→ تشريح المعدة والمريء | شرح تشريح القانون لابن سينا القسم الثاني تشريح المعدة والمريء - البحث الأول المؤلف: ابن النفيس |
البحث الثاني ← |
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما المريء فهو مؤلف من لحم وطبقات غشائية... إلى قوله: ثم يستعرض بعد النفوذ في تبسط متوسعاً متصوراً فماً للمعدة.
الشرح إذا عرض مرض يلزمه تألم فم المعدة، فإنا نحس الوجع عند آخر عظام القص من أسفل. وذلك خلف الغضروف المسمى بالخنجري وكذلك إذا عرض خفقان معدي، فإنا نجده يجذب خلف هذا الغضروف ونحس به تحت القص، وكذلك إذا انصب إلى فم المعدة مادة حارة صفراوية كما يعرض كثيراً للصائمين في الصيف. وكذلك عند الإفراط في إخراج الدم في الفصد ونحوه فإنا نحس لذع تلك المادة عند آخر عظام القص، وكذلك إذا كثر انصباب السوداء إلى فم المعدة خاصة إذا كانت السوداء رديئة كما في كثير من أصحاب المراقيا فإنا نحس حينئذٍ لذع تلك السوداء عند آخر عظام القص وكذلك إذا حدث للطعام الكثير التخمة ونحوها فساد يحدث اللذع، فإنا نحس حينئذٍ ذلك اللذع عند آخر هذا الموضع. أعني عند آخر عظام القص من أسفل، وجميع هذا مما يوجب أن يكون فم المعدة هو في ذلك الموضع فلذلك فغن المشهور أن من جملة منافع الغضروف المعروف بالخنجري أنه وقاية لفم المعدة، وإذا كان كذلك إنما اشتهر بين الأطباء من أن المريء ينتهي عند الفقرة الثانية عشرة من فقرات الظهر، وأنه هناك يخرق الحجاب ويتسع ليكون منه فم المعدة، ظاهر أنه حديث باطل.
فإن هذه الفقرة هي آخر فقار الظهر، ويتصل بفقار القطن، ويتصل بها الضلع الذي هو أقصر أضلاع الخلف. وهو الضلع الآخر، وهذا الموضع لا شك أنه أنزل من الموضع المذكور، وهو عند آخر عظام القص بكثير ثم من المعلوم أن المعدة لا يمكن أن تكون عند فقار القطن فإن ذلك الموضع هو موضع الكلى والرحم، وكيف يمكن أن تكون المعدة هناك، وكثير من المعاء خاصة الدقاق موضع فوق السرة.
وقد عرفنا أن جميع المعاء موضوعة تحت المعدة ولو كانت المعدة عند القطن فالموضع الذي أعلاه عند آخر عظام القطن وأسفله عند محاذاة عظام القطن الذي يكون فيه من الأعضاء والمعلوم أن الكبد يشتمل على الجانب الأيمن من المعدة والطحال موضوع عند جانبها الأيسر، وأنزل من موضع الكبد ومع ذلك فإنا نحس الطحال عند الشراسيف اليسرى والكبد عند الشراسيف اليمنى يظهر ذلك إذا حدث لهذين العضوين ورم خاصة في الجانب المحدب، وهذا إنما يمكن إذا كان وضع المعدة فوق السرة فيما بين الجانبين ومن هذا يعرف أن ما قالوه في موضع انتهاء المريء وابتداء المعدة كاذب قبيح وذلك لأنهم يجعلون ذلك عند الفقرة الثانية عشرة، وذلك إذا كانت المعدة تبتدئ يلزم ذلك أن تكون موضوعة في اسفل البطن. ويكون أكثر الأمعاء فوقها.
وذلك لا محالة كذب محال.
والمريء كالجزء من المعدة لأنه يفعل فعلها في أخذ الغذاء وهضمه وأخذه للغذاء وهو بجذبه له بما فيه من الليف الطولي ويدفع ذلك المجذوب إلى أسفل فيعان ذلك بجذب الأجزاء السفلية، وهذا الدفع هو بالليف المستعرض وليس المراد أن جذبه ودفعه إنما بهذين الليفين فقط بل وبما فيه من الجذب والدفع الطبيعيين كما في جذب حجر مغناطيس الحديد، وأما جذبه ودفعه بالليف فقد بينا أن ذلك إنما يكون بفعل إرادي. ولكن الإرادة ها هنا من الإرادات الطبيعية كما بيناه فيما سلف. وإنما احتيج إلى هاتين القوتين أعني الإرادية والطبيعية ليتعاضدا على الجذب والدفع فيكون هذا الفعلان في المريء قويين وإنما احتيج إلى قوتهما فيه مع أن حركة الثقيل إلى أسفل سهلة، وذلك لأن نفوذ المريء إلى أسفل ليس على الاستقامة بل مع انحراف، قد بينا وجوبه حيث تكلمنا في تشريح الشرايين خاصة والمجذوب به والمدفوع لم يتصغر بعد أجزاؤه تصغيراً تاماً حتى يسهل نفوذه في المجرى مع ضيقه ولذلك فإن الغصص يقع كثيراً مع وجود هذه القوى في المريء، وإنما يهضم المريء للغذاء بما فيه من الأجزاء اللحمية فإن ذلك اللحم بحرارته يعين على الهضم الذي يتم بالطبخ، وأما الذي يكون بإحالة الصورة النوعية للمادة إلى مشابهة جوهرها، فلذلك مما لا يحتاج فيه إلى حرارة. وإنما خلق المريء كذلك لأنه جزء من المعدة، والمعدة تفعل أفعالها بهذه الأجزاء أعني أنها تهضم باللحمية وتجذب وتدفع بما فيها من الليف، وبما فيها من القوى الطبيعية، وكذلك يجب أن يكون المريء والله ولي التوفيق.