سِراعاً بَني أُمّي بِحَثِّ ظُعونِها
سِراعاً بَني أُمّي بِحَثِّ ظُعونِها المؤلف: شكيب أرسلان |
سِراعاً بَني أُمّي بِحَثِّ ظُعونِها
فَما حَرَّكَ الآلامَ غَيرَ سُكونِها
وَما زالَ فَريُ الخَطبِ تَحتَ خِفافِها
وَشَرحُ صُدورِ الرَكبِ فَوقَ مُتونِها
لَعَمرُ المَعالي ما عَدونَ دِيارَنا
وَلا حُرِبَت إِلّا بِطولِ هُدونِها
وَلا كانَ ما قَد آثَرتُ مِن فُتورِها
سِوى الأَصلُ فيما كابَدَت مِن فُتونِها
يُعافونَ مَورودَ الصِعابِ إِلى العُلا
وَلا مَجدَ إِلّا بِاِرتِقاءِ حُزونِها
فَمَن يَرِدُ الأَيّامَ بيضاً فَلا يَكُن
جَزوعاً لِكَرّاتِ اللَيالي بِجَونِها
رَكِبنا ظُهورَ الصافِناتِ وَقَد ثَوَت
بِأصلابِنا فُرسانَ ما في بُطونِها
وَقُلنا لَهادينا الفَلاةَ فَإِنَّنا
رَجِعنا إِلى آبائِنا وَشُئونِها
طَووا شِقَقَ البَيداءِ شَرقاً وَمَغرِباً
أَلَم يَكُ مِن ماءِ الأَوالي وَطينَها
وَما إِن شَأيٍ بِالكَهرَباءَةِ مَركَبِ
بِشاحِطَةِ الصَحراءِ مَدَّ هَجينَها
فَإِن يَقطَعُ القَومَ البِحارَ فَعِندَنا
مَهامِهُ لا تَلقى لَهُم بِسَفينِها
عَلى غَيرِ شَيءٍ غَيرَ أَنّا عِصابَةً
غِضابٌ لَدَينا المُسلِمينَ وَدينَها
تَعدوا حُدودَ الصَبرِ حيفاً بِأُمَّةً
غَدوا لَبِداً في عَزمِ قَطعِ وَتينِها
وَقَد طالَما بِتنا نُغالِطُ أَنفُساً
وَنَبغي مِنَ الأَعلاجِ سَلَّ ضُغونَها
إِلى أَن تَجلى العَزمَ لا حَجبَ دونَهُ
وَقَصُرَ بِالأَعذارِ نَصٌّ مُبينَها
وَلَم يَبقَ مِن مُستَعجِمٍ في مُرادِهِم
بِأُمَّةٍ صِدقَ أَمعَنَت في رُكونِها
فَقُلنا عَلَيكُم بِالسُيوفِ فإِنَّها
لِأَفصَحُ مِن أَقلامِنا بِرَنينِها
فَإِن يَخفِرِ الأَعداءَ عُهودَنا
فَعِندَ ذِمامِ البيضِ رَدعُ خُؤونِها
أَلا شَدَّ ما قَد أَصغَرَت مِن مَقامِنا
وَما اِقتَحَمَتنا في الغُزاةِ لِحينِها
تَناسَت سَريعاً ما مَضى مِن بَلائِنا
وَأَنّا عَلَونا عالِياتٍ قُرونَها
وَظَنَّت عُروشُ الشَرقِ ما لَت وَأَصبَحَت
كَأَن لَم يَكُن بَينَ الصَفا وَحُجونِها
وَأَنَّ زَمانَ الثَأرِ وافى فَأَوجَفَت
أَلا خابَ ما قَد قَدُمَت مِن ظُنونِها
فَلَم يَزَلِ الإِسلامُ غَضاً بِأَهلِهِ
وَنيرانِهِ لَم تَنطَفِئ بِكُمونِها
وَما رَقرَقَ القُرآنُ ماءَ طِباعِها
فَهَيهاتَ يَخشى مِن نُضوبِ مُعينِها
فَلا يَغتَرِر قَومٌ بِظاهِرٍ لينَنا
فَما الصَعدَةَ السَمراءَ هَوناً بِلينِها
لَنا مِن بَني عُثمانَ كُلَّ غَضَنفَرٍ
تَخِرُّ لَهُ أَبطالُهُم لِذُقونِها
فَلَسنا نُباهي أَن نَحَرنا سِخالَها
وَقبلاً صَرَعنا أَسَدَها في عَرينِها
فَما اِضطَلَعَت بِالسَيفِ أَيدي جُنودِها
وَإِن مَهَرَت في الشَحذِ أَيدي قُيونِها
جَحافِلَ في سَيفِ البِحارِ تَخالُها
