الرئيسيةبحث

شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الثاني/الفصل الخامس



فصل
الفم واللسان


قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والفم عضو ضروري...إلى قوله: يتوزع منهما العروق والكثير يسميان الصردين.

الشرح

كل حيوان يتنفس بالاستنشاق للهواء فإنه إنما يتنفس من أنفه فقط إلا الإنسان فإنه يتنفس من أنفه ومن فمه. وسبب ذلك أن الإنسان يحتاج كما بيناه أو لاً إلى الكلام وهو إنما يتم بتقطيع حروف يحتاج فيها إلى خروج هواء بعضه من الأنف وبعضه من الفم وإنما يتم ذلك إذا كان دخول الهواء هو أيضاً من هذين العضوين فلذلك يمكن للإنسان من التنفس وهو مطبوق الفم.

ويتمكن أيضاً من الكلام، وهو مطبوق الأنف. ولا كذلك غيره من الحيوانات المتنفسة وقد فتح بيطار فم فرس بآلة سدت منخريه فمات في الوقت. وقد بينا فيما سلف السبب في أن الحيوان يكتفي بفم واحد يدخل فيه الغذاء ولا كذلك النبات فإنه يحتاج إلى أفواه كثيرة جداً، وهي أطراف أصوله لأنه يأخذ الغذاء بالإرادة وينقله إلى فمه فلذلك يكتفي بواحد ولا كذلك النبات فإنه يأخذ الغذاء بالطبع وبالجذب الطبيعي فيحتاج إلى أفواه كثيرة حتى إذا تعذر الجذب ببعضها لأجل عوز المادة ونحو ذلك يمكن من ذلك الجذب بالباقي وما كان من الحيوان أن يمضغ المأكول قبل بلعه، فإنه لا يحتاج إلى سعة كبيرة في فمه وفي مجرى الغذاء منه إلى داخله ولا كذلك ما يبلع المأكول بدون تصغير الإنسان وحده غير محتاج إلى قوة حركة فكه للعض ونحوه، بخلاف باقي الحيوان فإن منها ما يحتاج إلى ذلك ليكون فمه كالسلاح له ومنها ما يحتاج إلى ذلك ليكون قبضه على الصيد ونحوه قوياً ومنها ما يحتاج إلى ذلك لأجل حاجته إلى تكسير مأكوله بفمه ونحو ذلك وأما الإنسان فإنه لما كان يتخذ الغذاء بالصناعة ليستغني عن ذلك كله، فلذلك فكه المتحرك أخف وأضعف حركة من غيره. وجميع الحيوان يحرك فكه الأسفل إلا التمساح فإنه يحرك فكه الأعلى.

وقد بينا السبب في ذلك كله عند كلامنا في تشريح العظام، وجميع آلات الحواس، فإن كل آلة منها تزيد على واحدة وكذلك اللسان أيضاً ولكن اللسان اختص بأن فرديه ملتصق أحدهما بالآخر ولا كذلك لسان بعض الحيات فإنه مقسوم فيها باثنين وإنما اختص اللسان بالتصاق أحد فرديه بالآخر لأنه لو بقي على حاله مقسوماً بإثنين كما في تلك الحيات لزم ذلك عسر المضغ. وكان الكلام يختل في الإنسان فلذلك لصق فرداه، وجعل لساناً واحداً وألسنة الأجنة بيض الألوان لأن لحم اللسان كذلك وإنما يحمر اللسان بعد الولادة وذلك لما يلزمه من الدم في العروق المنبثة فيه.

وألفاظ الكتاب ظاهرة. والله ولي التوفيق.