→ الجملة الخامسة | شرح تشريح القانون لابن سينا القسم الأول الجملة الخامسة - الفصل الأول المؤلف: ابن النفيس |
الفصل الثاني ← |
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما العروق الساكنة ... إلى آخر الفصل.
الشرح لما كانت الكبد وهي العضو الذي من شأنه إحالة الكيلوس كيموساً لتغذية نفسها وتغذية البدن كله بذلك الكيموس. وإنما يمكن ذلك بأن يكون للكيموس طريق ينفذ فيه من المعدة والأمعاء إلى الكبد ويكون للكيموس طريق ينفذ فيه من الكبد إلى جميع الأعضاء، ولا بد من أن يكون جرم كل واحد من الطرق قوياً لئلا ينخرق عند تمديد الكيموس أو الكيلوس له. ولا بد أن يكون مع ذلك لدناً حتى يكون قابلاً للانثناء والانعطاف بسهولة على حسب ما يعرض للأعضاء الأخر من ذلك فلا يكون معاوقاً عن تحرك الأعضاء. ولا بد من أن يكون مع ذلك مجوفاً ليمكن أن ينفذ في تجويفه كل واحد من هذين: أعني الكيلوس والكيموس وما هو من الأعضاء كذلك فهو المسمى عند متأخري الأطباء بالأوردة، وهي التي نريد أن نتكلم الآن فيها.
ولما كان تولد الكيموس هو في المعدة، وانجذابه هو في الأمعاء، وجب أن يكون الطريق الذي ينفذ فيه الكيلوس إلى الكبد مع اتصاله بالكبد هو متوجه إلى ناحية المعدة وإلى الأمعاء وما يقرب منهما ليكون منهما ترشح من هذين العضوين شيء من الكيلوس فيمكن لتلك الأوردة المنبثة هناك من استرشاحه لينفذ في تجاويفها ويوصله إلى الكبد.
أما اتصال هذه الأوردة بالكبد فيكفي أن تكون في موضع واحد. ومن ذلك موضع يتفرق الكيلوس في جرم الكبد فلذلك يكفي أن يكون الآتي للكبد بالكيلوس عرقاً واحداً، ويكون لذلك العرق تفرع في جرم الكبد إلى فروع كثيرة فيها ينفذ الكيلوس في جرمها متفرقاً متشتتاً ليكون أقوى على إحالة قوية.
وهذا العرق يسمى الباب وفروعه التي تنبت في جرم الكبد تسمى فروع الباب.
وأما أطراف هذا العرق عند المعدة والأمعاء ونواحيهما فيجب أن تكون كثيرة جداً لتفي باستنشاق جميع ما يرشح من هذين العضوين من أي موضع كان. فلذلك يجب أن ينقسم الباب في أخذه إلى المعدة والأمعاء إلى فروع كثيرة.
وهذه الفروع تسمى الماساريقا والمشهور أن هذه الماساريقا متصلة بالمعدة وبالأمعاء جميعها نافذة بتجاويفها إلى تجاويف المعدة والأمعاء وهذا قد بيناه فيما سلف أن من جملة الخرافات المشهورة هذا.
وأما الأوردة الموصلة للكيموس من الكبد إلى جميع الأعضاء فظاهر أنها يجب أن تكون متصلة أيضاً بالكبد وبالأعضاء جميعها واتصالها بالكبد يكفي أيضاً أن يكون في موضع واحد وذلك هو الوريد المسمى بالأجوف.
ولما كان اتصال الباب بالكبد يجب أن يكون من جهة مواجهتها للمعدة والأمعاء وذلك هو مقعر الكبد، وجب أن يكون اتصال الأجوف هو محدب الكبد لأن الكيلوس إنما يجذبه الكبد ليأخذ منه الغذاء، واندفاعه بعد أن صار كيموساً من الكبد إلى الأعضاء الأخر، إنما يكون لأنه فضل غذائها، وجهة دفع الفضل يجب أن تكون مقابلة لجهة جذب الغذاء كما بيناه مراراً، فلا بد أن يكون اتصال العرق المسمى بالأجوف من محدب الكبد، ويجب أن يكون لهذا الأجوف أصول كثيرة متفرقة في أجزاء الكبد لتمتص الكيموس من جميع أجزاء الكبد وتوصله إلى هذا الأجوف.
وبعد هذا نتكلم إن شاء الله تعالى في تفصيل الكلام في كل واحد من هذين العرقين: وهما الباب والأجوف.
ولنقدم أو لاً الكلام في الباب لأن فعله متقدم على فعل الأجوف. والله ولي التوفيق.