الرئيسيةبحث

صاحب القلم

صاحب القلم

صاحب القلم
المؤلف: إيليا أبو ماضي



أشقى البريّة نفسا صاحب الهمم
 
و أتعس الخلق حظّا صاحب القلم
عاف الزّمان بني الدنيا و قيّده
 
و الطير يحبس منها جيّد النغم
و حكّمت يده الأقلام في دمه
 
فلم تصنه و لم يعدل إلى حكم
فيا له عاشقا طاب الحمام له
 
إن المحبّ لمجنون فلا تلم
لكلّ ذي همّة في دهره أمل
 
و كلّ ذي أمل في الدهر ذو ألم
ويل اللّيالي لقد قلّدنني ذربا
 
أدنى إلى مهجتي من مهجة الخصم
ما حدّثتني نفسي أن أحطّمه
 
إلاّ خشيت ععلى نفسي من الندم
فكلّما قلت زهدي طارد كلفي
 
رجعت و الوجد فيه طارد سأمي
يأبى الشّقاء الذي يدعونه أدبا
 
أن يضحك الطرس إلاّ إن سفكت دمي
لقد صحبت شبابي و اليراع معا
 
أودى شبابي... فهل أبقي على قلم
كأنّما الشعرات البيض طالعة
 
في مفرقي، أنجم أشرقن في الظلم
تضاحك الشيب في رأسي فعرّض بي
 
ذو الشّيب عند الغواني موضع التهم
فكلّ بيضاء عند الغيد فاحمة
 
و كلّ بيضاء عندي ثغر مبتسم
قل للتي ضحكت من لمّتي عجبا
 
هل كان ثمّ شباب غير منصرف
أصبحت أنحل من طيف، و أحير من
 
ضيف، و أسهر من راع على غنم
و ليلة بتّ أجني من كوكبها
 
عقدا كأنّي أنال الشّهب من أمم
لا ذاق جفني الكرى تنال يدي
 
ما لا يفوز به غيري من الحلم
ليس الوقوف على الأطلال من خلقي
 
و لا البكاء على ما فات من شيمي
لكنّ (مصرا)، و ما نفسي بناسبه
 
مليكة الشّرق ذات النيل و الهرم
صرفت شطر الصّبا فيها فما خشيت
 
نفسي العثار؛ و لا نفسي من الوصم
في فتنة كالنّجوم الزهر أوجههم
 
ما فيهم غير مطبوع على الكرم
لا يقبضون مع اللّاواء أيديهم
 
و قلّما جاد ذو وفر مع الأزم
حسبي من الوجد همّ ما يخامرني
 
إلاّ و أشرقني بالبادر الشيم
في ذمّة الغرب مشتاق ينازعه
 
شوق إلى مهبط الآيات و الحكم
نا تغرب الشمس إلاّ أدمعي شفق
 
تنسى العيون لديه حمرة العنم
و ما سرت نسمات نحوها سحرا
 
إلاّ وددت لو أنّي كنت في النّسم
ما حال تلك المغاني بعد عاشقها
 
فانّني بعدها للهمّ و السّقم
جاد الكنانة عنّي وابل غدق
 
و إن يك النّيل يغنيها عن الديّم
الشرق تاج، و مصر منه درّته
 
و الشرق جيش، و مصر حامل العلم
هيهات تطرّف فيها عين زائرها
 
بغير ذي أدب أو غير ذي شمم
أحنى على الحرّ من أمّ على ولد
 
فالحرّ في مصر كالورقاء في الحرك
ما زلت و الدهر تنبو عن يدي يده
 
حتّى نبت ضلّة عن أرضها قدمي
أصبحت في معشر تقذي العيون بهم
 
شرّ من الدّاء في الأحشاء و التّخم
ما عزّ قدر الأديب الحرّ بينهم
 
إلاّ كما عزّ قدر الحيّ في الرّمم
من كلّ فظّ يريك القرد محتشما
 
و يضحك القرد منه غير محتشم
إذا بصرت به لا فاته كدر
 
رأيت أسمج خلق الله كلّهم
من الأعاب لكن أنشده
 
جواهر الشّعر ألقاه من العجم
ما إن تحرّكه همّا و لا طربا
 
كأنّما أنا أتلوها على صنم
لا عيب في منطقي لكن به صمم
 
إنّ الصوادح خرس عند ذي الصّمم
حجبت عن كلّ معدوم النّهى درري
 
إنّي أضنّ على الأنعام بالنعم
قوم أرى الجهل فيهم لا يزال فتى
 
في عنفوان الصّبا و العلم كالهرم