلبٍ مستطار اللَّبّ مَن
                                                                       
                                                                      كلما عاوده التذكارُ جُنّ
                                                                       
                                                                      وحبيبٌ ومكانٌ وزمنْ
                                                                      وربيعُ دائمُ الخضرةِ في
                                                                       
                                                                      روضةِ النفسِ وطيرٌ وفننْ
                                                                      قصةٌ خالدةٌ لا تنتهي
                                                                       
                                                                      وهي ما كان لها يومُ ابتداءِ
                                                                      أنا لا أدري متى كان ولا
                                                                       
                                                                      أين عند اللهِ أسرارُ اللقاءِ
                                                                      حينما لاحَ شِهابٌ في سمائي
                                                                       
                                                                      أسمرُ النورِ رفيعُ الخُيَلاءِ
                                                                      عبقريٌّ مُوحشٌ منفردٌ
                                                                       
                                                                      متعالٍ قَلِقُ الأضواءِ ناءِ
                                                                      هو في الأفقِ بعيدٌ وهو دانِ
                                                                       
                                                                      هو لي نفسي وروحي وكياني
                                                                      مخطئٌ من ظَنَّ أنّا مُهجتانِ
                                                                       
                                                                      مخطئُ من ظَنَّ أنّا توأمانِ
                                                                      هو شطْرُ النّفسِ لا توأمُها
                                                                       
                                                                      هو منها هو فيها كل آنِ
                                                                      نحنُ نبضٌ واحدُ! نحن دمٌ
                                                                       
                                                                      واحدٌ حتى الردى متحدان!