الرئيسيةبحث

طبيبي الخاص

طبيبي الخاص

طبيبي الخاص
المؤلف: إيليا أبو ماضي



بتّ أرعى في الظلام الأنجما
 
ليس للعشّاق حظّ في الكرى
صرعتني نظرة حتى لقد
 
كدت أن أحسد من لا يبصر
نظرة قد أورثت قلبي الكمد
 
ما بلاء القلب إلاّ النّظر
لا رعاك الله يا يوم الأحد
 
لا ولا حيّاك عنّي المطر
أنت من أطلعت هاتيك الدّمى
 
سافرات فتنة للشّعرا
همت فيمن حسنت صورتها
 
مثلما قد حسنت منها الخصال
أخجلت شمس الضحى طلعتها
 
و استحى من لحظها لحظ الغزال
كلّ ما فيها جميل يشتهى
 
ما بها عيب سوى فرط الجمال
لو رآها لائمي فيها لمّا
 
لامني في حبّها بل عذارا
ذات حسن خدّها كالورد في
 
لونه و الطيّب في نكهته
زهرة لكنّها لم تقطف
 
و جمال الزّهر في روضتيه
درّة ما خرجت من صدف
 
ترخص الدّرّ على قيمته
بضّة الخدّين و النّهدين ما
 
سفرت إلاّ رأيت القمرا
ذات شعر مسبل كالأفعوان
 
يتهادى فوق ردف كالكثيب
و قوام لو رآه الغصن بان
 
خجلا من ذلك الغصن الرّطيب
كاد لولا ما به من عنفوان
 
يقف الورق به و العندليب
و جفون أشبهتني سقما
 
كمن السّحر بها و استترا
تبعث الحبّ إلى الخليّ
 
و هو لا يدري و لا يستشعر
و الهوى في بدئه عذب شهيّ
 
كلّ شيء بعده محتقر
كلّ من لا يعرف الحبّ شقيّ
 
لا يرى في دهره ما يشكر
يصرف العمر و لكن سأما
 
عبثا يطلب أن لا يضجرا
لم أكن أعرف ما معنى الهنا
 
قبل أن أعرف ما معنى الغرام
يضحك النّاس سرورا و أنا
 
عابس حتى كأنّي في خصام
عجبوا منّي و قالوا علنا
 
قد رأينا الصّخر في زيّ الأنام
أوشكوا أن يحسبوني صنما
 
لو رأوا الأصنام تخفي كدرا
لم أزل في ربقة اليأس إلى
 
أن أعاد الحبّ لي بعض الرّجا
كنت قبل الحبّ أسري في ظلا
 
م و لا ألقى لنفسي مخرجا
فجلاه الحبّ عنّي فانجلى
 
مثلما يجلو سنا الشمس الدّجى
بات قلبي بالأماني مفعما
 
و هو قبلا كان منها مقفرا
روّعتني بالنّوى بعد اللّقاء
 
و كذا الدّنيا دنو و افتراق
غضب الدّهر على كأس الصّفاء
 
مذ رآها فأبى ألاّ تراق
و لو أنّ الدّهر يدري بالشّقاء
 
ساعد الصبّ على نيل التلاق
لم أجد لي مشبها تحت السما
 
في شقائي، لا ولا فوق الثّرى
و أبي لو أن ما بي بالجبال
 
أصبحت تهتزّ من مرّ النسيم
فاعذروني إن أكن مثل الخيال
 
و اعذلوني إن أكن غير سقيم
إنّ دائي جاء من صاد ودال
 
و دواء القلب في ضاد و ميم
بات صبري مثل جسمي عدما
 
إنّما يصبر من قد قدرا
ربّ ليل عادني فيه السّهاد
 
و نأى عن مقلتي طيب الكرى
هاجت الذّكرى شجونا في الفؤاد
 
فبكى طرفي عقيقا أحمرا
نبّه الأهل بكائي و العباد
 
فأتوا يستطلعون الخبرا
قلت داء في الفؤاد استحكما
 
كاد قلبي منه أن ينفطرا
صدّقوا ما قلته ثمّ مضى
 
واحد منهم يستدعي الطبيب
سار و الكلّ على جمر الغضا
 
و أنا بين أنين و نجيب
لم يكن إلاّ كبرق و مضا
 
و إذا (الدكتور) من مهدي قريب
قال للجمهور ماذا الاجتماع
 
أخرجوا أو زدتموه خطرا
خرج الكلّ فأمست غرفتي
 
مثل قلب الطفل أو جيب الأديب
فدنا يسألني عن علّتي
 
و أنا أسمع لكن لا أجيب
فنضا الثّوب فأبصرت التي
 
كاد جسمي في هواها أن يغيب
خلعت عنها لباس الحكما
 
فرأت عيناي بدرا نيّرا
و اعترتني دهشة لكنّها
 
دهشة ممزوجة بالفرح
كدت أن أخرج عن طزر النّهى
 
ربّ سكر لم يكن من قدح
يا لها من ساعة لو أنّها
 
بقيت كالدّهر لم تستقبح
عانقتني و أنا أبكي دما
 
و هي تبكي لبكائي دررا
و جعلنا بعد أن طال العناق
 
تتناجى بأحاديث القلوب
بينما نحن على هذا الوفاق
 
قرع الباب فأوشكنا نذوب
فأشارت لي قد حان الفراق
 
فاقطعنا وارتدّت ثوب الطبيب
أقبل القوم فقالت كلّ ما
 
كان يشكو منه عنه قد سرى