مِنَ الذُعرِ وَرقاً عُكَّفاً في وَكونِها
وَلَولاَ الجَواري المُنشَآتِ تَمُدُّها
مِنَ اللُجِّ زَجَت في مَغاغِرِ نونِها
لَئِن جَرَدَتها رَومَةٌ لِحِصارِنا
لَقَد أَودَعَتها عِندَنا بِسُجونِها
وَفي كُلِّ يَومٍ وَقعَةٍ لِجُيوشِها
تَضيقُ بِها بِطَحاؤِها بِدَفينِها
لَقَد طَعَمَت مِمّا جَنَتهُ وَضيعَةٌ
تُخالِطُ فيها جَبنَها بِجُنونِها
قَد اِستَوقَدَتها الحَربُ نارَ شُكوكِها
إِذا العَرَبُ وافَتها بِثَلجِ يَقينِها
فَدونَكُمو يا أَيُّها العُربُ حَملَةً
نِزارِيَّةً فَاِستَبسَلوا لِزَبونِها
وَصونوا ذِمارَ المُلكِ شَداً فَلَم يُملِ
سُروجَ المَطايا غَيرَ رَخوِ وَضينِها
وَهَذي طَلى الطَليانِ تَهفو إِلَيكُمو
سُقوطَ ثِمارِ الدَوحِ مِن عَن غُصونِها
سَتَعلَمُ أَطرابِلسَ أَنّا صِحابَها
وَبُرقَةً لا نَرضى لَعَمري بِدونِها
وَكُلُّ ذِراعٍ عِندَنا مِن تُرابِها
كَخالِصَةِ الأَعلاقِ عِندَ ضَنينِها
سَلِمتَ أَميرَ المُؤمِنينَ لِأُمَّةٍ
مُحمَّدَ طولَ الدَهرِ نورُ عُيونِها
تُقيمُ بِها في الحَقِّ حُكمَ أَميرِها
وَتَرعى لَها بِالرِفقِ عَهدَ أَمينِها
وَمِن أُمراءِ الشَرقِ حَولَكَ عُصبَةً
سُطاكَ كَرسيها وَشَمُّ حُصونِها
وَيا سَيفَ نَصرٍ عامِلاً في عِداتِها
وَقائِمَهُ لَمّا يَزَل في يَمينِها
إِذا اِعتَصَمَت في رَوعِها مِن مُحَمَّدٍ
بِصاحِبِها مِنكَ اِهتَدَت لِمُعينِها
وَإِن جَهَمَتها الحادِثاتُ فَلَم يَزَل
بِعَبّاسِها بَسّامُ نُورٍ جَبينِها
إِذا عالَمُ الإِسلامِ أَولاكَ شُكرَهُ
فَما لِذُبابِ بِلُغَةٍ بِطَنينِها
تَحِنُّ إِلى ناديكَ مُهجَةُ غائِبٍ
يُطَعُها في البُعدِ فَرطَ حَنينِها
فَإِن تَكُ آلَت نَجدَةً لِقَبيلِها
فَمِثلُكَ مَن يَرضى بِبِرِّ يَمينِها
وَلَولا الحُقوقُ الواجِباتُ لَما نَبَت
أَماكِنَ مِن أَوطانِها بِمَكينِها
تَظَلُّ الدَعاوي في المَعالي كَثيرَةٌ
وَما كُلُّ باغٍ وَصلَها بِقَرينِها
إِلى مُلتَقى الجَمعَينِ وَالسَيفُ فاصِلٌ
هُنالِكَ يَدري غَثَّها مِن سَمينِها
هُناكَ لَنا في جانِبِ الغَربِ إِخوَةٌ
تَسومُهُم البُؤسى العِدى بِفُنونِها
بَكَينا لَها نَحنُ الأُلى ما تَعَوَّدَت
مَدامِعُهُم في الخَطبِ بَذلُ مُصونِها
فَإشن نَحنُ قارَرنا عَلى ضَيمِ أَهلِنا
فَهَيهاتَ نَرجو العِزَّ مِن بَعدِ هَونِها
تَرى النَفسَ دَيناً وَقفَةً في صُفوفِها
قَضاءٌ عَنِ الأَرحامِ بَعضَ دُيونِها
فَما الشامُ وَالنيلُ السَعيدُ وَدِجلَةً
سِواها لَدى أَفراحِها وَشُجونِها
وَوَاللَهِ لا أُعطيه المَقادِ لِظالِمٍ
وَلَمّا أُرِد بِالنَفسِ حَوضَ مُنونِها
إِذا باتَ أَخواتي بِبُرقَةٍ سُهَّداً
فَكَيفَ تَنامُ العَينُ مِلءَ جُفونِها