صلاة الحرب The War Prayer المؤلف: مارك توين |
() صلاة الحرب هي قصة قصيرة كتبها مارك توين عام 1905 احتجاجا على الغزو الأمريكي للفلبين. أرسلها في البداية إلى جريدة هاربرز بازار إلا أنها رفضتها كونها متطرفة، ولم تنشر إلا في نوفمبر 1916 في هاربرز مونثلي (بعد وفاة توين بستة أعوام) حيث نشرت زمن الحرب العالمية الأولى. |
كان هذا زمن خطر عظيم. كان السلاح يملأ البلاد، واشتعلت نار الوطنية المقدسة في كل الصدور؛ دُقّت الطبول وعزفت الفرق، وفرقعت ألعاب المسدسات، واشتعلت المفرقعات وانتشر شررها بكل مكان؛ رفرفت الأعلام تحت الشمس في كل يد وفوق الأسطح والشرف البالية؛ تقدّمت جموع المتطوعين الشباب عبر الشوارع العريضة ببزاتهم الجديدة، وتقدمت جموع الآباء والأمهات والأخوات والحبيبات وهم يهتفون ويملأهم الفخر وأصواتهم تخنقها السعادة؛ في الليل كانت الجموع الغفيرة تستمع للخطاب الوطني الذي هزّ أعماق قلوبهم، والذي قاطعوه أحيانا بعواصف من التصفيق؛ انهمرت الدموع على وجوههم؛ تحدّث القساوسة في الكنائس عن الإخلاص للعلم والبلاد، وتضرعوا إلى إله المعارك والتمسوا عونه في قضيتنا العادلة بفصاحة متقّدة ألهبت جميع المستمعين. كانت أياما سعيدة وعظيمة، أما القلّة الطائشة التي تجرأت على معارضة الحرب وشككت بشرعيتها فتلقّت المحاذير الغاضبة والشديدة حتى أنهم ابتعدوا عن الأنظار على الفور ولم يزعجوا أحدا بعدها.
أتى صباح الأحد – حيث سترحل الفصائل نحو الجبهة في اليوم التالي، وكانت الكنائس ملأى عن آخرها؛ كان المتطوّعون موجودين داخلها، ووجوههم الشابة منيرة بأحلام الحرب – أحلام عن التقدم إلى الأمام بشجاعة، وزخم الحشود، والهجوم على العدو، ووميض السيوف، وهروب العدو خائفا، والشغب، والدخان الذي يطبق على المكان، والمطاردة الحامية، والاستسلام! ثم العودة إلى الوطن بعد الحرب، أبطالا بنياشينهم يتلقون الترحيب والوقار، يغرقون في بحار المجد الذهبية! يجلس المتطوعون بجانب أحبابهم يملأهم الفخر والسعادة، ويحسدهم جيرانهم وأصدقاؤهم الذين لم يكن عندهم أبناء أو أخوة ليرسلوهم نحو ميادين المجد، لينتصروا من أجل العلم، أو يموتوا أنبل ميتة. بدأ القدّاس وقرأ الكاهن مقطعا عن الحرب من العهد القديم؛ تلى الكاهن أول صلاة؛ ثم تبعها صوت الأرغن وهو يهز المبنى، وقام جميع من بالمبنى مرة واحدة، عيونهم تتوهج وقلوبهم تنبض وتضرعوا معا بصوت واحد.
"أيها الرب القوي! القادر على كل شيء! الرعد بوقك والبرق سيفك!"
ثم تبعتها الصلاة الطويلة. لم يتذكر أحد من الحاضرين أنه سمع مثيلا لها لما بها من دعاء متقد وفصاحة حرّكت قلوب السامعين. تضرع القس في أغلبها إلى الرحيم والحليم أن يحفظ جنودنا الشبّان النبلاء ويعينهم ويشجعهم في رحلتهم الوطنية؛ ويباركهم ويحميهم وسط المعارك من ساعة الخطر، ويحفظهم بيده العظيمة ويمنحهم القوة والجرأة، فلا يُقهرون وسط المعارك الدموية، ويساعدهم على سحق العدو، وينالوا هم والعلم والدولة مراتب الشرف الخالدة.
دخل رجل عجوز وتقدم نحو الممر بين الكراسي بخطوات بطيئة وهادئة، وعيناه مثبتتان على القس، وجسده الطويل يغطيه رداء يصل إلى قدميه، وكان رأسه عاريا، ونزل شعره على كتفيه مثل شلال خفيف، وكان وجهه شاحبا بشكل غير طبيعي، بل وأكثر شحوبا من الموتى. تبعته كل العيون وهي تتساءل ما أمره، وظل يشقّ طريقه بهدوء ودون توقف، وصعد إلى جانب القس ووقف هناك وهو ينتظر. استمر القس بصلاته وهو مغمض عيناه، دون أن يدرك وجود الرجل، ثم وصل إلى نهاية كلامه بحماسة، "بارك لنا أسلحتنا، امنحنا النصر، أيها الرب إلهنا، أب وحامي أرضنا وعلمنا".
