سينية
سينية المؤلف: أحمد شوقي |
اختلاف النهار والليل ينسي
اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
وصفا لي ملاوة من شباب
صورت من تصورات ومس
عصفت كالصبا اللعوب ومرت
سنة حـلوة ولذة خلس
وسلا مصر: هل سلا القلب عنها
أو أسا جرحه الزمان المؤسي
كلما مرت الـليالـي عليه
رق، والعهد فـي الليالي تقسي
مستطار إذا البواخر رنت
أول الليل، أو عوت بعد جرس
راهب في الضلوع للسفن فطن
كلما ثرن شاعهن بنقس
يا ابنة اليم، ما أبـوك بـخيل
ماله مولعاً بمنع وحبس
أحرام على بلابـله الدوح
حلال للطير من كل جنس؟
كل دار أحق بالأهل إلا
في خبيث من المذاهب رجس
نفسي مرجل، وقلبي شراع
بهما في الدموع سيري وأرسي
واجعلي وجهك (الفنار) ومجراك
يـد (الثغر) بـين (رمل) و(مكس)
وطـني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهـفا بالفؤاد في سلسبيل
ظمأ للسواد مـن (عين شمس)
شهد الله لم يغب عن جـفوني
شخصه ساعة ولم يخل حسي
يا فؤادي لكل أمر قرار
فيه يبدو وينجلي بعد لبس
عقلت لجة الأمور عقولاً
طالت الحوت طول سبح وغس
غرقت حيث لا يصاح بطاف
أو غريق، ولا يصاخ لحس
فلـك يكسف الشموس نـهـاراً
ويسوم البدور ليلة وكس
ومواقيت للأمور إذا ما
بلغتها الأمور صارت لعكس
دول كالرجال مرتهنـات
بقيام من الجدود وتعس
وليال من كل ذات سوار
لطمت كل رب (روم) و(فرس)
سددت بالهلال قوساً وسلت
خنجراً ينفذان من كل ترس
حكمت في القرون (خوفو) و(دارا)
وعفت (وائلاً) وألوت (بعبس)
أين (مروان) في المشارق عرش
أموي وفي الـمغارب كرسي؟
سقمت شمسهم فرد عليها
نورها كل ثاقب الرأي نطس
ثم غابت وكل شمس سوى هاتيك
تبلى، وتنطوي تحت رمس
وعظ (البحتري) إيـوان (كسرى)
شفتني القصور من (عبد شمس)
رب ليل سريت والبرق طرفي
وبساط طويت والريح عنسي
أنظم الشرق في (الجزيرة) بالغرب
وأطوي البلاد حزنـاً لدهس
في ديار من الخلائف درس
ومـنار من الطوائف طمس
وربى كالجنان في كنف الزيتون
خضر، وفي ذرا الكرم طلس
لم يرعـني سوى ثرى قرطبي
لمست فيه عبرة الدهر خمسي
يا وقى الله ما أصبح منه
وسقى صفوت الحيا ما أمسي
قرية لا تعد في الأرض كنت
تمسك الأرض أن تميد وترسي
غشيت ساحل المحيط وغطت
لجة الروم من شراع وقلس
ركب الدهر خاطري في ثراها
فأتى ذلك الحمى بــعد حدس
فتجلت لي القصور ومن فيها
من العز في منازل قعس
سنة من كرى وطيف أمـان
وصحا القلب مـن ضلال وهجس
وإذا الدار ما بها من أنيس
وإذا القوم ما لهم من محس
ورقيق من البيوت عتيق
جاوز الألف غير مذموم حرس
أثر من (محمد) وتراث
صار (للروح) ذي الولاء الأمس
بلغ النجم ذروة وتناهى
بين (ثهلان) في الأساس و(قدس)
مرمر تسبح النواظر فيه
ويطول المدى عليها فترسي
وسوار كأنها في استواء
ألفات الوزير في عرض طرس
فترة الدهر قد كست سطريها
ما اكتسى الهدب من فتور ونعس
ويحها! كم تزينت لعليم
واحد الدهر واستعدت لخمس
وكأن الرفيف في مسرح العين
ملاء مدنرات الدمقس
ومكان الكتاب يغريك رياً
ورده غائباً فتدنو للمس
صنعة (الداخل) المبارك في
الغرب وآل له ميامين شمس
من (لحمراء) جللت بغبار
الدهر كالجرح بين بـرء ونكس
كسنا البرق لو محا الضوء لحظاً
لمحتها العيون من طول قبس
حصن (غرناطة) ودار بني الأحمر
من غافل ويقظان ندس
جلل الثلج دونها رأس (شيرى)
فبدا منه في عـصائب برس
سرمد شيبه، ولم أر شيئاً
قبله يـرجى البقاء وينسي
مشت الحادثات في غرف (الحمراء)
مشي النعي في دار عرس
هتكت عزة الحجاب وفضت
سدة الباب من سمير وأنسي
عرصات تخلت الخيل عنها
واستراحت من احتراس وعس
ومغان على الليالي وضاء
لم تجد للعشي تكرار مس
لا ترى غير وافدين على التاريخ
ساعين في خشوع ونكس
نقلوا الطـرف في نضارة آس
من نقوش، وفي عصارة ورس
وقباب من لازورد وتبر
كالربى الشم بين ظل وشمس
وخطوط تكفلت للمعاني
ولألفاظها بأزيـن لبس
وترى مجلس السباع خلاء
مقفر القاع من ظباء وخنس
لا (الثريا) ولا جواري الثريا
يتنزلن فيه أقمار إنس
مرمر قامت الأسود عليه
كلة الظفر لينات المجس
تنثر الماء في الحياض جماناً
يـتنزى على ترائب ملس
آخر العهد بالجزيرة كانت
بعد عرك من الزمان وضرس
فتراها تقول: راية جيش
باد بالأمس بـين أسر وحـس
ومفاتيحها مقاليد ملك
باعها الوارث المضـيع ببخس
خرج القوم في كتائب صم
عن حفاظ كموكب الدفن خرس
ركبوا بالبحار نعشاً وكانت
تحت آبائهم هي العرش أمس
رب بان لهادم، وجموع
لمشت ومحسن لمخس
إمرة الناس همة لا تأنى
لجبــان ولا تسنى لجبس
يا دياراً نزلت كالخلد ظلاً
وجـنى دانياً وسلسال أنس
محسنات الفصول لا نـاجر فيها
بقيظ ولا جمادى بـقرس
لا تحش العيون فوق ربــاها
غير حور حو المراشف لعس
كسيت أفرخي بظلك ريشاً
وربا في رباك واشتد غرسي
هم بنو مصر لا الجميل لديهم
بمضاع ولا الصنيع بمنسي
من لسان على ثنائك وقف
وجنان على ولائك حبس
حسبهم هذه الطلول عظات
من جديد على الدهور ودرس
وإذا فاتك التفات إلى الماضي
فقد غاب عنك وجه التأسي