الرئيسيةبحث

صفة المسيح عيسى ابن مريم رسول الله عليه السلام

ثبت في " الصحيحين " من حديث الزهري ، عنسعيد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ﷺ : " ليلة أسري بي لقيت موسى - قال : فنعته - فإذا رجل - حسبته قال - : مضطرب - أي طويل - رجل الرأس ، كأنه من رجال شنوءة " . قال : " ولقيت عيسى " . فنعته النبي ﷺ فقال : " ربعة أحمر ، كأنما خرج من ديماس " . يعني الحمام .

وللبخاري من حديث مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ : " رأيتعيسى ، وموسى وإبراهيم ، فأما عيسى فأحمر جعد عريض [ ص: 228 ] الصدر ، وأما موسى فآدمجسيم سبط ، كأنه من رجال الزط " . ولهما من طريق موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : ذكر رسول الله ﷺ يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال ، فقال : " إن الله ليس بأعور ، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية ، وأراني الليلة عند الكعبة في المنام ، وإذا رجل آدم كأحسن ما يرى من أدم الرجال ، تضرب لمته بين منكبيه ، رجل الشعر ، يقطر رأسه ماء ، واضعا يديه على منكبي رجلين ، وهو يطوف بالبيت . فقلت : من هذا؟ فقالوا : هذا المسيح ابن مريم . ثم رأيت رجلا وراءه ، جعدا قططا أعور عين اليمنى ، كأشبه من رأيت بابن قطن ، واضعا يديه على منكبي رجل ، يطوف بالبيت ، فقلت : من هذا؟ قالوا : " المسيح الدجال " . تابعه عبيد الله ، عن نافع .

ثم روى البخاري ، عن أحمد بن محمد المكي ، عنإبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : لا والله ، ما قال رسول الله ﷺ لعيسى : " أحمر " . ولكن قال : " بينما أنا نائم أطوف بالكعبة ، فإذا رجل آدم سبط الشعر ، يهادى بين رجلين ، ينظف رأسه ماء - أو يهراق رأسه ماء - [ ص: 229 ] فقلت : من هذا؟ قالوا :ابن مريم . فذهبت ألتفت ، فإذا رجل أحمر جسيم ، جعد الرأس ، أعور عينه اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية . قلت : من هذا؟ قالوا : هذا الدجال ،وأقرب الناس به شبها ابن قطن " . قال الزهري : رجل من خزاعة هلك في الجاهلية .

وتقدم في حديث النواس بن سمعان : " فينزل عندالمنارة البيضاء ، شرقي دمشق ، بين مهرودتين ، واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان اللؤلؤ ، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه " .

هذا هو الأشهر في موضع نزوله أنه على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق ، وقد رأيت في بعض الكتب : أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي جامعدمشق . فلعل هذا هو المحفوظ ، وتكون الرواية : " فينزل على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق " فتصرف الراوي في التعبير بحسب ما فهم ، وليس في دمشق منارة تعرف بالشرقية سوى التي إلى جانب الجامع الأموي بدمشق من شرقيه ، وهذا هو الأنسب والأليق; لأنه ينزل ، وقد أقيمت الصلاة ، فيقول له إمام المسلمين : " يا روح الله تقدم " . فيقول : " تقدم أنت ، فإنها إنما أقيمت لك " . وفي رواية : " بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمة " .

وقد جدد بناء منارة في زماننا في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، من حجارة بيض ، من أموال النصارى الذين حرقوا المنارة التي كانت مكانها ، ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة ، حيث قبض الله بناء هذه المنارة البيضاء من أموال [ ص:230 ] النصارى ، لينزل عيسى ابن مريم عليها ، فيقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ولا يقبل منهم جزية ، ومن لم يسلم قتله ، وكذلك يكون حكمه في سائر كفار أهل الأرض يومئذ ، فإنه لا يبقى حكم في أهل الأرض إلا له ، وهذا من باب الإخبار عن المسيح بذلك ، فإن الله قد سوغ له ذلك ، وشرعه له ، فإنه إنما يحكم بمقتضى هذه الشريعة المطهرة .

وقد ورد في بعض الأحاديث ، كما تقدم ، أنه ينزل ببيت المقدس ، والأحاديث تقتضي أن الدجاليقتل بلد قبل أن يدخل بيت المقدس ، فتدل على أنه لا يدخله الدجال كمكة والمدينة حماية له منه ، وفي رواية : أن عيسى ينزل بالأردن ، وفي رواية بمعسكر المسلمين ، وهذا في بعض روايات مسلم ،كما تقدم . والله أعلم .

وتقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم ، عن أبي هريرة : " وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، عليه ثوبان ممصران ، كأن رأسه يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويدعو الناس إلى الإسلام ، ويهلك الله تعالى في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال ، ثم تقع الأمنة على الأرض ، حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمار مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم ، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون " . رواه أحمد ،وأبو داود .

[ ص: 231 ] وهكذا وقع في هذا الحديث أنه يمكث في الأرض أربعين سنة .

وثبت في صحيح مسلم ، عن عبد الله بن عمرو ،عن النبي ﷺ : أنه يمكث في الأرض سبع سنين . فهذا مع هذا مشكل ، اللهم إلا أن تحمل هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله ، ويكون ذلك محمولا على مكثه فيها قبل رفعه مضافا إليه ، وكان عمره قبل رفعه ثلاثا وثلاثين سنة على المشهور . وهذه السبع تكملة الأربعين ، فيكون هذا مدة مقامه في الأرض قبل رفعه وبعد نزوله ، . وأما مقامه في السماء قبل نزوله فهو مدة طويلة . والله سبحانه أعلم .

وقد ثبت في الصحيح أن يأجوج ومأجوجيخرجون في زمانه ويهلكهم الله ببركة دعائه في ليلة واحدة كما تقدم وكما سيأتي ، وثبت أنه يحج في مدة إقامته في الأرض بعد نزوله .

وقال محمد بن كعب القرظي : في الكتب المنزلة ، أن أصحاب الكهف يكونون في حواريه ، وأنهم يحجون معه ، ذكره القرطبي في الملاحم ، في آخر كتاب " التذكرة " ، وتكون وفاته بالمدينة النبوية ،فيصلى عليه هنالك ، ويدفن بالحجرة النبوية . وقد ذكر ذلك ابن عساكر ، ورواه أبو عيسى الترمذي في " جامعه " ، عن عبد الله بن سلام ، فقال في كتاب المناقب : حدثنا زيد بن أخزم الطائي البصري ،حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة ، حدثنا أبو مودود المدني ، [ ص: 232 ] حدثنا عثمان بن الضحاك ،عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده قال : مكتوب في التوراة صفة محمد ،وعيسى ابن مريم يدفن معه . قال : فقال أبو مودود : وقد بقي في البيت موضع قبر . ثم قال : هذا حديث حسن غريب . هكذا قال عثمان بن الضحاك ، والمعروف الضحاك بن عثمان المدني . انتهى ما ذكره الترمذي ، رحمه الله تعالى .

وروى الطبراني من حديث عبد الله بن نافع ، عنعثمان بن الضحاك ، عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده قال : يدفنعيسى ابن مريم مع رسول الله ﷺ ، وأبي بكر وعمر ، فيكون قبره رابعا .

وقال أبو داود الطيالسي ، عن علي بن مسعدة ، عنرياح بن عبيدة ، حدثني يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه قال : يمكث الناس بعد الدجاليعمرون الأسواق ، ويغرسون النخل .