شاعر البحر إلى البحر يعود
شاعر البحر إلى البحر يعود المؤلف: زكي مبارك |
شاعر البحر إلى البحر يعود
بالهوى المشبوب والروح المريد
إن هذا اللحن من هذا النشيد
هو للبحر وجودٌ وخلود
وطن الروم وبحر العرب
قد ملكناه بسيف الأدب
إن يقل يوماً هنا كان أبي
قلت مجد الشعر فوق النسب
أين أيامي برمل اسكندريه
والهوى يمرَح والروح فتيّه
أين أيامي ونار الوطنيه
تجعل القلب إلى الوادي هديه
لم أعد أذكر والدنيا صروف
غير أوهامٍ سوار وطيوف
شاب رأسي أترى الشيب يخيف
فارس الحب وقهّار الحتوف
إن في قلبي بقايا من شباب
إن في عقلي بقايا من صواب
ما على الأيام إن جارت عتاب
إنها المعصور من ماء السراب
إن هذا البحر روحٌ من نعيم
إن هذا البحر لفحٌ من جحيم
في ثناياه خفيفٌ من نسيم
وأعاصيرُ من الكرب المقيم
كان لي فيه على عهد شبابي
صبواتٌ في ذهابي وإيابي
لم أكن أعرف والحظ كتابي
أنه خطّ على متن العباب
أنا بالشعر وبالنثر أجود
ما الذي يا بحر في الحب تجود
أمل الحب قريبٌ وبعيد
وسراب في هبوط وصعود
جئت وحدي لا أنيسٌ لا رفيق
ما لمحزونٍ إلى الصفو طريق
فسحة الأيام ضيق بعد ضيق
وندى البحر حريق في حريق
أنا يا بحر بأهوائي غريق
أشرب الأهواء ريقا بعد ريق
بالهوى قل لي متى يوما أفيق
من غرام هو كأسٌ من رحيق
جنيّة البحر ماذا أنت صانعةٌ
يا دميةً صنعتُها من وحي أحلامي
لا تنكري كيف كنا والهوى شرفٌ
أصوغه من غواياتي وآثامي
قصائدٌ هي أمواجٌ مؤججةُ
وأبحر من صبابات واشجان
جنية البحر لو أصغت لنا برزت
وأسلمت خدها للشاعر الجاني
شيطانةٌ لو بدت يوما لكان لها
من وحي روحي وقلبي ألف شيطان
تبيت تلعب تحت الموج لاهيةً
بما هنالك من در ومرجان
إلى الفضاء تعالى واسمعي وترا
قد أسكر الخلق من إنس ومن جان
إذا تغنّى وقال الشعر متقدا
أصغى له من جواه كل مرنان
جنيّة البحر عودي
وباللّمى العذب جودي
لا تنفرى من صعود الشط خائفةً
من شاعر فاتك بالحسن هيمان
بلقيسُ أنت وعرش المجد تحت يدي
ورثته أنا عن جدي سليمان
أيها البحر سلام وسلام
أيها البحر غناء وغناء
أيها البحر غرامٌ وغرام
أيها البحر لقاءٌ ولقاء
تعال يا بحر عندي
إني بروحي عندك
فضحت بالشعر وجدي
فافضح بقربك وجدك
ما كان عهد تلاقينا سوى زمن
مضرج بنجيع السيف والنار
رأيت شطك والأهواء تعصف بي
عصف الإسار بليث الغابة الضارى
كان الحديد سياجاً أستظلّ به
ظهراً وكان نديمي عند أسحاري
إن أنسَ لا أنس والأيام ذاهبة
أني سجنت مع الأحرار في داري
كان اصطخاب هدير الموج يؤنسني
كأنما هو من صحبي وسمّاري
الإنجليز رمموني ها هنا سحرا
والدهر يضرب أحجاراً بأحجار
كانوا يخالون لا صحت مخايلهم
أني أقلّم عند السجن أظفاري
قد استتابوا رجالاً كان أشجعهم
عند الكريهة مأموراً لأمّار
تعهدوا أن يتوبوا من غوايتهم
والتوب في بعض معناه من العار
بقيت وحدي وأجنادٌ مدججة
حوارسٌ ها لهم عمدي وإصراري
عني عفوا لا عفت عنهم جرائمهم
من جانثين بصدق الوعد غدّار
ملائكٌ في تساميهم إذا نطقوا
وفعلهم مثل بغي القط بالفار
جنت عليهم مع الأيام بيئتُهم
إن الضباب دخانُ النار بالقار
الصيد مهنتهم والبحر ساحتهم
ما للمصايد إلا كل ختّار
في نهرنا الرعاد
في نهرنا وحده
لا تخدعوا الصياد
لا تخلفوا وعده
إن بشعري سأطويكم وأنشركم
يا جاهلين بإيماني وتبياني
عدت للبحر وما عاد الفؤاد
إنه من محنة الوجد يعاد
بجميل الوجه واللحن يصاد
إنه المأسور من صوت سعاد