→ المقدمة | شرح تشريح القانون لابن سينا المقدمة - البحث الأول المؤلف: ابن النفيس |
المقدمة - البحث الثاني ← |
إنك قد عرفت مما قلناه في شرحنا للكتاب الأول من كتب القانون، وهو المعروف بالكليات، ماهيات الأعضاء جملةً وتفصيلاً، وجواهرها وقد علمت أن الأعضاء منها ما هي مفردة، وقد تشترك ما هي مؤلفة ليس يشارك جزؤها لكلها في الاسم والحد كاليد والرجل فإن جزء اليد ليس بيد وكذلك جزء الرجل اللهم إلا باشتراك الاسم كاليد، فإنها يقال على ما يدخل فيه الأصابع والساعد والعضد والكتف ويقال على ما يدخل فيه الأصابع والكف فقط إلى الرسغ.
وذلك بالاشتراك اللفظي لا بالاشتراك المعنوي كما سمي جزء العظم وهو القطعة التي تعرض منه عظماً، والقطعة من
اللحم لحماً، ومن العصب عصباً ونحو ذلك.
والحيوانات تختلف في الأعضاء اختلافاً كبيراً، وذلك لأن الأعضاء هي آلات للنفس الحيوانية، وهذه الآلات تختلف لا محالة باختلاف هذه النفوس، إذ لكل نفس أعضاء تليق بها. كالأسد فإنه لما كان اغتذاؤه من اللحم، وإنما يتمكن من ذلك بأن يكون
قوياً على المصيد، وقهر غيره من الحيوان، ليتمكن من أكله وإنما يمكن ذلك بأن يكون شجاعاً، شهماً، جريئاً، مقداماً، قوياً على قهر غيره من الحيوان.
وإنما يمكن ذلك بأن تكون أعضاؤه شديدة القوة، وإنما يكون ذلك بأن تكون عظامه قوية، مستحكمة، مصمتة، خفية المفاصل، حتى كأنها من عظم واحد. ولا كذلك كثير من الحيوانات، فإن بعضها ضعيف البطش، واهي التركيب كالدود، وكثير من حيوان البحر، وأكثر الحيوانات مشتركة في أن كل واحد منها على عظام، ولحم، وعصب، وأربطة، ونحو ذلك.
واختلاف الحيوانات في الأعضاء قد تكون فيها أنفسها وقد تكون في أحوالها.
أما الاختلاف في العضو البسيط فمثل أن السمك له فلوس، والقنفذ له شوك، والطائر له ريش، والغنم له قرون، والسلحفاة لها صدف، وليس شيء من ذلك للإنسان وإن كان له.
وأما الاختلاف في العضو المركب، فمثل أن الفرس له ذنب، والجمل له سنام، والطائر له جناح، وليس شيء من ذلك للإنسان وإن كان له أجزاء غير هذه كالعصب، والعظم، واللحم، والرباط ونحو ذلك.
وأما اختلاف الحيوانات باختلاف الأعضاء، فذلك بأمور أحدها مقادير الأعضاء، فإن رأس الإنسان إذا قيس إلى سائر بدنه كان عظيماً جداً، ولا كذلك غيره من الحيوانات وثانيها: أعداد الأعضاء. فإن أعضاء الإنسان كثيرة جداً بالقياس إلى أعضاء الدود.
وللإنسان ثديان فقط، وللكلب ثمانية أثداء. وكذلك للإنسان رجلان فقط ولبعض العناكب سنة أرجل، ولبعضها ثمانية أرجل، ولبعضها عشرة ولبعض الحيوان أرجل كثيرة جداً، كما للحيوان المعروف بأربعة وأربعين.
وثالثها: كيفيات الأعضاء مثل أن عظام رأس الأسد والفيل شديدة الصلابة، وعظام رأس الإنسان رخوة جداً، ولا كذلك غيره.
وكذلك لون عين الإنسان يخالف جداً لون عين الهرة.
ورابعها: أوضاع الأعضاء، فإن ثدي الإنسان في صدره، وثدي الفيل قربت من صدره، وثدي الفرس ونحوه قربت من سرته.
وخامسها: أفعال الأعضاء من أن يدي الإنسان يبطش بهما، ويتناول بهما الأشياء. ولا كذلك وأنف الفيل يقوم له مقام اليدين من الإنسان في تناول ما يتناوله.
وسادسها: انفعالات الأعضاء. فإن عين الخفاش تنفعل جداً عن الضوء الشديد والحرباء بالضد من ذلك. وقد خلق الإنسان صناعي المأكل والملبس فاقد السلاح، فكرى الصنائع، وإنما خلق كذلك ليكون كثير الفكر فيتهيأ له لأجل كثرة فكره بكثرة الارتياض أن يتوصل إلى معرفة الله تعالى ومعرفة مخلوقاته. ولا كذلك غير الإنسان، فلذلك جعل ذلك كله لغير الإنسان بالطبع.
والأعضاء العالية تكون أولاً في الإنسان عظيمة، ثم تعظم أسافله، فتتشابه أجزاؤه وتنحني أعاليه عند الكبر، والأعضاء المتيامنة في جميع الحيوانات شبيهة جداً للمتياسرة.
وأما الأعضاء العالية فتشبه السافلة شبهاً أقل كاليدين ربما في الإنسان للرجلين. وأما الأعضاء الخلفية، والقدامية فالشبه فيها أقل.
والله ولي التوفيق