الرئيسيةبحث

شباك وفيقة

شباك وفيقة
المؤلف: بدر شاكر السياب


شبّاك و فيقة في القرية

نشوان يطلّ على الساحة

كجليل تنتظر المشية

ويسوع و ينشر ألواحه

إيكار يمسّح بالشمس

ريشات النسر و ينطلق

إيكار تلقّفه الأفق

و رماه إلى اللجج الرمس

شبّاك وفيقة يا شجرة

تتنفس في الغبش الصاحي

الأعين عندك منتظرة

    تترقب زهرة تفاح

    و بويب نشيد

    و الريح تعيد

    أنغام الماء على السّعف

      ووفيقة تنظر في أسف

      من قاع القبر و تنتظر:

      سيمر فيهمسه النّهر

      ظلاً يتماوج كالجرس

      في ضحوة عيد

      ويهفّ كحبات النّفس

      و الريح تعيد

      أنغام الماء ( هو المطر )

      و الشمس تكركر في السعف

      شباك يضحك في الألق؟

      أم باب يفتح في السور

      فتفر بأجنحة العبق

      روح تتلهف للنور ؟

        يا صخرة معراج القلب

        يا صور الألفة و الحبّ

        يا درباً يصعد للرب

        لولاك لما ضحكت للأنسام القرية

        في الريح عبير

        من طوق النهر يهدهدنا و يغنينا

        عوليس مع الأمواج يسير

        والريح تذكّره بجزائر منسية:

        شبنا يا ريح فخلّينا

          العالم يفتح شبّاكه

          من ذاك الشباك الأزرق

          يتوحد يجعل أشواكه

          أزهاراً في دعة تعبق

            شباك مثلك في لبنان

            شباك مثلك في الهند

            و فتاة تحلم في اليابان

            كوفيقة تحلم في اللّحد

            بالبرق الأخضر و الرعد

              شباك وفيقة في القرية

              نشوان يطل على الساحة

              كجليل تحلم بالمشية

              و يسوع

              و يحرق ألواحه

              أطلي فشّباكك الأزرق

              سماء تجوع

              تبينته من خلال الدموع

              كأني بي ارتجف الزورق

              إذا انشق عن وجهك الأسمر

              كما انشق عن عشتروت المحار

              و سارت من الرغو في مئزر

              ففي الشاطئين اخضرار

              و في المرفأ المغلق

              تصلّي البحار

              كأني طائر بحر غريب

              طوى البحر عند المغيب

              و طاف بشبّاكك الأزرق

              يريد التجاء إليه

              من الليل يربدّ عن جانبيه

              فلم تفتحي

              ولو كان ما بيننا محض باب

              لألقيت نفسي لديك

              و حدقت في ناظريك

              هو الموت و العالم الأسفل

              هو المستحيل الذي يذهل

              تمثّلت عينيك يا حفرتين

              تطلان سخراً على العالم

              على ضفة الموت بوّابتين

              تلوحان للقادم

              و شبّاكك الأزرق

              على ظلمة مطبق

              تبدّي كحبل يشدّ الحياة

              إلى الموت كيلا تموت

              شفاهك عندي ألذّ الشفاة

              و بيتك عندي أحبّ البيوت

              و ماضيك من حاضري أجمل

              هو المستحيل الذي يذهل

              هو الكامل المنتهي لا يريد

              و لا يشتهي أنه الأكمل

              ففي خاطري منه ظل مديد

              و في حاضري منه مستقبل

                ترى جاءك الطائر الزنبقي

                فحلقت في ذات فجر معه

                و ألقى نعاس الصباح النقي

                على حسك المشتكى برقعة

                و فتحت عينيك عند الأصيل

                على مدرج أخضر

                و كان انكسار الشعاع الدليل

                إلى التل و المنزل المرمر

                هناك المساء اخضرار نحيل

                من التوت و الظل و الساقية

                و في الباب مدّ الأمير الجميل

                ذراعيه يستقيل الآتية :

                أميرتي الغالية

                لقد طال منذ الشتاء انتظاري

                ففيم التأني وفيم الصدود ؟

                  و هيهات أن ترجعي من سفار

                  و هل ميّت من سفار يعود ؟