لمس الرجل ذراع القس وطلب منه أن يتنحى جانبا وهو ما فعله القس الذي تفاجأ بوجوده – وأخذ مكانه. قضى الرجل بضع لحظات وهو يتفحّص الجمهور المذهول بعينيه الوقورتين، واللتان برقتا بنور غريب، ثم قال بصوت عميق:
"أتيت من العرش أحمل رسالة من الرب العظيم!" تركت هذه الكلمات كل من في الكنيسة مصدوما. "سمع الرب صلاة عبده وراعيكم، وسيستجيب لكم إن كانت هذه رغبتكم بعد أشرح، أنا رسوله، فحواها لكم وأقصد معناها بالكامل. فمثل العديد من الصلوات التي يلقيها البشر، فإن سائلها يطلب أكثر مما يتفوه به – إذ أن السائل يتوقف ويفكر.
"خادم الرب وخادمكم ألقى بدعوته. هل توقف وفكّر بما قاله؟ هل كانت صلاة واحدة؟ كلا، بل كانت اثنتان – تلفظ بواحدة، ولم يتلفظ بالأخرى. وصلت كلا الدعوتان إلى مسامع الذي يسمع كل ابتهال، ويسمع ما تأتي به الألسنة وما تخفيه. فكِِروا بهذا واحفظوه داخل عقولكم. إن تضرعتم لتحلّ النعمة عليكم فاحذروا خشية أن تلقوا اللعنة على أحد جيرانكم في ذات الوقت. إن طلبتم نزول المطر على محاصيلكم التي تحتاجونها، فأنتم بهذا قد تلعنون محاصيل أحد جيرانكم والتي لا تحتاج المطر وقد تتأذى بنزوله.
"لقد سمعتم صلاة خادمكم، أو ما ظهر منها. وقد كلفني الرب بأن أتحدث بالكلمات عن الجزء الآخر منها، عن الجزء الذي ابتهلتم به أنتم والقس من أعماق قلوبكم. وقد شاء الرب أن ينفذها! سمعتم هذه الكلمات: "امنحنا النصر، يا ربنا يا سيدنا!" وهذا يكفي، يمكن اختزال صلاتكم المنطوقة كلها في هذه الكلمات. لم يكن هناك داع للاجتهاد. عندما دعوتم طلبا للنصر فقد دعوتم بأشياء كثيرة ستأتي تبعا للنصر، ولا بد أن تتبعه. وقد ألقيتم على مسامعه ما لم يُنطق من دعائكم. وأمرني أن أنطقها بالكلمات. استمعوا!
"أيها الرب يا أبانا، إن أبناءنا الوطنيين، ملوك قلوبنا، ينطلقون إلى المعركة – كن بقربهم! سنكون معهم بأرواحنا، وسنتقدم من دفء وسلام نار مدافئنا لنضرب العدو. أيها الرب، انصرنا لنمزق جنودهم إلى قطع بقذائفنا؛ ساعدنا لنغطي الابتسامة على ميادينهم بجثث أمواتهم الوطنيين؛ ساعدنا لنطمس رعد البنادق بصراخ جرحاهم وهم يتلوون من الألم؛ ساعدنا لننزل الخراب على بيوتهم البسيطة بأعاصير من النار؛ ساعدنا لنعصر قلوب أراملهم بالأسى؛ ساعدنا لنزيح الأسقف عن بيوتهم ليسرح أطفالهم دون أصدقاء في أطلال أرضهم الخراب بثيابهم البالية وهم يعانون الجوع والعطش، ويلعبون تحت في قيظ الصيف وثلج الشتاء، أرواحهم محطمة، كادحون منهكون، يناشدونك أن تمنحك المأوى ولا تلبي طلبهم – تكرما بنا فنحن نعبدك أيها الرب، دمِِر آمالهم، وأفسِد حياتهم، أطِل رحلتهم في العذاب، واجعل خطواتهم ثقيلة واروي دروبهم بالدموع، ولوّث الثلج الأبيض بالدم النازف من أقدامهم الجريحة! نحن ندعوه بالمحبة، الذي هو منبع كل الحب، والملاذ الآمن دوما لكل من أتاه الأسى ويطلب عونه بقلوب خاشعة وتائبة. آمين.
(بعد وقفة قصيرة) "قد صليتم صلاتكم، وإن كنتم لا تزالون تطلبونها، فتكلموا!
رسول الأعلى ينتظركم!"
رأى الناس بعدها أن الرجل مجنون، ذلك أنه تفوه بكلام لا منطق فيه.